مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة8%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 246662 / تحميل: 9463
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الفصل الأوّل

دور أهل البيت في الشام

الشام قبل ورود أهلالبيت عليهم‌السلام

ظهور الآيات في الشام بعد مقتل الحسينعليه‌السلام :

رُويت عدّة روايات حول ظهور آيات كونيّة في الشام بعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام (١) ، نذكر بعضها:

روى الطبراني، بإسناده عن ابن شهاب قال: ( ما رُفع بالشام حجر يوم قَتْل الحسين بن علي إلاّ عن دم، رضي الله عنه )(٢) .

وقال الزرندي: ( روى أبو الشيخ في كتاب السنّة.. بسنده إلى يزيد بن أبي زياد قال: شهدت مقتل الحسين وأنا ابن خمس عشرة سنة، فصار الفرس(٣) في

____________________

(١) لعلّ هذه الآيات والتغيّرات الكونيّة التي حدثت في الشام، هي التي أدّت إلى تغيّر الأوضاع وانقلاب المعادلة ضدّ يزيد، كما سنأتي عليه في البحوث اللاحقة من هذا الكتاب.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ٣/ ١٢٠، ح٢٨٣٥. وقال الهيثمي (مجمع الزوائد ٩/ ١٩٦) بعد ذكره الخبر عن الزهري: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وفي ذخائر العُقبى (ص١٤٥) بعد ذكره الرواية قال: خرّجه ابن السري.

(٣) هكذا في المصدر ولعلّ الصحيح الورس وهو: نبت يُستعمَل لتلوين الملابس الحريرية، لاحتوائه على مادّة حمراء، ينبت في بلاد العرب والحبشة والهند، كما جاء في المعجم الوسيط مادّة (ورس).

٨١

عسكرهم رماداً واحمرّت السماء لقتله، وانكسفت الشمس لقتله، حتّى بدت الكواكب نصف النهار، وظنّ الناس أنّ القيامة قد قامت، ولم يُرفَع حجر في الشام إلاّ رُؤي تحته دم عبيط )(١) .

وقال مُحبّ الدِّين الطبري: ( رُوي عن جعفر بن سليمان قال: حدّثتني خالتي أمّ سالم قالت: لما قُتل الحسين مُطرنا مطراً كالدم على البيوت والخدر.

قالت: وبلغني أنّه كان بخراسان والشام والكوفة )(٢) .

حالة الناس:

إنّ قتل الحسينعليه‌السلام أفجَعَ كلّ الناس، ما خلا السلطة الحاكمة، وبنو أُميّة، وأهالي دمشق، والبصرة - على ما في بعض الروايات -:

روى الشيخ الجليل جعفر بن محمّد بن قولويه، بإسناده عن يونس بن ظبيان، وأبي سلمة السرّاج، والمفضّل بن عمر قالوا: سمعنا أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول:( لما مضى الحسين بن عليّ عليهما‌السلام بكى عليه جميع ما خلق الله إلاّ ثلاثة أشياء: البصرة، ودمشق، وآل عثمان ) (٣) .

وروى الشيخ الطوسي، بإسناده عن الحسين بن فاختة، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، قال:( إنّ أبا عبد الله الحسين عليه‌السلام لما قُتل بكتْ عليه السماوات السبع، والأرضون السبع، وما فيهنّ، وما بينهنّ، ومَن يتقلّب في الجنّة والنار، وما يُرى وما لا يُرى، إلاّ ثلاثة أشياء فإنّها لم تبكِ عليه ) .

فقلتُ: جُعلت فداك، وما هذه الثلاثة

____________________

(١) نظم درر السمطين: ٢٢٠.

(٢) ذخائر العُقبى: ١٤٥، ثمّ قال: خرّجه ابن بنت منيع؛ إحقاق الحقّ ١١/ ٤٦٠، وقال: ورواه ابن عساكر في تاريخه على ما في مُنتخبه ٤/ ٣٣٩، والذهبي في تاريخ الإسلام ٢/ ٣٤٩.

(٣) كامل الزيارات: ٨٠ ح٤، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٠٦.

٨٢

أشياء التي لم تبكِ عليه؟ فقال:( البصرة، ودمشق، وآل الحَكم بن أبي العاص ) (١) .

ولا شكّ أنّ المقصود من البصرة ودمشق أهلهما، كما في قوله تعالى:( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ... ) (٢) ، أي أهلها.

أمّا أهل دمشق؛ فلطول زمان تسلّط بني أميّة عليهم، وبثّ الفتنة والدعايات الكاذبة ضدّ آل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا المصر.

وأمّا البصرة؛ فحسبها أنّها البلدة التي اتّخذها الناكثون موضعاً للوقوف في وجه الإمام المفترض الطاعة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولبقاء آثار حرب الجمل دور لا يمكن التغافل عنه.

وأمّا آل عثمان وآل الحكم بن أبي العاص؛ فإنّهم من بني أُميّة الشجرة الملعونة في القرآن، كما تقدّم.

المهمّ أنّ أهل الشام لم يتأثّروا في بادئ الأمر بقتل الحسينعليه‌السلام ، بل راحوا يهنئون يزيد بالفتح(٣) !!.

أمْرُ يزيد بإرسال رأس الإمامعليه‌السلام وأُسرته إلى الشام!

أمر يزيدُ عبيدَ الله بن زياد بإرسال الرأس الشريف وبقيّة عترة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) ؛ ممّن صرّح بهذا الأمر ابن سعد، فإنّه نقل بإسناده عن عامر، قال: ( وقَدِم رسول من قِبل يزيد بن معاوية، يأمر عبيد الله أن يُرسل إليه بثقل الحسين ومَن بقي من ولده وأهل بيته ونسائه، فأسلفهم أبو خالد ذكوان عشرة آلاف درهم، فتجهّزوا بها )(٥) .

____________________

(١) أمالي الطوسي: ٥٤، مجلس ٢، ح٧٣، ونحوه في كامل الزيارات: ٨٠ ح٥ بتفاوت.

(٢) يوسف: ٨٢.

(٣) مُثير الأحزان: ١٠٠.

(٤) وهذا هو مؤيّد آخر لرضى يزيد بقتل سيّد الشهداءعليه‌السلام .

(٥) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله من القسم غير المطبوع من الكتاب): ٨١.

٨٣

وقال السيّد ابن طاووس: ( وأمّا يزيد بن معاوية، فإنّه لما وصل إليه كتاب ابن زياد ووقف عليه، أعاد الجواب إليه، يأمره فيه بحمل رأس الحسينعليه‌السلام ورؤوس مَن قُتل معه، وبحمل أثقاله ونسائه وعياله )(١) .

وقال ابن الجوزي: ( ثمّ دعا ابنُ زياد زحرَ بن قيس، فبعث معه برأس الحسين ورؤوس أصحابه إلى يزيد، وجاء رسولٌ من قِبل يزيد فأمر عبيد الله أن يُرسل إليه بثقل الحسين ومَن بقي من أهله )(٢) .

وممّا يؤيِّد ذلك، ما نقله الطبري وابن الأثير عن هشام الكلبي، عن مجيء بريد من يزيد بن معاوية إلى عبيد الله حاملاً كتابه إليه بأن سرِّح الأُسارى إليَّ (٣) .

مَن حمل الرأس الشريف؟

وقع خلاف بين أهل السير في مَن دُفع إليه رأس الحسينعليه‌السلام ورؤوس أصحابه الأوفياء حتّى يحملها إلى يزيد، والأقوال ثلاثة:

أ) زحر بن قيس الجعفي:

هذا هو رأي الأغلب(٤) ، يؤيّده ما رواه الطبري الإمامي، بإسناده عن إبراهيم بن سعد أنّه كان مع زهير بن القين حين صحب الحسينعليه‌السلام ، فقال له:( يا زهير، اعلم أنّ هاهنا مشهدي، ويَحمِل هذا من جسدي - يعني رأسه - زحر بن قيس، فيدخل به على يزيد يرجو نواله، فلا يُعطيه شيئاً ) (٥) .

____________________

(١) الملهوف: ٢٠٨. ونحوه في تسلية المجالس ٢/ ٣٧٢.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٥.

(٣) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٤؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٤.

(٤) الإرشاد ٢/١١٨؛ الفتوح ٢/١٨٠؛ الكامل في التاريخ ٤/٨٣؛ البداية والنهاية ٨/١٩٣؛ مقتل الخوارزمي ٢/٥٥؛ إعلام الورى: ٢٤٨؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩١.

(٥) دلائل الإمامة: ١٨٢ ح٩٧.

٨٤

وكان معه أبو بُردة بن عوف الأزدي، وطارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة.

قال الشيخ المفيد: ( ولما فرغ القوم من التطواف به - أي بالرأس الشريف - بالكوفة ردّوه إلى باب القصر، فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس، ودفع إليه رؤوس أصحابه، وسرّحه إلى يزيد بن معاوية عليهم لعائن الله ولعنة اللاعنين في السماوات والأرضين، وأنفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي، وطارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة، حتّى وردوا بها على يزيد بدمشق )(١) .

ب) مُحَفّز بن ثعلبة العائذي:

صرّح بذلك البلاذري، قال: ( وأمر عبيد الله بن زياد بعليّ بن الحسين، فغُلّ بغِلّ إلى عنقه، وجهَّز نساءه وصبيانه، ثمّ سرّح بهم مع مُحفَّز بن ثعلبة من عائذة قريش، وشمر بن ذي الجوشن )(٢) .

ونُقل عن عوانة بن الحكم أنّه قال: ( قُتل الحسين بكربلاء، قتله سنان بن أنس، واحتزّ رأسه خولي بن يزيد، وجاء به إلى ابن زياد، فبعث به إلى يزيد مع مُحفّز بن ثعلبة )(٣) .

ج) عمر بن سعد:

تفرّد بذكره الشبراوي، قال: ( ويُقال: إنّ الذي حضر بالرأس إلى الشام عمر بن سعد بن أبي وقّاص، وفي عنق عليّ بن الحسين ويديه الغِلّ )(٤) .

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١١٨.

(٢) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٣) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦. وذُكر هذا المعنى في تذكرة الخواص: ٢٦٢؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٧٢.

(٤) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٥.

٨٥

أهلالبيت عليهم‌السلام في الشام

أصبح أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أُسارى!

هذه هي الفاجعة الكبرى، والمأساة العُظمى، جاءوا إلى الشام وعلى رأسهم سيّد العابدين وزين المتهجّدين عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، وقد جُعل الغِلّ في عنقه ويده(١) ، يحمله بعير يطلع بغير وطاء، والأُسارى من أهل بيت الرسول من النساء والصبيان راكبين أقتاباً يابسة، ورأس الحسينعليه‌السلام على علَم، وحولهم الجنود بالرماح إنْ دمعت عين أحدهم قُرع رأسه بالرمح، ساقوا بهم من منزل إلى منزل كما تُساق أُسارى التُّرك والديلم..

