مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة13%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234458 / تحميل: 8796
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

[يرشف ثناياه]، فنكتوا على فمه وثناياه بالقضيب! تذكّروا - والله - أحقاد يوم بدرٍ وما كان فيه، وأين هذا من مطمع الشيطان وغاية أمله، بتبكيت آذان الأنعام؟!

هذا مع قرب العهد وسماع كلام ربّ الأرباب:( ... قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ) (١) ، ستروا عقائدهم في عصره مخافة السيف، فلما صار الأمر إليهم كشفوا قناع البغي والحيف( ... سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ ) (٢) .

الكيا الهراسي (٤٥٠ - ٥٠٤):

وَصَفَه بقوله: ( هو اللاّعب بالنرد، والمتصيّد بالفهد، والتارك للصلوات، والمدمن للخمر، والقاتل لأهل بيت النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) )(١) .

التفتازاني:

في شرح العقائد النسفية: ( والحقّ أنّ رضى يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا تواتر معناه، وإن كان تفصيله آحاداً... )(٤) .

الذهبي:

قال الذهبي في شأنه: ( كان ناصبيّاً فظّاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الحسين، وختمها بوقعة الحرّة... )(٥) .

الأجهوري:

قال في ضمن كلماته: ( أطلق بعض العلماء جواز لعن يزيد بعينه؛ لأنّه أمر بقتل الحسين )(٦) .

الشبراوي:

قال: ( وقد ذكر بعض الثقات: ولا يشكّ عاقل أنّ يزيد بن معاوية هو القاتل للحسين (رضي الله عنه)؛ لأنّه الذي ندب عبيد الله بن زياد لقتل الحسين )(٧) .

____________________

(١) الشورى: ٢٣.

(٢) الأنعام: ١٣٩.

(٣) جواهر المطالب ٢/ ٣٠١.

(٤ و٥) شذرات الذهب ١/ ٦٨.

(٦) الإتحاف بحبّ الأشراف: ٦٢.

(٧) الإتحاف: ٦٦.

٦١

لماذا تنصّل من مسؤولية قتل الإمامعليه‌السلام ؟!

عندما نتصفّح تاريخ مأساة كربلاء، نجد هناك كلمات صدرت من يزيد تُثير الغرابة، وهي جديرة بالتأمّل، من ذلك:

( ويلي على ابن مرجانة!! فعل الله به كذا! أما والله، لو كانت بينه وبينه رحم ما فعل هذا )(١) .

و( لعن الله ابن مرجانة! لقد وجده بعيد الرحم منه )(٢) .

( وما علمت بخروج أبي عبد الله حين خرج، ولا بقتله حين قتله )(٣) .

( أحرزت أنفسكم عبيد أهل العراق، وما علمت بخروج أبي عبد الله ولا بقتله )(٤) .

( لعن الله ابن مرجانة! أما والله، لو أنّي صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلاّ أُعطيتها إيّاه! ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت ولو بهلاك بعض ولْدي، ولكنَّ الله قضى ما رأيت! )(٥) .

( كنت أرضى من طاعتهم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن سميّة! أما إنّي لو كنت صاحبه لعفوت عنه )(٦) .

(... لكنّ عبيد الله بن زياد لم يعلم رأيي في ذلك، فعجّل عليه بالقتل فقتله )(٧) .

( أما والله، يا حسين، لو أنا صاحبك ما قتلتك )(٨) .

( لو كان بينك وبين ابن مرجانة قرابة لأعطاك ما سألت)(٩) .

( لعن الله ابن مرجانة، فوالله، ما أمرته بقتل أبيك! ولو كنت

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣/ ٤٢٤.

(٢) المصدر ٣/ ٤١٩.

(٣) الإمامة والسياسة ٢/ ٨.

(٤) العقد الفريد ٥/ ١٣١.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٢؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣١ و١٤٦.

(٦) تجارب الأُمم ٢/ ٧٤.

(٧) مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٠؛ بحار الأنوار ٤٥/ ٣٢٦.

(٨) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢.

(٩) مُثير الأحزان: ٩٩.

٦٢

متولّياً لقتاله ما قتلته )(١) ...

إنّ ما نجده من قبيل ذلك يرجع إلى ثلاثة أُمور:

الأوّل: كذبه؛ فإنّ الرجل الذي يلهو ويفسق جهراً ويكفر بالربّ عياناً، ليس بغريب عنه أن يكذب، كيف يدّعي الجهل ويجعل المسؤولية على عاتق واليه عبيد الله بن زياد، وهو المسبّب الأعلى لتلك الفاجعة العظمى؟!

أليس هو الذي كتب إلى واليه وليد، يأمره بقتل الحسين إذا لم يُبايع؟!

أليس هو الذي أمر باغتيال الإمام في موسم الحجّ؟!

أليس هو الذي أرسل الكُتب إلى عبيد الله وأمره بقتال الحسينعليه‌السلام وقتله؟!

إنّ كلّ هذه الأدلّة القويّة والشواهد القويمة تدلّ على مدى كذب الرجل.

الثاني: انقلاب الأوضاع وخوفه على زوال ملكه؛ والدليل على ذلك، أنّه فرِح بقتل الحسين في بادئ الأمر، لكنّه بعد ذلك - وحينما رأى بوادر الفتنة والمشاكل العديدة في مُلكه وفي قلب عاصمته وحتّى في بيته - التجأ إلى إبراز الندم، وقد صرّح بذلك المؤرّخون:

قال ابن الأثير: ( قيل: ولما وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده، وزاده، ووصله، وسرّه ما فعل، ثمّ لم يلبث إلاّ يسيراً، حتّى بلغه بُغض الناس له ولعنهم وسبّهم، فندم على قتل الحسين )(٢) .

ونقل نحوه الذهبي، عن محمّد بن جرير، بإسناده عن يونس بن حبيب قال: ( لما قتل عبيدُ الله الحسين وأهله، بعث برؤوسهم إلى يزيد، فسُرَّ بقتلهم أوّلاً، ثمّ لم يلبث حتّى ندم على قتلهم )(٣) .

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٢.

(٢) الكامل في التاريخ ٤: ٨٧.

(٣) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٧.

٦٣

وقال الشيخ محمّد الصبّان: ( ثمّ ندم لما مقته المسلمون على ذلك، وأبغضه العالم، وفي هذه القصّة تصديق لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي في أُمّتي قتلاً وتشريداً، وإنّ أشرَّ قومنا لنا بُغضاً بنو أُميّة وبنو مخزوم )، رواه الحاكم )(١) .

وثَمَّ شواهد مُتقنة، سنوافيك بها في مبحث (انقلاب المعادلة وخوف الفتنة).

الثالث: لا نستبعد أنّ هناك أيادي مُرتزقة دسّوا بعض ذلك في كُتب التاريخ والسير؛ لأجل أن يُطهّروا يزيد ويُبرّئوه عن بعض ما فعل - مع أنّه لا يطهر ولو بإلقائه في ماء البحر - ويشوّهوا الأمر بعد ذلك! ويفتحوا المجال لمثل ابن تيمية وأذنابه، ولكن دون ذلك خرط القَتاد.

يزيد في مرآة الحديث:

روى ابن حجر، عن أبي يعلى، بسنده عن أبي عبيدة، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( لا يزال أمر أُمّتي قائماً بالقسط، حتّى يكون أوّل مَن يثلمه رجل من بني أُميّة، يُقال له: يزيد ).

وقال: وأخرج الروياني في مسنده عن أبي الدرداء قال: سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( أوّل مَن يُبدّل سُنّتي رجل من بني أُميّة، يُقال له: يزيد ) (٢) .

