مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة8%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234302 / تحميل: 8790
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

المدينة ثلاثة أيّام، وأن يُبايعهم على أنّهم خَوَل وعبيد ليزيد، فإذا فرغ منها نهض إلى مكّة لحرب ابن الزبير، ففعل بها مسلم الأفاعيل القبيحة، وقتل بها خلقاً من الصحابة وأبنائهم وخيار التابعين، وأفحش القضية إلى الغاية... )(١) .

وقال ابن الجوزيّ: ( فأباحها مسلم بن عقبة ثلاثاً، يقتلون الرجال ويقعون على النساء! وحكّمتْ امرأةٌ مسلم بن عقبة في ولدها وكان قد أُسر فقال: عجّلوه لها. فضُرِبتْ عنقه، ثمّ دعا مسلم الناس إلى البيعة ليزيد وقال: بايعوا على أنّكم خَوَل له وأموالكم له!

فقال يزيد بن عبد الله بن زمعة: نُبايع على كتاب الله. فأمر به فضُرب عُنقه، وجيء بسعيد بن المسيّب إلى مسلم فقالوا: بايع.

فقال: أُبايع على سيرة أبي بكر وعمر!

فأمر بضرب عنقه، فشهد رجل أنه مجنون، فخلّى عنه.

وذكر محمّد بن سعد في الطبقات: أنّ مروان بن الحَكم يُحرّض مسلم بن عقبة على أهل المدينة ونهبها ثلاثاً، فلما قدم مروان على يزيد شكر له وأدناه... ).

ثمّ قال ابن الجوزي: ( مَن أراد أن ينظر إلى العجائب، فلينظر إلى ما جرى يوم الحرّة على أهل المدينة بإطلاق يزيد أصحابه في النّهب )(٢) .

وقال الشبراوي: ( إنّ يزيد بن معاوية قال لمسلم بن عقبة: إذا ظفرت بالمدينة، فخلّها للجيش ثلاثة أيّام، يسفكون الدماء، ويأخذون الأموال، ويفسقون بالنساء )(٣) .

وقال ابن قتيبة: ( فبلغ عدّة قتلى الحرّة يومئذٍ من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الناس ألفاً وسبع مئة، وسائرهم من الناس عشرة آلاف، سوى النساء والصبيان، ذكروا أنّه قُتل يوم الحرّة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمانون

____________________

(١) أُنظر تهذيب التهذيب ١١/ ٢١٤، رقم ٨١٠٠.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٤.

(٣) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٥.

٤١

رجلاً ولم يبقَ بدريّ بعد ذلك، ومن قريش والأنصار سبعمئة، ومن سائر الناس من الموالي والعرب والتابعين عشرة آلاف، وكانت الوقعة في ذي الحجّة لثلاث بقين منها ثلاث وستّين )(١) .

وفي البدء والتاريخ: (فجاء مسلم بن عقبة فأوقع بالمدينة، وقتل أربعة آلاف رجل من أفناء الناس، وسبعين رجلاً من الأنصار، وبَقَرَ عن بطون النساء، وأباح الحرم، وأنهب المدينة ثلاثة أيّام )(٢) .

هذا بالنسبة إلى المدينة، وأمّا مكّة، فقد قال المسعودي: ( ولما نزل بأهل المدينة ما وصفنا من القتل والنهب والرقّ والسبي، وغير ذلك ممّا عنه أعرضنا من مُسرِفٍ، خرج عنها يريد مكّة في جيوشه من أهل الشام؛ ليوقع بابن الزبير وأهل مكّة بأمر يزيد، وذلك في سنة أربع وستّين، فلما انتهى إلى الموضع المعروف بقديد مات مُسرِف لعنه الله، واستخلف على الجيش الحصين بن نمير، فسار الحصين حتّى مكّة وأحاط بها، وعاذ ابن الزبير بالبيت الحرام... ونصب الحصين فيمَن معه من أهل الشام المجانيق والعرادات على مكّة والمسجد من الجبال والفجاج، وابن الزبير في المسجد. فتواردت أحجار المجانيق والعرادات على البيت، ورُمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتّان وغير ذلك من المحروقات، وانهدمت الكعبة واحترقت البَنيَّة... )(٣) .

وقال ابن قتيبة الدينوريّ: ( وحاصروا عبد الله بن الزبير، وأُحرقت الكعبة حتّى انهدم جدارها وسقط سقفها... )(٤) .

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١/ ٢١٥.

(٢) البدء والتاريخ ٦/ ١٤.

(٣) مروج الذهب ٣/ ٧١.

(٤) المعارف: ١٩٨.

٤٢

لعنه:

اللعن: الطّرد من الرحمة، قال تعالى:( ... لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ... ) (١) ، أي أبعدهم وطردهم من الرحمة(٢) ، وأصل اللعن الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق السبّ والدّعاء(٣) .

يمكن الاستدلال على جواز لعن يزيد بعدّة أُمور:

١. التمسّك بعموم وإطلاق بعض الآيات القرآنية:

منها: قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ) (٤) . ولا شكّ أنّ إيذاء الحسين إيذاء للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف بقتله؟!(٥) .

ومنها: قوله تعالى: ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) (٦) .

إذا كانت لعنة الله وعذابه العظيم تشمل مَن يقتل مؤمناً مُتعمّداً، فكيف بمَن

____________________

(١) البقرة: ٨٨.

(٢) مجمع البحرين ٤/ ١٢٤، مادّة لعن.

(٣) النهاية في غريب الحديث والأثر ٤/ ٢٥٥ - عنه سفينة البحار ٢/ ٥١٢.

(٤) الأحزاب: ٥٧.

(٥) قال الزرندي المتوفّى سنة ٧٥٠ في نظم درر السمطين ٢٣٢: وروى علي عن درّة بنت أبي لهب، وفي رواية أبي هريرة: أنّ صبية بنت أبي لهب جاءت إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت: يا رسول الله، إنّ الناس يصيحون بي ويقولون أنت بنت حطب الله، قالت: خرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مُغضباً حتّى استوى على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:( ما بال رجال يؤذوني في أهل بيتي، والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتّى يُحبّني، ولا يُحبّني حتّى يُحبّ فيَّ ذرّيّتي، فما لي أُوذى؟! ) .

قالوا: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، وفي رواية:( ما بال أقوام يؤذوني في قرابتي؟! ألا مَن آذاني في قرابتي فقد آذاني، ومَن آذاني فقد آذى الله ) انتهى.

أقول: إذا كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يغضب لما حصل في إيذاء بنت أبي لهب لساناً، فكيف لا يحصل ذلك بالنسبة إلى ما جرى في حقّ ابن بنته وأهل بيته لساناً وسناناً؟!

(٦) النساء: ٩٣.

٤٣

يقوم بقتل الحسينعليه‌السلام وهو سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وثمرة البتولعليها‌السلام ، الذي قال جدّه في حقّه:( حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً ) (١) ؟ !

وقوله تعالى:( وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً ) (٢) .

ويزيد هو من الشجرة الملعونة في القرآن؛ قال السيوطي في الدرّ المنثور: ( أخرج ابن أبي حاتم، عن يعلى بن مرّة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أُريت بني أُميّة على منابر الأرض وسيتملّكونكم فتجدونهم أرباب سوء ). واهتمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك فأنزل الله:( ... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ... ) (٣) .

وعن كتاب المعتضد: لا خلاف بين أحد أنّه تبارك وتعالى أراد بها بني أميّة(٤) .

ومنها: قوله تعالى:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) (٥) .

ولا ريب أنّ يزيد هو من أكابر المفسدين في الأرض، بعد قتل الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه بكربلاء، وأمره ورضاه بذلك ووقعة الحرّة وهدم الكعبة، فإذا لم يكن هذا إفساداً في الأرض فلا يبقى للفساد أيّ معنى! فيشمله لعن الله طبقاً لهذه الآية الشريفة.

وعدّه أحمد بن حنبل من مصاديق المفسدين في الأرض، بتمسّكه بهذه الآية المباركة(٦) .

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ١/ ٢١٣ ط دار أنوار الهدى و...

(٢) الإسراء: ٦٠.

(٣) الدرّ المنثور ٤/ ١٩١.

(٤) سفينة البحار ٢/ ٥١٤ (مادّة لعن).

(٥) محمّد: ٢٢ - ٢٣.

(٦) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٦.

٤٤

٢. التمسّك بعموم بعض الأحاديث:

منها: ما روي عن عليّعليه‌السلام قال: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :( سبعة لعنهم الله وكلّ نبيّ مُجاب: المغيّر لكتاب الله، والمكذّب بقدر الله، والمبدّل سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله عزّ وجلّ، والمتسلّط في سلطنة ليُعزّ مَن أذلّ الله ويُذلّ مَن أعزّ الله، والمستحلّ لحرم الله، والمتكبّر على عبادة الله عزّ وجلّ ) (١) .

ولا ريب أنّ موارد ممّا ذكر آنفاً مُطبّقة على يزيد، مثل ما روى ابن حجر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال:( أوّل مَن يُبدّل سنّتي رجل من بني أُميّة، يُقال له: يزيد ) (٢) .

ومنها: ما روى البخاريّ، بإسناده عن أنس، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( المدينة حرم من كذا إلى كذا، لا يُقطع شجرها ولا يُحدَث فيها حدث، مَن أحدث حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) (٣) .

ومنها: ما رواه أحمد، بإسناده عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: خطبَنا عليّ فقال:(... قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المدينة حرم ما بين عِيْر إلى ثور، فمَن أحدث فيها حدثاً أو آوى مُحدِثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً... ) (٤) .