نعم، إنّهم جاءوا إلى الشام مشدودين على أقتاب الجمال موثوقين بالحبال، والنساء مكشفاف الوجوه و... إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

روي عن زينب الكبرى (سلام الله عليها) أنّها قالت: (قد علم الله ما صار إلينا. قُتل خيرنا، وانسقنا كما تُساق الأنعام، وحُملنا على الأقتاب! )(٢) .

وجاء في رسالة ابن عبّاس ليزيد: ( ألا ومن أعجب الأعاجيب - وما عشت أراك الدهر العجيب - حملك بنات عبد المطّلب وغُلمة صغاراً من ولْده إليك بالشام، كالسبي المجلوب، تُري الناس أنّك قهرتنا وأنّك تأمر علينا، ولعَمْرِي، لئن كنت تُصبح وتُمسي آمناً لجرح يدي... )(٣) .

وقال ابن حبان: ( ثمّ أنفذ عبيد الله بن زياد رأس الحسين بن علي إلى الشام مع

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٣؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٣؛ إعلام الورى: ٢٤٨.

(٢) أخبار الزينبات المنسوب إلى العلاّمة أبي عبيد الله الأعرج بن الإمام السجّاد: ١١٦.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٥٠.

٨٦

أُسارى النساء والصبيان من أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أقتاب، مُكشّفات الوجوه والشعور )(١) .

وقال: ( ثمّ أركب الأُسارى من أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من النساء والصبيان أقتاباً يابسة مُكشّفات الشعور، وأُدخلوا دمشق كذلك )(٢) .

وقال ابن عبد ربّه: ( وحمَل أهلُ الشام بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا على أحقاب الإبل )(٣) .

واليعقوبي: ( وأُخرج عيال الحسين وولده إلى الشام، ونُصب رأسه على رمح )(٤) .

وقال ابن أعثم والخوارزمي: ( فسار القوم بحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكوفة إلى بلاد الشام على محامل بغير وطاء، من بلد ومن منزل إلى منزل، كما تُساق أُسارى التُّرك والديلم )(٥) .

وقال سبط ابن الجوزي: ( ولما أسلم وحشي قاتل حمزة قال له رسول الله:( غيّب وجهك عنّي، فإنّي لا أُحبّ مَن قَتَل الأحبّة )، قال هذا والإسلام يجبّ ما قبله، فكيف يقدر الرسول أن يَرى مَن ذبح الحسين وأمر بقتله وحمَل أهله على أقتاب الجمال؟! )(٦) .

وقال الباعوني: ( وحمل أهل الشام بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا على

____________________

(١) كتاب الثقات ٢/ ٣١٢.

(٢) المصدر نفسه ٢/ ٣١٣، ونحوه في عبرات المصطفين ٢/ ٢٦٥.

(٣) العقد الفريد ٥/ ١٣٢.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٤٥.

(٥) الفتوح ٢/ ١٨٠، مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٥، ونحوه في تسلية المجالس ٢/ ٣٧٩.

(٦) تذكرة الخواص: ٢٧٤؛ نظم درر السمطين: ٢٢٢.

٨٧

الأقتاب )(١) .

وفي شذرات الذهب: ( ولما تمّ قتلُه حُمِل رأسه وحرم بيته وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا، قاتل الله فاعل ذلك وأخزاه ومَن أمر به أو رضيه )(٢) .

وقال الشبراوي: ( ثمّ أرسل بها إلى يزيد بن معاوية، وأرسل معه الصبيان والنساء مشدودين على أقتاب الجمال، موثوقين بالحبال، والنساء مُكشّفات الوجوه والرؤوس )(٣) .

وقال: ( ومن عجائب الدهر الشنيعة وحوادثه الفظيعة أن يُحمل آل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أقتاب الجمال، موثّقين بالحبال، والنساء مُكشّفات الوجوه والرؤوس، من العراق إلى أن دخلوا دمشق، فأُقيموا على درج الجامع حيث يُقام الأُسارى والسبي، والأمر كلّه لله، لا حول ولا قوّة إلاّ به )(٤) .

وقال السيّد محمّد بن أبي طالب: ( فسار بهم مُحَفّز حتّى دخل الشام، كما يُسار بسبايا الكفّار، ويتصفّح وجوههم أهل الأقطار )(٥) .

كيف ورد أهل بيت الحسينعليه‌السلام دمشق؟!

لقد دخل أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دمشق نهاراً، وأهلها قد علّقوا الستور والحُجب والديباج، فرحين مُستبشرين، ونساؤهم يلعبن بالدفوف، ويضربن على الطبول، كأنّه العيد الأكبر عندهم.

____________________

(١) جواهر المطالب ٢/ ٢٧٣.

(٢) شذرات الذهب ١/ ٦٧.

(٣) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٥.

(٤) المصدر نفسه: ٦٩.

(٥) تسلية المجالس ٢/ ٣٧٢.

٨٨

روى الخوارزمي، بإسناده عن زيد، عن أبيهعليه‌السلام قال: ( إنّ سهل بن سعد قال: خرجت إلى بيت المقدس، حتى توسّطت الشام، فإذا أنا بمدينة مُطّردة الأنهار، كثيرة الأشجار قد علّقوا الستور والحُجب والديباج، وهم فرحون مُستبشرون، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول، فقلت في نفسي: لعلّ لأهل الشام عيداً لا نعرفه نحن.

فرأيت قوماً يتحدّثون، فقلت: يا هؤلاء، ألكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟!

قالوا: يا شيخ نراك غريباً!

فقلت: أنا سهل بن سعد، قد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحملت حديثه.

فقالوا: يا سهل، ما أعجبك السماء لا تمطر دماً والأرض لا تُخسف بأهلها!

قلت: ولِمَ ذاك؟

فقالوا: هذا رأس الحسين عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يُهدى من أرض العراق إلى الشام، وسيأتي الآن.

قلت: واعجباه! يُهدى رأس الحسين والناس يفرحون؟! فمن أيّ باب يدخل؟

فأشاروا إلى باب يُقال له: باب الساعات. فسرت نحو الباب، فبينما أنا هنالك، إذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضاً، وإذا أنا بفارس بيده رمح منزوع السنان، وعليه رأس مَن أشبه الناس وجهاً برسول الله، وإذا النسوة من ورائه على جمال بغير وطاء، فدنوت من إحداهنّ فقلت لها: يا جارية، مَن أنت؟

فقالت: أنا سكينة بنت الحسين.

فقلت لها: ألكِ حاجة إليّ - فأنا سهل بن سعد، ممّن رأى جدّك وسمعت حديثه -؟

قالت: يا سهل، قل لصاحب الرأس: أن يتقدّم بالرأس أمامنا؛ حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه فلا ينظرون إلينا، فنحن حرم رسول الله.

قال: فدنوت من صاحب الرأس وقلت له: هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ منّي أربعمئة دينار؟

قال: وما هي؟

قلت: تُقدِّم الرأس أمام الحرم. ففعل ذلك، ودفعت له ما وعدته... )(١) .

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٠؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٧٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٧.

٨٩

إنّ هذه الرواية تكشف عن عدّة نقاط:

١ - الوضع العامّ، المتمثِّل بحالة الفرح والانبساط والاشتغال باللهو، وهي ناشئة عن الجهل السائد، وقد بيّنا جذوره في مدخل هذا الكتاب.

٢ - الوضع الخاصّ، وهو وجود ضمائر حيّة تعرف الأمور، وتُميّز الحقّ من الباطل، ممّن رأى سهلُ بن سعد بعضَهم مُصادفةً، وسمع منهم هذا الكلام: ( يا سهل، ما أعجبك السماء لا تمطر دماً والأرض لا تُخسف بأهلها، هذا رأس الحسين عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُهدى من أرض العراق إلى الشام )، وأغلب الظنّ أنّهم قاموا بدور مُهمّ في إيقاظ الناس، بعدما فُسح لهم المجال، إلى جانب الدور المهمّ الذي أدّاه أهل بيت الحسينعليه‌السلام في الشام، وإن لم نعلم تفاصيل ذلك.

٣ - اهتمام حرم الحسينعليه‌السلام بمسألة الحجاب وحفظ مكانة المرأة في الإسلام، مع كونهم في مأساة كبيرة لا تتصوّرها العقول، فلقد قدموا من سفر بعيد، ونالت منهم جراحات اللسان والسنان ما نالت، ومع ذلك تقول سكينة: ( قل لصاحب الرأس: أن يتقدّم بالرأس أمامنا؛ حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه فلا ينظرون إلينا، فنحن حرم رسول الله ).

ونحو ذلك ما رواه السيّد ابن طاووس وابن نما، قال - واللفظ للأوّل -: (قال الراوي: وسار القوم برأس الحسينعليه‌السلام ونسائه والأسرى من رجاله، فلما قربوا من دمشق دنت أُمّ كلثوم من الشمر - وكانت من جملتهم - فقالت: لي إليك حاجة.

فقال: وما حاجتك؟

قالت: إذا دخلت بنا البلد، فاحملنا في درب قليل النُظَّارة، وتقدّم إليهم أن يُخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل ويُنحّونا عنها، فقد خُزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في هذه الحال، فأمر في جواب سؤالها أن تُجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل - بغياً منه وكفراً - وسلك بهم بين النُظَّارة

٩٠

على تلك الصفة، حتّى أتى بهم إلى باب دمشق، فوقفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يُقام السبي )(١) .

وروي أنّ السبايا لما وردوا مدينة دمشق أُدخلوا من باب يُقال له: باب (توما)(٢) .

وروى محمّد بن أبي طالب قال: ( إنّ رؤوس أصحاب الحسين وأهل بيته كانت ثمانية وسبعين رأساً، واقتسمتها القبائل ليتقرّبوا بذلك إلى عبيد الله وإلى يزيد )(٣) .

رأس الحسين يتلو القرآن!

كيف ينطق الرأس الشريف؟ وما الذي نطق به؟ لقد نطق بالقرآن؛ لكي يثبت للجميع أنّه شهيد القرآن، وإذا كان هو القرآن الناطق في حياته، فكيف لا ينطق به بعد استشهاده؟!

المروي في التاريخ، أنّ الرأس الشريف تلا هذه الآية الشريفة:( ... فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٤) .

روى ابن عساكر، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل قال: ( رأيت رأس الحسين بن علي (رضي الله عنه) على القنا وهو يقول:( ... فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٥) .