وروي عن الإمام الحسينعليه‌السلام أنّه قال لأخيه محمّد بن الحنفيّة:( يا أخي، والله، لو لم يكن في الدُّنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية، فقد قال جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللَّهمَّ لا تبارك في يزيد ) (٣) .

____________________

(١) إسعاف الراغبين: ١٨٨.

(٢) الصواعق المحرقة: ٢٣١؛ تسلية المجالس ٢/ ١٤٧.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ١٥٨.

٦٤

يزيد في كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام :

كتبعليه‌السلام إلى معاوية:

(... اتّق الله يا معاوية، واعلم أنّ لله كتاباً لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، واعلم أنّ الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظنّة وأخذك بالتُّهمة، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب... ) (١) .

وفي كتابه إلى معاوية أيضاً:

( ثمّ ولّيت ابنك، وهو غلام يشرب الشراب ويلهو بالكلاب، فَخُنْت أمانتك وأخربت رعيّتك، ولم تؤدّ نصيحة ربّك، فيكف تولِّي على أُمّة محمّد مَن يشرب المسكر، وشارب المسكر من الفاسقين، وشارب المسكر من الأشرار، وليس شارب المسكر بأمين على درهم فكيف على الأُمّة؟! ) (٢) .

وقالعليه‌السلام لمعاوية:

( وفهمت ما ذكرته عن يزيد، من اكتماله وسياسته لأُمّة محمّد، تُريد أن توهِم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً، أو تنعت غائباً، أو تُخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخُذْ

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١/ ١٨٠؛ الغدير ١٠/ ١٦١؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٥٤؛ رجال الكشّي ٥١/ ح٩٨؛ معادن الحِكمة ١/ ٥٨٢؛ العوالم ١٧/ ٩٢ ح٦.

(٢) دعائم الإسلام ٢/ ١٣٣ ح٤٦٨؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٥٨ ح٢٣١.

٦٥

ليزيد فيما أخذ به، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش، والحمام السبق لأترابهن، والقينات ذوات المعازف وضروب الملاهي، تجده ناصراً، ودعْ عنك ما تُحاول... ) (١) .

وقالعليه‌السلام له أيضاً:

( مَن خير لأُمّة محمّد؟! يزيد الخمور الفجور! ) (٢) .

وقالعليه‌السلام لعبد الله بن الزبير:

(... انظر أبا بكر ( أتظنّ (٣) ) أنّي أُبايع ليزيد، ويزيد رجل فاسق مُعلن الفسق، يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب والفهود، ويُبغض بقيّة آل الرسول؟! لا والله، لا يكون ذلك أبداً ) (٤) .

وقال لوليد بن عتبة:

(... ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، مُعلن بالفسق، ومثلي لا يُبايع لمثله... ) (٥) .

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١/ ١٨٦؛ تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٢٨؛ أعيان الشيعة ١/ ٥٨٣؛ الغدير ١٠/ ٢٤٨؛ موسوعة كلمات الإمام الحسين: ٢٦٢ ح٢٣٤.

(٢) الفتوح ٣/ ٣٤٣؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٦٥ ح٢٣٦.

(٣) كذا في تسلية المجالس، وهو الأنسب.

(٤) الفتوح ٥/ ١١؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٨٢؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٧٨ ح٢٤٤.

(٥) الفتوح ٥/ ١٤؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٨٤؛ مُثير الأحزان: ٢٤؛ بحار الأنوار ٤٤/ ٣٢٥؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٨٣ ح٢٥١؛ تسلية المجالس ٢/ ١٥٢.

٦٦

وقال لمروان بن الحكم:

(... إنّا لله وإنّا إليه راجعون! وعلى الإسلام السلام؛ إذ قد بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد.. ويحَك! أتأمرني ببيعة يزيد، وهو رجل فاسق؟! لقد قلت شططا... لا ألومك على قولك؛ لأنّك اللعين الذي لعنك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنت في صلب أبيك الحَكم بن أبي العاص، فإنّ مَن لعنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يمكن له ولا منه إلاّ أن يدعو إلى بيعة يزيد! ) (١) .

وقالعليه‌السلام :

( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( الخلافة مُحرَّمة على آل أبي سفيان وعلى الطلقاء أبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه.

فوالله، لقد رآه أهل المدينة على منبر جدّي فلم يفعلوا ما أُمروا به، فابتلاهم الله بابنه يزيد، زاده الله في النار عذاباً ) (٢) .

وقالعليه‌السلام لعبد الله بن عمر:

( أبا عبد الرحمان، أنا أُبايع يزيد وأدخل في صلحه؛ وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه وفي أبيه ما قال؟! ) (٣) .

____________________

(١ و٢) الفتوح ٥/ ١٧؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٨٤؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٨٤ ح٢٥٢؛ ونحوه في تسلية المجالس ٢/ ١٥٣ وفيه:(... فإنّه لا يُنكَر منه أن يدعو إلى بيعة يزيد... ) .

(٣) الفتوح ٥/ ٢٦؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٩؛ مُثير الأحزان: ٤١؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٣٠٦؛ ونحوه في تسلية المجالس ٢/ ١٦٥.

٦٧

يزيد في نظر الصحابة والتابعين وبعض كبار القوم:

لقد جرت على لسان بعض الصحابة والتابعين والكبار من الناس كلمات حول يزيد بن معاوية عليه اللعنة - الذي وصفته زينب الكبرى (سلام الله عليها): بكونه عدوَّ الله وابن عدوّ الله(١) - نذكر بعضها:

أبو هريرة:

قال الشبراوي: ( وروى ابن أبي شيبة وغيره، عن أبي هريرة أنّه قال: ( اللّهمّ، لا تُدركني سنة ستّين! ولا إمرة الصبيان! ). وكانت ولاية يزيد فيها. انتهى )(٢) .

ابن عبّاس:

قال الخوارزمي: ( وذكر أبو الحسن السلامي البيهقي في تاريخه، عن ابن عبّاس أنّه قال: سبب زوال الدولة عن يزيد بن معاوية - والله - قتله الحسينعليه‌السلام )(٣) .

عتبة بن مسعود:

حينما علم عتبة بن مسعود بإرادة ابن عبّاس لبيعة يزيد خوفاً، اعترضه بهذا الكلام - كما نقله ابن قتيبة - وقال:( أتُبايع ليزيد، وهو يشرب الخمر، ويلهو بالقيان، ويستهتر بالفواحش؟! )(٤) .

ابن الزبير:

وفي تاريخ خليفة، بإسناده عن بقيّة بن عبد الرحمان، عن أبيه قال: ( لما بلغ يزيد بن معاوية أنّ أهل مكّة أرادوا ابن الزبير على البيعة فأبى، أرسل النعمان بن بشير الأنصاري، وهمام بن قبيصة النميري إلى ابن الزبير، يدعوانه إلى البيعة ليزيد، على أن يجعل له ولاية الحجاز وما شاء وما أحبّ لأهل بيته من

____________________

(١) بلاغات النساء: ٢١.

(٢) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٥.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢/ ٢١٠ طبع الخاقاني.

(٤) الإمامة والسياسة ١/ ٢٠٣.

٦٨

الولاية، فقدما على ابن الزبير، فعرضا عليه ما أمرهما به يزيد، فقال ابن الزبير: أتأمراني ببيعة رجل يشرب الخمر، ويدع الصلاة، ويتبع الصيد...؟! )(١) .

وجاء في تذكرة الخواص: ( ذكر الواقدي، وهشام، وابن إسحاق وغيرهم، قالوا: لما قُتل الحسينعليه‌السلام بعث عبد الله بن الزبير إلى عبد الله بن العبّاس ليُبايعه وقال: أنا أولى من يزيد الفاسق الفاجر... )(٢) .

