مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة13%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234447 / تحميل: 8794
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

المدينة ثلاثة أيّام، وأن يُبايعهم على أنّهم خَوَل وعبيد ليزيد، فإذا فرغ منها نهض إلى مكّة لحرب ابن الزبير، ففعل بها مسلم الأفاعيل القبيحة، وقتل بها خلقاً من الصحابة وأبنائهم وخيار التابعين، وأفحش القضية إلى الغاية... )(١) .

وقال ابن الجوزيّ: ( فأباحها مسلم بن عقبة ثلاثاً، يقتلون الرجال ويقعون على النساء! وحكّمتْ امرأةٌ مسلم بن عقبة في ولدها وكان قد أُسر فقال: عجّلوه لها. فضُرِبتْ عنقه، ثمّ دعا مسلم الناس إلى البيعة ليزيد وقال: بايعوا على أنّكم خَوَل له وأموالكم له!

فقال يزيد بن عبد الله بن زمعة: نُبايع على كتاب الله. فأمر به فضُرب عُنقه، وجيء بسعيد بن المسيّب إلى مسلم فقالوا: بايع.

فقال: أُبايع على سيرة أبي بكر وعمر!

فأمر بضرب عنقه، فشهد رجل أنه مجنون، فخلّى عنه.

وذكر محمّد بن سعد في الطبقات: أنّ مروان بن الحَكم يُحرّض مسلم بن عقبة على أهل المدينة ونهبها ثلاثاً، فلما قدم مروان على يزيد شكر له وأدناه... ).

ثمّ قال ابن الجوزي: ( مَن أراد أن ينظر إلى العجائب، فلينظر إلى ما جرى يوم الحرّة على أهل المدينة بإطلاق يزيد أصحابه في النّهب )(٢) .

وقال الشبراوي: ( إنّ يزيد بن معاوية قال لمسلم بن عقبة: إذا ظفرت بالمدينة، فخلّها للجيش ثلاثة أيّام، يسفكون الدماء، ويأخذون الأموال، ويفسقون بالنساء )(٣) .

وقال ابن قتيبة: ( فبلغ عدّة قتلى الحرّة يومئذٍ من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الناس ألفاً وسبع مئة، وسائرهم من الناس عشرة آلاف، سوى النساء والصبيان، ذكروا أنّه قُتل يوم الحرّة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمانون

____________________

(١) أُنظر تهذيب التهذيب ١١/ ٢١٤، رقم ٨١٠٠.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٤.

(٣) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٥.

٤١

رجلاً ولم يبقَ بدريّ بعد ذلك، ومن قريش والأنصار سبعمئة، ومن سائر الناس من الموالي والعرب والتابعين عشرة آلاف، وكانت الوقعة في ذي الحجّة لثلاث بقين منها ثلاث وستّين )(١) .

وفي البدء والتاريخ: (فجاء مسلم بن عقبة فأوقع بالمدينة، وقتل أربعة آلاف رجل من أفناء الناس، وسبعين رجلاً من الأنصار، وبَقَرَ عن بطون النساء، وأباح الحرم، وأنهب المدينة ثلاثة أيّام )(٢) .

هذا بالنسبة إلى المدينة، وأمّا مكّة، فقد قال المسعودي: ( ولما نزل بأهل المدينة ما وصفنا من القتل والنهب والرقّ والسبي، وغير ذلك ممّا عنه أعرضنا من مُسرِفٍ، خرج عنها يريد مكّة في جيوشه من أهل الشام؛ ليوقع بابن الزبير وأهل مكّة بأمر يزيد، وذلك في سنة أربع وستّين، فلما انتهى إلى الموضع المعروف بقديد مات مُسرِف لعنه الله، واستخلف على الجيش الحصين بن نمير، فسار الحصين حتّى مكّة وأحاط بها، وعاذ ابن الزبير بالبيت الحرام... ونصب الحصين فيمَن معه من أهل الشام المجانيق والعرادات على مكّة والمسجد من الجبال والفجاج، وابن الزبير في المسجد. فتواردت أحجار المجانيق والعرادات على البيت، ورُمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتّان وغير ذلك من المحروقات، وانهدمت الكعبة واحترقت البَنيَّة... )(٣) .

وقال ابن قتيبة الدينوريّ: ( وحاصروا عبد الله بن الزبير، وأُحرقت الكعبة حتّى انهدم جدارها وسقط سقفها... )(٤) .

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١/ ٢١٥.

(٢) البدء والتاريخ ٦/ ١٤.

(٣) مروج الذهب ٣/ ٧١.

(٤) المعارف: ١٩٨.

٤٢

لعنه:

اللعن: الطّرد من الرحمة، قال تعالى:( ... لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ... ) (١) ، أي أبعدهم وطردهم من الرحمة(٢) ، وأصل اللعن الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق السبّ والدّعاء(٣) .

يمكن الاستدلال على جواز لعن يزيد بعدّة أُمور:

١. التمسّك بعموم وإطلاق بعض الآيات القرآنية:

منها: قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ) (٤) . ولا شكّ أنّ إيذاء الحسين إيذاء للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف بقتله؟!(٥) .

ومنها: قوله تعالى: ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) (٦) .

إذا كانت لعنة الله وعذابه العظيم تشمل مَن يقتل مؤمناً مُتعمّداً، فكيف بمَن

____________________

(١) البقرة: ٨٨.

(٢) مجمع البحرين ٤/ ١٢٤، مادّة لعن.

(٣) النهاية في غريب الحديث والأثر ٤/ ٢٥٥ - عنه سفينة البحار ٢/ ٥١٢.

(٤) الأحزاب: ٥٧.

(٥) قال الزرندي المتوفّى سنة ٧٥٠ في نظم درر السمطين ٢٣٢: وروى علي عن درّة بنت أبي لهب، وفي رواية أبي هريرة: أنّ صبية بنت أبي لهب جاءت إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت: يا رسول الله، إنّ الناس يصيحون بي ويقولون أنت بنت حطب الله، قالت: خرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مُغضباً حتّى استوى على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:( ما بال رجال يؤذوني في أهل بيتي، والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتّى يُحبّني، ولا يُحبّني حتّى يُحبّ فيَّ ذرّيّتي، فما لي أُوذى؟! ) .

قالوا: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، وفي رواية:( ما بال أقوام يؤذوني في قرابتي؟! ألا مَن آذاني في قرابتي فقد آذاني، ومَن آذاني فقد آذى الله ) انتهى.

أقول: إذا كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يغضب لما حصل في إيذاء بنت أبي لهب لساناً، فكيف لا يحصل ذلك بالنسبة إلى ما جرى في حقّ ابن بنته وأهل بيته لساناً وسناناً؟!

(٦) النساء: ٩٣.

٤٣

يقوم بقتل الحسينعليه‌السلام وهو سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وثمرة البتولعليها‌السلام ، الذي قال جدّه في حقّه:( حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً ) (١) ؟ !

وقوله تعالى:( وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً ) (٢) .

ويزيد هو من الشجرة الملعونة في القرآن؛ قال السيوطي في الدرّ المنثور: ( أخرج ابن أبي حاتم، عن يعلى بن مرّة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أُريت بني أُميّة على منابر الأرض وسيتملّكونكم فتجدونهم أرباب سوء ). واهتمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك فأنزل الله:( ... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ... ) (٣) .

وعن كتاب المعتضد: لا خلاف بين أحد أنّه تبارك وتعالى أراد بها بني أميّة(٤) .

ومنها: قوله تعالى:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) (٥) .

ولا ريب أنّ يزيد هو من أكابر المفسدين في الأرض، بعد قتل الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه بكربلاء، وأمره ورضاه بذلك ووقعة الحرّة وهدم الكعبة، فإذا لم يكن هذا إفساداً في الأرض فلا يبقى للفساد أيّ معنى! فيشمله لعن الله طبقاً لهذه الآية الشريفة.

وعدّه أحمد بن حنبل من مصاديق المفسدين في الأرض، بتمسّكه بهذه الآية المباركة(٦) .

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ١/ ٢١٣ ط دار أنوار الهدى و...

(٢) الإسراء: ٦٠.

(٣) الدرّ المنثور ٤/ ١٩١.

(٤) سفينة البحار ٢/ ٥١٤ (مادّة لعن).

(٥) محمّد: ٢٢ - ٢٣.

(٦) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٦.

٤٤

٢. التمسّك بعموم بعض الأحاديث:

منها: ما روي عن عليّعليه‌السلام قال: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :( سبعة لعنهم الله وكلّ نبيّ مُجاب: المغيّر لكتاب الله، والمكذّب بقدر الله، والمبدّل سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله عزّ وجلّ، والمتسلّط في سلطنة ليُعزّ مَن أذلّ الله ويُذلّ مَن أعزّ الله، والمستحلّ لحرم الله، والمتكبّر على عبادة الله عزّ وجلّ ) (١) .

ولا ريب أنّ موارد ممّا ذكر آنفاً مُطبّقة على يزيد، مثل ما روى ابن حجر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال:( أوّل مَن يُبدّل سنّتي رجل من بني أُميّة، يُقال له: يزيد ) (٢) .

ومنها: ما روى البخاريّ، بإسناده عن أنس، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( المدينة حرم من كذا إلى كذا، لا يُقطع شجرها ولا يُحدَث فيها حدث، مَن أحدث حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) (٣) .

ومنها: ما رواه أحمد، بإسناده عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: خطبَنا عليّ فقال:(... قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المدينة حرم ما بين عِيْر إلى ثور، فمَن أحدث فيها حدثاً أو آوى مُحدِثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً... ) (٤) .

ومنها: ما روي مسنداً عن السائب بن خلاّد، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( مَن أخاف أهل المدينة أخافه الله عزّ وجلّ، وعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً ) (٥) .

____________________

(١) سفينة البحار ٢/ ٥١٢. وقريب منه: المعجم الطبراني ٣/ ح١١٦.

