اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)0%

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 193

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 193
المشاهدات: 49823
تحميل: 6737

توضيحات:

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 193 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49823 / تحميل: 6737
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يابن أخي! قد علمت أنّ رسول الله كان جعل الوصيّة والإمامة من بعده لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ثمّ إلى الحسن، ثمّ إلى الحسين، وقد قتل أبوك رضي‌الله‌عنه وصُلّيَ عليه ولم يوص، وأنا عمّك وصنو أبيك، وأنا في سنّي وقدمتي أحقّ بها منك في حداثتك، فلا تنازعني الوصيّة والإمامة ولا تخالفني.

فقال له عليّ بن الحسين عليه‌السلام : (اتق الله ولا تدّعِ ما ليس لك بحقّ، إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين، يا عم! إنّ أبي صلوات الله عليه أوصى إليّ قبل أن يتوجه إلى العراق، وعهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندي، فلا تعرض لهذا فإنّي أخاف عليك بنقص العمر وتشتت الحال، وإنّ الله تبارك وتعالى أبى إلاّ أن يجعل الوصيّة والإمامة إلاّ في عقب الحسين، فإن أردت أن تعلم فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك) .

قال الباقرعليه‌السلام : (وكان الكلام بينهما وهما يومئذ بمكّة، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود، فقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام لمحمّد:

إبدأ فابتهل إلى الله واسأله أن ينطق لك الحجر ثمّ سله، فابتهل محمّد في الدعاء وسأل الله ثمّ دعا الحجر فلم يجبه، فقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام :

(أما إنّك يا عمّ لو كنت وصيّاً وإماماً; لأجابك).

فقال له محمّد: فادع أنت يابن أخي، فدعا الله عليّ بن الحسين عليه‌السلام بما أراد ثمّ قال: (أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين لمّا أخبرتنا بلسان عربيّ مبين مَن الوصيّ والإمام بعد الحسين بن عليّ)، فتحرّك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثمّ أنطقه الله بلسان عربيّ مبين فقال:

اللّهمّ إنّ الوصية والإمامة بعد الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وابن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، فانصرف محمّد وهو يتولّى

١٦١

عليّ بن الحسين عليه‌السلام (١) .

وعن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليّ بن الحسينعليهم‌السلام قال:

(نحن أئمّة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغرّ المحجّلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان لأهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وينشر الرحمة، ويخرج بركات الأرض ولو لا ما في الأرض منّا; لساخت الأرض بأهلها) .

ثمّ قال:(ولم تخلُ الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها، ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله، ولو لا ذلك لم يعبد الله) .

من غرر حكم الإمامعليه‌السلام ومواعظه:

قد عرفت أنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام لم يترك مدينة جدّه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل بقي مرابطاً فيها مشغولاً بتربية الأمة تربية فكرية وأخلاقية، وكان كلّ جمعة يعظهم ويحذّرهم من الدنيا وحبائلها ومكائدها التي جعلت كثيراً من أهل عصره في أسرها، وممّا قاله في التحذير من الدنيا والتزهيد فيها(٢) :

١ ـ(كفانا الله وإيّاكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبّارين، أيّها المؤمنون لا يفتننّكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في الدنيا المائلون إليها، المفتونون بها، المقبلون عليها وعلى حطامها (٣) الهامد (٤) وهشيمها البائد غداً، واحذروا ما حذّركم الله منها،

ــــــــــــــ

(١) الاحتجاج : احتجاجات الإمام زين العابدينعليه‌السلام .

(٢) تحف العقول لابن شعبة الحرّاني : ١٨٢ ـ ١٨٤ / ط مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

(٣) الحُطام: القشر، والمعنى: أنّ ما فيها من مال كثير أو قليل يغنى ولا يبقى.

(٤) الهامد: اليابس .

١٦٢

وازهدوا فيما زهّدكم الله فيه منها، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من أعدّها داراً وقراراً (١) ، وبالله إنّ لكم ممّا فيها عليها دليلاً من زينتها وتصريف أيامها (٢) وتغيير انقلابها ومثلاتها وتلاعبها بأهلها، إنّها لترفع الخميل وتضع الشريف، وتورد النار أقواماً غداً، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه) .

٢ ـ الوصيّة بالتقوى والإنابة إلى الله تعالى والتحذير من معونة الظلمة :

(فاتقوا الله واستقبلوا من إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولّونه فيها، لعلّ نادماً قد ندم على ما قد فرّط بالأمس في جنب الله، وضيّع من حقّ الله، واستغفروا الله وتوبوا إليه، فإنّه يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون، وإيّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين، احذروا فتنتهم، وتباعدوا من ساحتهم) .

٣ ـ موالاة أولياء الله عَزَّ وجَلَّ :

(وأعلموا أنّه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله واستبدّ بأمره دون أمر وليّ الله في نار تلتهب، تأكل أبداناً قد غابت عنها أرواحها، وغلبت عليها شقوتها، فهم موتى لا يجدون حرّ النار، فاعتبروا يا اُولي الأبصار، واحمدوا الله على ما هداكم، واعلموا أنّكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته، وسيرى الله عملكم ثم تحشرون، فانتفعوا بالعظة، وتأدّبوا بآداب الصالحين) .

٤ ـ(إنّ علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة تركهم كلّ خليط (٣) وخليل، ورفضهم كلّ صاحب لا يريد ما يريدون. ألا وإنّ العامل لثواب الآخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدنيا، الآخذ للموت أهبته، الحاثّ على العمل قبل فناء الأجل ونزول ما لا بدّ

ــــــــــــــ

(١) القرار: ما قُرّ فيه أي فعل فيه السكن أو السكون.

