مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة13%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234478 / تحميل: 8797
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

١٩٧٤ - وسأل عبيد بن زرارة أبا عبدالله عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه(١) " قال: ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه ".

١٩٧٥ - وروى محمد بن حكيم عن الصادق عليه السلام أنه قال: " لو أن رجلا مات صائما في السفر لما صليت عليه".

١٩٧٦ - وروى حريز، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمى رسول الله صلى الله عليه وآله قوما صاموا حين أفطر وقصر: العصاة، قال: وهم العصاة إلى يوم القيامة، وإنا لنعرف أبناء‌هم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا".

١٩٧٧ - وروى العيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافرا أفطر، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة فلما انتهى إلى كراع الغميم(٢) دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر والعصر فشرب وأفطر وأفطر الناس معه وتم أناس على صومهم فسماهم العصاة، وإنما يؤخذ بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله "(٣) .

١٩٧٨ - وروى أبان بن تغلب عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خيار أمتي الذين إذا سافروا أفطروا وقصروا، وإذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وشرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به، يأكلون طيب الطعام، ويلبسون لين الثياب، وإذا تكلموا لم يصدقوا ".

___________________________________

(١) " فمن شهد " أى فمن حضر في موضع في هذا الشهر ولم يكن مسافرا ولا مريضا.

(٢) هو اسم موضع بين مكة والمدينة، والكراع جانب مستطيل من الحرة، تشبيها بالكراع وهو ما دون الركبة من الساق، والغميم بالفتح واد بالحجاز أمام عسفان.

(٣) بيان لوجه عصيانهم أى يجب الاخذ والعمل بأوامر الرسول صلى الله عليه وآله فاذا أمر بالافطار وجب الافطار، فمن لم يفطر كان عاصيا، وانما يؤخذ الصوم بأمره فلما أفطر يجب الاطاعة (سلطان) أقول: كأن في سقطا والاصل " انما يؤخذ بآخر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله " كما في الكافى ج ٤ ص ١٢٧ ولعله من النساخ، وذلك لرفع توهم عدم كونهم عصاة لاخذهم بقوله السابق.

١٤١

١٩٧٩ - وروى ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن عمار بن مروان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سمعته يقول: من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد(١) أو في معصية الله عزوجل، أو رسولا لمن يعص الله عزوجل، أو طلب عدو أو شحناء، أو سعاية(٢) أو ضرر على قوم من المسلمين ".

١٩٨٠ - وقال عليه السلام: " لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلا بسبيل حق "(٣) .

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: قد أخرجت تقصير المسافر في جملة أبواب الصلاة في هذا الكتاب، والحد الذي يجب فيه التقصير، والذين يجب عليهم التمام.

فأما صوم التطوع في السفر

١٩٨١ - فقد قال الصادق عليه السلام: " ليس من البر الصوم في السفر"(٤) .

١٩٨٢ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه " سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم، فقال: إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم، وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه "(٥) .

١٩٨٣ - وروى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر رمضان، وإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الاقامة بها فعليه صوم ذلك

___________________________________

(١) المراد بالصيد اللهوى منه، قال الشيخ في النهاية والمبسوط " ان طلب الصيد للتجارة يقصر صومه ويتم صلاته " وفى خصوص هذه المسألة اختلاف بين فقهائنا راجع مصباح الفقيه ص ٧٤٤ من كتاب الصلاة.

(٢) سعى به إلى الوالى: وشئ به.

والشحناء: العداوة.

(٣) أى مباح كما هو المشهور، أو راجح كما قيل. (المرآة)

(٤) ظاهره نفى صحة الصوم ومشروعيته في السفر اذ العبادة ليست غير البر، الا أن يكون المراد ليس من البر الكامل، ثم لا يخفى أن الحديث ليس صريحا في صوم التطوع اذ ربما كان المراد صوم شهر رمضان (سلطان) أقول: في بعض النسخ " الصيام في السفر ".

(٥) في بعض النسخ " فليتم صومه ".

١٤٢

اليوم، وإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه، وإن شاء صام "(١) .

١٩٨٤ - وفي رواية رفاعة بن موسى عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن رجل يقبل(٢) في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنه سيدخل أهله ضحوة(٣) أو ارتفاع النهار، قال: إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر ".

١٩٨٥ - وورى يونس بن عبدالرحمن عن موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال: " في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه قال:(٤) يعني إذا كانت جنابته من احتلام ".

١٩٨٦ - وسأل عبدالله بن سنان أبا عبدالله عليه السلام " عن الرجل يأتي جاريته في شهر رمضان بالنهار في السفر، فقال: ما عرف هذا حق شهر رمضان إن له في الليل سبحا طويلا(٥) قال: قلت له: أليس له أن يأكل ويشرب ويقصر؟ قال: إن الله عز وجل رخص للمسافر في الافطار والتقصير رحمة وتخفيفا لموضع التعب والنصب ووعث السفر(٦) ولم يرخص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان، وأوجب عليه قضاء

___________________________________

(١) المشهور وجوب الصوم إذا دخل قبل الزوال ولم يفطر، وحمل هذا الخبر وأمثاله على التخيير قبل الدخول ويؤيده خبر رفاعة الاتى.

(٢) في الكافى ج ٤ ص ١٣٢ " يقدم ".

(٣) ضحوة النهار: بعد طلوع الشمس، والضحى ارتفاعه.

(٤) لعله كلام يونس وحملها على جنابة لم تخل بصحة الصوم فالمراد الاحتلام في اليوم أو في الليل ولم ينتبه الا بعد طلوع الفجر أو انتبه ونام بقصد الغسل (المرآة) وقال الفاضل التفرشى: لعل مراده بالاحتلام في اليوم دون الليل وبقائه على الجنابة حتى يطلع الفجر اذ الظاهر عدم الفرق بين الاحتلام والجماع في الليل.

(٥) السبح: الفراغ والتصرف في المعاش كما قال قتادة في قوله تعالى " ان لك في النهار سبحا طويلا ". أى فراغا طويلا. (الصحاح)

(٦) الوعث: المكان السهل الكثير الدهس، ووعثاء السفر مشتقة.

١٤٣

الصيام ولم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة إذا آب من سفره، ثم قال: والسنة لا تقاس(١) وإني إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل كل القوت(٢) وما أشرب كل الري ".

والنهي عن الجماع للمقصر في السفر إنما هو نهي كراهة لا نهي تحريم.

١٩٨٧ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " رجل صام في السفر فقال: إن كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك فعليه القضاء، وإن لم يكن بلغه فلا شئ عليه ".

باب صوم الحائض والمستحاضة

١٩٨٨ - روى أبوالصباح الكناني عن أبي عبدالله عليه السلام " في امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء(٣) حاضت أتفطر؟ قال: نعم وإن كان قبل المغرب فلتفطر، وعن امرأة ترى الطهر في أول النهار في شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال: إنما فطرها من الدم "(٤) .

١٩٨٩ - وروي عن علي بن مهزيار قال: كتبت إليه عليه السلام(٥) " امرأة طهرت

___________________________________

(١) ذكره هذه الجملة هنا كانه لبيان عدم صحة القياس حتى يقاس جواز الجماع بجواز الاكل والشرب، ثم الظاهر من الخبر حرمة الجماع بالنهار في السفر وحمله الاكثر على الكراهة جمعا (المرآة) وذهب الشيخ إلى عدم الجواز في بعض كتبه وعمل بظاهر هذا الخبر وحمل ما يدل على الجواز على غلبة الشهوة وخوف وقوعه في المحظور أو على الوطى بالليل ولا يخفى بعدهما.

(٢) في الكافى " الا القوت " وما في المتن أظهر، ويدل على كراهة التملى من الطعام والشراب للمسافر كما هو مذهب الاصحاب فيه وفى سائر ذوى الاعذار. (المرآة)

(٣) العشاء هى الزوال إلى المغرب والمشهور أنه اخر النهار. (المغرب)

(٤) أى لا صوم لها ولا بأس عليها.

(٥) يعنى أبا جعفر الجواد عليه السلام.

١٤٤

من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب عليه السلام: تقضي صومها ولا تقضي صلاتها لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر المؤمنات(١) من نسائه بذلك "(٢) .

١٩٩٠ - وروي عن سماعة قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام " عن المستحاضة، قال: تصوم شهر رمضان إلا الايام التى كانت تحيض فيهن، ثم تقضيها من بعده ".

١٩٩١ - وسأل عبدالرحمن بن الحجاج أبا الحسن عليه السلام " عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ فقال: تفطر ثم تقضي ذلك اليوم ".

١٩٩٢ - وروى العيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن المرأة

___________________________________

(١) في الكافى ج ٤ ص ١٣٦ والتهذيب ج ١ ص ٤٤٠ " يأمر فاطمة والمؤمنات من نسائه بذلك".

(٢) هذا الخبر مع اضماره مخالف للاخبار الكثيرة والاجماع على اشتراط الصلاة بالطهارة، وفى هامش التهذيب " السائل سأل عن حكم المستحاضة التى صلت وصامت في شهر رمضان ولم تعمل أعمال المستحاضة، والامام عليه السلام ذكر حكم الحائض وعدل عن جواب السائل من باب التقية لان الاستحاضة من باب الحدث الاصغر عند العامة فلا توجب غسلا عندهم.

وقال الفيض رحمه الله في الوافى: هذا الخبر مع اضماره متروك بالاتفاق ولو كان الحكم بقضاء الصوم دون الصلاة متعاكسا لكان له وجه، على أنه قد ثبت عندنا أن فاطمة لم تر حمرة قط، اللهم الا أن يقال: ان المراد بفاطمة فاطمة بنت أبى حبيش فانها كانت مشتهرة بكثرة الاستحاضة والسؤال عن مسائلها في ذلك الزمان، ويحمل قضاء الصوم على قضاء صوم ايام حيضها خاصة دون سائر الايام وكذا نفى قضاء الصلاة انتهى.

وقال العلامة المجلسى رحمه الله: اعلم أن المشهور بين الاصحاب أن المستحاضة إذا أخلت بالاغسال تقضى صومها، واستدلوا بهذا الخبر وفيه اشكال لاشتماله على عدم قضاء الصلاة، ولم يقل به أحد ومخالف لسائر الاخبار قال: وقد وجه بوجوه (نقلنا بعضها): الاول ما ذكره الشيخ رحمه الله في التهذيب حيث قال: لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لا تعلم أن عليها لكل صلاتين غسلا أو لا يعلم ما يلزم المستحاضة فاما مع العلم بذلك والترك له على العمد يلزمها القضاء. وأورد عليه أنه ان بقى الفرق بين الصوم والصلاة فالاشكال بحاله وان حكم بالمساواة بينهما ونزل قضاء الصوم على حالة العلم وعدم قضاء الصلاة على حالة الجهل فتعسف ظاهر. =

١٤٥

تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس؟ قال: تفطر حين تطمث ".