____________________

(١) الملهوف: ٢١٠. ونحوه في مُثير الأحزان: ٩٧ وفيه: فأمر (شمر) بضدّ ما سألته بغياً منه وعتوَّاً.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦١.

(٣) بحار الأنوار ٤٥/ ٦٢.

(٤) البقرة: ١٣٧.

(٥) تاريخ مدينة دمشق ٧/ ٥٠٩.

٩١

وجاء في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور:

( وقال: إنّ كلّ راوٍ لهذا الحديث قال لمن رواه له: الله، إنّك سمعته من فلان؟ قال: الله، إنّي سمعته منه، إلى الأعمش! قال الأعمش: فقلت لسلمة بن كهيل: الله، إنّك سمعته منه؟ قال: الله، إنّي سمعته منه بباب الفراديس بدمشق! لا مُثّل لي ولا شُبّه لي وهو يقول:( ... فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (١) .

تكلّم رأس الحسينعليه‌السلام بدمشق!

أخرج ابن عساكر، بإسناده عن المنهال بن عمرو قال: أنا - والله - رأيت رأس الحسين بن علي حين حُمل وأنا بدمشق، وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف حتّى بلغ قوله:( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ) (٢) ، قال: فأنطق الرأس بلسان ذرب فقال:( أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي ) (٣) .

وروى ابن شهر آشوب عن الحافظ السروي أنّه قال: ( وسُمع أيضاً صوتهعليه‌السلام بدمشق:( لا قوّة إلاّ بالله ) (٤) .

____________________

( ١ ) مُختصر تاريخ دمشق ١٠/ ٩٢. وروى الخبر الشيخ الجليل أبو محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمّي ( المسلسلات: ٢٥١)؛ والعلاّمة الجويني ( فرائد السمطين ٢/ ١٦٩ ح٤٥٨ ) بإسنادهما. وانظر: تهذيب تاريخ دمشق ٦/ ٢٣٦؛ الوافي بالوفيات ١٥/ ٣٢٣؛ قيد الشريد لمحمّد بن طولون: ٧٥.

( ٢ ) الكهف: ٩.

( ٣ ) تاريخ مدينة دمشق ١٧/ ٢٤٦، وانظر: الخرائج والجرائح ٢/ ٥٧٧؛ الثاقب في المناقب: ٣٣٣ ح٢٧٤، وفيه أنّه قال:( أمري أعجب من أمر أصحاب الكهف والرقيم ) ، الخصائص الكبرى ٢/ ١٢٧؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٨، ح٣٦؛ الصراط المستقيم ٢/ ١٧٩ ح٥٧؛ مناقب أمير المؤمنين للصنعاني ٢/ ٢٦٧؛ الكواكب الدُّرِّية ١/ ٥٧؛ إسعاف الراغبين: ١٩٦؛ نور الأبصار: ١٣٥؛ مدينة المعاجز: ٢٧٤؛ إثبات الهُداة ٥/ ١٩٣ ح٣٢؛ إحقاق الحقّ ١١/ ٤٥٣؛ عبرات المصطفين ٢/ ٣٣٠؛ العوالم ١٧/ ٤١٢.

( ٤ ) المناقب ٤/ ٦١.

٩٢

على درج المسجد:

أمر يزيد عليه اللعنة بإيقاف الأُسارى من أُسرة الرسول ( صلَّى الله عليه وآله ) بدرجة المسجد، حيث توقَف الأُسارى لينظر الناس إليهم، صرّح بذلك المؤرّخون، ومنهم مطهّر بن طاهر المقدسي( ١) ، وابن العبرى( ٢) ، قال - واللفظ للأخير -: ( ثمّ بعث ( أي ابن زياد ) به ( أي رأس الحسين ( عليه السلام) ) وبأولاده إلى يزيد بن معاوية، فأمر نساءه وبناته فأُقمن بدرجة المسجد حيث توقَف الأسارى ينظر الناس إليهم ).

مع الشيخ الشامي:

قال ابن أعثم: ( وأُتي بحرم رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) حتّى أُدخلوا من مدينة دمشق من باب يُقال له: ( باب توما)، ثمّ أُتي بهم حتّى وقفوا على درج باب المسجد حيث يُقام السبي، وإذا بشيخ قد أقبل حتّى دنا منهم وقال: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم، وأراح الرجال من سطوتكم، وأمكن أمير المؤمنين! منكم.

فقال له عليّ بن الحسين:( يا شيخ، هل قرأت القرآن؟! )

فقال: نعم، قرأته.

قال:( فعرفت هذه الآية: ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ) (٣) ؟! ) .

فقال الشيخ: قد قرأت ذلك.

فقال عليّ بن الحسين ( رضي الله عنه):( فنحن القُربى يا شيخ! ) .

قال:( فهل قرأت في ( بني إسرائيل): ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ... ) (٤) ؟! ) .

____________________

(١) البدء والتاريخ ٦/ ١٢.

(٢) تاريخ مُختصر الدول: ١٩٠.

(٣) الشورى: ٢٣.

(٤) الإسراء: ٢٦.

٩٣

فقال الشيخ: قد قرأت ذلك.

فقال عليّ ( رضي الله عنه):( نحن القُربى يا شيخ! ولكن هل قرأت هذه الآية: ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) ( ١ ) ،فنحن ذو القُربى يا شيخ! ولكن هل قرأت هذه الآية: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) ؟! ) .

فقال الشيخ: قد قرأت ذلك.

فقال:( فنحن أهل البيت الذين خُصصنا بآية الطهارة! ) .

قال: فبقى الشيخ ساعة ساكتاً نادماً على ما تكلّمه، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال: اللّهمَّ، إنّي تائبٌ إليك ممّا تكلّمته ومن بغض هؤلاء القوم، اللّهمّ، إنّي أبرأ إليك من عدوّ محمّد وآل محمّد من الجنّ والإنس )(٣) .

وفي اللهوف قال: قال الراوي: ( بقي الشيخ ساكتاً نادماً على ما تكلّم به، وقال: ( تالله، إنّكم هُم؟! ).

فقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام :( تالله، لنحن هم من غير شكّ، وحقّ جدّنا رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) إنّا لنحن هم ) .

قال: فبكى الشيخ ورمى عمامته، ثمّ رفع رأسه إلى السماء، وقال: اللّهمّ، إنّي أبرأ إليك من عدوّ آل محمّد( صلَّى الله عليه وآله ) من الجنّ والإنس. ثمّ قال: هل لي من توبة؟

فقال له:( نعم، إن تبت تاب الله عليك وأنت

____________________

( ١ ) الأنفال: ٤١.

( ٢ ) الأحزاب: ٣٣.

( ٣ ) الفتوح ٢/ ١٨٣. ونحوه في: تفسير فرات الكوفي: ١٥٣ ح١٩١؛ أمالي الصدوق: ٢٣٠؛ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٤؛ روضة الواعظين ١/ ١٩١؛ الاحتجاج ٢/ ١٢٠؛ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٦ ح٩؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٦١؛ الدرّ المنثور ذيل آية ٢٣: الشورى و٢٦: الإسراء، بتفاوت يسير، وفيه: أنّ الشيخ الشامي قال - بعدما رفع يده إلى السماء -: اللّهم، إنّي أتوب إليك - ثلاث مرّات - اللّهمّ، إنّي أبرأ إليك من عدوّ آل محمّد ومن قتلة أهل بيت محمّد، لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم.

٩٤

معنا ) . فقال: ( أنا تائب). فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ، فأمر به فقُتِل )(١) .

تأمّل وملاحظات:

نستنتج من هذا الخبر عدّة أُمور:

١ - إنّ هذا أوّل موقف تكلّم به الإمام زين العابدين بعد تحمُّله شِدَّة السفر وشقَّته، وبعدما رأى من المعاناة؛ لأنّه روي أنّ الإمام ( عليه السلام ) لم يتكلّم في الطريق - من الكوفة إلى الشام - حتّى وصل الشام( ٢) .

٢ - الإمام ( عليه السلام ) يقوم بأداء الرسالة في أوّل فرصة وأوّل نقطة يجد بها الطينة الطيّبة. فمع أنّ ذاك الشيخ الشاميّ لم يكن إلاّ رجلاً عاش في كَنف حُكم الأُمويّين مدّة طويلة، ولم يرَ عليّاً ولا أحداً من أبنائه، ولكنّه كان على فطرة سليمة، بينما الذين قاموا بقتل الإمام الحسين وسبي أهل بيته، فقد كان كثير منهم ممّن رأى عليّاً والحسن والحسين ( عليهم السلام ) وصلّى خلفهم! وسلّم عليهم ولكنّهم كانوا خبثاء!

٣ - هذا الخبر يدلّ على سيطرة الجوّ الإعلامي المسموم، على مجتمع وبيئة تربَّت في أحضان بني أُميّة، لقد أذاعوا بأنّ المقتول هو رجل خارجيّ، خرج على أمير المؤمنين! وخليفة المسلمين! كان يريد بثّ الفتنة والفرقة في المجتمع( ٣) ؛ ولذلك نرى أنّ الشيخ الشامي حينما يواجه الإمام ( عليه السلام ) أوّل مرّة يحمد الله على قتل

____________________

( ١ ) الملهوف: ٢١١، ونحوه في تسلية المجالس ٢/ ٣٨٤. وروى الخبر ابن حجر ( الصواعق المحرقة: ٣٤١ باب وصيّة النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله ) بهم )؛ ينابيع المودّة ٢/ ٣٠٢ عن الطبراني مُلخّصاً.

( ٢ ) انظر: تاريخ الطبري ٤/ ٣٥١؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٣؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩١؛ الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨؛ مُثير الأحزان: ٩٧.

( ٣ ) ومن هنا نجد أنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) يهتمّ بهذا الجانب بنفسه، حيث يقول:( إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ) .

٩٥

الحسين ( عليه السلام ) ويقول: ( الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم! وأراح الرجال من سطوتكم! وأمكن أمير المؤمنين منكم! ).

ولكن حينما ينكشف له الواقع يتوب إلى الله من قوله، ويتبرّأ من قَتَلة أهل بيت رسول الله ( عليهم السلام ) وأعدائهم، وكانت أكثريّة المجتمع الشامي، على غرار هذا الشيخ، قد ضلّلهم الدعاية الأُموية وحجبتهم عن معرفة أهل بيت رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله)؛ ومن ثَمَّ لم يتحمّل يزيد ذلك وأمر بقتل ذلك الشيخ؛ كي يظلّ مُسيطراً على الأوضاع في زعمه.

متى وصل الرأس الشريف؟

بالنسبة إلى زمان وصول الرأس الشريف هناك عدّة احتمالات:

الأوّل: أنّ الرأس الشريف حُمل مع تسييرهم أهل البيت إلى الشام، وهناك بعض الشواهد التاريخية تؤيّد ذلك.