(٢) تصريف أيامها: تحوّلها من وجه إلى وجه .

(٣) خليط : مُخالط، مُجالس .

١٦٣

من لقائه، وتقديم الحذر قبل الحين، فإنّ الله عَزَّ وجَلَّ يقول: ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ) (١) ، فلينزل أحدكم اليوم نفسه في هذه الدنيا كمنزلة المكرور إلى الدنيا، النادم على ما فرّط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته) .

٥ ـواعلموا عباد الله أنّه من خاف البيات تجافى عن الوساد، وامتنع من الرقاد، وأمسك عن بعض الطعام والشراب من خوف سلطان أهل الدنيا، فكيف؟ ويحك يابن آدم من خوف بيات سلطان ربّ العزّة، وأخذه الأليم، وبياته لأهل المعاصي والذنوب مع طوارق المنايا بالليل والنهار، فذلك البيات الذي ليس منه مَنجى، ولا دونه ملتجأ ولا منه مهرب، فخافوا الله أيّها المؤمنون من البيات خوف أهل التقوى، فإنّ الله يقول: ( ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ) (٢) ، فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها وشرورها، وتذكّروا ضرر عاقبة الميل إليها، فإنّ زينتها فتنة وحبّها خطيئة .

٦ ـ(فاتّقوا الله عباد الله وتفكّروا، واعملوا لما خلقتم له فإنّ الله لم يخلقكم عبثاً ولم يترككم سدىً، قد عرّفكم نفسه، وبعث إليكم رسوله، وأنزل عليكم كتابه، فيه حلاله وحرامه وحججه وأمثاله، فاتّقوا الله فقد احتجّ عليكم ربّكم فقال: ( أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (٣) ، فهذه حجّة عليكم، فاتّقوا الله ما استطعتم، فإنّه لا قوة إلاّ بالله ولا تكلان إلاّ عليه، وصلّى الله على محمد نبيّه وآله) .

٧ ـ(إنّ الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإنّ الآخرة قد ترحّلت مقبلة، ولكلّ واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، لأنّ الزاهدين في الدنيا اتّخذوا الأرض بساطاً، والتراب فراشاً، والمدر وِساداً، والماء طيباً، وقرضوا المعاشَ من الدنيا تقريضاً، اعلموا أنّه من اشتاق إلى الجنّة

ــــــــــــــ

(١) المؤمنون (٢٣) : ٩٩ و ١٠٠ .

(٢) ابراهيم (١٤) : ١٤ .

(٣) البلد (٩٠) : ٨ ـ ١٠ .

١٦٤

سارع إلى الحسنات وسلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار; رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه مصائبها ولم يكرهها، وإنّ لله عَزَّ وجَلَّ لعباداً قلوبهم معلّقة بالآخرة وثوابها وهم كمن رأى أهل الجنّة في الجنّة مخلّدين منعّمين، وكمن رأى أهل النار في النار معذّبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، أنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أيّاماً قليلة فصاروا بعقبى راحة طويلة، أمّا الليل فصافّون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، وهم يجأرون إلى ربّهم (١) ، يسعون في فكاك رقابهم، وأمّا النهار فحلماء علماء بررة أتقياء، كأنهم القِداح (٢) قد براهم الخوف من العبادة، ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض أم خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم مِن ذِكر النارِ وما فيها .

ومن غرر كلماتهعليه‌السلام (٣) :

(الخير كلّه صيانة الإنسان نفسه) .

(الرضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين) .

(من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا) .

(من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس) .

(لا يقلّ عمل مع تقوىً، وكيف يقلّ ما يتقبّل) ؟

قيل له : من أعظم الناس خطراً ؟ (٤) فقال عليه‌السلام : (من لم يرَ الدنيا خطراً لنفسه) .

وقال بحضرته رجل: اللّهمّ أغنني عن خلقك، فقالعليه‌السلام :(ليس هكذا، إنّما

ــــــــــــــ

(١) يجأرون إلى ربّهم: يتضرّعون إليه تعالى .

(٢) القِداح: مفردها قِدْح وهو السهم قبل أن يُنصل ويُراش .

(٣) كل ما جاء تحت هذا العنوان نقلناه عن تحف العقول ٢٠٠ ـ ٢٠٥ .

(٤) خطراً: قدراً وشرفاً .

١٦٥

الناس بالناس، ولكن قل: اللّهمّ أغنني عن شرار خلقك) .

(اتّقوا الكذب، الصغير منه، والكبير، في كلّ جدّ وهزل، فإنّ الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير) .

(كفى بنصر الله لك أن ترى عدوّك يعمل بمعاصي الله فيك) .

وقال له رجل: ما الزهد ؟ فقالعليه‌السلام : (الزهد عشرة أجزاء، فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع، وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين، وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضا، وإنّ الزهد في آية من كتاب الله: ( لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) ) (١) .

(طلب الحوائج إلى الناس مذلّة للحياة ومذهبة للحياء واستخفاف بالوقار وهو الفقر الحاضر، وقلّة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر) .

(إنّ أحبّكم إلى الله أحسنكم عملاً، وإنّ أعظمكم عند الله عملاً أعظمكم فيما عند الله رغبة، وإنّ أنجاكم من عذاب الله أشدّكم خشية لله، وإنّ أقربكم من الله أوسعكم خلقاً، وإنّ أرضاكم عند الله أسْبَغكم (٢) على عياله، وإنّ أكرمكم على الله أتقاكم) .

(يابني، اُنظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، إيّاك ومصاحبة الكذّاب، فإنّه بمنزلة السراب يقرّب لك البعيد ويبعّد لك القريب، وإيّاك ومصاحبة الفاسق، فإنّه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك، وإيّاك ومصاحبة البخيل، فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، وإيّاك ومصاحبة الأحمق، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك، وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله) .