١٩٩٣ - وروى علي بن الحكم، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج شهر رمضان

___________________________________

= الثانى ما ذكره المحقق الاردبيلى قدس الله روحه وهو أن المراد لا يجب عليها قضاء جميع الصلوات لان منها ما كان واقعا في الحيض، وهو بعيد.

الثالث ما ذكره صاحب المنتقى روح الله روحه قال: والذى يختلج بخاطرى أن الجواب الواقع في الحديث غير متعلق بالسؤال المذكور فيه والانتقال إلى ذلك من وجهين أحدهما قوله فيه " ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر فاطمة الخ " فان مثل هذه العبارة انما تستعمل فيما يكثر وقوعه ويتكرر وكيف يعقل كون تركهن لما تعمله المستحاضة في شهر رمضان جهلا والثانى أن هذه العبارة بعينها كانت في أخبار الحيض في كتاب الطهارة مرادا بها قضاء الحائض للصوم دون الصلاة إلى أن قال: ولا يخفى أن للعبارة بذلك الحكم مناسبة ظاهرة تشهد بها السليقة لكثرة وقوع الحيض وتكرره والرجوع اليه صلى الله عليه وآله في حكمه وبالجملة فارتباطها بذلك الحكم ومنافرتها لقضية الاستحاضة مما لا يرتاب فيه أهل الذوق السليم وليس بالمستبعد أن يبلغ الوهم إلى موضع الجواب مع غير سؤاله فان من شأن الكتابة في الغالب أن تجمع الاسؤلة المتعددة فاذا لم ينعم الناقل نظره فيها يقع له نحو هذا الوهم انتهى كلامه (ر ه) واحتمل سبطه الجليل احتمالا لعله قريب حاصله أن قوله " تقضى صومها ولا تقضى صلاتها " أصله " تقضى صومها ولاء وتقضى صلاتها " ثم ذكر في توجيهها كلاما لا يسعنا ذكره راجع مرآة العقول ج ٣ ص ٢٣٣.

وأقول: قال المحقق التسترى صاحب الاخبار الدخيلة مد ظله فيما كتب إلى: الظاهر أن على بن مهزيار في اصوله التى جمع منها كتابة خبران: خبر في السؤال عن حكم تاركة غسل الاستحاضة في شهر رمضان لصلاتها وصومها، وخبر في السؤال عن قضاء الحائض صلاتها وصومها فخلط بين الخبرين بنقل سؤال الخبر الاول وجواب الخبر الثانى في كتابة فنقله المشايخ الثلاثة عن كتابة مثل ما وجدوا ولم يأوله أحد منهم الا الشيخ رحمه الله.

١٤٦

هل يقضى عنها؟ قال: أما الطمث والمرض فلا، وأما السفر فنعم "(١) .

١٩٩٤ - وروى ابن مسكان، عن محمد بن جعفر قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: " إن امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها وأدركها الحبل فلم تقدر(٢) على الصوم، قال: فلتصدق مكان كل يوم بمد على مسكين"(٣) .

باب قضاء صوم شهر رمضان

٥ ١٩٩ روى عقبة بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل مرض في شهر رمضان فلما برأ أراد الحج كيف يصنع بقضاء الصوم؟ قال: إذا رجع فليصمه "(٤) .

١٩٩٦ - وسأله عبدالرحمن بن أبي عبدالله " عن قضاء شهر رمضان في ذي الحجة وقطعه قال: إقضه في ذي الحجة واقطعه إن شئت "(٥) .

___________________________________

(١) عمل الشيخ رحمه الله في التهذيب بظاهره، والمشهور الاستحباب.

(٢) نسخة في الجميع " لم تقو ".

(٣) المشهور بين الاصحاب أن مع العجز عن الصوم المنذور يسقط الصوم ولا يلزمه شئ وذهب جماعة إلى لزوم الكفارة عن كل يوم بمد وجماعة بمدين لرواية أخرى، والقائلون بالمشهور حملوا تلك الاخبار على الاستحباب لكن العجز لا يتحقق في النذر المطلق الا باليأس منه في جميع العمر فهذا الخبر اما محمول على شهرين معينين أو على اليأس بأن يكون ظنها أنها تكون دائما اما في الحمل أو في الرضاع، مع أنه يحتمل أن يكون الكفارة في الخبر للتأخير مع عدم سقوط المنذور. (المرآة)

(٤) في بعض النسخ " فليقضه ". ويدل على عدم جواز قضاء صوم شهر رمضان في السفر وعليه الاصحاب.

(٥) ليس التتابع شرطا في القضاء فلا بأس أن يقطع بالعيد أو غيره (سلطان) وقال العلامة المجلسى رحمه الله: الشرط متعلق بالامرين لا بخصوص القطع مع احتماله فيكون المراد القطع بغير العيد، ثم ان الخبر يدل على عدم مرجوحية القضاء في عشر ذى الحجة كما هو المشهور بين الاصحاب، وروى الشيخ رحمه الله في التهذيب بسند موثق عن غياث ابن ابراهيم عن أبى عبدالله عليه السلام المنع منه وحمله على ما إذا كان مسافرا ولعله محمول على التقية لان بعض العامة يمنعون من ذلك لفوات التتابع الذى يقولون بلزومه.

وقال الشهيد رحمه الله في الدروس: لا يكره القضاء في عشر ذى الحجة والرواية عن على عليه السلام بالنهى عنه مدخولة.

١٤٧

١٩٩٧ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا كان على الرجل شئ من صوم شهر رمضان فليقضه في أي شهر شاء أياما متتابعة فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء، وليحص الايام، فإن فرق فحسن وإن تابع فحسن ".

١٩٩٨ - وسأل سليمان بن جعفر الجعفري أبا الحسن الرضا عليه السلام " عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أ يقضيها متفرقة؟ قال: لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان، إنما الصيام الذي لا يفرق صوم كفارة الظهار، وكفارة الدم وكفارة اليمين "(١) .

١٩٩٩ - وروى جميل، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض فلا يصح حتى يدركه شهر رمضان آخر، قال: يتصدق عن الاول ويصوم الثاني، وإن كان صح فيما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا وتصدق عن الاول ".

ومن فاته شهر رمضان حتى يدخل الشهر الثالث من مرض فعليه أن يصوم هذا الذي دخله وتصدق عن الاول لكل يوم بمد من طعام ويقضي الثاني(٢) .

_________________________________

(١) الحصر اضافى بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان، أو المراد كفارة الظهار وأمثالها من الكفارات (سلطان) وقال المولى المجلسى رحمه الله: تخصيص الثلاث بالذكر لكونها منصوصا عليها في القرآن أو لمزيد الاهتمام.

(٢) يمكن أن يكون من تتمة خبر زرارة وأن يكون قول الصدوق، ويؤيده عدم ذكر الكلينى والشيخ لهذه الزيادة، وظاهره أن التصدق واجب للسنة الاولى ويجب القضاء فقط للسنة الثانية أو يكون هذا الحكم من خبر وصل اليه ان لم يكن جزء الخبر، والمشهور العمل بالاخبار الاولة، ويمكن حمله على ما إذا صح فيما بين الثانى والثالث ولم يقض ولم يتهاون بل كان في نيته القضاء ثم مرض ولم يقض ولم يصح فيما بين الاول والثانى، واختلف في وجوب تعدد الكفارة بتعدد السنين والاحوط التعدد بمعنى أنه إذا مرض وتهاون في القضاء حتى مضى أربع سنين فهل يجب لكل يوم أربعة أم يكفى مد واحد. (م ت)

١٤٨

٢٠٠٠ - وروى ابن محبوب، عن الحارث بن محمد، عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: إن كان أتى أهله قبل الزوال فلا شئ عليه إلا يوما مكان يوم، وإن أتى أهله بعد زوال الشمس فإن عليه أن يتصدق على عشرة مساكين لكل مسكين مد، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع "(١) .

وقد روي أنه إن أفطر قبل الزوال فلا شئ عليه، وإن أفطر بعد الزوال فعليه الكفارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان(٢) .

٢٠٠١ - وروى سماعة، عن أبي بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الافطار فقال: لا ينبغي(٣) أن يكرهها بعد زوال الشمس ".

٢٠٠٢ - وسأله سماعة " عن قوله: " الصائم بالخيار إلى زوال الشمس " قال: " إن ذلك في الفريضة فأما في النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء إلى غروب الشمس ".

٢٠٠٣ - وروى ابن فضال، عن صالح بن عبدالله الخثعمي قال: " سألت أبا عبدالله

___________________________________

(١) قال بعض الشراح تحريم الافطار بعد الزوال في قضاء رمضان هو مذهب الاصحاب لا يعلم فيه خلاف وأما الجواز قبله فمذهب الاكثر ونقل عن أبى الصلاح القول بوجوب اتمام كل صوم واجب، وعن ابن أبى عقيل عدم جواز الافطار في قضاء رمضان مطلقا هذا مع التوسعة وأما مع تضييق الوقت يحرم الافطار مطلقا لكن لا تجب الكفارة قبل الزوال.

(٢) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٤٣٠ عن زرارة قال: " سألت أبا جعفر (ع) عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء، قال: عليه من الكفارة ما على الذى أصاب في شهر رمضان " وحمله الشيخ على الاستحباب وجوز فيه الحمل على الافطار مع الاستخفاف و يمكن الحمل على التشبيه في وجوب الكفارة لا في قدرها.

(٣) ظاهره الكراهة وحمل على الحرمة. (المرآة)

١٤٩

عليه السلام عن الرجل ينوي الصوم فيلقاه أخوه الذي هو على أمره(١) فيسأله أن يفطر أيفطر؟ قال: إن كان تطوعا أجزأه وحسب له، وإن كان قضاء فريضة قضاه "(٢) .

وإذا أصبح الرجل وليس عليه من نيته أن يصوم ثم بدا له فله أن يصوم(٣) .

٢٠٠٤ - وسئل عليه السلام " عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة، فقال: هو بالخيار ما بينه وبين العصر وإن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم ولم يكن(٤) نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء(٥) ".

وإذا طهرت المرأة من حيضها وقد بقي عليها بقية يوم صامت ذلك المقدار تأديبا وعليها قضاء ذلك اليوم، وإن حاضت وقد بقي عليها بقية يوم أفطرت وعليها القضاء(٦) .

___________________________________

(١) أى على دينه ومذهبه أو عليه أطاعته وقبول أمره.

