اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)0%

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 193

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 193
المشاهدات: 49819
تحميل: 6737

توضيحات:

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 193 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49819 / تحميل: 6737
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أعلام الهداية

الإمام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام

المجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

قم المقدسة

١

اسم الكتاب: أعلام الهداية(ج٦) الإمام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام .

المؤلف: لجنة التأليف.

الموضوع:كلام وتاريخ.

الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام .

الطبعة الأولى: ١٤٢٢ هـ ق.

الطبعة الثانية: ١٤٢٥ هـ ق.

الطبعة الثالثة: ١٤٢٧ هـ ق.

المطبعة: ليلى.

الكمية: ٥٠٠٠.

isbn: ٩٦٤- ٥٦٨٨-٢٢-١

حقوق الطبع والترجمة محفوظة للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

www.ahl-ul-bayt-org

٢

أهل البيت في القرآن الكريم

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )

الأحزاب: ٣٣ / ٣٣

أهل البيت في السنة النبويّة

(إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبد )

(الصحاح والمسانيد)

٣

المقدمة

الحمد لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى آله الميامين النجباء.

لقد خلق الله الإنسان وزوّده بعنصري العقل والإرادة، فبالعقل يبصر ويكتشف الحقّ ويميّزه عن الباطل، وبالإرادة يختار ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه وأهدافه.

وقد جعل الله العقل المميِّز حجةً له على خلقه، وأعانه بما أفاض على العقول من معين هدايته ; فإنّه هو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، وأرشده إلى طريق كماله اللائق به، وعرّفه الغاية التي خلقه من أجلها، وجاء به إلى هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها.

وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربّانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة أخرى.

قال تعالى:

( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ) (الأنعام (٦): ٧١).

( وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (البقرة (٢): ٢١٣).

( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (الأحزاب (٣٣): ٤).

( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (آل عمران (٣): ١٠١).

( قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (يونس (١٠): ٣٥).

( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) (سبأ (٣٤): ٦).

( ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله ) (القصص (٢٨):٥٠).

فالله تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم.

٤

وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم.

ولقد أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى: ( وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ ) (الذاريات (٥١): ٥٦). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال.

وبعد أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال; لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته.

ومن هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن يُسند عقل الإنسان عن طريق الوحي الإلهي، ومن خلال الهداة الذين اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية العباد وذلك عن طريق توفير تفاصيل المعرفة وإعطاء الإرشادات اللازمة لكلّ مرافق الحياة.

وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربّانية منذ فجر التاريخ وعلى مدى العصور والقرون، ولم يترك الله عباده مهملين دون حجة هادية وعلم مرشد ونور مُضيء، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيّدةً لدلائل العقل ـ بأنّ الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه، لئلاّ يكون للناس على الله حجّة، فالحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، ولو لم يبق في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة، وصرّح القرآن ـ بشكل لا يقبل الريب ـ قائلاً:( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (الرعد (١٣): ٧).

ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في:

١ ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً:( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) (الأنعام (٦): ١٢٤) و ( اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ) (آل عمران (٣): ١٧٩).

٥

٢ ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) (البقرة (٢): ٢١٣).

٣ ـ تكوين اُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالى:( يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (الجمعة (٦٢): ٢) والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالى:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (الأحزاب (٣٣): ٢١).

٤ ـ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقرّرة لها، وهذه المهمة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية والنفسية، والتي تسمّى بالعصمة.

٥ ـ العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد وأركان المجتمعات البشرية وذلك بتنفيذ الأطروحة الربّانية، وتطبيق قوانين الدين الحنيف على المجتمع البشري من خلال تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّى إدارة شؤون الأمة على أساس الرسالة الربّانية للبشرية، ويتطلّب التنفيذ قيادةً حكيمةً، وشجاعةً فائقةً، وثباتاً كبيراً، ومعرفةً تامةً بالنفوس وبطبقات المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية وقوانين الإدارة والتربية وسنن الحياة، ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة دولة عالمية دينية، هذا فضلاً عن العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية التي تصون القيادة الدينية من كلّ سلوك منحرف أو عمل خاطئ بإمكانه أن يؤثّر تأثيراً سلبيّاً على مسيرة القيادة وانقياد الأمة لها بحيث يتنافى مع أهداف الرسالة وأغراضها.

