مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة8%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234457 / تحميل: 8796
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

[يرشف ثناياه]، فنكتوا على فمه وثناياه بالقضيب! تذكّروا - والله - أحقاد يوم بدرٍ وما كان فيه، وأين هذا من مطمع الشيطان وغاية أمله، بتبكيت آذان الأنعام؟!

هذا مع قرب العهد وسماع كلام ربّ الأرباب:( ... قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ) (١) ، ستروا عقائدهم في عصره مخافة السيف، فلما صار الأمر إليهم كشفوا قناع البغي والحيف( ... سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ ) (٢) .

الكيا الهراسي (٤٥٠ - ٥٠٤):

وَصَفَه بقوله: ( هو اللاّعب بالنرد، والمتصيّد بالفهد، والتارك للصلوات، والمدمن للخمر، والقاتل لأهل بيت النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) )(١) .

التفتازاني:

في شرح العقائد النسفية: ( والحقّ أنّ رضى يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا تواتر معناه، وإن كان تفصيله آحاداً... )(٤) .

الذهبي:

قال الذهبي في شأنه: ( كان ناصبيّاً فظّاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الحسين، وختمها بوقعة الحرّة... )(٥) .

الأجهوري:

قال في ضمن كلماته: ( أطلق بعض العلماء جواز لعن يزيد بعينه؛ لأنّه أمر بقتل الحسين )(٦) .

الشبراوي:

قال: ( وقد ذكر بعض الثقات: ولا يشكّ عاقل أنّ يزيد بن معاوية هو القاتل للحسين (رضي الله عنه)؛ لأنّه الذي ندب عبيد الله بن زياد لقتل الحسين )(٧) .

____________________

(١) الشورى: ٢٣.

(٢) الأنعام: ١٣٩.

(٣) جواهر المطالب ٢/ ٣٠١.

(٤ و٥) شذرات الذهب ١/ ٦٨.

(٦) الإتحاف بحبّ الأشراف: ٦٢.

(٧) الإتحاف: ٦٦.

٦١

لماذا تنصّل من مسؤولية قتل الإمامعليه‌السلام ؟!

عندما نتصفّح تاريخ مأساة كربلاء، نجد هناك كلمات صدرت من يزيد تُثير الغرابة، وهي جديرة بالتأمّل، من ذلك:

( ويلي على ابن مرجانة!! فعل الله به كذا! أما والله، لو كانت بينه وبينه رحم ما فعل هذا )(١) .

و( لعن الله ابن مرجانة! لقد وجده بعيد الرحم منه )(٢) .

( وما علمت بخروج أبي عبد الله حين خرج، ولا بقتله حين قتله )(٣) .

( أحرزت أنفسكم عبيد أهل العراق، وما علمت بخروج أبي عبد الله ولا بقتله )(٤) .

( لعن الله ابن مرجانة! أما والله، لو أنّي صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلاّ أُعطيتها إيّاه! ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت ولو بهلاك بعض ولْدي، ولكنَّ الله قضى ما رأيت! )(٥) .

( كنت أرضى من طاعتهم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن سميّة! أما إنّي لو كنت صاحبه لعفوت عنه )(٦) .

(... لكنّ عبيد الله بن زياد لم يعلم رأيي في ذلك، فعجّل عليه بالقتل فقتله )(٧) .

( أما والله، يا حسين، لو أنا صاحبك ما قتلتك )(٨) .

( لو كان بينك وبين ابن مرجانة قرابة لأعطاك ما سألت)(٩) .

( لعن الله ابن مرجانة، فوالله، ما أمرته بقتل أبيك! ولو كنت

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣/ ٤٢٤.

(٢) المصدر ٣/ ٤١٩.

(٣) الإمامة والسياسة ٢/ ٨.

(٤) العقد الفريد ٥/ ١٣١.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٢؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣١ و١٤٦.

(٦) تجارب الأُمم ٢/ ٧٤.

(٧) مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٠؛ بحار الأنوار ٤٥/ ٣٢٦.

(٨) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢.

(٩) مُثير الأحزان: ٩٩.

٦٢

متولّياً لقتاله ما قتلته )(١) ...

إنّ ما نجده من قبيل ذلك يرجع إلى ثلاثة أُمور:

الأوّل: كذبه؛ فإنّ الرجل الذي يلهو ويفسق جهراً ويكفر بالربّ عياناً، ليس بغريب عنه أن يكذب، كيف يدّعي الجهل ويجعل المسؤولية على عاتق واليه عبيد الله بن زياد، وهو المسبّب الأعلى لتلك الفاجعة العظمى؟!

أليس هو الذي كتب إلى واليه وليد، يأمره بقتل الحسين إذا لم يُبايع؟!

أليس هو الذي أمر باغتيال الإمام في موسم الحجّ؟!

أليس هو الذي أرسل الكُتب إلى عبيد الله وأمره بقتال الحسينعليه‌السلام وقتله؟!

إنّ كلّ هذه الأدلّة القويّة والشواهد القويمة تدلّ على مدى كذب الرجل.

الثاني: انقلاب الأوضاع وخوفه على زوال ملكه؛ والدليل على ذلك، أنّه فرِح بقتل الحسين في بادئ الأمر، لكنّه بعد ذلك - وحينما رأى بوادر الفتنة والمشاكل العديدة في مُلكه وفي قلب عاصمته وحتّى في بيته - التجأ إلى إبراز الندم، وقد صرّح بذلك المؤرّخون:

قال ابن الأثير: ( قيل: ولما وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده، وزاده، ووصله، وسرّه ما فعل، ثمّ لم يلبث إلاّ يسيراً، حتّى بلغه بُغض الناس له ولعنهم وسبّهم، فندم على قتل الحسين )(٢) .

ونقل نحوه الذهبي، عن محمّد بن جرير، بإسناده عن يونس بن حبيب قال: ( لما قتل عبيدُ الله الحسين وأهله، بعث برؤوسهم إلى يزيد، فسُرَّ بقتلهم أوّلاً، ثمّ لم يلبث حتّى ندم على قتلهم )(٣) .

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٢.

(٢) الكامل في التاريخ ٤: ٨٧.

(٣) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٧.

٦٣

وقال الشيخ محمّد الصبّان: ( ثمّ ندم لما مقته المسلمون على ذلك، وأبغضه العالم، وفي هذه القصّة تصديق لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي في أُمّتي قتلاً وتشريداً، وإنّ أشرَّ قومنا لنا بُغضاً بنو أُميّة وبنو مخزوم )، رواه الحاكم )(١) .

وثَمَّ شواهد مُتقنة، سنوافيك بها في مبحث (انقلاب المعادلة وخوف الفتنة).

الثالث: لا نستبعد أنّ هناك أيادي مُرتزقة دسّوا بعض ذلك في كُتب التاريخ والسير؛ لأجل أن يُطهّروا يزيد ويُبرّئوه عن بعض ما فعل - مع أنّه لا يطهر ولو بإلقائه في ماء البحر - ويشوّهوا الأمر بعد ذلك! ويفتحوا المجال لمثل ابن تيمية وأذنابه، ولكن دون ذلك خرط القَتاد.

يزيد في مرآة الحديث:

روى ابن حجر، عن أبي يعلى، بسنده عن أبي عبيدة، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( لا يزال أمر أُمّتي قائماً بالقسط، حتّى يكون أوّل مَن يثلمه رجل من بني أُميّة، يُقال له: يزيد ).

وقال: وأخرج الروياني في مسنده عن أبي الدرداء قال: سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( أوّل مَن يُبدّل سُنّتي رجل من بني أُميّة، يُقال له: يزيد ) (٢) .

وروي عن الإمام الحسينعليه‌السلام أنّه قال لأخيه محمّد بن الحنفيّة:( يا أخي، والله، لو لم يكن في الدُّنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية، فقد قال جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللَّهمَّ لا تبارك في يزيد ) (٣) .

____________________

(١) إسعاف الراغبين: ١٨٨.

(٢) الصواعق المحرقة: ٢٣١؛ تسلية المجالس ٢/ ١٤٧.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ١٥٨.

٦٤

يزيد في كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام :

كتبعليه‌السلام إلى معاوية:

(... اتّق الله يا معاوية، واعلم أنّ لله كتاباً لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، واعلم أنّ الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظنّة وأخذك بالتُّهمة، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب... ) (١) .

وفي كتابه إلى معاوية أيضاً:

( ثمّ ولّيت ابنك، وهو غلام يشرب الشراب ويلهو بالكلاب، فَخُنْت أمانتك وأخربت رعيّتك، ولم تؤدّ نصيحة ربّك، فيكف تولِّي على أُمّة محمّد مَن يشرب المسكر، وشارب المسكر من الفاسقين، وشارب المسكر من الأشرار، وليس شارب المسكر بأمين على درهم فكيف على الأُمّة؟! ) (٢) .

وقالعليه‌السلام لمعاوية:

( وفهمت ما ذكرته عن يزيد، من اكتماله وسياسته لأُمّة محمّد، تُريد أن توهِم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً، أو تنعت غائباً، أو تُخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخُذْ

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١/ ١٨٠؛ الغدير ١٠/ ١٦١؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٥٤؛ رجال الكشّي ٥١/ ح٩٨؛ معادن الحِكمة ١/ ٥٨٢؛ العوالم ١٧/ ٩٢ ح٦.

(٢) دعائم الإسلام ٢/ ١٣٣ ح٤٦٨؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٥٨ ح٢٣١.

