مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة13%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234362 / تحميل: 8791
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

[يرشف ثناياه]، فنكتوا على فمه وثناياه بالقضيب! تذكّروا - والله - أحقاد يوم بدرٍ وما كان فيه، وأين هذا من مطمع الشيطان وغاية أمله، بتبكيت آذان الأنعام؟!

هذا مع قرب العهد وسماع كلام ربّ الأرباب:( ... قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ) (١) ، ستروا عقائدهم في عصره مخافة السيف، فلما صار الأمر إليهم كشفوا قناع البغي والحيف( ... سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ ) (٢) .

الكيا الهراسي (٤٥٠ - ٥٠٤):

وَصَفَه بقوله: ( هو اللاّعب بالنرد، والمتصيّد بالفهد، والتارك للصلوات، والمدمن للخمر، والقاتل لأهل بيت النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) )(١) .

التفتازاني:

في شرح العقائد النسفية: ( والحقّ أنّ رضى يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا تواتر معناه، وإن كان تفصيله آحاداً... )(٤) .

الذهبي:

قال الذهبي في شأنه: ( كان ناصبيّاً فظّاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الحسين، وختمها بوقعة الحرّة... )(٥) .

الأجهوري:

قال في ضمن كلماته: ( أطلق بعض العلماء جواز لعن يزيد بعينه؛ لأنّه أمر بقتل الحسين )(٦) .

الشبراوي:

قال: ( وقد ذكر بعض الثقات: ولا يشكّ عاقل أنّ يزيد بن معاوية هو القاتل للحسين (رضي الله عنه)؛ لأنّه الذي ندب عبيد الله بن زياد لقتل الحسين )(٧) .

____________________

(١) الشورى: ٢٣.

(٢) الأنعام: ١٣٩.

(٣) جواهر المطالب ٢/ ٣٠١.

(٤ و٥) شذرات الذهب ١/ ٦٨.

(٦) الإتحاف بحبّ الأشراف: ٦٢.

(٧) الإتحاف: ٦٦.

٦١

لماذا تنصّل من مسؤولية قتل الإمامعليه‌السلام ؟!

عندما نتصفّح تاريخ مأساة كربلاء، نجد هناك كلمات صدرت من يزيد تُثير الغرابة، وهي جديرة بالتأمّل، من ذلك:

( ويلي على ابن مرجانة!! فعل الله به كذا! أما والله، لو كانت بينه وبينه رحم ما فعل هذا )(١) .

و( لعن الله ابن مرجانة! لقد وجده بعيد الرحم منه )(٢) .

( وما علمت بخروج أبي عبد الله حين خرج، ولا بقتله حين قتله )(٣) .

( أحرزت أنفسكم عبيد أهل العراق، وما علمت بخروج أبي عبد الله ولا بقتله )(٤) .

( لعن الله ابن مرجانة! أما والله، لو أنّي صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلاّ أُعطيتها إيّاه! ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت ولو بهلاك بعض ولْدي، ولكنَّ الله قضى ما رأيت! )(٥) .

( كنت أرضى من طاعتهم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن سميّة! أما إنّي لو كنت صاحبه لعفوت عنه )(٦) .

(... لكنّ عبيد الله بن زياد لم يعلم رأيي في ذلك، فعجّل عليه بالقتل فقتله )(٧) .

( أما والله، يا حسين، لو أنا صاحبك ما قتلتك )(٨) .

( لو كان بينك وبين ابن مرجانة قرابة لأعطاك ما سألت)(٩) .

( لعن الله ابن مرجانة، فوالله، ما أمرته بقتل أبيك! ولو كنت

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣/ ٤٢٤.

(٢) المصدر ٣/ ٤١٩.

(٣) الإمامة والسياسة ٢/ ٨.

(٤) العقد الفريد ٥/ ١٣١.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٢؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣١ و١٤٦.

(٦) تجارب الأُمم ٢/ ٧٤.

(٧) مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٠؛ بحار الأنوار ٤٥/ ٣٢٦.

(٨) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢.

(٩) مُثير الأحزان: ٩٩.

٦٢

متولّياً لقتاله ما قتلته )(١) ...

إنّ ما نجده من قبيل ذلك يرجع إلى ثلاثة أُمور:

الأوّل: كذبه؛ فإنّ الرجل الذي يلهو ويفسق جهراً ويكفر بالربّ عياناً، ليس بغريب عنه أن يكذب، كيف يدّعي الجهل ويجعل المسؤولية على عاتق واليه عبيد الله بن زياد، وهو المسبّب الأعلى لتلك الفاجعة العظمى؟!

أليس هو الذي كتب إلى واليه وليد، يأمره بقتل الحسين إذا لم يُبايع؟!

أليس هو الذي أمر باغتيال الإمام في موسم الحجّ؟!

أليس هو الذي أرسل الكُتب إلى عبيد الله وأمره بقتال الحسينعليه‌السلام وقتله؟!

إنّ كلّ هذه الأدلّة القويّة والشواهد القويمة تدلّ على مدى كذب الرجل.

الثاني: انقلاب الأوضاع وخوفه على زوال ملكه؛ والدليل على ذلك، أنّه فرِح بقتل الحسين في بادئ الأمر، لكنّه بعد ذلك - وحينما رأى بوادر الفتنة والمشاكل العديدة في مُلكه وفي قلب عاصمته وحتّى في بيته - التجأ إلى إبراز الندم، وقد صرّح بذلك المؤرّخون:

قال ابن الأثير: ( قيل: ولما وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده، وزاده، ووصله، وسرّه ما فعل، ثمّ لم يلبث إلاّ يسيراً، حتّى بلغه بُغض الناس له ولعنهم وسبّهم، فندم على قتل الحسين )(٢) .

ونقل نحوه الذهبي، عن محمّد بن جرير، بإسناده عن يونس بن حبيب قال: ( لما قتل عبيدُ الله الحسين وأهله، بعث برؤوسهم إلى يزيد، فسُرَّ بقتلهم أوّلاً، ثمّ لم يلبث حتّى ندم على قتلهم )(٣) .

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٢.

(٢) الكامل في التاريخ ٤: ٨٧.

(٣) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٧.

٦٣

وقال الشيخ محمّد الصبّان: ( ثمّ ندم لما مقته المسلمون على ذلك، وأبغضه العالم، وفي هذه القصّة تصديق لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي في أُمّتي قتلاً وتشريداً، وإنّ أشرَّ قومنا لنا بُغضاً بنو أُميّة وبنو مخزوم )، رواه الحاكم )(١) .

وثَمَّ شواهد مُتقنة، سنوافيك بها في مبحث (انقلاب المعادلة وخوف الفتنة).

الثالث: لا نستبعد أنّ هناك أيادي مُرتزقة دسّوا بعض ذلك في كُتب التاريخ والسير؛ لأجل أن يُطهّروا يزيد ويُبرّئوه عن بعض ما فعل - مع أنّه لا يطهر ولو بإلقائه في ماء البحر - ويشوّهوا الأمر بعد ذلك! ويفتحوا المجال لمثل ابن تيمية وأذنابه، ولكن دون ذلك خرط القَتاد.

يزيد في مرآة الحديث:

روى ابن حجر، عن أبي يعلى، بسنده عن أبي عبيدة، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( لا يزال أمر أُمّتي قائماً بالقسط، حتّى يكون أوّل مَن يثلمه رجل من بني أُميّة، يُقال له: يزيد ).

وقال: وأخرج الروياني في مسنده عن أبي الدرداء قال: سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( أوّل مَن يُبدّل سُنّتي رجل من بني أُميّة، يُقال له: يزيد ) (٢) .

وروي عن الإمام الحسينعليه‌السلام أنّه قال لأخيه محمّد بن الحنفيّة:( يا أخي، والله، لو لم يكن في الدُّنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية، فقد قال جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللَّهمَّ لا تبارك في يزيد ) (٣) .

____________________

(١) إسعاف الراغبين: ١٨٨.

(٢) الصواعق المحرقة: ٢٣١؛ تسلية المجالس ٢/ ١٤٧.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ١٥٨.

٦٤

يزيد في كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام :

كتبعليه‌السلام إلى معاوية:

(... اتّق الله يا معاوية، واعلم أنّ لله كتاباً لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، واعلم أنّ الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظنّة وأخذك بالتُّهمة، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب... ) (١) .