(٢) ظاهر الخبر أن بدعوة المؤمن يستحب افطار صوم القضاء أيضا لكن لا يجزيه بل يلزمه فعله مرة اخرى، وأما حمله على أن المراد بالقضاء اتمام هذا الصوم وعدم الافطار فلا يخفى بعده. (المرآة)

(٣) يدل عليه أخبار منها صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبى الحسن عليه السلام " في الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان ولم يكن نوى ذلك من الليل: قال: نعم ليصمه وليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا " (الكافى ج ٤ ص ١٢٢).

(٤) رواه الكلينى ج ٤ ص ١٢٢ بسند موثق عن أبى بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الصائم الخبر " وفيه " فان لم يكن " وما في المتن أظهر.

(٥) قد قطع الاصحاب بأن وقت النية في الواجب غير المعين كالقضاء والنذر المطلق يستمر من الليل إلى الزوال إذا لم يفعل المنافى نهارا ويدل عليه روايات كثيرة ويظهر من كلام ابن الجنيد جواز تجديد النية بعد الزوال أيضا وفى المعين المشهور أنه يجوز النية مع النسيان إلى الزوال لا مع العمد وبعد الزوال لا يجوز الا على ظاهر ابن الجنيد، وفى النافلة ذهب جماعة إلى امتداد وقت النية إلى الغروب. (سلطان)

(٦) روى الشيخ رحمه الله عن أبى بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن امرأة أصبحت صائمة في رمضان فلما ارتفع النهار حاضت؟ قال: تفطر، قال: وسألته عن امرأة رأت الطهر أول النهار؟ قال: تصلى وتتم صومها أى تأديبا ويقضى ".

١٥٠

وإذا وجب على الرجل صوم شهرين متتابعين فصام شهرا ولم يصم من الشهر الثاني شيئا فعليه أن يعيد صومه ولم يجزئه الشهر الاول إلا أن يكون أفطر لمرض فله أن يبني على ما صام فان الله عزوجل حبسه(١) ، فإن صام شهرا وصام من الشهر الثاني أياما(٢) ثم أفطر فعليه أن يبني على ما صام(٣) .

___________________________________

(١) أى منعه من الصوم وعموم التعليل ربما يدل على عموم الحكم لكل مانع من قبل الله كالحيض وغيره.

وفى المدارك: اما وجوب البناء إذا كان قد صام من الشهر الثانى يوما فصاعدا فقال العلامة في التذكرة والمنتهى وولده في الشرح: انه قول علمائنا أجمع واختلف الاصحاب في جواز التفريق اختيارا بعد الاتيان بما يتحقق به التتابع فذهب الاكثر إلى الجواز والمفيد رحمه الله إلى المنع واختاره ابن ادريس قدس سره.

(٢) المشهور كفاية يوم واحد ومراد المصنف أعم منه لقوله سابقا " ولم يصم من الشهر الثانى شيئا".

(٣) روى الكلينى ج ٤ ص ١٣٨ في الصحيح عن جميل ومحمد بن حمران عن أبى عبدالله عليه السلام " في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض، قال: يستقبل وان زاد على الشهر الاخر يوما أو يومين بنى على ما بقى " ورواه الشيخ في التهذيب وحمل قوله " يستقبل " على مرض يمنعه من الصيام وان كان يشق عليه. ولعل حمله على الاستحباب أظهر.

وروى الكلينى أيضا في الحسن كالصحيح والشيخ في الصحيح واللفظ له عن الحلبى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " صيام كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان، والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الشهر الاخر أياما أو شيئا منه فان عرض له شئ يفطر فيه أفطر ثم قضى ما بقى عليه وان صام شهرا ثم عرض له شئ فأفطر قبل أن يصوم من الاخر شيئا فلم يتابع أعاد الصيام كله "، وظاهر قوله " فان عرض له شئ " غير الاعذار الشرعية.

وفى الموثق عن سماعة قال: " سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أيفرق بين الايام؟ فقال: إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس، فان كان أقل من شهر أو شهرا أن يعيد الصيام ".

١٥١

٢٠٠٥ - وروى موسى بن بكر، عن الفضيل عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " في رجل عليه(١) صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر، فقال: إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي، وإن كان صام أقل من خمسة عشر يوما لم يجزئه حتى يصوم شهرا تاما(٢) ".

٢٠٠٦ - وروى منصور بن حازم عنه عليه السلام أنه قال " في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان قال: يصوم شهر رمضان ثم يستأنف الصوم وإن هو صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته ".

٢٠٠٧ - وروى ابن محبوب، عن أبي أيوب عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار فصام ذا القعدة ودخل عليه ذو الحجة، قال: يصوم ذا الحجة كله إلا أيام التشريق، ثم يقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم ثلاثة أيام فيكون قد صام شهرين متتابعين، قال: ولا ينبغي له أن يقرب أهله حتى يقضي ثلاثة أيام التشريق التي لم يصمها، ولا بأس إن صام شهرا ثم صام من الشهر الذي يليه أياما ثم عرضت له علة أن يقطعها(٣) ، ثم يقضي بعد تمام الشهرين ".

باب قضاء الصوم عن الميت

٢٠٠٨ - روى أبان بن عثمان، عن أبي مريم الانصاري عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان، ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس

___________________________________

(١) في التهذيب ج ١ ص ٤٣٢ والكافى ٤ ص ١٣٩ " في رجل جعل عليه " وكأنه سقط من النساخ.

(٢) ذلك لان الشهر قد يكون تسعة وعشرين فاذا صام خمسة عشر فقد جاوز النصف.

ومضمون الخبر مشهور بين فقهائنا ومنهم من رده لضعف السند.

(٣) ظاهره عدم جواز الافطار بدون العذر وان كان العذر خفيفا، ولعله محمول على الافضلية بقرينة " لا ينبغى ". (المرآة)

١٥٢

عليه قضاء، وإن صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد فإن لم يكن له مال صام عنه وليه(١) ".

وإذا مات رجل وعليه صوم شهر رمضان فعلى وليه أن يقضي عنه، وكذلك من فاته في السفر والمرض إلا أن يكون مات في مرضه من قبل أن يصح بمقدار ما يقضي به صومه فلا قضاء عليه إذا كان كذلك(٢) وإن كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه.

فإن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء(٣) .

٢٠٠٩ - وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: " إذا مات الرجل وعليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله ".

٢٠١٠ - وكتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام في رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما

___________________________________

(١) يدل على أنه يجب على الولى قضاء الصلاة والصيام عن الميت سواء تمكن من القضاء أم لا وسواء فات بمرض أو غيره ويدل أيضا على أن الولى مطلق الوارث من الذكور وفى المسألة أقوال شتى ففى الدروس: لو مات قبل التمكن من القضاء فلا قضاء ولا كفارة ويستحب القضاء وفى التهذيب يقضى ما فات في السفر ولو مات في رمضان لرواية منصور بن حازم والسر فيه تمكن المسافر من الاداء وهو أبلغ من التمكن من القضاء إذا كان تركه للسفر سائغا، وان تمكن من القضاء ومات قبله فالمشهور وجوب القضاء على الولى سواء كان صوم رمضان أو لا، وسواء كان له مال أو لا.

ومع عدم الولى يتصدق من أصل ماله عن كل يوم بمد، قال المرتضى يتصدق عنه فان لم يكن له مال صام وليه، وقال الحسن: يتصدق عنه لا غير، وقال الحلبى: مع عدم الولى يصام عنه من ماله كالحج والاول أصح، والمرأة هنا كالرجل على الاصح وأما العيد فمشكل والمساواة قريبة، ثم الولى عند الشيخ أكبر أولاده الذكور لا غير، وعند المفيد لو فقد أكبر الولد فأكبر أهله من الذكور فان فقدوا فالنساء وهو ظاهر القدماء والاخبار والمختار، ولو كان له وليان فصاعدا متساويان توزعوا الا أن يتبرع به بعضهم، وقال القاضى: يقرع بينهما، وقال ابن ادريس: لا قضاء والاول أثبت. (المرآة)

(٢) راجع الكافى ج ٤ ص ١٢٣.

(٣) يمكن أن يكون الدليل الخبر الآتى أو العمومات.

١٥٣

أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه السلام يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء إن شاء الله(١) ".

قال مصنف هذا الكتاب - رحمه الله: وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته إلى محمد بن الحسن الصفار بخطه عليه السلام.

باب فدية صوم النذر

٢٠١١ - روى أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام " في رجل نذر على نفسه إن هو سلم من مرض أو تخلص من حبس أن يصوم كل يوم أربعاء وهو اليوم الذي تخلص فيه فعجز عن ذلك لعلة أصابته أو غير ذلك فمد الله عزوجل للرجل في عمره واجتمع عليه صوم كثير ما كفارة ذلك؟ قال: تصدق لكل يوم مدا من حنطة أو بمد تمر(٢) ".

٢٠١٢ - وفي رواية إدريس بن زيد، وعلي بن إدريس عن الرضا عليه السلام " تصدق عن كل يوم بمد من حنطة أو شعير(٣) ".

___________________________________

(١) الحكم بالتتابع محمول على الافضل. (الوافى)

(٢) اختلف الاصحاب فيمن عجز عن صوم النذر فقيل: يجب عليه القضاء دون الكفارة وقيل بالعكس، والكفارة اما مد على المشهور أو مدان كما ذهب اليه الشيخ وبعض الاصحاب فهذا الخبر يدل على الاكتفاء بالكفارة وأنها مد. (المرآة)

(٣) هذا الخبر في الكافى ج ٤ ص ١٤٣ مثل خبر البزنطى بادنى اختلاف في اللفظ.

١٥٤

باب صوم الاذن

٢٠١٣ - روى الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم لئلا يعملوا شيئا فيفسد، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف لئلا يحتشمهم(١) ويشتهي فيتركه لهم ".

٢٠١٤ - وروى نشيط بن صالح، عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة زوجها أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه وأمره، ومن صلاح العبد و طاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه، ومن بر الولد بأبويه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما، وإلا كان الضيف جاهلا، وكانت المرأة عاصية وكان العبد فاسدا عاصيا، وكان الولد عاقا(٢) ".

___________________________________

(١) الاحتشام بمعنى الغضب وبمعنى الحياء وبمعنى الخجلة والانقباض.

وقوله " ويشتهى " أى حالكونه يشتهى الطعام فيتركه لهم مع اشتهائه.

(٢) اختلف الاصحاب في صوم الضيف نافلة من دون اذن مضيفه فقال المحقق في الشرايع انه مكروه الا مع النهى فيفسد، وقال في النافع والمعتبر: انه غير صحيح، وأطلق العلامة وجماعة الكراهة وهو المعتمد كما هو الظاهر من سياق الرواية، وقوله صلى الله عليه وآله " وكانت المرآة عاصية " يدل على حرمة صومها بدون اذن زوجها مطلقا (المرآة) وقال ملاذنا وفقيه عصرنا الآية الخوانسارى دامت بركاته: وقد يفصل بين عدم الاذن والنهى لما في خبر هشام من التعبير بالعقوق والعصيان ويمكن أن يقال: لعل التعبير بالعقوق والعصيان للمبالغة في الكراهة مع حفظ اطلاق عدم الاذن لصورة عدم النهى (جامع المدارك ج ٢ ص ٢٣٠).