٦٥

ليزيد فيما أخذ به، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش، والحمام السبق لأترابهن، والقينات ذوات المعازف وضروب الملاهي، تجده ناصراً، ودعْ عنك ما تُحاول... ) (١) .

وقالعليه‌السلام له أيضاً:

( مَن خير لأُمّة محمّد؟! يزيد الخمور الفجور! ) (٢) .

وقالعليه‌السلام لعبد الله بن الزبير:

(... انظر أبا بكر ( أتظنّ (٣) ) أنّي أُبايع ليزيد، ويزيد رجل فاسق مُعلن الفسق، يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب والفهود، ويُبغض بقيّة آل الرسول؟! لا والله، لا يكون ذلك أبداً ) (٤) .

وقال لوليد بن عتبة:

(... ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، مُعلن بالفسق، ومثلي لا يُبايع لمثله... ) (٥) .

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١/ ١٨٦؛ تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٢٨؛ أعيان الشيعة ١/ ٥٨٣؛ الغدير ١٠/ ٢٤٨؛ موسوعة كلمات الإمام الحسين: ٢٦٢ ح٢٣٤.

(٢) الفتوح ٣/ ٣٤٣؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٦٥ ح٢٣٦.

(٣) كذا في تسلية المجالس، وهو الأنسب.

(٤) الفتوح ٥/ ١١؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٨٢؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٧٨ ح٢٤٤.

(٥) الفتوح ٥/ ١٤؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٨٤؛ مُثير الأحزان: ٢٤؛ بحار الأنوار ٤٤/ ٣٢٥؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٨٣ ح٢٥١؛ تسلية المجالس ٢/ ١٥٢.

٦٦

وقال لمروان بن الحكم:

(... إنّا لله وإنّا إليه راجعون! وعلى الإسلام السلام؛ إذ قد بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد.. ويحَك! أتأمرني ببيعة يزيد، وهو رجل فاسق؟! لقد قلت شططا... لا ألومك على قولك؛ لأنّك اللعين الذي لعنك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنت في صلب أبيك الحَكم بن أبي العاص، فإنّ مَن لعنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يمكن له ولا منه إلاّ أن يدعو إلى بيعة يزيد! ) (١) .

وقالعليه‌السلام :

( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( الخلافة مُحرَّمة على آل أبي سفيان وعلى الطلقاء أبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه.

فوالله، لقد رآه أهل المدينة على منبر جدّي فلم يفعلوا ما أُمروا به، فابتلاهم الله بابنه يزيد، زاده الله في النار عذاباً ) (٢) .

وقالعليه‌السلام لعبد الله بن عمر:

( أبا عبد الرحمان، أنا أُبايع يزيد وأدخل في صلحه؛ وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه وفي أبيه ما قال؟! ) (٣) .

____________________

(١ و٢) الفتوح ٥/ ١٧؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٨٤؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٨٤ ح٢٥٢؛ ونحوه في تسلية المجالس ٢/ ١٥٣ وفيه:(... فإنّه لا يُنكَر منه أن يدعو إلى بيعة يزيد... ) .

(٣) الفتوح ٥/ ٢٦؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٩؛ مُثير الأحزان: ٤١؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٣٠٦؛ ونحوه في تسلية المجالس ٢/ ١٦٥.

٦٧

يزيد في نظر الصحابة والتابعين وبعض كبار القوم:

لقد جرت على لسان بعض الصحابة والتابعين والكبار من الناس كلمات حول يزيد بن معاوية عليه اللعنة - الذي وصفته زينب الكبرى (سلام الله عليها): بكونه عدوَّ الله وابن عدوّ الله(١) - نذكر بعضها:

أبو هريرة:

قال الشبراوي: ( وروى ابن أبي شيبة وغيره، عن أبي هريرة أنّه قال: ( اللّهمّ، لا تُدركني سنة ستّين! ولا إمرة الصبيان! ). وكانت ولاية يزيد فيها. انتهى )(٢) .

ابن عبّاس:

قال الخوارزمي: ( وذكر أبو الحسن السلامي البيهقي في تاريخه، عن ابن عبّاس أنّه قال: سبب زوال الدولة عن يزيد بن معاوية - والله - قتله الحسينعليه‌السلام )(٣) .

عتبة بن مسعود:

حينما علم عتبة بن مسعود بإرادة ابن عبّاس لبيعة يزيد خوفاً، اعترضه بهذا الكلام - كما نقله ابن قتيبة - وقال:( أتُبايع ليزيد، وهو يشرب الخمر، ويلهو بالقيان، ويستهتر بالفواحش؟! )(٤) .

ابن الزبير:

وفي تاريخ خليفة، بإسناده عن بقيّة بن عبد الرحمان، عن أبيه قال: ( لما بلغ يزيد بن معاوية أنّ أهل مكّة أرادوا ابن الزبير على البيعة فأبى، أرسل النعمان بن بشير الأنصاري، وهمام بن قبيصة النميري إلى ابن الزبير، يدعوانه إلى البيعة ليزيد، على أن يجعل له ولاية الحجاز وما شاء وما أحبّ لأهل بيته من

____________________

(١) بلاغات النساء: ٢١.

(٢) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٥.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢/ ٢١٠ طبع الخاقاني.

(٤) الإمامة والسياسة ١/ ٢٠٣.

٦٨

الولاية، فقدما على ابن الزبير، فعرضا عليه ما أمرهما به يزيد، فقال ابن الزبير: أتأمراني ببيعة رجل يشرب الخمر، ويدع الصلاة، ويتبع الصيد...؟! )(١) .

وجاء في تذكرة الخواص: ( ذكر الواقدي، وهشام، وابن إسحاق وغيرهم، قالوا: لما قُتل الحسينعليه‌السلام بعث عبد الله بن الزبير إلى عبد الله بن العبّاس ليُبايعه وقال: أنا أولى من يزيد الفاسق الفاجر... )(٢) .

وفي البدء والتاريخ: ( وأمّا عبد الله بن الزبير، فامتنع بمكّة، ولاذ بالكعبة، ودعا الناس إلى الشورى، وجعل يلعن يزيد، وسمّاه الفاسق المتكبّر... )(٣) .

وفي البداية والنهاية: ( أنّ ابن الزبير لما بلغه مقتل الحسين شرع يخطب الناس، ويُعظِّم قتل الحسين وأصحابه جدّاً، ويعيب على أهل الكوفة وأهل العراق ما صنعوه من خذلانهم الحسين، ويترحّم على الحسين، ويلعن مَن قتله ويقول: ( أما والله، لقد قتلوه، طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه! أما والله، ما كان يستبدل بالقرآن الغناء والملاهي، ولا بالبكاء من خشية الله اللغو والحداء، ولا بالصيام شرب المدام، وأكل الحرام، ولا بالجلوس في حلق الذِّكْر طلب الصيد - يعرِّض في ذلك بيزيد بن معاوية - فسوف يلقون غيّاً )، ويؤلّب الناس على بني أُميّة، ويحثّهم على مُخالفته وخلع يزيد )(٤) .

سعيد بن المسيّب:

قال اليعقوبي: ( وكان سعيد بن المسيب يُسمِّي سنيَّ يزيد بن معاوية بالشؤم، في السنة الأُولى قُتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول

____________________

(١) تاريخ خليفة بن خياط: ١٥٦.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٧٥.

(٣) البدء والتاريخ ٦/ ١٣.

(٤) البداية والنهاية ٨/ ٢١٣.

٦٩

الله، والثانية استُبيح حرم رسول الله وانتُهكت حُرمة المدينة، والثالثة سُفكت الدماء في حرم الله وحُرقت الكعبة )(١) .

عبد الله بن عفيف:

حينما قال عبيد الله بن زياد في خُطبته: ( الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله! ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه! وقتل الكذّاب ابن الكذّاب حسين بن عليّ وشيعته! ). وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي - وكان شيخاً كبيراً ضريراً قد ذهب بصره، قد ذهبت إحدى عينيه بصفّين والأُخرى يوم الجمل - قام فقال: ( يا بن مرجانة، إنّ الكذّاب ابن الكذّاب لأنت وأبوك، والذي ولاّك وأبوه... )(٢) .

وقال السيّد محمّد بن أبي طالب: ( إنّه قال له ابن زياد: يا عدوّ نفسه، ما تقول في عثمان؟

فقال: يا بن مرجانة، ويا بن سميّة الزانية! ما أنت وعثمان أساء أم أحسن، أصلح أم أفسد، والله تعالى وليّ خلقه، يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل؟! ولكن سلني عنك وعن أبيك، وعن يزيد وأبيه )(٣) .

عبد الله بن حنظلة:

قال ابن الجوزي: وكان ابن حنظلة يقول: ( يا قوم، والله، ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنّ الرجل ينكح الأُمّهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة، والله، لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله في بلاءً حسناً )(٤) .

عبد الله بن مُطيع:

روى الذهبي عنه أنّه قال في شأن يزيد: ( إنّه يشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدّى حكم الله )(٥) .

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٥٣.

(٢) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٢؛ تاريخ الإسلام ١/ ٤٠٠؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٢٤.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ٣٧٠.

(٤) الصواعق المحرقة: ٢٣٢. وروى نحوه السيوطي عنه (تاريخ الخلفاء: ٢٠٩).

(٥) سير أعلام النبلاء ٤/ ٤٠.

٧٠

عبد الله بن عمرو بن حفص المخزومي:

قال ابن الجوزي: ( قال أبو الحسن المدائني - وكان من الثقات -: أتى أهل المدينة المنبر، فخلعوا يزيد، فقال عبد الله ابن عمرو بن حفص المخزومي: قد خلعت يزيد، كما خلعت عمامتي - ونزعها من رأسه - وإنّي لأقول هذا، وقد وصلني وأحسن جائزتي، ولكنّ عدوّ الله سكّيرٌ )(١) .