وفي كتابه إلى معاوية أيضاً:

( ثمّ ولّيت ابنك، وهو غلام يشرب الشراب ويلهو بالكلاب، فَخُنْت أمانتك وأخربت رعيّتك، ولم تؤدّ نصيحة ربّك، فيكف تولِّي على أُمّة محمّد مَن يشرب المسكر، وشارب المسكر من الفاسقين، وشارب المسكر من الأشرار، وليس شارب المسكر بأمين على درهم فكيف على الأُمّة؟! ) (٢) .

وقالعليه‌السلام لمعاوية:

( وفهمت ما ذكرته عن يزيد، من اكتماله وسياسته لأُمّة محمّد، تُريد أن توهِم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً، أو تنعت غائباً، أو تُخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخُذْ

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١/ ١٨٠؛ الغدير ١٠/ ١٦١؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٥٤؛ رجال الكشّي ٥١/ ح٩٨؛ معادن الحِكمة ١/ ٥٨٢؛ العوالم ١٧/ ٩٢ ح٦.

(٢) دعائم الإسلام ٢/ ١٣٣ ح٤٦٨؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٥٨ ح٢٣١.

٦٥

ليزيد فيما أخذ به، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش، والحمام السبق لأترابهن، والقينات ذوات المعازف وضروب الملاهي، تجده ناصراً، ودعْ عنك ما تُحاول... ) (١) .

وقالعليه‌السلام له أيضاً:

( مَن خير لأُمّة محمّد؟! يزيد الخمور الفجور! ) (٢) .

وقالعليه‌السلام لعبد الله بن الزبير:

(... انظر أبا بكر ( أتظنّ (٣) ) أنّي أُبايع ليزيد، ويزيد رجل فاسق مُعلن الفسق، يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب والفهود، ويُبغض بقيّة آل الرسول؟! لا والله، لا يكون ذلك أبداً ) (٤) .

وقال لوليد بن عتبة:

(... ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، مُعلن بالفسق، ومثلي لا يُبايع لمثله... ) (٥) .

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١/ ١٨٦؛ تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٢٨؛ أعيان الشيعة ١/ ٥٨٣؛ الغدير ١٠/ ٢٤٨؛ موسوعة كلمات الإمام الحسين: ٢٦٢ ح٢٣٤.

(٢) الفتوح ٣/ ٣٤٣؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٦٥ ح٢٣٦.

(٣) كذا في تسلية المجالس، وهو الأنسب.

(٤) الفتوح ٥/ ١١؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٨٢؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٧٨ ح٢٤٤.

(٥) الفتوح ٥/ ١٤؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٨٤؛ مُثير الأحزان: ٢٤؛ بحار الأنوار ٤٤/ ٣٢٥؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٨٣ ح٢٥١؛ تسلية المجالس ٢/ ١٥٢.

٦٦

وقال لمروان بن الحكم:

(... إنّا لله وإنّا إليه راجعون! وعلى الإسلام السلام؛ إذ قد بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد.. ويحَك! أتأمرني ببيعة يزيد، وهو رجل فاسق؟! لقد قلت شططا... لا ألومك على قولك؛ لأنّك اللعين الذي لعنك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنت في صلب أبيك الحَكم بن أبي العاص، فإنّ مَن لعنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يمكن له ولا منه إلاّ أن يدعو إلى بيعة يزيد! ) (١) .

وقالعليه‌السلام :

( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( الخلافة مُحرَّمة على آل أبي سفيان وعلى الطلقاء أبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه.

فوالله، لقد رآه أهل المدينة على منبر جدّي فلم يفعلوا ما أُمروا به، فابتلاهم الله بابنه يزيد، زاده الله في النار عذاباً ) (٢) .

وقالعليه‌السلام لعبد الله بن عمر:

( أبا عبد الرحمان، أنا أُبايع يزيد وأدخل في صلحه؛ وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه وفي أبيه ما قال؟! ) (٣) .

____________________

(١ و٢) الفتوح ٥/ ١٧؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٨٤؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٨٤ ح٢٥٢؛ ونحوه في تسلية المجالس ٢/ ١٥٣ وفيه:(... فإنّه لا يُنكَر منه أن يدعو إلى بيعة يزيد... ) .

(٣) الفتوح ٥/ ٢٦؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٩؛ مُثير الأحزان: ٤١؛ موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٣٠٦؛ ونحوه في تسلية المجالس ٢/ ١٦٥.

٦٧

يزيد في نظر الصحابة والتابعين وبعض كبار القوم:

لقد جرت على لسان بعض الصحابة والتابعين والكبار من الناس كلمات حول يزيد بن معاوية عليه اللعنة - الذي وصفته زينب الكبرى (سلام الله عليها): بكونه عدوَّ الله وابن عدوّ الله(١) - نذكر بعضها:

أبو هريرة:

قال الشبراوي: ( وروى ابن أبي شيبة وغيره، عن أبي هريرة أنّه قال: ( اللّهمّ، لا تُدركني سنة ستّين! ولا إمرة الصبيان! ). وكانت ولاية يزيد فيها. انتهى )(٢) .

ابن عبّاس:

قال الخوارزمي: ( وذكر أبو الحسن السلامي البيهقي في تاريخه، عن ابن عبّاس أنّه قال: سبب زوال الدولة عن يزيد بن معاوية - والله - قتله الحسينعليه‌السلام )(٣) .

عتبة بن مسعود:

حينما علم عتبة بن مسعود بإرادة ابن عبّاس لبيعة يزيد خوفاً، اعترضه بهذا الكلام - كما نقله ابن قتيبة - وقال:( أتُبايع ليزيد، وهو يشرب الخمر، ويلهو بالقيان، ويستهتر بالفواحش؟! )(٤) .

ابن الزبير:

وفي تاريخ خليفة، بإسناده عن بقيّة بن عبد الرحمان، عن أبيه قال: ( لما بلغ يزيد بن معاوية أنّ أهل مكّة أرادوا ابن الزبير على البيعة فأبى، أرسل النعمان بن بشير الأنصاري، وهمام بن قبيصة النميري إلى ابن الزبير، يدعوانه إلى البيعة ليزيد، على أن يجعل له ولاية الحجاز وما شاء وما أحبّ لأهل بيته من

____________________

(١) بلاغات النساء: ٢١.

(٢) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٥.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢/ ٢١٠ طبع الخاقاني.

(٤) الإمامة والسياسة ١/ ٢٠٣.

٦٨

الولاية، فقدما على ابن الزبير، فعرضا عليه ما أمرهما به يزيد، فقال ابن الزبير: أتأمراني ببيعة رجل يشرب الخمر، ويدع الصلاة، ويتبع الصيد...؟! )(١) .

وجاء في تذكرة الخواص: ( ذكر الواقدي، وهشام، وابن إسحاق وغيرهم، قالوا: لما قُتل الحسينعليه‌السلام بعث عبد الله بن الزبير إلى عبد الله بن العبّاس ليُبايعه وقال: أنا أولى من يزيد الفاسق الفاجر... )(٢) .

وفي البدء والتاريخ: ( وأمّا عبد الله بن الزبير، فامتنع بمكّة، ولاذ بالكعبة، ودعا الناس إلى الشورى، وجعل يلعن يزيد، وسمّاه الفاسق المتكبّر... )(٣) .

وفي البداية والنهاية: ( أنّ ابن الزبير لما بلغه مقتل الحسين شرع يخطب الناس، ويُعظِّم قتل الحسين وأصحابه جدّاً، ويعيب على أهل الكوفة وأهل العراق ما صنعوه من خذلانهم الحسين، ويترحّم على الحسين، ويلعن مَن قتله ويقول: ( أما والله، لقد قتلوه، طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه! أما والله، ما كان يستبدل بالقرآن الغناء والملاهي، ولا بالبكاء من خشية الله اللغو والحداء، ولا بالصيام شرب المدام، وأكل الحرام، ولا بالجلوس في حلق الذِّكْر طلب الصيد - يعرِّض في ذلك بيزيد بن معاوية - فسوف يلقون غيّاً )، ويؤلّب الناس على بني أُميّة، ويحثّهم على مُخالفته وخلع يزيد )(٤) .