وقد سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكّأوا طرفة عين.

٦

وقد توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ على مدى العصور برسالة خاتم الأنبياء محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحمّله الأمانة الكبرى ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها، طالباً منه تحقيق أهدافها. وقد خطا الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة، وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي:

١ ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي على عناصر الديمومة والبقاء.

٢ ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف.

٣ ـ تكوين اُمة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً، وبالرسول قائداً، وبالشريعة قانوناً للحياة.

٤ ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء.

٥ ـ تقديم الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري:

أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر.

ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته.

ومن هنا كان التخطيط الإلهيّ يحتّم على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعداد الصفوة من أهل بيته، والتصريح بأسمائهم وأدوارهم; لتسلّم مقاليد الحركة النبويّة العظيمة والهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه وصيانة للرسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين، وتربية للأجيال على قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها وكشف أسرارها وذخائرها على مرّ العصور، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وتجلّى هذا التخطيط الربّاني في ما نصّ عليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله:(إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) .

وكان أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرّفهم النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من الله تعالى لقيادة الأمة من بعده.

٧

إنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت عليهم‌السلام تمثّل المسيرة الواقعية للإسلام بعد عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الإسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلى أعماق الأمة بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذ الأئمة المعصومون عليهم‌السلام يعملون على توعية الأمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثورته المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والأمة جمعاء.

وتبلورت حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود.

وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر على طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء حتّى ضربوا أعلى أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالى، ثم اختاروا الشهادة مع العزّ على الحياة مع الذلّ، حتى فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير.

ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق.

إنّ دراستنا لحركة أهل البيت عليهم‌السلام الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله.

ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ، وهو المعصوم السادس من أعلام الهداية والرابع من الأئمة الاثني عشر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي جسّد الإسلام المحمّدي بكل أبعاده في حياته الفردية والاجتماعية في ظروف اجتماعية وسياسية عصيبة فحقق القيّم الإسلامية المُثلى في الفكر والعقيدة والخلق والسلوك وكان نبراساً يشعّ إيماناً وطُهراً وبهاءً للعالَمين.

٨

ولا بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كلّ الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلى عالم النور، لا سيَّما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم حفظه الله تعالى.

ولا يسعنا إلاّ أن نبتهل إلى الله تعالى بالدعاء والشكر لتوفيقه على إنجاز هذه الموسوعة المباركة فإنه حسبنا ونعم النصير.

للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

قم المقدسة

٩

الباب الأول: فيه فصول:

الفصل الأول: الإمام زين العابدينعليه‌السلام في سطور.

الفصل الثاني: انطباعات عن شخصية الإمامعليه‌السلام .

الفصل الثالث: مظاهر من شخصية الإمامعليه‌السلام .

الفصل الأوّل: الإمام زين العابدينعليه‌السلام في سطور

* هو الإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام رابع أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وجدّه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأوّل من أسلم وآمن برسالته، وكان منه بمنزلة هارون من موسى، كما صحّ في الحديث عنه(١) .

وجدّته فاطمة الزهراء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبضعته، وفلذة كبده، وسيّدة نساء العالمين كما كان أبوها يصفها.

* وأبوه الإمام الحسينعليه‌السلام أحد سيِّدَيْ شباب أهل الجنّة، سبط الرسول وريحانته ومن قال فيه جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(حسين منّي وأنا من حسين) ، وهو الذي استشهد في كربلاء يوم عاشوراء دفاعاً عن الإسلام والمسلمين.

* وهو أحد الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام الذين نصّ عليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، إذ قال:(الخلفاء بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش) (٢) .

