مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة13%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234328 / تحميل: 8791
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

المدينة ثلاثة أيّام، وأن يُبايعهم على أنّهم خَوَل وعبيد ليزيد، فإذا فرغ منها نهض إلى مكّة لحرب ابن الزبير، ففعل بها مسلم الأفاعيل القبيحة، وقتل بها خلقاً من الصحابة وأبنائهم وخيار التابعين، وأفحش القضية إلى الغاية... )(١) .

وقال ابن الجوزيّ: ( فأباحها مسلم بن عقبة ثلاثاً، يقتلون الرجال ويقعون على النساء! وحكّمتْ امرأةٌ مسلم بن عقبة في ولدها وكان قد أُسر فقال: عجّلوه لها. فضُرِبتْ عنقه، ثمّ دعا مسلم الناس إلى البيعة ليزيد وقال: بايعوا على أنّكم خَوَل له وأموالكم له!

فقال يزيد بن عبد الله بن زمعة: نُبايع على كتاب الله. فأمر به فضُرب عُنقه، وجيء بسعيد بن المسيّب إلى مسلم فقالوا: بايع.

فقال: أُبايع على سيرة أبي بكر وعمر!

فأمر بضرب عنقه، فشهد رجل أنه مجنون، فخلّى عنه.

وذكر محمّد بن سعد في الطبقات: أنّ مروان بن الحَكم يُحرّض مسلم بن عقبة على أهل المدينة ونهبها ثلاثاً، فلما قدم مروان على يزيد شكر له وأدناه... ).

ثمّ قال ابن الجوزي: ( مَن أراد أن ينظر إلى العجائب، فلينظر إلى ما جرى يوم الحرّة على أهل المدينة بإطلاق يزيد أصحابه في النّهب )(٢) .

وقال الشبراوي: ( إنّ يزيد بن معاوية قال لمسلم بن عقبة: إذا ظفرت بالمدينة، فخلّها للجيش ثلاثة أيّام، يسفكون الدماء، ويأخذون الأموال، ويفسقون بالنساء )(٣) .

وقال ابن قتيبة: ( فبلغ عدّة قتلى الحرّة يومئذٍ من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الناس ألفاً وسبع مئة، وسائرهم من الناس عشرة آلاف، سوى النساء والصبيان، ذكروا أنّه قُتل يوم الحرّة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمانون

____________________

(١) أُنظر تهذيب التهذيب ١١/ ٢١٤، رقم ٨١٠٠.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٤.

(٣) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٥.

٤١

رجلاً ولم يبقَ بدريّ بعد ذلك، ومن قريش والأنصار سبعمئة، ومن سائر الناس من الموالي والعرب والتابعين عشرة آلاف، وكانت الوقعة في ذي الحجّة لثلاث بقين منها ثلاث وستّين )(١) .

وفي البدء والتاريخ: (فجاء مسلم بن عقبة فأوقع بالمدينة، وقتل أربعة آلاف رجل من أفناء الناس، وسبعين رجلاً من الأنصار، وبَقَرَ عن بطون النساء، وأباح الحرم، وأنهب المدينة ثلاثة أيّام )(٢) .

هذا بالنسبة إلى المدينة، وأمّا مكّة، فقد قال المسعودي: ( ولما نزل بأهل المدينة ما وصفنا من القتل والنهب والرقّ والسبي، وغير ذلك ممّا عنه أعرضنا من مُسرِفٍ، خرج عنها يريد مكّة في جيوشه من أهل الشام؛ ليوقع بابن الزبير وأهل مكّة بأمر يزيد، وذلك في سنة أربع وستّين، فلما انتهى إلى الموضع المعروف بقديد مات مُسرِف لعنه الله، واستخلف على الجيش الحصين بن نمير، فسار الحصين حتّى مكّة وأحاط بها، وعاذ ابن الزبير بالبيت الحرام... ونصب الحصين فيمَن معه من أهل الشام المجانيق والعرادات على مكّة والمسجد من الجبال والفجاج، وابن الزبير في المسجد. فتواردت أحجار المجانيق والعرادات على البيت، ورُمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتّان وغير ذلك من المحروقات، وانهدمت الكعبة واحترقت البَنيَّة... )(٣) .

وقال ابن قتيبة الدينوريّ: ( وحاصروا عبد الله بن الزبير، وأُحرقت الكعبة حتّى انهدم جدارها وسقط سقفها... )(٤) .

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١/ ٢١٥.

(٢) البدء والتاريخ ٦/ ١٤.

(٣) مروج الذهب ٣/ ٧١.

(٤) المعارف: ١٩٨.

٤٢

لعنه:

اللعن: الطّرد من الرحمة، قال تعالى:( ... لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ... ) (١) ، أي أبعدهم وطردهم من الرحمة(٢) ، وأصل اللعن الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق السبّ والدّعاء(٣) .

يمكن الاستدلال على جواز لعن يزيد بعدّة أُمور:

١. التمسّك بعموم وإطلاق بعض الآيات القرآنية:

منها: قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ) (٤) . ولا شكّ أنّ إيذاء الحسين إيذاء للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف بقتله؟!(٥) .

ومنها: قوله تعالى: ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) (٦) .

إذا كانت لعنة الله وعذابه العظيم تشمل مَن يقتل مؤمناً مُتعمّداً، فكيف بمَن

____________________

(١) البقرة: ٨٨.

(٢) مجمع البحرين ٤/ ١٢٤، مادّة لعن.

(٣) النهاية في غريب الحديث والأثر ٤/ ٢٥٥ - عنه سفينة البحار ٢/ ٥١٢.

(٤) الأحزاب: ٥٧.

(٥) قال الزرندي المتوفّى سنة ٧٥٠ في نظم درر السمطين ٢٣٢: وروى علي عن درّة بنت أبي لهب، وفي رواية أبي هريرة: أنّ صبية بنت أبي لهب جاءت إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت: يا رسول الله، إنّ الناس يصيحون بي ويقولون أنت بنت حطب الله، قالت: خرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مُغضباً حتّى استوى على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:( ما بال رجال يؤذوني في أهل بيتي، والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتّى يُحبّني، ولا يُحبّني حتّى يُحبّ فيَّ ذرّيّتي، فما لي أُوذى؟! ) .

قالوا: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، وفي رواية:( ما بال أقوام يؤذوني في قرابتي؟! ألا مَن آذاني في قرابتي فقد آذاني، ومَن آذاني فقد آذى الله ) انتهى.

أقول: إذا كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يغضب لما حصل في إيذاء بنت أبي لهب لساناً، فكيف لا يحصل ذلك بالنسبة إلى ما جرى في حقّ ابن بنته وأهل بيته لساناً وسناناً؟!

(٦) النساء: ٩٣.

٤٣

يقوم بقتل الحسينعليه‌السلام وهو سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وثمرة البتولعليها‌السلام ، الذي قال جدّه في حقّه:( حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً ) (١) ؟ !

وقوله تعالى:( وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً ) (٢) .

ويزيد هو من الشجرة الملعونة في القرآن؛ قال السيوطي في الدرّ المنثور: ( أخرج ابن أبي حاتم، عن يعلى بن مرّة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أُريت بني أُميّة على منابر الأرض وسيتملّكونكم فتجدونهم أرباب سوء ). واهتمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك فأنزل الله:( ... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ... ) (٣) .

وعن كتاب المعتضد: لا خلاف بين أحد أنّه تبارك وتعالى أراد بها بني أميّة(٤) .

ومنها: قوله تعالى:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) (٥) .

ولا ريب أنّ يزيد هو من أكابر المفسدين في الأرض، بعد قتل الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه بكربلاء، وأمره ورضاه بذلك ووقعة الحرّة وهدم الكعبة، فإذا لم يكن هذا إفساداً في الأرض فلا يبقى للفساد أيّ معنى! فيشمله لعن الله طبقاً لهذه الآية الشريفة.

وعدّه أحمد بن حنبل من مصاديق المفسدين في الأرض، بتمسّكه بهذه الآية المباركة(٦) .