(إنّ المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه، وقلة مرائه، وحلمه، وصبره، وحسن خلقه) .

ــــــــــــــ

(١) الحديد (٥٧): ٢٣ .

(٢) أسبغكم: أوسعكم .

١٦٦

 (ابن آدم ، إنّك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همّك، وما كان الخوف لك شعاراً، والحذر لك دثاراً (١) ، ابن آدم إنّك ميّت ومبعوث وموقوف بين يدي الله جلّ وعزّ، فأعدّ له جواباً) .

(لا حسب لقرشيّ ولا لعربيّ إلاّ بتواضع، ولا كرم إلاّ بتقوىً، ولا عمل إلاّ بنيّة، ولا عبادة إلاّ بالتفقه، ألا وإنّ أبغض الناس إلى الله من يقتدي بسنّة إمام ولا يقتدي بأعماله) .

(المؤمن من دعائه على ثلاث: إمّا أن يدّخر له، وإمّا أن يعجّل له، وإمّا أن يدفع عنه بلاء يريد أن يصيبه) .

(إنّ المنافق ينهى ولا ينتهي، ويأمر ولا يأتي، إذا قام إلى الصلاة اعترض، وإذا ركع ربض، وإذا سجد نقر، يمسي وهمّه العشاء ولم يصم، ويصبح وهمّه النوم ولم يسهر، والمؤمن خلط عمله بحلمه، يجلس ليعلم، وينصت ليسلم، لا يحدّث بالأمانة للأصدقاء، ولا يكتم الشهادة للبعداء، ولا يعمل شيئاً من الحقّ رياءاً ولا يتركه حياءاً، إن زُكّي خاف ممّا يقولون، ويستغفر الله لما لا يعلمون، ولا يضرّه جهل من جهله) .

(كم من مفتون بحسن القول فيه، وكم من مغرور بحسن الستر عليه؟) .

(ربّ مغرور مفتون يصبح لاهياً ضاحكاً، يأكل ويشرب وهو لا يدري لعلّه قد سبقت له من الله سخطة يصلى بها نار جهنم) .

(إنّ من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار، والتوسّع على قدر التوسّع، وإنصاف الناس من نفسه، وابتداؤه إيّاهم بالسلام) .

(ثلاث منجيات للمؤمن: كفّ لسانه عن الناس واغتيابهم، وإشغاله نفسه بما ينفعه لآخرته ودنياه، وطول بكائه على خطيئته) .

(نظر المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودّة والمحبة له عبادة) .

ــــــــــــــ

(١) الدثار : ما يتغطّى به النائم .

١٦٧

 (ثلاث من كنّ فيه من المؤمنين كان في كنف الله (١) ، وأظلّه الله يوم القيامة في ظلّ عرشه، وآمنه من فزع اليوم الأكبر: من أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه، ورجل لم يُقَدِّم يداً ولا رجلاً حتى يعلم أنّه في طاعة الله قدّمها أو في معصيته، ورجل لم يعب أخاه بعيب حتى يترك ذلك العيب من نفسه، وكفى بالمرء شغلاً بعيبه لنفسه عن عيوب الناس) .

(ما من شيء أحبّ إلى الله بعد معرفته من عفّة بطن وفرج، وما [من]شيء أحبّ إلى الله من أن يسأل) .

(افعل الخير إلى كلّ من طلبه منك، فإن كان أهله فقد أصبت موضعه، وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحوّل إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره) .

(مجالس الصالحين داعية إلى الصلاح، وآداب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة الأمر تمام العزّ، واستنماء المال تمام المروّة، وإرشاد المستشير قضاء لحقّ النعمة، وكفّ الأذى من كمال العقل وفيه راحة للبدن عاجلاً أو آجلاً) .

وكان عليّ بن الحسينعليهما‌السلام إذا قرأ الآية: ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) (٢) يقول:(سبحان مَن لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلاّ المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم بأنّه لا يدركه، فشكر عَزَّ وجَلَّ معرفة العارفين بالتقصير عن معرفته، وجعل معرفتهم بالتقصير شكراً، كما جعل علم العالمين أنّهم لا يدركونه إيماناً، علماً منه أنّه قدّر وسع العباد فلا يجاوزون ذلك) .

(سبحان من جعل الاعتراف بالنعمة له حمداً، سبحان من جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر شكراً) .

ــــــــــــــ

(١) في كنف الله: في حرزه ورحمته.

(٢) إبراهيم (١٤) : ٣٤ .

١٦٨

الفصل الثاني: رسالة الحقوق

تكفّلت رسالة الحقوق تنظيم أنواع العلاقات الفردية والاجتماعية للإنسان في هذه الحياة بنحو يحقّق للفرد والمجتمع سلامة العلاقات، ويجمع لهما عوامل الاستقرار والرقيّ والازدهار.

(لقد نظر الإمام الحكيمعليه‌السلام بعمق وشمول للإنسان، ودرس جميع أبعاد حياته وعلاقاته مع خالقه ونفسه وأسرته ومجتمعه وحكومته ومعلّمه)(١) وكلّ من يرتبط به أدنى ارتباط.

ويمكن أن نقول: إنّ تنظيم العلاقات الاجتماعية على أساس تعيين مجموعة الحقوق بشكل دقيق هو الرصيد الأول للنظام الاجتماعي الإسلامي، وهو المبنى المعقول للتشريعات الإسلامية عامّة، فإنّ الذي يفهم بعمق هذه الرسالة ويدرس بدقّة حقوق الخالق وحقوق المخلوقين بعضهم تجاه بعض يتسنّى له أن يفهم أسرار التشريع الإسلامي وفلسفة الأحكام التي جاءت بها الشريعة الإسلامية لتنظيم حياة الإنسان فرداً ومجتمعاً.