(٢) الصواعق المحرقة: ٢٣١.

(٣) صحيح البخاري ٣/ ٢٥ (آخر كتاب الحجّ، باب حرم المدينة).

(٤) مسند الإمام أحمد بن حنبل ١/ ٨١.

(٥) مسند الإمام أحمد بن حنبل ٤/ ٥٥ - ٥٦.

٤٥

ومنها: ما رواه في كفاية الطالب، بإسناده عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( لما عُرِج بي إلى السماء، رأيت على باب الجنّة مكتوباً: ( لا إله إلاّ إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ حبّ الله، الحسن والحسين صفوة الله، فاطمة أمَة الله، على باغضهم لعنة الله، مهما ذكر الله ).

ثمّ قال: تفرّد به عليّ بن حمّاد وهو ثقة، وأخرجه محدّث الشام عن محدّث العراق وإمام أهل الحديث(١) .

قال ابن الجوزي: جاء في الحديث لعن مَن فعل ما لا يُقارب معشار عُشر فعل يزيد(٢) .

٣. أقوال العلماء في لعن يزيد:

أحمد بن حنبل:

قال الآلوسي: ( نقل البرزنجي في الإشاعة، والهيثميّ في الصواعق المحرقة، أنّ الإمام أحمد لما سأله ولده عبد الله عن لعن يزيد قال: كيف لا يُلعن مَن لعنه الله في كتابه؟!

فقال عبد الله: قد قرأت كتاب الله عزّ وجلّ فلم أجد فيه لعن يزيد!

فقال الإمام: إنّ الله تعالى يقول:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ... ) الآية(٣) ، وأيّ فساد وقطيعة أشدّ ممّا فعله يزيد؟! )(٤) .

ابن الفرّاء (٥) :

قال ابن الجوزيّ: ( وصنّف القاضي أبو الحسين محمّد بن القاضي أبي يعلى بن الفرّاء كتاباً فيه بيان مَن يستحقّ اللعن، وذكر فيهم يزيد وقال: الممتنع من ذلك، إمّا أن يكون غير عالم بجواز ذلك أو مُنافقاً يريد أن يوهم بذلك

____________________

(١) كفاية الطالب: ٤٢٣.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٩.

(٣) محمّد: ٢٢ - ٢٣.

(٤) روح المعاني ٢٦/ ٧٢.

(٥) المولود في شعبان ٤٥١ والمتوفّى في عاشر محرّم سنة ٥٧٦ قتلاً، هو كما عن المنتظم ١٠/ ٢٩ تفقّه وناظَرَ، وكان مُتشدّداً في السنّة، وكذا في هامش الردّ على المتعصّب: ١٨.

٤٦

وربّما استفزّ الجهّال بقوله: المؤمن لا يكون لعّاناً

قال (القاضي): وهذا محمول على مَن لا يستحقّ اللعن، نقلت هذا من خطّ أبي الحسين وتصنيفه )(١) .

ابن الجوزيّ:

قال ابن الجوزيّ: ( سألني سائل في بعض مجالس الوعظ - عن يزيد بن معاوية، وما فعل في حقّ الحسين صلوات الله عليه، وما أمر به من نهب المدينة - فقال لي: أيجوز أن يُلعن؟

فقلت: يكفيه ما فيه، والسكوت أصلح!

فقال: قد علمت أنّ السكوت أصلح، ولكن هل تُجوِّز لعنه؟

فقلت: قد أجازها العلماء الورعون منهم الإمام أحمد بن حنبل(٢) ، فإنّه ذكر في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة )(٣) .

ورغم عبارة (السكوت أصلح )، لكنّا نرى أنّ ابن الجوزيّ لم يلتزم بذلك فعلاً ولا قولاً، ولعلّه قاله خوفاً على نفسه في تلك الجلسة؛ والدليل عليه ما قاله سبطه في التذكرة: ( قلت: ولما لعنه جدّي أبو الفرج على المنبر ببغداد، بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء قام جماعة من الجفاة من مجلسه فذهبوا، فقال جدّي:( ... أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ) (٤) .

وقال: ( وحكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم، أنّ جماعة سألوا جدّي عن يزيد، فقال: ما تقولون في رجل وليَ ثلاث سنين، في السنة الأُولى قتل الحسين، وفي الثانية أخاف المدينة وأباحها، وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها؟! فقالوا: نلعن. فقال: فالعنوه )(٥) .

الأسفراينيّ:

قال: المختار ما ذهب إليه ابن الجوزي، وأبو الحسين القاضي

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٨؛ تذكرة الخواص: ٢٨٧.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٩.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٨٧؛ الإتحاف: ٦٣.

(٤ و٥) تذكرة الخواص: ٢٩١.

٤٧

ومَن وافقهما )(١) .

المقدسيّ:

ومن الذين لعنوا يزيد هو مُطهّر بن طاهر المقدسيّ المتوفّى سنة ٥٠٧ ببغداد، فقد صرّح بلعنه في كتابه البدء والتاريخ(٢) .

السيوطيّ:

قال جلال الدين السيوطي: لعن الله قاتله (أي قاتل الحسين) وابن زياد معه، ويزيد أيضاً، وكان قتله بكربلاء، وفي قتله قصّة فيها طول لا يحتمل القلب ذكرها، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون(٣) .

عبد الكريم بن الشيخ وليّ الدِّين:

قال العلاّمة المحمودي: ومنهم (العلماء المجوّزين للعن يزيد) الشيخ عبد الكريم بن الشيخ ولي الدِّين، مؤلّف كتاب (مجمع الفوائد ومعدن الفرائد)، في ذكر الأحاديث الواردة في الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: ( فمعلوم أنّ يزيد اللعين وأتباعه كانوا من الذين أهانوا أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكانوا مُستحقّين للغضب والخذلان واللعنة من الملك الجبّار المنتقم يوم القيامة، فعليه وعلى مَن اتّبعه وأحبّه وأعانه ورضّاه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ثمّ قال: ومَن أراد التفصيل في اللعنة على يزيد، فليُطالع إلى تبيين الكلام، وأمّا منع بعضهم فليس من عدم جوازه، لأنّه جايز بالاتّفاق، بل من خوف السراية إلى أبيه معاوية، كما في شرح المقاصد! )(٤) .

العلاّمة الأجهوري عن شيخ مشايخه:

قال الشبراوي: ( وقال شيخ مشايخنا في حاشية الجامع الصغير، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أوّل جيش من أُمّتي يركبون البحر

____________________

(١) روح المعاني ٢٦/ ٧٣.

(٢) البدء والتاريخ ٦/ ٦ و٨ و..

(٣) تاريخ الخلفاء: ١٦٥.

(٤) هامش كتاب الردّ على المتعصّب العنيد: ٦ عن كتاب مجمع الفوائد ومعدن الفرائد حوالي ص٢٠.

٤٨

قد أوجبوا، وأوّل جيش من أُمّتي يغزون مدينة قيصر مغفورٌ لهم ) : هذا يقتضي أنّ يزيد بن معاوية من جملة المغفور لهم!

وأُجيب: بأنّ دخوله فيهم لا يمنع خروجه منهم بدليل خاص، أو أنّ قوله:( مغفور لهم ) مشروط بكونه من أهل المغفرة ويزيد ليس كذلك، حتّى أطلق بعضهم جواز لعنه بعينه؛ لأنّه أمر بقتل الحسين... )(١) .

وفي الحديث المذكور وجوه للنظر، من حيث الصغرى والكبرى وغيرها، لا مجال لذكرها.

الكيا الهراسي:

قال الباعونيّ: ( وسئِل الكيا الهراسي - وهو من كبار الأئمّة - عن لعنه (يزيد بن معاوية)، فقال: لم يكن [يزيد من] الصحابة، ولِد في زمان عمر بن الخطّاب، وركب العظائم المشهورة.

قال: وأمّا قول السلف، ففيه لأحمد قولان تلويح وتصريح، ولمالك أيضاً قولان تصريح وتلويح، ولنا قول واحد وهو التصريح دون التلويح.

قال: وكيف لا، وهو اللاعب بالنرد، المتصيّد بالفهد، والتارك للصلوات، والمدمن للخمر والقاتل لأهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمصرّح في شعره بالكفر الصريح؟! )(٢) .

التفتازانيّ في شرح العقائد النسفيّة:

( اتّفقوا على جواز اللعن على مَن قتلَ الحسين، أو أمر به، أو أجازه، أو رضي به، قال: والحقّ أنّ رضى يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا تواتر معناه، وإن كان تفصيله آحاداً، قال: فنحن لا نتوقّف في شأنه، بل في كفره وإيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه )(٣) .

____________________

(١) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٢.

(٢) جواهر المطالب ٢/ ٣٠١.

(٣) شذرات الذهب ١/ ٦٨؛ نُزل الأبرار: ١٦٢.

٤٩

السمهوديّ:

قال الشبراوي: ( وقال السيّد السمهوديّ في جواهر العقدين: اتّفق العلماء على جواز لعن مَن قتل الحسين(رضي الله عنه)، أو أمر بقتله، أو أجازه، أو رضي به من غير تعيين... )(١) .

البدخشاني:

قال في نُزل الأبرار: (... ويتحقّق أنّه - يزيد - لم يندم على ما صدر منه، بل كان مُصرّاً على ذنبه، مُستمرّاً في طغيانه، إلى أن أقاد منه المنتقم الجبّار، وأوصله إلى دركات النار، والعجب من جماعة يتوقّفون في أمره، ويتنزّهون عن لعنه، وقد أجازه كثير من الأئمّة منهم ابن الجوزيّ، وناهيك به علماً وجلالة... )(٢) .