ومنها: ما روي مسنداً عن السائب بن خلاّد، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( مَن أخاف أهل المدينة أخافه الله عزّ وجلّ، وعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً ) (٥) .

____________________

(١) سفينة البحار ٢/ ٥١٢. وقريب منه: المعجم الطبراني ٣/ ح١١٦.

(٢) الصواعق المحرقة: ٢٣١.

(٣) صحيح البخاري ٣/ ٢٥ (آخر كتاب الحجّ، باب حرم المدينة).

(٤) مسند الإمام أحمد بن حنبل ١/ ٨١.

(٥) مسند الإمام أحمد بن حنبل ٤/ ٥٥ - ٥٦.

٤٥

ومنها: ما رواه في كفاية الطالب، بإسناده عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( لما عُرِج بي إلى السماء، رأيت على باب الجنّة مكتوباً: ( لا إله إلاّ إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ حبّ الله، الحسن والحسين صفوة الله، فاطمة أمَة الله، على باغضهم لعنة الله، مهما ذكر الله ).

ثمّ قال: تفرّد به عليّ بن حمّاد وهو ثقة، وأخرجه محدّث الشام عن محدّث العراق وإمام أهل الحديث(١) .

قال ابن الجوزي: جاء في الحديث لعن مَن فعل ما لا يُقارب معشار عُشر فعل يزيد(٢) .

٣. أقوال العلماء في لعن يزيد:

أحمد بن حنبل:

قال الآلوسي: ( نقل البرزنجي في الإشاعة، والهيثميّ في الصواعق المحرقة، أنّ الإمام أحمد لما سأله ولده عبد الله عن لعن يزيد قال: كيف لا يُلعن مَن لعنه الله في كتابه؟!

فقال عبد الله: قد قرأت كتاب الله عزّ وجلّ فلم أجد فيه لعن يزيد!

فقال الإمام: إنّ الله تعالى يقول:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ... ) الآية(٣) ، وأيّ فساد وقطيعة أشدّ ممّا فعله يزيد؟! )(٤) .

ابن الفرّاء (٥) :

قال ابن الجوزيّ: ( وصنّف القاضي أبو الحسين محمّد بن القاضي أبي يعلى بن الفرّاء كتاباً فيه بيان مَن يستحقّ اللعن، وذكر فيهم يزيد وقال: الممتنع من ذلك، إمّا أن يكون غير عالم بجواز ذلك أو مُنافقاً يريد أن يوهم بذلك

____________________

(١) كفاية الطالب: ٤٢٣.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٩.

(٣) محمّد: ٢٢ - ٢٣.

(٤) روح المعاني ٢٦/ ٧٢.

(٥) المولود في شعبان ٤٥١ والمتوفّى في عاشر محرّم سنة ٥٧٦ قتلاً، هو كما عن المنتظم ١٠/ ٢٩ تفقّه وناظَرَ، وكان مُتشدّداً في السنّة، وكذا في هامش الردّ على المتعصّب: ١٨.

٤٦

وربّما استفزّ الجهّال بقوله: المؤمن لا يكون لعّاناً

قال (القاضي): وهذا محمول على مَن لا يستحقّ اللعن، نقلت هذا من خطّ أبي الحسين وتصنيفه )(١) .

ابن الجوزيّ:

قال ابن الجوزيّ: ( سألني سائل في بعض مجالس الوعظ - عن يزيد بن معاوية، وما فعل في حقّ الحسين صلوات الله عليه، وما أمر به من نهب المدينة - فقال لي: أيجوز أن يُلعن؟

فقلت: يكفيه ما فيه، والسكوت أصلح!

فقال: قد علمت أنّ السكوت أصلح، ولكن هل تُجوِّز لعنه؟

فقلت: قد أجازها العلماء الورعون منهم الإمام أحمد بن حنبل(٢) ، فإنّه ذكر في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة )(٣) .

ورغم عبارة (السكوت أصلح )، لكنّا نرى أنّ ابن الجوزيّ لم يلتزم بذلك فعلاً ولا قولاً، ولعلّه قاله خوفاً على نفسه في تلك الجلسة؛ والدليل عليه ما قاله سبطه في التذكرة: ( قلت: ولما لعنه جدّي أبو الفرج على المنبر ببغداد، بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء قام جماعة من الجفاة من مجلسه فذهبوا، فقال جدّي:( ... أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ) (٤) .

وقال: ( وحكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم، أنّ جماعة سألوا جدّي عن يزيد، فقال: ما تقولون في رجل وليَ ثلاث سنين، في السنة الأُولى قتل الحسين، وفي الثانية أخاف المدينة وأباحها، وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها؟! فقالوا: نلعن. فقال: فالعنوه )(٥) .

الأسفراينيّ:

قال: المختار ما ذهب إليه ابن الجوزي، وأبو الحسين القاضي

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٨؛ تذكرة الخواص: ٢٨٧.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٩.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٨٧؛ الإتحاف: ٦٣.

(٤ و٥) تذكرة الخواص: ٢٩١.

٤٧

ومَن وافقهما )(١) .

المقدسيّ:

ومن الذين لعنوا يزيد هو مُطهّر بن طاهر المقدسيّ المتوفّى سنة ٥٠٧ ببغداد، فقد صرّح بلعنه في كتابه البدء والتاريخ(٢) .

السيوطيّ:

قال جلال الدين السيوطي: لعن الله قاتله (أي قاتل الحسين) وابن زياد معه، ويزيد أيضاً، وكان قتله بكربلاء، وفي قتله قصّة فيها طول لا يحتمل القلب ذكرها، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون(٣) .

عبد الكريم بن الشيخ وليّ الدِّين:

قال العلاّمة المحمودي: ومنهم (العلماء المجوّزين للعن يزيد) الشيخ عبد الكريم بن الشيخ ولي الدِّين، مؤلّف كتاب (مجمع الفوائد ومعدن الفرائد)، في ذكر الأحاديث الواردة في الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: ( فمعلوم أنّ يزيد اللعين وأتباعه كانوا من الذين أهانوا أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكانوا مُستحقّين للغضب والخذلان واللعنة من الملك الجبّار المنتقم يوم القيامة، فعليه وعلى مَن اتّبعه وأحبّه وأعانه ورضّاه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ثمّ قال: ومَن أراد التفصيل في اللعنة على يزيد، فليُطالع إلى تبيين الكلام، وأمّا منع بعضهم فليس من عدم جوازه، لأنّه جايز بالاتّفاق، بل من خوف السراية إلى أبيه معاوية، كما في شرح المقاصد! )(٤) .

العلاّمة الأجهوري عن شيخ مشايخه:

قال الشبراوي: ( وقال شيخ مشايخنا في حاشية الجامع الصغير، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أوّل جيش من أُمّتي يركبون البحر

____________________

(١) روح المعاني ٢٦/ ٧٣.

(٢) البدء والتاريخ ٦/ ٦ و٨ و..

(٣) تاريخ الخلفاء: ١٦٥.

(٤) هامش كتاب الردّ على المتعصّب العنيد: ٦ عن كتاب مجمع الفوائد ومعدن الفرائد حوالي ص٢٠.

٤٨

قد أوجبوا، وأوّل جيش من أُمّتي يغزون مدينة قيصر مغفورٌ لهم ) : هذا يقتضي أنّ يزيد بن معاوية من جملة المغفور لهم!

وأُجيب: بأنّ دخوله فيهم لا يمنع خروجه منهم بدليل خاص، أو أنّ قوله:( مغفور لهم ) مشروط بكونه من أهل المغفرة ويزيد ليس كذلك، حتّى أطلق بعضهم جواز لعنه بعينه؛ لأنّه أمر بقتل الحسين... )(١) .

وفي الحديث المذكور وجوه للنظر، من حيث الصغرى والكبرى وغيرها، لا مجال لذكرها.

الكيا الهراسي:

قال الباعونيّ: ( وسئِل الكيا الهراسي - وهو من كبار الأئمّة - عن لعنه (يزيد بن معاوية)، فقال: لم يكن [يزيد من] الصحابة، ولِد في زمان عمر بن الخطّاب، وركب العظائم المشهورة.

قال: وأمّا قول السلف، ففيه لأحمد قولان تلويح وتصريح، ولمالك أيضاً قولان تصريح وتلويح، ولنا قول واحد وهو التصريح دون التلويح.

قال: وكيف لا، وهو اللاعب بالنرد، المتصيّد بالفهد، والتارك للصلوات، والمدمن للخمر والقاتل لأهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمصرّح في شعره بالكفر الصريح؟! )(٢) .

التفتازانيّ في شرح العقائد النسفيّة:

( اتّفقوا على جواز اللعن على مَن قتلَ الحسين، أو أمر به، أو أجازه، أو رضي به، قال: والحقّ أنّ رضى يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا تواتر معناه، وإن كان تفصيله آحاداً، قال: فنحن لا نتوقّف في شأنه، بل في كفره وإيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه )(٣) .

____________________

(١) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٢.

(٢) جواهر المطالب ٢/ ٣٠١.

(٣) شذرات الذهب ١/ ٦٨؛ نُزل الأبرار: ١٦٢.

٤٩

السمهوديّ:

قال الشبراوي: ( وقال السيّد السمهوديّ في جواهر العقدين: اتّفق العلماء على جواز لعن مَن قتل الحسين(رضي الله عنه)، أو أمر بقتله، أو أجازه، أو رضي به من غير تعيين... )(١) .