١٥٥

باب الغسل في الليالي المخصوصة في شهر رمضان وما جاء في العشر الاواخر و... في ليلة القدر

٢٠١٥ - روى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: " يغتسل في ثلاث ليال من شهر رمضان، في تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وأصيب أمير المؤمنين عليه السلام في تسع عشرة، وقبض عليه السلام في إحدى وعشرين، قال: الغسل في أول الليل وهو يجزي إلى آخره(١) ".

٢٠١٦ - وقد روي أنه " يغتسل في ليلة سبع عشرة ".

٢٠١٧ - وروى زرارة، وفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: " الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله، ثم يصلي ويفطر(٢) ".

٢٠١٨ - وروى سماعة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل العشر الاواخر شد المئزر(٣) واجتنب النساء وأحيا الليل و تفرغ للعبادة ".

٢٠١٩- وروى سليمان الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: " صل ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين مائة ركعة، تقرأ في كل ركعة الحمد مرة و قل هو الله أحد عشر مرات".

٢٠٢٠ - وقال الصادق عليه السلام: " في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير، وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء، وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها(٤) ، ولله عزوجل أن يفعل ما يشاء في خلقه ".

٢٠٢١- وروى رفاعة عنه عليه السلام أنه قال: " ليلة القدر هي أول السنة وهي آخرها "(٥) .

___________________________________

(١) يدل أن الغسل في أول الليل أفضل.

(٢) وجوب الشمس غروبها، في القاموس وجب الشمس وجبا ووجوبا غابت، و " قبيلة " أى قبل سقوط الشمس وغروبها بقليل.

(٣) شد المئزر كناية عن الجد والاجتهاد في العبادة أو عن اجتناب النساء أو عنهما معا وعلى الاخيرين يكون العطف تفسيرا أو تخصيصا بعد التعميم والاول أظهر. (م ت)

(٤) هكذا جاء في هذه الرواية وفى الكافى ج ٤ ص ١٥٩ مسندا عن زرارة قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: " التقدير في ليلة تسع عشرة، والابرام في ليلة احدى وعشرين، والامضاء في ليلة ثلاث وعشرين ".

(٥) الظاهر أن الاولية باعتبار التقدير أى أول السنة التى يقدر فيها الامور لليلة القدر والاخرية باعتبار المجاورة فان ما قدر في السنة الماضية انتهى اليها كما سيجئ =

١٥٦

٢٠٢٢ - " وأري(١) رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه بني أمية يصعدون منبره من بعده يضلون الناس عن الصراط القهقرى فأصبح كئيبا حزينا، فهبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا رسول الله مالي أراك كئيبا حزينا؟ قال: يا جبرئيل إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى فقال: والذي بعثك بالحق نبيا إن هذا لشئ ما اطلعت عليه، ثم عرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها: " أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاء‌هم ما كانوا يوعدون ما أغنى ما كانوا يمتعون(٢) " وأنزل عليه " إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر " جعل ليلة القدر لنبيه صلى الله عليه وآله خيرا من ألف شهر من ملك بني أمية "(٣) .

___________________________________

= أن اول السنة التى يحل فيها الاكل والشرب يوم الفطر، أو أن عملها يكتب في آخر السنة الاولى وأول السنة الثانية كصلاة الصبح في أول الوقت، أو يكون أول السنة باعتبار تقدير ما يكون في السنة الثانية وآخر السنة المقدر فيها الامور. (م ت)

(١) في الكافى ج ٤ ص ١٥٩ باسناده عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الخ ".

(٢) قال في المجمع معناه: أرأيت ان أنظرناهم أو أخرناهم سنين ومتعناهم بشئ من الدنيا ثم أتاهم العذاب لم يغن عنهم ما متعوا في تلك السنين من النعيم لازديادهم في الاثام واكتسابهم من الاجرام.

(٣) قد حوسب مدة ملك بنى أمية فكانت ألف شهر من دون زيادة يوم ولا نقصان يوم وانما ارى اضلالهم للناس عن الدين القهقرى لان الناس كانوا يظهرون الاسلام وكانوا يصلون إلى القبلة ومع هذا كانوا يخرجون من الدين شيئا فشيئا كالذى يرتد عن الصراط السوى القهقرى ويكون وجهه إلى الحق حتى إذا بلغ غاية سعيه رأى نفسه في جهنم (الوافى).

أقول: في هامش الطبع الاول من الوافى الذى لم يتم طبعه " أن المستفاد من كتب السير أن أول انفراد بنى امية بالامر كان عند ما صالح الحسن بن على عليهما السلام معاوية سنة ٤٠ من الهجرة وكان انقضاء ملكهم على يد أبى مسلم المروزى سنة ١٣٢ منها، فكانت تمام دولتهم اثنتان وتسعون سنة حذفت منها خلافة عبدالله بن الزبير وهى ثمان سنين وثمانية أشهر بقى ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر بلا زيادة ولا نقصان وهى ألف شهر انتهى.

أقول: ولعل المراد بألف شهر المبالغة في التكثير، لا حقيقة.

١٥٧

٢٠٢٣ - وسأل رجل الصادق عليه السلام فقال: " أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال: لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن "(١) .

٢٠٢٤ - وسأل حمران أبا جعفر عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " قال: هي ليلة القدر وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الاواخر، ولم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر قال الله عزوجل: " فيها يفرق كل أمر حكيم " قال: يقدر في ليلة القدر كل شئ يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر، أو طاعة أو معصية، أو مولود أو أجل أو رزق، فما قدر في تلك الليلة وقضي فهو المحتوم ولله عزوجل فيه المشيئة، قال: قلت له: ليلة القدر خير من ألف شهر أي شئ عنى بذلك؟ فقال: العمل الصالح في ليلة القدر(٢) ولولا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا(٣) ولكن الله عزوجل يضاعف لهم الحسنات ".

٢٠٢٥ - وسئل الصادق عليه السلام " كيف تكون ليلة القدر خيرا من ألف شهر؟ قال العمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ".(٤)

___________________________________

(١) اى تبقى ليلة القدر إلى انقضاء التكليف الذى علامته رفع القرآن إلى السماء، ويحتمل أن يكون المعنى رفع حكم القرآن ومدلوله أى لو ذهبت ليلة القدر بطل حكم القرآن حيث يدل على استمراره فان قوله " تنزل الملائكة والروح فيها " يدل على الاستمرار التجددى ثم اعلم أنه لا خلاف بين الامامية في استمرار ليلة القدر وبقائها، واليه ذهب أكثر العامة وذهب شاذ منهم إلى أنها كانت مختصة بزمن الرسول صلى الله عليه وآله وبعد وفاته رفعت.

(٢) في الكافى ج ٤ ص ١٥٨ " العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر " ولعل هذه الزيادة سقطت من نسخة الفقيه.

(٣) أى غاية الفضل والثواب. (المرآة)

(٤) في الكافى هذا الخبر جزء من حديث حمران المتقدم كما أشرنا اليه.

١٥٨

٢٠٢٦ - وروى علي بن حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " نزلت التوراة في ست مضين من شهر رمضان، ونزل الانجيل في اثنى عشرة مضت من شهر رمضان، ونزل الزبور في ليلة ثمان عشرة من شهر رمضان، ونزل القرآن [الفرقان خ ل) في ليلة القدر ".

٢٠٢٧ - وروي عن العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن علامة ليلة القدر؟ فقال: علامتها أن تطيب ريحها وإن كانت في برد دفئت(١) وإن كانت في حر بردت وطابت ".

٢٠٢٨ - وسئل عليه السلام " عن ليلة القدر فقال: تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد وأمر عنده عزوجل موقوف له فيه المشيئة فيقدم منه(٢) ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويمحو ويثبت وعنده أم الكتاب ".

٢٠٢٩ - وروي عن علي بن أبي حمزة(٣) قال: " كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فقال له أبوبصير: جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى(٤) أي ليلة هي؟ فقال: في ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، قال: فإن لم أقو على كلتيهما؟ فقال: ما أيسر ليلتين فيما تطلب، قال: فقلت: ربما رأينا الهلال عندنا وجاء‌نا من يخبرنا بخلاف ذلك في أرض أخرى؟ فقال: ما أيسر أربع ليال فيما تطلب فيها، قلت: جعلت فداك ليلة

___________________________________

(١) بالدال المهملة مهموزة اللام من باب فرح أى سخنت.

(٢) الظاهر أن " له " خبر المشيئة قدم عليها، و " فيه " متعلق به، ولعل المراد بذلك الامر ما لم يطلع الكتبة على تفصيله فيكتبونه على وجه الاجمال وتفصيله موكول إلى مشيئة الله تعالى ومعنى التقديم والتأخير أنه قد تراء‌ى منه أنه يقدم وهو في علم الله تعالى الذى لم يطلع عليه أحد مؤخر فيؤخر أو بالعكس، ولعل ذلك هو معنى المحو والاثبات ومعنى البداء. (مراد)

(٣) السند ضعيف لانه البطائنى تحقيقا.

(٤) يعنى من الرحمة والمغفرة وتضاعف الحسنات وقبول الطاعات يعنى بها ليلة القدر (الوافى) وفى بعض النسخ " نرجو فيها ما نرجو ".

١٥٩

ثلاث وعشرين ليلة الجهني(١) قال: إن ذلك ليقال، قلت: جعلت فداك إن سليمان بن خالد روى أن في تسع عشرة يكتب وفد الحاج(٢) ، فقال: يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر والمنايا(٣) والبلايا والارزاق وما يكون إلى مثلها في قابل فاطلبها في إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وصل في كل واحدة منهما مائة ركعة وأحيهما إن استطعت إلى النور(٤) واغتسل فيهما، قال: قلت: فإن لم أقدر على ذلك وأنا قائم؟ قال: فصل وأنت جالس، قلت: فإن لم أستطع؟ قال: فعلى فراشك، قلت: فإن لم أستطع؟ فقال: لا عليك أن تكتحل أول الليل بشئ من النوم(٥) إن أبواب السماء تفتح في شهر رمضان وتصفد الشياطين(٦) وتقبل الاعمال أعمال المؤمنين نعم الشهر شهر رمضان كان يسمى على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله المرزوق ".