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ١/ ٢١٣ ط دار أنوار الهدى و...

(٢) الإسراء: ٦٠.

(٣) الدرّ المنثور ٤/ ١٩١.

(٤) سفينة البحار ٢/ ٥١٤ (مادّة لعن).

(٥) محمّد: ٢٢ - ٢٣.

(٦) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٦.

٤٤

٢. التمسّك بعموم بعض الأحاديث:

منها: ما روي عن عليّعليه‌السلام قال: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :( سبعة لعنهم الله وكلّ نبيّ مُجاب: المغيّر لكتاب الله، والمكذّب بقدر الله، والمبدّل سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله عزّ وجلّ، والمتسلّط في سلطنة ليُعزّ مَن أذلّ الله ويُذلّ مَن أعزّ الله، والمستحلّ لحرم الله، والمتكبّر على عبادة الله عزّ وجلّ ) (١) .

ولا ريب أنّ موارد ممّا ذكر آنفاً مُطبّقة على يزيد، مثل ما روى ابن حجر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال:( أوّل مَن يُبدّل سنّتي رجل من بني أُميّة، يُقال له: يزيد ) (٢) .

ومنها: ما روى البخاريّ، بإسناده عن أنس، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( المدينة حرم من كذا إلى كذا، لا يُقطع شجرها ولا يُحدَث فيها حدث، مَن أحدث حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) (٣) .

ومنها: ما رواه أحمد، بإسناده عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: خطبَنا عليّ فقال:(... قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المدينة حرم ما بين عِيْر إلى ثور، فمَن أحدث فيها حدثاً أو آوى مُحدِثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً... ) (٤) .

ومنها: ما روي مسنداً عن السائب بن خلاّد، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( مَن أخاف أهل المدينة أخافه الله عزّ وجلّ، وعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً ) (٥) .

____________________

(١) سفينة البحار ٢/ ٥١٢. وقريب منه: المعجم الطبراني ٣/ ح١١٦.

(٢) الصواعق المحرقة: ٢٣١.

(٣) صحيح البخاري ٣/ ٢٥ (آخر كتاب الحجّ، باب حرم المدينة).

(٤) مسند الإمام أحمد بن حنبل ١/ ٨١.

(٥) مسند الإمام أحمد بن حنبل ٤/ ٥٥ - ٥٦.

٤٥

ومنها: ما رواه في كفاية الطالب، بإسناده عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( لما عُرِج بي إلى السماء، رأيت على باب الجنّة مكتوباً: ( لا إله إلاّ إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ حبّ الله، الحسن والحسين صفوة الله، فاطمة أمَة الله، على باغضهم لعنة الله، مهما ذكر الله ).

ثمّ قال: تفرّد به عليّ بن حمّاد وهو ثقة، وأخرجه محدّث الشام عن محدّث العراق وإمام أهل الحديث(١) .

قال ابن الجوزي: جاء في الحديث لعن مَن فعل ما لا يُقارب معشار عُشر فعل يزيد(٢) .

٣. أقوال العلماء في لعن يزيد:

أحمد بن حنبل:

قال الآلوسي: ( نقل البرزنجي في الإشاعة، والهيثميّ في الصواعق المحرقة، أنّ الإمام أحمد لما سأله ولده عبد الله عن لعن يزيد قال: كيف لا يُلعن مَن لعنه الله في كتابه؟!

فقال عبد الله: قد قرأت كتاب الله عزّ وجلّ فلم أجد فيه لعن يزيد!

فقال الإمام: إنّ الله تعالى يقول:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ... ) الآية(٣) ، وأيّ فساد وقطيعة أشدّ ممّا فعله يزيد؟! )(٤) .

ابن الفرّاء (٥) :

قال ابن الجوزيّ: ( وصنّف القاضي أبو الحسين محمّد بن القاضي أبي يعلى بن الفرّاء كتاباً فيه بيان مَن يستحقّ اللعن، وذكر فيهم يزيد وقال: الممتنع من ذلك، إمّا أن يكون غير عالم بجواز ذلك أو مُنافقاً يريد أن يوهم بذلك

____________________

(١) كفاية الطالب: ٤٢٣.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٩.

(٣) محمّد: ٢٢ - ٢٣.

(٤) روح المعاني ٢٦/ ٧٢.

(٥) المولود في شعبان ٤٥١ والمتوفّى في عاشر محرّم سنة ٥٧٦ قتلاً، هو كما عن المنتظم ١٠/ ٢٩ تفقّه وناظَرَ، وكان مُتشدّداً في السنّة، وكذا في هامش الردّ على المتعصّب: ١٨.

٤٦

وربّما استفزّ الجهّال بقوله: المؤمن لا يكون لعّاناً

قال (القاضي): وهذا محمول على مَن لا يستحقّ اللعن، نقلت هذا من خطّ أبي الحسين وتصنيفه )(١) .

ابن الجوزيّ:

قال ابن الجوزيّ: ( سألني سائل في بعض مجالس الوعظ - عن يزيد بن معاوية، وما فعل في حقّ الحسين صلوات الله عليه، وما أمر به من نهب المدينة - فقال لي: أيجوز أن يُلعن؟

فقلت: يكفيه ما فيه، والسكوت أصلح!

فقال: قد علمت أنّ السكوت أصلح، ولكن هل تُجوِّز لعنه؟

فقلت: قد أجازها العلماء الورعون منهم الإمام أحمد بن حنبل(٢) ، فإنّه ذكر في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة )(٣) .

ورغم عبارة (السكوت أصلح )، لكنّا نرى أنّ ابن الجوزيّ لم يلتزم بذلك فعلاً ولا قولاً، ولعلّه قاله خوفاً على نفسه في تلك الجلسة؛ والدليل عليه ما قاله سبطه في التذكرة: ( قلت: ولما لعنه جدّي أبو الفرج على المنبر ببغداد، بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء قام جماعة من الجفاة من مجلسه فذهبوا، فقال جدّي:( ... أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ) (٤) .

وقال: ( وحكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم، أنّ جماعة سألوا جدّي عن يزيد، فقال: ما تقولون في رجل وليَ ثلاث سنين، في السنة الأُولى قتل الحسين، وفي الثانية أخاف المدينة وأباحها، وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها؟! فقالوا: نلعن. فقال: فالعنوه )(٥) .

الأسفراينيّ:

قال: المختار ما ذهب إليه ابن الجوزي، وأبو الحسين القاضي

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٨؛ تذكرة الخواص: ٢٨٧.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٩.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٨٧؛ الإتحاف: ٦٣.

(٤ و٥) تذكرة الخواص: ٢٩١.

٤٧

ومَن وافقهما )(١) .

المقدسيّ:

ومن الذين لعنوا يزيد هو مُطهّر بن طاهر المقدسيّ المتوفّى سنة ٥٠٧ ببغداد، فقد صرّح بلعنه في كتابه البدء والتاريخ(٢) .

السيوطيّ:

قال جلال الدين السيوطي: لعن الله قاتله (أي قاتل الحسين) وابن زياد معه، ويزيد أيضاً، وكان قتله بكربلاء، وفي قتله قصّة فيها طول لا يحتمل القلب ذكرها، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون(٣) .

عبد الكريم بن الشيخ وليّ الدِّين:

قال العلاّمة المحمودي: ومنهم (العلماء المجوّزين للعن يزيد) الشيخ عبد الكريم بن الشيخ ولي الدِّين، مؤلّف كتاب (مجمع الفوائد ومعدن الفرائد)، في ذكر الأحاديث الواردة في الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: ( فمعلوم أنّ يزيد اللعين وأتباعه كانوا من الذين أهانوا أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكانوا مُستحقّين للغضب والخذلان واللعنة من الملك الجبّار المنتقم يوم القيامة، فعليه وعلى مَن اتّبعه وأحبّه وأعانه ورضّاه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ثمّ قال: ومَن أراد التفصيل في اللعنة على يزيد، فليُطالع إلى تبيين الكلام، وأمّا منع بعضهم فليس من عدم جوازه، لأنّه جايز بالاتّفاق، بل من خوف السراية إلى أبيه معاوية، كما في شرح المقاصد! )(٤) .