عمرو بن حفص بن المغيرة - أبو زوجة يزيد -:

قال البيهقي: ( ولما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان، قَدِم عمرو بن حفص بن المغيرة، وكان تزوّج يزيد بن معاوية ابنته وأعطاه مالاً كثيراً، فلما قدم المدينة جاءه محمّد بن عمرو بن حزم، وعبيد الله بن حنظلة، وعبد الله بن مُطيع بن الأسود، وناس من وجوه أهل المدينة قالوا: ننشدك الله ربّ هذا البيت، وربّ صاحب هذا القبر، إلاّ أخبرتنا عن يزيد، فقال: إنّه ليشرب الخمر، ويُنادم القردة، ويفعل كذا، ويصنع كذا.

فقالوا: والله، ما لنا بأهل الشام من طاقة، ولكن ما يحِلّ لنا أن نُبايع رجلاً على هذه الحال... )(٢) .

وفد المدينة:

قال ابن الجوزي: ( لما دخلت سنة اثنتين وستّين، ولّى يزيد عثمان بن محمّد ابن أبي سفيان المدينة، فبعث إلى يزيد وفداً من المدينة، فلما رجع الوفد أظهروا شتم يزيد وقالوا: قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويلعب بالكلاب، وإنّا نُشهدكم أنّا قد خلعناه )(٣) .

معاوية بن يزيد بن معاوية:

قال في دائرة المعارف: ( قام بالأمر بعده ابنه معاوية بن يزيد بن معاوية، لكنّه خلع نفسه بعد أربعين يوماً؛ حبّاً بعليّ؛ وكرهاً لقتل

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٤.

(٢) المحاسن والمساوئ: ٦٣.

(٣) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٣. وروى نحوه سبطه في التذكرة (تذكرة الخواص: ٢٨٨).

٧١

الحسن والحسين ولأخذ جدّه الخلافة من بني هاشم )(١) .

وقال ابن حجر: ( إنّه لما وُلِّيَ صعد المنبر فقال: إنّ هذه الخلافة حبل الله، وإنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله، ومَن هو أحقّ به منه، عليّ بن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون، حتّى أتته منيّته، فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ قلّد أبي الأمر، وكان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقَصِف عمرُه، وانبتر عقبُه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه )(٢) .

عمر بن عبد العزيز:

روى ابن الحجر أنّه قال نوفل بن أبي عقرب: ( كنت عند عمر بن عبد العزيز، فذكر رجلٌ يزيد بن معاوية فقال: (قال أمير المؤمنين يزيد ). فقال عمر: ( تقول: أمير المؤمنين يزيد؟! ). وأمر به فضُرب عشرين سوطاً )(٣) .

يزيد في أقوال العلماء:

ذكرنا في مطاوي المباحث السابقة أقوالاً لكبار العلماء والمؤرِّخين والمفسِّرين - حول هذه الجرثومة الفاسدة الطاغية - ما يُناسب بعض زوايا حياته السوداء، ونذكر هنا بعض ما يكون أعمّ وأشمل منها:

١ - الإمام ابن حنبل:

روى ابن الجوزي، بإسناده عن مهنّا بن يحيى قال: ( سألت أحمد عن يزيد بن معاوية، فقال: هو الذي فعل بالمدينة ما فعل.

قلت: وما فعل بها؟

قال: نهبها.

قلت: فنذكر عنه الحديث؟

قال: لا يُذكَر عنه الحديث ولا [ كرامة ]، لا ينبغي لأحد أن يكتب عنه حديثاً.

قال: ومَن كان معه حين فعل ما

____________________

(١) دائرة المعارف ٤/ ٤٢٠.

(٢) الصواعق المحرقة: ٣٣٦؛ تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٥٤.

(٣) الصواعق المحرقة: ٢٣٢؛ انظر تهذيب التهذيب ١١/ ٣١٥ رقم ٨١٠٠.

٧٢

فعل؟ قال: أهل الشام )(١) .

وقال ابن الجوزي في المنتظم: ( وقد أسند يزيد بن معاوية الحديث، فروى عن أبيه، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإسنادنا إليه متّصل! غير أنّ الإمام أحمد سُئل: أيُروى عن يزيد الحديث؟

فقال: ( لا، ولا كرامة )؛ فلذلك امتنعنا أن نُسند عنه )(٢) .

٢ - مُجاهد:

ذكر سبط ابن الجوزي، عن ابن أبي الدُّنيا قال: ( قال مجاهد: فوالله، لم يبقَ في الناس أحد إلاّ مَن سبّه وعابه وتركه ( أي يزيد بن معاوية ) )(٣) .

٣ - الكيا الهراسي:

وحكى عن ذيل تاريخ نيسابور أنّه قد سُئِلَ عن يزيد بن معاوية، فقدح فيه وشطح وقال: ( لو مُددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل، فأمّا قول السلف، فلأحمد، ومالك، وأبي حنيفة قولان: تلويح، وتصريح، ولنا قول واحد التصريح، وكيف لا، وهو اللاعب بالنرد! والمتصيّد بالفهود، ومُدمن الخمر، وهو القائل:

أقول لصحب ضمَّ الكأس شملهم

وداعـي صبابات الهوى يترنَّم

خـذوا بـنصيب من نعيمٍ ولذَّة

فـكلٌّ وإن طال المدى يتصرّم

ولا تتركوا يوم السرور إلى غدٍ

فـرُبَّ غـدٍ يأتي بما ليس يُعلَم(٤)

٤ - ابن الجوزي:

قال: ( ليس العجب من فعل عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد، وإنّما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب على ثنيَّة الحسين، وإعادته إلى المدينة... لبلوغ الغرض الفاسد، أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟! أوليس في

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٣. ورواه سبطه عنه في تذكرة الخواص: ٢٨٧.

(٢) المنتظم ٥/ ٣٢٢. وقد ذكرنا رأي أحمد بن حنبل حول لعن يزيد، فراجع.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٦٢.

(٤) على ما في هامش جواهر المطالب ٢/ ٣٠١.

٧٣

الشرع أنّهم يُصلّى عليهم ويدفنون؟! وأمّا قوله: (لي أن أسبيهم ). فأمر لا يقع لفاعله ومُعتقده إلاّ اللعنة، ولو أنّه احترم الرأس حين وصوله وصلّى عليه، ولم يتركه في طست، ولم يضربه بقضيب، ما الذي كان يضرّه، وقد حصل مقصوده من القتل؟! ولكنْ أحقاد جاهلية؛ ودليلها ما تقدّم من إنشاده: ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا )(١) .

وقال: ( واعلم أنّه ما رضي ببيعة يزيد أحد ممّن يُعوّل عليه، حتّى العَوام أنكروا ذلك، غير أنّهم سكتوا خوفاً على أنفسهم.. وأجمع العلماء على أنّه لا يجوز التنصيص على إمام بالتشهّي، وأنّه لابدّ من صفات، وصفات الإمام وشروط الإمامة جَمَعَها الحسينعليه‌السلام ، لا يُقاربه فيها أحد من أهل زمانه.. وإذا ثبت أنّ الصحابة كانوا يطلبون الأفضل ويرونه الأحقّ، أفيشكّ أحد أنّ الحسين أحقّ بالخلافة من يزيد؟! لا، بل مَن هو دون الحسين في المنزلة، كعبد الرحمان بن أبي بكر، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عبّاس، وما في هؤلاء إلاّ مَن له صحبة ونَسَب، ونجدة وكفاية، وورع وعلم وافر لا يُقاربهم يزيد، فبأيّ وجه يستحقّ التقديم؟! وما رضي ببيعة يزيد عالم ولا جاهل، ولو قيل لأجهل الناس: أيّهما أصلح، الحسين أو يزيد؟ لقال: الحسين.

فبان بما ذكرنا، أنّ ولاية يزيد كانت قهراً، وإنّما سكت الناس خوفاً، ومن جملة مَن خرج ولم يُبايع ابن عمر! فلما خاف على نفسه بايع... )(٢) .

٥ - ابن أبي الحديد ردّاً على بعض:

( وكذا القول في الحديث الآخر، وهو قوله: ( القرن الذي أنا فيه خير... ثمّ الذي يليه) وممّا يدلّ على بطلانه، أنّ القرن الذي جاء بعده بخمسين سنة شرّ قرون الدُّنيا، وهو أحد القرون التي ذكرها في

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٢، ونحوه بتفاوت في تذكرة الخواص: ٢٩٠.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٦٨ - ٧٠.

٧٤

النصّ، وكان ذلك القرن هو القرن الذي قُتل فيه الحسين، وأُوقِع بالمدينة وحوصرت مكّة، ونُقضت الكعبة، وشربت خلفاؤه القائمون مقامه والمنتصبون أنفسهم في منصب النبوّة الخمور، وارتكبوا الفجور، كما جرى ليزيد بن معاوية، وليزيد بن عاتكة، وللوليد بن يزيد.. وإذا تأمّلت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شرّاً كلّها لا خير فيها، فكيف يصحّ هذا الخبر؟! )(١) .