عبد الباقي أفندي:

قال الآلوسي: ويُعجبني قول شاعر العصر، ذو الفضل الجليّ عبد الباقي أفندي العمريّ الموصليّ، وقد سُئل عن لعن يزيد اللعين:

يزيد على لعني عريضٌ جنابه

فأغدو به طول المدى ألعن اللعنا(٣)

الآلوسيّ:

( الذي يغلب على ظنّي، أنّ الخبيث لم يكن مُصدّقاً برسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ مجموع ما فعل مع أهل حرم الله تعالى وأهل حرم نبيّه عليه الصلاة والسلام وعترته الطيّبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات، وما صدر منه من المخازي، ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر، ولا أظنّ أنّ أمره كان خافياً على أجلّة المسلمين إذ ذاك، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين، لم يسعهم إلاّ الصبر، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، ولو سُلِّم أنّ الخبيث كان مسلماً، فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يُحيط به نطاق البيان، وأنا

____________________

(١) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٣.

(٢) نُزل الأبرار: ١٦٠.

(٣) روح المعاني ٢٦/ ٧٣.

٥٠

أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين، ولو لم يتصوّر أن يكون له مِثْل من الفاسقين، والظاهر أنّه لم يتُبْ، واحتمال توبته أضعف من إيمانه، ويُلحق به ابن زياد وابن سعد وجماعة، فلعنة الله عزّ وجلّ عليهم أجمعين، وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم، ومَن مال إليهم إلى يوم الدِّين، ما دمعت عين على أبي عبد الله... ومَن كان يخشى القال والقيل من التصريح بلعن ذلك الضلّيل فليقل: لعن الله عزّ وجلّ مَن رضي بقتل الحسين ومَن آذى عترة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير حقّ ومَن غصبهم حقّهم. فإنّه يكون لاعناً له؛ لدخوله تحت العموم دخولاً أوّلياً في نفس الأمر، ولا يُخالف أحد في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها سوى ابن العربي المارّ ذكره وموافقيه، فإنّهم - على ظاهر ما نُقِل عنهم - لا يُجوّزون لعن مَن رضي بقتل الحسين (رضي الله تعالى عنه)، وذلك - لعَمْرِي - هو الضلال البعيد، الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد )(١) .

قتله الإمام الحسينعليه‌السلام :

إنّ قتل الحسينعليه‌السلام مصيبة لا مصيبة أعظم منها، كيف لا، وهو من الخمسة الذين قال لهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :( أنا سلمٌ لمن سالمتم وحربٌ لمن حاربتم ) (٢) .

جزاء قاتل الحسينعليه‌السلام وأوصافه في الروايات:

لقد جاءت في شأن قاتل الحسينعليه‌السلام وأوصافه وعذابه روايات دالّة على عمق المأساة، نذكر بعضها:

روى ابن المغازلي، بإسناده عن أبي أحمد بن عامر، عن عليّ بن موسى الرضا،

____________________

(١) روح المعاني ٢٦/ ٧٢ - ٧٤.

(٢) فرائد السمطين ٢/ ٣٨ ح٣٧٣، وفي الصواعق المحرقة ٢٨٤ ح١٦: أخرج الترمذي وابن ماجه وابن حبّان والحاكم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( أنا حرب لمن حاربهم وسلمٌ لمن سالمهم ) .

٥١

عن آبائه عن عليّعليهم‌السلام قال:( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ قاتل الحسين في تابوتٍ من نار مُنكّس في النار، حتّى يقع في قعر جهنّم، وله ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربّهم عزّ وجلّ من شدّة ريح نتنه، وفيها خالد ذائق العذاب الأليم، لا يُفتَّر عنه ساعة ويُسقى من حميم، الويل له من عذاب الله عزّ وجلّ ) (١) .

وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال:( إنّ موسى بن عمران سأل ربّه فقال: يا ربّ، إنّ أخي هارون مات فاغفر له، فأوحى الله إليه: يا موسى، لو سألتني في الأوّلين والآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإنّي أنتقم له من قاتله ) (٢) .

روى الخوارزمي اعتراض حبر من الأحبار في مجلس يزيد، اعترض على يزيد في قتله الحسينعليه‌السلام ، فأمر يزيد به فوجئ في حلقه ثلاثاً، فقام الحبر وهو يقول: إن شئتم فاقتلوني وإن شئتم فذروني، إنّي أجد في التوراة: مَن قتل ذريّة نبيّ فلا يزال ملعوناً أبداً ما بقي، فإذا مات أصلاه الله نار جهنّم(٣) .

روي عن القندوزي قال: عليعليه‌السلام رفعه:( يقتلُ الحسينَ شرُّ هذه الأُمّة ) (٤) .

وعن مودّة القُربى، عن عليّعليه‌السلام قال:( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقتل الحسين شرُّ هذه الأُمّة، ويتبرّأ الله منهم ومَن والاهم وممّن يكفر بي ) (٥) .

____________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب ٦٦، ح٩٥. وروح نحوه الخوارزمي في مقتله ٢/ ٨٢، وبعضه الشبراوي في الإتحاف: ٧٤ وغيرهم.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢/ ٤٧ ح١٧٩، ذيل اللئالي: ٧٦، على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٢٤؛ فرائد السمطين ٢/ ٢٦٣ ح٥٣١؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٥؛ انظر: مفتاح النجا (للبدخشي) ١٣٦.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧١.

(٤) ينابيع المودّة: ٢٦٢ ط اسلامبول على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٧١.

(٥) مودّة القربى: ١١١ ط لاهور، على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٧١.

٥٢

وعن المتّقي الهندي: روى ابن عساكر، عن أُمّ سلمة: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( إنّ جبرئيل أخبرني أنّ ابني هذا يُقتل، وأنّه اشتدّ غضب الله على مَن يقتله ) (١) .

وعن ابن سعد، عن عائشة: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( إنّ جبرئيل أراني التربة التي يُقتل عليها الحسين، فاشتدّ غضب الله على مَن يسفك دمه، فيا عائشة، والذي نفسي بيده، إنّه ليحزنني. فمَن هذا مِن أُمّتي يقتل حسيناً بعدي؟! ) (٢) .

روى الخطيب في تاريخه، بإسناده عن جابر بن عبد الله، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال للحسينعليه‌السلام :( لعن الله قاتلك ) .

قال جابر: فقلت يا رسول الله، ومَن قاتله؟

قال:( رجل من أُمّتي يُبغض عترتي لا يناله شفاعتي، كأنّي بنفسه بين أطباق النيران يرسب تارةً ويطفو أُخرى، وأنّ جوفه ليقول: عِقْ عِقْ ) (٣) .

وروى الخوارزمي، عن أبي برزة الأسلمي أو غيره من الصحابة أنّه قال ليزيد:

أشهد لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول:( إنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة، قتل الله قاتلهما ولعنه، وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً ) (٤) .

وقال: قال ابن عبّاس: خرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل موته بأيّام إلى سفر له، ثمّ رجع وهو مُتغيّر اللون مُحمرّ الوجه، فخطب خُطبة بليغة موجزة، وعيناه تهملان دموعاً، قال فيهما:( أيّها الناس، إنّي خلّفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي... ) ، فساق الخُطبة إلى أن قال:( ألا وإنّ جبرئيل قد أخبرني بأنّ أُمّتي تقتل ولدي الحسين بأرض كربٍ وبلاء، ألا فلعنة الله على قاتله وخاذله آخر الدهر ) (٥) .

____________________

(١ و٢) إحقاق الحقّ ١١/ ٣٦١ عن كنز العمّال ١٣/ ١١٢ط حيدر آباد دكن.

(٣) تاريخ بغداد ٣/ ٢٩٠؛ لسان الميزان ٥/ ٣٧٧؛ إحقاق الحقّ ١١/ ٣٢٣.

(٤) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٧.

(٥) مقتل الخوارزمي ١/ ١٦٤، عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٣٦٤.

٥٣

ومنها: ما ذكر من حديث أُمّ الفضل بنت الحارث، حين أدخلت حسيناً على رسول الله، فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وبكى، وأخبرها بقتله، إلى أن قال: ثمّ هبط جبرئيل معه قبضة من تربة الحسين تفوح مسكاً أذفر، فدفعها إلى النبيّ وقال:( يا حبيب الله، هذه تربة ولَدك الحسين بن فاطمة، وسيقتله اللعناء بأرض كربلاء ) .

فقال النبيّ:( حبيبي جبرئيل، وهل تُفلح أُمّة تقتل فرخي وفرخ ابنتي؟! ) .

فقال جبرئيل:( لا، بل يضربهم الله بالاختلاف، فتختلف قلوبهم وألسنتهم آخر الدهر ) ... إلى أن قال: ثمّ أخذ النبيّ تلك القبضة التي أتاه بها الملك، فجعل يشمّها ويبكي ويقول في بكائه:( اللّهم، لا تُبارك في قاتل ولدي، وأصله نار جهنّم ) (١) .

يزيد هو القاتل:

لا شكّ أنّ الفعل كما ينسب إلى المباشر، ينسب إلى المسبّب، يقال: فتح الأمير البلد. وإن لم يحضر المعركة، بل حصل الفتح على يد جنده، ولكن يُنسب إلى أميرهم لكونه الآمر.

وفي مأساة كربلاء، نجد أدلّة قويّة على أنّ يزيد هو القاتل؛ باعتبار أنّه هو الذي أمر بقتل الحسينعليه‌السلام والقتال معه.

فتحصّل؛ أنّ جميع ما روي حول قاتل الحسين، وخذلانه في الدّنيا، وعقابه في العقبى يشمل يزيد؛ لكونه الآمر الأعلى، وبصفته أمير قَتَلَة الحسينعليه‌السلام ، فما شأن عبيد الله بن زياد إلى يزيد إلاّ كنسبة شمر وعمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد، فيشمله العنوان.

هذا، وثَمَّ شواهد تاريخية مُهمّة تُثبت الموضوع.

الشواهد التاريخية:

عندما يتفحّص المتتبّع صفحات التاريخ، يجد هناك أدلّة كافية لإثبات الموضوع، نُشير إلى بعضها:

____________________

(١) المصدر ١/ ١٦٢.