٢٠٣٠ - وروى محمد بن حمران، عن سفيان بن السمط قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " الليالي التي يرجى فيها من شهر رمضان؟ فقال: تسع عشرة، وإحدى و عشرين، وثلاث وعشرين، قلت: فإن أخذت إنسانا الفترة أو علة ما المعتمد عليه من ذلك؟ فقال: ثلاث وعشرين ".

٢٠٣١ - وفي رواية عبدالله بن بكير، عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن الليالي التي يستحب فيها الغسل في شهر رمضان؟ فقال: ليلة تسع عشرة

___________________________________

(١) اشارة إلى ما يأتى تحت رقم ٢٠٣١ وقوله " ما أيسر " يدل على استحباب الاحتياط في الامور المستحبة عند اشتباه الهلال لئلا يقع في حرام كصوم يوم عرفة عند اشتباه الهلال في ذى الحجة لاحتمال العيد المحرم صومه.

(٢) وفد الحاج هم القادمون إلى مكة للحج فان في تلك الليلة تكتب أسماء من قدر أن يحج في تلك السنة. (الوافى)

(٣) المنايا جمع المنية وهى الموت. والبلايا جمع البلية وهى الافات.

(٤) النور كناية عن انفجار الصبح بالفلق. (الوافى)

(٥) استعارة عن قلة النوم أول الليل. و " لا عليك " أى لا بأس عليك.

(٦) في القاموس صفده يصفده: شده وأوثقه كأصفده وصفده من باب التفعيل.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

( الحمد لله ربّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدِّين، بارئ الخلائق أجمعين، الذي بَعُد فارتفع في السماوات العُلى، وقرُب فشهد النجوى، نحمده على عظائم الأُمور، وفجائع الدهور، وألم الفواجع، ومضاضة اللواذع، وجليل الرزء، وعظيم المصائب الفاظعة الكاظّة الفادحة الجائحة .

أيّها القوم، إنّ الله تعالى - وله الحمد - ابتلانا بمصائب جليلة، وثُلْمَة في الإسلام عظيمة، قُتِل أبو عبد اللهعليه‌السلام وعترته، وسُبي نساؤه وصِبْيته، وداروا برأسه في البُلدان من فوق عام السنان، وهذه الرزيّة التي لا مثلها رزيّة.

أيُّها الناس، فأيُّ رجالات منكم يُسَرّون بعد قتله؟! أم أيّة عين منكم تحبس دمعها وتضنّ عن انهمالها؟!

فلقد بكت السبع الشداد لقتله، وبكت البحار بأمواجها، والسماوات بأركانها، والأرض بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والحيتان في لُجج البحار، والملائكة المقرَّبون، وأهل السماوات أجمعون.

أيُّها الناس، أيُّ قلبٍ لا ينصدع لقتله؟! أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟! أم أيّ سمعٍ يسمع هذه الثُّلمة التي ثُلمت في الإسلام ولا يُصمّ؟!

أيّها الناس، أصبحنا مطرودين مُشرَّدين مذمومين شاسعين عن الأمصار، كأنّنا أولاد تُرْك أو كابل، من غير جُرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثُلمة في الإسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين، إن هذا إلاّ اختلاق.

والله، لو أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تقدَّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية

____________________

وخادم معه كرسي، فوضعه وجلس وهو مغلوب على لوعته، فعزّاه الناس، فأومئ إليهم: أن اسكتوا. فسكنت فورتهم، فقال... ) مُثير الأحزان: ١١٣.

٤٠١

بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، من مُصيبة ما أعظمها وأوجعها، وأفجعها وأكظّها، وأفظعها وأمرّها وأفدحها، فعند الله نحتسب فيما أصابنا وأبلغ بنا، إنّه عزيز ذو انتقام ) (١) .

ثمّ قام - عليه السلام - ومشى إلى المدينة ليدخلها...(٢) .

تأمُّل ومُلاحظات:

إنّ هذا الخطاب مع قُصره يحتوي على أُمور مُهمّة، نذكر بعضها:

١ - التركيز على حمد الله وثنائه المستمرّ وعلى كلّ حال وفي كلّ الظروف.

٢ - بيان ما وقع في عالم الكون، وأنّ العوالم بما فيها من البحار والسماوات، والأرض والأشجار، والحيتان والملائكة وأهل السماوات و... بكت على الحسين، وأنّ ما حدث مُصيبة ما أعظمها وأوجعها، وأفجعها وأفظعها وأمرّها وأفدحها و...

٣ - بيان عُمق ما ارتكبوه من الفاجعة، بحيث لم يمكن أن يقع أبشع منها، وأنّه لم يُعهد في التاريخ، حتّى لو أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أوصاهم بذلك - فرضاً - لما زادوا على ما فعلوا بهم، وإليه يُشير العلاّمة الآية، السيّد مهدي بحر العلوم في قوله:

لو أنّهم أُمِرُوا بالبُغض ما صنعوا

فوق الذي صنعوا لو جدَّ جِدُّهم(٣)

٤ - إيقاظ الناس وتوجيههم على ذلك بلزوم اتّخاذ الموقف، في قوله(ع ليه السلام):( أيّ قلب لا ينصدع لقتله؟! أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟! أم أيّ سمعٍ يسمع هذه الثُّلمة التي ثُلمت في الإسلام ولا يُصَمّ؟! ) .

____________________

(١) الملهوف: ٢٢٨؛ مُثير الأحزان: ١١٣؛ ينابيع المودّة ٣/ ٩٣ بتفاوت يسير.

(٢) ينابيع المودّة ٣/ ٩٣.

(٣) عبرات المصطفين ٢/ ٣٥٩.

٤٠٢

في المدينة المنوّرة

حالة أهل البيتعليهم‌السلام حين دخولهم المدينة:

قال الشيخ ابن نما الحِلّي يصف الحالة: ثمّ دخل زين العابدينعليه‌السلام وجماعته دار الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فرآها مُقفرة الطلول، خالية من سُكَّانه، خالية بأحزانه، قد غشيها القدر النازل، وساورها الخطب الهائل، وأطلَّت عليها عذابات المنايا، وأظلّتها جحافل الرزايا، وهي موحشة العرصات، لفقد السادات...

وقـفت عـلى دار الـنبيّ مـحمّد

فـألفيتها قـد أقـفرت عرصاتها

وأمـست خـلاءً من تلاوة قارئٍ

وعـطّل مـنها صومها وصلاتها

وكـانـت مـلاذاً لـلعلوم وجـنّة

من الخطب يغشي المعتقين صلاتها

فـأقوت من السادات من آل هاشم

ولـم يـجتمع بعد الحسين شتاتها

فعيني لقتل السبط عبرى ولوعتي

عـلى فـقده مـا تنقضي زفراتها

فـيا كبدي كم تصبرين على الأذى

أما آن أن يُغني إذن حَسراتها (١)

وقال السيّد محمّد بن أبي طالب الكركي: ( ولما شاهدعليه‌السلام منازل أحبّائه، التي كانت مشارق أنوار الإيمان، ومظاهر أسرار القرآن، ومواطن مصابيح العرفان، ومعادن مجاويع الإحسان، تندب بلسان حالها، وتنحب لفقد رجالها، وتذرف عبراتها من مآقيها، وتصاعد زفراتها من تراقيها، وتُنادي بصوت يُنبئ عن شدّة لوعتها، ويُخبر بحدّة كربتها، ويستخبر كلّ راكب وراجل، وينشد كلّ ظاعن ونازل:

____________________

(١) مُثير الأحزان: ١١٤.

٤٠٣

أيـن مَـن كانوا شموسي وبدوري

أيـن مـا كـانوا جمالي وسروري

أيـن مَـن كـانوا حُماتي ورعاتي

وهُداتي حين تعييني أموري...(١)

مُـذ نـأوا بـالبُعد عن إنسان عيني

كـثر الـشامت إذ قـلَّ نـصيري

يـا عـيوني إن تكن عَزَّت دموعي

فـاذرفي بـالدم مـن قـلبٍ كسير

نادى مجلس كراماتهم، ومدارس تلاواتهم، ومقامات عباداتهم، ومحاريب صلواتهم، أين مَن كُتِب رياض الكرم بجودهم وحُماة الأُمم بوجودهم؟ أين عمّاركِ بركوعهم وسجودهم وقوّامكِ في طاعة معبودهم؟ أين مَن كانت حدائق أنعُمهم في فنائكِ مُغدقة، وجداول كرمهم في خلالكِ مُتدفِّقة، وأعلام علومهم منصوبة، وأروقة شرفهم مضروبة؟ كم أضاءوا بمصابيح نفقاتهم ظلمتك؟ وكم آنسوا بنغمات تلاوتهم وحشتك؟ وكم أحيوا بصلاتهم ليلك ونهارك؟ وكم أناروا بنور تهجُّدهم حنادس أسحارك؟

فأجابه صداها بلسان حالها، وأخبره فناؤها بتنكّر أحوالها: رحلوا عن تقنّعي، فسكنوا في بيت الأحزان قلبي، ونأوا عن ربوعي، فأطالوا لطول نواهم كربي، فآهٍ! فيا شوقاه لمواطئ أقدامهم على صعيدي! آه وا أسفاه لانتقال أقمار وجوههم عن منازل سعودي! خابني زماني بإبعادهم عنّي، فأصبح باب سروري مُرتجى، وعاندني دهري إذ أسلبهم منّي، فليس لي بعدهم في الخلق مُرتجى، فيا كلم قلبي ذُبْ أسفاً، فما لك مأوى في رميم عظامي، ويا سقيم جسمي مُتْ كمداً قبل تقضِّي مدّتي وأيّامي...

وشاهد ( صلوات الله عليه ) منازل أحبّائه مُظلمة لوحشتها، مُقفرة لخلوتها،

____________________

(١) هنا عدّة أبيات لم أذكرها مُراعاةً للاختصار.

٤٠٤

فكأنّي بلسان حاله قد ناجاها، وببيان مقاله ناداها: يا أيّتها المنازل التي غابت عنها حماتها، وغيّرت صفاتها، وحلّت مرابعها، وأقوت مجامعها، حزني لفقد عُمَّارك سرمد، ووجدي لبُعد سمائك لا ينفد، وأنباء مُصيبتهم تُرسل عبراتي، وأحاديث محنتهم تُهيِّج حسراتي، وديارهم الخالية تُحرق قلبي، وربوعهم الخاوية تُذهل لُبِّي، وكيف لا يقدح زند الفراق نار الاشتياق في جوانحي وأحشائي، ويُفرغ فرط الغرام ثوب السقام على جوارحي وأعضائي...؟! )(١) .

حالة المدينة بعد دخول حرم الحسينعليه‌السلام :

قال الخوارزمي: ( قالوا: ولما دخل حرم الحسينعليه‌السلام المدينة عجّت نساء بني هاشم، وصارت المدينة صيحةً واحدة... )(٢) .