٦ - سيّد الحفّاظ شهردار بن شيرويه الديلمي:

قال الخوارزمي: (وأخبرني سيّد الحفّاظ - ثمّ ذكر إسناد الخبر إلى عبد الله بن بدر الخطمي - عن النبيّ(صلَّى الله عليه وسلَّم) يقول:( مَن أحبّ أن يُبارَك في أجله وأن يُمتَّع بما خوّله الله تعالى، فليَخلفني في أهلي خلافة حسنة، ومَن لم يَخلفني فيهم بُتك عمره وورد عليَّ يوم القيامة مسودّاً وجهه ) قال: فكان كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فإنّ يزيد بن معاوية لم يخلفه في أهله خلافة حسنة فبُتك عمره، وما بقي بعد الحسينعليه‌السلام إلاّ قليلاً، وكذلك عبيد الله بن زياد لعنهما الله )(٢) .

٧ - مجد الأئمّة:

روى الخوارزمي بإسناده: (عن عبد الله بن عمر: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( مَن ذبح عصفوراً بغير حقّه سأله الله عنه يوم القيامة ).

وفي رواية أُخرى:( مَن ذبح عصفوراً بغير حقّ ضجّ إلى الله تعالى يوم القيامة منه، فقال: يا ربّ، إنّ هذا ذبحني عبثاً ولم يذبحني منفعة ) ، ثمّ قال: قال مجد الأئمّة: هذا لمن ذبح عصفوراً بغير حقّ، فكيف لمن قتل مؤمناً؟! فكيف لمن قتل ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الحسينعليه‌السلام ؟! )(٣) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢٠/ ٢٩.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٥.

(٣) المصدر ٢/ ٥٢.

٧٥

٨ - ابن تيمية:

حُكي عن ابن تيميّة أنّه حكم بضلالته، حيث قال ما معناه: ( ومن الناس مَن يرى يزيد رجلاً صالحاً وإمامَ عدلٍ، وهذا قول بعض الضلاّل... )(١) .

٩ - صاحب الميزان:

قال صاحب شذرات الذهب: ( وقال فيه (يزيد) في الميزان: إنّه مقدوحٌ في عدالته، ليس بأهل أن يُروى عنه )(٢) .

١١ - ابن حجر:

قال الشبراوي: (قال العلاّمة ابن حجر في شرح الهمزية: إنّ يزيد قد بلغ من قبايح الفسق والانحلال عن التقوى مبلغاً لا يُستكثَر عليه صدور تلك القبائح منه )(٣) .

١٢ - الجوهري:

ذكر العلاّمة المحمودي، أنّه أنشد في ناصبي أحمق:

رأيت فتىً أشقراً أزرقـاً

قلـيل الدمـاغ كثير الفضول

يُفضّل من حمقه دائـماً

يزيد ابن هند على ابن البتول(٤)

١٣ - ابن حزم:

قال في شذرات الذهب: ( وعدّ ابن حزم خروم الإسلام أربعة: قتل عثمان، وقتل الحسين، ويوم الحرّة، وقتل ابن الزبير )(٥) .

١٤ - العلاّمة الحجّة الأميني:

ولنختم المقال بما ذكره العلاّمة الحجّة البحّاثة الشيخ الأميني:

(... نعم، تمّت تلك البيعة المشومة مع فقدان أيّ جدارة وحنكة في يزيد،

____________________

(١) على ما ذكره المحمودي في هامش الردّ على المتعصّب العنيد: ٣٠ عن ما حكى عن ابن تيميّة في كتاب الفتاوى ٤/ ٤٨١.

(٢) شذرات الذهب ١/ ٦٨.

(٣) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٨.

(٤) (هامش) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٢.

(٥) شذرات الذهب ١/ ٦٨.

٧٦

تؤهّله لتسنّم عرش الخلافة، على ما تردّى به من ملابس الخزي وشية العار من معاقرة الخمور، ومُباشرة الفجور، ومُنادمة القيان ذوات المعازف، ومُحارشة الكلاب، إلى ما لا يتناهى من مظاهر الخزاية، وقد عرفته الناس بذلك كلّه منذ أولياته، وعرّفه به أُناس آخرون... )(١) .

موته:

قال ابن قتيبة الدينوري: ( كانت ولاية يزيد ثلاث سنين وشهوراً، وهلك بحوارين من عمل دمشق، سنة أربع وستّين وهو ابن ثمان وثلاثين سنة )(٢) .

وروى الذهبي، عن محمّد بن أحمد بن مسمع قال: ( سكر يزيد، فقام يرقص فسقط على رأسه، فانشقّ وبدا دماغه )(٣) .

وفيه يقول الشاعر:

يا أيُّها القبر بحوارينا

ضممت شرّ الناس أجمعينا(٤)

* * *

روي عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال: ( رأيت فيما يرى النائم أنّ القيامة قد قامت - إلى أن قال -: ثمّ مررت على وادٍ من نار، فإذا رجل فيه، كلّما أراد أن يخرج قُمِع بمقامع من حديد فهوى، فقلت: مَنْ هذا؟ قيل: يزيد بن معاوية )(٥) .

____________________

(١) الغدير ١٠/ ٢٥٥.

(٢) المعارف: ١٩٨.

(٣) سير أعلام النبلاء ٤/ ٣٦.

(٤) البدء والتاريخ ٦/ ١٦.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٦.

٧٧

٧٨

الفصل الأوّل

دور أهل البيت في الشام

٧٩

٨٠

الفصل الأوّل

دور أهل البيت في الشام

الشام قبل ورود أهلالبيت عليهم‌السلام

ظهور الآيات في الشام بعد مقتل الحسينعليه‌السلام :

رُويت عدّة روايات حول ظهور آيات كونيّة في الشام بعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام (١) ، نذكر بعضها:

روى الطبراني، بإسناده عن ابن شهاب قال: ( ما رُفع بالشام حجر يوم قَتْل الحسين بن علي إلاّ عن دم، رضي الله عنه )(٢) .

وقال الزرندي: ( روى أبو الشيخ في كتاب السنّة.. بسنده إلى يزيد بن أبي زياد قال: شهدت مقتل الحسين وأنا ابن خمس عشرة سنة، فصار الفرس(٣) في

____________________

(١) لعلّ هذه الآيات والتغيّرات الكونيّة التي حدثت في الشام، هي التي أدّت إلى تغيّر الأوضاع وانقلاب المعادلة ضدّ يزيد، كما سنأتي عليه في البحوث اللاحقة من هذا الكتاب.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ٣/ ١٢٠، ح٢٨٣٥. وقال الهيثمي (مجمع الزوائد ٩/ ١٩٦) بعد ذكره الخبر عن الزهري: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وفي ذخائر العُقبى (ص١٤٥) بعد ذكره الرواية قال: خرّجه ابن السري.

(٣) هكذا في المصدر ولعلّ الصحيح الورس وهو: نبت يُستعمَل لتلوين الملابس الحريرية، لاحتوائه على مادّة حمراء، ينبت في بلاد العرب والحبشة والهند، كما جاء في المعجم الوسيط مادّة (ورس).

٨١

عسكرهم رماداً واحمرّت السماء لقتله، وانكسفت الشمس لقتله، حتّى بدت الكواكب نصف النهار، وظنّ الناس أنّ القيامة قد قامت، ولم يُرفَع حجر في الشام إلاّ رُؤي تحته دم عبيط )(١) .

وقال مُحبّ الدِّين الطبري: ( رُوي عن جعفر بن سليمان قال: حدّثتني خالتي أمّ سالم قالت: لما قُتل الحسين مُطرنا مطراً كالدم على البيوت والخدر.

قالت: وبلغني أنّه كان بخراسان والشام والكوفة )(٢) .

حالة الناس:

إنّ قتل الحسينعليه‌السلام أفجَعَ كلّ الناس، ما خلا السلطة الحاكمة، وبنو أُميّة، وأهالي دمشق، والبصرة - على ما في بعض الروايات -:

روى الشيخ الجليل جعفر بن محمّد بن قولويه، بإسناده عن يونس بن ظبيان، وأبي سلمة السرّاج، والمفضّل بن عمر قالوا: سمعنا أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول:( لما مضى الحسين بن عليّ عليهما‌السلام بكى عليه جميع ما خلق الله إلاّ ثلاثة أشياء: البصرة، ودمشق، وآل عثمان ) (٣) .

وروى الشيخ الطوسي، بإسناده عن الحسين بن فاختة، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، قال:( إنّ أبا عبد الله الحسين عليه‌السلام لما قُتل بكتْ عليه السماوات السبع، والأرضون السبع، وما فيهنّ، وما بينهنّ، ومَن يتقلّب في الجنّة والنار، وما يُرى وما لا يُرى، إلاّ ثلاثة أشياء فإنّها لم تبكِ عليه ) .

فقلتُ: جُعلت فداك، وما هذه الثلاثة

____________________

(١) نظم درر السمطين: ٢٢٠.

(٢) ذخائر العُقبى: ١٤٥، ثمّ قال: خرّجه ابن بنت منيع؛ إحقاق الحقّ ١١/ ٤٦٠، وقال: ورواه ابن عساكر في تاريخه على ما في مُنتخبه ٤/ ٣٣٩، والذهبي في تاريخ الإسلام ٢/ ٣٤٩.

(٣) كامل الزيارات: ٨٠ ح٤، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٠٦.

٨٢

أشياء التي لم تبكِ عليه؟ فقال:( البصرة، ودمشق، وآل الحَكم بن أبي العاص ) (١) .

ولا شكّ أنّ المقصود من البصرة ودمشق أهلهما، كما في قوله تعالى:( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ... ) (٢) ، أي أهلها.

أمّا أهل دمشق؛ فلطول زمان تسلّط بني أميّة عليهم، وبثّ الفتنة والدعايات الكاذبة ضدّ آل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا المصر.