٥٤

أمْرُه الوليد بن عتبة بقتل الحسينعليه‌السلام :

إنّ يزيد أمر الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، عامله على المدينة بقتل الحسينعليه‌السلام ، وإرسال رأسه الشريف إليه إن لم يُبايع، ولعلّ هذا أوّل مُبادرة لقتل الإمامعليه‌السلام .

قال اليعقوبي: ( كتب (يزيد) إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وهو عامله على المدينة: إذا أتاك كتابي هذا فأحضِر الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، فخذهما بالبيعة لي، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما، وابعث لي برؤوسهما، وخُذْ الناس بالبيعة، فمَن امتنع فأنفذ فيه الحُكم وفي الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، والسلام )(١) .

مسألة اغتيال الإمام الحسينعليه‌السلام في موسم الحجّ:

إنّ يزيد أمر باغتيال الإمامعليه‌السلام في موسم حجّ عام ٦٠ من الهجرة، قال العلاّمة المجلسي: ( ولقد رأيت في بعض الكُتب المعتبرة، أنّ يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم، وولاّه أمر الموسم، وأمّره على الحاجّ كلّهم، وكان قد أوصاه بقبض الحسينعليه‌السلام سرّاً، وإن لم يتمكّن منه يقتله غيلة، ثمّ إنّه دسّ مع الحاجّ في تلك السنة ثلاثين رجلاً من شياطين بني أُميّة، وأمرهم بقتل الحسينعليه‌السلام على أيّ حال اتّفق )(٢) .

وكتب الدكتور حسن إبراهيم حسن: ( وقد قيل: إنّ الحسين كان يعرف ما يُحدق به من خطر إذا بقى في مكّة؛ لأنّ بني أُميّة سوف يتعقّبونه حتّى يقتلوه في الحجاز؛ لذلك آثر أن يكون قتله بعيداً عن البيت الحرام )(٣) .

* رسائل يزيد حول قتل الحسينعليه‌السلام :

إنّه كتب إلى عبيد الله بن زياد بقتال الحسينعليه‌السلام ، وهناك عدّة شواهد:

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٤١.

(٢) بحار الأنوار ٤٥/ ٩٩.

(٣) تاريخ الإسلام ١/ ٣٩٩.

٥٥

منها: ما روى ابن عبد ربّه، عن علي بن عبد العزيز، عن محمّد بن الضحّاك بن عثمان الخزاعي، عن أبيه قال: ( كتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد وهو واليه بالعراق: أنّه بلغني أنّ حسيناً سار إلى الكوفة وقد ابتُلي به زمانك بين الأزمان وبلدك بين البلدان، وابتُليتَ به من بين العمّال، وعنده تُعتق أو تعود عبداً... )(١) .

وقال السيوطي: ( وبعث أهل العراق إلى الحسين الرُّسل والكُتب يدعونه إليهم، فخرج من مكّة إلى العراق في عشر ذي الحجّة، ومعه طائفة من آل بيته، رجالاً ونساءً وصبياناً، فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله، فوجّه إليه جيشاً أربعة آلاف، عليهم عمر بن سعد بن أبي وقّاص... )(٢) .

وفي نور الأبصار: ( كتب عبيد الله بن زياد إلى الحسين كتاباً يقول فيه: أمّا بعد، فإنّ يزيد بن معاوية كتب إليّ أن لا تفحض [تغمض] جفنك من المنام، ولا تشبع بطنك من الطعام، إمّا أن يرجع الحسين إلى حكمي أو تقتله، والسلام )(٣) .

اعتراف ابن زياد بذلك:

قال مسكويه الرازي: ( إنّه كتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد أن اغْزُ ابن الزبير.

فقال: والله، لا أجمعهما للفاسق أبداً، أقتل ابن رسول الله وأغزو البيت؟! )(٤) .

زينب الكبرى تجعل مسؤولية قتل الحسين على عاتق يزيد:

قالتعليها‌السلام في مجلس يزيد: ( أتقول: ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا. غير مُتأثِّم ولا مُستعظم، وأنت

____________________

(١) العقد الفريد ٥/ ١٣٠؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٥؛ انظر أنساب الأشراف ٣/ ١٦٠؛ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين: ٢٠٨؛ بغية الطالب (لابن العديم) ٦/ ٢٦١٤؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٣؛ مُعجم الطبراني ٣/ ١١٥ ح٢٨٤٦ (على ما في هامش عبرات المصطفين ٣/ ٢٨٢)؛ كفاية الطالب: ٤٣٢.

(٢) تاريخ الخلفاء: ١٦٥؛ دائرة المعارف ٧/ ٤٨.

(٣) نور الأبصار: ١٢٩.

(٤) تجارب الأُمم ٢/ ٧٧.

٥٦

تنكت ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك؟! ولم لا تكون كذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة بإهراقك دماء ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب؟! ولتردنّ على الله وشيكاً موردهم، ولتودَّنّ أنّك عميت وبُكمت وأنّك لم تقل: فاستهلّوا وأهلّوا فرحاً.. فلئن اتّخذتنا مغنماً لتتّخذنّ مغرماً، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك، تستصرخ بابن مرجانة، ويستصرخ بك، وتتعاوى وأتباعك عند الميزان، وقد وجدت أفضل زاد زوّدك معاوية قتلك ذرّية محمّد صلّى الله عليه )(١) .

وقالت - في ضمن خطبتها مُخاطبةً له -: ( وفعلتك التي فعلت، وما فريت إلاّ جلدك، وما جززت إلاّ لحمك، وسترد على رسول الله بما تحمّلت من ذُرّيّته، وانتهكت من حُرمته وسفكت من دماء عترته ولحُمته، حيث يجمع به شملهم، ويلم به شعثهم، وينتقم من ظالمهم، ويأخذ لهم بحقّهم من أعدائهم، ولا يستفزّنّك الفرح بقتلهم... فالعجب كلّ العجب لقتل الأتقياء وأسباط الأنبياء وسليل الأوصياء بأيدي الطلقاء الخبيثة، ونسل العهرة الفجرة تنطف أكفّهم من دمائنا!!... )(٢) .

ابن عبّاس يُحمّل يزيد مسؤولية قتل الإمام الحسينعليه‌السلام :

قال اليعقوبي: ( إنّه كتب في ضمن كتابه إلى يزيد:... وأنت قتلت الحسين بن علي بفيك الكُثْكُث، ولك الأثلب، إنّك - إن تُمنِّك نفسك ذلك - لعازب الرأي، وإنّك لأنت المفنّد المهوّر، لا تحسبني - لا أبا لك - نسيتُ قتلك حسيناً وفتيان بني عبد المطّلب، مصابيح الدُّجى ونجوم الأعلام، غادرهم جنودك مُصرّعين في صعيد، مُرمّلين بالتراب، مسلوبين بالعراء، لا مُكفّنين تسفي عليهم الرياح، وتعاورهم الذئاب، وتنشي بهم عرج الضباع، حتى أتاح الله لهم أقواماً لهم يشتركوا في دمائهم، فأجنّوهم في أكفانهم وبي -

____________________

(١) بلاغات النساء: ٢١.

(٢) الاحتجاج ٢/ ١٢٧ - ١٢٩ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٩.

٥٧

والله - وبهم عززت وجلست مجلسك الذي جلست - يا يزيد -...

فلا شيء عندي أعجب من طلبك ودّي ونصري! وقد قتلت بني أبي وسيفك يقطر من دمي.. إنّي لأرجو أن يعظم جراحك بلساني ونقضي وإبرامي، فلا يستقرّ بك الجدل ولا يُهملك الله بعد قتلك ثمرة رسول الله إلاّ قليلاً، حتّى يأخذك أخذاً أليماً، فيُخرجك الله من الدُّنيا ذميماً أليماً )(١) .

وقالوا: إنّه كتب إليه: ( ما أنس طردك حسيناً من حرم الله وحرم رسوله، وكتابك إلى ابن مرجانة تأمره بقتله، وإنّي لأرجو من الله أن يأخذك عاجلاً، حيث قتلت عترة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورضيت بذلك. أنسيت إنفاذ أعوانك إلى حرم الله لتقتل الحسين؟! )(٢) .

معاوية ابنه يُحمّله المسؤولية:

قال ضمن خُطبته التي ألقاها بعد موت أبيه يزيد: (... ثمّ قُلّد أبي، وكان غير خليق للخير، فركب هواه، واستحسن خطأه، وعظم رجاؤه، فأخلفه الأمل، وقصر عنه الأجل، فقلّت مُنعته، وانقطعت مدّته، وصار في حضرته رهناً بذنبه، وأسيراً بجرمه!

وقال: إنّ أعظم الأُمور علينا، علمنا بسوء مصرعه، وقبح مُنقلبه، وقد قتل عترة الرسول، وأباح الحرمة وحرّق الكعبة )(٣) .

بعض بني العبّاس يُحمّله المسؤولية:

قيل: ( إنّه لما أُحضرت حرم مروان إلى صالح بن علي بن عبد الله ليُقْتلن، فقالت ابنة مروان الكبرى: يا عمّ أمير المؤمنين، حفظ الله لك من أمرك ما تُحبّ حفظه، نحن بناتك وبنات أخيك وابن عمّك! فليسعنا من عفوكم ما أوسعكم من جورنا!!

قال: والله، لا أستبقي منكم أحداً، ألم يقتل أبوك ابن أخي إبراهيم الإمام؟! ألم يقتل هشام بن عبد الملك زيد بن علي بن

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٤٨. وروى نحوه الخوارزمي.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٧٥. وروى الذهبي مضمون هذه الرسالة أيضاً (أنساب الأشراف ٥: ٣٢٢).

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٥٤.

٥٨

الحسين وصَلَبَه بالكوفة؟! ألم يقتل الوليد بن يزيد يحيى بن زيد وصَلَبَه بخراسان؟! ألم يقتل ابن زياد الدعيّ مسلم بن عقيل؟ّ ألم يقتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي وأهل بيته؟! ألم يخرج إليه بحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا فوقّفهنّ موقف السبي؟! )(١) .