سعيد بن المسيّب:

قال اليعقوبي: ( وكان سعيد بن المسيب يُسمِّي سنيَّ يزيد بن معاوية بالشؤم، في السنة الأُولى قُتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول

____________________

(١) تاريخ خليفة بن خياط: ١٥٦.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٧٥.

(٣) البدء والتاريخ ٦/ ١٣.

(٤) البداية والنهاية ٨/ ٢١٣.

٦٩

الله، والثانية استُبيح حرم رسول الله وانتُهكت حُرمة المدينة، والثالثة سُفكت الدماء في حرم الله وحُرقت الكعبة )(١) .

عبد الله بن عفيف:

حينما قال عبيد الله بن زياد في خُطبته: ( الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله! ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه! وقتل الكذّاب ابن الكذّاب حسين بن عليّ وشيعته! ). وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي - وكان شيخاً كبيراً ضريراً قد ذهب بصره، قد ذهبت إحدى عينيه بصفّين والأُخرى يوم الجمل - قام فقال: ( يا بن مرجانة، إنّ الكذّاب ابن الكذّاب لأنت وأبوك، والذي ولاّك وأبوه... )(٢) .

وقال السيّد محمّد بن أبي طالب: ( إنّه قال له ابن زياد: يا عدوّ نفسه، ما تقول في عثمان؟

فقال: يا بن مرجانة، ويا بن سميّة الزانية! ما أنت وعثمان أساء أم أحسن، أصلح أم أفسد، والله تعالى وليّ خلقه، يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل؟! ولكن سلني عنك وعن أبيك، وعن يزيد وأبيه )(٣) .

عبد الله بن حنظلة:

قال ابن الجوزي: وكان ابن حنظلة يقول: ( يا قوم، والله، ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنّ الرجل ينكح الأُمّهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة، والله، لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله في بلاءً حسناً )(٤) .

عبد الله بن مُطيع:

روى الذهبي عنه أنّه قال في شأن يزيد: ( إنّه يشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدّى حكم الله )(٥) .

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٥٣.

(٢) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٢؛ تاريخ الإسلام ١/ ٤٠٠؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٢٤.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ٣٧٠.

(٤) الصواعق المحرقة: ٢٣٢. وروى نحوه السيوطي عنه (تاريخ الخلفاء: ٢٠٩).

(٥) سير أعلام النبلاء ٤/ ٤٠.

٧٠

عبد الله بن عمرو بن حفص المخزومي:

قال ابن الجوزي: ( قال أبو الحسن المدائني - وكان من الثقات -: أتى أهل المدينة المنبر، فخلعوا يزيد، فقال عبد الله ابن عمرو بن حفص المخزومي: قد خلعت يزيد، كما خلعت عمامتي - ونزعها من رأسه - وإنّي لأقول هذا، وقد وصلني وأحسن جائزتي، ولكنّ عدوّ الله سكّيرٌ )(١) .

عمرو بن حفص بن المغيرة - أبو زوجة يزيد -:

قال البيهقي: ( ولما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان، قَدِم عمرو بن حفص بن المغيرة، وكان تزوّج يزيد بن معاوية ابنته وأعطاه مالاً كثيراً، فلما قدم المدينة جاءه محمّد بن عمرو بن حزم، وعبيد الله بن حنظلة، وعبد الله بن مُطيع بن الأسود، وناس من وجوه أهل المدينة قالوا: ننشدك الله ربّ هذا البيت، وربّ صاحب هذا القبر، إلاّ أخبرتنا عن يزيد، فقال: إنّه ليشرب الخمر، ويُنادم القردة، ويفعل كذا، ويصنع كذا.

فقالوا: والله، ما لنا بأهل الشام من طاقة، ولكن ما يحِلّ لنا أن نُبايع رجلاً على هذه الحال... )(٢) .

وفد المدينة:

قال ابن الجوزي: ( لما دخلت سنة اثنتين وستّين، ولّى يزيد عثمان بن محمّد ابن أبي سفيان المدينة، فبعث إلى يزيد وفداً من المدينة، فلما رجع الوفد أظهروا شتم يزيد وقالوا: قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويلعب بالكلاب، وإنّا نُشهدكم أنّا قد خلعناه )(٣) .

معاوية بن يزيد بن معاوية:

قال في دائرة المعارف: ( قام بالأمر بعده ابنه معاوية بن يزيد بن معاوية، لكنّه خلع نفسه بعد أربعين يوماً؛ حبّاً بعليّ؛ وكرهاً لقتل

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٤.

(٢) المحاسن والمساوئ: ٦٣.

(٣) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٣. وروى نحوه سبطه في التذكرة (تذكرة الخواص: ٢٨٨).

٧١

الحسن والحسين ولأخذ جدّه الخلافة من بني هاشم )(١) .

وقال ابن حجر: ( إنّه لما وُلِّيَ صعد المنبر فقال: إنّ هذه الخلافة حبل الله، وإنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله، ومَن هو أحقّ به منه، عليّ بن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون، حتّى أتته منيّته، فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ قلّد أبي الأمر، وكان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقَصِف عمرُه، وانبتر عقبُه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه )(٢) .

عمر بن عبد العزيز:

روى ابن الحجر أنّه قال نوفل بن أبي عقرب: ( كنت عند عمر بن عبد العزيز، فذكر رجلٌ يزيد بن معاوية فقال: (قال أمير المؤمنين يزيد ). فقال عمر: ( تقول: أمير المؤمنين يزيد؟! ). وأمر به فضُرب عشرين سوطاً )(٣) .

يزيد في أقوال العلماء:

ذكرنا في مطاوي المباحث السابقة أقوالاً لكبار العلماء والمؤرِّخين والمفسِّرين - حول هذه الجرثومة الفاسدة الطاغية - ما يُناسب بعض زوايا حياته السوداء، ونذكر هنا بعض ما يكون أعمّ وأشمل منها:

١ - الإمام ابن حنبل:

روى ابن الجوزي، بإسناده عن مهنّا بن يحيى قال: ( سألت أحمد عن يزيد بن معاوية، فقال: هو الذي فعل بالمدينة ما فعل.

قلت: وما فعل بها؟

قال: نهبها.

قلت: فنذكر عنه الحديث؟

قال: لا يُذكَر عنه الحديث ولا [ كرامة ]، لا ينبغي لأحد أن يكتب عنه حديثاً.

قال: ومَن كان معه حين فعل ما

____________________

(١) دائرة المعارف ٤/ ٤٢٠.

(٢) الصواعق المحرقة: ٣٣٦؛ تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٥٤.

(٣) الصواعق المحرقة: ٢٣٢؛ انظر تهذيب التهذيب ١١/ ٣١٥ رقم ٨١٠٠.

٧٢

فعل؟ قال: أهل الشام )(١) .

وقال ابن الجوزي في المنتظم: ( وقد أسند يزيد بن معاوية الحديث، فروى عن أبيه، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإسنادنا إليه متّصل! غير أنّ الإمام أحمد سُئل: أيُروى عن يزيد الحديث؟

فقال: ( لا، ولا كرامة )؛ فلذلك امتنعنا أن نُسند عنه )(٢) .

٢ - مُجاهد:

ذكر سبط ابن الجوزي، عن ابن أبي الدُّنيا قال: ( قال مجاهد: فوالله، لم يبقَ في الناس أحد إلاّ مَن سبّه وعابه وتركه ( أي يزيد بن معاوية ) )(٣) .

٣ - الكيا الهراسي:

وحكى عن ذيل تاريخ نيسابور أنّه قد سُئِلَ عن يزيد بن معاوية، فقدح فيه وشطح وقال: ( لو مُددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل، فأمّا قول السلف، فلأحمد، ومالك، وأبي حنيفة قولان: تلويح، وتصريح، ولنا قول واحد التصريح، وكيف لا، وهو اللاعب بالنرد! والمتصيّد بالفهود، ومُدمن الخمر، وهو القائل:

أقول لصحب ضمَّ الكأس شملهم

وداعـي صبابات الهوى يترنَّم

خـذوا بـنصيب من نعيمٍ ولذَّة

فـكلٌّ وإن طال المدى يتصرّم

ولا تتركوا يوم السرور إلى غدٍ

فـرُبَّ غـدٍ يأتي بما ليس يُعلَم(٤)

٤ - ابن الجوزي:

قال: ( ليس العجب من فعل عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد، وإنّما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب على ثنيَّة الحسين، وإعادته إلى المدينة... لبلوغ الغرض الفاسد، أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟! أوليس في

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٣. ورواه سبطه عنه في تذكرة الخواص: ٢٨٧.