إنّ العدالة الاجتماعية أو الاقتصادية أو الإدارية لن تتحقّق ما لم يُطبّق نظام الحقوق بشكل دقيق أوّلاً، وتنظّم الأحكام والتشريعات على أساس تلك

ــــــــــــــ

(١) حياة الإمام زين العابدين عليه‌السلام : ٤٧٧ .

١٦٩

الحقوق، وفيما نعلم أنّ الإمامعليه‌السلام قد سبق العلماء والقانونيين جميعاً في دنيا الإسلام بل في دنيا الإنسان في هذا المضمار الذي على أساسه ترتكز أُصول الأخلاق والتربية ونظم الاجتماع.

وقد كتب الإمام زين العابدينعليه‌السلام هذه الرسالة العظيمة واتحف بها بعض أصحابه، ورواها العالم الكبير ثقة الإسلام ثابت بن أبي صفيّة المعروف بأبي حمزة الثمالي تلميذ الإمامعليه‌السلام كما رواها عنه بسنده المحدّث الصدوق في كتابه (الخصال) وثقة الإسلام الكليني في (الكافي) والحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني في (تحف العقول) وهي من المصادر القديمة الموثوقة.

والإمامعليه‌السلام قبل بيانه للحقوق يشير إلى أنّ هناك حقوقاً محيطةً بالإنسان، ولا بد له من معرفتها، ثمّ يبيّن أكبر الحقوق وهو ما يرتبط بالله سبحانه بالنسبة لعبده، ثمّ يفرّع عليها حقوق الإنسان المفروضة من الله تجاه نفس الإنسان، فيبيّن أنواع علاقة الإنسان بنفسه من خلال المنظار الإلهي، ثمّ ينتهي إلى أنواع العلاقة بين الإنسان وبيئته التي تشتمل على قيادة ومقودين ورعاة ورعية، مع بيانه لأنواع الأئمّة والمأمورين ودرجاتهم، ثمّ يبيّن سائر العلاقات مع الأرحام والأسرة وأعضائها، ثمّ من تشتمل عليه الأسرة من الموالي والجواري، ثمّ سائر ذوي الحقوق كالمؤذّن والإمام في الصلاة والجليس والشريك والغريم والخصم والمستشير والمشير والمستنصح والناصح والسائل والمسؤول والصغير والكبير.. حتى ينتهي إلى من يشترك مع الإنسان في دينه من بني الإنسان، ثمّ حقوق من يشترك مع الإنسان في الإنسانية وفي النظام السياسي الذي يخضع له وإن لم يكن من أهل ملّته ودينه.

١٧٠

وفيما يلي نصّ الرسالة كما وردت في الخصال(١) :

عرض إجماليّ للحقوق :

(اعلم، أنّ لله عَزَّ وجَلَّ عليك حقوقاً محيطة بك في كلّ حركة تحرّكتها، أو سكنة سكنتها، أو حال حلتها، أو منزلة نزلتها، أو جارحة قلّبتها، أو آلة تصرّفت فيها، فأكبر حقوق الله تبارك وتعالى عليك ما أوجب عليك لنفسه من حقّه الذي هو أصل الحقوق، ثمّ ما أوجب الله عَزَّ وجَلَّ عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك، فجعل عَزَّ وجَلَّ للسانك عليك حقّاً، ولسمعك عليك حقّاً، ولبصرك عليك حقاً، وليدك عليك حقّاً، ولرجلك عليك حقّاً، ولبطنك عليك حقّاً، ولفرجك عليك حقاً، فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال، ثمّ جعل عَزَّ وجَلَّ لأفعالك عليك حقوقاً، فجعل لصلاتك عليك حقّاً، ولصومك عليك حقّاً، ولصدقتك عليك حقّاً، ولهديك عليك حقّاً، ولأفعالك عليك حقّاً.

ثمّ تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك، فأوجبها عليك حقوق أئمّتك، ثمّ حقوق رعيّتك، ثمّ حقوق رحمك، فهذه حقوق تتشعّب منها حقوق، فحقوق أئمّتك ثلاثة، أوجبها عليك حقّ سائسك بالسلطان، ثمّ حقّ سائسك بالعلم، ثمّ حقّ سائسك بالملك، وكلّ سائس إمام.

وحقوق رعيتك ثلاثة، أوجبها عليك حقّ رعيتك بالسلطان، ثمّ حقّ رعيتك بالعلم، فإنّ الجاهل رعية العالم، ثمّ حقّ رعيّتك بالملك من الأزواج وما ملكت الأيمان، وحقوق رعيّتك كثيرة متّصلة بقدر اتّصال الرحم في

ــــــــــــــ

(١) الخصال : ٥٦٤ ط. مؤسسة النشر الإسلامي .

١٧١

القرابة، وأوجبها عليك حقّ أمك، ثمّ حقّ أبيك، ثمّ حقّ ولدك، ثمّ حقّ أخيك، ثمّ الأقرب فالأقرب والأولى فالأولى، ثمّ حقّ مولاك المنعم عليك، ثمّ حقّ مولاك الجارية نعمته عليك (١) ، ثمّ حقّ ذوي المعروف لديك، ثمّ حقّ مؤذّنك لصلاتك، ثمّ حقّ إمامك في صلاتك، ثمّ حقّ جليسك، ثمّ حقّ جارك، ثمّ حقّ صاحبك، ثمّ حقّ شريكك، ثمّ حقّ مالك، ثمّ حقّ غريمك الذي تطالبه؟ ثمّ حقّ غريمك الذي يطالبك، ثمّ حقّ خليطك، ثمّ حقّ خصمك المدّعي عليك، ثمّ حقّ خصمك الذي تدّعي عليه، ثمّ حقّ مستشيرك، ثمّ حقّ المشير عليك، ثمّ حقّ مستنصحك، ثمّ حقّ الناصح لك، ثمّ حقّ من هو أكبر منك، ثمّ حقّ من هو أصغر منك، ثمّ حقّ سائلك، ثمّ حقّ من سألته، ثمّ حقّ من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل عن تعمّد أو غير تعمّد، ثمّ حقّ أهل ملّتك عليك، ثمّ حقّ أهل ذمّتك، ثمّ الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرّف الأسباب.

فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه، ووفّقه لذلك وسدّده.

تفصيل الحقوق :

حق الله:

فأمّا حقّ الله الأكبر عليك: فأن تعبده لا تشرك به شيئاً، فإذا فعلت بالإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة .

حقّ النفس:

وحقّ نفسك عليك: أن تستعملها بطاعة الله عَزَّ وجَلَّ .

ــــــــــــــ

(١) والظاهر تصحيفه ، والصواب كما سيأتي في تفصيله عليه‌السلام هذه الحقوق (حقّ مولاك الجارية نعمتك عليه).

١٧٢

حقوق الأعضاء:

١ ـ وحقّ اللسان : إكرامه عن الخنى، وتعويده على الخير، وترك الفضول التي لا فائدة لها، والبرّ بالناس، وحسن القول فيهم .

٢ ـوحقّ السمع : تنزيهه عن سماع الغيبة، وسماع ما لا يحلّ سماعه .

٣ ـوحقّ البصر : أن تغضّه عمّا لا يحلّ لك وتعتبر بالنظر به .

٤ ـوحقّ يدك : أن لا تبسطها إلى ما لا يحلّ لك .

٥ ـوحقّ رجليك : أن لا تمشي بهما إلى ما لا يحلّ إليك، فبهما تقف على الصراط، فانظر أن لا تزلّ بك فتردى في النار .

٦ ـوحقّ بطنك : أن لا تجعله وعاء للحرام، ولا تزيد على الشبع .

٧ ـوحقّ فرجك : أن تحصنه عن الزنا، وتحفظه من أن يُنْظرَ إليه .

حقوق الأفعال:

١ ـوحقّ الصلاة : أن تعلم أنّها وفادة إلى الله عَزَّ وجَلَّ وأنت فيها قائم بين يدي الله عَزَّ وجَلَّ، فإذا علمت ذلك قمت مقام العبد الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرّع المعظّم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار، وتقبل عليها بقلبك، وتقيمها بحدودها وحقوقها .

٢ ـوحقّ الحجّ : أن تعلم أنّه وفادة إلى ربّك، وفرار إليه من ذنوبك، وبه قبول توبتك، وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك .

٣ ـوحقّ الصوم : أن تعلم أنّه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك ليسترك به من النار، فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك .

٤ ـوحقّ الصدقة : أن تعلم أنّها ذخرك عند ربّك عَزَّ وجَلَّ، ووديعتك التي لا تحتاج الإشهاد عليها، فإذا علمتَ ذلك كنتَ بما تستودعه سرّاً أوثق منك بما تستودعه علانيةً، وتعلم أنّها تدفع البلايا والأسقام عنك في الدنيا، وتدفع عنك النار في الآخرة .

٥ ـوحقّ الهدى : أن تريد به وجه الله عَزَّ وجَلَّ، ولا تريد به خلقه، ولا تريد به إلاّ التعرض لرحمة الله ونجاة روحك يوم تلقاه .

١٧٣

حقوق الأئمّة:

١ ـوحقّ السلطان : أن تعلم أنّك جعلت له فتنة، وأنّه مبتل فيك بما جعله الله عَزَّ وجَلَّ له عليك من السلطان، وأنّ عليك أن لا تتعرّض لسخطه فتلقى بيدك إلى التهلكة، وتكون شريكاً له فيما يأتي إليك من سوء .

٢ ـوحقّ سائسك بالعلم: التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، وأن لا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدّث في مجلسه أحداً، ولا تغتاب عنده أحداً، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه، وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدوّاً، ولا تعادي له وليّاً، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للناس .

٣ ـوأمّا حقّ سائسك بالملك : فأن تطيعه ولا تعصيه إلاّ فيما يسخط الله عَزَّ وجَلَّ، فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

حقوق الرعيّة:

١ ـوأمّا حقّ رعيّتك بالسلطان : فأن تعلم أنّهم صاروا رعيّتك لضعفهم وقوّتك، فيجب أن تعدل فيهم وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم جهلهم، ولا تعاجلهم بالعقوبة، وتشكر الله عَزَّ وجَلَّ على ما آتاك من القوّة عليهم .

٢ ـوأمّا حقّ رعيّتك بالعلم : فأن تعلم أنّ الله عزوجل إنّما جعلك قيّماً لهم فيما آتاك من العلم، وفتح لك من خزائنه، فإن أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تفجر عليهم زادك الله من فضله، وإن أنت منعت النّاس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقّاً على الله عَزَّ وجَلَّ أن يسلبك العلم وبهاءه، ويسقط من القلوب محلّك .

٣ ـوأمّا حقّ الزوجة: فأن تعلم أنّ الله عَزَّ وجَلَّ جعلها لك سكناً وأنساً، فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عليك، فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقّك عليها أوجب فإنّ لها عليك أن ترحمها، لأنّها أسيرك وتطعمها وتكسوها، فإذا جَهِلتْ عَفوتَ عنها .