* منها: ما رواه ابن حبّان بقوله: ( ثمّ أنفذ عبيد الله بن زياد رأس الحسين بن علي إلى الشام، مع أُسارى النساء والصبيان من أهل بيت رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) )(١) .

* ومنها: ما رواه السيّد ابن طاووس، عن الإمام زين العابدين أنّه قال:( حملني على بعير يطلع بغير وطاء، ورأس الحسين ( عليه السلام ) على عَلَم ونسوتنا خلفي على بغال... والفارطة خلفنا وحولنا بالرّماح ) (٢) .

* ومنها: ما رواه ابن الأثير: ( ثمّ أرسل ابن زياد رأس الحسين ورؤوس أصحابه مع زحر بن قيس إلى الشام، إلى يزيد ومعه جماعة، وقيل: مع شمر وجماعة

____________________

( ١ ) كتاب الثقات ٢/ ٣١٢.

( ٢ ) إقبال الأعمال: ٥٨٣.

٩٦

معه، وأرسل معه النساء والصبيان وفيهم عليّ بن الحسين )(١) .

* ومنها: ما نقله السيّد ابن طاووس أيضاً: ( وأمّا يزيد بن معاوية، فإنّه لما وصل إليه كتاب ابن زياد ووقف عليه أعاد الجواب إليه، أمره فيه بحمل رأس الحسين ( عليه السلام ) ورؤوس مَن قُتل معه وبحمل أثقاله ونسائه وعياله )(٢) .

الثاني: أنّ الرأس الشريف أُوصل إلى دمشق قبل وصول أهل البيت ( عليهم السلام)، وهناك بعض الشواهد تؤيّد هذا الاحتمال:

منها: ما صرّح به ابن أعثم والخوارزمي بقولهما - واللفظ للأوّل -: ( ثمّ دعا ابن زياد بزحر بن قيس الجعفي، فسلّم إليه رأس الحسين بن علي ( رضي الله عنهما ) ورؤوس إخوته... ورؤوس أهل بيته وشيعته ( رضي الله عنهم أجمعين )، ودعا علي بن الحسين، فحمله وحمل أخواته وعمّاته ونساءهم إلى يزيد بن معاوية... وسبق زحر بن قيس برأس الحسين ( عليه السلام ) إلى دمشق حتى دخل على يزيد، فسلّم عليه ودفع إليه كتاب عبيد الله بن زياد، قال: فأخذ يزيد كتاب عبيد الله بن زياد فوضعه بين يديه، ثمّ قال: هات ما عندك يا زحر، فقال: أبشِر يا أمير المؤمنين!... )(٣) .

ومُقتضى هذا الاحتمال، أنّ الرأس الشريف أُرجع بعد ذلك إلى خارج دمشق؛ لكي يُدخَل مع الأُسارى الشام.

الثالث: أنّ أهل بيت الحسين ( عليه السلام ) سُرِّحوا إلى دمشق بعدما أُنفذ برأس الحسين ( عليه السلام)، ولكنّهم لحقوا بالذين معهم الرأس الشريف، فأُدخِلوا مع الرأس الشريف الشام.

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٣.

( ٢ ) الملهوف: ٢٠٨. وكذا ما روى في شذرات الذهب ١/ ٦٧؛ والإتحاف ٥٥ و٦٩.

( ٣ ) الفتوح ٢/ ١٨٠؛ نحوه مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٥ بتفاوت يسير.

٩٧

روى الشيخ المفيد والطبرسي ما يؤيّد ذلك، قالا: ( ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد - بعد إنفاذه برأس الحسين - أمر بنسائه وصبيانه فجُهّزوا وأمر بعليّ بن الحسين فغُلّ بغِلّ إلى عنقه، ثمّ سرّح بهم في أثر الرأس مع مُحفَّز بن ثعلبة العائذي، وشمر بن ذي الجوشن، فانطلقا بهم حتّى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس... )(١) .

ويمكن أن يُقال: إنّ الرأس الشريف أُنفذ مع إنفاذ أهل البيت إلى الشام وأُدخِل معهم دمشق، ولكنّه أُدخل بالرأس الشريف مجلس يزيد قبل إدخالهم مجلسه، وهذا يتَّحد مع الاحتمال الأوّل الذي ربّما ذكره الأكثر، ويُحمل عليه الاحتمال الثاني أيضاً.

أمّا زمن دخول الرأس الشريف في الشام تحديداً، فقد صرّح بعض العلماء كونه في أوّل يوم من شهر صفر.

قال أبو ريحان البيروني: (في اليوم الأوّل من صفر، أُدخل رأس الحسينعليه‌السلام مدينة دمشق، فوضعه بين يديه، ونقر ثناياه بقضيب كان في يده، وهو يقول: لست من خندف إن لم أنتقم... الأبيات )(٢) .

وقال الكفعمي: ( وفي أوّله (صفر) أُدخل رأس الحسينعليه‌السلام إلى دمشق، وهو عيد عند بني أُميّة )(٣) .

وعليه يُحمل ما ذكره الشيخ البهائي بقوله: ( الأوّل من صفر، فيه حُمِل رأس أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام إلى دمشق، وجعلوه بنو أُميّة عيداً )(٤) .

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨.

(٢) الآثار الباقية: ٣٢١.

(٣) مصباح الكفعمي: ٥١٠.

(٤) توضيح المقاصد: ٥.

٩٨

رأس الإمامعليه‌السلام بين يدي يزيد!

قال الحافظ البدخشاني: ( ولما قدموا دمشق ودخلوا على يزيد رموا برأس الحسين (رضي الله عنه) بين يديه، فاستبشر الشقيّ بقتله، وجعل ينكت رأسه بالخيزران... )(١) .

وقال الدينوري: ( قالوا: إنّ ابن زياد جهّز علي بن الحسين ومَن كان معه من الحرم، ووجّه بهم إلى يزيد بن معاوية، مع زحر بن قيس ومحقن بن تغلبة(٢) ، وشمر بن ذي الجوشن، فساروا حتّى قدموا الشام ودخلوا على يزيد بن معاوية بمدينة دمشق، وأُدخل معهم رأس الحسين، فرُمي بين يديه، ثمّ تكلّم شمر بن ذي الجوشن فقال: يا أمير المؤمنين، ورد علينا هذا في ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته وستّين رجلاً من شيعته... )(٣) .

ثمّ ذكر الدينوري كلاماً تفرّد هو بنسبته إلى شمر، خلافاً لغيره من المؤرّخين الذين يرون أنّ المتكلّم كان زحر بن قيس.

قال الشيخ المفيد - وغيره(٤) : ( روى عبد الله بن ربيعة الحميري فقال: إنّي لعند يزيد بن معاوية بدمشق، إذ أقبل زحر بن قيس حتّى دخل عليه، فقال له يزيد: ويلك! ما وراءك وما عندك؟

قال: أبشِر - يا أمير المؤمنين - بفتح الله ونصره! ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستّين من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حُكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال، فأحطنا بهم من كلّ ناحية، حتى إذا أخذت السيوف مآخذها من هام القوم، جعلوا يهربون إلى غير وزر، ويلوذون

____________________

(١) نُزل الأبرار: ١٥٩.

(٢) الظاهر أنّه تصحيف مُحفّز بن ثعلبة.

(٣) الأخبار الطوال: ٢٦٠.

(٤) ممّن سنذكرهم في الهامش الآتي.

٩٩

منّا بالآكام والحفر لواذاً، كما لاذ الحمائم من صقر، فوالله، يا أمير المؤمنين! ما كانوا إلاّ جزر جَزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم، فهاتيك أجسادهم مُجرّدة، وثيابهم مُرمّلة، وخدودهم مُعفّرة، تصهرهم الشمس، وتسفي عليهم الرياح، زوّارهم العقبان والرخم.

فأطرق يزيد هُنيهة، ثمّ رفع رأسه فقال: فقد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، أما لو أنّي صاحبه لعفوت عنه )(١) .

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١١٨.

ورواه أيضاً ابن سعد في الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين): ٨١، وفيه (... في سبعين من شيعته.. فاختاروا القتال على الاستسلام، فناهضناهم عند شروق الشمس، ثمّ جرّدنا فيهم السيوف اليمانية، فجعلوا يبرقطون إلى غير وزر فنُصرنا الله عليهم.. حتّى كفى المؤمنين مؤونتهم.. أجسامهم مُطرّحة مُجرّدة.. ومناخرهم مُرمّلة تسفي عليهم الريح ذيولها بقي سبسب تنتابهم عرج الضباع.. )، وابن عبد ربّه، بإسناده عن الغاز بن ربيعة الجرشي في العقد الفريد: ٥/ ١٣٠، وفيه (... سبعة عشر رجلاً من أهل بيته... وهامهم مُرمّلة... فأبوا إلاّ القتال... الريح بقاع سبسب )، وابن أعثم في الفتوح: ٢/ ١٨٠ وفيه: (... في اثنين وثلاثين من شيعته وإخوته وأهل بيته... فأبوا علينا... فقاتلناهم من وقت شروق الشمس إلى أن أضحى النهار... ما كانوا إلاّ كقهوة الحامل... أجسادهم بالعراء مُجرّدة وثيابهم بالدماء مُرمّلة وخدودهم بالتراب مُعفّرة )، والطبري في تاريخه: ٤/ ٣٥١، وفيه: ( كان مع زحر أبو بردة بن عوف الأزدي، وطارق بن أبي ظبيان الأزدي... فاختاروا القتال على الاستسلام، فعدونا عليهم مع شروق الشمس... الرخم بقيّ سبسب )، وابن الجوزي في المنتظم: ٥/ ٣٤١، وفيه (... فاختاروا القتال، فغدونا عليهم من شروق الشمس... )، وابن الأثير في الكامل في التاريخ: ٢/ ٨٣، وابن نما عن العذري بن ربيعة بن عمرو الجرشي في: مُثير الأحزان: ٩٨، وفيه: ( فاختاروا القتال على الاستسلام، فعدونا عليهم من شروق الشمس... والرخم بقاع قرقر سبسب، لا مُكفّنين ولا موسّدين... )، وابن كثير في البداية والنهاية: ٨/ ١٩٣، والباعوني عن روح بن زنباع في جواهر المطالب: ٢/ ٢٧٠، وفيه (... في تسعة عشر رجلاً من أهل بيته وستّين رجلاً من شيعته... فأبوا إلاّ القتال، فعدونا عليهم مع شروق الشمس... الرياح بقاع سبسب طعمة للعقاب والرخم ).

١٠٠

وروى سبط ابن الجوزي، عن الواقدي، عن ربيعة بن عمر قال: ( كنت جالساً عند يزيد بن معاوية في بهوٍ له، إذ قيل: (هذا زحر بن قيس بالباب ). فاستوى جالساً مذعوراً، وأذِن له في الحال، فدخل فقال: ما وراءك؟... ).