وفي البدء والتاريخ: ( وأمّا عبد الله بن الزبير، فامتنع بمكّة، ولاذ بالكعبة، ودعا الناس إلى الشورى، وجعل يلعن يزيد، وسمّاه الفاسق المتكبّر... )(٣) .

وفي البداية والنهاية: ( أنّ ابن الزبير لما بلغه مقتل الحسين شرع يخطب الناس، ويُعظِّم قتل الحسين وأصحابه جدّاً، ويعيب على أهل الكوفة وأهل العراق ما صنعوه من خذلانهم الحسين، ويترحّم على الحسين، ويلعن مَن قتله ويقول: ( أما والله، لقد قتلوه، طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه! أما والله، ما كان يستبدل بالقرآن الغناء والملاهي، ولا بالبكاء من خشية الله اللغو والحداء، ولا بالصيام شرب المدام، وأكل الحرام، ولا بالجلوس في حلق الذِّكْر طلب الصيد - يعرِّض في ذلك بيزيد بن معاوية - فسوف يلقون غيّاً )، ويؤلّب الناس على بني أُميّة، ويحثّهم على مُخالفته وخلع يزيد )(٤) .

سعيد بن المسيّب:

قال اليعقوبي: ( وكان سعيد بن المسيب يُسمِّي سنيَّ يزيد بن معاوية بالشؤم، في السنة الأُولى قُتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول

____________________

(١) تاريخ خليفة بن خياط: ١٥٦.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٧٥.

(٣) البدء والتاريخ ٦/ ١٣.

(٤) البداية والنهاية ٨/ ٢١٣.

٦٩

الله، والثانية استُبيح حرم رسول الله وانتُهكت حُرمة المدينة، والثالثة سُفكت الدماء في حرم الله وحُرقت الكعبة )(١) .

عبد الله بن عفيف:

حينما قال عبيد الله بن زياد في خُطبته: ( الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله! ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه! وقتل الكذّاب ابن الكذّاب حسين بن عليّ وشيعته! ). وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي - وكان شيخاً كبيراً ضريراً قد ذهب بصره، قد ذهبت إحدى عينيه بصفّين والأُخرى يوم الجمل - قام فقال: ( يا بن مرجانة، إنّ الكذّاب ابن الكذّاب لأنت وأبوك، والذي ولاّك وأبوه... )(٢) .

وقال السيّد محمّد بن أبي طالب: ( إنّه قال له ابن زياد: يا عدوّ نفسه، ما تقول في عثمان؟

فقال: يا بن مرجانة، ويا بن سميّة الزانية! ما أنت وعثمان أساء أم أحسن، أصلح أم أفسد، والله تعالى وليّ خلقه، يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل؟! ولكن سلني عنك وعن أبيك، وعن يزيد وأبيه )(٣) .

عبد الله بن حنظلة:

قال ابن الجوزي: وكان ابن حنظلة يقول: ( يا قوم، والله، ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنّ الرجل ينكح الأُمّهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة، والله، لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله في بلاءً حسناً )(٤) .

عبد الله بن مُطيع:

روى الذهبي عنه أنّه قال في شأن يزيد: ( إنّه يشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدّى حكم الله )(٥) .

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٥٣.

(٢) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٢؛ تاريخ الإسلام ١/ ٤٠٠؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٢٤.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ٣٧٠.

(٤) الصواعق المحرقة: ٢٣٢. وروى نحوه السيوطي عنه (تاريخ الخلفاء: ٢٠٩).

(٥) سير أعلام النبلاء ٤/ ٤٠.

٧٠

عبد الله بن عمرو بن حفص المخزومي:

قال ابن الجوزي: ( قال أبو الحسن المدائني - وكان من الثقات -: أتى أهل المدينة المنبر، فخلعوا يزيد، فقال عبد الله ابن عمرو بن حفص المخزومي: قد خلعت يزيد، كما خلعت عمامتي - ونزعها من رأسه - وإنّي لأقول هذا، وقد وصلني وأحسن جائزتي، ولكنّ عدوّ الله سكّيرٌ )(١) .

عمرو بن حفص بن المغيرة - أبو زوجة يزيد -:

قال البيهقي: ( ولما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان، قَدِم عمرو بن حفص بن المغيرة، وكان تزوّج يزيد بن معاوية ابنته وأعطاه مالاً كثيراً، فلما قدم المدينة جاءه محمّد بن عمرو بن حزم، وعبيد الله بن حنظلة، وعبد الله بن مُطيع بن الأسود، وناس من وجوه أهل المدينة قالوا: ننشدك الله ربّ هذا البيت، وربّ صاحب هذا القبر، إلاّ أخبرتنا عن يزيد، فقال: إنّه ليشرب الخمر، ويُنادم القردة، ويفعل كذا، ويصنع كذا.

فقالوا: والله، ما لنا بأهل الشام من طاقة، ولكن ما يحِلّ لنا أن نُبايع رجلاً على هذه الحال... )(٢) .

وفد المدينة:

قال ابن الجوزي: ( لما دخلت سنة اثنتين وستّين، ولّى يزيد عثمان بن محمّد ابن أبي سفيان المدينة، فبعث إلى يزيد وفداً من المدينة، فلما رجع الوفد أظهروا شتم يزيد وقالوا: قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويلعب بالكلاب، وإنّا نُشهدكم أنّا قد خلعناه )(٣) .

معاوية بن يزيد بن معاوية:

قال في دائرة المعارف: ( قام بالأمر بعده ابنه معاوية بن يزيد بن معاوية، لكنّه خلع نفسه بعد أربعين يوماً؛ حبّاً بعليّ؛ وكرهاً لقتل

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٤.

(٢) المحاسن والمساوئ: ٦٣.

(٣) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٣. وروى نحوه سبطه في التذكرة (تذكرة الخواص: ٢٨٨).

٧١

الحسن والحسين ولأخذ جدّه الخلافة من بني هاشم )(١) .

وقال ابن حجر: ( إنّه لما وُلِّيَ صعد المنبر فقال: إنّ هذه الخلافة حبل الله، وإنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله، ومَن هو أحقّ به منه، عليّ بن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون، حتّى أتته منيّته، فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ قلّد أبي الأمر، وكان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقَصِف عمرُه، وانبتر عقبُه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه )(٢) .

عمر بن عبد العزيز:

روى ابن الحجر أنّه قال نوفل بن أبي عقرب: ( كنت عند عمر بن عبد العزيز، فذكر رجلٌ يزيد بن معاوية فقال: (قال أمير المؤمنين يزيد ). فقال عمر: ( تقول: أمير المؤمنين يزيد؟! ). وأمر به فضُرب عشرين سوطاً )(٣) .

يزيد في أقوال العلماء:

ذكرنا في مطاوي المباحث السابقة أقوالاً لكبار العلماء والمؤرِّخين والمفسِّرين - حول هذه الجرثومة الفاسدة الطاغية - ما يُناسب بعض زوايا حياته السوداء، ونذكر هنا بعض ما يكون أعمّ وأشمل منها:

١ - الإمام ابن حنبل:

روى ابن الجوزي، بإسناده عن مهنّا بن يحيى قال: ( سألت أحمد عن يزيد بن معاوية، فقال: هو الذي فعل بالمدينة ما فعل.

قلت: وما فعل بها؟

قال: نهبها.

قلت: فنذكر عنه الحديث؟

قال: لا يُذكَر عنه الحديث ولا [ كرامة ]، لا ينبغي لأحد أن يكتب عنه حديثاً.

قال: ومَن كان معه حين فعل ما

____________________

(١) دائرة المعارف ٤/ ٤٢٠.