العلاّمة الأجهوري عن شيخ مشايخه:

قال الشبراوي: ( وقال شيخ مشايخنا في حاشية الجامع الصغير، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أوّل جيش من أُمّتي يركبون البحر

____________________

(١) روح المعاني ٢٦/ ٧٣.

(٢) البدء والتاريخ ٦/ ٦ و٨ و..

(٣) تاريخ الخلفاء: ١٦٥.

(٤) هامش كتاب الردّ على المتعصّب العنيد: ٦ عن كتاب مجمع الفوائد ومعدن الفرائد حوالي ص٢٠.

٤٨

قد أوجبوا، وأوّل جيش من أُمّتي يغزون مدينة قيصر مغفورٌ لهم ) : هذا يقتضي أنّ يزيد بن معاوية من جملة المغفور لهم!

وأُجيب: بأنّ دخوله فيهم لا يمنع خروجه منهم بدليل خاص، أو أنّ قوله:( مغفور لهم ) مشروط بكونه من أهل المغفرة ويزيد ليس كذلك، حتّى أطلق بعضهم جواز لعنه بعينه؛ لأنّه أمر بقتل الحسين... )(١) .

وفي الحديث المذكور وجوه للنظر، من حيث الصغرى والكبرى وغيرها، لا مجال لذكرها.

الكيا الهراسي:

قال الباعونيّ: ( وسئِل الكيا الهراسي - وهو من كبار الأئمّة - عن لعنه (يزيد بن معاوية)، فقال: لم يكن [يزيد من] الصحابة، ولِد في زمان عمر بن الخطّاب، وركب العظائم المشهورة.

قال: وأمّا قول السلف، ففيه لأحمد قولان تلويح وتصريح، ولمالك أيضاً قولان تصريح وتلويح، ولنا قول واحد وهو التصريح دون التلويح.

قال: وكيف لا، وهو اللاعب بالنرد، المتصيّد بالفهد، والتارك للصلوات، والمدمن للخمر والقاتل لأهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمصرّح في شعره بالكفر الصريح؟! )(٢) .

التفتازانيّ في شرح العقائد النسفيّة:

( اتّفقوا على جواز اللعن على مَن قتلَ الحسين، أو أمر به، أو أجازه، أو رضي به، قال: والحقّ أنّ رضى يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا تواتر معناه، وإن كان تفصيله آحاداً، قال: فنحن لا نتوقّف في شأنه، بل في كفره وإيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه )(٣) .

____________________

(١) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٢.

(٢) جواهر المطالب ٢/ ٣٠١.

(٣) شذرات الذهب ١/ ٦٨؛ نُزل الأبرار: ١٦٢.

٤٩

السمهوديّ:

قال الشبراوي: ( وقال السيّد السمهوديّ في جواهر العقدين: اتّفق العلماء على جواز لعن مَن قتل الحسين(رضي الله عنه)، أو أمر بقتله، أو أجازه، أو رضي به من غير تعيين... )(١) .

البدخشاني:

قال في نُزل الأبرار: (... ويتحقّق أنّه - يزيد - لم يندم على ما صدر منه، بل كان مُصرّاً على ذنبه، مُستمرّاً في طغيانه، إلى أن أقاد منه المنتقم الجبّار، وأوصله إلى دركات النار، والعجب من جماعة يتوقّفون في أمره، ويتنزّهون عن لعنه، وقد أجازه كثير من الأئمّة منهم ابن الجوزيّ، وناهيك به علماً وجلالة... )(٢) .

عبد الباقي أفندي:

قال الآلوسي: ويُعجبني قول شاعر العصر، ذو الفضل الجليّ عبد الباقي أفندي العمريّ الموصليّ، وقد سُئل عن لعن يزيد اللعين:

يزيد على لعني عريضٌ جنابه

فأغدو به طول المدى ألعن اللعنا(٣)

الآلوسيّ:

( الذي يغلب على ظنّي، أنّ الخبيث لم يكن مُصدّقاً برسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ مجموع ما فعل مع أهل حرم الله تعالى وأهل حرم نبيّه عليه الصلاة والسلام وعترته الطيّبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات، وما صدر منه من المخازي، ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر، ولا أظنّ أنّ أمره كان خافياً على أجلّة المسلمين إذ ذاك، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين، لم يسعهم إلاّ الصبر، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، ولو سُلِّم أنّ الخبيث كان مسلماً، فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يُحيط به نطاق البيان، وأنا

____________________

(١) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٣.

(٢) نُزل الأبرار: ١٦٠.

(٣) روح المعاني ٢٦/ ٧٣.

٥٠

أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين، ولو لم يتصوّر أن يكون له مِثْل من الفاسقين، والظاهر أنّه لم يتُبْ، واحتمال توبته أضعف من إيمانه، ويُلحق به ابن زياد وابن سعد وجماعة، فلعنة الله عزّ وجلّ عليهم أجمعين، وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم، ومَن مال إليهم إلى يوم الدِّين، ما دمعت عين على أبي عبد الله... ومَن كان يخشى القال والقيل من التصريح بلعن ذلك الضلّيل فليقل: لعن الله عزّ وجلّ مَن رضي بقتل الحسين ومَن آذى عترة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير حقّ ومَن غصبهم حقّهم. فإنّه يكون لاعناً له؛ لدخوله تحت العموم دخولاً أوّلياً في نفس الأمر، ولا يُخالف أحد في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها سوى ابن العربي المارّ ذكره وموافقيه، فإنّهم - على ظاهر ما نُقِل عنهم - لا يُجوّزون لعن مَن رضي بقتل الحسين (رضي الله تعالى عنه)، وذلك - لعَمْرِي - هو الضلال البعيد، الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد )(١) .

قتله الإمام الحسينعليه‌السلام :

إنّ قتل الحسينعليه‌السلام مصيبة لا مصيبة أعظم منها، كيف لا، وهو من الخمسة الذين قال لهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :( أنا سلمٌ لمن سالمتم وحربٌ لمن حاربتم ) (٢) .

جزاء قاتل الحسينعليه‌السلام وأوصافه في الروايات:

لقد جاءت في شأن قاتل الحسينعليه‌السلام وأوصافه وعذابه روايات دالّة على عمق المأساة، نذكر بعضها:

روى ابن المغازلي، بإسناده عن أبي أحمد بن عامر، عن عليّ بن موسى الرضا،

____________________

(١) روح المعاني ٢٦/ ٧٢ - ٧٤.

(٢) فرائد السمطين ٢/ ٣٨ ح٣٧٣، وفي الصواعق المحرقة ٢٨٤ ح١٦: أخرج الترمذي وابن ماجه وابن حبّان والحاكم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( أنا حرب لمن حاربهم وسلمٌ لمن سالمهم ) .

٥١

عن آبائه عن عليّعليهم‌السلام قال:( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ قاتل الحسين في تابوتٍ من نار مُنكّس في النار، حتّى يقع في قعر جهنّم، وله ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربّهم عزّ وجلّ من شدّة ريح نتنه، وفيها خالد ذائق العذاب الأليم، لا يُفتَّر عنه ساعة ويُسقى من حميم، الويل له من عذاب الله عزّ وجلّ ) (١) .

وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال:( إنّ موسى بن عمران سأل ربّه فقال: يا ربّ، إنّ أخي هارون مات فاغفر له، فأوحى الله إليه: يا موسى، لو سألتني في الأوّلين والآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإنّي أنتقم له من قاتله ) (٢) .

روى الخوارزمي اعتراض حبر من الأحبار في مجلس يزيد، اعترض على يزيد في قتله الحسينعليه‌السلام ، فأمر يزيد به فوجئ في حلقه ثلاثاً، فقام الحبر وهو يقول: إن شئتم فاقتلوني وإن شئتم فذروني، إنّي أجد في التوراة: مَن قتل ذريّة نبيّ فلا يزال ملعوناً أبداً ما بقي، فإذا مات أصلاه الله نار جهنّم(٣) .