إلى أن قال: (... في سبعين راكباً من أهل بيته وشيعته... فأبوا واختاروا القتال... وهم صرعى في الفلاة... )(١) .

تأمُّل ومُلاحظات:

مع مُلاحظة تلك النصوص نصل إلى الحقائق التالية:

الأوّل: خوف يزيد، كما روى سبط ابن الجوزي في الفقرة أعلاه.

الثاني: صلابة الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه الأوفياء، وعظمتهم وعِزّة أنفسهم وقدرتهم الفائقة؛ حيث إنّ الجميع - بما فيهم ابن سعد وابن عبد ربّه وابن أعثم والطبري وابن الجوزي وسبطه وابن الأثير وابن نما وابن كثير والباعوني وغيرهم - اعترفوا بأنّ الإمام وصحبه رفضوا الاستسلام وأبوا إلاّ القتال(٢) .

الثالث: اعتراف العدوّ بقساوة أفعاله وفظاعة جريمته.

الرابع: عجز العدوّ عن مقابلة الواقع والتجاؤه إلى الكذب، حيث يقول: ( وجعلوا يهربون إلى غير وزر ويلوذون منّا بالآكام والحفر... ).

بينما الواقع الثابت على عكس ذلك، والدليل عليه ( تصديق أميرهم عمر بن سعد لكلام عمرو بن الحجّاج، حينما رأى عدم قدرتهم لمبارزتهم فصاح بالناس: ( يا حمقى، أتدرون مَنْ تُقاتلون؟! تُقاتلون فرسان أهل المصر! وتُقاتلون قوماً

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٦٠.

(٢) مرّ ذكر المصادر مع أرقام الأجزاء والصفحات آنفاً.

١٠١

مُستميتين! لا يبرز إليهم منكم أحد! فإنّهم قليل وقلّما يبقون، والله، لو لم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم )، فقال عمر بن سعد: ( صدقت، الرأي ما رأيت! )، فأرسل في الناس مَن يعزم عليهم ألاّ يُبارز رجل منكم رجلاً منهم )(١) .

ويكفي لقطع نباح هذا الشقي وأمثاله المراجعة إلى ما تجلّى في يوم عاشوراء، من تسابق الحسين وأصحابهعليهم‌السلام في الرواح إلى الله تعالى، برواية الموثوقين من المؤرِّخين، وكذا يكفي ما أبداه بعض الحاضرين في كربلاء من أشقّاء هذا الرجس (زحر بن قيس)، حيث اعتذر عن قتاله وقتله لآل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما رواه عنه ابن أبي الحديد قال: ( ثارت علينا عصابة، أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية... تُلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها! )(٢) .

ردّ فعل يزيد:

ذكر المؤرِّخون، أنّ يزيد بعدما سمع كلام زحر بن قيس تكلّم بكلمات تدلّ - بنظرنا - على كذبه ونفاقه(٣) .

فمن ذلك ما ذكره ابن سعد أنّه دمعت عينا يزيد! وقال: ( كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين )! ثمّ تمثّل:

مَن يذق الحرب يجد طعمها

مرّاً وتتركه بجعجاع(٤)

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١٠٣.

(٢) شرح نهج البلاغة ٣/ ٣٠٧/ ٢٦٢.

(٣) راجع ما ذكرنا في عنواني (قتله الحسين) و(كذبه)، في المدخل - شخصية يزيد.

(٤) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨١.

١٠٢

ومنه: ما رواه ابن أعثم أنّه ( أطرق يزيد ساعة، ثمّ رفع رأسه فقال: يا هذا، لقد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين بن علي، أما والله، لو صار إليّ لعفوت عنه، ولكن قبّح الله ابن مرجانة.

قال: وكان عبد الله بن الحَكم - أخو مروان بن الحَكم - قاعداً عند يزيد بن معاوية، فجعل يقول شعراً، فقال يزيد: نعم، لعن الله ابن مرجانة؛ إذ أقدم على قتل الحسين بن فاطمة، أما والله، لو كنت صاحبه لما سألني خصلة إلاّ أعطيته إيّاها، ولدفعت عنه الحتف بكلّ ما استطعت، ولو كان بهلاك بعض ولْدي، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فلم يكن له منه مردّ )(١) .

وأظنّ(٢) أنّ وضع المجلس أدّى بيزيد لاتّخاذ هذا الموقف - كذباً ونفاقاً - ولعلّ هذا أوّل موقف أبرز فيه تراجعه وأظهر ندامته.

وروى نحوه ابن عبد ربّه من أنّ يزيد قال: ( لعن الله ابن سميّة، أما والله، لو كنت صاحبه لتركته، رحم الله أبا عبد الله وغفر له! )(٣) .

وقريب منه ما في الأخبار الطوال، وفيه أنّه تمثّل بعد ذلك:

نُفلِّق هاماً من رجال أعزَّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما(٤)

وقد ذكرنا الشواهد المتقنة والكافية لإثبات أنّ يزيد هو الآمر بقتل الحسينعليه‌السلام والراضي بقتله، وأنّه هو الأصل في ذلك، وأنّ ما أظهره من الندامة يرجع إلى كذبه وخوفه على زوال مُلكه، وتمشّياً مع الوضع العام واستنكار الناس

____________________

(١) الفتوح ٢/ ١٨٠؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٦.

(٢) مُضافاً إلى ما ذكرناه في المدخل - عن يزيد.

(٣) العقد الفريد ٥/ ١٣٠ ونحوه في المنتظم ٥/ ٣٤١.

(٤) الأخبار الطوال: ٢٦٠.

١٠٣

لذلك - بعدما كُشف عن القضية شيئاً فشيئاً - والدليل على ذلك أنّه لم يُعاقِب ابن زياد على ما فعله ولم يعزله عن الإمارة، بل شكر له واستدعاه وشرب معه الخمر كما مرّ ذكره(١) .

وممّا يدلّ على ذلك ما رواه الحافظ البدخشاني، قال: ( ولما قدموا دمشق ودخلوا على يزيد رموا برأس الحسين (رضي الله عنه) بين يديه، فاستبشر الشقيّ بقتله، وجعل ينكت رأسه بالخيزران... )(٢) .

إزاحة وهْم:

قيل: ( إنّ زحر بن قيس الجعفي شهد صِفِّين مع عليّعليه‌السلام وقدّمه على أربعمئة من أهل العراق، وبقي بعده مؤمّراً، وأمّره الحسنعليه‌السلام بأخذ البيعة له، وهو مع ذلك وثّقه الإمام أحمد بن حنبل وأحمد بن عبد الله العجلي؛ ومعه لابدّ أن يكون غيره - وليس هو - الذي أتى برأس الحسين ( عليه السلام ) )(٣) .

الجواب: إنّ الرأي الغالب بين أصحاب السير والتراجم، أنّ الذي أتى بالرأس الشريف هو زحر بن قيس الجعفي(٤) ، وإن قيل: غيره. مثل ما نقله ابن نما، بكونه زحر بن قيس المذحجي(٥) ، وما قيل: بأنّه كان شمر بن ذي الجوشن(٦) .

والظاهر أنّ ما

____________________

(١) في ص٥٩ من هذا الكتاب.

(٢) نُزل الأبرار: ١٥٩.

(٣) اُنظُر بُغية الطلب ٨/ ٣٧٨٤.

(٤) اُنظُر الطبقات (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع ): ٨١؛ الفتوح ٢/ ١٨٠؛ العقد الفريد ٥/ ١٣٠؛ تذكرة الخواص: ٢٦٠؛ جواهر المطالب؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٥.

(٥) مُثير الأحزان: ٩٨.

(٦) الأخبار الطوال: ٢٦٠.

١٠٤

قيل: بأنّه زفر بن قيس(١) ، أو زجر بن قيس(٢) فإنّه تصحيف، ومردّ الجميع إلى شخص واحد.

نعم، هناك احتمال وجود فرد آخر وهو مُحفَّز بن ثعلبة العائذي(٣) ، والظاهر أنّه كان مع أُسارى أهل البيت حينما دخل على يزيد، وهناك خلط في النقل، فبعضهم يذكرون أنّه أتى بالرأس الشريف(٤) ، وبعضهم يقول: إنّه أتى بالرأس الشريف وأهل بيته(٥) ، وبعضهم يذكر أنّه أتى مع أهل بيت الحسين(٦) ، وهو المختار.

وكيفما كان، فالمشهور أنّ الذي أتى بالرأس الشريف إلى يزيد هو زحر بن قيس لعنه الله.

وأمّا ما قيل: بأنّه كان من أصحاب عليّ و... فإنّه ليس أوّل قارورة كُسِرت، فغير واحدٍ من أصحاب عليّعليه‌السلام انقلبوا إلى الجاهلية السوداء، ألم يكن شمر من أصحاب عليّعليه‌السلام في صِفِّين؟! ألم يُجرح في تلك الحرب؟!(٧) ألم يكن شبث بن ربعي من أصحاب عليّ والحسينعليهما‌السلام ؛ حتّى إنّه قال: ( قاتلنا مع عليّ بن أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين، ثمّ عدونا على ولَده وهو خير أهل الأرض نُقاتله مع آل معاوية وابن سميّة الزانية )(٨) ، ولكنّ المهمّ حُسن العاقبة.

وأمّا توثيق الإمام حنبل والعجلي، فلا نُرتِّب عليه أثراً.

____________________

(١) المنتظم ٥/ ٣٤١.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٦٠.

(٣) الطبقات (ترجمة الإمام الحسين): ٨٢؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٥.

(٤) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٥؛ الطبقات: ٨٢؛ تاريخ الإسلام (حوادث ٦١ - ٨٠)؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨.

(٥) تاريخ الطبري ٤/ ٢٥٤.

(٦) الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨؛ أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢.

(٧) وقعة صِفّين: ٢٦٧.

(٨) مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرَّم: ٢٤٢.

١٠٥

القاتل يطلب الجائزة!