(٢) الصواعق المحرقة: ٣٣٦؛ تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٥٤.

(٣) الصواعق المحرقة: ٢٣٢؛ انظر تهذيب التهذيب ١١/ ٣١٥ رقم ٨١٠٠.

٧٢

فعل؟ قال: أهل الشام )(١) .

وقال ابن الجوزي في المنتظم: ( وقد أسند يزيد بن معاوية الحديث، فروى عن أبيه، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإسنادنا إليه متّصل! غير أنّ الإمام أحمد سُئل: أيُروى عن يزيد الحديث؟

فقال: ( لا، ولا كرامة )؛ فلذلك امتنعنا أن نُسند عنه )(٢) .

٢ - مُجاهد:

ذكر سبط ابن الجوزي، عن ابن أبي الدُّنيا قال: ( قال مجاهد: فوالله، لم يبقَ في الناس أحد إلاّ مَن سبّه وعابه وتركه ( أي يزيد بن معاوية ) )(٣) .

٣ - الكيا الهراسي:

وحكى عن ذيل تاريخ نيسابور أنّه قد سُئِلَ عن يزيد بن معاوية، فقدح فيه وشطح وقال: ( لو مُددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل، فأمّا قول السلف، فلأحمد، ومالك، وأبي حنيفة قولان: تلويح، وتصريح، ولنا قول واحد التصريح، وكيف لا، وهو اللاعب بالنرد! والمتصيّد بالفهود، ومُدمن الخمر، وهو القائل:

أقول لصحب ضمَّ الكأس شملهم

وداعـي صبابات الهوى يترنَّم

خـذوا بـنصيب من نعيمٍ ولذَّة

فـكلٌّ وإن طال المدى يتصرّم

ولا تتركوا يوم السرور إلى غدٍ

فـرُبَّ غـدٍ يأتي بما ليس يُعلَم(٤)

٤ - ابن الجوزي:

قال: ( ليس العجب من فعل عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد، وإنّما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب على ثنيَّة الحسين، وإعادته إلى المدينة... لبلوغ الغرض الفاسد، أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟! أوليس في

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٣. ورواه سبطه عنه في تذكرة الخواص: ٢٨٧.

(٢) المنتظم ٥/ ٣٢٢. وقد ذكرنا رأي أحمد بن حنبل حول لعن يزيد، فراجع.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٦٢.

(٤) على ما في هامش جواهر المطالب ٢/ ٣٠١.

٧٣

الشرع أنّهم يُصلّى عليهم ويدفنون؟! وأمّا قوله: (لي أن أسبيهم ). فأمر لا يقع لفاعله ومُعتقده إلاّ اللعنة، ولو أنّه احترم الرأس حين وصوله وصلّى عليه، ولم يتركه في طست، ولم يضربه بقضيب، ما الذي كان يضرّه، وقد حصل مقصوده من القتل؟! ولكنْ أحقاد جاهلية؛ ودليلها ما تقدّم من إنشاده: ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا )(١) .

وقال: ( واعلم أنّه ما رضي ببيعة يزيد أحد ممّن يُعوّل عليه، حتّى العَوام أنكروا ذلك، غير أنّهم سكتوا خوفاً على أنفسهم.. وأجمع العلماء على أنّه لا يجوز التنصيص على إمام بالتشهّي، وأنّه لابدّ من صفات، وصفات الإمام وشروط الإمامة جَمَعَها الحسينعليه‌السلام ، لا يُقاربه فيها أحد من أهل زمانه.. وإذا ثبت أنّ الصحابة كانوا يطلبون الأفضل ويرونه الأحقّ، أفيشكّ أحد أنّ الحسين أحقّ بالخلافة من يزيد؟! لا، بل مَن هو دون الحسين في المنزلة، كعبد الرحمان بن أبي بكر، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عبّاس، وما في هؤلاء إلاّ مَن له صحبة ونَسَب، ونجدة وكفاية، وورع وعلم وافر لا يُقاربهم يزيد، فبأيّ وجه يستحقّ التقديم؟! وما رضي ببيعة يزيد عالم ولا جاهل، ولو قيل لأجهل الناس: أيّهما أصلح، الحسين أو يزيد؟ لقال: الحسين.

فبان بما ذكرنا، أنّ ولاية يزيد كانت قهراً، وإنّما سكت الناس خوفاً، ومن جملة مَن خرج ولم يُبايع ابن عمر! فلما خاف على نفسه بايع... )(٢) .

٥ - ابن أبي الحديد ردّاً على بعض:

( وكذا القول في الحديث الآخر، وهو قوله: ( القرن الذي أنا فيه خير... ثمّ الذي يليه) وممّا يدلّ على بطلانه، أنّ القرن الذي جاء بعده بخمسين سنة شرّ قرون الدُّنيا، وهو أحد القرون التي ذكرها في

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٢، ونحوه بتفاوت في تذكرة الخواص: ٢٩٠.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٦٨ - ٧٠.

٧٤

النصّ، وكان ذلك القرن هو القرن الذي قُتل فيه الحسين، وأُوقِع بالمدينة وحوصرت مكّة، ونُقضت الكعبة، وشربت خلفاؤه القائمون مقامه والمنتصبون أنفسهم في منصب النبوّة الخمور، وارتكبوا الفجور، كما جرى ليزيد بن معاوية، وليزيد بن عاتكة، وللوليد بن يزيد.. وإذا تأمّلت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شرّاً كلّها لا خير فيها، فكيف يصحّ هذا الخبر؟! )(١) .

٦ - سيّد الحفّاظ شهردار بن شيرويه الديلمي:

قال الخوارزمي: (وأخبرني سيّد الحفّاظ - ثمّ ذكر إسناد الخبر إلى عبد الله بن بدر الخطمي - عن النبيّ(صلَّى الله عليه وسلَّم) يقول:( مَن أحبّ أن يُبارَك في أجله وأن يُمتَّع بما خوّله الله تعالى، فليَخلفني في أهلي خلافة حسنة، ومَن لم يَخلفني فيهم بُتك عمره وورد عليَّ يوم القيامة مسودّاً وجهه ) قال: فكان كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فإنّ يزيد بن معاوية لم يخلفه في أهله خلافة حسنة فبُتك عمره، وما بقي بعد الحسينعليه‌السلام إلاّ قليلاً، وكذلك عبيد الله بن زياد لعنهما الله )(٢) .

٧ - مجد الأئمّة:

روى الخوارزمي بإسناده: (عن عبد الله بن عمر: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( مَن ذبح عصفوراً بغير حقّه سأله الله عنه يوم القيامة ).

وفي رواية أُخرى:( مَن ذبح عصفوراً بغير حقّ ضجّ إلى الله تعالى يوم القيامة منه، فقال: يا ربّ، إنّ هذا ذبحني عبثاً ولم يذبحني منفعة ) ، ثمّ قال: قال مجد الأئمّة: هذا لمن ذبح عصفوراً بغير حقّ، فكيف لمن قتل مؤمناً؟! فكيف لمن قتل ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الحسينعليه‌السلام ؟! )(٣) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢٠/ ٢٩.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٥.

(٣) المصدر ٢/ ٥٢.

٧٥

٨ - ابن تيمية:

حُكي عن ابن تيميّة أنّه حكم بضلالته، حيث قال ما معناه: ( ومن الناس مَن يرى يزيد رجلاً صالحاً وإمامَ عدلٍ، وهذا قول بعض الضلاّل... )(١) .

٩ - صاحب الميزان:

قال صاحب شذرات الذهب: ( وقال فيه (يزيد) في الميزان: إنّه مقدوحٌ في عدالته، ليس بأهل أن يُروى عنه )(٢) .