* وقد ولد الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام في سنة ثمان وثلاثين للهجرة، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين.

ــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم : ٧ / ١٢١ .

(٢) إثبات الهداة : ٢ / ٣٢٠ حديث ١١٦ .

١٠

* وعاش سبعة وخمسين سنة تقريباً، قضى ما يقارب سنتين أو أربع منها في كنف جدّه الإمام علىّعليه‌السلام ، ثمّ ترعرع في مدرسة عمّه الحسن وأبيه الحسينعليهما‌السلام سبطي الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وارتوى من نمير العلوم النبوية، واستقى من ينبوع أهل البيت الطاهرين.

* برز على الصعيد العلمي إماماً في الدين ومناراً في العلم، ومرجعاً لأحكام الشريعة وعلومها، ومثلاً أعلى في الورع والعبادة والتقوى، واعترف المسلمون جميعاً بعلمه واستقامته وأفضليّته، وانقاد الواعون منهم إلى زعامته وفقهه ومرجعيّته.

* كان للمسلمين عموماً تعلّق عاطفي شديد بهذا الإمام، وولاء روحي عميق له، وكانت قواعده الشعبية ممتدّة في كلّ مكان من العالم الإسلامي، كما يشير إلى ذلك موقف الحجيج الأعظم منه، حينما حجّ هشام بن عبد الملك(١) .

* لم تكن ثقة الأمة بالإمام زين العابدينعليه‌السلام ـ على اختلاف اتجاهاتها ومذاهبها ـ مقتصرة على الجانب الفقهي والروحي فحسب، بل كانت تؤمن به مرجعاً وقائداً، ومفزعاً في كلّ مشاكل الحياة وقضاياها، بوصفه امتداداً لآبائه الطاهرين.

ومن هنا نجد أنّ عبد الملك بن مروان قد استنجد بالإمام زين العابدينعليه‌السلام لحلّ مشكلة التعامل بالنقود الرومية إبّان تهديد الملك الروماني

ــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال : ١٢٩ ـ ١٣٢ ح ٢٠٧ ، والجاحظ في البيان والتبيين: ١/٢٨٦، الأغاني: ١٤/٧٥ و ١٩/٤٠، وابن خلِّكان في وفيات الأعيان : ٢/٣٣٨ ط إيران.

١١

له بإذلال المسلمين(١) .

* وقد قدّر للإمام زين العابدين أن يتسلّم مسؤولياته القيادية والروحية بعد استشهاد أبيهعليه‌السلام فمارسها خلال النصف الثاني من القرن الأول، في مرحلة من أدقّ المراحل التي مرّت بها الاُمة وقتئذ، وهي المرحلة التي أعقبت موجة الفتوح الاُولى، فقد امتدّت هذه الموجة بزخمها الروحي وحماسها العسكري والعقائدي، فزلزلت عروش الأكاسرة والقياصرة، وضمّت شعوباً مختلفة وبلاداً واسعة إلى الدعوة الجديدة، وأصبح المسلمون قادة الجزء الأعظم من العالم المتمدّن وقتئذ خلال نصف قرن.

* تعرضت الأمة الإسلامية في عصر هذا الإمامعليه‌السلام لخطرين كبيرين:

الخطر الأول: هو خطر الانفتاح على الثقافات المتنوعة، والذي قد ينتهي بالأمة إلى التميّع والذوبان وفقدان أصالتها، فكان لابدّ من عمل علمي يؤكّد للمسلمين أصالتهم الفكرية وشخصيّتهم التشريعية المتميّزة المستمدة من الكتاب والسنّة. وكان لابدّ من تأصيل للشخصية الإسلامية، وذلك من خلال زرع بذور الاجتهاد.

وهذا ما قام به الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام فقد بدأ حلقة من البحث والدرس في مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخذ يحدّث الناس بصنوف المعرفة الإسلامية، من تفسير وحديث وفقه وتربية وعرفان، وراح يفيض عليهم من علوم آبائه الطاهرين.

