اعلام الهداية محمد المصطفى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)

اعلام الهداية محمد المصطفى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)0%

اعلام الهداية محمد المصطفى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 215

اعلام الهداية محمد المصطفى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 215
المشاهدات: 115448
تحميل: 8897

توضيحات:

اعلام الهداية محمد المصطفى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 215 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 115448 / تحميل: 8897
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية محمد المصطفى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)

اعلام الهداية محمد المصطفى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نعم ، لم يهدأ عمر حتى قدم أبو بكر من السنح ودخل إلى بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكشف عن وجه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخرج مسرعاً وقال: أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت وتلا قوله تعالى:( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) وهنا هدأت فورة عمر وزعم أنه لم يلتفت إلى وجود مثل هذه الآية في القرآن الكريم(١) .

وأسرع أبو بكر وعمر بن الخطاب مع بعض أصحابهما إلى سقيفة بني ساعدة بعد أن عرفا أنّ اجتماعاً طارئاً قد حصل في السقيفة فيما يخصّ الخلافة بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . متناسين نصبُ عليّ بن أبي طالب وكذا بيعتهم إيّاه بالخلافة وغير مدركين أنّ تصرفهم هذا يعدّ استخفافاً بحرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجسده المسجّى.

وأمّا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وأهل بيته فقد انشغلوا بتجهيز الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفنه فقد غسّله عليّ من دون أن ينزع قميصه وأعانه على ذلك العباس بن عبد المطلب ابنه والفضل وكان يقول:بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيّاً وميّتاً (٢) .

ثم وضعوا جسد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على سرير وقال علي عليه‌السلام : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمامنا حياً وميتاً فليدخل عليه فوج بعد فوج فيصلّون عليه بغير إمام وينصرفون . وأوّل من صلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي عليه‌السلام وبنو هاشم ثم صلّت الأنصار من بعدهم (٣) .

ــــــــــــ

(١) الطبقات الكبرى: ٢ / القسم الثاني: ٥٣ ـ ٥٦.

(٢) السيرة النبوية لابن كثير: ٤ / ٥١٨.

(٣) الإرشاد : ١ / ١٨٧ واعيان الشيعة : ١ / ٢٩٥ .

١٨١

ووقف عليعليه‌السلام بحيال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول:سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم إنّا نشهد أن قد بلّغ ما اُنزل إليه ونصح لأُمته وجاهد في سبيل الله حتى أعزّ الله دينه وتمّت كلمته، اللهم فاجعلنا ممن يتّبع ما أنزل الله إليه وثبّتنا بعده واجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين، حتى صلّى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان(١) .

وحفر قبر للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحجرة التي توفي فيها. وحين أراد عليعليه‌السلام أن ينزله في القبر نادت الأنصار من خلف الجدار: يا علي نذكرك الله وحقّنا اليوم من رسول الله أن يذهب، أدخل منا رجلاً يكون لنا به حظّ من مواراة رسول الله. فقالعليه‌السلام :ليدخل أوس بن خولي ، وكان بدرياً فاضلاً من بني عوف.

ونزل عليّعليه‌السلام إلى القبر فكشف عن وجه رسول الله ووضع خدّه على التراب، ثم أهال عليه التراب.

ولم يحضر دفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصلاة عليه أحد من الصحابة الذين ذهبوا إلى السقيفة.

فسلامٌ عليك يا رسول الله يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حياً.

ــــــــــــ

(١) الطبقات الكبرى : ٢ / ٢٩١ .

١٨٢

الفصل الخامس: من معالم الرسالة الإسلامية الخاتمة

١ ـ بماذا بعث النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ؟

بعث الله تعالى نبيّه محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حين فترة من الرسل خاتماً للنبيين وناسخاً لشرائع من كان قبله من المرسلين إلى الناس كافة أسودهم وأبيضهم عربيهم وعجميهم وقد ملئت الأرض من مشرقها إلى مغربها بالخرافات والسخافات والبدع والقبائح وعبادة الأوثان.

فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجه العالم كافة ودعا إلى الإيمان بإله واحد خالق رازق مالك لكل أمر، بيده النفع والضر، لم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل ولم يتخذ صاحبة، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.

بعثه آمراً بعبادته وحده لا شريك له مبطلاً عبادة الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع ولا تعقل ولا تسمع ولا تدفع عن أنفسها ولا عن غيرها ضراً ولا ضيماً، متمماً لمكارم الأخلاق حاثاً على محاسن الصفات آمراً بكل حسن ناهياً عن كل قبيح.