وقال ابن فتّال النيسابوري: (... حتّى دخلوا المدينة، فلم يُسمَع واعية مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن عليّ (عليهما السلام ) )(٣) .

رثاء امرأة من بنات عبد المطّلب:

روى ابن الجوزي، بإسناده عن عمّار الدهني، عن أبي جعفر قال: [ لما ] قدموا المدينة خرجت امرأة من بنات عبد المطّلب ناشرةً شعرها واضعةً كُمّها على رأسها تلقّاهم وتقول:

ماذا تقول إن قال النبيّ لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأُمم

____________________

(١) تسلية المجالس ٢/ ٤٦٤.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٦، ثمّ ذكر بعد ذلك ضحك عمرو بن سعيد أمير المدينة وتمثُّله بقول عمرو بن معدي كرب الزبيدي وخطبته على المنبر، وهو ما ذكرناه بعد وصول رأس الحسينعليه‌السلام المدينة، فلا نُعيد.

(٣) روضة الواعظين ١/ ١٩٢.

٤٠٥

بـعـترتي وبـأهلي بـعد مُـفتقدي

مـنهم أُسـارى وقـتلى ضُرِّجوا بدم

مـا كـان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي(١)

عند مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :

قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله): ( روي في بعض مؤلّفات أصحابنا: قال الراوي: ( وأمّا زينب، فأخذت بعَضادَتي باب المسجد، ونادت: ( يا جدّاه، إنّي ناعية إليك أخي الحسين )، وهي مع ذلك لا تجفّ لها عبرة، ولا تفتر من البكاء والنحيب، وكلّما نظرت إلى علي بن الحسين تجدّد حزنها، وزاد وجدها )(٢) .

لبس السواد وإقامة المأتم:

روى البرقي، بإسناده عن عمر بن علي بن الحسين، قال: ( لما قُتل الحسين بن عليعليه‌السلام لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان عليّ بن الحسين يعمل لهنَّ الطعام للمأتم )(٣) .

مُكافأة الحرس:

لقد شكرت العلويّات كلّ الذين قاموا برعايتهنّ من الشام حتّى المدينة، قال الشبلنجي: ( وكان [ الرجل الحارس ] يسألهم عن حالهم ويتلطّف بهم في جميع

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥١. وروي نحوه في: البدء والتاريخ ٦/ ١٢؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٩ و٢٠٠؛ تهذيب الكمال: ٤٢٩ بتفاوت يسير.

لقد ذكرنا - فيما سبق - رثاء ابنة عقيل حينما ورد خبر مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام إلى المدينة، إلاّ أنّ بعض المؤرِّخين - كما ذكرنا أسماءهم آنفاً - روى ذلك بعد وصول حرم الحسينعليه‌السلام المدينة، وهو لا يُنافي ما سبق، إذ هما أمران إيجابيّان لا مانع من جمعهما وتكرُّرهما في زمانين.

(٢) بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٨.

(٣) المحاسن: ٤٢٠، باب الإطعام، باب ٢٦، ح١٩٦، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٨ ح٣٣.

٤٠٦

أُمورهم، ولا يشقُّ عليهم في مسيرهم إلى أن دخلوا المدينة، فقالت فاطمة بنت الحسين لأُختها سكينة: قد أحسن هذا الرجل إلينا، فهل لكِ أن تصليه بشيء؟

فقالت: والله، ما معنا ما نصله به، إلاّ ما كان من هذا الحُلْيّ.

قالت: فافعلي. فأخرجتا له سوارين ودُملجين وبعثا بهما إليه فردّهم، وقال: لو كان الذي صنعته رغبةً في الدُّنيا لكان في هذا مُقنِع بزيادة كثيرة، ولكنّي - والله - ما فعلته إلاّ لله، ولقرابتكم من رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) )(١) .

ولقد ذكرنا فيما سبق في مبحث ( حُسن المعاملة في الطريق) ما يدلّ على ذلك، إلاّ أنّ الكلام جرى بين فاطمة بنت علي وأُختها زينب (سلام الله عليهما)، وأنّ التي أرسلت السوار والدُّملج إلى ذلك الرجل هي زينبعليها‌السلام ، وهو الأنسب(٢) .

ولكنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام كافأ بعضهم بأحسن ما يُمكن وفوق ما يُتصوَّر.

روى الطبري الإمامي، بإسناده عن أبي نمير عليّ بن يزيد، قال: ( كنت مع عليّ بن الحسينعليه‌السلام عندما انصرف من الشام إلى المدينة، فكنت أُحسِن إلى نسائه وأتوارى عنهم عند قضاء حوائجهم، فلما نزلوا المدينة بعثوا إليّ بشيء من حُليِّهنّ فلم آخذه، وقلت: فعلت هذا لله عزّ وجلّ (ولرسوله خ). فأخذ عليّ بن الحسينعليه‌السلام حجراً أسود أصمّ، فطبعه بخاتمه، ثمّ قال:( خُذْه وسل كلّ حاجة لك منه، فوالله الذي بعث محمّداً بالحقّ، لقد كنت أسأله الضوء في البيت فينسرج في الظلماء، وأضعه على الأقفال فتُفتح لي، وآخذه بين يدي السلاطين فلا أرى إلاّ ما أُحبّ ) )(٣) .

____________________

(١) نور الأبصار: ١٣٢.

(٢) ذكر ذلك تاريخ الطبري ٤/ ٢٥٤ والكامل في التاريخ ٤/ ٨٨ ومقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤ والبداية والنهاية ٨/ ١٩٧.

(٣) دلائل الإمامة: ٢٠١ ح١١٩، اُنظر: نوادر المعجزات ١١٦/ ٧؛ إثبات الهُداة ٣/ ٢٦، ب ١٧، ف٢٢، ح٦١؛ مدينة المعاجز ٤/ ٢٥٩، ح١٢٩٣.

٤٠٧

هدم بيوت تتعلّق بأُسرة الحسينعليه‌السلام :

وممّا يكشف القناع عن سياسة القمع الأُموي، ما ارتكبوه من هدمٍ لبعض البيوت التي تتعلّق بأُسرة أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وهذا هو تأييد آخر لما ذكرناه مراراً.

قال القاضي نعمان: ( وروي عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام أنّه قال:( أُصيب الحسين عليه‌السلام وعليه دين بضع وسبعون ألف دينار.

( قال: )وكفّ يزيد عن أموال الحسين عليه‌السلام ، غير أنّ سعيد بن العاص هدم دار عليّ بن أبي طالب، ودار عقيل ودار الرباب بنت امرئ القيس، وكانت تحت الحسين، وهي أُمّ سكينة ) (١) .

وهذا هو تأييد آخر لما هو مُسلّم في التاريخ، وركّزنا عليه وأكّدناه مراراً، وقلنا: إنّ ما هو يظهر من بعض الكُتب من إظهار يزيد الحزن على ما وقع لم يكن إلاّ كذباً ونفاقاً وزور، وإلاّ فلماذا هذا الفعل الشنيع؟!

لاحظوا ما قيل من طلب يزيد من الإمامعليه‌السلام أن يكتب إليه كتاباً إذا اضطرّ إلى أمر! ثمّ يفعل بهم هذا!

إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

روى القاضي نعمان عن الإمام جعفر بن محمّدعليه‌السلام أنّه قال:

( نيحَ على الحسين بن علي سنة كاملة كلّ يوم وليلة، وثلاث سنين من اليوم الذي أُصيب فيه، وكان المسور بن مخرمة وأبو هريرة وتلك المشيخة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتون مُستترين ومُقنّعين، فيسمعون ويبكون )(٢) .

____________________

(١) شرح الأخبار ٣/ ٢٦٩، ح١١٧٣.

(٢) دعائم الإسلام ١/ ٢٢٧.

٤٠٨

وهذا الخبر يدلّ على مدى حزن الهاشميّين، واهتمامهم بعزاء سيّد الشهداءعليه‌السلام ، بحيث حزنوا كأشدّ ما يكون الحزن واللوعة، واستمرّوا على ذلك؛ إبقاءً لذكر أبي عبد اللهعليه‌السلام واستمراراً لنهجه.

نَوْحُ الجِنّ:

قال الزرندي: روى جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهما‌السلام قال:( نيحَ (على) الحسين بن علي ثلاث سنين، وفي اليوم الذي قُتِل فيه، فكان وائلة بن الأصقع، ومروان بن الحَكم، ومسور بن مخرمة، وتلك المشيخة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجيئون فيسمعون نوح الجنّ ويبكون ) (١) .

رثاء أُمّ البنين:

روي عن صاحب رياض الأحزان أنّه قال: ( وأقامت أُمّ البنين زوجة أمير المؤمنين العزاء على الحسينعليه‌السلام ، واجتمع عندها نساء بني هاشم يندبن الحسين وأهل بيته )(٢) .

وقال المامقاني: ( ويُستفاد قوّة إيمانها... أنّ بِشْراً كلّما نعى إليها بعد وروده المدينة أحداً من أولادها الأربعة قالت - ما معناه -: أخبرني عن الحسينعليه‌السلام ، فلما نعى إليها الأربعة قالت: قد قطّعت أنياط قلبي، أولادي ومَن تحت الخضراء كلّهم فداءً لأبي عبد الله الحسينعليه‌السلام )(٣) .

قال أبو الفرج الإصفهاني: ( وكانت أُمّ البنين... تخرج إلى البقيع فتندب بنيها

____________________

(١) نظم درر السمطين: ٢٢٤، عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٥٨٩.

(٢) رياض الأحزان: ٦٠، على ما في هامش شرح الأخبار ٣/ ١٨٦.

(٣) تنقيح المقال ٣/ ٧٠.

٤٠٩

أشجى ندبة وأحرقها، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها، فكان مروان يجيء فيمَن يجيء لذلك، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي!

ذكر ذلك عليّ بن محمّد بن حمزة، عن النوفلي: عن حمّاد بن عيسى الجهني، عن معاوية بن عمّار، عن جعفر بن محمّد )(١) .

وقال أبو الحسن الأخفش في شرح الكامل: ( وقد كانت تخرج إلى البقيع كلّ يوم ترثيه، تحمل ولده ( أي ولد العبّاسعليه‌السلام ) عبيد الله، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة وفيهم مروان بن الحَكم، فيبكون لشَجى الندبة.