١١ - ابن حجر:

قال الشبراوي: (قال العلاّمة ابن حجر في شرح الهمزية: إنّ يزيد قد بلغ من قبايح الفسق والانحلال عن التقوى مبلغاً لا يُستكثَر عليه صدور تلك القبائح منه )(٣) .

١٢ - الجوهري:

ذكر العلاّمة المحمودي، أنّه أنشد في ناصبي أحمق:

رأيت فتىً أشقراً أزرقـاً

قلـيل الدمـاغ كثير الفضول

يُفضّل من حمقه دائـماً

يزيد ابن هند على ابن البتول(٤)

١٣ - ابن حزم:

قال في شذرات الذهب: ( وعدّ ابن حزم خروم الإسلام أربعة: قتل عثمان، وقتل الحسين، ويوم الحرّة، وقتل ابن الزبير )(٥) .

١٤ - العلاّمة الحجّة الأميني:

ولنختم المقال بما ذكره العلاّمة الحجّة البحّاثة الشيخ الأميني:

(... نعم، تمّت تلك البيعة المشومة مع فقدان أيّ جدارة وحنكة في يزيد،

____________________

(١) على ما ذكره المحمودي في هامش الردّ على المتعصّب العنيد: ٣٠ عن ما حكى عن ابن تيميّة في كتاب الفتاوى ٤/ ٤٨١.

(٢) شذرات الذهب ١/ ٦٨.

(٣) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٨.

(٤) (هامش) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٢.

(٥) شذرات الذهب ١/ ٦٨.

٧٦

تؤهّله لتسنّم عرش الخلافة، على ما تردّى به من ملابس الخزي وشية العار من معاقرة الخمور، ومُباشرة الفجور، ومُنادمة القيان ذوات المعازف، ومُحارشة الكلاب، إلى ما لا يتناهى من مظاهر الخزاية، وقد عرفته الناس بذلك كلّه منذ أولياته، وعرّفه به أُناس آخرون... )(١) .

موته:

قال ابن قتيبة الدينوري: ( كانت ولاية يزيد ثلاث سنين وشهوراً، وهلك بحوارين من عمل دمشق، سنة أربع وستّين وهو ابن ثمان وثلاثين سنة )(٢) .

وروى الذهبي، عن محمّد بن أحمد بن مسمع قال: ( سكر يزيد، فقام يرقص فسقط على رأسه، فانشقّ وبدا دماغه )(٣) .

وفيه يقول الشاعر:

يا أيُّها القبر بحوارينا

ضممت شرّ الناس أجمعينا(٤)

* * *

روي عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال: ( رأيت فيما يرى النائم أنّ القيامة قد قامت - إلى أن قال -: ثمّ مررت على وادٍ من نار، فإذا رجل فيه، كلّما أراد أن يخرج قُمِع بمقامع من حديد فهوى، فقلت: مَنْ هذا؟ قيل: يزيد بن معاوية )(٥) .

____________________

(١) الغدير ١٠/ ٢٥٥.

(٢) المعارف: ١٩٨.

(٣) سير أعلام النبلاء ٤/ ٣٦.

(٤) البدء والتاريخ ٦/ ١٦.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٦.

٧٧

٧٨

الفصل الأوّل

دور أهل البيت في الشام

٧٩

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ الله تعالى (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ )(٢) ، كما نصّ عليه في كتابه ، ولا خالق سواه

ويعاقب الناس على كسبهم ومباشرتهم الذنوب والمعاصي ، ويلوم العباد بالكسب الذميم ، وهو يخلق الأشياء ، والله يخلق الإعراض ، ولكنّ العبد مباشر للإعراض فهو معرض ، والمعرض من يباشر الفعل لا من يخلق ، وكذا المنع(٣) .

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٨٢.

(٢) سورة الأنعام ٦ : ١٠٢ ، سورة الرعد ١٣ : ١٦ ، سورة الزمر ٣٩ : ٦٢ ، سورة غافر ٤٠ : ٦٢.

(٣) انظر : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٦٩ ـ ٩١ ، تمهيد الأوائل : ٣٤١ ـ ٣٤٥ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٨٦ ـ ٩٣ ، المسائل الخمسون : ٥٩ ـ ٦١ ، شرح العقائد النسفية : ١٣٥ ـ ١٣٩.

٣٤١

وأقول :

لا يخفى أنّ قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) وارد في مقامين من الكتاب المجيد

الأوّل : قوله تعالى في سورة الأنعام : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ )(١) .

وهو ظاهر في غير أفعال العباد ؛ لأنّه سبحانه قد جعل الأمر بعبادته واستحقاقه لها فرعا عن وحدانيّته وخلقه للكائنات.

ومن الواضح أنّ تفريع الأمر بالعبادة على خلق الكائنات إنّما يتمّ إذا كانت العبادة فعلا للعبد ، إذ لا معنى لقولنا : لا إله إلّا هو خالق عبادتكم وغيرها فاعبدوه.

الثاني : قوله تعالى في سورة الرعد : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ )(٢) .

وقد استدلّ المجبّرة بهذه الآية على مذهبهم من حيث اشتمالها على العموم ، وعلى إنكار من يخلق كخلقه(٣) .

وأجيب بأنّ الآية وردت حجّة على الكفّار ، فلو أريد بها العموم

__________________

(١) سورة الأنعام ٦ : ١٠٢.

(٢) سورة الرعد ١٣ : ١٦.

(٣) تمهيد الأوائل : ٣٤٥ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٨٨ ـ ٨٩ ، تفسير الفخر الرازي ١٩ / ٣٨.

٣٤٢

لأفعال العباد لانقلبت الحجّة بها للكفّار ؛ لأنّه إذا كان هو الخالق لشركهم لمّا صلح الإنكار عليهم به ، وكان لهم أن يقولوا : إذا كنت قد فعلت ذلك بنا فلم تنكر علينا بفعل فعلته فينا ونحن لا أثر لنا فيه أصلا؟!

مضافا إلى أنّ المراد الإنكار عليهم في جعل آلهة لا يمكن الاشتباه بإلهيّتهم ، إذ لم يجعلوا لله تعالى شركاء لهم خلق يشبه خلقه حتّى يحصل به الالتباس في الإلهية.

وهذا إنّما يراد به المخلوقات المناسبة للإلهية كالسماوات والأرض والأجسام والأعراض ، فيكون عموم قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) إنّما هو بالنسبة إلى تلك المخلوقات ، لا مثل الشرك والإلحاد والظلم والفساد ونحوها ، ممّا يصدر من البشر ويتنزّه عنه خالق العجائب وعظام الأمور وبديع السماوات والأرضين.

ولو أعرضنا عن ذلك كلّه فالعموم مخصّص بالأدلّة العقلية والنقلية ، الكتابية وغيرها ، الدالّة على إنّ العباد هم الفاعلون لأفعالهم ، كما ستعرف إن شاء الله.

وأمّا قوله : « ويعاقب الناس على كسبهم ومباشرتهم الذنوب ».

ففيه : إنّ الكسب إن كان من فعلهم فقد خرج عن مذهبه ، وإن كان من فعل الله تعالى فالإشكال بحاله ؛ إذ كيف يعاقبهم على فعله؟!

وأمّا قوله : « والمعرض من يباشر الإعراض لا من يخلق ».

ففيه : إنّ المصنّف لم يدّع صدق المعرض على الله تعالى بناء على مذهبهم حتّى يجيبه بذلك ، بل يقول في تقرير مذهبهم : إنّه سبحانه يخلق الإعراض في الناس ، وينكر على المعرض أي المحلّ الذي يخلق فيه الإعراض ، كما هو مراد الخصم بمباشر الإعراض.