رضاه بقتل الحسينعليه‌السلام بعد مقتله:

قال السعد التفتازاني: ( والحقّ أنّ رضى يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل بيت رسول الله ممّا تواتر معناه )(٢) .

قال الشبراوي: ( قال أبو الفضل: وبعد أن وصل الرأس الشريف إلى دمشق، وضِع في طست بين يدي يزيد، وصار يضرب ثناياه الشريفة بقضيب، ثمّ أمر بصلبه فصُلِب ثلاثة أيّام بدمشق، وشكر لابن زياد صنيعه، وبالغ في إكرامه ورِفْعَته، حتّى صار يدخل على نسائه )(٣) .

وقال سبط ابن الجوزي: والذي يدلّ على هذا، أنّه استدعى ابن زياد إليه وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة، وقرّب مجلسه، ورفع منزلته، وأدخله على نسائه، وجعله نديمه، وسكر ليلة وقال للمغنّي غنِّ، ثمّ قال يزيد بديهيّاً:

اسْقِنْي شربةً تروي فؤادي

ثمّ مِلْ فاسْقِ مثلها ابن زيادِ

صاحب السرّ والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتل الخارجي أعني حسيناً

ومُبيد الأعداء والحُسَّادِ(٤)

ونحسب من علائم رضى يزيد، أمره بنصب الرأس الشريف على باب داره(٥) .

____________________

(١) دائرة المعارف ٤/ ٤٢١.

(٢) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٢.

(٣) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٩.

(٤) تذكرة الخواص: ٢٩.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤.

٥٩

أقوال العلماء في المسألة:

البلاذري:

روي بأسانيد مُتعدّدة أشياء حول فسق ولهو يزيد، ثمّ قال: ( ثمّ جرى على يده قتل الحسين، وقتل أهل الحرّة ورمي البيت وإحراقه )(١) .

القاضي ابن نعمان:

علّق على كلام يزيد لأُسارى أهل البيت: ( صيّرتم أنفسكم عبيداً لأهل العراق، ما علمت بمخرج أبي عبد الله حتّى بلغني قتله )، بقوله (القاضي ابن نعمان): ( كَذَبَ عدوُّ الله، بل هو الذي جهّز إليه الجيوش )(٢) .

المسعودي:

قال: ( وليزيد وغيره أخبار عجيبة، ومثالب كثيرة من شرب الخمر وقتل ابن بنت رسول الله و... )(٣) .

ابن عقيل (٤٣١ - ٥١٢):

قال الباعوني: ( ولقد قرأ قارئٌ بين يدي الشيخ العالم أبي الوفاء ابن عقيل (رحمه الله)( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) ، فبكى وقال: سبحان الله! كان طمعه فيما قال:( ... فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ... ) (٥) ، جاوزوا - والله - الحدّ الذي طمع فيه!

ضحّوا بأشمط عنوان السجود به

يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا

إي والله، عمدوا إلى عليّ بن أبي طالب بين صفَّيه فقتلوه، ثمّ قتلوا ابنه الحسين بن فاطمة الزهراء وأهل بيته الطيّبين الطاهرين، بعد أن منعوهم الماء، هذا والعهد بنبيّهم قريب، وهم القرن الذي رأوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورأوه يُقبِّل فمه وترشُّفه

____________________

(١) أنساب الأشراف ٥/ ٢٩٩.

(٢) شرح الأخبار ٣/ ٢٦٨.

(٣) مروج الذهب ٣/ ٧٢.

(٤) سبأ: ٢٠.

(٥) النساء: ١١٩.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الثالث و الخمسون في الفتن و الشبه و البدع

١٦١

١ في أوّل الباب الثالث من النهج باب المختار

من حكم امير المؤمنينعليه‌السلام و يدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله و الكلام القصير الخارج في ساير أغراضه .

قالعليه‌السلام :

كُنْ فِي اَلْفِتْنَةِ كَابْنِ اَللَّبُونِ لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ وَ لاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ قول المصنّف : « باب المختار » هو القسم الأخير من كتابه « من حكم أمير المؤمنينعليه‌السلام » اقتصر عليه في ( المصرية ) و زاد ابن أبي الحديد و ابن ميثم : « و مواعظه » و هو الصحيح لأصحية نسختيهما لا سيما الأخير الذي نسخته بخط المصنف .

و لأنّ فيه مواعظ كثيرة و منها في العنوان ( ١٥٠ ) كلامهعليه‌السلام لرجل سأله أن يعظه الذي قال المصنف فيه « و لو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة » .

١٦٢

و وصف الشعبي كلامهعليه‌السلام في الحكم و غيرها فقال : تكلّم أمير المؤمنينعليه‌السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة و أيتمن جواهر الحكمة و قطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ، ثلاث منهن في الحكمة و ثلاث في المناجاة و ثلاث في الأدب ، أما اللائي في الحكمة فقال : قيمة كلّ امرى‏ء ما يحسنه ، و ما هلك امرؤ عرف قدره ، و المرء مخبوء تحت لسانه .

و أما اللائي في المناجاة فقال : اللّهم كفى بي عزّا أن أكون لك عبدا ، و كفى بي فخرا أن تكون لي ربا ، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب و أما اللائي في الأدب فقال : امنن على من شئت تكن أميره ، و استغن عمّن شئت تكن نظيره و احتج إلى من شئت تكن أسيره(١) .

« و يدخل في ذلك المختار من أجوبة مسألته » ترى أجوبة مسألته في العناوين ( ١٦ ) ( ٣٠ ) ( ٩٤ ) ( ١٢٠ ) ( ١٥٠ ) ( ٢٢٧ ) ( ٢٢٩ ) ( ٢٣٥ ) ( ٢٦٦ ) ( ٢٨٧ ) ( ٢٩٤ ) ( ٣٠٠ ) ( ٣١٨ ) ( ٣٥٦ ) ( ٤٧٠ ) .

« و الكلام القصير » كان حاجب هشام بن عبد الملك يأمر منتجعيه بالإيجاز في الكلام ، فقام أعرابي فقال : إنّ اللَّه تعالى جعل العطاء محبة و المنع مبغضة فلأن نحبك خير من أن نبغضك فأعطاه و أجزل له .

« الخارج في سائر أغراضه » أي باقي مقاصده ، و الأصل في ( الغرض ) الهدف و ( سائر ) يأتي بمعنى الجميع و معنى الباقي ، و الأخير هو المراد هنا .

قوله « كن في الفتنة » الأصل في « الفتنة » قولهم « دينار مفتون » فتن بالنار ، و كلّ شي‏ء ادخل النار فقد فتن ، و قالوا « الناس عبيد الفتانين » أي الدرهم و الدينار .

« كابن اللبون » ابن اللبون : ولد الناقة الذكر إذا دخل في الثالثة ، لأن امّه

____________________

( ١ ) الخصال للصدوق : ١٨٦ .

١٦٣

وضعت غيره فصار لها لبن ، و الانثى بنت اللبون ، و يجمعان بنات اللبون .

« لا ظهر فيركب و لا ضرع فيحلب » نظيره قول حاجب بن زرارة في القعقاع :

ما هو رطب فيعصر و لا يابس فيكسر .

و في المثل : لا تكن حلوا فتزدرد و لا مرّا فتلفظ .

و من الأمثال في الاعتزال قولهم : لا ناقة لي في هذا و لا جمل و قالوا : ان كنت من أهل الفطن فلا تدر حول الفتن .

ثم كما لا ينتفع بابن اللبون لصغره كذلك بالثلب لكبره ، و هو الذي انكسرت أنيابه من شدّة هرمه ، و إنما الانتفاع الكامل بالناب الذي في وسط الشباب ، قال بعضهم :

ألم تر أن الناب يحلب علبة

و يترك ثلب لا ضراب و لا ظهر

قال ابن أبي الحديد : أيام الفتنة هي أيام الخصومة بين رئيسين ضالين يدعوان كلاهما إلى ضلالة ، كفتنة عبد الملك و ابن الزبير و فتنة مروان و الضحاك و فتنة الحجاج و ابن الأشعث ، و أما إذا كان أحدهما صاحب حق فليست أيام فتنة كالجمل و صفين(١) .

قلت : إن جانبوا العصبية و أرادوا فهم الحقيقة فأول أيام الفتنة أيام أوّلهم ، ففي ( الطبري ) : قال أبو مويهبة مولى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : بعث إليّ النبي من جوف الليل فقال : يا أبا مويهبة إنّي قد امرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال : السّلام عليكم أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم ممّا أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ، الآخرة شرّ من الاولى إلى أن قال ثم انصرف فبدأ

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٢ .

١٦٤

بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعه الذي قبض فيه(١) .

و في ( بلاغات نساء أحمد بن أبي طاهر البغدادي ) من رجالهم في ذكره خطبة سيّدة نساء العالمين باتفاق فرق المسلمين لما منعها أبو بكر فدك و في الخطبة : فأنقذكم اللَّه برسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد اللتيا و التي ، و بعد ما مني ببهم الرجال و ذؤبان العرب ، كلّما حشوا نارا للحرب أطفأها و نجم قرن للضلال و فغرت فاغرة من المشركين قذف بأخيه في لهواتها ، فلا ينكفي حتى يطأ صماخها بأخمصه و يخمد لهبها بحده ، مكدودا في ذات اللَّه قريبا من رسول اللَّه سيّدا في أولياء اللَّه ، و أنتم في بلهنية و ادعون آمنون ، حتى إذا اختار اللَّه تعالى لنبيه دار أنبيائه ظهرت خلّة النفاق و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الآفلين و هدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخا بكم ، فوجدكم لدعائه مستجيبين و للغرة فيه ملاحظين ، فاستنهضكم فوجدكم خفافا و أحمشكم فألفاكم غضابا ، فوسمتم غير أبلكم و أوردتموها غير شربكم ، هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجراح لما يندمل ، بدارا زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا و إنّ جهنم لمحيطة بالكافرين(٢) .