٤ ـوأمّا حقّ مملوكك : فأن تعلم أنّه خلق ربّك وابن أبيك وأمك ولحمك ودمك، لم تملكه لأنّك صنعته دون الله، ولا خلقت شيئاً من جوارحه ولا أخرجت له رزقاً، ولكنّ الله عَزَّ وجَلَّ كفاك ذلك، ثمّ سخّره لك وائتمنك عليه واستودعك إيّاه، ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه فأحسن إليه كما أحسن الله إليك، وإن كرهته استبدلت به، ولم تعذِّب خلق الله عَزَّ وجَلَّ، ولا قوّة إلاّ بالله .

١٧٤

حقوق الرحم:

١ ـ وحقّ أمك : أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحدٌ أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحدٌ أحداً، ووَقَتْك بجميع جوارحها، ولم تبالِ أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلّك، وتهجر النوم لأجلك، ووَقَتك الحرّ والبرد لتكون لها، فإنّك لا تطيق شكرها

إلاّ بعون الله تعالى وتوفيقه .

٢ ـوأمّا حقّ أبيك : فأن تعلم أنّه أصلك، وأنّه لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك ممّا يعجبك فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك، ولا قوّة إلاّ بالله .

٣ ـوأمّا حقّ ولدك : فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عَزَّ وجَلَّ، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه .

٤ ـوأمّا حقّ أخيك : فأن تعلم أنّه يدك وعزّك وقوّتك، فلا تتّخذه سلاحاً على معصية الله، ولا عدّة للظالم لخلق الله، ولا تدع نصرته على عدوّه والنصيحة له، فإن أطاع الله وإلاّ فليكن الله أكرم عليك منه، ولا قوّة إلاّ بالله .

٥ ـوأمّا حقّ مولاك المنعم عليك : فأن تعلم أنّه أنفق فيك ماله، وأخرجك من ذلّ الرقّ ووحشته إلى عزّ الحرية واُنسها، فأطلقك من أسر الملكة، وفكّ عنك قيد العبودية، وأخرجك من السجن، وملكك نفسك، وفرّغك لعبادة ربّك، وتعلم أنّه أولى الخلق بك في حياتك وموتك، وأنّ نصرته عليك واجبة بنفسك وما احتاج إليه منك، ولا قوّة إلاّ بالله .

٦ ـوأمّا حقّ مولاك الذي أنعمت عليه : فأن تعلم أنّ الله عَزَّ وجَلَّ جعل عتقك له وسيلةً إليه، وحجاباً لك من النار، وأنّ ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم مكافأة بما أنفقت من مالك وفي الآجل الجنّة .

حقوق عامّة الناس والأشياء:

١ ـ وأمّا حقّ ذي المعروف عليك : فأن تشكره وتذكر معروفه وتكسبه المقالة الحسنة وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عَزَّ وجَلَّ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّاً وعلانيةً، ثمّ إن قدرت على مكافأته يوماً كافيته.

٢ ـوأمّا حقّ المؤذِّن : أن تعلم أنّه مذكّر لك ربّك عَزَّ وجَلَّ، وداع لك إلى حظّك، وعونك على قضاء فرض الله عليك، فاشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك .

١٧٥

٣ ـوأمّا حقّ إمامك في صلاتك : فأن تعلم أنّه قد تقلّد السفارة فيما بينك وبين ربّك عَزَّ وجَلَّ، وتكلّم عنك ولم تتكلّم عنه، ودعا لك ولم تدع له، وكفاك هول المقام بين يدي الله عَزَّ وجَلَّ، فإن كان به نقص كان به دونك، وإن كان تماماً كنت شريكه، ولم يكن له عليك فضل فوقى نفسك بنفسه وصلاتك بصلاته فتشكّر له على قدر ذلك .

٤ ـوأمّا حقّ جليسك : فأن تلين له جانبك، وتنصفه في مجازاة اللفظ، ولا تقوم من مجلسك إلاّ بإذنه، ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك، وتنسى زلاّته، وتحفظ خيراته، ولا تُسمعه إلاّ خيراً .

٥ ـوأمّا حقّ جارك : فحفظه غائباً، وإكرامه شاهداً، ونصرته إذا كان مظلوماً، ولا تتّبع له عورة، فإن علمت عليه سوءاً سترته عليه، وإن علمت أنّه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تسلّمه عن شديدة، وتقيل عثرته، وتغفر ذنبه، وتعاشره معاشرةً كريمةً، ولا قوّة إلاّ بالله .

٦ ـوأمّا حقّ الصاحب : فأن تصحبه بالتفضّل والإنصاف، وتكرمه كما يكرمك، وكن عليه رحمةً، ولا تكن عليه عذاباً، ولا قوّة إلاّ بالله .

٧ ـوأمّا حقّ الشريك : فإن غاب كفيته، وإن حضر رعيته، ولا تحكم دون حكمه، ولا تعمل رأيك دون مناظرته، وتحفظ عليه ماله، ولا تخونه فيما عزّ أو هان من أمره، فإنّ يد الله تبارك وتعالى على الشريكين ما لم يتخاونا، ولا قوّة إلاّ بالله .

٨ ـوأمّا حقّ مالك : فأن لا تأخذه إلاّ من حلّه، ولا تنفقه إلاّ في وجهه، ولا تؤثر على نفسك من لا يحمدك، فاعمل فيه بطاعة ربّك، ولا تبخل به فتبوء بالحسرة والندامة مع السعة، ولا قوّة إلاّ بالله .

٩ ـوأمّا حقّ غريمك الذي يطالبك : فإن كنت موسراً أعطيته، وإن كنت معسراً لرضيته بحسن القول، ورددته عن نفسك ردّاً لطيفا ً.