روي عن القندوزي قال: عليعليه‌السلام رفعه:( يقتلُ الحسينَ شرُّ هذه الأُمّة ) (٤) .

وعن مودّة القُربى، عن عليّعليه‌السلام قال:( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقتل الحسين شرُّ هذه الأُمّة، ويتبرّأ الله منهم ومَن والاهم وممّن يكفر بي ) (٥) .

____________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب ٦٦، ح٩٥. وروح نحوه الخوارزمي في مقتله ٢/ ٨٢، وبعضه الشبراوي في الإتحاف: ٧٤ وغيرهم.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢/ ٤٧ ح١٧٩، ذيل اللئالي: ٧٦، على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٢٤؛ فرائد السمطين ٢/ ٢٦٣ ح٥٣١؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٥؛ انظر: مفتاح النجا (للبدخشي) ١٣٦.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧١.

(٤) ينابيع المودّة: ٢٦٢ ط اسلامبول على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٧١.

(٥) مودّة القربى: ١١١ ط لاهور، على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٧١.

٥٢

وعن المتّقي الهندي: روى ابن عساكر، عن أُمّ سلمة: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( إنّ جبرئيل أخبرني أنّ ابني هذا يُقتل، وأنّه اشتدّ غضب الله على مَن يقتله ) (١) .

وعن ابن سعد، عن عائشة: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( إنّ جبرئيل أراني التربة التي يُقتل عليها الحسين، فاشتدّ غضب الله على مَن يسفك دمه، فيا عائشة، والذي نفسي بيده، إنّه ليحزنني. فمَن هذا مِن أُمّتي يقتل حسيناً بعدي؟! ) (٢) .

روى الخطيب في تاريخه، بإسناده عن جابر بن عبد الله، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال للحسينعليه‌السلام :( لعن الله قاتلك ) .

قال جابر: فقلت يا رسول الله، ومَن قاتله؟

قال:( رجل من أُمّتي يُبغض عترتي لا يناله شفاعتي، كأنّي بنفسه بين أطباق النيران يرسب تارةً ويطفو أُخرى، وأنّ جوفه ليقول: عِقْ عِقْ ) (٣) .

وروى الخوارزمي، عن أبي برزة الأسلمي أو غيره من الصحابة أنّه قال ليزيد:

أشهد لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول:( إنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة، قتل الله قاتلهما ولعنه، وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً ) (٤) .

وقال: قال ابن عبّاس: خرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل موته بأيّام إلى سفر له، ثمّ رجع وهو مُتغيّر اللون مُحمرّ الوجه، فخطب خُطبة بليغة موجزة، وعيناه تهملان دموعاً، قال فيهما:( أيّها الناس، إنّي خلّفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي... ) ، فساق الخُطبة إلى أن قال:( ألا وإنّ جبرئيل قد أخبرني بأنّ أُمّتي تقتل ولدي الحسين بأرض كربٍ وبلاء، ألا فلعنة الله على قاتله وخاذله آخر الدهر ) (٥) .

____________________

(١ و٢) إحقاق الحقّ ١١/ ٣٦١ عن كنز العمّال ١٣/ ١١٢ط حيدر آباد دكن.

(٣) تاريخ بغداد ٣/ ٢٩٠؛ لسان الميزان ٥/ ٣٧٧؛ إحقاق الحقّ ١١/ ٣٢٣.

(٤) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٧.

(٥) مقتل الخوارزمي ١/ ١٦٤، عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٣٦٤.

٥٣

ومنها: ما ذكر من حديث أُمّ الفضل بنت الحارث، حين أدخلت حسيناً على رسول الله، فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وبكى، وأخبرها بقتله، إلى أن قال: ثمّ هبط جبرئيل معه قبضة من تربة الحسين تفوح مسكاً أذفر، فدفعها إلى النبيّ وقال:( يا حبيب الله، هذه تربة ولَدك الحسين بن فاطمة، وسيقتله اللعناء بأرض كربلاء ) .

فقال النبيّ:( حبيبي جبرئيل، وهل تُفلح أُمّة تقتل فرخي وفرخ ابنتي؟! ) .

فقال جبرئيل:( لا، بل يضربهم الله بالاختلاف، فتختلف قلوبهم وألسنتهم آخر الدهر ) ... إلى أن قال: ثمّ أخذ النبيّ تلك القبضة التي أتاه بها الملك، فجعل يشمّها ويبكي ويقول في بكائه:( اللّهم، لا تُبارك في قاتل ولدي، وأصله نار جهنّم ) (١) .

يزيد هو القاتل:

لا شكّ أنّ الفعل كما ينسب إلى المباشر، ينسب إلى المسبّب، يقال: فتح الأمير البلد. وإن لم يحضر المعركة، بل حصل الفتح على يد جنده، ولكن يُنسب إلى أميرهم لكونه الآمر.

وفي مأساة كربلاء، نجد أدلّة قويّة على أنّ يزيد هو القاتل؛ باعتبار أنّه هو الذي أمر بقتل الحسينعليه‌السلام والقتال معه.

فتحصّل؛ أنّ جميع ما روي حول قاتل الحسين، وخذلانه في الدّنيا، وعقابه في العقبى يشمل يزيد؛ لكونه الآمر الأعلى، وبصفته أمير قَتَلَة الحسينعليه‌السلام ، فما شأن عبيد الله بن زياد إلى يزيد إلاّ كنسبة شمر وعمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد، فيشمله العنوان.

هذا، وثَمَّ شواهد تاريخية مُهمّة تُثبت الموضوع.

الشواهد التاريخية:

عندما يتفحّص المتتبّع صفحات التاريخ، يجد هناك أدلّة كافية لإثبات الموضوع، نُشير إلى بعضها:

____________________

(١) المصدر ١/ ١٦٢.

٥٤

أمْرُه الوليد بن عتبة بقتل الحسينعليه‌السلام :

إنّ يزيد أمر الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، عامله على المدينة بقتل الحسينعليه‌السلام ، وإرسال رأسه الشريف إليه إن لم يُبايع، ولعلّ هذا أوّل مُبادرة لقتل الإمامعليه‌السلام .

قال اليعقوبي: ( كتب (يزيد) إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وهو عامله على المدينة: إذا أتاك كتابي هذا فأحضِر الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، فخذهما بالبيعة لي، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما، وابعث لي برؤوسهما، وخُذْ الناس بالبيعة، فمَن امتنع فأنفذ فيه الحُكم وفي الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، والسلام )(١) .

مسألة اغتيال الإمام الحسينعليه‌السلام في موسم الحجّ:

إنّ يزيد أمر باغتيال الإمامعليه‌السلام في موسم حجّ عام ٦٠ من الهجرة، قال العلاّمة المجلسي: ( ولقد رأيت في بعض الكُتب المعتبرة، أنّ يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم، وولاّه أمر الموسم، وأمّره على الحاجّ كلّهم، وكان قد أوصاه بقبض الحسينعليه‌السلام سرّاً، وإن لم يتمكّن منه يقتله غيلة، ثمّ إنّه دسّ مع الحاجّ في تلك السنة ثلاثين رجلاً من شياطين بني أُميّة، وأمرهم بقتل الحسينعليه‌السلام على أيّ حال اتّفق )(٢) .

وكتب الدكتور حسن إبراهيم حسن: ( وقد قيل: إنّ الحسين كان يعرف ما يُحدق به من خطر إذا بقى في مكّة؛ لأنّ بني أُميّة سوف يتعقّبونه حتّى يقتلوه في الحجاز؛ لذلك آثر أن يكون قتله بعيداً عن البيت الحرام )(٣) .

* رسائل يزيد حول قتل الحسينعليه‌السلام :

إنّه كتب إلى عبيد الله بن زياد بقتال الحسينعليه‌السلام ، وهناك عدّة شواهد:

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٤١.