وأمّا البصرة؛ فحسبها أنّها البلدة التي اتّخذها الناكثون موضعاً للوقوف في وجه الإمام المفترض الطاعة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولبقاء آثار حرب الجمل دور لا يمكن التغافل عنه.

وأمّا آل عثمان وآل الحكم بن أبي العاص؛ فإنّهم من بني أُميّة الشجرة الملعونة في القرآن، كما تقدّم.

المهمّ أنّ أهل الشام لم يتأثّروا في بادئ الأمر بقتل الحسينعليه‌السلام ، بل راحوا يهنئون يزيد بالفتح(٣) !!.

أمْرُ يزيد بإرسال رأس الإمامعليه‌السلام وأُسرته إلى الشام!

أمر يزيدُ عبيدَ الله بن زياد بإرسال الرأس الشريف وبقيّة عترة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) ؛ ممّن صرّح بهذا الأمر ابن سعد، فإنّه نقل بإسناده عن عامر، قال: ( وقَدِم رسول من قِبل يزيد بن معاوية، يأمر عبيد الله أن يُرسل إليه بثقل الحسين ومَن بقي من ولده وأهل بيته ونسائه، فأسلفهم أبو خالد ذكوان عشرة آلاف درهم، فتجهّزوا بها )(٥) .

____________________

(١) أمالي الطوسي: ٥٤، مجلس ٢، ح٧٣، ونحوه في كامل الزيارات: ٨٠ ح٥ بتفاوت.

(٢) يوسف: ٨٢.

(٣) مُثير الأحزان: ١٠٠.

(٤) وهذا هو مؤيّد آخر لرضى يزيد بقتل سيّد الشهداءعليه‌السلام .

(٥) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله من القسم غير المطبوع من الكتاب): ٨١.

٨٣

وقال السيّد ابن طاووس: ( وأمّا يزيد بن معاوية، فإنّه لما وصل إليه كتاب ابن زياد ووقف عليه، أعاد الجواب إليه، يأمره فيه بحمل رأس الحسينعليه‌السلام ورؤوس مَن قُتل معه، وبحمل أثقاله ونسائه وعياله )(١) .

وقال ابن الجوزي: ( ثمّ دعا ابنُ زياد زحرَ بن قيس، فبعث معه برأس الحسين ورؤوس أصحابه إلى يزيد، وجاء رسولٌ من قِبل يزيد فأمر عبيد الله أن يُرسل إليه بثقل الحسين ومَن بقي من أهله )(٢) .

وممّا يؤيِّد ذلك، ما نقله الطبري وابن الأثير عن هشام الكلبي، عن مجيء بريد من يزيد بن معاوية إلى عبيد الله حاملاً كتابه إليه بأن سرِّح الأُسارى إليَّ (٣) .

مَن حمل الرأس الشريف؟

وقع خلاف بين أهل السير في مَن دُفع إليه رأس الحسينعليه‌السلام ورؤوس أصحابه الأوفياء حتّى يحملها إلى يزيد، والأقوال ثلاثة:

أ) زحر بن قيس الجعفي:

هذا هو رأي الأغلب(٤) ، يؤيّده ما رواه الطبري الإمامي، بإسناده عن إبراهيم بن سعد أنّه كان مع زهير بن القين حين صحب الحسينعليه‌السلام ، فقال له:( يا زهير، اعلم أنّ هاهنا مشهدي، ويَحمِل هذا من جسدي - يعني رأسه - زحر بن قيس، فيدخل به على يزيد يرجو نواله، فلا يُعطيه شيئاً ) (٥) .

____________________

(١) الملهوف: ٢٠٨. ونحوه في تسلية المجالس ٢/ ٣٧٢.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٥.

(٣) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٤؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٤.

(٤) الإرشاد ٢/١١٨؛ الفتوح ٢/١٨٠؛ الكامل في التاريخ ٤/٨٣؛ البداية والنهاية ٨/١٩٣؛ مقتل الخوارزمي ٢/٥٥؛ إعلام الورى: ٢٤٨؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩١.

(٥) دلائل الإمامة: ١٨٢ ح٩٧.

٨٤

وكان معه أبو بُردة بن عوف الأزدي، وطارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة.

قال الشيخ المفيد: ( ولما فرغ القوم من التطواف به - أي بالرأس الشريف - بالكوفة ردّوه إلى باب القصر، فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس، ودفع إليه رؤوس أصحابه، وسرّحه إلى يزيد بن معاوية عليهم لعائن الله ولعنة اللاعنين في السماوات والأرضين، وأنفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي، وطارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة، حتّى وردوا بها على يزيد بدمشق )(١) .

ب) مُحَفّز بن ثعلبة العائذي:

صرّح بذلك البلاذري، قال: ( وأمر عبيد الله بن زياد بعليّ بن الحسين، فغُلّ بغِلّ إلى عنقه، وجهَّز نساءه وصبيانه، ثمّ سرّح بهم مع مُحفَّز بن ثعلبة من عائذة قريش، وشمر بن ذي الجوشن )(٢) .

ونُقل عن عوانة بن الحكم أنّه قال: ( قُتل الحسين بكربلاء، قتله سنان بن أنس، واحتزّ رأسه خولي بن يزيد، وجاء به إلى ابن زياد، فبعث به إلى يزيد مع مُحفّز بن ثعلبة )(٣) .

ج) عمر بن سعد:

تفرّد بذكره الشبراوي، قال: ( ويُقال: إنّ الذي حضر بالرأس إلى الشام عمر بن سعد بن أبي وقّاص، وفي عنق عليّ بن الحسين ويديه الغِلّ )(٤) .

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١١٨.

(٢) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٣) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦. وذُكر هذا المعنى في تذكرة الخواص: ٢٦٢؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٧٢.

(٤) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٥.

٨٥

أهلالبيت عليهم‌السلام في الشام

أصبح أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أُسارى!

هذه هي الفاجعة الكبرى، والمأساة العُظمى، جاءوا إلى الشام وعلى رأسهم سيّد العابدين وزين المتهجّدين عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، وقد جُعل الغِلّ في عنقه ويده(١) ، يحمله بعير يطلع بغير وطاء، والأُسارى من أهل بيت الرسول من النساء والصبيان راكبين أقتاباً يابسة، ورأس الحسينعليه‌السلام على علَم، وحولهم الجنود بالرماح إنْ دمعت عين أحدهم قُرع رأسه بالرمح، ساقوا بهم من منزل إلى منزل كما تُساق أُسارى التُّرك والديلم..

نعم، إنّهم جاءوا إلى الشام مشدودين على أقتاب الجمال موثوقين بالحبال، والنساء مكشفاف الوجوه و... إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

روي عن زينب الكبرى (سلام الله عليها) أنّها قالت: (قد علم الله ما صار إلينا. قُتل خيرنا، وانسقنا كما تُساق الأنعام، وحُملنا على الأقتاب! )(٢) .

وجاء في رسالة ابن عبّاس ليزيد: ( ألا ومن أعجب الأعاجيب - وما عشت أراك الدهر العجيب - حملك بنات عبد المطّلب وغُلمة صغاراً من ولْده إليك بالشام، كالسبي المجلوب، تُري الناس أنّك قهرتنا وأنّك تأمر علينا، ولعَمْرِي، لئن كنت تُصبح وتُمسي آمناً لجرح يدي... )(٣) .

وقال ابن حبان: ( ثمّ أنفذ عبيد الله بن زياد رأس الحسين بن علي إلى الشام مع

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٣؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٣؛ إعلام الورى: ٢٤٨.

(٢) أخبار الزينبات المنسوب إلى العلاّمة أبي عبيد الله الأعرج بن الإمام السجّاد: ١١٦.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٥٠.

٨٦

أُسارى النساء والصبيان من أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أقتاب، مُكشّفات الوجوه والشعور )(١) .

وقال: ( ثمّ أركب الأُسارى من أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من النساء والصبيان أقتاباً يابسة مُكشّفات الشعور، وأُدخلوا دمشق كذلك )(٢) .

وقال ابن عبد ربّه: ( وحمَل أهلُ الشام بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا على أحقاب الإبل )(٣) .

واليعقوبي: ( وأُخرج عيال الحسين وولده إلى الشام، ونُصب رأسه على رمح )(٤) .

وقال ابن أعثم والخوارزمي: ( فسار القوم بحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكوفة إلى بلاد الشام على محامل بغير وطاء، من بلد ومن منزل إلى منزل، كما تُساق أُسارى التُّرك والديلم )(٥) .

وقال سبط ابن الجوزي: ( ولما أسلم وحشي قاتل حمزة قال له رسول الله:( غيّب وجهك عنّي، فإنّي لا أُحبّ مَن قَتَل الأحبّة )، قال هذا والإسلام يجبّ ما قبله، فكيف يقدر الرسول أن يَرى مَن ذبح الحسين وأمر بقتله وحمَل أهله على أقتاب الجمال؟! )(٦) .

وقال الباعوني: ( وحمل أهل الشام بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا على

____________________

(١) كتاب الثقات ٢/ ٣١٢.

(٢) المصدر نفسه ٢/ ٣١٣، ونحوه في عبرات المصطفين ٢/ ٢٦٥.

(٣) العقد الفريد ٥/ ١٣٢.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٤٥.

(٥) الفتوح ٢/ ١٨٠، مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٥، ونحوه في تسلية المجالس ٢/ ٣٧٩.

(٦) تذكرة الخواص: ٢٧٤؛ نظم درر السمطين: ٢٢٢.

٨٧

الأقتاب )(١) .