و روى الإسكافي منهم في نقضه ( عثمانية الجاحظ ) عن أبي رافع قال :

أتيت أبا ذر بالربذة اودّعه ، فلما أردت الانصراف قال لي و لا ناس معي :

ستكون فتنة فاتقوا اللَّه و عليكم بالشيخ علي بن أبي طالب فاتبعوه ، فإني سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له : أنت أوّل من آمن بي و أوّل من يصافحني يوم القيامة ، و أنت الصدّيق الأكبر ، و أنت الفاروق الذي تفرّق بين الحق و الباطل ،

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٣٢ .

( ٢ ) بلاغات النساء لابن طيفور : ١٣ ١٤ .

١٦٥

و أنت يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الكافرين ، و أنت أخي و وزيري و خير من أترك بعدي(١) .

ثم ما قاله ابن أبي الحديد : من فتنة الحجاج و ابن الأشعث خلاف عقيدة أهل نحلته ، فإنّ عندهم كان قيام ابن الأشعث فتنة ، و أمّا الحجاج فكان عامل من بايعه جميع الناس و كان عندهم خليفة حقّا و أميرا للمؤمنين به .

و كذلك قوله « فتنة عبد الملك و ابن الزبير » غير صحيح عند أهل ملته ، فانّه عندهم كان ابتداء ابن الزبير ولي اللَّه و عبد الملك عدوّ اللَّه ، و لما غلب عبد الملك صار هو ولي اللَّه و ابن الزبير عدوّ اللَّه(٢) .

ففي ( كامل المبرد ) : خرج مصعب بن الزبير إلى باجميراء ، ثم أتى الخوارج خبر مقتله بمسكن و لم يأت المهلب و أصحابه ، فتواقفوا يوما على الخندق ، فناداهم الخوارج : ما تقولون في المصعب ؟ قالوا : إمام هدى قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : ضالّ مضل فلما كان بعد يومين أتى المهلب قتل صعب و إنّ أهل الشام اجتمعوا على عبد الملك ، و ورد عليه كتاب عبد الملك بولايته ، فلما تواقفوا ناداهم الخوارج : ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : لا نخبركم قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : إمام هدى قالوا : يا أعداء اللَّه بالأمس ضال مضل و اليوم امام هدى ، يا عبيد الدّنيا عليكم لعنة اللَّه(٣) .

و الخوارج و إن طعنوا عليهم بكون ما عليهم خلاف العقل و خلاف الفطرة التي فطر الناس عليها ، إلاّ أنّه يقال لهم : إنّ ذلك لازم لكم أيضا بموافقة العامة في إمامة صديقهم و صديقه ، فلا يمكن القول بالملزوم و ترك اللازم .

____________________

( ١ ) نقض العثمانية لأبي جعفر الإسكافي : ٢٩٠ ملحقة بالعثمانية .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٢ .

( ٣ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٣ : ١١٠١ ١١٠٢ .

١٦٦

و أما قوله « إذا كان أحدهما صاحب حق فليست أيام فتنة كالجمل و صفين » فأيضا أهل ملّته غير معترفين به ، فهذا ابن عبد البر من أئمتهم قال في سعد بن أبي وقاص الذي لم يشهد الجمل و صفين مع أمير المؤمنينعليه‌السلام :

كان ممّن قعد و لزم بيته في الفتنة و أمر أهله أن لا يخبروه من أخبار الناس بشي‏ء حتى تجتمع الامة على إمام(١) .

و قال في ترجمة ابن فاروقهم : قيل لنافع : ما بال ابن عمر بايع معاوية و لم يبايع عليّا ؟ فقال : كان ابن عمر لا يعطي يدا في فرقة و لا يمنعها من جماعة ، و لم يبايع معاوية حتى اجتمعوا عليه(٢) .

قبّح اللَّه هذا الدين الذي يصير معاوية الذي كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعنه في غير موطن و عدوّ الدين أولى بالإمامة من أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي جعله اللَّه تعالى في كتابه كنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله .( و أنفسنا و أنفسكم . ) (٣) و جعله النبي بمنزلة نفسه في المتواتر منه في قوله للناس : من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه .

لا يقال : انّما قال « من كنت مولاه فعلي مولاه » لا ما قلت قلت : ما ذكرته ان لم يكن لفظه هو معناه ، ألم يكن قال تلك الجملة بعد قوله للناس « ألست بكم أولى من أنفسكم » و قول الناس له « بلى أنت أولى بنا من أنفسنا » فهل يصير معناها غير ما قلناه .

قبّح اللَّه هذا الدين الذي هو خلاف ناموس الإنسانية ، حتى ان الحجاج الذي قال عمر بن عبد العزيز الذي هو أحد خلفائهم : لو أنّ جميع الامم جاءت

____________________

( ١ ) الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ٢ : ٦٠٩ .

( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ٩٥٣ .

( ٣ ) آل عمران : ٦١ .

١٦٧

يوم القيامة كلّ واحدة منهم بشرارهم و جئناهم بالحجاج لغلبنا جميعهم لم يرضه ، فقال الاسكافي أحد أئمتهم في نقض ( عثمانيته ) : امتنع ابن عمر من بيعة عليعليه‌السلام و طرق على الحجاج بابه ليلا ليبايع لعبد الملك كيلا يبيت تلك الليلة بلا إمام ، زعم لأنّه روي ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال « من مات و لا إمام له مات ميتة جاهلية »(١) و حتى بلغ من احتقار الحجاج له و استرذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش فقال : اصفق بيدك عليها قال و رواه بعضهم و زاد : و لما خرج قال الحجاج : ما أحمق هذا يترك بيعة علي و يأتيني مبايعا في ليله .

٢ الخطبة ( ٩١ ) إِنَّ اَلْفِتَنَ

إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ يُنْكَرْنَ مُقْبِلاَتٍ وَ يُعْرَفْنَ مُدْبِرَاتٍ يَحُمْنَ حَوْلَ اَلرِّيَاحِ يُصِبْنَ بَلَداً وَ يُخْطِئْنَ بَلَداً أقول : رواه الثقفي في أول ( غاراته ) باسنادين عن زر بن حبيش عنهعليه‌السلام : الأول عن إسماعيل بن ابان عن عبد الغفار بن القاسم عن المنصور بن عمرو عن ذر و الثاني عن أحمد بن عمران الأنصاري عن أبيه عن أبن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر قال : خطب عليعليه‌السلام بالنهروان إلى أن قال فقام إليه رجل آخر فقال لهعليه‌السلام : حدّثنا عن الفتن قال : ان الفتن إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت نبهت ، يشبهن مقبلات و يعرفن مدبرات ، ان الفتن تحوم كالرياح يصبن بلدا و يخطئن اخرى(٢) .

« ان الفتن إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت نبهت » في ( نهاية الجزري ) : التشابه قسمان ، قسم إذا ردّ إلى المحكم يفهم معناه ، و قسم لا سبيل إلى معرفة

____________________

( ١ ) نقض العثمانية : ٣٠١ .

( ٢ ) الغارات للثقفي : ٧ .

١٦٨

حقيقته ، فالمتتبع له متتبع للفتنة ، لأنّه لا يكاد ينتهي إلى شي‏ء تسكن إليه نفسه ، و منه حديث ذكر فيه فتنة « تشبه مقبلة و تبين مدبرة » أي أنّها إذا أقبلت شبهت على القوم و أرتهم أنّهم على الحق حتى يدخلوا فيها و يركبوا منها ما لا يجوز ، فإذا أدبرت بان أمرها فعلم من دخل فيها أنّه كان على الخطأ(١) .

« ينكرن مقبلات و يعرفن مدبرات » قد عرفت أنّ ( غارات الثقفي ) رواه « يشبهن مقبلات و يعرفن مدبرات » .

« يحمن حول الرياح » هكذا في ( المصرية )(٢) ، و الصواب : « حوم الرياح » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )(٣) ، مع أنّه لا معنى لما في ( المصرية ) ، فالفتن لا يدرن حول الرياح بل يدرن حول الناس دور الرياح ، من قولهم « حام الطائر حول الشي‏ء حوما » أي دار .

« يصبن بلدا و يخطئن اخرى » أي كما أن الرياح الشديدة تصيب بلدا و تخطى‏ء بلدا كذلك الفتن يصبن بلدا فيبتلى الناس بوخامتهن و يخطئن بلدا فيسلمون منها .

٣ الحكمة ( ٧٦ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ اَلْأُمُورَ إِذَا اِشْتَبَهَتْ اُعْتُبِرَ آخِرُهَا بِأَوَّلِهَا كان العباسيون يدّعون إجراء العدالة إذا ظهروا إلاّ انّه كان حالهم في الآخر معلومة من أوّلها .

____________________

( ١ ) النهاية لابن الأثير للجزري ٢ : ٤٤٢ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٢٣٤ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٤٤ الخطبة ( ١٩٢ ) ، أمّا شرح ابن ميثم ٢ : ٣٨٨ ، بلفظ « حول » ، أما الخطبة ٧٤ بلفظ « حوم » .

١٦٩

و لما بايعت الأوس أبا بكر لئلا يصير الأمر إلى الخزرج و كانت بينهما رقابة من الجاهلية ، قال لهم المنذر بن الحباب : فعلتموها أما و اللَّه لكأني بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفّهم و لا يسقون الماء .

و صار كما قال(١) .