البدخشاني:

قال في نُزل الأبرار: (... ويتحقّق أنّه - يزيد - لم يندم على ما صدر منه، بل كان مُصرّاً على ذنبه، مُستمرّاً في طغيانه، إلى أن أقاد منه المنتقم الجبّار، وأوصله إلى دركات النار، والعجب من جماعة يتوقّفون في أمره، ويتنزّهون عن لعنه، وقد أجازه كثير من الأئمّة منهم ابن الجوزيّ، وناهيك به علماً وجلالة... )(٢) .

عبد الباقي أفندي:

قال الآلوسي: ويُعجبني قول شاعر العصر، ذو الفضل الجليّ عبد الباقي أفندي العمريّ الموصليّ، وقد سُئل عن لعن يزيد اللعين:

يزيد على لعني عريضٌ جنابه

فأغدو به طول المدى ألعن اللعنا(٣)

الآلوسيّ:

( الذي يغلب على ظنّي، أنّ الخبيث لم يكن مُصدّقاً برسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ مجموع ما فعل مع أهل حرم الله تعالى وأهل حرم نبيّه عليه الصلاة والسلام وعترته الطيّبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات، وما صدر منه من المخازي، ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر، ولا أظنّ أنّ أمره كان خافياً على أجلّة المسلمين إذ ذاك، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين، لم يسعهم إلاّ الصبر، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، ولو سُلِّم أنّ الخبيث كان مسلماً، فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يُحيط به نطاق البيان، وأنا

____________________

(١) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٣.

(٢) نُزل الأبرار: ١٦٠.

(٣) روح المعاني ٢٦/ ٧٣.

٥٠

أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين، ولو لم يتصوّر أن يكون له مِثْل من الفاسقين، والظاهر أنّه لم يتُبْ، واحتمال توبته أضعف من إيمانه، ويُلحق به ابن زياد وابن سعد وجماعة، فلعنة الله عزّ وجلّ عليهم أجمعين، وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم، ومَن مال إليهم إلى يوم الدِّين، ما دمعت عين على أبي عبد الله... ومَن كان يخشى القال والقيل من التصريح بلعن ذلك الضلّيل فليقل: لعن الله عزّ وجلّ مَن رضي بقتل الحسين ومَن آذى عترة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير حقّ ومَن غصبهم حقّهم. فإنّه يكون لاعناً له؛ لدخوله تحت العموم دخولاً أوّلياً في نفس الأمر، ولا يُخالف أحد في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها سوى ابن العربي المارّ ذكره وموافقيه، فإنّهم - على ظاهر ما نُقِل عنهم - لا يُجوّزون لعن مَن رضي بقتل الحسين (رضي الله تعالى عنه)، وذلك - لعَمْرِي - هو الضلال البعيد، الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد )(١) .

قتله الإمام الحسينعليه‌السلام :

إنّ قتل الحسينعليه‌السلام مصيبة لا مصيبة أعظم منها، كيف لا، وهو من الخمسة الذين قال لهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :( أنا سلمٌ لمن سالمتم وحربٌ لمن حاربتم ) (٢) .

جزاء قاتل الحسينعليه‌السلام وأوصافه في الروايات:

لقد جاءت في شأن قاتل الحسينعليه‌السلام وأوصافه وعذابه روايات دالّة على عمق المأساة، نذكر بعضها:

روى ابن المغازلي، بإسناده عن أبي أحمد بن عامر، عن عليّ بن موسى الرضا،

____________________

(١) روح المعاني ٢٦/ ٧٢ - ٧٤.

(٢) فرائد السمطين ٢/ ٣٨ ح٣٧٣، وفي الصواعق المحرقة ٢٨٤ ح١٦: أخرج الترمذي وابن ماجه وابن حبّان والحاكم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( أنا حرب لمن حاربهم وسلمٌ لمن سالمهم ) .

٥١

عن آبائه عن عليّعليهم‌السلام قال:( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ قاتل الحسين في تابوتٍ من نار مُنكّس في النار، حتّى يقع في قعر جهنّم، وله ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربّهم عزّ وجلّ من شدّة ريح نتنه، وفيها خالد ذائق العذاب الأليم، لا يُفتَّر عنه ساعة ويُسقى من حميم، الويل له من عذاب الله عزّ وجلّ ) (١) .

وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال:( إنّ موسى بن عمران سأل ربّه فقال: يا ربّ، إنّ أخي هارون مات فاغفر له، فأوحى الله إليه: يا موسى، لو سألتني في الأوّلين والآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإنّي أنتقم له من قاتله ) (٢) .

روى الخوارزمي اعتراض حبر من الأحبار في مجلس يزيد، اعترض على يزيد في قتله الحسينعليه‌السلام ، فأمر يزيد به فوجئ في حلقه ثلاثاً، فقام الحبر وهو يقول: إن شئتم فاقتلوني وإن شئتم فذروني، إنّي أجد في التوراة: مَن قتل ذريّة نبيّ فلا يزال ملعوناً أبداً ما بقي، فإذا مات أصلاه الله نار جهنّم(٣) .

روي عن القندوزي قال: عليعليه‌السلام رفعه:( يقتلُ الحسينَ شرُّ هذه الأُمّة ) (٤) .

وعن مودّة القُربى، عن عليّعليه‌السلام قال:( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقتل الحسين شرُّ هذه الأُمّة، ويتبرّأ الله منهم ومَن والاهم وممّن يكفر بي ) (٥) .

____________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب ٦٦، ح٩٥. وروح نحوه الخوارزمي في مقتله ٢/ ٨٢، وبعضه الشبراوي في الإتحاف: ٧٤ وغيرهم.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢/ ٤٧ ح١٧٩، ذيل اللئالي: ٧٦، على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٢٤؛ فرائد السمطين ٢/ ٢٦٣ ح٥٣١؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٥؛ انظر: مفتاح النجا (للبدخشي) ١٣٦.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧١.

(٤) ينابيع المودّة: ٢٦٢ ط اسلامبول على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٧١.

(٥) مودّة القربى: ١١١ ط لاهور، على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٧١.

٥٢

وعن المتّقي الهندي: روى ابن عساكر، عن أُمّ سلمة: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( إنّ جبرئيل أخبرني أنّ ابني هذا يُقتل، وأنّه اشتدّ غضب الله على مَن يقتله ) (١) .

وعن ابن سعد، عن عائشة: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( إنّ جبرئيل أراني التربة التي يُقتل عليها الحسين، فاشتدّ غضب الله على مَن يسفك دمه، فيا عائشة، والذي نفسي بيده، إنّه ليحزنني. فمَن هذا مِن أُمّتي يقتل حسيناً بعدي؟! ) (٢) .

روى الخطيب في تاريخه، بإسناده عن جابر بن عبد الله، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال للحسينعليه‌السلام :( لعن الله قاتلك ) .

قال جابر: فقلت يا رسول الله، ومَن قاتله؟

قال:( رجل من أُمّتي يُبغض عترتي لا يناله شفاعتي، كأنّي بنفسه بين أطباق النيران يرسب تارةً ويطفو أُخرى، وأنّ جوفه ليقول: عِقْ عِقْ ) (٣) .

وروى الخوارزمي، عن أبي برزة الأسلمي أو غيره من الصحابة أنّه قال ليزيد:

أشهد لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول:( إنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة، قتل الله قاتلهما ولعنه، وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً ) (٤) .

وقال: قال ابن عبّاس: خرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل موته بأيّام إلى سفر له، ثمّ رجع وهو مُتغيّر اللون مُحمرّ الوجه، فخطب خُطبة بليغة موجزة، وعيناه تهملان دموعاً، قال فيهما:( أيّها الناس، إنّي خلّفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي... ) ، فساق الخُطبة إلى أن قال:( ألا وإنّ جبرئيل قد أخبرني بأنّ أُمّتي تقتل ولدي الحسين بأرض كربٍ وبلاء، ألا فلعنة الله على قاتله وخاذله آخر الدهر ) (٥) .

____________________

(١ و٢) إحقاق الحقّ ١١/ ٣٦١ عن كنز العمّال ١٣/ ١١٢ط حيدر آباد دكن.

(٣) تاريخ بغداد ٣/ ٢٩٠؛ لسان الميزان ٥/ ٣٧٧؛ إحقاق الحقّ ١١/ ٣٢٣.

(٤) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٧.

(٥) مقتل الخوارزمي ١/ ١٦٤، عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٣٦٤.

٥٣

ومنها: ما ذكر من حديث أُمّ الفضل بنت الحارث، حين أدخلت حسيناً على رسول الله، فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وبكى، وأخبرها بقتله، إلى أن قال: ثمّ هبط جبرئيل معه قبضة من تربة الحسين تفوح مسكاً أذفر، فدفعها إلى النبيّ وقال:( يا حبيب الله، هذه تربة ولَدك الحسين بن فاطمة، وسيقتله اللعناء بأرض كربلاء ) .

فقال النبيّ:( حبيبي جبرئيل، وهل تُفلح أُمّة تقتل فرخي وفرخ ابنتي؟! ) .

فقال جبرئيل:( لا، بل يضربهم الله بالاختلاف، فتختلف قلوبهم وألسنتهم آخر الدهر ) ... إلى أن قال: ثمّ أخذ النبيّ تلك القبضة التي أتاه بها الملك، فجعل يشمّها ويبكي ويقول في بكائه:( اللّهم، لا تُبارك في قاتل ولدي، وأصله نار جهنّم ) (١) .

يزيد هو القاتل:

لا شكّ أنّ الفعل كما ينسب إلى المباشر، ينسب إلى المسبّب، يقال: فتح الأمير البلد. وإن لم يحضر المعركة، بل حصل الفتح على يد جنده، ولكن يُنسب إلى أميرهم لكونه الآمر.