(٢) بحار الأنوار ٤٥/ ٩٩.

(٣) تاريخ الإسلام ١/ ٣٩٩.

٥٥

منها: ما روى ابن عبد ربّه، عن علي بن عبد العزيز، عن محمّد بن الضحّاك بن عثمان الخزاعي، عن أبيه قال: ( كتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد وهو واليه بالعراق: أنّه بلغني أنّ حسيناً سار إلى الكوفة وقد ابتُلي به زمانك بين الأزمان وبلدك بين البلدان، وابتُليتَ به من بين العمّال، وعنده تُعتق أو تعود عبداً... )(١) .

وقال السيوطي: ( وبعث أهل العراق إلى الحسين الرُّسل والكُتب يدعونه إليهم، فخرج من مكّة إلى العراق في عشر ذي الحجّة، ومعه طائفة من آل بيته، رجالاً ونساءً وصبياناً، فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله، فوجّه إليه جيشاً أربعة آلاف، عليهم عمر بن سعد بن أبي وقّاص... )(٢) .

وفي نور الأبصار: ( كتب عبيد الله بن زياد إلى الحسين كتاباً يقول فيه: أمّا بعد، فإنّ يزيد بن معاوية كتب إليّ أن لا تفحض [تغمض] جفنك من المنام، ولا تشبع بطنك من الطعام، إمّا أن يرجع الحسين إلى حكمي أو تقتله، والسلام )(٣) .

اعتراف ابن زياد بذلك:

قال مسكويه الرازي: ( إنّه كتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد أن اغْزُ ابن الزبير.

فقال: والله، لا أجمعهما للفاسق أبداً، أقتل ابن رسول الله وأغزو البيت؟! )(٤) .

زينب الكبرى تجعل مسؤولية قتل الحسين على عاتق يزيد:

قالتعليها‌السلام في مجلس يزيد: ( أتقول: ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا. غير مُتأثِّم ولا مُستعظم، وأنت

____________________

(١) العقد الفريد ٥/ ١٣٠؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٥؛ انظر أنساب الأشراف ٣/ ١٦٠؛ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين: ٢٠٨؛ بغية الطالب (لابن العديم) ٦/ ٢٦١٤؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٣؛ مُعجم الطبراني ٣/ ١١٥ ح٢٨٤٦ (على ما في هامش عبرات المصطفين ٣/ ٢٨٢)؛ كفاية الطالب: ٤٣٢.

(٢) تاريخ الخلفاء: ١٦٥؛ دائرة المعارف ٧/ ٤٨.

(٣) نور الأبصار: ١٢٩.

(٤) تجارب الأُمم ٢/ ٧٧.

٥٦

تنكت ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك؟! ولم لا تكون كذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة بإهراقك دماء ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب؟! ولتردنّ على الله وشيكاً موردهم، ولتودَّنّ أنّك عميت وبُكمت وأنّك لم تقل: فاستهلّوا وأهلّوا فرحاً.. فلئن اتّخذتنا مغنماً لتتّخذنّ مغرماً، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك، تستصرخ بابن مرجانة، ويستصرخ بك، وتتعاوى وأتباعك عند الميزان، وقد وجدت أفضل زاد زوّدك معاوية قتلك ذرّية محمّد صلّى الله عليه )(١) .

وقالت - في ضمن خطبتها مُخاطبةً له -: ( وفعلتك التي فعلت، وما فريت إلاّ جلدك، وما جززت إلاّ لحمك، وسترد على رسول الله بما تحمّلت من ذُرّيّته، وانتهكت من حُرمته وسفكت من دماء عترته ولحُمته، حيث يجمع به شملهم، ويلم به شعثهم، وينتقم من ظالمهم، ويأخذ لهم بحقّهم من أعدائهم، ولا يستفزّنّك الفرح بقتلهم... فالعجب كلّ العجب لقتل الأتقياء وأسباط الأنبياء وسليل الأوصياء بأيدي الطلقاء الخبيثة، ونسل العهرة الفجرة تنطف أكفّهم من دمائنا!!... )(٢) .

ابن عبّاس يُحمّل يزيد مسؤولية قتل الإمام الحسينعليه‌السلام :

قال اليعقوبي: ( إنّه كتب في ضمن كتابه إلى يزيد:... وأنت قتلت الحسين بن علي بفيك الكُثْكُث، ولك الأثلب، إنّك - إن تُمنِّك نفسك ذلك - لعازب الرأي، وإنّك لأنت المفنّد المهوّر، لا تحسبني - لا أبا لك - نسيتُ قتلك حسيناً وفتيان بني عبد المطّلب، مصابيح الدُّجى ونجوم الأعلام، غادرهم جنودك مُصرّعين في صعيد، مُرمّلين بالتراب، مسلوبين بالعراء، لا مُكفّنين تسفي عليهم الرياح، وتعاورهم الذئاب، وتنشي بهم عرج الضباع، حتى أتاح الله لهم أقواماً لهم يشتركوا في دمائهم، فأجنّوهم في أكفانهم وبي -

____________________

(١) بلاغات النساء: ٢١.

(٢) الاحتجاج ٢/ ١٢٧ - ١٢٩ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٩.

٥٧

والله - وبهم عززت وجلست مجلسك الذي جلست - يا يزيد -...

فلا شيء عندي أعجب من طلبك ودّي ونصري! وقد قتلت بني أبي وسيفك يقطر من دمي.. إنّي لأرجو أن يعظم جراحك بلساني ونقضي وإبرامي، فلا يستقرّ بك الجدل ولا يُهملك الله بعد قتلك ثمرة رسول الله إلاّ قليلاً، حتّى يأخذك أخذاً أليماً، فيُخرجك الله من الدُّنيا ذميماً أليماً )(١) .

وقالوا: إنّه كتب إليه: ( ما أنس طردك حسيناً من حرم الله وحرم رسوله، وكتابك إلى ابن مرجانة تأمره بقتله، وإنّي لأرجو من الله أن يأخذك عاجلاً، حيث قتلت عترة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورضيت بذلك. أنسيت إنفاذ أعوانك إلى حرم الله لتقتل الحسين؟! )(٢) .

معاوية ابنه يُحمّله المسؤولية:

قال ضمن خُطبته التي ألقاها بعد موت أبيه يزيد: (... ثمّ قُلّد أبي، وكان غير خليق للخير، فركب هواه، واستحسن خطأه، وعظم رجاؤه، فأخلفه الأمل، وقصر عنه الأجل، فقلّت مُنعته، وانقطعت مدّته، وصار في حضرته رهناً بذنبه، وأسيراً بجرمه!

وقال: إنّ أعظم الأُمور علينا، علمنا بسوء مصرعه، وقبح مُنقلبه، وقد قتل عترة الرسول، وأباح الحرمة وحرّق الكعبة )(٣) .

بعض بني العبّاس يُحمّله المسؤولية:

قيل: ( إنّه لما أُحضرت حرم مروان إلى صالح بن علي بن عبد الله ليُقْتلن، فقالت ابنة مروان الكبرى: يا عمّ أمير المؤمنين، حفظ الله لك من أمرك ما تُحبّ حفظه، نحن بناتك وبنات أخيك وابن عمّك! فليسعنا من عفوكم ما أوسعكم من جورنا!!

قال: والله، لا أستبقي منكم أحداً، ألم يقتل أبوك ابن أخي إبراهيم الإمام؟! ألم يقتل هشام بن عبد الملك زيد بن علي بن

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٤٨. وروى نحوه الخوارزمي.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٧٥. وروى الذهبي مضمون هذه الرسالة أيضاً (أنساب الأشراف ٥: ٣٢٢).

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٥٤.

٥٨

الحسين وصَلَبَه بالكوفة؟! ألم يقتل الوليد بن يزيد يحيى بن زيد وصَلَبَه بخراسان؟! ألم يقتل ابن زياد الدعيّ مسلم بن عقيل؟ّ ألم يقتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي وأهل بيته؟! ألم يخرج إليه بحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا فوقّفهنّ موقف السبي؟! )(١) .