٤ الحكمة ( ٩٣ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ اَلْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ وَ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ وَ لَكِنْ مَنِ اِسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلاَّتِ اَلْفِتَنِ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ وَ اِعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ١ ٧ ٨ : ٢٨ وَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَبِرُهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَ اَلْأَوْلاَدِ لِيَتَبَيَّنَ اَلسَّاخِطَ لِرِزْقِهِ وَ اَلرَّاضِيَ بِقِسْمِهِ وَ إِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ لَكِنْ لِتَظْهَرَ اَلْأَفْعَالُ اَلَّتِي بِهَا يُسْتَحَقُّ اَلثَّوَابُ وَ اَلْعِقَابُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ اَلذُّكُورَ وَ يَكْرَهُ اَلْإِنَاثَ وَ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ تَثْمِيرَ اَلْمَالِ وَ يَكْرَهُ اِنْثِلاَمَ اَلْحَالِ و هذا من غريب ما سمع منه في التفسير « لا يقولن أحدكم اللّهم اني أعوذ بك من الفتنة » قال ابن بابويه في ( توحيده ) :

الفتنة على عشرة أوجه : فوجه الضلال ، و الثاني : الاختبار و هو قوله تعالى .( و فتناك فتونا ) .(٢) ( ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون ) (٣) و الثالث : الحجّة و هو قوله تعالى( ثم لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا

_ ___________________

( ١ ) التوحيد للصدوق : ٣٨٦ .

( ٢ ) طه : ٤٠ .

( ٣ ) العنكبوت : ١ ٢ .

١٧٠

 و اللَّه ربنا ما كنّا مشركين ) (١) و الرابع : الشرك و هو قوله تعالى .( و الفتنة أشدّ من القتل ) .(٢) و الخامس : الكفر و هو قوله تعالى .( ألا في الفتنة سقطوا ) .(٣) و السادس : الإحراق بالنار و هو قوله تعالى( إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ) . .(٤) و السابع : العذاب كقوله تعالى( يوم هم على النار يفتنون ) (٥) ( ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون ) (٦) .( و من يرد اللَّه فتنته فلن تملك له من اللَّه شيئا ) . .(٧) و الثامن : القتل كقوله تعالى .( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) .(٨) ( فما آمن لموسى إلاّ ذريّة من قومه على خوف من فرعون و ملئهم أن يفتنهم ) .(٩) و التاسع : الصدّ كقوله تعالى( و ان كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا اليك ) .(١٠) و العاشر : شدّة المحنة كقوله تعالى .( ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) (١١) ، و قد زاد علي بن ابراهيم وجها آخر ، و هو المحبة كقوله تعالى .( انّما أموالكم و أولادكم فتنة ) .(١٢) و عندي أنّه المحنة بالنون لا المحبة بالباء لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله « الولد مجبنة مبخلة »(١٣) .

____________________

( ١ ) الأنعام : ٢٣ .

( ٢ ) البقرة : ١٩١ .

( ٣ ) التوبة : ٤٩ .

( ٤ ) البروج : ١٠ .

( ٥ ) الذاريات : ١٣ .

( ٦ ) الذاريات : ١٤ .

( ٧ ) المائدة : ٤١ .

( ٨ ) النساء : ١٠١ .

( ٩ ) يونس : ٨٣ .

( ١٠ ) الاسراء : ٧٣ .

( ١١ ) يونس : ٨٥ .

( ١٢ ) الأنفال : ٢٨ .

( ١٣ ) بحار الأنوار ١٠٤ : ٩٧ رواية ٦٠ ب ٢ .

١٧١

قلت : و المفهوم من الخليل أن الأصل في معناه الإحراق ، فقال : الفتن الإحراق(١) ، قال تعالى( يوم هم على النار يفتنون ) (٢) ، و ورق فتين أي فضة محرقة و يقال للحرة فتين كأن حجارتها محرقة .

هذا ، و عن الأصمعي لا يقال أفتنته بل فتنته ، ورد عليه بقول أعشى همدان في سعيد بن جبير :

لئن أفتنتني فهي بالأمس أفتنت سعيدا فأمسى قد قلى كلّ مسلم(٣) و عن ام عمرو بنت الأهتم : مررنا بمجلس فيه سعيد بن جبير و نحن جوار و معنا جارية تغني بدف معها و تنشد البيت « لئن أفتنتني . » ، فقال سعيد : كذبتن كذبتن .

« لأنّه ليس أحد إلاّ و هو مشتمل على فتنة » و لو بالمال أو الولد ، و لأنّ سنته تعالى فتن عباده و لن تجد لسنته تبديلا ، قال تعالى( أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فَليعلمنَّ اللَّه الذين صدقوا و ليعلَمَنَّ الكاذبين ) (٤) .

« و لكن من استعاذ فليستعذ باللَّه من مضلاّت الفتن » كما في فتنة بني اسرائيل بالعجل الذي أضلّهم السامري به حتى تركوا هارون و أرادوا قتله .

و كما في فتنة المسلمين بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمثل فتنة بني اسرائيل بجعل الثاني الأول عجله حتى تركوا خليفة نبيّهم و أرادوا قتله ، و كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم في المتواتر : لتتبعن بني إسرائيل حذوا بحذو حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .

____________________

( ١ ) العين لأحمد الفراهيدي ٨ : ١٢٧ مادة ( فتن ) .

( ٢ ) الذاريات : ١٣ .

( ٣ ) العين للفراهيدي ٨ : ١٢٨ مادة ( فتن ) .

( ٤ ) العنكبوت : ٢ ٣ .

١٧٢

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) في قصة السقيفة فأخرجوا عليّا فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذن و اللَّه الذي لا إله إلاّ هو لضرب عنقك قال : إذن تقتلون عبد اللَّه و أخا رسوله قال عمر : أما عبد اللَّه فنعم و أما أخو رسوله فلا و أبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه ؟ فقال : لا اكرهه على شي‏ء ما كانت فاطمة إلى جنبه فلحق علي بقبر رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصيح و يبكي و ينادي : يابن امّ إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني إلى آخر ما ذكر(١) .

هذا ، و روى ( توحيد الصدوق ) أنّه تعالى قال : إنّ من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفّه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ، و إنّ منهم لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالفقر و لو أغنيته لأفسده ، و إنّ منهم لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالغنى و لو أفقرته لأفسده ، و ان منهم لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالسقم و لو صححت جسده لأفسده ذلك ، و إنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالصحّة و لو أسقمته لأفسده ، و إنّي ادبر عبادي بعلمي بقلوبهم فإنّي عليم خبير(٢) .

« فإنّ اللَّه سبحانه يقول( و اعلموا أنّما أموالكم و أولادكم فتنة و أن اللَّه عنده أجر عظيم ) (٣) .

« و معنى ذلك أنّه سبحانه » سقطت كلمة « سبحانه » من ( المصرية )(٤) مع وجودها في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد و الخطية )(٥) .

____________________

( ١ ) الخلفاء لابن قتيبة : ١٣ .

( ٢ ) التوحيد للصدوق : ٣٩٨ ح ١ .

( ٣ ) الأنفال : ٢٨ .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٦٧٧ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٤٨ ، و ابن ميثم ٥ : ٢٨٧ .

١٧٣

« يختبرهم » أي : يمتحنهم .

« بالأموال و الأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه » في الأموال .

« و الراضي بقسمه » في الأولاد .

« و إن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم » .( فليعلمن اللَّه الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين ) (١) .

« و لكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب و العقاب » لأن الجزاء على العمل لا مجرّد النيّة و مقتضى الطوية ، و إن كان هو تعالى يثيب على مجردهما تفضلا و لا يؤاخذ على صرفهما تكرّما .

« لأنّ بعضهم يحب الذكور و يكره الاناث » حتى قال تعالى( في مثلهم و إذا بُشّر أحدهم بالانثى ظلّ وجهه مسودّا و هو كظيم يتوارى عن القوم من سوء ما بُشّر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) (٢) .

قالوا : و لحب الناس الذكور و كراهتم للإناث و كان الواجب عليهم التسليم لمشيته تعالى شأنه قدّم عز و جل هبة الإناث على الذكور فقال .( يهب لمن يشاء إناثا و يهب لمن يشاء الذكور ) (٣) .

« و بعضهم يحبّ تثمير المال و يكره انثلام الحال » أي وقوع الخلل فيه ، قال تعالى( و إنّه لحبّ الخير لشديد ) (٤) و فسر الخير هنا بالمال .

و قال تعالى في امتحان عبيده بالمال و الولد و غيرهما( و لنبلونكم بشي‏ء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات

_ ___________________

( ١ ) العنكبوت : ٣ .

( ٢ ) النحل : ٥٨ ٥٩ .

( ٣ ) الشورى : ٤٩ .

( ٤ ) العاديات : ٨ .

١٧٤

 و بشّر الصابرين ) (١) .

« و هذا من غريب ما سمع منه في التفسير » و لو كان قال ما روي عنهعليه‌السلام بدل ما سمع منهعليه‌السلام كان أحسن .

جعله من غريب التفسير لأنّ المتبادر من كون الأموال فتنة أنّ الانسان يطغى أن رآه استغنى ، و أنّ كثيرا من الناس يميل المال بهم إلى الشهوات كما أنّ كثيرا منهم يصعب عليهم إخراج الحقوق التي أوجب اللَّه تعالى عليهم في المال فيهلكون كما ان المتبادر من كون الأولاد فتنة أنّهم يصيرون سببا للتخلّف عن الجهاد ، و البخل عن الزكاة ، و تحصيل المال لهم من غير طريق المشروع لو ضاق عليه المشروع و لموافقة الآباء غالبا أهواء أبنائهم المهوية ، كما اتفق للزبير مع ابنه ، فقالعليه‌السلام : ما زال الزبير منّا حتى نشأ ابنه الميشوم .

و روت العامة في تفسير الآية عن بريدة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخطب فجاء الحسن و الحسينعليهما‌السلام و عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران ، فنزل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إليهما فأخذهما و وضعهما في حجره على المنبر و قال : صدق اللَّه تعالى( انّما أموالكم و أولادكم فتنة ) .(٢) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان و يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي و رفعتهما(٣) .