ومن قولها (رضي الله عنها):

يا مَن رأى العبّاس كرَّ على جماهير النقد

ووراه من أبناء حيدر كلّ ليثٍ ذي لبد

أُنْبِئتُ أنّ ابني أُصيب برأسه مقطوع يد

ويلي على شبلي أمال برأسه ضرب العَمد

لو كان سيفك في يديك لما دنا منك أحد

وقولها أيضاً:

لا تـدعونَّي ويـكَ أُمّ الـبنين

تُـذكّـريني بـليوث الـعرين

كـانت بـنون لـي أُدعى بهم

قد واصلوا الموت بقطع الوَتين

تُـنازع الـخرصان أشـلاءهم

فـكلّهم أمـسى صريعاً طعين

يـا لـيت شِعْرِي أكما أخبروا

بأنّ عبّاساً قطيع اليمين )(٢)

____________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٩٠.

(٢) شرح الكامل، على ما في هامش شرح الأخبار ٣/ ١٨٦.

٤١٠

حزن وبكاء الرباب بنت امرئ القيس ورثاؤها:

لقد حزنت الرباب زوجة الإمام الحسينعليه‌السلام حزناً بالغاً، ووجدت عليه وجداً شديداً، وقد أبدت من الوفاء شيئاً غريباً.

قال ابن الأثير: ( وكان مع الحسين امرأته الرباب بنت امرئ القيس، وهي أُم ابنته سكينة، وحُملت إلى الشام فيمَن حُمل من أهله، ثمّ عادت إلى المدينة، فخطبها الأشراف من قريش، فقالت: ما كنت لأتَّخذ حموّاً بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم). وبقيت بعده سنة لم يُظلّها سقف بيت حتّى بليت وماتت كَمَداً )(١) .

وقال ابن كثير: ( ولما قُتل (الحسينعليه‌السلام ) بكربلاء كانت (رباب) معه، فوجدت عليه وجداً شديداً... وقد خطبها بعده خلقٌ كثير من أشراف قريش، فقالت: ما كنت لأتّخذ حموّاً بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، ووالله، لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين سقف أبداً، ولم تزل عليه كَمِدة حتّى ماتت. ويُقال: إنّها عاشت بعده أيّاماً يسيرة، فالله أعلم )(٢) .

وما ذكر من إقامتها على قبر أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام سنة، ثمّ رجوعها إلى المدينة قائلة:

إلى الحول ثمّ اسمُ السلام عليكما

ومَن يبكِ حولاً كاملاً فقد اعتذر(٣)

ممّا لا يُمكننا المساعدة عليه، وهو بعيد جدّاً، والمستفاد من البيت البكاء على الحسينعليه‌السلام سنة لا البقاء على قبره الشريف؛ ولذلك ذكر بعض المؤرِّخين ذلك بقول: (قيل). الدالّ على ضعفه(٤) .

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٨.

(٢ و٣) البداية والنهاية ٨/ ٢١٢.

(٤) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٨.

٤١١

نعم، قال سبط ابن الجوزي: ( وعاشت بعد الحسين سنة، ثمّ ماتت كَمَداً، ولم تستظلّ بعد الحسين بسقف )(١) .

وبذلك يُستظهر أنّها قالت ذلك البيت في آخر أيّام حياتها، ولعلّها أنشدته حينما رأت بوادر الموت وعلمت بفراق الروح من الجسم، وإلاّ فمن شأنها أن تكون على هذه الحالة إلى آخر أيّام حياتها ولو طالت.

وذكر بعض المؤرِّخين، أنّها رثته رثاءً حزيناً، فقالت فيه:

إنّ الـذي كـان نوراً يُستضاء به

بـكربلاء قـتيل غـير مـدفون

سـبط الـنبيّ جـزاك الله صالحةً

عـنّا وحُـبيت خـير الـموازين

قـد كـنت جـبلاً صـعْبَاً ألوذ به

وكـنت تَـصحبنا بالرحم والدِّين

مَـن لـليتامى ومَن للسائلين ومَن

يُـغني ويـأوي إلـيه كلّ مسكين

والله لا أبـتغي صـهراً بصهركم

حتّى أُغيَّب بين الرمل والطين(٢)

رثاء عاتكة بنت زيد:

قيل: إنّه بلغ من وفاء أزواج الإمام الحسينعليه‌السلام أنّ زوجته السيّدة عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تنوح عليه، وقد رثته بذوب روحها قائلةً:

وا حـسيناً فـلا نسيتُ حسينا

أَقْـصَـدَتْه أسِـنّـةُ الأعـداء

غـادروه بـكربلاء صـريعاً

لا سَقى الغيثُ بعده كربلاء(٣)

هذا، ولكن نُسبت هذه الأبيات - مع تفاوتٍ يسير - إلى رباب زوجة الإمام

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٦٥.

(٢) اُنظر الأغاني ١٦/ ١٤٧.

(٣) مُعجم البلدان ٤/ ٥٠٥، رقم ١٠١٧٦.

٤١٢

الحسين، وأنّها رثت بها الحسينعليه‌السلام في الشام، بعدما أخذت رأسه وقبّلته ووضعته في حجرها وقالتها(١) .

أُمّ سلمة تردُّ الأمانات إلى أهلها:

روى الشيخ الكليني أيضاً، بإسناده عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ( إنّ الحسين صلوات الله عليه لما صار إلى العراق استودع أُمّ سلمة (رضي الله عنها) الكُتب والوصيّة، فلما رجع عليّ بن الحسينعليه‌السلام دفعتها إليه )(٢) .

ونحوه ما ذكره المسعودي بقوله: ( ثمّ أحضر ( أي الإمام الحسينعليه‌السلام ) عليّ بن الحسينعليه‌السلام وكان عليلاً، فأوصى إليه بالاسم الأعظم ومواريث الأنبياءعليهم‌السلام وعرّفه أن قد دفع العلوم والصُّحُف والسلاح إلى أُمّ سلمة (رضي الله عنها)، وأمرها أن تدفع جميع ذلك إليه )(٣) .

وقال أيضاً: ( فلما قرب استشهاد أبي عبد اللهعليه‌السلام دعاه ( أي عليّ بن الحسينعليه‌السلام )، وأوصى إليه، وأمره أن يتسلّم ما خلّفه عند أُمّ سلمة - رحمها الله - مع مواريث الأنبياء والسلاح والكتاب )(٤) .

وهذا أيضاً ممّا يدلّ على مدى جلالة وعظمة أُمّ سلمة رضوان الله عليها، بحيث إنّها كانت مؤتمنة عند الرسول وآله إلى آخر أيّام حياتها، والأشياء التي حفظتها هي الأشياء التي لابدّ أن تكون عند حجّة الله في الأرض في كلّ زمان.

وممّا يُظهر أهمّية ذلك ما رواه الفقيه ابن حمزة الطوسي، عن أبي خالد الكابلي أنّه

____________________

(١) تاريخ الفرماني على ما في هامش شرح الأخبار ٣/ ١٧٨.

(٢) الكافي ١/ ٢٤٢، ح٣؛ الغيبة ١٩٥/ ١٥٩؛ المناقب ٤/ ١٧٢؛ إعلام الورى: ٢٥٢.

(٣) إثبات الوصيّة: ١٤٢.

(٤) إثبات الوصيّة: ١٤٥.

٤١٣

قال: ( لما قُتِل أبو عبد الله الحسين صلوات الله عليه، وبقيت الشيعة مُتحيّرة، ولزم عليّ بن الحسين ( صلوات الله عليهما ) منزله، اختلفت الشيعة إلى الحسن بن الحسن، وكنت فيمَن يختلف إليه، وجعلت الشيعة تسأله عن مسألة ولا يُجيب فيها، وبقيت لا أدري مَن الإمام مُتحيّراً، وإنّي سألته ذات يوم فقلت له: جُعلت فداك، عندك سلاح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فغضب، ثمّ قال: يا معشر الشيعة، تعنُّونا ( تَعيبوننا خ)؟!

فخرجت من عنده حزيناً كئيباً، لا أدري أين أتوجّه، فمررت بباب عليّ بن الحسين زين العابدين عليه الصلاة والسلام قائم الظهيرة، فإذا أنا به في دهليزه قد فتح بابه، فنظر إليّ فقال:( يا كنكر ) . فقلت: جُعلت فداك، والله، إنّ هذا الاسم ما عرفه أحد إلاّ الله عزّ وجلّ وأنا، وأُمّي كانت تُلقّبني به وتُناديني وأنا صغير.

قال: فقال لي:( كنت عند الحسن بن الحسن؟! ) .

قلت: نعم.

قال:( إن شئت حدّثتك، وإن شئت تحدّثني ) .

فقلت: بأبي أنت وأُمّي! فحدّثني.

قال:( سألتَه عن سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: يا معشر الشيعة، تعنّونا؟ ) .

فقلت: جُعلت فداك، كذا - والله - كانت القضيّة.

فقال للجارية:( ابعثي إليّ بالسفط ). فأخرجتْ إليه سفطاً مختوماً، ففضّ خاتمه وفتحه، ثمّ قال:( هذه درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ) . ثمّ أخذها ولبسها، فإذا هي إلى نصف ساقه، قال: فقال لها:( اسبغي ) . فإذا هي تنجرّ في الأرض، ثمّ قال:( تقلّصي ). فرجعت إلى حالها، ثمّ قال صلوات الله عليه:( إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لبسها قال لها هكذا، وفعلت هكذا مثله ) )(١) .

____________________

(١) الثاقب في المناقب: ٣٦٣، ح٣٠٢، اُنظر: المناقب ٤/ ١٣٥؛ الهداية الكبرى: ٢٢٥؛ مدينة المعاجز ٤/ ٤٢٢، ح١٤٠٦.

٤١٤

فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام تردّ الأمانات إلى أهلها:

روى الشيخ الكليني (رحمه الله)، بإسناده عن أبي الجارود، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال:( إنّ الحسين بن عليّ عليهما‌السلام لما حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام ، فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصيّة ظاهرة، وكان عليّ بن الحسين عليهما‌السلام مبطوناً معهم، لا يرون إلاّ أنّه لما به، فدفعَت فاطمة الكتاب إلى عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، ثمّ صار - والله - ذلك الكتاب إلينا يا زياد ) .

قال: قلت: ما في ذلك الكتاب، جعلني الله فداك؟

قال:( فيه - والله - ما يحتاج إليه وُلْد آدم منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدُّنيا، والله، إنّ فيه الحدود، حتّى أنّ فيه أرش الخدش ) (١) .

ويبدو أنّ هذه غير الأمانات التي قامت بردّها أُمّ سلمة، فيظهر أنّ الإمامعليه‌السلام قسّم الأمانات والوصيّة وبعض المواريث إلى قسمين، فجعل بعضها بيد ابنته فاطمة، والآخر بيد أُمّ سلمة، لكي يُسلِّماهما من بعده إلى حُجّة الله في أرضه. هذا وعقولنا قاصرة عن إدراك ذلك تفصيلاً.