٣٤٣

وبالضرورة أنّ الإنكار على المحلّ الذي لا أثر له بوجه أصلا جزاف لا يرتضيه العقل ، وإنّما حقّ الإنكار أن يقع على الفاعل المؤثّر.

ومثله الكلام في قوله تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا )(١) ؛ إذ كيف ينكر عليهم وهو الذي منعهم؟!

* * *

__________________

(١) سورة الإسراء ١٧ : ٩٤.

٣٤٤

قال المصنّف ـ عطّر الله ثراه ـ(١) :

وقالت الإمامية : إنّ الله تعالى لم يفعل شيئا عبثا ، بل إنّما يفعل لغرض ومصلحة ، وإنّما يمرض لمصالح العباد ، ويعوّض الثواب ، بحيث ينتفي العبث والظلم(٢) .

وقالت الأشاعرة : لا يجوز أن يفعل الله تعالى شيئا لغرض من الأغراض ، ولا لمصلحة ، ويؤلم العبد بغير مصلحة ولا غرض(٣) .

بل يجوز أن يخلق خلقا في النار مخلّدين فيها من غير أن يكونوا قد عصوا أو لا(٤) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٤.

(٢) أوائل المقالات : ٥٧ ـ ٥٨ رقم ٢٦ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٠٨ وما بعدها ، تقريب المعارف : ١١٤ وما بعدها ، قواعد المرام في علم الكلام : ١١٠ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٨.

(٣) الاقتصاد في الاعتقاد ـ للغزّالي ـ : ١١٥ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٦ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٥٠ ـ ٣٥٤ ، تفسير الفخر الرازي ٢٨ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، المواقف : ٣٣١ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٢.

(٤) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ١١٥ ـ ١١٧ ، تمهيد الأوائل : ٣٨٢ ـ ٣٨٦ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٣٤.

٣٤٥

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ أفعال الله تعالى ليست معلّلة بالأغراض.

وقالوا : لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض(٢) ـ كما سيجيء بعد هذا ـ ، ووافقهم في ذلك جماهير الحكماء والإلهيّين.

وهو يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، إن أراد تخليد عباده في النار فهو المطاع والحاكم ، ولا تأثير للعصيان في أفعاله ، بل هو المؤثّر المطلق.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٨٤.

(٢) المسائل الخمسون : ٦٢ المسألة ٣٧ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٥٠ ، طوالع الأنوار : ٢٠٣ المسألة ٥ ، المواقف : ٣٣١ المقصد ٨ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٢.

٣٤٦

وأقول :

ليس في كلامه إلّا ما يتضمّن تصديق المصنّف بما حكاه عنهم والالتزام بنسبتهم إلى العدل الرحمن ما لا يرضى بنسبته إليه ذو وجدان ، فإنّهم إذا أجازوا عليه سبحانه إيلام عبيده بلا غرض ولا مصلحة ، وتخليد عباده بالنار بلا غرض ولا غاية ، فقد أجازوا أن يكون من العابثين وأظلم الظالمين.

وليت شعري ما الذي حسّن لهم تلك المقالات الجائرة الفاجرة في حقّ خالقهم تبعا لإنسان خطأه أكثر من صوابه؟!

وما زعمه من موافقة الفلاسفة محلّ نظر ؛ إذ لا يبعد أنّ الفلاسفة إنّما ينفون الغرض الذي به الاستكمال دون كلّيّ الغرض(١) ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

* * *

__________________

(١) انظر مثلا : تهافت التهافت : ٤٩١ ، شرح التجريد : ٤٤٣.

٣٤٧

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

وقالت الإمامية : لا يحسن في حكمة الله تعالى أن يظهر المعجزات على يد الكذّابين ، ولا يصدّق المبطلين ، ولا يرسل السفهاء والفسّاق والعصاة(٢) .

وقالت الأشاعرة : يحسن كلّ ذلك(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٤.

(٢) النكت الاعتقادية : ٣٧ ، تنزيه الأنبياء ـ للشريف المرتضى ـ : ١٧ ـ ١٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥.

(٣) مقالات الإسلاميّين : ٢٢٦ ، المواقف : ٣٤١ و ٣٥٨ ـ ٣٦٥ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٣٨ ، شرح المواقف ٨ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩ و ٢٦٥ و ٢٨١.

٣٤٨

وقال الفضل(١) :

لا حسن ولا قبح بالعقل عند الأشاعرة ، بل جرى عادة الله تعالى بعدم إظهار المعجزة على يد الكذّابين ، لا لقبحه في العقل ، وهو يرسل الرسل ، وهم الصادقون.

ولو شاء الله أن يبعث من يريد من خلقه ، فهو الحاكم في خلقه ، ولا يجب عليه شيء ، ولا شيء منه قبيح ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٨٦.

٣٤٩

وأقول :

لا يخفى أنّ تجويز إظهار المعجزة على يد الكاذب ـ عقلا ـ مناف لما يذكرونه عند الكلام في عصمة الأنبياء ، من دلالة المعجزة عقلا على عصمتهم عن الكذب ، في دعوى الرسالة وما يبلّغونه عن الله تعالى.

ولكن إذا كان الكلام تبعا للهوى ومبنيّا على شفا جرف هار ، يجوز الاختلاف فيه بمثل ذلك.

وأمّا دعوى جريان العادة بعدم إظهار المعجزة على يد الكاذب ، فمحتاجة إلى دعوى علم الغيب ممّن لم يقبح عقله إظهار المعجزة على يد الكاذب ، فإنّه لم يعرف كلّ كاذب ، ولم يطّلع على أحوالهم ، فلعلّ بعض من يعتقد نبوّته لظهور المعجزة على يده كان كاذبا ، ولا يمكن العلم بعدم المعجزة لكلّ كاذب من إخبار نبيّنا ٦ ـ إذ لعلّه لم يكن نبيّا ـ وإن تواتر ظهور المعجزات على يده ، على إنّه لم يثبت عنه ذلك الإخبار.

ولو ثبت مع نبوّته فخبره لا يفيد العلم ، لتجويز الأشاعرة الكذب في مثل ذلك على الأنبياء سهوا ، بل عمدا(١) ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وأمّا تجويزهم أن يرسل الله السفهاء والفسّاق ، فأفظع من ذلك ، وسيجيء تحقيقه إن شاء الله تعالى.

* * *

__________________

(١) انظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٢٨٤ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٣٢٠.

٣٥٠

قال المصنّف ـ أعلى الله منزلته ـ(١) :

وقالت الإمامية : إنّ الله سبحانه لم يكلّف أحدا فوق طاقته(٢) .

وقالت الأشاعرة : لم يكلّف الله أحدا إلّا فوق طاقته ، وما لا يتمكّن من تركه وفعله ، ولامهم على ترك ما لم يعطهم القدرة على فعله.

وجوّزوا أن يكلّف الله مقطوع اليد الكتابة ، ومن لا مال له الزكاة ، ومن لا يقدر على المشي للزمانة الطيران إلى السماء ، وأن يكلّف العاطل الزمن المفلوج خلق الأجسام ، وأن يجعل القديم محدثا والمحدث قديما.

وجوّزوا أن يرسل رسولا إلى عباده بالمعجزات ليأمرهم بأن يجعلوا الجسم الأسود أبيض دفعة واحدة ، ويأمرهم بالكتابة الحسنة ، ولا يخلق لهم الأيدي والآلات ، وأن يكتبوا في الهواء بغير دواة ولا مداد ولا قلم ولا يد ما يقرأه كلّ أحد(٣) .

وقالت الإمامية : ربّنا أعدل وأحكم من ذلك(٤) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٥.

(٢) أوائل المقالات : ٥٧ رقم ٢٦ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٠٠ ، شرح جمل العلم والعمل : ٩٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ، تجريد الاعتقاد : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٣) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٩٨ ـ ١٠٠ و ١١٢ ، تمهيد الأوائل : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ و ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، المواقف : ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٩٦ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٠.