وفي مأساة كربلاء، نجد أدلّة قويّة على أنّ يزيد هو القاتل؛ باعتبار أنّه هو الذي أمر بقتل الحسينعليه‌السلام والقتال معه.

فتحصّل؛ أنّ جميع ما روي حول قاتل الحسين، وخذلانه في الدّنيا، وعقابه في العقبى يشمل يزيد؛ لكونه الآمر الأعلى، وبصفته أمير قَتَلَة الحسينعليه‌السلام ، فما شأن عبيد الله بن زياد إلى يزيد إلاّ كنسبة شمر وعمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد، فيشمله العنوان.

هذا، وثَمَّ شواهد تاريخية مُهمّة تُثبت الموضوع.

الشواهد التاريخية:

عندما يتفحّص المتتبّع صفحات التاريخ، يجد هناك أدلّة كافية لإثبات الموضوع، نُشير إلى بعضها:

____________________

(١) المصدر ١/ ١٦٢.

٥٤

أمْرُه الوليد بن عتبة بقتل الحسينعليه‌السلام :

إنّ يزيد أمر الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، عامله على المدينة بقتل الحسينعليه‌السلام ، وإرسال رأسه الشريف إليه إن لم يُبايع، ولعلّ هذا أوّل مُبادرة لقتل الإمامعليه‌السلام .

قال اليعقوبي: ( كتب (يزيد) إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وهو عامله على المدينة: إذا أتاك كتابي هذا فأحضِر الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، فخذهما بالبيعة لي، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما، وابعث لي برؤوسهما، وخُذْ الناس بالبيعة، فمَن امتنع فأنفذ فيه الحُكم وفي الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، والسلام )(١) .

مسألة اغتيال الإمام الحسينعليه‌السلام في موسم الحجّ:

إنّ يزيد أمر باغتيال الإمامعليه‌السلام في موسم حجّ عام ٦٠ من الهجرة، قال العلاّمة المجلسي: ( ولقد رأيت في بعض الكُتب المعتبرة، أنّ يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم، وولاّه أمر الموسم، وأمّره على الحاجّ كلّهم، وكان قد أوصاه بقبض الحسينعليه‌السلام سرّاً، وإن لم يتمكّن منه يقتله غيلة، ثمّ إنّه دسّ مع الحاجّ في تلك السنة ثلاثين رجلاً من شياطين بني أُميّة، وأمرهم بقتل الحسينعليه‌السلام على أيّ حال اتّفق )(٢) .

وكتب الدكتور حسن إبراهيم حسن: ( وقد قيل: إنّ الحسين كان يعرف ما يُحدق به من خطر إذا بقى في مكّة؛ لأنّ بني أُميّة سوف يتعقّبونه حتّى يقتلوه في الحجاز؛ لذلك آثر أن يكون قتله بعيداً عن البيت الحرام )(٣) .

* رسائل يزيد حول قتل الحسينعليه‌السلام :

إنّه كتب إلى عبيد الله بن زياد بقتال الحسينعليه‌السلام ، وهناك عدّة شواهد:

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٤١.

(٢) بحار الأنوار ٤٥/ ٩٩.

(٣) تاريخ الإسلام ١/ ٣٩٩.

٥٥

منها: ما روى ابن عبد ربّه، عن علي بن عبد العزيز، عن محمّد بن الضحّاك بن عثمان الخزاعي، عن أبيه قال: ( كتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد وهو واليه بالعراق: أنّه بلغني أنّ حسيناً سار إلى الكوفة وقد ابتُلي به زمانك بين الأزمان وبلدك بين البلدان، وابتُليتَ به من بين العمّال، وعنده تُعتق أو تعود عبداً... )(١) .

وقال السيوطي: ( وبعث أهل العراق إلى الحسين الرُّسل والكُتب يدعونه إليهم، فخرج من مكّة إلى العراق في عشر ذي الحجّة، ومعه طائفة من آل بيته، رجالاً ونساءً وصبياناً، فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله، فوجّه إليه جيشاً أربعة آلاف، عليهم عمر بن سعد بن أبي وقّاص... )(٢) .

وفي نور الأبصار: ( كتب عبيد الله بن زياد إلى الحسين كتاباً يقول فيه: أمّا بعد، فإنّ يزيد بن معاوية كتب إليّ أن لا تفحض [تغمض] جفنك من المنام، ولا تشبع بطنك من الطعام، إمّا أن يرجع الحسين إلى حكمي أو تقتله، والسلام )(٣) .

اعتراف ابن زياد بذلك:

قال مسكويه الرازي: ( إنّه كتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد أن اغْزُ ابن الزبير.

فقال: والله، لا أجمعهما للفاسق أبداً، أقتل ابن رسول الله وأغزو البيت؟! )(٤) .

زينب الكبرى تجعل مسؤولية قتل الحسين على عاتق يزيد:

قالتعليها‌السلام في مجلس يزيد: ( أتقول: ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا. غير مُتأثِّم ولا مُستعظم، وأنت

____________________

(١) العقد الفريد ٥/ ١٣٠؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٥؛ انظر أنساب الأشراف ٣/ ١٦٠؛ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين: ٢٠٨؛ بغية الطالب (لابن العديم) ٦/ ٢٦١٤؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٣؛ مُعجم الطبراني ٣/ ١١٥ ح٢٨٤٦ (على ما في هامش عبرات المصطفين ٣/ ٢٨٢)؛ كفاية الطالب: ٤٣٢.

(٢) تاريخ الخلفاء: ١٦٥؛ دائرة المعارف ٧/ ٤٨.

(٣) نور الأبصار: ١٢٩.

(٤) تجارب الأُمم ٢/ ٧٧.

٥٦

تنكت ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك؟! ولم لا تكون كذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة بإهراقك دماء ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب؟! ولتردنّ على الله وشيكاً موردهم، ولتودَّنّ أنّك عميت وبُكمت وأنّك لم تقل: فاستهلّوا وأهلّوا فرحاً.. فلئن اتّخذتنا مغنماً لتتّخذنّ مغرماً، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك، تستصرخ بابن مرجانة، ويستصرخ بك، وتتعاوى وأتباعك عند الميزان، وقد وجدت أفضل زاد زوّدك معاوية قتلك ذرّية محمّد صلّى الله عليه )(١) .

وقالت - في ضمن خطبتها مُخاطبةً له -: ( وفعلتك التي فعلت، وما فريت إلاّ جلدك، وما جززت إلاّ لحمك، وسترد على رسول الله بما تحمّلت من ذُرّيّته، وانتهكت من حُرمته وسفكت من دماء عترته ولحُمته، حيث يجمع به شملهم، ويلم به شعثهم، وينتقم من ظالمهم، ويأخذ لهم بحقّهم من أعدائهم، ولا يستفزّنّك الفرح بقتلهم... فالعجب كلّ العجب لقتل الأتقياء وأسباط الأنبياء وسليل الأوصياء بأيدي الطلقاء الخبيثة، ونسل العهرة الفجرة تنطف أكفّهم من دمائنا!!... )(٢) .

ابن عبّاس يُحمّل يزيد مسؤولية قتل الإمام الحسينعليه‌السلام :

قال اليعقوبي: ( إنّه كتب في ضمن كتابه إلى يزيد:... وأنت قتلت الحسين بن علي بفيك الكُثْكُث، ولك الأثلب، إنّك - إن تُمنِّك نفسك ذلك - لعازب الرأي، وإنّك لأنت المفنّد المهوّر، لا تحسبني - لا أبا لك - نسيتُ قتلك حسيناً وفتيان بني عبد المطّلب، مصابيح الدُّجى ونجوم الأعلام، غادرهم جنودك مُصرّعين في صعيد، مُرمّلين بالتراب، مسلوبين بالعراء، لا مُكفّنين تسفي عليهم الرياح، وتعاورهم الذئاب، وتنشي بهم عرج الضباع، حتى أتاح الله لهم أقواماً لهم يشتركوا في دمائهم، فأجنّوهم في أكفانهم وبي -

____________________

(١) بلاغات النساء: ٢١.

(٢) الاحتجاج ٢/ ١٢٧ - ١٢٩ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٩.

٥٧

والله - وبهم عززت وجلست مجلسك الذي جلست - يا يزيد -...

فلا شيء عندي أعجب من طلبك ودّي ونصري! وقد قتلت بني أبي وسيفك يقطر من دمي.. إنّي لأرجو أن يعظم جراحك بلساني ونقضي وإبرامي، فلا يستقرّ بك الجدل ولا يُهملك الله بعد قتلك ثمرة رسول الله إلاّ قليلاً، حتّى يأخذك أخذاً أليماً، فيُخرجك الله من الدُّنيا ذميماً أليماً )(١) .

وقالوا: إنّه كتب إليه: ( ما أنس طردك حسيناً من حرم الله وحرم رسوله، وكتابك إلى ابن مرجانة تأمره بقتله، وإنّي لأرجو من الله أن يأخذك عاجلاً، حيث قتلت عترة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورضيت بذلك. أنسيت إنفاذ أعوانك إلى حرم الله لتقتل الحسين؟! )(٢) .

معاوية ابنه يُحمّله المسؤولية:

قال ضمن خُطبته التي ألقاها بعد موت أبيه يزيد: (... ثمّ قُلّد أبي، وكان غير خليق للخير، فركب هواه، واستحسن خطأه، وعظم رجاؤه، فأخلفه الأمل، وقصر عنه الأجل، فقلّت مُنعته، وانقطعت مدّته، وصار في حضرته رهناً بذنبه، وأسيراً بجرمه!

وقال: إنّ أعظم الأُمور علينا، علمنا بسوء مصرعه، وقبح مُنقلبه، وقد قتل عترة الرسول، وأباح الحرمة وحرّق الكعبة )(٣) .