قال أبو الفرج الأصفهاني: ( وحمل (ابن زياد) أهله (الحسينعليه‌السلام ) أسرى، وفيهم عمر وزيد والحسن بنو الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وكان الحسن بن الحسن بن علي قد ارتُثّ جريحاً فحُمل معهم، وعلي بن الحسين الذي أُمّه أُمّ ولد، وزينب العقيلة، وأُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وسكينة بنت الحسين، لما أُدخلوا على يزيد - لعنه الله - أقبل قاتل الحسين بن علي يقول:

أوقِـرْ ركـابي فِضَّة أو ذهبا

فـقد قـتلت الـملك المحجَّبا

قـتلت خـير الناس أُمّاً وأبا

وخيرهم إذ يُنسبون نَسبا )(١)

وفي مقتل الخوارزمي، بإسناده عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيهعليهم‌السلام : ( ثمّ وضع الرأس في حقّة وأُدخل على يزيد، فدخلت معهم، وكان يزيد جالساً على السرير، وعلى رأسه تاج مُكلَّل بالدُّرّ والياقوت، وحوله كثير من مشايخ قريش، فدخل صاحب الرأس ودنا منه، وقال:

أوقِرْ ركابي فضّةً أو ذهبا

فـقد قتلتُ السيِّدَ المحجّبا

قتلت أَزكَى الناسِ أُمّاً وأبا

وخيرهم إذ يذكرون النَّسَبا

فقال له يزيد: إذا علمت أنّه خير الناس لِمَ قتلته؟!

قال: رجوت الجائزة!

فأمر بضرب عنقه، فحُزّ رأسه... )(٢) .

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين: ١١٩، وانظر: الخرائج والجرائح ٢/ ٥٨٠، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٦.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦١؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨١؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٨. وفي ينابيع المودّة (٣/ ٩١): فقال له يزيد: إذا علمت أنّه خير الناس أُمّاً وأبا فلِمَ قتلته؟! اُخْرُج من بين يدي، فلا جائزة لك.

فخرج هارباً خائباً من الجائزة، وخاسراً في عاجل الدُّنيا وآجل الآخرة.

١٠٦

مجلس يزيد:

لقد غمرت الأفراح والمسرّات يزيد، وسُرَّ سروراً بالغاً، وأمر بترتيب مجلس فخم حاشد من الأشراف والأعيان والشخصيات.

قال ابن الجوزي: ( ثمّ جلس يزيد ودعا أشراف أهل الشام، وأجلسهم حوله، ثمّ أدخلهم - أي الأسرى من آل البيتعليهم‌السلام - عليه )(١) .

إنّ التاريخ لم يُزوّدنا بأسماء كلّ مَن حضر ذلك المجلس المشؤوم، لكنّا نعلم أنّه كان حاشداً بالأشراف والأعيان والشخصيات، مثل بعض الصحابة والتابعين! كأبي بُرزة الأسلمي(٢) ، وزيد بن الأرقم(٣) ، وقيل: سمرة بن جندب(٤) ، وبعض الأنصار(٥) ، وبعض ناصري بني أُميّة منهم النعمان بن بشير(٦) ، والكبار من الشجرة الملعونة في القرآن، مثل يحيى بن الحَكم(٧) ، وعبد الله بن الحَكم(٨) ، وعبد الرحمان بن الحَكم(٩) ،

____________________

(١) المنتظم ٥/ ٣٤١.

(٢) تاريخ الطبري ٤/ ٢٩٣؛ المنتظم ٥/ ٣٤٢؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٩؛ تذكرة الخواص: ٢٦١؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٤ و١٩٩؛ أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦؛ البدء والتاريخ ٦/ ١٢؛ الملهوف: ٢١٤؛ مُثير الأحزان: ١٠٠؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٢؛ الفتوح ٢/ ١٨١؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٧.

(٣) الخرائج والجرائح ٢/ ٥٧.

(٤) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢/ ٦٤ (ط دار أنوار الهُدى).

(٥) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨٢، عبرات المصطفين ٢/ ٣٢١.

(٦) الجوهرة ٢/ ٢١٩ على ما في عبرات المصطفين.

(٧) الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٩؛ المناقب ٤/ ١١٤.

(٨) الفتوح ٢/ ١٨٠.

(٩) أنساب الأشراف ٣/ ٤٢١؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ١٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٨؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٠ عن المناقب.

١٠٧

وكذا رجال السلطة الحاكمة، وبعض نساء بني أُميّة مثل (ريّا) حاضنة يزيد(١) ، والتحقت بها زوجة يزيد هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز(٢) .

ومن أهل الكوفة الذين أتوا مع أُسارى آل البيتعليهم‌السلام إلى الشام: زحر بن قيس(٣) ، وشمر بن ذي الجوشن(٤) ، ومُخفّر بن ثعلبة(٥) ، وعمر بن سعد(٦) ، ومحقن بن ثعلبة(٧) ، وأبو بُردة بن عوف الأزدي، و(طارق بن أبي ظبيان الأزدي، وجماعة من أهل الكوفة)(٨) ، وغيرهم مثل ربيعة بن عمر(٩) ، والعذري بن ربيعة بن عمرو الجرشي(١٠) ، وعبد الله بن ربيعة الحميري(١١) ، والغار بن ربيعة الجرشي(١٢) ، وروح بن زنباع(١٣) .

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٢٠؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٥؛ الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٦.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٣؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٢.

(٣) الأخبار الطوال: ٢٦٠؛ الفتوح ٢/ ١٨٠، الإرشاد ٢/ ١١٩؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٣؛ إعلام الورى: ٢٤٨..

(٤) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦؛ الأخبار الطوال: ٢٦٠؛ الإرشاد ٢/ ١١٩؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٣؛ إعلام الورى: ٢٤٨..

(٥) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦؛ الفتوح ٤/ ١٨٠؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٥؛ الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨ (وفي الأخيرين محفر بدل مخفر)..

(٦) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٥ (وفيه عمرو بدل عمر).

(٧) الأخبار الطوال: ٢٦٠ (والظاهر اتّحاده مع مخفر وأنّه تصحيف).

(٨) الإرشاد ٢/ ١١٨؛ تاريخ الطبري ٤/ ٢٥١؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٣.

(٩) تذكرة الخواص: ٢٦٠.

(١٠) مُثير الأحزان: ٩٨.

(١١) الإرشاد ٢/ ١١٨.

(١٢) العقد الفريد ٥/ ١٣٠.

(١٣) جوهر المطالب ٢/ ٢٧٠، ولكنّ الظاهر أنّه راوي الخبر عن الغار بن ربيعة الجرشي، كما هو كذلك في العقد الفريد، فهناك سقط في السند.

١٠٨

ومن جانب آخر، نرى بعض مُمثّلي كبار الدولة آنذاك وكبار أهل الكتاب، مثل سفير الروم(١) ورأس الجالوت(٢) .

فتحصّل أنّه كان مجلساً في غاية الأهمّية سياسياً واجتماعياً، داخلياً وخارجياً؛ ومن هنا أراد يزيد أن يُظهر نفسه بأنّه هو الغالب على عدوّه! وقد انتهى كلّ شيء(٣) .

قال المزّي: ( فلما قدموا (الأُسارى من آل البيت) عليه (يزيد) جمع مَن كان بحضرته من أهل الشام، ثمّ أُدخلوا عليه، فهنّأوه بالفتح! )(٤) .

مجلس أم مجالس؟

هل كان مجلس يزيد - الذي أُحضر فيه الرأس الشريف وأُسارى آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله - مجلساً واحداً أم مجالس مُتعدّدة؟ يظهر من بعض السير الثاني.

روى الخوارزمي، بإسناده عن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسينعليه‌السلام أنّه قال:( لما أُتي برأس الحسين عليه‌السلام إلى يزيد، كان يتّخذ مجالس الشرب ويأتي برأس الحسين فيضعه بين يديه ويشرب عليه ) (٥) .

وقال ابن نما: ( وكان يزيد يتّخذ مجالس الشرب واللهو والقيان والطرب، ويُحضِر رأس الحسين بين يديه )(٦) .

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٦٣.

(٢) الكامل في التاريخ: ٤/ ٩٠.

(٣) غافلاً أنّ المسيرة سيُكتب لها الظفر، وأنّ المعادلة ستنقلب ضدّه، وأنّ مجلسه سيصير قاعدة إعلام ظفر الحسينعليه‌السلام وبلوغ حركته إلى أهدافها المقدّسة.

(٤) تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٩.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٢؛ وعنه الملهوف: ٢٢٠.

(٦) مُثير الأحزان: ١٠٣.

١٠٩

قالوا: ( وحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الروم )(١) ، وظاهر هذا النقل حصول التَّكرّر، وهو ليس ببعيد؛ لأنّ اللعين كان يُحضِر الرأس الشريف ويشرب الشراب كما روي.

فتحصّل؛ أنّ المجالس تكرّرت، سواء قبل ورود أهل البيت أم بعده، ولكن كان ذلك ضمن مجالس خاصّة، والظاهر أنّ المجلس الذي جرت فيه الأمور الآتي ذكرها، الحاشد بالأعيان والأشراف (بل الأرجاس) من الناس لم يكن إلاّ مجلساً واحداً، وهو المجلس العام الذي سوف نذكر تفاصيل ما جرى فيه.

كيفيّة دخول أُسارى آل البيتعليهم‌السلام :

قال الشيخ المفيد والطبرسي: (ولم يكن عليّ بن الحسينعليه‌السلام يُكلِّم أحداً من القوم في الطريق كلمة حتّى بلغوا - أي الشام -، فلما انتهوا إلى باب يزيد، رفع مجفر بن ثعلبة صوته فقال: هذا مجفر بن ثعلبة، أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة، فأجابه عليّ بن الحسينعليهما‌السلام :( ما ولدت أُمّ مجفر أشرّ وألأم ) (٢) .

ونُسِبَت هذه الإجابة إلى يزيد - وهو الأنسب -(٣) .

فمن الذين نسبوا هذه الإجابة إلى يزيد: البلاذريّ(٤) ، وابن سعد(٥) ، والطبري(٦) ،

____________________

(١) الملهوف: ٢٢١؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٢، ولكن في مُثير الأحزان (ص١٠٣): فحضر مجلسه...

(٢) الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨ (وفيه محفر).

(٣) لأنّه قد يرد عليه، أنّ الردّ يتضمّن الإقرار بنسبة اللؤم والفجور إلى أهل البيتعليهم‌السلام - والعياذ بالله - ويقرّر أنّ مخفراً أكثر لؤماً وفجوراً!! وهذا بعيد الصدور من الإمامعليه‌السلام وهو من سادة الفصاحة.

غير أنّ الردّ يتناسب مع نفسية يزيد، الذي يرى أهل البيت أعداء له، ولكنّه لا يُفضّل مخفراً - هذا النكرة - عليهم، إلاّ أن يكون هناك محذوف، مثلاً: أشرّ الناس وألأم.

(٤) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦ (وفيه مخفر بن ثعلبة).

(٥) الطبقات ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ): ٨٢.

(٦) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢ (وفيه محفز).

١١٠

وابن نما(١) ، وابن الأثير(٢) ، وابن كثير(٣) ، والذهبي(٤) ، والخوارزمي(٥) . بتفاوت يسير بينهم.