(٤) النكت الاعتقادية : ٣٢ ، أوائل المقالات : ٥٦ ـ ٥٧ رقم ٢٤ و ٢٦.

٣٥١

وقال الفضل(١) :

تكليف ما لا يطاق جائز عند الأشاعرة ؛ لأنّه لا يجب على الله شيء ، ولا يقبح منه فعل ، إذ يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، ومنعه المعتزلة لقبحه عقلا(٢) .

والحال : إنّه لا بدّ لهم أن يقولوا به ، فإنّ الله أخبرهم بعدم إيمان أبي لهب وكلّفه الإيمان ، فهذا تكليف ما لا يطاق ؛ لأنّ إيمانه محال وفوق طاقته ؛ لأنّه إن آمن لزم الكذب في خبر الله تعالى ، وهو محال اتّفاقا.

وهذا شيء يلزم المعتزلة القول بتكليف ما لا يطاق.

ثمّ ما لا يطاق على مراتب : أوسطها ما لا يتعلّق به القدرة الحادثة عادة ، سواء امتنع تعلّقها به لا لنفس مفهومة كخلق الأجسام أم لا ، بأن يكون من جنس ما يتعلّق به ، كحمل الجبل ، والطيران إلى السماء ، والأمثلة التي ذكرها الرجل الطامّاتي فهذا شيء يجوّزه الأشاعرة ، وإن لم يقع بالاستقراء ولقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها )(٣) .

وقد عرّفناك معنى هذا التجويز في ما سبق.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٨٧.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٣ و ٢٩٥ ، المواقف : ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٩٤.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢٨٦.

٣٥٢

وأقول :

لا أدري كيف يقع الكلام مع هؤلاء القوم؟! فإنّ النزاع ينقطع إذا بلغ إلى مقدّمات ضرورية ، وهؤلاء جعلوا نزاعهم في الضروريات!

ليت شعري إذا لم يحكم العقل بامتناع التكليف بما لا يطاق وجوّز أن ينهى الله العبد عن الفعل ، ويخلقه فيه اضطرارا ، ويعاقبه عليه ، فقل لي أيّ أمر يدركه العقل؟!

قيل : اجتمع النظّام والنجّار للمناظرة ، فقال له النجّار : لم يدفع أن يكلّف الله عباده ما لا يطيقون؟!

فسكت النظّام ، فقيل له : لم سكتّ؟!

قال : كنت أريد بمناظرته أن ألزمه القول بتكليف ما لا يطاق ، فإذا التزمه ولم يستح فبم ألزمه؟!(١) .

وجلّ مسائل هذا الكتاب من هذا الباب كما رأيت وترى إن شاء الله تعالى.

وكفاك إنكارهم أن يجب على الله شيء ، فإنّه إذا لم يجب عليه شيء بعدله وحكمته ورحمته ، فأيّ إله يكون؟! وكيف يكون حال الدنيا والآخرة؟!

ومثله تجويز أن يفعل ما يشاء ممّا لا غرض فيه ولا غاية ولا حكمة ولا عدل ، كتكليف ما لا يطاق ؛ تعالى الله عن ذلك.

__________________

(١) انظر مضمونه في : شرح الأصول الخمسة : ٤٠٠.

٣٥٣

وأمّا قوله : « والحال : إنّه لا بدّ لهم أن يقولوا به ، فإنّ الله أخبر بعدم إيمان أبي لهب »

فمدفوع بأنّه تعالى إنّما أخبر بأنّه سيصلى نارا ، وهو لا يستلزم الكفر ؛ لجواز تعذيب المسلم الفاسق

والأولى أن يقول : إنّ الله سبحانه أخبر نبيّه ٦ ، بقوله : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )(١) ونحوه في القرآن كثير ، ومع ذلك كلّف الناس جميعا بالإيمان ، وأخبر بصدور المعاصي من الناس وكلّفهم بالطاعة.

والجواب : إنّ الإخبار بعدم الإيمان مثلا لا يستوجب امتناعه ، بل غاية ما يقتضيه صدور ما أخبر به على ما هو عليه في نفسه من الإمكان ، والممكن مطاق في نفسه ، يصحّ التكليف به أو بخلافه ، وإن علم بعدم وقوعه من المكلّف لاختياره العدم.

فيكون صدق الخبر تابعا لوقوع المخبر به على ما هو عليه في نفسه لا العكس ، نظير تبعية العلم للمعلوم ، فإنّ علمه تعالى بالممكنات لا يجعل خلاف ما علمه ممتنعا ، بل هو تابع للمعلوم ؛ لأنّه عبارة عن انكشاف المعلوم على ما هو عليه.

ولو كان المعلوم تابعا للعلم لما صحّ التكليف أصلا ؛ لصيرورة كلّ مكلّف به ، إمّا واجبا حيث يعلم بوقوعه ، أو ممتنعا حيث يعلم بعدم وقوعه ، ولا يقوله عارف.

وأمّا ما ذكره من أنّ ما لا يطاق على مراتب ، أوسطها إلى قوله :

__________________

(١) سورة يوسف ١٢ : ١٠٣.

٣٥٤

« هذا شيء نجوّزه » فهو مشعر بأنّهم لا يجوّزون التكليف بالرتبة العليا ، وهي ما يمتنع لنفس مفهومه ، كالجمع بين الضدّين وإعدام الواجب.

والظاهر أنّه من باب تقليل الشناعة ، وإلّا فالمناط عندهم في جواز التكليف بالرتبة الوسطى والسفلى ، هو أنّه تعالى لا يجب عليه شيء ولا يقبح منه شيء ، وهو يقتضي صحّة التكليف بالرتبة العليا ـ كما ستعرفه وتعرف تمام الكلام فيه في المطلب الثامن ـ ، وكلام القوم في المقام مضطرب ؛ ولذا جعل الخصم أمثلة المصنّف من الوسطى ، والحال أنّ بعضها من العليا ، كجعل القديم محدثا.

ثمّ إنّ الخصم ذكر عدم وقوع التكليف بما لا يطاق بالاستقراء ولقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها )(١) ، وهو مناف لقوله سابقا بتكليف أبي لهب بالإيمان وأنّه فوق طاقته.

ومن المضحك وصفه للمصنّف رحمه الله تعالى بالطامّاتي ، والحال أنّ الطامّات هي أقوالهم ، وقد اعترف بها ، وليس للمصنّف إلّا النقل عنهم!

* * *

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٨٦.

٣٥٥

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ(١) :

وقالت الإمامية : ما أضلّ الله أحدا من عباده عن الدين ، ولم يرسل رسولا إلّا بالحكمة والموعظة الحسنة(٢) .

وقالت الأشاعرة : قد أضلّ الله كثيرا من عباده عن الدين ، ولبّس عليهم ، وأغواهم ، وأنّه يجوز أن يرسل رسولا إلى قوم ولا يأمرهم إلّا بسبّه ومدح إبليس.

فيكون من سبّ الله تعالى ومدح الشيطان ، واعتقد التثليث والإلحاد وأنواع الشرك مستحقّا للثواب والتعظيم.

ويكون من مدح الله تعالى طول عمره ، وعبده بمقتضى أوامره ، وذمّ إبليس دائما ، في العقاب المخلّد واللعن المؤبّد.

وجوّزوا أن يكون في من سلف من الأنبياء ممّن لم يبلغنا خبره من لم تكن شريعته إلّا هذا(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٥.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ لابن ميثم ـ ٥ / ٢٧٨ ـ ٢٨٠ ، وانظر مؤدّى ذلك في : الذخيرة في علم الكلام : ٣٢٣ ، شرح جمل العلم والعمل : ١٦٩ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ١٢٤ ـ ١٢٥ ، المنقذ من التقليد ١ / ٣٧٣ ، تجريد الاعتقاد : ٢٠٢ و ٢١١ و ٢١٢.