رضاه بقتل الحسينعليه‌السلام بعد مقتله:

قال السعد التفتازاني: ( والحقّ أنّ رضى يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل بيت رسول الله ممّا تواتر معناه )(٢) .

قال الشبراوي: ( قال أبو الفضل: وبعد أن وصل الرأس الشريف إلى دمشق، وضِع في طست بين يدي يزيد، وصار يضرب ثناياه الشريفة بقضيب، ثمّ أمر بصلبه فصُلِب ثلاثة أيّام بدمشق، وشكر لابن زياد صنيعه، وبالغ في إكرامه ورِفْعَته، حتّى صار يدخل على نسائه )(٣) .

وقال سبط ابن الجوزي: والذي يدلّ على هذا، أنّه استدعى ابن زياد إليه وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة، وقرّب مجلسه، ورفع منزلته، وأدخله على نسائه، وجعله نديمه، وسكر ليلة وقال للمغنّي غنِّ، ثمّ قال يزيد بديهيّاً:

اسْقِنْي شربةً تروي فؤادي

ثمّ مِلْ فاسْقِ مثلها ابن زيادِ

صاحب السرّ والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتل الخارجي أعني حسيناً

ومُبيد الأعداء والحُسَّادِ(٤)

ونحسب من علائم رضى يزيد، أمره بنصب الرأس الشريف على باب داره(٥) .

____________________

(١) دائرة المعارف ٤/ ٤٢١.

(٢) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٢.

(٣) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٩.

(٤) تذكرة الخواص: ٢٩.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤.

٥٩

أقوال العلماء في المسألة:

البلاذري:

روي بأسانيد مُتعدّدة أشياء حول فسق ولهو يزيد، ثمّ قال: ( ثمّ جرى على يده قتل الحسين، وقتل أهل الحرّة ورمي البيت وإحراقه )(١) .

القاضي ابن نعمان:

علّق على كلام يزيد لأُسارى أهل البيت: ( صيّرتم أنفسكم عبيداً لأهل العراق، ما علمت بمخرج أبي عبد الله حتّى بلغني قتله )، بقوله (القاضي ابن نعمان): ( كَذَبَ عدوُّ الله، بل هو الذي جهّز إليه الجيوش )(٢) .

المسعودي:

قال: ( وليزيد وغيره أخبار عجيبة، ومثالب كثيرة من شرب الخمر وقتل ابن بنت رسول الله و... )(٣) .

ابن عقيل (٤٣١ - ٥١٢):

قال الباعوني: ( ولقد قرأ قارئٌ بين يدي الشيخ العالم أبي الوفاء ابن عقيل (رحمه الله)( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) ، فبكى وقال: سبحان الله! كان طمعه فيما قال:( ... فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ... ) (٥) ، جاوزوا - والله - الحدّ الذي طمع فيه!

ضحّوا بأشمط عنوان السجود به

يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا

إي والله، عمدوا إلى عليّ بن أبي طالب بين صفَّيه فقتلوه، ثمّ قتلوا ابنه الحسين بن فاطمة الزهراء وأهل بيته الطيّبين الطاهرين، بعد أن منعوهم الماء، هذا والعهد بنبيّهم قريب، وهم القرن الذي رأوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورأوه يُقبِّل فمه وترشُّفه

____________________

(١) أنساب الأشراف ٥/ ٢٩٩.

(٢) شرح الأخبار ٣/ ٢٦٨.

(٣) مروج الذهب ٣/ ٧٢.

(٤) سبأ: ٢٠.

(٥) النساء: ١١٩.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه ، وعلف الاُمّهات لا يسري إلى الأولاد.

ويبعد ما قيل في غنم مكّة ، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسِّمع المتولّد من الذئب والضبع(١) ، وكالبغال.

وقال الشافعي : لا تجب سواء كانت الاُمّهات من الظباء أو الغنم ، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

ولأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس ، والكلّ منفي هنا ، لاختصاص النصّ والإِجماع بالإِيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية وليست هذه داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها ولا معناها ، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ ، ولا يمكن القياس ، لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهما ، فإنه لا يجزئ في هدي ولا اُضحية ولا دية(٢) ، ولا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الاُمّهات أهليةً وجبت الزكاة وإلّا فلا ، لأنّ ولد البهيمة يتبع اُمّه في الاسم والملك فيتبعها في الزكاة ، كما لو كانت الفحول معلوفةً(٣) . ونمنع التبعيّة في الاسم.

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٣ : ١٢٣٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٠ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥.

٨١

الفصل الثالث

في زكاة الغنم‌

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإِسلام.

قالعليه‌السلام : ( كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلّما انقضى آخرها عاد أولها حتى يقضي الله بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )(١) .

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإِبل والبقر بالإِجماع ، نعم تختلف في مقادير النصب ، والضأن والمعز جنس واحد بإجماع العلماء ، والظباء مخالف للغنم إجماعاً.

مسألة ٥٢ : أول نصاب الغنم : أربعون ، فلا زكاة فيما دونها‌ ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون فلا شي‌ء في الزائد على الأربعين حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففيه شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، فلا زكاة في الزائد حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيه ثلاث شياه ، والكلّ بالإِجماع.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٢ / ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨١.

٨٢

وحكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة وإحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين واثنتين وأربعين ليكون مثلَي مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث شياه(١) .

والإِجماع على خلافه ، على أنّ الراوي لها الشعبي وهو لم يلق معاذاً(٢) .

الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيه روايتان : إحداهما : أنّه كالثالث ثلاث شياه ، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة ، وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٣) ، وهو قول أكثر الفقهاء ، والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه للسُّعاة : ( إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاةٌ إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت ففي كلّ مائةٍ شاة )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٢) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها ، مات بالشام سنة ١٨.

والشعبي هو : عامر بن شراحيل أبو عمرو ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين.

اُنظر : اُسد الغابة ٤ : ٣٧٨ ، الاستيعاب بهامش الإِصابة ٣ : ٣٥٥ - ٣٦٠ ، وتهذيب التهذيب ٥ : ٥٩ / ١١٠ و ١٠ : ١٧٠ / ٣٤٩.

(٣) المقنعة : ٣٩ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ١٢٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤١٧ - ٤١٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، اللباب ١ : ١٤٢ ، المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

٨٣

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة »(١) .

الثانية(٢) : أنّها إذا زادت على ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه ، ثم لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ خمسمائة ، وهو اختيار الشيخ -(٣) رحمه‌الله - وأحمد في الرواية الاُخرى ، وبه قال النخعي والحسن بن صالح بن حي(٤) .

لقول الباقرعليه‌السلام في الشاة : « في كلّ أربعين شاةً شاةٌ ، وليس فيما دون الأربعين شاةً شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زاد على عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة شاة »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له(٦) ؛

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٢) أي : الرواية الثانية.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢١ ، المسألة ١٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، وفيها عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

(٦) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٦.

٨٤

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه ، وفي خمسمائة خمس ، وهكذا بالغاً ما بلغت.

* * *

٨٥

الفصل الرابع

في الأشناق‌

الشّنق بفتح النون : ما بين الفرضين(١) ، والوقص قال الفقهاء : بسكون القاف(٢) .

وقال بعض أهل اللغة : بفتحه(٣) ، لأنّه يجمع على ( أوقاص ) و ( أفعال ) جمع ( فَعَلْ ) لا جمع ( فَعْلْ ) فإنّ ( فَعْلاً ) يجمع على ( أفْعُل ).

وقد جاء - كما قال الفقهاء - هول وأهوال ، وحوْل وأحوال ، وكبْر وأكبار ، وبالجملة فهو ما بين النصابين(٤) أيضاً.

قال الأصمعي : الشنق يختص بأوقاص الإِبل ، والوقص بالبقر والغنم(٥) .

وبعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضاً ، ويجعل ناقص الغنم والنقدين والغلّات عفواً ، وكلّ ذلك لفظي.