قال البلاذري: ( ثمّ سرّح (عبيد الله) بهم (الأُسارى) مع مُحفّز بن ثعلبة من عائذة قريش، وشمر بن ذي الجوشن. وقوم يقولون: بعث مع محفز برأس الحسين أيضاً، فلما وقفوا بباب يزيد رفع مُحفّز صوته فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مُحفّز بن ثعلبة أتاك باللئام الفجرة!

فقال يزيد: ما تحفّزت عنه أمّ مُحفّز ألأم وأفجر )(٦) .

أقول: ويل لمن كفّره نمرود!

وقال الطبري وابن الأثير: ( فدعا عبيد الله بن زياد مُحفِّز بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن فقال: انطلقوا بالثقل والرأس إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

فخرجوا حتّى قدموا على يزيد، فقام مُحفّز بن ثعلبة فنادى - بأعلى صوته -: جئنا برأس أحمق الناس وألأمهم!

فقال يزيد: ما ولدت أمّ مُحفّز ألأم وأحمق، ولكنّه قاطع ظالم )(٧) .

وقال ابن سعد: ( وقدم برأس الحسين مخفر بن ثعلبة العائذي - عائذة قريش - على يزيد، فقال: أتيتك - يا أمير المؤمنين - برأس أحمق الناس وألأمهم!

فقال يزيد: ما ولدت أمّ مخفر أحمق وألأم، لكنّ الرجل لم يقرأ كتاب الله:( ... تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء... ) (آل عمران: ٢٦)(٨) .

____________________

(١) مُثير الأحزان: ٩٨ - عن تاريخ دمشق - وعنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٩ (وفيه مخفر).

(٢) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٤.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ١٩٦ وفيه محقر بن ثعلبة العائذي.

(٤) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٥؛ تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات ٦١ - ٨٠).

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨، وفيه ( ما ولدت أمّ محفز أكفر وألأم وأذمّ ).

(٦) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٧) تاريخ الطبري ٤/ ٢٥٤؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٤.

(٨) الطبقات: ٨٢؛ وعنه سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٥؛ تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير، حوادث (٦١ - ٨٠).

١١١

وروى الخوارزمي، بإسناده عن مجاهد ( أنّ يزيد حين أُتي برأس الحسين بن علي ورؤوس أهل بيته قال ابن مُحفّز: يا أمير المؤمنين، جئناك برؤوس هؤلاء الكفرة اللئام!

فقال يزيد: ما ولدت أمّ مُحفّز أكفر وألأم وأذمّ )(١) .

وأظنّ أنّ الرأس أُدخِل ثانياً مع مُحفّز في مجلس يزيد؛ لأنّه أُدخِل مع زحر بن قيس في المرّة الأُولى كما ذكرناه - وكان ذاك مجلسه الخاصّ - وفي المرّة الثانية أُدخل في مجلسه العام مع هذا الرجس الخبيث.

وأمّا كيفيّة الورود، فلقد روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:( لما أُدخل رأس الحسين بن عليّ عليهما‌السلام على يزيد لعنه الله، وأُدخل عليه عليّ بن الحسين وبنات أمير المؤمنين عليه‌السلام كان عليّ بن الحسين مُقيّداً مغلولاً ) (٢) .

وعن الإمام الباقرعليه‌السلام :( قُدِم بنا على يزيد بن معاوية لعنه الله، بعدما قُتِل الحسين ونحن اثنا عشر غلاماً، ليس منّا أحد إلاّ مجموعة يداه إلى عنقه، وفينا عليّ بن الحسين... ) (٣) .

وفي مقتل الخوارزمي: ( ثمّ أُتي بهم حتّى أُدخلوا على يزيد، قيل: إنّ أوّل مَن دخل شمر بن ذي الجوشن بعليّ بن الحسين مغلولة يداه إلى عنقه، فقال له يزيد: مَن أنت يا غلام؟

قال:( أنا عليّ بن الحسين )، فأمر برفع الغِلّ عنه )(٤) .

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨.

(٢) تفسير القمّي ٢/ ٣٥٢ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٨.

(٣) شرح الأخبار ٣/ ٢٦٧ ح١١٧٢. ونحوه عن الإمام زين العابدين في مُثير الأحزان: ٩٨؛ العقد الفريد ٥/ ١٣١؛ الإمامة والسياسة ٢/ ٨؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٧٢ و٢٧٨، إلاّ أنّ فيها محمّد بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والظاهر سقوط كلمة (عليّ) والصحيح: محمّد بن عليّ بن حسين الذي ينطبق على الإمام الباقرعليه‌السلام ؛ إذ لا نعرف ولداً بقي للإمامعليه‌السلام غير الإمام عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام .

(٤) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢.

١١٢

قال السيّد ابن طاووس: ( قال الراوي: ثمّ أُدخل ثقل الحسينعليه‌السلام ونساؤه ومَن تخلّف من أهله على يزيد، وهم مُقرَّنون في الحبال)(١) .

وقال سبط ابن الجوزي: ( وكان عليّ بن الحسين والنساء موثّقين في الحبال )(٢) .

وعنه: ( ولما أُتي يزيد بثقل الحسين (رضي الله عنه) ومَن بقي من أهله فأُدخلوا عليه وقد قُرنوا بالحبال فوقفوا بين يديه )(٣) .

وقال الشبلنجي: (ثمّ أمر بعلي زين العابدين فدخل عليه مغلولاً )(٤) .

رأس الحسينعليه‌السلام في ملجس يزيد!

روى ابن شهر آشوب، عن أبي مخنف قال: (لما دُخِل بالرأس على يزيد كان للرأس طيب قد فاح على كلّ طيب )(٥) .

وعن مرآة الزمان: (لما وضِع الرأس بين يدي يزيد كان بالخضراء(٦) ، فتَهْتَه (فقهقه خ ل) حتّى سمعه مَن كان بالمسجد، ولما سمع صوت النوائح عليه أنشد:

يا صيحة تُحمَد من صوائح

ما أهوَن الموت على النوائح

ويُقال: إنّه كبّر تكبيرة عظيمة! )(٧) .

قال ابن الأثير: ( ثمّ أُدخل نساء الحسين عليه (يزيد) فجعلت فاطمة وسكينة

____________________

(١) الملهوف: ٢١٣.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٦٢.

(٣) مرآة الزمان: ١٠٠ - مخطوط - على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٨.

(٤) نور الأبصار: ١٣٢.

(٥) المناقب ٤/ ٦١.

(٦) الظاهر أنّه قصر الخضراء الواقع قرب المسجد الأُموي حاليّاً.

(٧) عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٤.

١١٣

ابنتا الحسين تتطاولان؛ لتنظرا إلى الرأس، وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس! فلما رأين الرأس صحن، فصاح نساء يزيد وولول بنات معاوية )(١) .

وقال السيّد ابن طاووس: ( ثمّ وضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يديه وأجلس النساء خلفه؛ لئلا ينظرن إليه )(٢) .

يزيد ينكت ثنايا الحسينعليه‌السلام !

إنّ هذا الفعل الفضيع ممّا تواتر نقله؛ حتى عُدّ من مُسلّمات التاريخ، وافتضح به فاعله يزيد.

قال أحمد بن أبي طاهر (م٢٨٠): ( لما كان من أمر أبي عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام الذي كان، وانصرف عمر بن سعد - لعنه الله - بالنسوة والبقيّة من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ووجّههنّ إلى ابن زياد لعنه الله، فوجّههنّ هذا إلى يزيد - لعنه الله وغضب عليه - فلما مثلوا بين يديه أمر برأس الحسينعليه‌السلام ، فأُبرز في طست، فجعل ينكت ثناياه بقضيب في يده... )(٣) .

وقال اليعقوبي: ( ووضِع الرأس بين يدي يزيد، فجعل يقرع ثناياه بالقصب )(٤) .

روى ابن الجوزي، عن سالم بن أبي حفصة قال: ( قال الحسن البصري: ( جعل يزيد بن معاوية يطعن بالقضيب موضع في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وا ذلاّه! )(٥) .

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٥.

(٢) الملهوف: ٢١٣، وفيه (فرآه علي بن الحسينعليه‌السلام ، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٢، ونحوه في مُثير الأحزان: ٩٩ بتفاوت يسير جدّاً.

(٣) بلاغات النساء: ٢٠.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٤٥.

(٥) الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٧.

١١٤

وقال السيّد ابن طاوس وابن نما: (ثمّ دعا يزيد بقضيب خيزران، فجعل ينكت به ثنايا الحسينعليه‌السلام )(١) .

وعن مرآة الزمان: ( قال العامري بن ربيعة: جمع يزيد أهل الشام، ووضع الرأس في طشت، وجعل ينكت عليه بالخيزرانة )(٢) .

روى ابن كثير، عن ابن أبي الدُّنيا، بإسناده عن الحسن قال: ( لما جيء برأس الحسين، جعل يزيد يطعنه بالقضيب )(٣) .

وقال مُطهّر بن طاهر المقدسي: ( ووضع رأسه بين يديه، وجعل ينكث بالقضيب في وجهه )(٤) .

ونقل ذلك كثير من المؤرّخين، مثل الباعوني(٥) ، والشبراوي(٦) وغيرهما، نكتفي بما أوردناه. كما وثّقه الشعراء بقصائدهم؛ أنشد الصاحب بن عبّاد:

يقرع بالعود ثنايا لها

كان النبي المصطفى لاثما(٧)

وقال الجواليقي:

اخـتال بالكبر على ربّه

يـقرع بـالعود ثـناياه

بحيث قد كان نبيّ الهُدى

يـلثم في قُبلته فاه(٨)

____________________

(١) اللهوف: ٢١٤؛ مُثير الأحزان: ١٠٠؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٢.

(٢) نقلناه من عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ١٩٤.

(٤) البدء والتاريخ ٦/ ١٢.

(٥) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٣.

(٦) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٩.

(٧) المناقب ٤/ ١١٤.

١١٥

ولقد أظهر يزيد بفعله الفضيع ما في قلبه من الكفر والحقد، يفعل ذلك في حقّ مَن قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في شأنه:( حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط ) (١) . وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ) (٢) .

ولنِعْمَ ما قال ابن الجوزي على ما ذكره سبطه في التذكرة، قال: ( قال جدّي: ولو لم يكن في قلبه أحقاد جاهلية وأضغان بدرية لاحترم الرأس لما وصل إليه، ولم يضربه بالقضيب، وكفّنه ودفنه، وأحسن إلى آل رسول الله )(٣) .