وهكذا تخرّج من هذه الحلقة الدراسيّة عدد مهمّ من فقهاء المسلمين،

ــــــــــــــ

(١) انظر: دراسات وبحوث للعاملي : ١/١٢٧ ـ ١٣٧ .

١٢

وكانت هذه الحلقة المباركة هي المنطلق لما نشأ بعد ذلك من مدارس الفقه الإسلامي وكانت الأساس لحركة الفقه الناشطة.

* الخطر الثاني: هو الخطر الناجم عن موجة الرخاء والانسياق مع ملذّات الحياة الدنيا والإسراف في زينة هذه الحياة المحدودة، وبالتالي ضمور الشعور بالقيم الخلقية.

وقد اتّخذ الإمام زين العابدينعليه‌السلام من الدعاء أساساً لدرء هذا الخطر الكبير الذي ينخر في الشخصية الإسلامية ويهزّها من داخلها هزّاً عنيفاً ويحول بينها وبين الاستمرار في أداء رسالتها. ومن هنا كانت (الصحيفة السجادية) تعبيراً صادقاً عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمامعليه‌السلام إضافة إلى كونها تراثاً ربّانياً فريداً يظلّ على مرّ الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب، وتظلّ الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمّدي العلوي، وتزداد إليه حاجة كلّما ازداد الشيطان للإنسانية إغراءً والدنيا فتنةً له(١) .

ــــــــــــــ

(١) السيد الشهيد محمد باقر الصدرقدس‌سره في مقدمته للصحيفة السجادية.

١٣

الفصل الثاني: انطباعات عن شخصيّة الإمام زين العابدينعليه‌السلام

اتّفق المسلمون على تعظيم الإمام زين العابدين عليه‌السلام وأجمعوا على الاعتراف له بالفضل، وأنّه علم شاهق في هذه الدنيا، لا يدانيه أحد في فضائله وعلمه وتقواه، وكان من مظاهر تبجيلهم له: أنّهم كانوا يتبركون بتقبيل يده ووضعها على عيونهم (١) ، ولم يقتصر تعظيمه على الذين صحبوه أو التقوا به، وإنّما شمل المؤرخين على اختلاف ميولهم واتّجاهاتهم، فقد رسموا بإعجاب وإكبار سيرته، وأضفوا عليه جميع الألقاب الكريمة والنعوت الشريفة.

أقوال وآراء معاصريه فيهعليه‌السلام :

عبّر المعاصرون للإمامعليه‌السلام من العلماء والفقهاء والمؤرّخين بانطباعاتهم عن شخصيّته، وكلها إكبار وتعظيم له، سواء في ذلك من أخلص له في الودّ أو أضمر له العداوة والبغضاء، وفيما يلي نبذة من كلماتهم:

١ ـ قال الصحابيّ الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري: ما رؤي في أولاد الأنبياء مثل عليّ بن الحسينعليه‌السلام ...(٢) .

ــــــــــــــ

(١) العقد الفريد : ٢ / ٢٥١.

(٢) حياة الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، دراسة وتحليل : ١ / ١٢٦.

١٤

٢ ـ كان عبد الله بن عباس على تقدّمه في السنّ يجلّ الإمامعليه‌السلام وينحني خضوعاً له وتكريماً، فإذا رآه قام تعظيماً ورفع صوته قائلاً: مرحباً بالحبيب ابن الحبيب(١) .

٣ ـ وُصِف محمّد بن مسلم القرشي الزهري بالفقيه، وأحد الأئمّة الأعلام وعالم الحجاز والشام(٢) وقد كان على خطّ غير أهل البيتعليهم‌السلام ولكنّه أدلى بمجموعة من الكلمات القيّمة أعرب فيها عمّا يتصف به الإمامعليه‌السلام من القيم الكريمة والمُثل العظيمة، وهذه بعض كلماته:

أ ـ ما رأيت هاشمياً مثل عليّ بن الحسين...(٣) .

ب ـ لم أدرك في أهل البيت رجلاً كان أفضل من علي بن الحسين(٤) .

ج ـ ما رأيت أحداً أفقه منه(٥) .