وقيل : الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر ،

____________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٣.

(٢) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

(٣ و ٤ ) الصحاح ٣ : ١٠٦١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

٨٦

والشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإِبل(١) .

مسألة ٥٣ : ما نقص عن النصاب الأول لا شي‌ء فيه‌ إجماعاً ، وكذا ما بين النصابين عند علمائنا ، وإنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - وبه قال الشافعي في كتبه القديمة والجديدة ، وأبو حنيفة ، والمزني(٢) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة ، فلا تتعلّق به كالأربع.

ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى يبلغ أربعين - إلى أن قالاعليهما‌السلام - وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء »(٣) .

وقال الشافعي في الإِملاء : تتعلّق الزكاة بالنصاب وبما زاد عليه من الوقص ، وبه قال محمد بن الحسن.

لقولهعليه‌السلام : ( فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض )(٤) .

ولأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به وبما زاد عليه إذا وجد معه ولم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(٥) .

والنصّ أقوى من المفهوم والقياس.

فعلى قولنا ، لو ملك خمسين من الغنم وتلفت العشرة الزائدة قبل‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩١ و ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧ - ٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٩ ، اللباب ١ : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ - ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٤ / ١٧٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩ و ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١١ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ و ٥٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨.

٨٧

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شي‌ء ، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به ، ولو تلف عشرون سقط ربع الشاة ، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب ، وإنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع :

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده وبعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض ، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن ، وإن تلف بعد الحول وقبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

وللشافعي قولان بناءً على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان ، فعلى الأول لا شي‌ء ، لنقصه قبل الوجوب(١) .

ب - لو كان معه تسع من الإِبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده وبعد الإِمكان وجبت الشاة(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن كان بعد الحول وقبل الإِمكان فكذلك عندنا.

وعند الشافعي كذلك على تقدير أن يكون الإِمكان شرطاً في الوجوب ، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له ، وعلى تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب والوقص ، وإن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(٤) .

وقال بعضهم - على هذا التقدير - : لا يسقط شي‌ء ، لأنّ الزيادة لمـّا لم تكن شرطاً في وجوب الشاة لم يسقط شي‌ء بتلفها وإن تعلّقت بها ، كما لو شهد ثمانية بالزنا ورجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شي‌ء ، ولو رجع خمسة وجب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) في نسخة « ط » : الزكاة.

(٣ و ٤ ) المجموع ٥ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

٨٨

عليهم الضمان ، لنقص ما بقي من العدد المشترط(١) .

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة ، وإن كان بعده وقبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة ، وبه قال الشافعي على تقدير أنّ الإِمكان من شرائط الضمان وتعلّق الزكاة بالنصاب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الضمان وتعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(٢) .

د - لو كان معه خمس وعشرون وأوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - وبه قال الشافعي على تقدير كونه شرطاً في الضمان(٣) ، وأبو يوسف ومحمد(٤) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض ، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض ، بل كان التالف منه ومن المساكين.

وقال أبو حنيفة : تجب أربع شياه(٥) . فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ : لو كان معه ستّ وعشرون فهلك خمس قبل الإِمكان فقد هلك خُمس المال إلّا خُمس الخُمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها ، وعلى المساكين خُمس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها(٦) .

ه- حكم غير الإِبل حكمها في جميع ذلك ، فلو تلف من نصاب الغنم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٩٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٢) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨ - ٣٩.

(٤ و ٥ ) حلية العلماء ٣ : ٣٩.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤‌

٨٩

شي‌ء سقط من الفريضة بنسبته.

وهل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة؟

احتمالان(١) ، فعلى الأول لو تلف شي‌ء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف ، وعلى الثاني يوزّع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة ٥٤ : لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة‌ سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف ، بل يزكّى كلٌّ منهما زكاة الانفراد ، فإن كان نصيب كلّ منهما نصاباً وجب عليه زكاة بانفراده.

وإن كان المال مشتركاً كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب على كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

ولو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شي‌ء فيها )(٣) .

وقال : ( ليس على المرء في ما دون خمس ذود من الإِبل صدقة )(٤) ولم يفصّل.

وقالعليه‌السلام : « في أربعين شاةً شاةٌ »(٥) .

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية : احتمال. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٤ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥ ، و ١٠٠ بتفاوت يسير.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٤ و ١٠٧ و ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

٩٠

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

ولأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة ، كما لو كان منفرداً.

وقال الشافعي : الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزاً عن الآخر ، وإنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعى والمسرح - على ما يأتي(١) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون ، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاةً لكلّ منهم شاة ، وبه قال عطاء والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٣) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة وإن تفرّقت أماكنه ، وقوله : ( ولا يفرّق بين مجتمع ) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق ، ونحن نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب على الواحد وإن تفرّقت أمواله.

وقال مالك : تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصاباً(٤) .

____________________

(١) يأتي في المسألة اللاحقة (٥٥).

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٩ - ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦٠ - ٦١ ، الاُم ٢ : ١٤ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

٩١

وحكى بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر : أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(١) .

مسألة ٥٥ : قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها‌ - خلافاً للشافعي ومن تقدّم(٢) - فلا شرط عندنا وعند أبي حنيفة ، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أموراً :

الأول : أن يكون مجموع المالين نصاباً.

الثاني : أن يكون الخليطان معاً من أهل فرض الزكاة ، فلو كان أحدهما ذمّيّاً أو مكاتباً لم تؤثّر الخلطة ، وزكّى المسلم والحرّ كما في حالة الانفراد ، وهذان شرطان عامّان ، وفي اشتراط دوام الخلطة السنة؟ ما يأتي.

وتختصّ خلطة الجوار باُمور :

الأول : اتّحاد المسرح ، والمراد به المرعى.

الثاني : اتّحاد المراح ، وهو مأواها ليلاً.

الثالث : اتّحاد المشرع وهو أن يرد غنمهما ماءً واحداً من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

وإنّما شرط(٣) اجتماع المالين في هذه الاُمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [ الواحد ](٤) وليس المقصود أن لا يكون لها إلّا مسرح أو مرعى أو مراح واحد بالذات ، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح ومراح ، وماشية الآخر بمسرح ومراح.

الرابع : اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - على أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، المجموع ٥ : ٤٣٣.

(٢) تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (٥٤).

(٣) في نسختي « ن وف » : شرطوا.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٩٢

الخامس : اشتراكهما في الفحل ، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة ، وماشية الآخر باُخرى فلا خلطة - على أظهر الوجهين - عنده.

السادس : اشتراكهما في موضع الحلب ، فلو حلب هذا ماشيته في أهله ، والآخر في أهله فلا خلطة(١) .

وهل يشترط الاشتراك في الحالب والمحلب؟ أظهر الوجهين عنده عدمه ، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ وآلات الجزّ(٢) .

وإن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن؟ وجهان ، أصحهما عنده : المنع ، لأدائه إلى الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(٣) .

وقيل : لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم وإن اختلف أكلهم(٤) .

وربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلى طعامه فكان إباحةً ، بخلافه هنا.

وهل يشترط نيّة الخلطة؟ وجهان عندهم : الاشتراط ، لأنّه معنى يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفاً كالشاة في الثمانين ، ولو لا الخلطة لوجب شاتان ، وتغليظاً كالشاة في الأربعين ، ولولاها لم يجب شي‌ء فافتقر إلى النيّة ، ولا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه ، ولا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

والمنع ، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المؤونة باتّحاد المرافق وذلك لا يختلف‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٢ - ٣٩٤ ، الاُم ٢ : ١٣ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٨ - ٥٣٠.

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٧ - ٣٩٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٨ - ٣٩٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩.

٩٣

بالقصد وعدمه(١) .

وهل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة واتّفاق أوائل الأحوال؟

قولان(٢) .

وفي تأثير الخلطة في الثمار والزرع ثلاثة أقوال له : القديم : عدم التأثير ، وبه قال مالك وأحمد في رواية.

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي )(٣) وإنّما تتحقّق في المواشي.