١٠ ـوحقّ الخليط : أن لا تغرّه، ولا تغشّه ولا تخدعه، وتتّقي الله تبارك وتعالى في أمره .

١١ ـوحقّ الخصم المدّعي عليك : فإن كان ما يدّعي عليك حقّاً كنتَ شاهده على نفسك ولم تظلمه، وأوفيته حقّه، وإن كان ما يدّعي باطلاً رفقت به، ولم تأت في أمره غير الرفق، ولم تسخط ربّك في أمره، ولا قوّة إلاّ بالله .

١٢ ـوحقّ خصمك الذي تدّعي عليه : إن كنت محقّاً في دعوتك أجملت مقاولته ولم تجحد حقّه، وإن كنت مبطلاً في دعوتك اتّقيت الله عَزَّ وجَلَّ وتبت إليه وتركت الدعوى .

١٧٦

١٣ ـوحقّ المستشير : إن علمت أنّ له رأياً أشرت عليه، وإن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم .

١٤ ـوحقّ المشير عليك : أن لا تتّهمه فيما لا يوافقك من رأيه، فإن وافقك حمدت الله عَزَّ وجَلَّ .

١٥ ـ وحقّ المستنصح : أن تؤدّي إليه النصيحة وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به .

١٦ ـوحقّ الناصح : أن تلين له جناحك، وتصغي إليه بسمعك، فإن أتى الصواب حمدت الله عَزَّ وجَلَّ، وإن لم يوافق رحمته ولم تتّهمه، وعلمت أنّه أخطأ، ولم تؤاخذه بذلك إلاّ أن يكون مستحقّاً للتهمة فلا تعبأ بشيء من أمره على حال، ولا قوّة إلاّ بالله .

١٧ ـوحقّ الكبير : توقيره لسنّه، وإجلاله لتقدّمه في الإسلام قبلك، وترك مقابلته عند الخِصام، ولا تسبقه إلى طريق ولا تتقدّمه، ولا تستجهله، وإن جهل عليك احتملته وأكرمته لحقّ الإسلام وحرمته .

١٨ ـوحقّ الصغير : رحمته في تعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له .

١٩ ـوحقّ السائل : إعطاؤه على قدر حاجته .

٢٠ ـوحقّ المسؤول : إن أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله، وإن منع فاقبل عذره .

٢١ ـوحقّ من سرّك لله تعالى ذكره : أن تحمد الله عَزَّ وجَلَّ أوّلاً ثمّ تشكره .

٢٢ ـوحقّ من أساءك : أن تعفو عنه، وإن علمت أنّ العفو عنه يضرّ انتصرت، قال الله تبارك وتعالى: ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) .

٢٣ ـوحقّ أهل ملّتك : إضمار السلامة والرحمة لهم، والرفق بمسيئهم، وتألّفهم واستصلاحهم، وشكر محسنهم، وكفّ الأذى عنهم، وتحبّ لهم ما تحبّ لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وأن يكون شيوخهم بمنزلة أبيك، وشبّانهم بمنزلة إخوتك، وعجائزهم بمنزلة أمك، والصغار بمنزلة أولادك .

٢٤ ـوحقّ أهل الذمّة : أن تقبل منهم ما قبل الله عَزَّ وجَلَّ، ولا تظلمهم ما وفوا لله عَزَّ وجَلَّ بعهده .

ــــــــــــــ

(١) الشورى (٤٢) : ٤١ .

١٧٧

وقد تصدّى جملة من العلماء (١) والقانونيّين لشرح هذه الرسالة الفريدة وبشتّى اللغات وعلى مختلف المستويات، وإن شئت التفصيل والاستضاءة بأنوارها ـ أكثر ممّا مرّ ـ فراجعها .

الفصل الثالث: في رحاب الصحيفة السجادية

لقد خطّط القرآن الكريم لثورة ثقافية عظيمة، وكانت آياته الأولى تبشّر بحركة كبرى في عالم العلم والمعرفة، حيث ابتدأ الوحي الربّاني بالأمر بالقراءة أمراً مؤكدّاً والإشارة بنعمة التعليم الإلهي والاهتمام بظاهرتي القلم والكتابة في التعليم وتدوين المعرفة ونقلها وتطويرها وتطوير الإنسان من خلال تكامل المعرفة وتطوّر العلوم.

والرسول الأمين وإن عرف عنه بأنّه لم يتعلّم القراءة والكتابة المتعارفة ولكنّه قد حثّ على طلب العلم ونشره وتدوينه بإلهام إلهي، وبالرغم من أنّ الجهاز الحاكم الذي خلف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصدر قراراً بمنع تدوين حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبذلك وجّه ضَربةً كبيرةً للثقافة الإسلامية المتمثّلة في أحاديث الرسول الأعظم، لكنّها قد تدوركت بعد أن خلّفت مضاعفات كبيرةً لا زال العالم الإسلامي والإنساني يدفع ضريبتها حتى يومنا هذا بعد أن لمسوا تلك المضاعفات الكبرى التي ترتّبت على مثل هذا القرار.

وأمّا الأئمّة من أهل البيتعليهم‌السلام حيث كانوا قد أدركوا في وقت مبكّر مضاعفات منع التدوين والنكسة التي سوف يصاب بها العالم الإسلامي بل الإنساني، فبادروا إلى التدوين وشجّعوا أصحابهم على عملية التدوين

بالرغم من أنّه كان ذلك يشكّل تحدّياً للسلطات آنذاك، لأنّ حفظ الشريعة والدفاع عنها يعدّ من أعظم الأهداف التي جُعل الأئمّة المعصومون حُرّاساً لها أمناء عليها.