وفي شذرات الذهب: ( ولما تمّ قتلُه حُمِل رأسه وحرم بيته وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا، قاتل الله فاعل ذلك وأخزاه ومَن أمر به أو رضيه )(٢) .

وقال الشبراوي: ( ثمّ أرسل بها إلى يزيد بن معاوية، وأرسل معه الصبيان والنساء مشدودين على أقتاب الجمال، موثوقين بالحبال، والنساء مُكشّفات الوجوه والرؤوس )(٣) .

وقال: ( ومن عجائب الدهر الشنيعة وحوادثه الفظيعة أن يُحمل آل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أقتاب الجمال، موثّقين بالحبال، والنساء مُكشّفات الوجوه والرؤوس، من العراق إلى أن دخلوا دمشق، فأُقيموا على درج الجامع حيث يُقام الأُسارى والسبي، والأمر كلّه لله، لا حول ولا قوّة إلاّ به )(٤) .

وقال السيّد محمّد بن أبي طالب: ( فسار بهم مُحَفّز حتّى دخل الشام، كما يُسار بسبايا الكفّار، ويتصفّح وجوههم أهل الأقطار )(٥) .

كيف ورد أهل بيت الحسينعليه‌السلام دمشق؟!

لقد دخل أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دمشق نهاراً، وأهلها قد علّقوا الستور والحُجب والديباج، فرحين مُستبشرين، ونساؤهم يلعبن بالدفوف، ويضربن على الطبول، كأنّه العيد الأكبر عندهم.

____________________

(١) جواهر المطالب ٢/ ٢٧٣.

(٢) شذرات الذهب ١/ ٦٧.

(٣) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٥.

(٤) المصدر نفسه: ٦٩.

(٥) تسلية المجالس ٢/ ٣٧٢.

٨٨

روى الخوارزمي، بإسناده عن زيد، عن أبيهعليه‌السلام قال: ( إنّ سهل بن سعد قال: خرجت إلى بيت المقدس، حتى توسّطت الشام، فإذا أنا بمدينة مُطّردة الأنهار، كثيرة الأشجار قد علّقوا الستور والحُجب والديباج، وهم فرحون مُستبشرون، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول، فقلت في نفسي: لعلّ لأهل الشام عيداً لا نعرفه نحن.

فرأيت قوماً يتحدّثون، فقلت: يا هؤلاء، ألكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟!

قالوا: يا شيخ نراك غريباً!

فقلت: أنا سهل بن سعد، قد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحملت حديثه.

فقالوا: يا سهل، ما أعجبك السماء لا تمطر دماً والأرض لا تُخسف بأهلها!

قلت: ولِمَ ذاك؟

فقالوا: هذا رأس الحسين عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يُهدى من أرض العراق إلى الشام، وسيأتي الآن.

قلت: واعجباه! يُهدى رأس الحسين والناس يفرحون؟! فمن أيّ باب يدخل؟

فأشاروا إلى باب يُقال له: باب الساعات. فسرت نحو الباب، فبينما أنا هنالك، إذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضاً، وإذا أنا بفارس بيده رمح منزوع السنان، وعليه رأس مَن أشبه الناس وجهاً برسول الله، وإذا النسوة من ورائه على جمال بغير وطاء، فدنوت من إحداهنّ فقلت لها: يا جارية، مَن أنت؟

فقالت: أنا سكينة بنت الحسين.

فقلت لها: ألكِ حاجة إليّ - فأنا سهل بن سعد، ممّن رأى جدّك وسمعت حديثه -؟

قالت: يا سهل، قل لصاحب الرأس: أن يتقدّم بالرأس أمامنا؛ حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه فلا ينظرون إلينا، فنحن حرم رسول الله.

قال: فدنوت من صاحب الرأس وقلت له: هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ منّي أربعمئة دينار؟

قال: وما هي؟

قلت: تُقدِّم الرأس أمام الحرم. ففعل ذلك، ودفعت له ما وعدته... )(١) .

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٠؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٧٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٧.

٨٩

إنّ هذه الرواية تكشف عن عدّة نقاط:

١ - الوضع العامّ، المتمثِّل بحالة الفرح والانبساط والاشتغال باللهو، وهي ناشئة عن الجهل السائد، وقد بيّنا جذوره في مدخل هذا الكتاب.

٢ - الوضع الخاصّ، وهو وجود ضمائر حيّة تعرف الأمور، وتُميّز الحقّ من الباطل، ممّن رأى سهلُ بن سعد بعضَهم مُصادفةً، وسمع منهم هذا الكلام: ( يا سهل، ما أعجبك السماء لا تمطر دماً والأرض لا تُخسف بأهلها، هذا رأس الحسين عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُهدى من أرض العراق إلى الشام )، وأغلب الظنّ أنّهم قاموا بدور مُهمّ في إيقاظ الناس، بعدما فُسح لهم المجال، إلى جانب الدور المهمّ الذي أدّاه أهل بيت الحسينعليه‌السلام في الشام، وإن لم نعلم تفاصيل ذلك.

٣ - اهتمام حرم الحسينعليه‌السلام بمسألة الحجاب وحفظ مكانة المرأة في الإسلام، مع كونهم في مأساة كبيرة لا تتصوّرها العقول، فلقد قدموا من سفر بعيد، ونالت منهم جراحات اللسان والسنان ما نالت، ومع ذلك تقول سكينة: ( قل لصاحب الرأس: أن يتقدّم بالرأس أمامنا؛ حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه فلا ينظرون إلينا، فنحن حرم رسول الله ).

ونحو ذلك ما رواه السيّد ابن طاووس وابن نما، قال - واللفظ للأوّل -: (قال الراوي: وسار القوم برأس الحسينعليه‌السلام ونسائه والأسرى من رجاله، فلما قربوا من دمشق دنت أُمّ كلثوم من الشمر - وكانت من جملتهم - فقالت: لي إليك حاجة.

فقال: وما حاجتك؟

قالت: إذا دخلت بنا البلد، فاحملنا في درب قليل النُظَّارة، وتقدّم إليهم أن يُخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل ويُنحّونا عنها، فقد خُزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في هذه الحال، فأمر في جواب سؤالها أن تُجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل - بغياً منه وكفراً - وسلك بهم بين النُظَّارة

٩٠

على تلك الصفة، حتّى أتى بهم إلى باب دمشق، فوقفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يُقام السبي )(١) .

وروي أنّ السبايا لما وردوا مدينة دمشق أُدخلوا من باب يُقال له: باب (توما)(٢) .

وروى محمّد بن أبي طالب قال: ( إنّ رؤوس أصحاب الحسين وأهل بيته كانت ثمانية وسبعين رأساً، واقتسمتها القبائل ليتقرّبوا بذلك إلى عبيد الله وإلى يزيد )(٣) .

رأس الحسين يتلو القرآن!

كيف ينطق الرأس الشريف؟ وما الذي نطق به؟ لقد نطق بالقرآن؛ لكي يثبت للجميع أنّه شهيد القرآن، وإذا كان هو القرآن الناطق في حياته، فكيف لا ينطق به بعد استشهاده؟!

المروي في التاريخ، أنّ الرأس الشريف تلا هذه الآية الشريفة:( ... فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٤) .

روى ابن عساكر، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل قال: ( رأيت رأس الحسين بن علي (رضي الله عنه) على القنا وهو يقول:( ... فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٥) .

____________________

(١) الملهوف: ٢١٠. ونحوه في مُثير الأحزان: ٩٧ وفيه: فأمر (شمر) بضدّ ما سألته بغياً منه وعتوَّاً.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦١.

(٣) بحار الأنوار ٤٥/ ٦٢.

(٤) البقرة: ١٣٧.

(٥) تاريخ مدينة دمشق ٧/ ٥٠٩.

٩١

وجاء في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور:

( وقال: إنّ كلّ راوٍ لهذا الحديث قال لمن رواه له: الله، إنّك سمعته من فلان؟ قال: الله، إنّي سمعته منه، إلى الأعمش! قال الأعمش: فقلت لسلمة بن كهيل: الله، إنّك سمعته منه؟ قال: الله، إنّي سمعته منه بباب الفراديس بدمشق! لا مُثّل لي ولا شُبّه لي وهو يقول:( ... فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (١) .

تكلّم رأس الحسينعليه‌السلام بدمشق!

أخرج ابن عساكر، بإسناده عن المنهال بن عمرو قال: أنا - والله - رأيت رأس الحسين بن علي حين حُمل وأنا بدمشق، وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف حتّى بلغ قوله:( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ) (٢) ، قال: فأنطق الرأس بلسان ذرب فقال:( أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي ) (٣) .

وروى ابن شهر آشوب عن الحافظ السروي أنّه قال: ( وسُمع أيضاً صوتهعليه‌السلام بدمشق:( لا قوّة إلاّ بالله ) (٤) .

____________________

( ١ ) مُختصر تاريخ دمشق ١٠/ ٩٢. وروى الخبر الشيخ الجليل أبو محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمّي ( المسلسلات: ٢٥١)؛ والعلاّمة الجويني ( فرائد السمطين ٢/ ١٦٩ ح٤٥٨ ) بإسنادهما. وانظر: تهذيب تاريخ دمشق ٦/ ٢٣٦؛ الوافي بالوفيات ١٥/ ٣٢٣؛ قيد الشريد لمحمّد بن طولون: ٧٥.

( ٢ ) الكهف: ٩.