بعض بني العبّاس يُحمّله المسؤولية:

قيل: ( إنّه لما أُحضرت حرم مروان إلى صالح بن علي بن عبد الله ليُقْتلن، فقالت ابنة مروان الكبرى: يا عمّ أمير المؤمنين، حفظ الله لك من أمرك ما تُحبّ حفظه، نحن بناتك وبنات أخيك وابن عمّك! فليسعنا من عفوكم ما أوسعكم من جورنا!!

قال: والله، لا أستبقي منكم أحداً، ألم يقتل أبوك ابن أخي إبراهيم الإمام؟! ألم يقتل هشام بن عبد الملك زيد بن علي بن

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٤٨. وروى نحوه الخوارزمي.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٧٥. وروى الذهبي مضمون هذه الرسالة أيضاً (أنساب الأشراف ٥: ٣٢٢).

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٥٤.

٥٨

الحسين وصَلَبَه بالكوفة؟! ألم يقتل الوليد بن يزيد يحيى بن زيد وصَلَبَه بخراسان؟! ألم يقتل ابن زياد الدعيّ مسلم بن عقيل؟ّ ألم يقتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي وأهل بيته؟! ألم يخرج إليه بحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا فوقّفهنّ موقف السبي؟! )(١) .

رضاه بقتل الحسينعليه‌السلام بعد مقتله:

قال السعد التفتازاني: ( والحقّ أنّ رضى يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل بيت رسول الله ممّا تواتر معناه )(٢) .

قال الشبراوي: ( قال أبو الفضل: وبعد أن وصل الرأس الشريف إلى دمشق، وضِع في طست بين يدي يزيد، وصار يضرب ثناياه الشريفة بقضيب، ثمّ أمر بصلبه فصُلِب ثلاثة أيّام بدمشق، وشكر لابن زياد صنيعه، وبالغ في إكرامه ورِفْعَته، حتّى صار يدخل على نسائه )(٣) .

وقال سبط ابن الجوزي: والذي يدلّ على هذا، أنّه استدعى ابن زياد إليه وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة، وقرّب مجلسه، ورفع منزلته، وأدخله على نسائه، وجعله نديمه، وسكر ليلة وقال للمغنّي غنِّ، ثمّ قال يزيد بديهيّاً:

اسْقِنْي شربةً تروي فؤادي

ثمّ مِلْ فاسْقِ مثلها ابن زيادِ

صاحب السرّ والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتل الخارجي أعني حسيناً

ومُبيد الأعداء والحُسَّادِ(٤)

ونحسب من علائم رضى يزيد، أمره بنصب الرأس الشريف على باب داره(٥) .

____________________

(١) دائرة المعارف ٤/ ٤٢١.

(٢) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٢.

(٣) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٩.

(٤) تذكرة الخواص: ٢٩.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤.

٥٩

أقوال العلماء في المسألة:

البلاذري:

روي بأسانيد مُتعدّدة أشياء حول فسق ولهو يزيد، ثمّ قال: ( ثمّ جرى على يده قتل الحسين، وقتل أهل الحرّة ورمي البيت وإحراقه )(١) .

القاضي ابن نعمان:

علّق على كلام يزيد لأُسارى أهل البيت: ( صيّرتم أنفسكم عبيداً لأهل العراق، ما علمت بمخرج أبي عبد الله حتّى بلغني قتله )، بقوله (القاضي ابن نعمان): ( كَذَبَ عدوُّ الله، بل هو الذي جهّز إليه الجيوش )(٢) .

المسعودي:

قال: ( وليزيد وغيره أخبار عجيبة، ومثالب كثيرة من شرب الخمر وقتل ابن بنت رسول الله و... )(٣) .

ابن عقيل (٤٣١ - ٥١٢):

قال الباعوني: ( ولقد قرأ قارئٌ بين يدي الشيخ العالم أبي الوفاء ابن عقيل (رحمه الله)( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) ، فبكى وقال: سبحان الله! كان طمعه فيما قال:( ... فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ... ) (٥) ، جاوزوا - والله - الحدّ الذي طمع فيه!

ضحّوا بأشمط عنوان السجود به

يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا

إي والله، عمدوا إلى عليّ بن أبي طالب بين صفَّيه فقتلوه، ثمّ قتلوا ابنه الحسين بن فاطمة الزهراء وأهل بيته الطيّبين الطاهرين، بعد أن منعوهم الماء، هذا والعهد بنبيّهم قريب، وهم القرن الذي رأوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورأوه يُقبِّل فمه وترشُّفه

____________________

(١) أنساب الأشراف ٥/ ٢٩٩.

(٢) شرح الأخبار ٣/ ٢٦٨.

(٣) مروج الذهب ٣/ ٧٢.

(٤) سبأ: ٢٠.

(٥) النساء: ١١٩.

٦٠

[يرشف ثناياه]، فنكتوا على فمه وثناياه بالقضيب! تذكّروا - والله - أحقاد يوم بدرٍ وما كان فيه، وأين هذا من مطمع الشيطان وغاية أمله، بتبكيت آذان الأنعام؟!

هذا مع قرب العهد وسماع كلام ربّ الأرباب:( ... قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ) (١) ، ستروا عقائدهم في عصره مخافة السيف، فلما صار الأمر إليهم كشفوا قناع البغي والحيف( ... سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ ) (٢) .

الكيا الهراسي (٤٥٠ - ٥٠٤):

وَصَفَه بقوله: ( هو اللاّعب بالنرد، والمتصيّد بالفهد، والتارك للصلوات، والمدمن للخمر، والقاتل لأهل بيت النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) )(١) .

التفتازاني:

في شرح العقائد النسفية: ( والحقّ أنّ رضى يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا تواتر معناه، وإن كان تفصيله آحاداً... )(٤) .

الذهبي:

قال الذهبي في شأنه: ( كان ناصبيّاً فظّاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الحسين، وختمها بوقعة الحرّة... )(٥) .

الأجهوري:

قال في ضمن كلماته: ( أطلق بعض العلماء جواز لعن يزيد بعينه؛ لأنّه أمر بقتل الحسين )(٦) .

الشبراوي:

قال: ( وقد ذكر بعض الثقات: ولا يشكّ عاقل أنّ يزيد بن معاوية هو القاتل للحسين (رضي الله عنه)؛ لأنّه الذي ندب عبيد الله بن زياد لقتل الحسين )(٧) .

____________________

(١) الشورى: ٢٣.

(٢) الأنعام: ١٣٩.

(٣) جواهر المطالب ٢/ ٣٠١.

(٤ و٥) شذرات الذهب ١/ ٦٨.

(٦) الإتحاف بحبّ الأشراف: ٦٢.

(٧) الإتحاف: ٦٦.

٦١

لماذا تنصّل من مسؤولية قتل الإمامعليه‌السلام ؟!

عندما نتصفّح تاريخ مأساة كربلاء، نجد هناك كلمات صدرت من يزيد تُثير الغرابة، وهي جديرة بالتأمّل، من ذلك:

( ويلي على ابن مرجانة!! فعل الله به كذا! أما والله، لو كانت بينه وبينه رحم ما فعل هذا )(١) .

و( لعن الله ابن مرجانة! لقد وجده بعيد الرحم منه )(٢) .

( وما علمت بخروج أبي عبد الله حين خرج، ولا بقتله حين قتله )(٣) .

( أحرزت أنفسكم عبيد أهل العراق، وما علمت بخروج أبي عبد الله ولا بقتله )(٤) .

( لعن الله ابن مرجانة! أما والله، لو أنّي صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلاّ أُعطيتها إيّاه! ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت ولو بهلاك بعض ولْدي، ولكنَّ الله قضى ما رأيت! )(٥) .

( كنت أرضى من طاعتهم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن سميّة! أما إنّي لو كنت صاحبه لعفوت عنه )(٦) .

(... لكنّ عبيد الله بن زياد لم يعلم رأيي في ذلك، فعجّل عليه بالقتل فقتله )(٧) .

( أما والله، يا حسين، لو أنا صاحبك ما قتلتك )(٨) .

( لو كان بينك وبين ابن مرجانة قرابة لأعطاك ما سألت)(٩) .

( لعن الله ابن مرجانة، فوالله، ما أمرته بقتل أبيك! ولو كنت

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣/ ٤٢٤.

(٢) المصدر ٣/ ٤١٩.

(٣) الإمامة والسياسة ٢/ ٨.

(٤) العقد الفريد ٥/ ١٣١.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٢؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣١ و١٤٦.

(٦) تجارب الأُمم ٢/ ٧٤.

(٧) مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٠؛ بحار الأنوار ٤٥/ ٣٢٦.

(٨) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢.

(٩) مُثير الأحزان: ٩٩.

٦٢

متولّياً لقتاله ما قتلته )(١) ...

إنّ ما نجده من قبيل ذلك يرجع إلى ثلاثة أُمور:

الأوّل: كذبه؛ فإنّ الرجل الذي يلهو ويفسق جهراً ويكفر بالربّ عياناً، ليس بغريب عنه أن يكذب، كيف يدّعي الجهل ويجعل المسؤولية على عاتق واليه عبيد الله بن زياد، وهو المسبّب الأعلى لتلك الفاجعة العظمى؟!

أليس هو الذي كتب إلى واليه وليد، يأمره بقتل الحسين إذا لم يُبايع؟!

أليس هو الذي أمر باغتيال الإمام في موسم الحجّ؟!

أليس هو الذي أرسل الكُتب إلى عبيد الله وأمره بقتال الحسينعليه‌السلام وقتله؟!