هذا ، و مما روي عنهعليه‌السلام من غريب التفسير غير ما مرّ أنّهعليه‌السلام قال :

الاستثناء في اليمين متى ما ذكر و لو بعد أربعين صباحا ثم تلا هذه الآية . و اذكر ربّك إذا نسيت .(٤) .

و أنّهعليه‌السلام قال : تستحب المقاربة مع أهله ليلة أول شهر الصيام لقوله

____________________

( ١ ) البقرة : ١٥٥ .

( ٢ ) التغابن : ١٥ .

( ٣ ) سنن الترمذي ٥ : ٦١٦ ح ٣٧٧٤ .

( ٤ ) الكافي ٧ : ٤٤٨ الرواية ٦ ، و الآية ٢٤ من سورة الكهف .

١٧٥

تعالى( اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) . .(١) .

٥ في الخطبة ( ١٤٣ ) منها :

وَ مَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ فَاتَّقُوا اَلْبِدَعَ وَ اِلْزَمُوا اَلْمَهْيَعَ إِنَّ عَوَازِمَ اَلْأُمُورِ أَفْضَلُهَا إِنَّ مُحْدَثَاتِهَا شِرَارُهَا « و ما احدثت بدعة إلاّ ترك بها سنة » قال ابن أبي الحديد : البدعة كلّ ما لم يكن في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمنها الحسن كصلاة التراويح و منها القبيح كالمنكرات التي ظهرت أواخر الخلافة العثمانية و إن كانت قد تكلّفت الأعذار عنها(٢) .

قلت : صلاة التراويح أيضا من بدع ، قالعليه‌السلام ترك بها سنة ، و كيف تكون حسنة و كانت تشريعا في قبال الدين ، و إنما التشريع للَّه تعالى( ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إنّ لكم فيه لما تخيرون ) (٣) .

ما كان للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يشرّع شيئا من قبل نفسه إلاّ بوحي منه تعالى إليه ، فكيف كان لعمر الذي أفحمته مرأة في أنفها فطس في حظره جعل الصداق أكثر من خمسمائة درهم بأنّه تعالى قال .( و آتيتم إحداهن قنطاراً ) .(٤) فقال : كل الناس أفقه من عمر .

و روى سليم بن قيس الهلالي في كتابه أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه

____________________

( ١ ) البقرة : ١٨٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٩٤ .

( ٣ ) القلم : ٣٦ ٣٨ .

( ٤ ) النساء : ٢٠ .

١٧٦

ناقضين لعهده مغيّرين لسنّته ، و لو حملت الناس على تركها تفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي و قليل من شيعتي ، و اللَّه لقد أمرت أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة و أعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي يا أهل الاسلام لقد غيرت سنّة عمر نهينا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا ، و قد خفت أن يثوروا في ناحية عسكري(١) .

و روى محمد بن علي بن بابويه عن الباقر و الصادقعليهما‌السلام : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان في جماعة بدعة ، و صلاة الضحى بدعة ، ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار(٢) .

و روى محمد بن يعقوب الكليني : إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام مر برجل يصلّي الضحى في مسجد الكوفة ، فغمز جنبه بالدرة و قال : نحرت صلاة الأوابين نحرك اللَّه(٣) .

و أما أعمال عثمان و لم قال كالمنكرات التي ظهرت أواخر الخلافة العثمانية كنفيه أبا ذر و ضربه عمارا و نهبه بيت المال لأقاربه و توليته لهم حتى يصلّوا بالناس سكارى و يصلّوا الصبح أربعا و يغنوا في الصلاة و غيرها من نظائرها فشنائع ينكرها الموحد و الملحد و المسلم و الكافر .

و أما ما قاله من تكلّف الأعذار الذي نوريهم ، فالتكلّف لعدم منكرية عداوة أبي جهل مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أقرب إلى العقول منه .

ثم جعلها في عداد البدع كصلاة التراويح في غير محله .

____________________

( ١ ) سليم بن قيس ، لا وجود له في الطبعة النجفية ، لعل المؤلف أخذه من البحار حيث ذكر المجلسي في ٩٦ : ٢٠٣ الرواية ٢١ باب ٢٤ .

( ٢ ) الفقيه للصدوق ٢ : ١٣٧ الرواية ١٩٦٤ باب ٢ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٤٥٢ رواية ٨ .

١٧٧

« فاتقوا البدع » روى ابن بابويه عن الصادقعليه‌السلام : من مشى إلى صاحب بدعة فوقرها فقد مشى في هدم الإسلام(١) .

« و الزموا المهيع » أي الطريق الواسع و هو طريق الاسلام ، قال تعالى( و إنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ) . .(٢) .

« إنّ عوازم الامور أفضلها » قال ابن أبي الحديد : عوازم ما تقادم منها من قولهم « عجوز عوزم » أي مسنّة ، و يجوز أن يكون جمع عازمة بمعنى مفعول أي معزوم عليها ، أي مقطوع معلوم بيقين صحتها ، و الأول أظهر لأن في مقابلته « و ان محدثاتها » و المحدث في مقابلة القدم(٣) .

قلت : بل الظاهر أن « عوازم » محرف « قدائم » جمع قديم للتشابه الخطي بينهما ، لأن العزم في مقابل الرخصة لا المحدث ، يقال عزائم القرآن و رخصه ، ثم جمع العوزم بالعوازم كما قاله غير معلوم .

٦ الخطبة ( ٥٠ ) و من كلام لهعليه‌السلام :

إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ اَلْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَ أَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اَللَّهِ وَ يَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ اَللَّهِ فَلَوْ أَنَّ اَلْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ اَلْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى اَلْمُرْتَادِينَ وَ لَوْ أَنَّ اَلْحَقَّ خَلَصَ مِنْ اَلْبَاطِلِ اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ اَلْمُعَانِدِينَ وَ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَ مِنْ هَذَا

____________________

( ١ ) الفقيه للصدوق ٣ : ٥٧٢ ح ٤٩٥٧ الباب ٢ .

( ٢ ) الأنعام : ١٥٣ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٩٤ .

١٧٨

ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي اَلشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَ يَنْجُو اَلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ ٢ ٤ ٢١ : ١٠١ مِنَ اَللَّهِ اَلْحُسْنى‏ ٦ ٦ ٢١ : ١٠١ أقول : رواه الكليني في ( بدع كافيه ) بإسنادين عن عاصم بن حميد عن محمد ابن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : أيها الناس إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع و أحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب اللَّه ، يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا ، فهنا لك استحوذ الشيطان على أوليائه و نجا الذين سبقت لهم منه الحسنى(١) .

و رواه في ( روضته ) مع زيادات ، فروى عن سليم بن قيس قال : خطب عليعليه‌السلام فقال : إنّما بدء وقوع الفتن من أهواء تتبع و أحكام تبتدع ، يخالف فيها حكم اللَّه ، يتولى فيها رجال رجالا ، إنّ الحق لو خلص لم يكن اختلاف و لو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، لكنّه يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجتمعان فيجللان معا ، فهنا لك يستولي الشيطان على أوليائه و نجا الذين سبقت لهم الحسنى ، إنّي سمعت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

كيف أنتم إذا لبستكم فتنة تربو فيها الصغير و يهرم فيها الكبير يجري الناس عليها و يتخذونها سنة ، فإذا غيّر منها شي‏ء قيل قد غيّرت السنّة ، و قد أتى الناس منكرا ثم تشتدّ البلية و تسبى الذريّة و تدقهم الفتنة كما تدقّ النار الحطب و كما تدقّ الرحى بثفالها ، و يتفقهون لغير اللَّه و يتعلمون لغير العمل و يطلبون الدنيا بأعمال الآخرة .

ثم أقبل بوجهه و حوله ناس من أهل بيته و خاصته و شيعته فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه ناقضين بعهده مغيّرين لسنّته ، و لو حملت الناس على تركها و حوّلتها إلى مواضعها

____________________

( ١ ) الكافي ١ : ٥٤ رواية ١ و أيضا ٨ : ٥٨ الرواية ٢١ .

١٧٩

و الى ما كانت في عهد رسول اللَّه لتفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي أو مع قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي و فرض إمامتي من كتاب اللَّه و سنّة رسوله ، أرأيتم لو أمرت بمقام ابراهيم فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللَّه و رددت فدك إلى ذريّة فاطمة و رددت صاع رسول اللَّه كما كان و أمضيت قطائع أقطعها النبي لأقوام لم تمض لهم و لم تنفذ و رددت دار جعفر إلى ورثته و هدمتها من المسجد و رددت قضايا من الجور قضي بها و نزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن و استقبلت بهن الحكم ( في الفروج و الأحكام ) و سبيت ذراري بني تغلب و رددت ما قسم من أرض خيبر و محيت دواوين العطاء و أعطيت كما كان النبي يعطي بالسوية و لم أجعلها دولة بين الأغنياء و ألقيت المساحة و سويت بين المناكح و أنفذت خمس الرسول كما أنزل اللَّه عز و جل و فرضه و رددته إلى ما كان عليه و سددت ما فتح من الأبواب و فتحت ما سد منه و حرمت المسح على الخفين و حددت على النبيذ و أمرت باحلال المتعتين و أمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات و ألزمت الناس الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم و أخرجت من ادخل مع رسول اللَّه في مسجده ممن كان رسول اللَّه أخرجه و أدخلت من اخرج بعد رسول اللَّه و حملت الناس على حكم القرآن ( في ) الطلاق على السنّة و أخذت الصدقات على أصنافها و حدودها و رددت الوضوء و الغسل و الصلاة إلى مواقيتها و شرائعها و حدودها و رددت أهل نجران إلى مواضعهم و رددت سبايا فارس و سائر الامم إلى كتاب اللَّه و سنّة نبيّه ، إذن لتفرّقوا عني ، و اللَّه لقد أمرت الناس ألا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة و أعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الاسلام غيّرت سنّة عمر نهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا ، و لقد خفت أن

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460