( ٣ ) تاريخ مدينة دمشق ١٧/ ٢٤٦، وانظر: الخرائج والجرائح ٢/ ٥٧٧؛ الثاقب في المناقب: ٣٣٣ ح٢٧٤، وفيه أنّه قال:( أمري أعجب من أمر أصحاب الكهف والرقيم ) ، الخصائص الكبرى ٢/ ١٢٧؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٨، ح٣٦؛ الصراط المستقيم ٢/ ١٧٩ ح٥٧؛ مناقب أمير المؤمنين للصنعاني ٢/ ٢٦٧؛ الكواكب الدُّرِّية ١/ ٥٧؛ إسعاف الراغبين: ١٩٦؛ نور الأبصار: ١٣٥؛ مدينة المعاجز: ٢٧٤؛ إثبات الهُداة ٥/ ١٩٣ ح٣٢؛ إحقاق الحقّ ١١/ ٤٥٣؛ عبرات المصطفين ٢/ ٣٣٠؛ العوالم ١٧/ ٤١٢.

( ٤ ) المناقب ٤/ ٦١.

٩٢

على درج المسجد:

أمر يزيد عليه اللعنة بإيقاف الأُسارى من أُسرة الرسول ( صلَّى الله عليه وآله ) بدرجة المسجد، حيث توقَف الأُسارى لينظر الناس إليهم، صرّح بذلك المؤرّخون، ومنهم مطهّر بن طاهر المقدسي( ١) ، وابن العبرى( ٢) ، قال - واللفظ للأخير -: ( ثمّ بعث ( أي ابن زياد ) به ( أي رأس الحسين ( عليه السلام) ) وبأولاده إلى يزيد بن معاوية، فأمر نساءه وبناته فأُقمن بدرجة المسجد حيث توقَف الأسارى ينظر الناس إليهم ).

مع الشيخ الشامي:

قال ابن أعثم: ( وأُتي بحرم رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) حتّى أُدخلوا من مدينة دمشق من باب يُقال له: ( باب توما)، ثمّ أُتي بهم حتّى وقفوا على درج باب المسجد حيث يُقام السبي، وإذا بشيخ قد أقبل حتّى دنا منهم وقال: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم، وأراح الرجال من سطوتكم، وأمكن أمير المؤمنين! منكم.

فقال له عليّ بن الحسين:( يا شيخ، هل قرأت القرآن؟! )

فقال: نعم، قرأته.

قال:( فعرفت هذه الآية: ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ) (٣) ؟! ) .

فقال الشيخ: قد قرأت ذلك.

فقال عليّ بن الحسين ( رضي الله عنه):( فنحن القُربى يا شيخ! ) .

قال:( فهل قرأت في ( بني إسرائيل): ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ... ) (٤) ؟! ) .

____________________

(١) البدء والتاريخ ٦/ ١٢.

(٢) تاريخ مُختصر الدول: ١٩٠.

(٣) الشورى: ٢٣.

(٤) الإسراء: ٢٦.

٩٣

فقال الشيخ: قد قرأت ذلك.

فقال عليّ ( رضي الله عنه):( نحن القُربى يا شيخ! ولكن هل قرأت هذه الآية: ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) ( ١ ) ،فنحن ذو القُربى يا شيخ! ولكن هل قرأت هذه الآية: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) ؟! ) .

فقال الشيخ: قد قرأت ذلك.

فقال:( فنحن أهل البيت الذين خُصصنا بآية الطهارة! ) .

قال: فبقى الشيخ ساعة ساكتاً نادماً على ما تكلّمه، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال: اللّهمَّ، إنّي تائبٌ إليك ممّا تكلّمته ومن بغض هؤلاء القوم، اللّهمّ، إنّي أبرأ إليك من عدوّ محمّد وآل محمّد من الجنّ والإنس )(٣) .

وفي اللهوف قال: قال الراوي: ( بقي الشيخ ساكتاً نادماً على ما تكلّم به، وقال: ( تالله، إنّكم هُم؟! ).

فقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام :( تالله، لنحن هم من غير شكّ، وحقّ جدّنا رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) إنّا لنحن هم ) .

قال: فبكى الشيخ ورمى عمامته، ثمّ رفع رأسه إلى السماء، وقال: اللّهمّ، إنّي أبرأ إليك من عدوّ آل محمّد( صلَّى الله عليه وآله ) من الجنّ والإنس. ثمّ قال: هل لي من توبة؟

فقال له:( نعم، إن تبت تاب الله عليك وأنت

____________________

( ١ ) الأنفال: ٤١.

( ٢ ) الأحزاب: ٣٣.

( ٣ ) الفتوح ٢/ ١٨٣. ونحوه في: تفسير فرات الكوفي: ١٥٣ ح١٩١؛ أمالي الصدوق: ٢٣٠؛ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٤؛ روضة الواعظين ١/ ١٩١؛ الاحتجاج ٢/ ١٢٠؛ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٦ ح٩؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٦١؛ الدرّ المنثور ذيل آية ٢٣: الشورى و٢٦: الإسراء، بتفاوت يسير، وفيه: أنّ الشيخ الشامي قال - بعدما رفع يده إلى السماء -: اللّهم، إنّي أتوب إليك - ثلاث مرّات - اللّهمّ، إنّي أبرأ إليك من عدوّ آل محمّد ومن قتلة أهل بيت محمّد، لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم.

٩٤

معنا ) . فقال: ( أنا تائب). فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ، فأمر به فقُتِل )(١) .

تأمّل وملاحظات:

نستنتج من هذا الخبر عدّة أُمور:

١ - إنّ هذا أوّل موقف تكلّم به الإمام زين العابدين بعد تحمُّله شِدَّة السفر وشقَّته، وبعدما رأى من المعاناة؛ لأنّه روي أنّ الإمام ( عليه السلام ) لم يتكلّم في الطريق - من الكوفة إلى الشام - حتّى وصل الشام( ٢) .

٢ - الإمام ( عليه السلام ) يقوم بأداء الرسالة في أوّل فرصة وأوّل نقطة يجد بها الطينة الطيّبة. فمع أنّ ذاك الشيخ الشاميّ لم يكن إلاّ رجلاً عاش في كَنف حُكم الأُمويّين مدّة طويلة، ولم يرَ عليّاً ولا أحداً من أبنائه، ولكنّه كان على فطرة سليمة، بينما الذين قاموا بقتل الإمام الحسين وسبي أهل بيته، فقد كان كثير منهم ممّن رأى عليّاً والحسن والحسين ( عليهم السلام ) وصلّى خلفهم! وسلّم عليهم ولكنّهم كانوا خبثاء!

٣ - هذا الخبر يدلّ على سيطرة الجوّ الإعلامي المسموم، على مجتمع وبيئة تربَّت في أحضان بني أُميّة، لقد أذاعوا بأنّ المقتول هو رجل خارجيّ، خرج على أمير المؤمنين! وخليفة المسلمين! كان يريد بثّ الفتنة والفرقة في المجتمع( ٣) ؛ ولذلك نرى أنّ الشيخ الشامي حينما يواجه الإمام ( عليه السلام ) أوّل مرّة يحمد الله على قتل

____________________

( ١ ) الملهوف: ٢١١، ونحوه في تسلية المجالس ٢/ ٣٨٤. وروى الخبر ابن حجر ( الصواعق المحرقة: ٣٤١ باب وصيّة النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله ) بهم )؛ ينابيع المودّة ٢/ ٣٠٢ عن الطبراني مُلخّصاً.

( ٢ ) انظر: تاريخ الطبري ٤/ ٣٥١؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٣؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩١؛ الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨؛ مُثير الأحزان: ٩٧.

( ٣ ) ومن هنا نجد أنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) يهتمّ بهذا الجانب بنفسه، حيث يقول:( إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ) .

٩٥

الحسين ( عليه السلام ) ويقول: ( الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم! وأراح الرجال من سطوتكم! وأمكن أمير المؤمنين منكم! ).

ولكن حينما ينكشف له الواقع يتوب إلى الله من قوله، ويتبرّأ من قَتَلة أهل بيت رسول الله ( عليهم السلام ) وأعدائهم، وكانت أكثريّة المجتمع الشامي، على غرار هذا الشيخ، قد ضلّلهم الدعاية الأُموية وحجبتهم عن معرفة أهل بيت رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله)؛ ومن ثَمَّ لم يتحمّل يزيد ذلك وأمر بقتل ذلك الشيخ؛ كي يظلّ مُسيطراً على الأوضاع في زعمه.

متى وصل الرأس الشريف؟

بالنسبة إلى زمان وصول الرأس الشريف هناك عدّة احتمالات:

الأوّل: أنّ الرأس الشريف حُمل مع تسييرهم أهل البيت إلى الشام، وهناك بعض الشواهد التاريخية تؤيّد ذلك.

* منها: ما رواه ابن حبّان بقوله: ( ثمّ أنفذ عبيد الله بن زياد رأس الحسين بن علي إلى الشام، مع أُسارى النساء والصبيان من أهل بيت رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) )(١) .

* ومنها: ما رواه السيّد ابن طاووس، عن الإمام زين العابدين أنّه قال:( حملني على بعير يطلع بغير وطاء، ورأس الحسين ( عليه السلام ) على عَلَم ونسوتنا خلفي على بغال... والفارطة خلفنا وحولنا بالرّماح ) (٢) .

* ومنها: ما رواه ابن الأثير: ( ثمّ أرسل ابن زياد رأس الحسين ورؤوس أصحابه مع زحر بن قيس إلى الشام، إلى يزيد ومعه جماعة، وقيل: مع شمر وجماعة

____________________

( ١ ) كتاب الثقات ٢/ ٣١٢.

( ٢ ) إقبال الأعمال: ٥٨٣.