(٢) المنتظم ٥/ ٣٢٢. وقد ذكرنا رأي أحمد بن حنبل حول لعن يزيد، فراجع.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٦٢.

(٤) على ما في هامش جواهر المطالب ٢/ ٣٠١.

٧٣

الشرع أنّهم يُصلّى عليهم ويدفنون؟! وأمّا قوله: (لي أن أسبيهم ). فأمر لا يقع لفاعله ومُعتقده إلاّ اللعنة، ولو أنّه احترم الرأس حين وصوله وصلّى عليه، ولم يتركه في طست، ولم يضربه بقضيب، ما الذي كان يضرّه، وقد حصل مقصوده من القتل؟! ولكنْ أحقاد جاهلية؛ ودليلها ما تقدّم من إنشاده: ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا )(١) .

وقال: ( واعلم أنّه ما رضي ببيعة يزيد أحد ممّن يُعوّل عليه، حتّى العَوام أنكروا ذلك، غير أنّهم سكتوا خوفاً على أنفسهم.. وأجمع العلماء على أنّه لا يجوز التنصيص على إمام بالتشهّي، وأنّه لابدّ من صفات، وصفات الإمام وشروط الإمامة جَمَعَها الحسينعليه‌السلام ، لا يُقاربه فيها أحد من أهل زمانه.. وإذا ثبت أنّ الصحابة كانوا يطلبون الأفضل ويرونه الأحقّ، أفيشكّ أحد أنّ الحسين أحقّ بالخلافة من يزيد؟! لا، بل مَن هو دون الحسين في المنزلة، كعبد الرحمان بن أبي بكر، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عبّاس، وما في هؤلاء إلاّ مَن له صحبة ونَسَب، ونجدة وكفاية، وورع وعلم وافر لا يُقاربهم يزيد، فبأيّ وجه يستحقّ التقديم؟! وما رضي ببيعة يزيد عالم ولا جاهل، ولو قيل لأجهل الناس: أيّهما أصلح، الحسين أو يزيد؟ لقال: الحسين.

فبان بما ذكرنا، أنّ ولاية يزيد كانت قهراً، وإنّما سكت الناس خوفاً، ومن جملة مَن خرج ولم يُبايع ابن عمر! فلما خاف على نفسه بايع... )(٢) .

٥ - ابن أبي الحديد ردّاً على بعض:

( وكذا القول في الحديث الآخر، وهو قوله: ( القرن الذي أنا فيه خير... ثمّ الذي يليه) وممّا يدلّ على بطلانه، أنّ القرن الذي جاء بعده بخمسين سنة شرّ قرون الدُّنيا، وهو أحد القرون التي ذكرها في

____________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٢، ونحوه بتفاوت في تذكرة الخواص: ٢٩٠.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٦٨ - ٧٠.

٧٤

النصّ، وكان ذلك القرن هو القرن الذي قُتل فيه الحسين، وأُوقِع بالمدينة وحوصرت مكّة، ونُقضت الكعبة، وشربت خلفاؤه القائمون مقامه والمنتصبون أنفسهم في منصب النبوّة الخمور، وارتكبوا الفجور، كما جرى ليزيد بن معاوية، وليزيد بن عاتكة، وللوليد بن يزيد.. وإذا تأمّلت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شرّاً كلّها لا خير فيها، فكيف يصحّ هذا الخبر؟! )(١) .

٦ - سيّد الحفّاظ شهردار بن شيرويه الديلمي:

قال الخوارزمي: (وأخبرني سيّد الحفّاظ - ثمّ ذكر إسناد الخبر إلى عبد الله بن بدر الخطمي - عن النبيّ(صلَّى الله عليه وسلَّم) يقول:( مَن أحبّ أن يُبارَك في أجله وأن يُمتَّع بما خوّله الله تعالى، فليَخلفني في أهلي خلافة حسنة، ومَن لم يَخلفني فيهم بُتك عمره وورد عليَّ يوم القيامة مسودّاً وجهه ) قال: فكان كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فإنّ يزيد بن معاوية لم يخلفه في أهله خلافة حسنة فبُتك عمره، وما بقي بعد الحسينعليه‌السلام إلاّ قليلاً، وكذلك عبيد الله بن زياد لعنهما الله )(٢) .

٧ - مجد الأئمّة:

روى الخوارزمي بإسناده: (عن عبد الله بن عمر: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( مَن ذبح عصفوراً بغير حقّه سأله الله عنه يوم القيامة ).

وفي رواية أُخرى:( مَن ذبح عصفوراً بغير حقّ ضجّ إلى الله تعالى يوم القيامة منه، فقال: يا ربّ، إنّ هذا ذبحني عبثاً ولم يذبحني منفعة ) ، ثمّ قال: قال مجد الأئمّة: هذا لمن ذبح عصفوراً بغير حقّ، فكيف لمن قتل مؤمناً؟! فكيف لمن قتل ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الحسينعليه‌السلام ؟! )(٣) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢٠/ ٢٩.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٥.

(٣) المصدر ٢/ ٥٢.

٧٥

٨ - ابن تيمية:

حُكي عن ابن تيميّة أنّه حكم بضلالته، حيث قال ما معناه: ( ومن الناس مَن يرى يزيد رجلاً صالحاً وإمامَ عدلٍ، وهذا قول بعض الضلاّل... )(١) .

٩ - صاحب الميزان:

قال صاحب شذرات الذهب: ( وقال فيه (يزيد) في الميزان: إنّه مقدوحٌ في عدالته، ليس بأهل أن يُروى عنه )(٢) .

١١ - ابن حجر:

قال الشبراوي: (قال العلاّمة ابن حجر في شرح الهمزية: إنّ يزيد قد بلغ من قبايح الفسق والانحلال عن التقوى مبلغاً لا يُستكثَر عليه صدور تلك القبائح منه )(٣) .

١٢ - الجوهري:

ذكر العلاّمة المحمودي، أنّه أنشد في ناصبي أحمق:

رأيت فتىً أشقراً أزرقـاً

قلـيل الدمـاغ كثير الفضول

يُفضّل من حمقه دائـماً

يزيد ابن هند على ابن البتول(٤)

١٣ - ابن حزم:

قال في شذرات الذهب: ( وعدّ ابن حزم خروم الإسلام أربعة: قتل عثمان، وقتل الحسين، ويوم الحرّة، وقتل ابن الزبير )(٥) .

١٤ - العلاّمة الحجّة الأميني:

ولنختم المقال بما ذكره العلاّمة الحجّة البحّاثة الشيخ الأميني:

(... نعم، تمّت تلك البيعة المشومة مع فقدان أيّ جدارة وحنكة في يزيد،

____________________

(١) على ما ذكره المحمودي في هامش الردّ على المتعصّب العنيد: ٣٠ عن ما حكى عن ابن تيميّة في كتاب الفتاوى ٤/ ٤٨١.

(٢) شذرات الذهب ١/ ٦٨.

(٣) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٨.

(٤) (هامش) الردّ على المتعصّب العنيد: ١٢.

(٥) شذرات الذهب ١/ ٦٨.

٧٦

تؤهّله لتسنّم عرش الخلافة، على ما تردّى به من ملابس الخزي وشية العار من معاقرة الخمور، ومُباشرة الفجور، ومُنادمة القيان ذوات المعازف، ومُحارشة الكلاب، إلى ما لا يتناهى من مظاهر الخزاية، وقد عرفته الناس بذلك كلّه منذ أولياته، وعرّفه به أُناس آخرون... )(١) .

موته:

قال ابن قتيبة الدينوري: ( كانت ولاية يزيد ثلاث سنين وشهوراً، وهلك بحوارين من عمل دمشق، سنة أربع وستّين وهو ابن ثمان وثلاثين سنة )(٢) .

وروى الذهبي، عن محمّد بن أحمد بن مسمع قال: ( سكر يزيد، فقام يرقص فسقط على رأسه، فانشقّ وبدا دماغه )(٣) .