٤ ـ سعيد بن المسيّب : وهو من الفقهاء البارزين في يثرب، وقال عنه الرواة: إنّه ليس من التابعين من هو أوسع منه علماً(٦) ، وقد صحب الإمامعليه‌السلام ووقف على ورعه، وشدّة تحرّجه في الدين، وقد سجّل ما رآه بهذه الكلمات:

أ ـ ما رأيت قطّ أفضل من عليّ بن الحسينعليه‌السلام وما رأيته قطّ إلاّ مَقَتُّ نفسي...(٧) .

ب ـ ما رأيت أورع منه...(٨) .

ج ـ كان سعيد جالساً وإلى جانبه فتىً من قريش، فطلع الإمامعليه‌السلام فسأل

ــــــــــــــ

(١) تأريخ دمشق : ٣٦ / ١٤٧، وتذكرة الخواص : ٣٢٤ .

(٢) تهذيب التهذيب : ٩ / ٤٤٥.

(٣) الأغاني : ١٥ / ٣٢٥.

(٤ و٥) شذرات الذهب : ١ / ١٠٥.

(٦) تهذيب التهذيب : ٤ / ٨٥ .

(٧) تأريخ اليعقوبي : ٣ / ٤٦.

(٨) العبر في خبر من غبر : ١ / ١١١.

١٥

القريشيّ سعيداً عنه، فأجابه سعيد: هذا سيّد العابدين(١) .

٥ ـ زيد بن أسلم : وكان في طليعة فقهاء المدينة، ومن مفسِّري القرآن(٢) ، وقد أدلى بعدّة كلمات بشأن الإمامعليه‌السلام منها:

أ ـ ما جالست في أهل القبلة مثله(٣) .

ب ـ ما رأيت مثل عليّ بن الحسين فيهم (أي : في أهل البيت)(٤) .

ج ـ ما رأيت مثل عليّ بن الحسين فهماً حافظاً(٥) .

٦ ـ حماد بن زيد : وهو من أبرز فقهاء البصرة، اُعتبر من أئمّة المسلمين(٦) ، قال فيه: كان عليّ بن الحسين أفضل هاشميٍّ أدركته(٧) .

٧ ـ يحيى بن سعيد: وهو من كبار التابعين، ومن أفاضل الفقهاء والعلماء(٨) ، وقد قال: سمعت عليّ بن الحسين وكان أفضل هاشمي رأيته(٩) .

٨ ـ لقد تعدّى الاعتراف بالفضل للإمامعليه‌السلام إلى أعدائه ومبغضيه، فهذا يزيد بن معاوية وبعد أن ألحّ عليه أهل الشام في أن يخطب الإمامعليه‌السلام أبدى مخاوفه منه قائلاً: إنّه من أهل بيت زُقّوا العلم زقّاً، إنّه لا ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان...(١٠)

ــــــــــــــ

(١) الفصول المهمة : ١٨٩.

(٢) تهذيب التهذيب : ٣ / ٣٩٥ .

(٣)و ٤) حياة الإمام زين العابدين: ١/١٢٩ عن تأريخ دمشق : ١٢ / ق١ / الورقة ١٩.

(٥) طبقات الفقهاء : ٢ / ٣٤.

(٦) تهذيب التهذيب : ٣ / ٩.

(٧) تهذيب اللغات والأسماء، القسم الأول : ٣٤٣.

(٨) حياة الإمام زين العابدين (دراسة وتحليل) : ١ / ١٣٠ عن تهذيب التهذيب.

(٩) المصدر السابق عن تهذيب الكمال م٧ / ق٢ / الورقة ٣٣٦.

(١٠) نفس المهموم : ٤٤٨ ـ ٤٥٢ ط قم عن مناقب آل أبي طالب : ٤/١٨١ عن كتاب الأحمر عن الأوزاعي: الخطبة بدون المقدمة، والمقدمة عن الكامل للبهائي : ٢/٢٩٩ ـ ٣٠٢ وانظر حياة الإمام زين العابدين للقرشي: ١/١٧٥.