٩٦

معه، وأرسل معه النساء والصبيان وفيهم عليّ بن الحسين )(١) .

* ومنها: ما نقله السيّد ابن طاووس أيضاً: ( وأمّا يزيد بن معاوية، فإنّه لما وصل إليه كتاب ابن زياد ووقف عليه أعاد الجواب إليه، أمره فيه بحمل رأس الحسين ( عليه السلام ) ورؤوس مَن قُتل معه وبحمل أثقاله ونسائه وعياله )(٢) .

الثاني: أنّ الرأس الشريف أُوصل إلى دمشق قبل وصول أهل البيت ( عليهم السلام)، وهناك بعض الشواهد تؤيّد هذا الاحتمال:

منها: ما صرّح به ابن أعثم والخوارزمي بقولهما - واللفظ للأوّل -: ( ثمّ دعا ابن زياد بزحر بن قيس الجعفي، فسلّم إليه رأس الحسين بن علي ( رضي الله عنهما ) ورؤوس إخوته... ورؤوس أهل بيته وشيعته ( رضي الله عنهم أجمعين )، ودعا علي بن الحسين، فحمله وحمل أخواته وعمّاته ونساءهم إلى يزيد بن معاوية... وسبق زحر بن قيس برأس الحسين ( عليه السلام ) إلى دمشق حتى دخل على يزيد، فسلّم عليه ودفع إليه كتاب عبيد الله بن زياد، قال: فأخذ يزيد كتاب عبيد الله بن زياد فوضعه بين يديه، ثمّ قال: هات ما عندك يا زحر، فقال: أبشِر يا أمير المؤمنين!... )(٣) .

ومُقتضى هذا الاحتمال، أنّ الرأس الشريف أُرجع بعد ذلك إلى خارج دمشق؛ لكي يُدخَل مع الأُسارى الشام.

الثالث: أنّ أهل بيت الحسين ( عليه السلام ) سُرِّحوا إلى دمشق بعدما أُنفذ برأس الحسين ( عليه السلام)، ولكنّهم لحقوا بالذين معهم الرأس الشريف، فأُدخِلوا مع الرأس الشريف الشام.

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٣.

( ٢ ) الملهوف: ٢٠٨. وكذا ما روى في شذرات الذهب ١/ ٦٧؛ والإتحاف ٥٥ و٦٩.

( ٣ ) الفتوح ٢/ ١٨٠؛ نحوه مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٥ بتفاوت يسير.

٩٧

روى الشيخ المفيد والطبرسي ما يؤيّد ذلك، قالا: ( ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد - بعد إنفاذه برأس الحسين - أمر بنسائه وصبيانه فجُهّزوا وأمر بعليّ بن الحسين فغُلّ بغِلّ إلى عنقه، ثمّ سرّح بهم في أثر الرأس مع مُحفَّز بن ثعلبة العائذي، وشمر بن ذي الجوشن، فانطلقا بهم حتّى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس... )(١) .

ويمكن أن يُقال: إنّ الرأس الشريف أُنفذ مع إنفاذ أهل البيت إلى الشام وأُدخِل معهم دمشق، ولكنّه أُدخل بالرأس الشريف مجلس يزيد قبل إدخالهم مجلسه، وهذا يتَّحد مع الاحتمال الأوّل الذي ربّما ذكره الأكثر، ويُحمل عليه الاحتمال الثاني أيضاً.

أمّا زمن دخول الرأس الشريف في الشام تحديداً، فقد صرّح بعض العلماء كونه في أوّل يوم من شهر صفر.

قال أبو ريحان البيروني: (في اليوم الأوّل من صفر، أُدخل رأس الحسينعليه‌السلام مدينة دمشق، فوضعه بين يديه، ونقر ثناياه بقضيب كان في يده، وهو يقول: لست من خندف إن لم أنتقم... الأبيات )(٢) .

وقال الكفعمي: ( وفي أوّله (صفر) أُدخل رأس الحسينعليه‌السلام إلى دمشق، وهو عيد عند بني أُميّة )(٣) .

وعليه يُحمل ما ذكره الشيخ البهائي بقوله: ( الأوّل من صفر، فيه حُمِل رأس أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام إلى دمشق، وجعلوه بنو أُميّة عيداً )(٤) .

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨.

(٢) الآثار الباقية: ٣٢١.

(٣) مصباح الكفعمي: ٥١٠.

(٤) توضيح المقاصد: ٥.

٩٨

رأس الإمامعليه‌السلام بين يدي يزيد!

قال الحافظ البدخشاني: ( ولما قدموا دمشق ودخلوا على يزيد رموا برأس الحسين (رضي الله عنه) بين يديه، فاستبشر الشقيّ بقتله، وجعل ينكت رأسه بالخيزران... )(١) .

وقال الدينوري: ( قالوا: إنّ ابن زياد جهّز علي بن الحسين ومَن كان معه من الحرم، ووجّه بهم إلى يزيد بن معاوية، مع زحر بن قيس ومحقن بن تغلبة(٢) ، وشمر بن ذي الجوشن، فساروا حتّى قدموا الشام ودخلوا على يزيد بن معاوية بمدينة دمشق، وأُدخل معهم رأس الحسين، فرُمي بين يديه، ثمّ تكلّم شمر بن ذي الجوشن فقال: يا أمير المؤمنين، ورد علينا هذا في ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته وستّين رجلاً من شيعته... )(٣) .

ثمّ ذكر الدينوري كلاماً تفرّد هو بنسبته إلى شمر، خلافاً لغيره من المؤرّخين الذين يرون أنّ المتكلّم كان زحر بن قيس.

قال الشيخ المفيد - وغيره(٤) : ( روى عبد الله بن ربيعة الحميري فقال: إنّي لعند يزيد بن معاوية بدمشق، إذ أقبل زحر بن قيس حتّى دخل عليه، فقال له يزيد: ويلك! ما وراءك وما عندك؟

قال: أبشِر - يا أمير المؤمنين - بفتح الله ونصره! ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستّين من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حُكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال، فأحطنا بهم من كلّ ناحية، حتى إذا أخذت السيوف مآخذها من هام القوم، جعلوا يهربون إلى غير وزر، ويلوذون

____________________

(١) نُزل الأبرار: ١٥٩.

(٢) الظاهر أنّه تصحيف مُحفّز بن ثعلبة.

(٣) الأخبار الطوال: ٢٦٠.

(٤) ممّن سنذكرهم في الهامش الآتي.

٩٩

منّا بالآكام والحفر لواذاً، كما لاذ الحمائم من صقر، فوالله، يا أمير المؤمنين! ما كانوا إلاّ جزر جَزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم، فهاتيك أجسادهم مُجرّدة، وثيابهم مُرمّلة، وخدودهم مُعفّرة، تصهرهم الشمس، وتسفي عليهم الرياح، زوّارهم العقبان والرخم.

فأطرق يزيد هُنيهة، ثمّ رفع رأسه فقال: فقد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، أما لو أنّي صاحبه لعفوت عنه )(١) .

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١١٨.

ورواه أيضاً ابن سعد في الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين): ٨١، وفيه (... في سبعين من شيعته.. فاختاروا القتال على الاستسلام، فناهضناهم عند شروق الشمس، ثمّ جرّدنا فيهم السيوف اليمانية، فجعلوا يبرقطون إلى غير وزر فنُصرنا الله عليهم.. حتّى كفى المؤمنين مؤونتهم.. أجسامهم مُطرّحة مُجرّدة.. ومناخرهم مُرمّلة تسفي عليهم الريح ذيولها بقي سبسب تنتابهم عرج الضباع.. )، وابن عبد ربّه، بإسناده عن الغاز بن ربيعة الجرشي في العقد الفريد: ٥/ ١٣٠، وفيه (... سبعة عشر رجلاً من أهل بيته... وهامهم مُرمّلة... فأبوا إلاّ القتال... الريح بقاع سبسب )، وابن أعثم في الفتوح: ٢/ ١٨٠ وفيه: (... في اثنين وثلاثين من شيعته وإخوته وأهل بيته... فأبوا علينا... فقاتلناهم من وقت شروق الشمس إلى أن أضحى النهار... ما كانوا إلاّ كقهوة الحامل... أجسادهم بالعراء مُجرّدة وثيابهم بالدماء مُرمّلة وخدودهم بالتراب مُعفّرة )، والطبري في تاريخه: ٤/ ٣٥١، وفيه: ( كان مع زحر أبو بردة بن عوف الأزدي، وطارق بن أبي ظبيان الأزدي... فاختاروا القتال على الاستسلام، فعدونا عليهم مع شروق الشمس... الرخم بقيّ سبسب )، وابن الجوزي في المنتظم: ٥/ ٣٤١، وفيه (... فاختاروا القتال، فغدونا عليهم من شروق الشمس... )، وابن الأثير في الكامل في التاريخ: ٢/ ٨٣، وابن نما عن العذري بن ربيعة بن عمرو الجرشي في: مُثير الأحزان: ٩٨، وفيه: ( فاختاروا القتال على الاستسلام، فعدونا عليهم من شروق الشمس... والرخم بقاع قرقر سبسب، لا مُكفّنين ولا موسّدين... )، وابن كثير في البداية والنهاية: ٨/ ١٩٣، والباعوني عن روح بن زنباع في جواهر المطالب: ٢/ ٢٧٠، وفيه (... في تسعة عشر رجلاً من أهل بيته وستّين رجلاً من شيعته... فأبوا إلاّ القتال، فعدونا عليهم مع شروق الشمس... الرياح بقاع سبسب طعمة للعقاب والرخم ).

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460