إنّ كلّ هذه الأدلّة القويّة والشواهد القويمة تدلّ على مدى كذب الرجل.

الثاني: انقلاب الأوضاع وخوفه على زوال ملكه؛ والدليل على ذلك، أنّه فرِح بقتل الحسين في بادئ الأمر، لكنّه بعد ذلك - وحينما رأى بوادر الفتنة والمشاكل العديدة في مُلكه وفي قلب عاصمته وحتّى في بيته - التجأ إلى إبراز الندم، وقد صرّح بذلك المؤرّخون:

قال ابن الأثير: ( قيل: ولما وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده، وزاده، ووصله، وسرّه ما فعل، ثمّ لم يلبث إلاّ يسيراً، حتّى بلغه بُغض الناس له ولعنهم وسبّهم، فندم على قتل الحسين )(٢) .

ونقل نحوه الذهبي، عن محمّد بن جرير، بإسناده عن يونس بن حبيب قال: ( لما قتل عبيدُ الله الحسين وأهله، بعث برؤوسهم إلى يزيد، فسُرَّ بقتلهم أوّلاً، ثمّ لم يلبث حتّى ندم على قتلهم )(٣) .

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٢.

(٢) الكامل في التاريخ ٤: ٨٧.

(٣) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٧.

٦٣

وقال الشيخ محمّد الصبّان: ( ثمّ ندم لما مقته المسلمون على ذلك، وأبغضه العالم، وفي هذه القصّة تصديق لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي في أُمّتي قتلاً وتشريداً، وإنّ أشرَّ قومنا لنا بُغضاً بنو أُميّة وبنو مخزوم )، رواه الحاكم )(١) .

وثَمَّ شواهد مُتقنة، سنوافيك بها في مبحث (انقلاب المعادلة وخوف الفتنة).

الثالث: لا نستبعد أنّ هناك أيادي مُرتزقة دسّوا بعض ذلك في كُتب التاريخ والسير؛ لأجل أن يُطهّروا يزيد ويُبرّئوه عن بعض ما فعل - مع أنّه لا يطهر ولو بإلقائه في ماء البحر - ويشوّهوا الأمر بعد ذلك! ويفتحوا المجال لمثل ابن تيمية وأذنابه، ولكن دون ذلك خرط القَتاد.

يزيد في مرآة الحديث:

روى ابن حجر، عن أبي يعلى، بسنده عن أبي عبيدة، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( لا يزال أمر أُمّتي قائماً بالقسط، حتّى يكون أوّل مَن يثلمه رجل من بني أُميّة، يُقال له: يزيد ).

وقال: وأخرج الروياني في مسنده عن أبي الدرداء قال: سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( أوّل مَن يُبدّل سُنّتي رجل من بني أُميّة، يُقال له: يزيد ) (٢) .

وروي عن الإمام الحسينعليه‌السلام أنّه قال لأخيه محمّد بن الحنفيّة:( يا أخي، والله، لو لم يكن في الدُّنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية، فقد قال جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللَّهمَّ لا تبارك في يزيد ) (٣) .

____________________

(١) إسعاف الراغبين: ١٨٨.

(٢) الصواعق المحرقة: ٢٣١؛ تسلية المجالس ٢/ ١٤٧.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ١٥٨.

٦٤

يزيد في كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام :

كتبعليه‌السلام إلى معاوية:

(... اتّق الله يا معاوية، واعلم أنّ لله كتاباً لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، واعلم أنّ الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظنّة وأخذك بالتُّهمة، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب... ) (١) .

وفي كتابه إلى معاوية أيضاً:

( ثمّ ولّيت ابنك، وهو غلام يشرب الشراب ويلهو بالكلاب، فَخُنْت أمانتك وأخربت رعيّتك، ولم تؤدّ نصيحة ربّك، فيكف تولِّي على أُمّة محمّد مَن يشرب المسكر، وشارب المسكر من الفاسقين، وشارب المسكر من الأشرار، وليس شارب المسكر بأمين على درهم فكيف على الأُمّة؟! ) (٢) .

وقالعليه‌السلام لمعاوية:

( وفهمت ما ذكرته عن يزيد، من اكتماله وسياسته لأُمّة محمّد، تُريد أن توهِم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً، أو تنعت غائباً، أو تُخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخُذْ

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١/ ١٨٠؛ الغدير ١٠/ ١٦١؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٥٤؛ رجال الكشّي ٥١/ ح٩٨؛ معادن الحِكمة ١/ ٥٨٢؛ العوالم ١٧/ ٩٢ ح٦.

(٢) دعائم الإسلام ٢/ ١٣٣ ح٤٦٨؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٥٨ ح٢٣١.

٦٥

ليزيد فيما أخذ به، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش، والحمام السبق لأترابهن، والقينات ذوات المعازف وضروب الملاهي، تجده ناصراً، ودعْ عنك ما تُحاول... ) (١) .

وقالعليه‌السلام له أيضاً:

( مَن خير لأُمّة محمّد؟! يزيد الخمور الفجور! ) (٢) .

وقالعليه‌السلام لعبد الله بن الزبير:

(... انظر أبا بكر ( أتظنّ (٣) ) أنّي أُبايع ليزيد، ويزيد رجل فاسق مُعلن الفسق، يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب والفهود، ويُبغض بقيّة آل الرسول؟! لا والله، لا يكون ذلك أبداً ) (٤) .

وقال لوليد بن عتبة:

(... ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، مُعلن بالفسق، ومثلي لا يُبايع لمثله... ) (٥) .

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١/ ١٨٦؛ تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٢٨؛ أعيان الشيعة ١/ ٥٨٣؛ الغدير ١٠/ ٢٤٨؛ موسوعة كلمات الإمام الحسين: ٢٦٢ ح٢٣٤.

(٢) الفتوح ٣/ ٣٤٣؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٦٥ ح٢٣٦.

(٣) كذا في تسلية المجالس، وهو الأنسب.

(٤) الفتوح ٥/ ١١؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٨٢؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٧٨ ح٢٤٤.

(٥) الفتوح ٥/ ١٤؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٨٤؛ مُثير الأحزان: ٢٤؛ بحار الأنوار ٤٤/ ٣٢٥؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٨٣ ح٢٥١؛ تسلية المجالس ٢/ ١٥٢.

٦٦

وقال لمروان بن الحكم:

(... إنّا لله وإنّا إليه راجعون! وعلى الإسلام السلام؛ إذ قد بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد.. ويحَك! أتأمرني ببيعة يزيد، وهو رجل فاسق؟! لقد قلت شططا... لا ألومك على قولك؛ لأنّك اللعين الذي لعنك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنت في صلب أبيك الحَكم بن أبي العاص، فإنّ مَن لعنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يمكن له ولا منه إلاّ أن يدعو إلى بيعة يزيد! ) (١) .

وقالعليه‌السلام :

( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( الخلافة مُحرَّمة على آل أبي سفيان وعلى الطلقاء أبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه.

فوالله، لقد رآه أهل المدينة على منبر جدّي فلم يفعلوا ما أُمروا به، فابتلاهم الله بابنه يزيد، زاده الله في النار عذاباً ) (٢) .

وقالعليه‌السلام لعبد الله بن عمر:

( أبا عبد الرحمان، أنا أُبايع يزيد وأدخل في صلحه؛ وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه وفي أبيه ما قال؟! ) (٣) .

____________________

(١ و٢) الفتوح ٥/ ١٧؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٨٤؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٨٤ ح٢٥٢؛ ونحوه في تسلية المجالس ٢/ ١٥٣ وفيه:(... فإنّه لا يُنكَر منه أن يدعو إلى بيعة يزيد... ) .

(٣) الفتوح ٥/ ٢٦؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٩؛ مُثير الأحزان: ٤١؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٣٠٦؛ ونحوه في تسلية المجالس ٢/ ١٦٥.

٦٧

يزيد في نظر الصحابة والتابعين وبعض كبار القوم:

لقد جرت على لسان بعض الصحابة والتابعين والكبار من الناس كلمات حول يزيد بن معاوية عليه اللعنة - الذي وصفته زينب الكبرى (سلام الله عليها): بكونه عدوَّ الله وابن عدوّ الله(١) - نذكر بعضها:

أبو هريرة:

قال الشبراوي: ( وروى ابن أبي شيبة وغيره، عن أبي هريرة أنّه قال: ( اللّهمّ، لا تُدركني سنة ستّين! ولا إمرة الصبيان! ). وكانت ولاية يزيد فيها. انتهى )(٢) .

ابن عبّاس:

قال الخوارزمي: ( وذكر أبو الحسن السلامي البيهقي في تاريخه، عن ابن عبّاس أنّه قال: سبب زوال الدولة عن يزيد بن معاوية - والله - قتله الحسينعليه‌السلام )(٣) .

عتبة بن مسعود:

حينما علم عتبة بن مسعود بإرادة ابن عبّاس لبيعة يزيد خوفاً، اعترضه بهذا الكلام - كما نقله ابن قتيبة - وقال:( أتُبايع ليزيد، وهو يشرب الخمر، ويلهو بالقيان، ويستهتر بالفواحش؟! )(٤) .

ابن الزبير:

وفي تاريخ خليفة، بإسناده عن بقيّة بن عبد الرحمان، عن أبيه قال: ( لما بلغ يزيد بن معاوية أنّ أهل مكّة أرادوا ابن الزبير على البيعة فأبى، أرسل النعمان بن بشير الأنصاري، وهمام بن قبيصة النميري إلى ابن الزبير، يدعوانه إلى البيعة ليزيد، على أن يجعل له ولاية الحجاز وما شاء وما أحبّ لأهل بيته من

____________________

(١) بلاغات النساء: ٢١.