١٦

٩ ـ عبد الملك بن مروان : وهذا عدوّ آخر يقول للإمامعليه‌السلام : إنّك لذو فضل عظيم على أهل بيتك وعصرك، ولقد أوتيت من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك ولا قبلك إلاّ من مضى من سلفك...(١)

١٠ ـ منصور الدوانيقي : وهذا عدوّ آخر أيضاً لأهل البيتعليهم‌السلام قد أشاد بفضل الإمام عليه‌السلام في رسالته إلى ذي النفس الزكية بقوله: ولم يولد فيكم (أي في العلويّين) بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مولود مثله (أي مثل زين العابدين) (٢) .

آراء العلماء والمؤرخين فيهعليه‌السلام :

١ ـ قال اليعقوبي: كان أفضل الناس وأشدّهم عبادة، وكان يسمّى: زين العابدين، وكان يسمّى أيضاً: ذا الثفنات، لما كان في وجهه من أثر السجود...(٣) .

٢ ـ قال الحافظ أبو القاسم عليّ بن الحسن الشافعي المعروف بابن عساكر: في ترجمة الإمامعليه‌السلام : كان عليّ بن الحسين ثقةً مأموناً، كثير الحديث، عالياً رفيعاً...(٤) .

٣ ـ قال الذهبي: كانت له جلالة عجيبة، وحقّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى; لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله...(٥)

٤ ـ قال الحافظ أبو نعيم: قال: عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٦ / ٧٥.

(٢) الكامل للمبرد : ٢ / ٤٦٧، العقد الفريد : ٥ / ٣١٠.

(٣) تاريخ اليعقوبي : ٣ / ٤٦.

(٤) تأريخ دمشق : ٣٦ / ١٤٢.

(٥) سير أعلام النبلاء : ٤ / ٢٤٠.

١٧

زين العابدين ومنار القانتين، كان عابداً وفيّاً وجواداً صفيّاً...(١) .

٥ ـ قال صفيّ الدين: كان زين العابدين عظيم الهدى والسمت الصالح...(٢) .

٦ ـ قال النووي: وأجمعوا على جلالته في كلّ شيء...(٣)

٧ ـ قال عماد الدين إدريس القرشي: كان الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين أفضل أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأشرفهم بعد الحسن والحسين عليهم جميعاً الصلاة والسلام، وأكثرهم ورعاً وزهداً وعبادة(٤) .

٨ ـ قال النسّابة الشهير ابن عنبة: وفضائلهعليه‌السلام أكثر من أن تحصى أو يحيط بها الوصف(٥) .

٩ ـ قال الشيخ المفيد: كان عليّ بن الحسين أفضل خلق الله بعد أبيه علماً وعملاً، وقال: قد روى عنه فقهاء العامّة من العلوم ما لا يحصى كثرة، وحُفِظ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيام ما هو مشهور بين العلماء...(٦) .

١٠ ـ وقال ابن تيمية: أمّا عليّ بن الحسين فمن كبار التابعين وساداتهم علماً وديناً... وله من الخشوع وصدقة السرّ وغير ذلك من الفضائل ما هو معروف(٧) .

١١ ـ قال الشيخاني القادري: سيّدنا زين العابدين عليّ بن الحسين بن أبي طالب اشتهرت أياديه ومكارمه، وطارت بالجوّ في الجود محاسنه، عظيم القدر، رحب الساحة والصدر، وله الكرامات الظاهرة ما شوهد بالأعين الناظرة

ــــــــــــــ

(١) حلية الأولياء : ٣ / ١٣٣.

(٢) وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل: ٢٨٠.

(٣) عن تهذيب اللغات والأسماء : ق١ / ٣٤٣.

(٤) عيون الأخبار وفنون الآثار: ١٤٤.

(٥) عمدة الطالب: ١٩٣.

(٦) الإرشاد : ٢ / ١٣٨ و ١٥٣ .

(٧) منهاج السنّة : ٢ / ١٢٣ .

١٨

وثبت بالآثار المتواترة...(١) .