وفيه يقول الشاعر:

يا أيُّها القبر بحوارينا

ضممت شرّ الناس أجمعينا(٤)

* * *

روي عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال: ( رأيت فيما يرى النائم أنّ القيامة قد قامت - إلى أن قال -: ثمّ مررت على وادٍ من نار، فإذا رجل فيه، كلّما أراد أن يخرج قُمِع بمقامع من حديد فهوى، فقلت: مَنْ هذا؟ قيل: يزيد بن معاوية )(٥) .

____________________

(١) الغدير ١٠/ ٢٥٥.

(٢) المعارف: ١٩٨.

(٣) سير أعلام النبلاء ٤/ ٣٦.

(٤) البدء والتاريخ ٦/ ١٦.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٨٦.

٧٧

٧٨

الفصل الأوّل

دور أهل البيت في الشام

٧٩

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

هم الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، فبهم يتقرّب ويتوسل إلى اللَّه عزّ وجلّ، وبمودّتهم وولايتهم تقبل الطاعات، ومحبّتهم ركن ركين في الدين لا يعرض عنه إلّا كافر أو مشرك، ومن هنا جعل النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله عدل الرسالة وأجرها المودّةَ في القربى كما في قوله تعالى: ( قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) .

ومن ذلك كلّه يتضح أن من تمام الحجّ وسائر العبادات لقاء الإمام وإظهار المودّة والنصرة والتولّي له، وإلّا فلا حجّ ولا طواف ولا صلاة مقبولة عند اللَّه تعالى، فالتوحيد في العبادة هو الإقرار بولاية أهل البيت عليهم‌السلام .

ومن هنا أيضاً يتضح المراد من قول الإمام الباقر عليه‌السلام : (تمام الحجّ لقاء الإمام) (2) .

وكذا قول الإمام الصادق عليه‌السلام : (ابدؤوا بمكّة واختموا بنا) (3) .

وقول الإمام الباقر عليه‌السلام : (إنما أمروا أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم) (4) .

وكذا قال عندما رأى الناس يحجّون بمكّة: (فعال كفعال الجاهلية، أمَا واللَّه ما أمروا بهذا، وما أمروا إلّا أن يقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم فيمرّوا بنا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم) (5) .

____________________

(1) الشورى: 23.

(2) الكليني، الكافي، ج4، ص549.

(3) المصدر، ص550.

(4) المصدر، ص549.

(5) المصدر، ج1، ص392.

١٠١

6 - الولاية من شرائط المغفرة:

قال تعالى: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) (1) ، فلا تحصل المغفرة ولا التوبة ولا الإيمان ولا يقبل العمل الصالح إلّا بشرط الهداية، والمراد من الهداية في هذه الآية المباركة مقام الإمامة؛ لأنها تعني الإيصال إلى المطلوب، وهي مرحلة بعد مقام النبوّة الذي هو إراءة الطريق فقط. فإن مجرّد إراءة الطريق شأن النبيّ والرسول، قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) (2) .

وأمَّا مقام الإمامة، فنجد أن القرآن الكريم كلّما تعرّض إليه تعرض معه لذكر الهداية بياناً وتفسيراً، قال تعالى: ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) (3) ، وقال أيضاً عزّ وجلّ: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (4) ، فوصف اللَّه عزّ وجلّ الإمامة بالهداية وصف بيان وتعريف وتفسير، هذا في إمامة الحقّ.

كذلك في إمامة الباطل والكفر، فإن فرعون الذي هو من أئمة الكفر قال تعالى في حقّه: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (5) ، فإمامة الكفر أيضاً فيها هداية وإيصال، ولكن إلى الضلال وخلاف المقصود من الكمال الإنساني؛ ولذا

____________________

(1) طه: 82.

(2) إبراهيم: 4.

(3) الأنبياء: 72 - 73.

(4) السجدة: 24.

(5) القصص: 41.

١٠٢

قال تعالى: ( وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ) (1) ، فإمامة الحقّ هي الهداية والإيصال إلى المطلوب وولاية على الناس في أعمالهم بأمر ملكوتي من اللَّه عزّ وجلّ كما يستفاد من قوله تعالى: ( يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) ، وإمامة الباطل أيضاً هداية وإيصال، ولكن إلى الضلال وخلاف المقصود.

والحاصل: أن مقام الهداية الإلهية الحقّة - بقول مطلق - يساوق مقام الإمامة والخلافة الربّانية؛ وهذا يعني أن هناك مقاماً ثالثاً غير الشهادة الأولى والشهادة الثانية لابدّ أن يعتقد به المسلم لكي يكون مهتدياً مؤمناً، فقوله تعالى: ( آمَنَ ) إشارة إلى الشهادة الأولى والثانية، وقوله: ( وَعَمِلَ صَالِحًا ) إشارة إلى الإيمان والعمل بالشريعة الذي هو مقام النبوّة، وقوله: ( ثُمَّ اهْتَدَى ) إشارة إلى ذلك المقام الثالث والشهادة الثالثة؛ وهي الولاية والإمامة.

سورة الحمد وإمامة أهل البيت عليهم‌السلام :

وإذا لم يعتقد بها الشخص ولم يجعلها واسطة بينه وبين ربّه لا يتحقّق منه الإيمان ولا العمل الصالح، فولاية وإمامة أهل البيت عليهم‌السلام واسطة ووسيلة يتوسَّل بها العبد إلى اللَّه عزّ وجلّ لقبول عقيدته وعبادته، وهذا ما صرّحت به سورة الحمد، التي يقرؤها المسلم في اليوم والليلة عشر مرّات على أقل تقدير.

فإن سورة الحمد تعرّضت للشهادة الأولى والشهادة الثانية والشهادة الثالثة،

____________________

(1) طه: 79.

١٠٣

فقوله تعالى: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) (1) إشارة إلى الشهادة الأولى، وهي كلمة (لا إله إلّا اللَّه)، وقوله تعالى: ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) (2) إشارة إلى أصل المعاد، الذي هو من أصول الدين، وقوله تعالى: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) (3) إشارة إلى مقام التشريع والنبوّة؛ لأن العبادة لا تتحقّق إلّا بالسير على خطى النبوّة والرسالة، وقوله تعالى: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) (4) إشارة إلى مقام الإمامة في الأمة، فهناك مجموعة في الأمة الإسلامية ندعو اللَّه عزّ وجلّ في اليوم والليلة أن يهدينا صراطهم المستقيم، المنزّه عن الغضب في العمل وعن الضلال في العلم؛ أي صراط المعصومين علماً وعملاً، وهؤلاء الهداة الهادون إلى الصراط المستقيم وصفهم اللَّه تعالى بثلاثة نعوت:

الأول: أنهم منْعَم عليهم بنعمة خاصّة دون بقية الأمة وسائر البشر، نظير ما أنعم اللَّه على النبيِّين.

الثاني: أنهم لا يغضب اللَّه عليهم قطّ، وإلّا لَمَا كانت لهم صلاحية الهداية لجميع الأمة.

الثالث: أنهم لا يضلّون قط، وإلّا لم يكونوا هداة هادين لكل الأمة.

ولم يحدّثنا القرآن عن ثلّة عن هذه الأمة قد خصصوا بنعمة وحظوة وحبوة

____________________

(1) الحمد: 2 - 3.

(2) الحمد: 4.

(3) الحمد: 5.

(4) الحمد: 6 - 7.

١٠٤

إلهية خاصة دون بقية الأمة إلّا أهل البيت عليهم‌السلام كما في ولاية الفي‏ء في قوله تعالى: ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (1) ، وكما في ولاية الخمس في قوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (2) ، وكذا التطهير في قوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ) (3) ، والمودّة والولاية في قوله تعالى: ( قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (4) وقوله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (5) ، وعلم الكتاب في قوله تعالى: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (6) وغيرها من الآيات المخصِّصة

لهم عليهم‌السلام بمقامات دون سائر الأمة إلى يوم القيامة، فلا توجد مجموعة في الأمة الإسلامية معصومة عن الغضب والضلال سوى أهل البيت عليهم‌السلام ، الذين أنعم اللَّه عزّ وجلّ عليهم بالطهارة من الرجس والغواية في العلم والعمل كما قال تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ) (7) .

ويتحصّل من ذلك: أن سورة الحمد اشتملت على أصول الدين من التوحيد والمعاد والنبوّة والإمامة، وقارئ الحمد يطلب من اللَّه تعالى الهداية إلى الصراط

____________________

(1) سورة الحشر: 7.

(2) سورة الأنفال: 41.

(3) سورة الأحزاب: 33.