وبذلك يظهر ضلالة مَن يدّعي أنّ يزيد ما كان راضياً بقتل الحسينعليه‌السلام وأنّه اغتمّ لذلك! إذ لو صحّ ذلك فلماذا ارتكب هذا الفعل الفضيع؟

نقل الباعوني، عن الشيخ العالم أبي الوفاء ابن عقيل أنّه قال: ( ثمّ قتلوا ابنه (أي ابن الإمام عليّ) الحسينَ بن فاطمة الزهراء، وأهل بيته الطيّبين الطاهرين بعد أن منعوهم الماء، هذا والعهد بنبيّهم قريب، وهم القرن الذي رأوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورأوهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقبِّل فمه وترشفه (يرشف ثناياه)، فنكتوا على فمه وثناياه بالقضيب! تذكّروا - والله - أحقاد يوم بدر وما كان فيه. وأين هذا من مطمع الشيطان وغاية أمله بتبتيك آذان الأنعام؟!

هذا مع قرب العهد وسماع كلام ربّ الأرباب:( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ستروا - والله - عقائدهم في عصره مخافة السيف، فلما صار الأمر إليهم كشفوا قناع البغي والحيف )(٤) .

____________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي ٣/ ٢١٣، الفصل السابع ح٨ ط دار أنوار الهُدى، وغيره.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ٧/ ١١٨، كنز العمّال ١٣/ ٦٦١.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٩٠.

(٤) جواهر المطالب ٢/ ٣١٣.

١١٦

أ) ما قاله يزيد عند نكته ثنايا الحسينعليه‌السلام !

قال البلاذري: (وحدّثني ابن برد الأنطاكي الفقيه، عن أبيه قال:... وقال يزيد حين رأى وجه الحسين: ما رأيت وجهاً قطّ أحسن منه!

فقيل له: إنّه كان يُشبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فسكت )(١) .

وروى ابن سعد، بإسناده عن يزيد بن أبي زياد قال: ( لما أُتي يزيد بن معاوية برأس الحسين بن علي، جعل ينكت بمخصرة معه سنّه، ويقول: ما كنت أظنّ أبا عبد الله يبلغ هذا السنّ!

قال: وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب الأسود )(٢) .

وقال محمّد بن حبان: ( فلما وضِع الرأس بين يدي يزيد بن معاوية، جعل ينقر ثنيّته بقضيب كان في يده ويقول: ما أحسن ثناياه )(٣) .

وعن التلمساني أنّه قال: ( وأُتي يزيد برأس الحسينعليه‌السلام ، فلما وضِع بين يديه جعل ينكت أسنانه بقضيب كان في يده ويقول: كان أبو عبد الله صبيحاً )(٤) .

ب) ما أنشده يزيد!

لقد تمثّل يزيد ببيت شعر للحصين بن الحمام المرّي(٥) وهو:

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٢) الطبقات الكبرى ٨٢، ح٢٩٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٢٠؛ تاريخ الإسلام (للذهبي): ١٩.

(٣) كتاب الثقات ٢/ ٣١٣.

(٤) عبرات المصطفين ٢/ ٣١٠ عن كتاب الجوهرة ٢/ ٢١٩ط الرياض.

(٥) الحصين بن الحمام، هو شاعر جاهلي، وقصيدته تشتمل ٤٢ بيتاً، وقد تمثّل يزيد - لعنه الله - بالبيت السادس منها، أُنظر الأغاني ١٤/ ١٠، شرح اختيارات المفضل للخطيب التبريزي ١/ ٣٢٥.

١١٧

نُفلِّق هاماً من رجال أعِزَّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما(١)

وفي بعض الكتب أنّه قال:

يُفلِّقنَ هاماً من رجال أعِزَّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما(٢)

وأمّا زمان إنشاده، فقد ذكروا أنّه كان حينما كشف عن ثنايا سيّد الشهداء وتناوله بقضيب(٣) .

وذكر بعضهم أنّه قالها حينما وُضِع الرأس الشريف بين يديه(٤) .

____________________

(١) أُنظر مقاتل الطالبيين: ١١٩؛ المعجم الكبير (للطبراني) ٣/ ١٠٩، ح٢٨٠٦؛ تجارب الأُمم ٢/ ٧٤؛ الإرشاد ٢/ ١١٩؛ المناقب ٤/ ١١٤؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٧؛ كفاية الطالب: ٤٣٢، إعلام الورى: ٢٤٨؛ مرآة الزمان (مخطوط): ٩٩ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥)؛ تاريخ دمشق ١٩/ ٤٩٣؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٨.

(٢) أُسد الغابة ٥/ ٣٨١؛ المنتظم ٥/ ٣٤٢؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٥ و٤٦؛ الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين): ٨٢؛ تاريخ الطبري ٤/ ٢٥٢ و٢٥٤؛ الفتوح ٢/ ١٨١؛ أنساب الأشراف ٣/ ٤١٥؛ العقد الفريد ٥/ ١٣١.

(٣) صرّح بذلك ابن سعد في الطبقات (ترجمة الإمام الحسين): ٨٢؛ وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين: ١١٩؛ والطبراني في المعجم الكبير ٣/ ١٠٩، ح٢٨٠٦؛ والطبري في تاريخه ٤/ ٣٥٦؛ وابن الأثير في أُسد الغابة ٥/ ٣٨١؛ والكامل في التاريخ ٤/ ٨٥؛ وابن الجوزي في المنتظم ٥/ ٣٤٢؛ والردّ على المتعصّب العنيد: ٤٥ و٤٦؛ وسبطه في مرآة الزمان: ٩٩ - مخطوط - (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥)؛ وابن شهر آشوب في المناقب ٤/ ١١٥؛ وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٩/ ٤٩٣؛ والمزّي في تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٨.

(٤) صرّح بذلك البلاذري في أنساب الأشراف ٣/ ٤١٥؛ وابن عبد ربّه في العقد الفريد ٥/ ١٣١؛ والطبراني في المعجم الكبير ٣/ ١٢٤ ح٢٨٤٨؛ وابن أعثم في الفتوح ٢/ ١٨١؛ والطبري في تاريخه ٤/ ٣٥٢ و٤٥٤؛ والشيخ المفيد في الإرشاد ٢/ ١١٩؛ ومسكويه الرازي في تجارب الأُمم ٢/ ٧٤؛ والخوارزمي في مقتله ٢/ ٥٧؛ والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ٤٣٢؛ والطبري في إعلام الورى: ٢٤٨؛ والهيثمي في مجمع الزوائد ٩/ ١٩٨.

١١٨

نكتفي بذكر ما أورده الطبري، قال: ثمّ أذِن (يزيد) للناس، فدخلوا والرأس بين يديه، ومع يزيد قضيب، فهو ينكت به في ثغره، ثمّ قال: إنّ هذا وإيّانا كما قال الحصين بن الحمام المرّي:

يُفلِّقن هاماً من رجال أحبّة

إلينا وهم كانوا أعقّ وأظلما(١)

وقفة مع بعض الكُتب:

١ - ذكر ابن شهر آشوب - عن الطبري والبلاذري والكوفي -: أنّه لما وضِعت الرؤوس بين يدي يزيد، جعل يضرب بقضيبه على ثنيّته، ثمّ قال: يومٌ بيوم بدر، وجعل يقول: نُفلّق هاماً... إلى آخره(٢) .

هذا أيضاً ممّا يدلّ على كفره وزندقته، وتصريح على أنّ ما ارتكبه يزيد كان انتقاماً من الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإليه يُشير ابن عبّاس ضمن رسالته إلى يزيد.

قال سبط ابن الجوزي: ذكر الواقدي وهشام وابن إسحاق وغيرهم: أنّه كتب ابن عبّاس إلى يزيد كتاباً جاء فيه: ( يا يزيد، وإنّ من أعاظم الشماتة حملك بنات رسول الله وأطفاله وحرمه من العراق إلى الشام أُسارى مجلوبين مسلوبين، تُري الناس قدرتك علينا، وأنّك قد قهرتنا واستوليت على آل رسول الله، وفي ظنّك أنّك أخذت بثأر أهلك الكفرة الفجرة يوم بدر، وأظهرت الانتقام الذي كنت تُخفيه والأضغان الذي تكمن في قلبك كمون النار في الزّناد، وجعلت أنت وأبوك دم عثمان وسيلةً إلى إظهارها.

فالويل لك من ديّان يوم الدِّين! ووالله، لئن أصبحت آمناً من جراحة يدي، فما أنت بآمن من جراحة لساني )(٣) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٦؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٥.

(٢) المناقب ٤/ ١١٤.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٧٦.

١١٩

٢ - ذكر الطبري، بإسناده عن القاسم بن عبد الرحمان مولى يزيد بن معاوية: أنّ يزيد قال بعد تمثّله بأبيات الحصين: ( أما والله، يا حسين، لو أنا صاحبك ما قتلتك )(١) .

ففيه:

أوّلاً: أنّه منقول عن مولى يزيد، فهو مُتَّهم في حدّ نفسه.

ثانياً: لو لم يكن راضياً بقتله، فلماذا أساء إلى الرأس الشريف وأمر بسبي أهله إلى الشام؟!

ثالثاً: قد ذكرنا الأدلّة الوافية بأنّه هو الذي أمر بقتل الحسينعليه‌السلام والراضي بقتله، وإليه يُنسب الفعل بالسبب.

رابعاً: لو صحّ النقل نقول: لم يقل هذا إلاّ مراعاةً لوضعه وإبقاءً لحُكمه، والدليل عليه ما رواه سبط ابن الجوزي ( أنّه ضرب يزيد ثنايا الحسين بالقضيب وأنشد للحصين بن الحمام المرّي:... (الأبيات) فلم يبقَ أحد إلاّ عابه وتركه )(٢) .

وبذلك يظهر وهن ما نقله الطبراني عن محمّد بن الحسن المخزومي، أنّه (لما أُدخل ثقل الحسين بن علي على يزيد بن معاوية ووضِع رأسه بين يديه بكى يزيد وقال: نُفلّق... (الأبيات)، أما والله، لو كنت صاحبك ما قتلتك أبداً )(٣) .

وزبير بن بكار روى الخبر عن محمّد بن الحسن، وهو ضعيف ومعاند لأهل البيت؛ قال الشيخ المفيد في شأنه: ( لم يكن موثوقاً به في النقل، وكان مُتّهماً فيما يذكره من بُغضه لأمير المؤمنينعليه‌السلام وغير مأمون فيما يدّعيه على بني هاشم )(٤) .

إنّها مُحاولة شرذمة من الناس لإنقاذ يزيد، وما هي إلاّ كتشبّث الغريق بالتوافه.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢.

(٢) مرآة الزمان: ٩٩ (مخطوط) على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥.

(٣) المعجم الكبير ٣/ ١٢٤، ح٢٨٤٨؛ تاريخ الإسلام ٢/ ٣٥٠.

(٤) تزويج عليّ بنته من عمر: ١٥.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460