(٢) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٥.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢/ ٢١٠ طبع الخاقاني.

(٤) الإمامة والسياسة ١/ ٢٠٣.

٦٨

الولاية، فقدما على ابن الزبير، فعرضا عليه ما أمرهما به يزيد، فقال ابن الزبير: أتأمراني ببيعة رجل يشرب الخمر، ويدع الصلاة، ويتبع الصيد...؟! )(١) .

وجاء في تذكرة الخواص: ( ذكر الواقدي، وهشام، وابن إسحاق وغيرهم، قالوا: لما قُتل الحسينعليه‌السلام بعث عبد الله بن الزبير إلى عبد الله بن العبّاس ليُبايعه وقال: أنا أولى من يزيد الفاسق الفاجر... )(٢) .

وفي البدء والتاريخ: ( وأمّا عبد الله بن الزبير، فامتنع بمكّة، ولاذ بالكعبة، ودعا الناس إلى الشورى، وجعل يلعن يزيد، وسمّاه الفاسق المتكبّر... )(٣) .

وفي البداية والنهاية: ( أنّ ابن الزبير لما بلغه مقتل الحسين شرع يخطب الناس، ويُعظِّم قتل الحسين وأصحابه جدّاً، ويعيب على أهل الكوفة وأهل العراق ما صنعوه من خذلانهم الحسين، ويترحّم على الحسين، ويلعن مَن قتله ويقول: ( أما والله، لقد قتلوه، طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه! أما والله، ما كان يستبدل بالقرآن الغناء والملاهي، ولا بالبكاء من خشية الله اللغو والحداء، ولا بالصيام شرب المدام، وأكل الحرام، ولا بالجلوس في حلق الذِّكْر طلب الصيد - يعرِّض في ذلك بيزيد بن معاوية - فسوف يلقون غيّاً )، ويؤلّب الناس على بني أُميّة، ويحثّهم على مُخالفته وخلع يزيد )(٤) .

سعيد بن المسيّب:

قال اليعقوبي: ( وكان سعيد بن المسيب يُسمِّي سنيَّ يزيد بن معاوية بالشؤم، في السنة الأُولى قُتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول

____________________

(١) تاريخ خليفة بن خياط: ١٥٦.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٧٥.

(٣) البدء والتاريخ ٦/ ١٣.

(٤) البداية والنهاية ٨/ ٢١٣.

٦٩

الله، والثانية استُبيح حرم رسول الله وانتُهكت حُرمة المدينة، والثالثة سُفكت الدماء في حرم الله وحُرقت الكعبة )(١) .

عبد الله بن عفيف:

حينما قال عبيد الله بن زياد في خُطبته: ( الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله! ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه! وقتل الكذّاب ابن الكذّاب حسين بن عليّ وشيعته! ). وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي - وكان شيخاً كبيراً ضريراً قد ذهب بصره، قد ذهبت إحدى عينيه بصفّين والأُخرى يوم الجمل - قام فقال: ( يا بن مرجانة، إنّ الكذّاب ابن الكذّاب لأنت وأبوك، والذي ولاّك وأبوه... )(٢) .

وقال السيّد محمّد بن أبي طالب: ( إنّه قال له ابن زياد: يا عدوّ نفسه، ما تقول في عثمان؟

فقال: يا بن مرجانة، ويا بن سميّة الزانية! ما أنت وعثمان أساء أم أحسن، أصلح أم أفسد، والله تعالى وليّ خلقه، يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل؟! ولكن سلني عنك وعن أبيك، وعن يزيد وأبيه )(٣) .

عبد الله بن حنظلة:

قال ابن الجوزي: وكان ابن حنظلة يقول: ( يا قوم، والله، ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنّ الرجل ينكح الأُمّهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة، والله، لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله في بلاءً حسناً )(٤) .

عبد الله بن مُطيع:

روى الذهبي عنه أنّه قال في شأن يزيد: ( إنّه يشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدّى حكم الله )(٥) .

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٥٣.

(٢) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٢؛ تاريخ الإسلام ١/ ٤٠٠؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٢٤.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ٣٧٠.

(٤) الصواعق المحرقة: ٢٣٢. وروى نحوه السيوطي عنه (تاريخ الخلفاء: ٢٠٩).

(٥) سير أعلام النبلاء ٤/ ٤٠.

٧٠

عبد الله بن عمرو بن حفص المخزومي:

قال ابن الجوزي: ( قال أبو الحسن المدائني - وكان من الثقات -: أتى أهل المدينة المنبر، فخلعوا يزيد، فقال عبد الله ابن عمرو بن حفص المخزومي: قد خلعت يزيد، كما خلعت عمامتي - ونزعها من رأسه - وإنّي لأقول هذا، وقد وصلني وأحسن جائزتي، ولكنّ عدوّ الله سكّيرٌ )(١) .

عمرو بن حفص بن المغيرة - أبو زوجة يزيد -:

قال البيهقي: ( ولما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان، قَدِم عمرو بن حفص بن المغيرة، وكان تزوّج يزيد بن معاوية ابنته وأعطاه مالاً كثيراً، فلما قدم المدينة جاءه محمّد بن عمرو بن حزم، وعبيد الله بن حنظلة، وعبد الله بن مُطيع بن الأسود، وناس من وجوه أهل المدينة قالوا: ننشدك الله ربّ هذا البيت، وربّ صاحب هذا القبر، إلاّ أخبرتنا عن يزيد، فقال: إنّه ليشرب الخمر، ويُنادم القردة، ويفعل كذا، ويصنع كذا.

فقالوا: والله، ما لنا بأهل الشام من طاقة، ولكن ما يحِلّ لنا أن نُبايع رجلاً على هذه الحال... )(٢) .

وفد المدينة:

قال ابن الجوزي: ( لما دخلت سنة اثنتين وستّين، ولّى يزيد عثمان بن محمّد ابن أبي سفيان المدينة، فبعث إلى يزيد وفداً من المدينة، فلما رجع الوفد أظهروا شتم يزيد وقالوا: قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويلعب بالكلاب، وإنّا نُشهدكم أنّا قد خلعناه )(٣) .

معاوية بن يزيد بن معاوية:

قال في دائرة المعارف: ( قام بالأمر بعده ابنه معاوية بن يزيد بن معاوية، لكنّه خلع نفسه بعد أربعين يوماً؛ حبّاً بعليّ؛ وكرهاً لقتل

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٤.

(٢) المحاسن والمساوئ: ٦٣.

(٣) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٣. وروى نحوه سبطه في التذكرة (تذكرة الخواص: ٢٨٨).

٧١

الحسن والحسين ولأخذ جدّه الخلافة من بني هاشم )(١) .

وقال ابن حجر: ( إنّه لما وُلِّيَ صعد المنبر فقال: إنّ هذه الخلافة حبل الله، وإنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله، ومَن هو أحقّ به منه، عليّ بن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون، حتّى أتته منيّته، فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ قلّد أبي الأمر، وكان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقَصِف عمرُه، وانبتر عقبُه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه )(٢) .

عمر بن عبد العزيز:

روى ابن الحجر أنّه قال نوفل بن أبي عقرب: ( كنت عند عمر بن عبد العزيز، فذكر رجلٌ يزيد بن معاوية فقال: (قال أمير المؤمنين يزيد ). فقال عمر: ( تقول: أمير المؤمنين يزيد؟! ). وأمر به فضُرب عشرين سوطاً )(٣) .

يزيد في أقوال العلماء:

ذكرنا في مطاوي المباحث السابقة أقوالاً لكبار العلماء والمؤرِّخين والمفسِّرين - حول هذه الجرثومة الفاسدة الطاغية - ما يُناسب بعض زوايا حياته السوداء، ونذكر هنا بعض ما يكون أعمّ وأشمل منها:

١ - الإمام ابن حنبل:

روى ابن الجوزي، بإسناده عن مهنّا بن يحيى قال: ( سألت أحمد عن يزيد بن معاوية، فقال: هو الذي فعل بالمدينة ما فعل.

قلت: وما فعل بها؟

قال: نهبها.

قلت: فنذكر عنه الحديث؟

قال: لا يُذكَر عنه الحديث ولا [ كرامة ]، لا ينبغي لأحد أن يكتب عنه حديثاً.

قال: ومَن كان معه حين فعل ما

____________________

(١) دائرة المعارف ٤/ ٤٢٠.

(٢) الصواعق المحرقة: ٣٣٦؛ تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٥٤.

(٣) الصواعق المحرقة: ٢٣٢؛ انظر تهذيب التهذيب ١١/ ٣١٥ رقم ٨١٠٠.

٧٢

فعل؟ قال: أهل الشام )(١) .

وقال ابن الجوزي في المنتظم: ( وقد أسند يزيد بن معاوية الحديث، فروى عن أبيه، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإسنادنا إليه متّصل! غير أنّ الإمام أحمد سُئل: أيُروى عن يزيد الحديث؟

فقال: ( لا، ولا كرامة )؛ فلذلك امتنعنا أن نُسند عنه )(٢) .

٢ - مُجاهد:

ذكر سبط ابن الجوزي، عن ابن أبي الدُّنيا قال: ( قال مجاهد: فوالله، لم يبقَ في الناس أحد إلاّ مَن سبّه وعابه وتركه ( أي يزيد بن معاوية ) )(٣) .