(4) سورة الشورى: 23.

(5) سورة المائدة: 55.

(6) سورة الواقعة: 77 - 79.

(7) الأحزاب: 33.

١٠٥

المستقيم، وأن يجعل له هداة وأئمة يهتدي بهم، وهذا يعني أن ضمّ الشهادة الثالثة بالإمامة إلى الشهادة الثانية بالرسالة والنبوّة للنبيّ

الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله يوجب الخروج عن الشرك وقبول الإيمان والعبادة.

ومن ذلك كلّه يتضح المراد من قول الإمام الباقر عليه‌السلام لسدير وهو مستقبل البيت: (يا سدير، إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا، وهو قول اللَّه: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) (1) - ثم أومأ إلى صدره - إلى ولايتنا) (2) .

إذن تمام الحجّ وسائر العبادات بالهداية إلى ولاية أهل البيت عليهم‌السلام والتوسّل والتوجّه بهم إلى اللَّه عزّ وجل.

7 - الوفود على ولي اللَّه من شرائط الحجّ:

قال تعالى: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود × وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) (3) .

فهذه الآية المباركة تنصّ على أن اللَّه عزّ وجلّ جعل مكان البيت مبوّءاً وسكناً لإبراهيم عليه‌السلام ، وأن إبراهيم عليه‌السلام هو المتكلّم الأوّل والناطق الرسمي عن اللَّه تعالى في الندبة إلى الحجّ، فهو يأمر الناس بحجّ بيت اللَّه الحرام كما نصّت على ذلك روايات الفريقين.

____________________

(1) طه: 82.

(2) أصول الكافي، ج 1، ص 393.

(3) الحج: 26 - 27.

١٠٦

ثم إن التعبير الآخر في الآية المباركة بعد الأذان في الناس بالحجّ ( يَأْتُوكَ رِجَالاً ) ، فالمجي‏ء ليس إلى البيت ولا إلى اللَّه عزّ وجلّ مباشرة، بل المجي‏ء أوّلاً إلى إبراهيم عليه‌السلام .

فالإتيان إلى الحجّ تلبية وإجابة للنداء الإلهي إنما يتمّ بالوفادة على وليّ اللَّه، ويكون الحجّ الذي هو القصد إلى اللَّه عزّ وجلّ بواسطة الإتيان إلى إبراهيم عليه‌السلام ، الذي هو وجيه عند اللَّه تعالى يتوجّه إليه ويُقصد لإقامة الصلاة والطواف وسائر مناسك الحجّ العبادية، فلابدّ من الوفود على إبراهيم عليه‌السلام ومحبّته وهويّ الأفئدة إليه.

وهذه الآية المباركة تتوافق في المضمون مع ما تقدّم من قوله تعالى: ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الُْمحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) (1) ، فإبراهيم عليه‌السلام وذرّيته أسكنهم اللَّه عزّ وجلّ البيت الحرام وبوّأهم فيه لإقامة الصلاة وتشييد الدين وتطهير البيت للطائفين والقائمين والرّكع السجود، والإيذان في الناس بالحجّ، ولكن لا قيمة للحجّ ولا مقبولية عند اللَّه عزّ وجلّ إلّا بالمجي‏ء إلى إبراهيم عليه‌السلام وذريّته من ولد إسماعيل عليه‌السلام ، وهويّ القلوب والأفئدة إليهم ومحبّتهم ومودّتهم وتولّيهم وإبراز الطاعة لهم وجعلهم واسطة في القصد إلى اللَّه تعالى.

فتبويء اللَّه عزّ وجلّ لإبراهيم البيت، وإسكان إبراهيم ذريَّته فيه من أجل الوفود عليهم ومودّتهم، هو الذي جعل من البيت الحرام مكاناً ومقصداً لإقامة العبادة فيه، والأحجار بما هي أحجار لولا ذلك تكون وثناً يعبد من دون اللَّه

____________________

(1) إبراهيم: 37.

١٠٧

عزّ وجلّ كما كان الحجّ في الجاهلية. ولذا ورد أن من المستحبّات عند الدخول إلى البيت الحرام إلقاء التحيّة والسلام على سيّد الأنبياء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم السلام على النبيّ إبراهيم عليه‌السلام (1) .

فعن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام قال: (فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقل: السلام عليك أيها النبيّ ورحمة اللَّه وبركاته، بسم اللَّه وباللَّه ومن اللَّه وما شاء اللَّه، والسلام على أنبياء اللَّه ورسله والسلام على رسول اللَّه، والسلام على إبراهيم والحمد للَّه رب العالمين) (2) .

فالمجي‏ء إلى النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم إلى إبراهيم عليه‌السلام مجي‏ء وإتيان وقصد إلى اللَّه عزّ وجل، وكذا أهل البيت عليهم‌السلام ؛ لأنهم الذريّة والأمة المسلمة الذين دعا إبراهيم والنبيّ الأكرم إلى مودّتهم ومحبّتهم.

إذن، الأنبياء والأوصياء هم أبواب اللَّه التي يتّجه إلى اللَّه تعالى بها، ولولا ذلك لا يكون الحجّ حجّاً إبراهيمياً، بل حجّ الجاهلية.

8 - الأنبياء مصدر البركة:

قال تعالى حكاية عن قول عيسى عليه‌السلام : ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاة وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) (3) .

وهذا يعني أن عيسى عليه‌السلام جعله اللَّه عزّ وجلّ مصدر البركة والتبرّك أين ما حل؛ ولذا كان ببركته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن اللَّه تعالى، فهو

____________________

(1) ابن حمزة، الوسيلة، ص172.

(2) الصدوق، المقنع، ص255.

(3) مريم: 31.

١٠٨

وجيه وواسطة في قضاء الحوائج في كلّ مكان حلّ فيه، فما بالك بخاتم الأنبياء عليه‌السلام وأهل بيته الأطهار ومَن يصلّي عيسى خلفه عند نزوله ويكون وزيراً له؟!

وكذا ورد في الآيات المباركة أن الماء مصدر البركة والخيرات كما في قوله تعالى: ( وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ) (1) ، فإذا كان اللَّه تعالى ببركة الماء المنزل من السماء ينبت الجنان ويحيي الأرض بعد موتها، فكيف بك بأنبياء اللَّه ورسله وخلفائه الأوصياء؟!

9 - البقعة المباركة:

وهي الطائفة من الروايات التي تعرّضت لذكر البقعة المقدّسة والمباركة التي كلّم اللَّه عزّ وجلّ فيها موسى عليه‌السلام كقوله تعالى: ( وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَ نَارًا فَقَالَ ِلأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِىَ يَا مُوسَى * إِنِّى أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) (2) ، وقوله تعالى: ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) (3) ، وكذا قوله تعالى: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا * وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) (4) .

____________________

(1) ق: 9.

(2) طه: 9 - 12.

(3) النازعات: 15 - 16.

(4) مريم: 51 - 52.

١٠٩

وقوله عزّ وجلّ: ( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ ِلأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِي‏ءِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (1) .

وقد أقسم اللَّه عزّ وجلّ بهذه البقعة المباركة لعظمتها، بالإضافة إلى بقع ثلاث أخرى، وذلك في قوله تعالى: ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) (2) ، وهذا قسم من اللَّه عزّ وجلّ ببلد التين، وهو المدينة، وبلد الزيتون وهو بيت المقدس، وطور سينين الكوفة، والبلد الأمين، وهو مكّة، كما ورد ذلك عن الإمام الكاظم عليه‌السلام ؛ حيث قال: (واختار من البلدان أربعة؛ فقال عزّ وجلّ: ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) فالتين المدينة، والزيتون بيت المقدس، وطور سنين الكوفة، وهذا البلد الأمين مكّة) (3) .

هذا من طرقنا.

وكذلك من طرق السنّة، ولكن بتفسير التين بالبيت الحرام، وتفسير الطور بأنه الجبل الذي كلّم اللَّه عزّ وجلّ فيه موسى عليه‌السلام (4) ، ولا تنافي في ذلك إذ لعلّ ذلك هو الوادي المقدّس بين جبل طور والكوفة كما ذكر ذلك بعض المفسّرين.

____________________

(1) القصص:29 - 30.

(2) التين: 1 - 3.

(3) الصدوق، الخصال، ص225، والنيسابوري، روضة الواعظين، ص405.