والجديد : عدمه(٤) ، وتأثير خلطة الشيوع دون الجوار(٥) ، فعلى الجديد تؤثّر ، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل والناطور(٦) والنهر الذي تسقى منه.

وقال بعض أصحاب مالك : لا يشترط من هذه الشروط شي‌ء سوى الخلطة في المرعى ، وأضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضاً(٧) ، والكلّ عندنا باطل.

فروع على القول بشركة الخلطاء :

أ - إذا اختلطا خلطة جوار ولم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكُلٍّ عشرون ، أخذ الساعي شاةً من أيّهما كان ، فإن لم يجد الواجب إلّا في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٦ وفيهما : ( الراعي ) بدل ( الرعي ).

(٤) أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧١ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٣ ، بلغة السالك ١ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٤.

(٦) الناطور : حافظ الزرع والثمر والكرم. لسان العرب ٥ : ٢١٥ « نطر ».

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٧ و ١٣٨ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢.

٩٤

مال أحدهما أخذ منه.

وإن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [ واحد ](١) منهما لو انفرد فوجهان : أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع ، وأن يأخذ من عرض المال ما يتّفق ، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد ، والمأخوذ زكاة جميع المال(٢) .

فعلى هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما ، فإذا أخذ من هذا شاةً ، ومن هذا اُخرى رجع كلٌّ منهما على صاحبه بنصف قيمة ما اُخذ منه.

ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما ، وثلاثون للآخر ، فالتبيع والمسنّة واجبان على الشيوع ، على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما ، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما وبالعكس.

ولو أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الآخر ، والآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة على الأول.

وإن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين والتبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة على الآخر ، والآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع ، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع على حسب ملكهما ، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإِبل فعليهما ستّ حقاق ولا تراجع.

ولو كان لأحدهما ثلاثمائة وللآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة ، وهذا‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الوجهان للشافعية ، راجع فتح العزيز ٥ : ٤٠٨.

٩٥

يأتي على مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعاً وأداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة ، وكذا لو ملك كلٌّ منهما دون النصاب ثم خلطا وبلغ النصاب(١) .

ولو انعقد الحول على مال كلّ منهما منفرداً ثم طرأت الخلطة ، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم وخلطا غرّة صفر ، ففي الجديد : لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاُولى - وبه قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد ، والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد على الانفراد ، وتجب على كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(٢) .

وفي القديم - وبه قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظراً إلى آخر الحول ، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ، فيجب على كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(٣) .

ولو اختلف الحولان ، فملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر وخلطا غرّة ربيع ، فعلى الجديد ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني شاة.

وعلى القديم ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول نصف شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين ، فعلى الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة ، وعلى الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك ، وبه قال مالك وأحمد(٤) .

وقال ابن سريج : إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال ، بل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٤٤١.

(٢ و ٣ ) المجموع ٥ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٣ - ٤٤٦ ، المغني ٢ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٤٧ - ٤٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٠ - ٤٤١.

٩٦

يزكّيان زكاة الانفراد أبداً(١) .

ولو انعقد الحول على الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر ، وكما ملك خلطا ، فإذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة في الجديد ، ونصف شاة في القديم(٢) .

وأمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - وفي الجديد ، وجهان : شاة ، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول ، وأظهرهما : نصف شاة ، لأنّه كان خليطاً في جميع الحول ، وفي سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين إلّا عند ابن سريج(٣) .

ولو طرأت خلطة الشيوع على الانفراد كما لو ملك أربعين شاة ، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعاً ، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع ، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك ، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلى البائع نصف شاة ولا شي‌ء على المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك ، لنقصان النصاب.

وإن أخرجها من غيره ، وقلنا : الزكاة في الذمة ، فعليه أيضاً نصف شاة عند تمام حوله ، وإن قلنا : تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان : أرجحهما : الانقطاع ، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(٤) .

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة ، واُخرى من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره وله أربعون ينفرد [ بها ](٥) ففيما يخرجان الزكاة؟ قولان مبنيّان على أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة في‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٨٣ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٩ - ٤٦٢.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٩٧

كلّ ما في ملكه ؛ لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد ، ومال الواحد يضمّ بعضه إلى بعض وإن تفرّقت أماكنه ، فعلى هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين ، فعليه ثلاثة أرباع شاة ، وعلى الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها على عين المخلوط ، لأنّ خفّة المؤونة إنّما تحصل في القدر المخلوط وهو السبب في تأثير الخلطة ، فعلى صاحب العشرين نصف شاة ، لأنّ جميع ماله خليط عشرين ، وفي أربعين شاة ، فحصّة العشرين نصفها(١) .

وفي صاحب الستّين وجوه : أصحّها عنده : أنه يلزمه شاة ، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فغلّب حكم الانفراد ، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين ، وفيها شاة.

والثاني : يلزمه ثلاثة أرباع شاة ، لأنّ جميع ماله ستّون ، وبعضه مختلط حقيقةً ، وملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي ، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين ، وواجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث : يلزمه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ وهو شاة حصّة الأربعين ثُلثا شاة ، وفي العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ وهي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون ، وواجبها شاة.

الرابع : أنّ عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة ، كما أنّه واجب خليطه في ماله ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة وذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس : أنّ عليه شاة في الأربعين ونصف شاة في العشرين ، كما لو‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

٩٨

كانا لمالكين(١) .

ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكلّ منهما أربعون منفردة ، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة ، لأنّ الكلّ مائة وعشرون

وإن قلنا بخلطة العين فوجوه : أصحها : أنّ على كلّ منهما شاة.

الثاني : ثلاثة أرباع ، لأنّ كلّاً منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ ، والكلّ ثمانون ، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث : على كلّ منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين الاعتبارين ، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين ، وفيها شاة ، فحصّة الأربعين منها ثُلثا شاة ، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين والمبلغ ثمانون ، وفيها شاة ، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

وقيل : على كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطاً وهو مائة وعشرون وواجبها شاة ، فحصة العشرين سدس شاة وفي الأربعين ثُلثا شاة(٢) .

الرابع : على كلّ منهما شاة وسدس شاة ، نصف شاة في العشرين المختلطة قصراً لِحكم الخلطة على الأربعين ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس : على كلّ واحد شاة ونصف شاة ، شاة للأربعين المنفردة ، ونصف للعشرين المختلطة(٣) .

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحداً وببعضه آخر ولم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، الوجيز ١ : ٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧١ - ٤٧٣.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٥.

٩٩

وعشرين بعشرين لآخر كذلك ، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة ، لأنّه خليطهما ومبلغ الأموال ثمانون ، وحصّة الأربعين منها النصف ، وكلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلى جميع مال صاحب الأربعين.

وهل يضمّه إلى مال الآخر؟ وجهان : الضمّ ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين ، فعلى كلّ واحد منهما ربع شاة.

والعدم ، لأنّ كلّاً منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلِّ واحد منهما ، فعلى كلّ واحد ثُلث شاة.

وإن قلنا بخلطة العين فعلى كلّ من الآخَرَين نصف شاة ، لأنّ مبلغ ماله وما خالط ماله أربعون(١) .

وفي صاحب الأربعين وجوه :

أحدها : تلزمه شاة تغليباً للانفراد وإن لم يكن منفرداً حقيقةً لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطى حكم الانفراد ، ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضاً ، وكذا بالإِضافة إلى الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحداً.

الثاني : يلزمه نصف شاة ، تغليباً للخلطة ، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقةً ، واتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلى الآخر ، فكلّ المال ثمانون ، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث : يلزمه ثُلثا شاة جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، بأن يقال : لو كان جميع ماله مع [ مال ](٢) زيد لكان المبلغ ستّين وواجبها شاة ، حصّة العشرين الثُلث ، وكذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثُلثان(٣) .

مسألة ٥٦ : قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة وإن تعدّدت‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٧ - ٤٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460