٣ - الكيا الهراسي:

وحكى عن ذيل تاريخ نيسابور أنّه قد سُئِلَ عن يزيد بن معاوية، فقدح فيه وشطح وقال: ( لو مُددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل، فأمّا قول السلف، فلأحمد، ومالك، وأبي حنيفة قولان: تلويح، وتصريح، ولنا قول واحد التصريح، وكيف لا، وهو اللاعب بالنرد! والمتصيّد بالفهود، ومُدمن الخمر، وهو القائل:

أقول لصحب ضمَّ الكأس شملهم

وداعـي صبابات الهوى يترنَّم

خـذوا بـنصيب من نعيمٍ ولذَّة

فـكلٌّ وإن طال المدى يتصرّم

ولا تتركوا يوم السرور إلى غدٍ

فـرُبَّ غـدٍ يأتي بما ليس يُعلَم(٤)

٤ - ابن الجوزي:

قال: ( ليس العجب من فعل عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد، وإنّما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب على ثنيَّة الحسين، وإعادته إلى المدينة... لبلوغ الغرض الفاسد، أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟! أوليس في

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٣. ورواه سبطه عنه في تذكرة الخواص: ٢٨٧.

(٢) المنتظم ٥/ ٣٢٢. وقد ذكرنا رأي أحمد بن حنبل حول لعن يزيد، فراجع.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٦٢.

(٤) على ما في هامش جواهر المطالب ٢/ ٣٠١.

٧٣

الشرع أنّهم يُصلّى عليهم ويدفنون؟! وأمّا قوله: (لي أن أسبيهم ). فأمر لا يقع لفاعله ومُعتقده إلاّ اللعنة، ولو أنّه احترم الرأس حين وصوله وصلّى عليه، ولم يتركه في طست، ولم يضربه بقضيب، ما الذي كان يضرّه، وقد حصل مقصوده من القتل؟! ولكنْ أحقاد جاهلية؛ ودليلها ما تقدّم من إنشاده: ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا )(١) .

وقال: ( واعلم أنّه ما رضي ببيعة يزيد أحد ممّن يُعوّل عليه، حتّى العَوام أنكروا ذلك، غير أنّهم سكتوا خوفاً على أنفسهم.. وأجمع العلماء على أنّه لا يجوز التنصيص على إمام بالتشهّي، وأنّه لابدّ من صفات، وصفات الإمام وشروط الإمامة جَمَعَها الحسينعليه‌السلام ، لا يُقاربه فيها أحد من أهل زمانه.. وإذا ثبت أنّ الصحابة كانوا يطلبون الأفضل ويرونه الأحقّ، أفيشكّ أحد أنّ الحسين أحقّ بالخلافة من يزيد؟! لا، بل مَن هو دون الحسين في المنزلة، كعبد الرحمان بن أبي بكر، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عبّاس، وما في هؤلاء إلاّ مَن له صحبة ونَسَب، ونجدة وكفاية، وورع وعلم وافر لا يُقاربهم يزيد، فبأيّ وجه يستحقّ التقديم؟! وما رضي ببيعة يزيد عالم ولا جاهل، ولو قيل لأجهل الناس: أيّهما أصلح، الحسين أو يزيد؟ لقال: الحسين.

فبان بما ذكرنا، أنّ ولاية يزيد كانت قهراً، وإنّما سكت الناس خوفاً، ومن جملة مَن خرج ولم يُبايع ابن عمر! فلما خاف على نفسه بايع... )(٢) .

٥ - ابن أبي الحديد ردّاً على بعض:

( وكذا القول في الحديث الآخر، وهو قوله: ( القرن الذي أنا فيه خير... ثمّ الذي يليه) وممّا يدلّ على بطلانه، أنّ القرن الذي جاء بعده بخمسين سنة شرّ قرون الدُّنيا، وهو أحد القرون التي ذكرها في

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٢، ونحوه بتفاوت في تذكرة الخواص: ٢٩٠.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٦٨ - ٧٠.

٧٤

النصّ، وكان ذلك القرن هو القرن الذي قُتل فيه الحسين، وأُوقِع بالمدينة وحوصرت مكّة، ونُقضت الكعبة، وشربت خلفاؤه القائمون مقامه والمنتصبون أنفسهم في منصب النبوّة الخمور، وارتكبوا الفجور، كما جرى ليزيد بن معاوية، وليزيد بن عاتكة، وللوليد بن يزيد.. وإذا تأمّلت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شرّاً كلّها لا خير فيها، فكيف يصحّ هذا الخبر؟! )(١) .

٦ - سيّد الحفّاظ شهردار بن شيرويه الديلمي:

قال الخوارزمي: (وأخبرني سيّد الحفّاظ - ثمّ ذكر إسناد الخبر إلى عبد الله بن بدر الخطمي - عن النبيّ(صلَّى الله عليه وسلَّم) يقول:( مَن أحبّ أن يُبارَك في أجله وأن يُمتَّع بما خوّله الله تعالى، فليَخلفني في أهلي خلافة حسنة، ومَن لم يَخلفني فيهم بُتك عمره وورد عليَّ يوم القيامة مسودّاً وجهه ) قال: فكان كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فإنّ يزيد بن معاوية لم يخلفه في أهله خلافة حسنة فبُتك عمره، وما بقي بعد الحسينعليه‌السلام إلاّ قليلاً، وكذلك عبيد الله بن زياد لعنهما الله )(٢) .

٧ - مجد الأئمّة:

روى الخوارزمي بإسناده: (عن عبد الله بن عمر: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( مَن ذبح عصفوراً بغير حقّه سأله الله عنه يوم القيامة ).

وفي رواية أُخرى:( مَن ذبح عصفوراً بغير حقّ ضجّ إلى الله تعالى يوم القيامة منه، فقال: يا ربّ، إنّ هذا ذبحني عبثاً ولم يذبحني منفعة ) ، ثمّ قال: قال مجد الأئمّة: هذا لمن ذبح عصفوراً بغير حقّ، فكيف لمن قتل مؤمناً؟! فكيف لمن قتل ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الحسينعليه‌السلام ؟! )(٣) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢٠/ ٢٩.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٥.

(٣) المصدر ٢/ ٥٢.

٧٥

٨ - ابن تيمية:

حُكي عن ابن تيميّة أنّه حكم بضلالته، حيث قال ما معناه: ( ومن الناس مَن يرى يزيد رجلاً صالحاً وإمامَ عدلٍ، وهذا قول بعض الضلاّل... )(١) .

٩ - صاحب الميزان:

قال صاحب شذرات الذهب: ( وقال فيه (يزيد) في الميزان: إنّه مقدوحٌ في عدالته، ليس بأهل أن يُروى عنه )(٢) .

١١ - ابن حجر:

قال الشبراوي: (قال العلاّمة ابن حجر في شرح الهمزية: إنّ يزيد قد بلغ من قبايح الفسق والانحلال عن التقوى مبلغاً لا يُستكثَر عليه صدور تلك القبائح منه )(٣) .

١٢ - الجوهري:

ذكر العلاّمة المحمودي، أنّه أنشد في ناصبي أحمق:

رأيت فتىً أشقراً أزرقـاً

قلـيل الدمـاغ كثير الفضول

يُفضّل من حمقه دائـماً

يزيد ابن هند على ابن البتول(٤)

١٣ - ابن حزم:

قال في شذرات الذهب: ( وعدّ ابن حزم خروم الإسلام أربعة: قتل عثمان، وقتل الحسين، ويوم الحرّة، وقتل ابن الزبير )(٥) .

١٤ - العلاّمة الحجّة الأميني:

ولنختم المقال بما ذكره العلاّمة الحجّة البحّاثة الشيخ الأميني:

(... نعم، تمّت تلك البيعة المشومة مع فقدان أيّ جدارة وحنكة في يزيد،

____________________

(١) على ما ذكره المحمودي في هامش الردّ على المتعصّب العنيد: ٣٠ عن ما حكى عن ابن تيميّة في كتاب الفتاوى ٤/ ٤٨١.

(٢) شذرات الذهب ١/ ٦٨.

(٣) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٨.

(٤) (هامش) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٢.

(٥) شذرات الذهب ١/ ٦٨.

٧٦

تؤهّله لتسنّم عرش الخلافة، على ما تردّى به من ملابس الخزي وشية العار من معاقرة الخمور، ومُباشرة الفجور، ومُنادمة القيان ذوات المعازف، ومُحارشة الكلاب، إلى ما لا يتناهى من مظاهر الخزاية، وقد عرفته الناس بذلك كلّه منذ أولياته، وعرّفه به أُناس آخرون... )(١) .

موته:

قال ابن قتيبة الدينوري: ( كانت ولاية يزيد ثلاث سنين وشهوراً، وهلك بحوارين من عمل دمشق، سنة أربع وستّين وهو ابن ثمان وثلاثين سنة )(٢) .

وروى الذهبي، عن محمّد بن أحمد بن مسمع قال: ( سكر يزيد، فقام يرقص فسقط على رأسه، فانشقّ وبدا دماغه )(٣) .

وفيه يقول الشاعر:

يا أيُّها القبر بحوارينا

ضممت شرّ الناس أجمعينا(٤)

* * *

روي عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال: ( رأيت فيما يرى النائم أنّ القيامة قد قامت - إلى أن قال -: ثمّ مررت على وادٍ من نار، فإذا رجل فيه، كلّما أراد أن يخرج قُمِع بمقامع من حديد فهوى، فقلت: مَنْ هذا؟ قيل: يزيد بن معاوية )(٥) .

____________________

(١) الغدير ١٠/ ٢٥٥.

(٢) المعارف: ١٩٨.

(٣) سير أعلام النبلاء ٤/ ٣٦.

(٤) البدء والتاريخ ٦/ ١٦.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٦.

٧٧

٧٨

الفصل الأوّل

دور أهل البيت في الشام

٧٩

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460