(٣) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٦٨ ـ ١٧٠ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٦ ـ ٣٤٩ ، المواقف : ٣٢٠ ـ ٣٣٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٨٢.

٣٥٦

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ الله خالق كلّ شيء ، ولا يجري في ملكه إلّا ما يشاء ، ولا يجوّزون وجود الآلهة في الخلق كالمجوس ، بل يقولون : هو الهادي وهو المضلّ ، كما نصّ عليه في كتابه المجيد : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ )(٢) ، وهو تعالى يرسل الرسل ويأمرهم بإرشاد الخلائق.

وما ذكره الرجل الطامّاتي من جواز إرسال الرسل بغير هذه الهداية ، فقد علمت معنى هذا التجويز ، وأنّ المراد من هذا التجويز نفي وجوب شيء عليه.

وهذه الطامّات المميلة لقلوب العوامّ لا تنفع ذلك الرجل ، وكلّ ما بثّه من الطامّات افتراء ، بل هم أهل السنّة والجماعة والهداية.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٩١.

(٢) سورة النحل ١٦ : ٩٣ ، سورة فاطر ٣٥ : ٨.

٣٥٧

وأقول :

لا يخفى أنّ قوله : « لا يجري في ملكه إلّا ما يشاء » من كلام أبي إسحاق الأسفراييني الشافعي(١) عندما دخل القاضي عبد الجبّار المعتزلي(٢) دار الصاحب بن عبّاد(٣) فرأى أبا إسحاق جالسا ، فقال : سبحان من تنزّه عن الفحشاء! ـ تعريضا بأبي إسحاق بأنّه من الأشاعرة الّذين ينسبون الفحشاء إلى الله تعالى ـ فقال أبو إسحاق : سبحان من لا يجري في ملكه إلّا ما يشاء(٤) .

__________________

(١) تقدّمت ترجمته في صفحة ٥٩ من هذا الجزء.

(٢) هو : أبو الحسن عبد الجبّار بن أحمد بن عبد الجبّار بن أحمد الهمداني المعتزلي ، أحد كبار متكلّمي المعتزلة ، ولد سنة ٣٥٩ ه‍ ، كان ينتحل مذهب الشافعية في الفروع ، وهو من كبار فقهائهم ، ولّي القضاء بالريّ ، وله تصانيف كثيرة منها : المغني في علم الكلام ، شرح الأصول الخمسة ، طبقات المعتزلة ، وغيرها ، توفّى بالريّ سنة ٤١٥ ه‍.

انظر : تاريخ بغداد ١١ / ١١٣ ـ ١١٥ رقم ٥٨٠٦ ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥ رقم ١٥٠ ، لسان الميزان ٣ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧ رقم ١٥٣٩ ، شذرات الذهب ٣ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ، هديّة العارفين ٥ / ٤٩٨ ـ ٤٩٩.

(٣) هو : أبو القاسم إسماعيل بن أبي الحسن عبّاد بن العبّاس الطالقاني ، كان نادرة الدهر في فضائله ومكارمه وكرمه ، أخذ الأدب عن أبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي ـ صاحب كتاب « المجمل في اللغة » ـ وكذا عن ابن العميد ، وغيرهما.

كان مولده سنة ٣٢٠ ه‍ بإصطخر ، وقيل بالطالقان ، وتوفّي ليلة الرابع والعشرين من صفر سنة ٣٨٥ ه‍ بالريّ ، ثمّ نقل إلى أصبهان ودفن هناك.

انظر : معجم الأدباء ٢ / ٢١٣ ، وفيات الأعيان ١ / ٢٢٨ رقم ٩٦ ، سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥١١ رقم ٣٧٧ ، شذرات الذهب ٣ / ١١٣.

(٤) شرح المقاصد ٤ / ٢٧٥ ، شرح العقائد النسفية : ١٤٠ ـ ١٤١ ، تحفة المريد على جوهرة التوحيد : ٤٢.

٣٥٨

وحاصله : إنّ كلّ ما يجري في ملكه من أنواع الفواحش ، والفجور ، والكفر ، والإلحاد ، والكذب ، والظلم ، والغواية ، ونحوها ، إنّما هو بإساءته ومن فعله!

فيا ليت شعري كيف يصلح مع هذا الزعم أن يسبّحه وينزّهه؟!

وأمّا قوله : « ولا يجوّزون وجود الآلهة في الخلق كالمجوس ».

فهو تعريض بأهل العدل حيث ينسبون تلك الأفعال الشنيعة والأحوال الفظيعة إلى العباد ، وينزّهون الله سبحانه عنها.

ومن المعلوم أنّ ذلك لا يستدعي القول بالشركة ، فإنّهم إنّما يرون أنّه تعالى أقدرهم على أفعالهم بلا حاجة منه إليهم ، ففعلوها بتمكينه لهم ، فلا استقلال لهم حتّى يكونوا آلهة ، فكيف يشبهون المجوس؟! وإنّما الذي يشبههم من يقول بزيادة صفاته على ذاته ، وقدمها مثله ، وحاجته إليها في الخلق ، بحيث لولاها لما خلق شيئا فهي شريكته في الإلهية ؛ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

وأمّا ما استدلّ به من قوله تعالى : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ )(١) .

ففيه : إنّ استدلاله موقوف على أن يراد بالإضلال : خلق الضلال ، وبالهداية : خلق الهدى ؛ وهو ممنوع ؛ لجواز أن يراد بالإضلال : الخذلان والإضاعة ، وبالهداية : التوفيق ، كما قال ٧ : «تطاع بتوفيقك وتجحد بخذلانك »(٢) .

__________________

(١) سورة النحل ٦ : ٩٣ ، سورة فاطر ٣٥ : ٨.

(٢) إقبال الأعمال ١ / ٢٩٩ ب‍ ٢٠ دعاء الليلة ١٦ ، وفيه « تعبد » بدل « تطاع ».

٣٥٩

فإنّ الإنسان إذا اجتهد بفعل الخير كان محلّا للتوفيق ، وإذا أصرّ على الشرّ كان أهلا للخذلان ، وآل أمره إلى النفاق والكفر ، كما قال تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً )(١) وقال تعالى : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ )(٢) ، ولا قرينة على إنّ المراد بالإضلال والهداية في الآية ما ادّعاه ، بل القرينة على خلافه عقلا ونقلا

أمّا العقل : فلأنّ ذلك يستلزم إبطال الثواب والعقاب ، ونفي العدل ، وفائدة الرسل والكتب ، والأوامر والنواهي ـ كما ستعرف إن شاء الله تعالى ـ ، ولأنّه لا يحسن لمن ينهى عن شيء أن يفعله ، ولذا قال شعيب : (ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ )(٣)

وقال الشاعر :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم(٤)

وأمّا النقل : فقوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى )(٥) ، ومن عليه الهدى كيف يتركه ويخلق الضلال؟!

وقوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى )(٦) .

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ٧٧.

(٢) سورة الروم ٣٠ : ١٠.

(٣) سورة هود ١١ : ٨٨.

(٤) البيت من قصيدة لأبي الأسود الدؤلي ، مطلعها :

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

فالقوم أعداء له وخصوم

انظر : ديوان أبي الأسود الدؤلي : ١٢٩ ـ ١٣٢ ، خزانة الأدب ٨ / ٥٦٨.

(٥) سورة الليل ٩٢ : ١٢.

(٦) سورة فصّلت ٤١ : ١٧.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460