١٢ ـ قال محمّد بن طلحة القرشي الشافعي: هذا زين العابدين، قدوة الزاهدين، وسيّد المتقين، وإمام المؤمنين، شيمته تشهد له أنّه من سلالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمته يثبت مقام قربه من الله زلفاً، وثفناته تسجّل له كثرة صلاته وتهجّده، وإعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده فيها، درّت له أخلاق التقوى فتفوّقها، وأشرقت له أنوار التأييد فاهتدى بها، وآلفته أوراد العبادة فآنس بصحبتها، وحالفته وظايف الطاعة فتحلّى بحليتها، طالما اتّخذ الليل مطيّة ركبها لقطع طريق الآخرة، وظمأ الهواجر دليلاً استرشد به في مسافة المسافرة، وله من الخوارق والكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة وثبت بالآثار المتواترة وشهد له أنّه من ملوك الآخرة...(٢) .

١٣ ـ قال الإمام الشافعي: إنّ عليّ بن الحسين أفقه أهل المدينة(٣) .

١٤ ـ قال الجاحظ : وأمّا عليّ بن الحسين فلم أرَ الخارجي في أمره إلاّ كالشيعي، ولم أرَ الشيعي إلاّ كالمعتزلي، ولم أرَ المعتزلي إلاّ كالعامي، ولم أرَ العامي إلاّ كالخاصي، ولم أجد أحداً يتمارى في تفضيله ويشك في تقديمه...(٤) .

١٥ ـ قال سبط ابن الجوزي: وهو أبو الأئمّة وكنيته أبو الحسن ويلقب بزين العابدين وسمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد العابدين... والسجاد; وذي الثفنات، والزكي والأمين، والثفنات: ما يقع على الأرض من أعضاء البعير إذا استناخ وغلظ كالركبتين فكان طول السجود قد أثّر في ثفناته(٥) .

ــــــــــــــ

(١) الصراط السوي الورقة ١٩.

(٢) مطالب السؤول : ٢ / ٤١.

(٣) رسائل الجاحظ: ١٠٦.

(٤) عمدة الطالب: ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٥) تذكرة الخواص : ٣٢٤ .

١٩

الفصل الثالث: مظاهر من شخصيّة الإمام زين العابدينعليه‌السلام

الحلم :

كان الإمام من أعظم الناس حلماً، وأكظمهم للغيظ، فمن صور حلمه التي رواها المؤرّخون :

١ ـ كانت له جارية تسكب على يديه الماء إذا أراد الوضوء للصلاة، فسقط الإبريق من يدها على وجهه الشريف فشجّه، فبادرت الجارية قائلة: إنّ الله عَزَّ وجَلَّ يقول: (والكاظمين الغيظ) وأسرع الإمام قائلاً :(كظمت غيظي) ، وطمعت الجارية في حلم الإمام ونبله، فراحت تطلب منه المزيد قائلة: (والعافين عن الناس) فقال الإمامعليه‌السلام :(عفا الله عنك) ، ثمّ قالت:( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) فقالعليه‌السلام لها:(إذهبي فأنت حرّة) (١) .

٢ ـ سبّه لئيمٌ فأشاحعليه‌السلام بوجهه عنه، فقال له اللئيم: إيّاك أعني وأسرع الإمام قائلاً:(وعنك أغضي ...) وتركه الإمام ولم يقابله بالمثل(٢) .

٣ ـ ومن عظيم حلمهعليه‌السلام : أنّ رجلاً افترى عليه وبالغ في سبّه،

ــــــــــــــ

(١) أمالي الصدوق : ١٦٨ ح ١٢ والارشاد : ٢/١٤٦ ، ومناقب آل أبي طالب : ٤/١٥٧، تاريخ دمشق : ٣٦/١٥٥ وابن منظور في مختصره: ١٧/٢٤٠ ، وسير أعلام النبلاء : ٤/٣٩٧ ، ونهاية الارب : ٢١/٣٢٦ .

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤/١٧١ ، والبداية والنهاية : ٩ / ١٠٥.

٢٠