استمرار بكاء وحزن الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

روى الشيخ الصدوق، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام أنّه قال:

( البكّاءون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعليّ بن الحسينعليهما‌السلام . فأمّا آدم، فبكى على الجنّة حتّى صار في خدّيه أمثال الأودية، وأمّا يعقوب، فبكى على

____________________

(١) اُنظر: بصائر الدرجات: ١٦٨، ح٢٤؛ المناقب ٤/ ١٧٢؛ إثبات الوصيّة: ١٤٢.

٤١٥

يوسف حتّى ذهب بصره، وحتّى قيل له: ( ... تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) (١) ،وأمّا يوسف، فبكى على يعقوب حتّى تأذّى به أهل السجن، فقالوا: إمّا أن تبكي بالنهار وتسكت بالليل، وإمّا أن تبكي بالليل وتسكت بالنهار، فصالحهم على واحد منهما، وأمّا فاطمة بنت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فبكت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى تأذّى بها أهل المدينة، وقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك. فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء، فتبكي حتّى تقضي حاجتها ثمّ تنصرف، وأمّا عليّ بن الحسين، فتبكي حتّى تقضي حاجتها ثمّ تنصرف، وأمّا عليّ بن الحسين فبكى على الحسين عليهما‌السلام عشرين سنة أو أربعين سنة، وما وُضِع بين يديه طعام إلاّ بكى، حتّى قال له مولى له: جُعلت فداك، يا بن رسول الله، إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني لذلك عَبْرة ) (٢) .

وقال ابن نما: ( فقد رويت عن والدي رحمة الله عليه، أنّ زين العابدينعليه‌السلام كان - مع حِلمه الذي لا توصف به الرواسي وصبره الذي لا يبلغه الخلّ المواسي - شديد الجزع والشكوى لهذه المصيبة والبلوى، بكى أربعين سنة بدمع مسفوح وقلب مقروح، يقطع نهاره بصيامه وليله بقيامه، فإذا أُحضِر الطعام لإفطاره ذكر قتلاه وقال: وا كرباه، ويُكرِّر ذلك ويقول: قُتِل ابن رسول الله جائعاً، قتل ابن رسول الله عطشانا حتّى يبلّ [بالدمع] ثيابه )(٣) .

____________________

(١) يوسف: ٨٥.

(٢) أمالي الصدوق: ٢٠٤، مجلس ٢٩، ح٥؛ الخصال ٢٧٢/ ١٥٤. وروى الفتّال النيسابوري آخره.

(٣) مُثير الأحزان: ١١٥.

٤١٦

وقال: ( قال أبو حمزة الثمالي: سُئلعليه‌السلام عن كثرة بكائه، فقال:

( إنّ يعقوب فَقَدَ سبطاً من أولاده فبكى عليه حتّى ابيضّت عيناه وابنه حيّ في الدُّنيا، ولم يعلم أنّه مات، وقد نظرت إلى أبي وسبعة عشر من أهل بيتي قُتلوا في ساعة واحدة، فترون حزنهم يذهب من قلبي؟! ) (١) .

وقال السيّد ابن طاووس: ( فاسلك أيّها السامع بهذا المصاب مسلك القدوة من حملة الكتاب، فقد روي عن مولانا زين العابدينعليه‌السلام - وهو ذو الحِلم الذي لا يبلغ الوصف إليه - أنّه كان كثير البكاء لتلك البلوى، عظيم البثّ والشكوى، فروي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال:( إنّ زين العابدين عليه‌السلام بكى على أبيه أربعين سنة، صائماً نهاره، قائماً ليله، فإذا حضره الإفطار جاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه، فيقول: كُلْ يا موالاي. فيقول: قُتِل ابن رسول الله جائعاً، قُتل ابن رسول الله عطشاناً. فلا يزال يُكرّر ذلك ويبكي حتّى يبلّ طعامه من دموعه، ويمتزج شرابه منها، فلم يزل كذلك حتّى لحق بالله عزّ وجلّ ) (٢) .

وروى الخوارزمي، بإسناده عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام قال:( كان أبي عليّ بن الحسين عليه‌السلام إذا حضرت الصلاة يقشعرّ جلده، ويصفرّ لونه، وترتعد فرائصه، ويقف شعره، ويقول - ودموعه تجري على خدّيه -: لو علم العبد مَن يُناجي ما انفتل ).

وبرز يوماً إلى الصحراء، فتبعه مولى له، فوجده قد سجد

____________________

(١) المصدر السابق.

(٢) الملهوف: ٢٣٣.

٤١٧

على حجارة خشنة، قال مولاه: فوقفت حيث أسمع شهيقه وبكاءه، فوالله، لقد أحصيت عليه ألف مرّة وهو يقول:( لا إله إلاّ الله حقّاً حقّاً، لا إله إلاّ الله تعبّداً ورقّاً، لا إله إلاّ الله إيماناً وصدقاً ) . ثمّ رفع رأسه من سجوده وإنّ لحيته ووجهه قد غُمرا بالماء من دموع عينيه، فقال له مولاه: يا سيّدي، أما آن لحزنك أن ينقضي، ولبكائك أن يقلّ؟! فقال له:( ويحك! إنّ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كان نبيّاً ابن نبيّ، وله اثنا عشر ابناً، فغيّب الله تعالى واحداً منهم، فشاب رأسه من الحزن، واحدودب ظهره من الغمّ، وذهب بصره من البكاء وابنه حيّ في دار الدُّنيا، وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة وعشرين (١) من أهل بيتي صرعى مقتولين، فكيف ينقضي حزني ويقلّ بكائي؟! ) (٢) .

وقال الأربلي: وعن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام قال:( سُئل عليّ بن الحسين عن كثرة بكائه، قال: لا تلوموني، فإنّ يعقوب فَقَدَ سِبْطاً من ولده فبكى حتّى ابيضّت عيناه ولم يعلم أنّه مات، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي في غداة واحدة قتلى، فترون حزنهم يذهب من قلبي؟! ) (٣) .

____________________

(١) جاء في نقل الملهوف: سبعة عشر، وهو الصحيح، وهناك قرائن على صحّة هذا النقل.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ١٢٤. ورواه السيّد ابن طاووس مُرسلاً بتفاوت يسير (الملهوف: ٢٣٤).

(٣) كشف الغمّة ٢/ ١٠٢.

٤١٨

دور الإمام زين العابدينعليه‌السلام في استمرار الرسالة:

إنّ الإمامعليه‌السلام قد أدّى في دوره بأحسن ما يمكن، بالنسبة إلى استمرار الرسالة الحسينيّة، وتثبيت دعائمها، وثمرتها وتربية النفوس عليها، وذلك بعدّة أُمور:

١ - تثبيت أمر الإمامة: إنّ السلطة الغاشمة والزمرة الحاكمة أرادت وأحبّت أن ترى انخماد كلّ شيء بعد مقتل أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، ولكنّ الإمامعليه‌السلام بدوره أثبت أنّ الإمامة أمرٌ خارج عن نطاق إرادة البشر، وأنّها أمر إلهي يُلازمها لطف ربّاني، وعناية ربّانيّة مخصوصة، وبذلك يحمل ما جرى بينهعليه‌السلام وبين عمّه محمّد بن الحنفيّة(١) ، وممّا يؤيّد ذلك ما ذكرناه في رواية أبي خالد الكابلي آنفاً.

٢ - تربية الناس: إنّ الإمامعليه‌السلام بما أنّه يمتلك قوّة وموهبة إلهيّة، فقد قام بتربية الناس، وذلك عبر كلماته ومواعظه التي ربَّما كانت تُلقى في يوم الجمعة، وفي مسجد رسول اللهعليه‌السلام ، ومعلوم أنّ حضور الناس في يوم الجمعة يختلف عمّا سواه.

روى ورّام بن أبي فراس، عن سعيد بن المسيب أنّه قال: ( كان عليّ بن الحسين يعظ الناس، ويُزهّدهم في الدُّنيا، ويرغّبهم في الآخرة بهذا الكلام في كلّ جمعة في مسجد الرسول )(٢) .

٣ - بثّ المعارف الإلهيّة: لما كان الإمامعليه‌السلام يعيش في ظروف سياسيّة شاقَّة جدّاً، فمن الطبيعي أنّه ما كان يسعه أن يحضر الساحة بالنحو المطلوب؛ ولذلك نرى أنّهعليه‌السلام قدّم ثروة علميّة عظيمة في قالب الدُّعاء، وهو يُعالج أموراً عديدة في جوانب مُختلفة، كالمجال التربوي، والعرفاني، والاجتماعي، والسياسي...

____________________

(١) اُنظر الاحتجاج ٢/ ١٤٧ و١٥١.

(٢) تنبيه الخواطر: ٣٦٦.

٤١٩

٤ - الإمام ومسألة أخذ الثأر من قَتَلَة الإمام عليه‌السلام : إنّ المتتبّع في التاريخ ربّما يحصل على قرائن وشواهد عديدة على قيادة الإمامعليه‌السلام مسألة أخذ ثأر قَتَلة الإمام الحسينعليه‌السلام ، وتفصيل ذلك خارج عن عهدة هذا المقال(١) ، بل إنّنا نجد أنّه كان يهتمّ في هذه المسألة في دعائه المستمرّ ليلاً ونهاراً.

قال القاضي نعمان: ( وكان عليّ بن الحسينعليه‌السلام يدعو في كلّ يوم وليلة أن يُريه الله قاتل أبيه مقتولاً، فلما قتل المختار قَتَلَه الحسينعليه‌السلام بعث برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد - مع رسول من قِبله - إلى عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، وقال لرسوله: إنّه يُصلّي من الليل، فإذا أصبح وصلّى الغداة هجع ثمّ يقوم [ فيستاك ] فيؤتى بغذائه، فإذا أتيت بابه فاسأل عنه، فإذا قيل لك: إنّ المائدة وضعت بين يديه. فاستأذن عليه وضَعْ الرأسين على [مائدته]، قل له: المختار يقرأ عليك السلام ويقول لك: يا بن رسول الله، قد بلّغك الله ثارك. ففعل الرسول ذلك، فلما رأى علي بن الحسين رأسين على [مائدته] خرّ الله ساجداً، وقال:( الحمد لله الذي أجاب دعائي وبلّغني ثأري من قَتَلة أبي ) ، ودعا للمختار وجزّاه خيراً )(٢) .

وممّا يدلّ على مدى تأثير الإمامعليه‌السلام هو ملاحظة ردود فعل السلطة، نذكر بعضها:

١ - إيذاؤهم له وشتمه على المنبر: ذكر سبط ابن الجوزي، عن ابن سعد أنّ والي المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي كان يؤذي علي بن الحسين، ويشتم عليّاً على المنبر وينال منه(٣) .

____________________

(١) اُنظر ذوب النضار: ٩٧ - ٩٨ و١٤٤.

(٢) شرح الأخبار ٣/ ٢٧٠.

(٣) تذكرة الخواص: ٣٢٨.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460