فالأئمّة الأطهارعليهم‌السلام هم الروّاد الأوائل الذين خطّطوا لمسيرة الأمة الثقافية، وفجّروا لها ينابيع العلم والحكمة على هدي الكتاب الحكيم وتعاليم الرسول العظيم، ولم يقتصر النشاط الثقافي للأئمّةعليهم‌السلام على جانب خاص، وإنّما تناول أنواع العلوم وشتى مجالات المعرفة .

ــــــــــــــ

(١) منهم العلاّمة السيد حسن القبانچي فقد شرحها في جزئين كبيرين باسم : شرح رسالة الحقوق.

١٧٨

فالإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام هو رائد هذه النهضة العلمية والفاتح لأبواب العلوم العقلية والنقلية والمؤسس لاُصولها وقواعدها، وقد اعترف بهذه الحقيقة جملة من العلماء الكبار وألّف السيّد حسن الصدر كتابه (تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام) فأثبت فيه تأريخياً صحة هذه الدعوى .

وممّن اعترف بذلك الأستاذ عباس محمود العقّاد في كتابه (عبقرية الإمام عليّ) قائلاً : إنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قد فتق أبواب اثنين وثلاثين علماً ، فوضع قواعدها وأسس أصولها.

وقال العلاّمة ابن شهر آشوب في كتابه (معالم العلماء): الصحيح أنّ أوّل من صنّف الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ثمّ سلمان ثمّ أبو ذر ثمّ الأصبغ بن نباتة ثمّ عبيد الله بن أبي رافع ، ثمّ صنّفت الصحيفة الكاملة .

فالصحيفة السجّادية من ذخائر التراث الإسلامي ومن مناجم كتب البلاغة والتربية والأخلاق والأدب في الإسلام، ومن هنا سمّيت بـ (إنجيل أهل البيت)و (زبور آل محمد)(١).

مميزات الصحيفة السجّاديّة :

١ ـ إنّها تمثّل التجرّد التام من عالم المادّة والانقطاع الكامل إلى الله تعالى والاعتصام به، والذي هو أثمن ما في الحياة.

٢ ـ إنّها تكشف عن كمال معرفة الإمامعليه‌السلام بالله تعالى وعميق إيمانه به .

٣ ـ امتازت الصحيفة السجادية على سائر أدعية المعصومينعليهم‌السلام بتكرار الصلاة على محمّد وآل محمد لأنّه من الأرجح أن هذه الأدعية اُنشئت في أعقاب واقعة كربلاء التي كان منشؤها يزيد الذي كان هو وأبوه وجدّه ومن ورائهم بنو اُمية يسعون في إطفاء النور المحمّديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والأرجح ان الإمام كان يريد من خلال هذه الأدعية تكريس مبادئ الإسلام وترسيخها في النفوس في مواجهة المساعي الأموية الهدّامة.

ــــــــــــــ

(١) حياة الإمام زين العابدين عليه‌السلام : ٣٧٣ ـ ٣٧٤ .

١٧٩

٤ ـ فتحت الصحيفة للإنسان المسلم أبواب الأمل والرجاء برحمة الله الواسعة.

٥ ـ كما فتحت للمناظرات البديعة مع الله تعالى باباً مهمّاً يتضمّن أنواع الحجج البالغة لاستجلاب عفو الله وغفرانه، مثل قولهعليه‌السلام :(إلهي إن كنتَ لا تغفر إلاّ لأوليائك وأهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون ؟ ! وإن كنتَ لا تُكرِم إلاّ أهل الوفاء لك فبمن يستغيث المُسيئون ؟ !) .

وهكذا قوله:(إلهي إنّي امرؤ حقير وخطري يسير وليس عذابي ممّا يزيد في ملكك مثقال ذرّة ...) .

٦ ـ تضمّنت الصحيفة برامج أخلاقية روحية وسلوكية مهمّة لتربية الإنسان، ورسمت له أُصول الفضائل النفسية والكمالات المعنويّة.

٧ ـ احتوت على حقائق علمية لم تكن معروفةً في عصره وقد أشرنا إلى بعض منها(١) .

٨ ـ كما تصدّت الصحيفة لمواجهة الفساد الفردي والاجتماعي والسياسي في عصر أشاعت فيه السياسة الأموية الفساد الأخلاقي والخلاعة والمجون بين المسلمين، فكانت الصحيفة خير وسيلة للإصلاح في أحلك الظروف التي اتّبع فيها الأمويون سياسة القمع والإرهاب.

٩ ـ والصحيفة بعد هذا هي منجم من مناجم البلاغة والفصاحة وينبوع ثرّ للأدب الإسلامي الهادف، فهي لا تفترق عن (نهج البلاغة) في هذا المضمار.

١٠ ـ وقد ضمّن الإمام زين العابدينعليه‌السلام أدعيته ـ التي تمثّلت في الصحيفة الكاملة وسائر الأدعية التي وصلت عنه وجُمعت مؤخّراً في ما سمّي بـ (الصحيفة الجامعة) ـ منهاجاً كاملاً للحياة الإنسانية الفريدة ، ولم يترك الإمام جانباً ممّا تحتاجه الأمة الإسلامية إلاّ وتعرّض له وعالجه بأسلوبه الفذّ وبلاغته البديعة.

الدور التأريخي للصحيفة السجادية :

قلنا: إنّ المسلمين في عصر الإمام زين العابدينعليه‌السلام واجهوا (خطرين كبيرين خارج النطاق السياسي والعسكري، وكان لا بدّ من البدء بعمل حاسم للوقوف في وجههما :

أحدهما : الخطر الذي نجم عن انفتاح المسلمين على ثقافات متنوّعة

ــــــــــــــ

(١) راجع فصل: من علوم الإمامعليه‌السلام ، حقائق علميّة في الأدعيّة السجادية.

١٨٠