(4) ابن الجوزي، زاد المسير، ج8، ص275.

١١٠

وقد ورد في الحديث أن محلّ قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام أوّل طور سيناء. عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال: (كان في وصيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام : أن أخرجوني إلى الظهر [أي ظهر الكوفة]، فإذا تصوّبتْ أقدامكم واستقبلتكم ريح، فادفنوني؛ وهو أوّل طور سيناء. ففعلوا ذلك) (1) .

والحاصل: إن القرآن يؤكّد أن هناك بقعة مقدّسة مباركة، فيها هبطت الملائكة بالوحي على موسى عليه‌السلام ، ولابدّ أن تقدّس وتُعظّم ويُتقرّب فيها إلى اللَّه عزّ وجلّ ويكلّم اللَّه تعالى فيها الأنبياء.

قال القرطبي في تفسيره قوله تعالى ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) (2) :

(المقدّس: المطهّر، والقدس: الطهارة، والأرض المقدّسة أي المطهّرة) إلى أن قال: (وقد جعل اللَّه تعالى لبعض الأماكن زيادة فضل على بعض، كما قد جعل لبعض الأزمان زيادة فضل على بعض) (3) .

وهذا يعني أن هناك أماكن مقدّسة فيها ينزل الوحي وتفتح أبواب السماء، وفيها يزداد الأجر ويقبل الدعاء ويتوجّه إلى اللَّه عزّ وجل.

10 - وجوب تعظيم الأنوار الإلهيّة:

خلقة الأنوار الخمسة لأصحاب الكساء في سورة النور؛ قال تعالى: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا

____________________

(1) تهذيب الأحكام، ج 6، ص 34.

(2) طه: 12.

(3) تفسير القرطبي، ج11، ص175.

١١١

شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِي‏ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) (1) .

إن هذه الآية المباركة تنصّ على وجود بيوت خاصّة أذن اللَّه أن ترفع وتعظّم ويذكر فيها اسمه، وفي تلك البيوت يسبّح للَّه عزّ وجلّ وتقبل العبادة ويسمع الذكر، وتحت قبّتها يرفع الدعاء وتفتّح أبواب السماء وتحصل القربة إلى اللَّه تعالى، فهي بيوت مباركة ومقدّسة جعلها اللَّه تبارك وتعالى وسيلة وواسطة ومحلّاً لقبول العبادة والذكر والتسبيح آناء الليل وأطراف النهار.

ومن الجدير بالذكر أن تلك البيوت بيوتاً خاصّة، وهي مهبط الوحي والقداسة والطهارة. والشاهد على ذلك أن الجار والمجرور في قوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ ) متعلّق بذلك النور الذي ضربه اللَّه عزّ وجلّ مثلاً للناس، فالنور في بيوت أذن اللَّه أن ترفع، وقد ذكرت الآية المباركة أن هذا النور نور السماوات والأرض، أي محيط بهما ومهيمن عليهما وأشرف منهما في الخلقة والرتبة الوجودية.

ثمّ إن ذلك النور مخلوق من مخلوقات اللَّه تعالى، أُضيف إليه عزّ وجلّ في الآية إضافة الفعل إلى فاعله، وهو عبارة عن أنوار خمسة شامخة، ضرب اللَّه تعالى لكلّ واحد منها مثلاً حسّياً لتقريب الفكرة وتنزيل الحقيقة إلى رقيقة

____________________

(1) النور: 35 -37.

١١٢

يفهمها البشر، وليس هذا النور عين الذات الإلهية؛ لأنها أحدية المعنى لا تعدّد ولا تكثّر فيها، والنور المذكور في الآية المباركة متعدّد منشعب إلى خمسة أنوار، مستقل بعضها عن البعض الآخر.

والأنوار الخمسة التي ضُربت مثلاً هي:

أولاً: المشكاة.

ثانياً: المصباح.

ثالثاً: الزجاجة.

رابعاً: الكوكب الدُّرِّي

خامساً: الشجرة المباركة.

ثم تقول الآية الكريمة بعد ذلك: ( نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) .

وفي اللغة العربية يقول علماء البلاغة: كل تشبيه جملة مستقلة برأسها، وتفيد معنىً ومغزىً مستقلاً، فالآية بصدد التعرض إلى خلقة النور، وأن أحد مراحل الخلقة الإلهية هي المخلوقات النورية، وهي أنوار خمسة، تعظم في الخلقة الملائكةَ والروح والجنّ والإنس ومطلق الموجودات الأخرى، وهي أنوار مشتقّ بعضها من بعض، ومرتبط بعضها بالبعض الآخر كما هو ظاهر الآية المباركة.

وهذه الأنوار المباركة المحيطة بالسماوات والأرض، هي الأسماء والكلمات التي لم تعلم بها الملائكة، مع أن الملائكة ملأت أركان السماوات والأرض؛ لأنها هي التي تدبّرها وتدير شؤونها، وهو المشار إليه في تعليم آدم الأسماء وعرض اللَّه تعالى لها على الملائكة، فلم يعلموا بها، فأنبأهم آدم بها،

١١٣

ووصفها اللَّه بأنها غيب السماوات والأرض (1) ، وكما ورد هذا المعنى في روايات الفريقين (2) .

ولو كانت تلك الأسماء من عالم السماء والأرض، لعلمت بها الملائكة، ومن ذلك يعلم أن الأسماء التي علّمها اللَّه عزّ وجلّ آدم وجهلتها الملائكة، كانت مخلوقات محيطة بعالم السماوات والأرض.

وهذا نوع من أنواع التشاهد بين الآيات القرآنية، فالأنوار الخمسة المذكورة في سورة النور هي الأسماء التي خفيت عن الملائكة وعلّمها اللَّه تعالى آدم، وهي كما سيأتي موجودات حيّة عاقلة شاعرة من عالم النور كما عبّر عنها في سورة البقرة بضمير (هم) واسم الإشارة (هؤلاء)، وهما لفظتان لا تستعملان في الذوات الجامدة، بل في الذوات الحيّة الشاعرة العاقلة.

ويتحصّل من ذلك وجود مخلوقات خمسة نورية محيطة بالسماوات والأرض، أفضل من الملائكة ولا تحيط الملائكة بها علماً، بل إن اللَّه تعالى شرّف آدم على جميع مخلوقاته، بما فيهم المقرّبين من كبار الملائكة، كجبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل بفضل تلك الأنوار، وبفضلها أيضاً استحقّ مقام الخلافة الإلهية، وسجد له الملائكة كلّهم أجمعون.

ومن ذلك يتضح أن هذه الأنوار الخمسة هي باطن (غيب) وملكوت السماوات والأرض؛ لأن نور كلّ شي‏ء بمنزلة الروح له، ومن دونه يكون ظلمانياً، والنور في المقام ليس هو النور الحسّي الذي يظهر الصفات العارضة

____________________

(1) سورة البقرة: 31 - 33.

(2) بصائر الدرجات، ص89، الطبراني، المعجم الأوسط، ج4، ص44.

١١٤

على الشي‏ء، بل هو نور الخلقة الذي يوجد الشي‏ء ويكوّنه ويظهره من كتم العدم إلى الوجود، فنور السماوات والأرض أي ملكوتهما وباطنهما ومظهرهما من ظلمة العدم إلى نور الوجود، وهو اسم اللَّه الأعظم الذي هو غير المسمّى، يفوق في القدرة والعظمة كافّة المخلوقات في السماوات والأرض.

وسيأتي أن تلك الأنوار الخمسة المباركة - وهي الأسماء التي علّمها اللَّه تعالى آدم وتاب بفضلها عليه من خطيئته، وابتلى بها إبراهيم لنيل مقام الإمامة - هم خمسة أصحاب الكساء وأهل آية المباهلة: محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فهم أهل البيت، وهم النور الإلهي الذي حلّ في بيوت أذن اللَّه أن ترفع، لتكون محلّاً للذكر والتسبيح والعبادة والتوجّه إلى اللَّه عزّ وجلّ وتشييد معالم الدين.

ولذا أخرج السيوطي في الدرّ المنثور عن ابن مردويه عن أنس ابن مالك وبريدة، قال: قرأ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول اللَّه؟ قال: (بيوت الأنبياء)، فقام إليه أبو بكر، فقال: يا رسول اللَّه، هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت عليّ وفاطمة عليهم‌السلام ، قال: (نعم، من أفاضلها) (1) .

وعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: (هي بيوت النبي صلَّى الله عليه وآله) (2) .

كذلك عن جابر عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ

____________________

(1) الدرّ المنثور، ج 5، ص50.

(2) الكافي، ج8، ص331، ح510.

١١٥

تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) قال: (هي بيوت الأنبياء، وبيت علي منها) (1) .

وقد تقدّم رواية الحاكم في المستدرك أن من الكلمات التي تاب اللَّه بها على آدم (وهي الأسماء التي شُرّف آدم بها على الملائكة كخليفة، لأن الكلمات أعظم مقاماً من آدم إذ بها تاب اللَّه عليه)، أن من أعظم تلك الكلمات والأسماء هو خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ورد في المستدرك أنه لولاه لَمَا خلق آدم ولا الجنة ولا النار (2) ويتشاهد هذان الحديثان النبويان على أن أوّل الأنوار الخمسة والأسماء التي تعلّمها آدم وتوسّل بها هو خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا بالنسبة إلى الأنوار الخمسة المباركة.

الأئمة التسعة من ولد الحسين عليه‌السلام في آية النور:

وأمَّا قوله تعالى: ( نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) ، فهو إشارة إلى استمرار وديمومة قانون الإمامة والخلافة الإلهية بعد تلك الأنوار الخمسة إلى يوم القيامة، نور على نور يهدي اللَّه لنوره من يشاء، و(على)؛ أي على إثر وعقب، لغة في أحد المعاني المستعملة في لفظ (على) بالتضمين لمعنى الإثر؛ والشاهد على ذلك ما تقدّم من أن الهداية هي الإيصال إلى المطلوب، وقد جاء ذكر الهداية تفسيراً وبياناً لمقام الإمامة والولاية كما في قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) ، فالتعبير بالهداية في الآية المباركة يراد منه الإمامة، وهو مقتضى معنى النور أيضاً؛ إذ هو الهادي إلى صراط اللَّه تعالى.

____________________

(1) تفسير القمي: ج2 ص79.

(2) المستدرك، ج 2، ص 671 و 672

١١٦

ولذا ورد عن الإمام محمّد بن علي بن الحسين عليه‌السلام في قوله تعالى ( نُورٌ عَلَى نُورٍ ) قال: (يعني إماماً مؤيّداً بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك من لدن آدم إلى يوم القيامة) (1) .

وعن الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه‌السلام ، قال: قلت ( نُورٌ عَلَى نُورٍ ) ؟ قال: (الإمام في إثر الإمام) (2) .

وورد أيضاً عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام في قوله تعالى ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) قال: (يهدي لولايتنا من أحبّ) (3) .

بيان آخر للآية المباركة:

هناك بيان آخر للآية الكريمة التي نحن بصدد الاستدلال بها، أدقّ وأعمق وأدلّ على المطلوب من البيان الأول؛ وهو:

بعد أن تبيّن أن قوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ ) متعلّق بالنور، وأن النور في بيوت أذن اللَّه أن ترفع، نقول:

إن الآية الثالثة التي ذكرناها في المقام، وهو قوله تعالى: ( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) ، هذه الجملة من المبتدأ والخبر كلّها بدل من قوله تعالى ذكره: ( فِي بُيُوتٍ ) ، أي أنها في محلّ جرّ بدل من البيوت؛ ويكون المعنى على ذلك: أن البيوت رجال لا تلهيهم تجارة، وليست هي

____________________

(1) توحيد الصدوق، ص158، ح4.

(2) المصدر، ص157، ح3.

(3) مناقب ابن المغازلي، ص263، ح361.

١١٧

بيوت حجارة، ولا طين.

والشواهد على ذلك من نفس الآيات المباركة كثيرة نشير إلى بعضها:

أ - قوله تعالى: ( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ ) ليس فاعلاً لقوله عزّ وجل: ( يُسَبِّحُ ) ؛ وذلك طبقاً لقراءة أهل البيت عليه‌السلام ، حيث إن قراءتهم لكلمة يسبَّح (بفتح الباء) مبني للمجهول، وبناءً على هذا لا تكون كلمة ( رِجَالٌ ) فاعلاً لـ (يسبَّح) وإنما تكون مبتدءاً والجملة التي بعدها خبر، والجملة بتمامها عطف بدل على بيوت، فالبيوت هي رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع، وإلى ذلك يشير قول الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام إلى قتادة البصري(فقيه أهل البصرة) عندما سأله قائلاً:

(أصلحك اللَّه، واللَّه لقد جلست بين يدي الفقهاء، وقدّام ابن عبَّاس، فما اضطرب قلبي قدّام واحدٍ منهم ما اضطرب قدّامك؟

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : (ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي ( بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ ) فأنت ثَمَّ، ونحن أولئك)، فقال له قتادة: صدقت واللَّه، جعلني اللَّه فداك، واللَّه ما هي بيوت حجارة ولا طين) (1) .

وكذلك ما ورد عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه‌السلام ؛ حيث قال: (إنّه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى، وصل اللَّه طاعة وليّ أمره بطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وطاعة رسوله بطاعته، فمَن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع اللَّه ولا رسوله، وهو الإقرار بما نزل من عند اللَّه: ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) والتمسوا البيوت التي أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإنه أخبركم أنهم

____________________

(1) الكافي، ج6، ص256، ح1.

١١٨

( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) (1) .

ثم إن تلك القراءة بفتح الباء في (يسبَّح) قرأ بها أيضاً ابن عامر وأبو بكر وابن شاهي عن حفص (2) .

إذن، يتحصّل أن النور في بيوت هي رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع.

أهل البيت عليهم‌السلام معصومون بأعالي درجات العصمة:

ب - قوله عزّ وجل: ( لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ ) . فإن هذا المقطع من الآية المباركة يشير إلى أن هؤلاء الرجال معصومون بأعلى درجات العصمة، وهي عصمة السرّ التي هي فوق عصمة الجوارح؛ إذ لا يلهون برهة من حياتهم عن ذكر اللَّه، فهم في ذكر دائم، وهذا يعني أن أولئك الرجال ثلّة خاصة في الأمة الإسلامية يتميّزون عن بقيّة المسلمين وأصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذين انفضّ أكثرهم من حوله وتركوه قائماً عندما سمعوا بالتجارة كما نصّت على هذه الحادثة سورة الجمعة؛ وذلك في قوله تعالى: ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (3) .

ففي الروايات لم يبقَ مع النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا اثني عشر أو ثمانية رجال،

____________________

(1) الكافي، ج1، ص182، ح6.

(2) الطوسي، لاحظ التبيان، ج7، ص439، وابن الجوزي، زاد المسير، ج5، ص364.

(3) الجمعة: 11.

١١٩

وانفضّ الباقون إلى اللّهو والتجارة (1) .

وفي بعض الروايات لم يبقَ إلّا علي عليه‌السلام (2) .

ولا شك أنه لا يوجد ثلّة معصومة في هذه الأمة غير أهل آية التطهير، الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فنالوا بذلك أعلى درجات العصمة والطهارة.

وهذا يعني أن تلك الأنوار الخمسة المباركة في بيوت وأبدان طاهرة، وهم رجال معصومون من الغفلة عن ذكر اللَّه عزّ وجل، يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة.

وتلك البيوت والرجال أذن اللَّه أن يرفع ذكرهم، كما قال اللَّه تعالى لنبيّه: ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، ولا شك أن معنى ذلك هو وجوب التعظيم والطاعة لهم والانقياد لولايتهم والتوجّه بهم إلى اللَّه تعالى في العبادة، كما أمر اللَّه عزّ وجلّ الملائكة بالخضوع والسجود لآدم وجعل الخضوع واسطة للانقياد إلى الأوامر الإلهية.

إذن، لا يقبل اللَّه عزّ وجلّ من العباد الطاعة، إلّا برفع تلك البيوت وتعظيم أولئك الرجال، والإتيان بالطاعات امتثالاً لأمر اللَّه وأمر رسوله وأمر أُولي الأمر من هذه الأمة.

قال تعالى: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ

____________________

(1) لاحظ: الطبري، جامع البيان، ج28، ص132.

(2) شرف الدين، تأويل الآيات، ج2، ص693.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460