٢ ـ سهولة الشريعة الإسلامية وسماحتها

واكتفى من الناس بأن يقولوا لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويصوموا شهر رمضان ويحجوا البيت ويلتزموا بأحكام الإسلام. وكان قول هاتين الكلمتين ( لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله ) يكفي لأن يكون لقائله ما للمسلمين وعليه ما عليهم .

٣ ـ سمو التعاليم الإسلامية

وبعث بالمساواة في الحقوق بين جميع الخلق، وأنّ أحداً ليس خيراً من أحد إلا بالتقوى. وبالإخوة بين جميع المؤمنين وبالكفاءة بينهم: تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وبالعفو العام عمن دخل في الإسلام.

وسنّ شريعة باهرة وقانوناً عادلاً تلقّاه عن الله تعالى فكان هذا القانون جامعاً لأحكام عباداتهم ومعاملاتهم وما يحتاجونه في معاشهم ومعادهم وكان عبادياً اجتماعياً سياسياً أخلاقياً لا يشذّ عنه شيء مما يمكن وقوعه في حياة البشر مستقبلاً ويحتاج إليه بنو آدم، فما من واقعة تقع ولا حادثة تحدث إلاّ ولها فى الشريعة الإسلامية أصل مسلّم عند المسلمين ترجع إليه .

ــــــــــــ

(١) تجد هذا البحث في سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للسيد محسن الأمين العاملي في كتابه أعيان الشيعة.

١٨٣

على أن العبادات في الدين الإسلامي لا تتمحض لمجرد العبادة ففيها منافع بدنية واجتماعية وسياسية فالطهارة تفيد النظافة، وفي الصلاة رياضة روحية وبدنية، وفي صلاة الجماعة والحج فوائد اجتماعية وسياسية ظاهرة، وفي الصوم فوائد صحية لا تنكر، والإحاطة بفوائد الأحكام الإسلامية الظاهرة فضلاً عن الخفية أمر متعذّر أو عسير.

ولما في هذا الدين من محاسن وموافقة أحكامه للعقول وسهولتها وسماحتها ورفع الحرج فيه والاكتفاء بإظهار الشهادتين ولما في تعاليمه من السمو والحزم والجد دخل الناس فيه أفواجاً وساد أهله على أعظم ممالك الأرض واخترق نوره شرق الأرض وغربها ودخل جميع أقاليمها وأقطارها تحت لوائه ودانت به الأمم على اختلاف عناصرها ولغاتها.

ولم يمض زمن قليل حتى أصبح ذلك الرجل الذي خرج من مكة مستخفياً وأصحابه يعذّبون ويستذلون ويفتنون عن دينهم ، يعتصمون تارة بالخروج إلى الحبشة مستخفين واُخرى بالخروج إلى المدينة متسللين، يدخل مكة بأصحابه هؤلاء في عمرة القضاء ظاهراً لا يستطيعون دفعه ولا منعه ولم تمض إلاّ مدة قليلة حتى دخل مكة فاتحاً لها وسيطر على أهلها من دون أن تراق محجمة دم بل ولا قطرة دم فدخلوا في الإسلام طوعاً وكرهاً وتوافدت عليه رؤساء العرب ملقيةً إليه عنان طاعتها وكان من قبل هذا الفتح بلغ من القوة أن بعث برسله وسفرائه إلى ملوك الأرض مثل كسرى وقيصر ومن دونهما ودعاهم إلى الإسلام وغزا بلاد قيصر مع بُعد الشقة وظهر دينه على الدين كله كما وعده ربه حسبما صرّح تعالى بذلك في سورة النصر، والفتح وغيرهما وكما تخبرنا بذلك كتب التاريخ.

ولم يقم هذا الدين بالسيف والقهر كما يصوّره من يريد الوقيعة فيه بل كما أمر الله تعالى: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (١) . ولم يحارب أهل مكة وسائر العرب حتى حاربوه وأرادوا قتله وأخرجوه، وأقر أهل الأديان التي نزلت بها الكتب السماوية على أديانهم ولم يجبرهم على الدخول في الإسلام .

ــــــــــــ

(١) النحل (١٦): ١٢٥ .

١٨٤

٤ ـ القرآن الكريم

وانزل الله تعالى على نبيّه حين بعثه بالنبوّة قرآناً عربيّاً مبيّناً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد أعجز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به البلغاء وأخرس الفصحاء وتحدّاهم فيه فلم يستطيعوا معارضته وهم أفصح العرب بل واليهم تنتهي الفصاحة والبلاغة، وقد حوى هذا الكتاب العزيز المنزل من لدن حكيم عليم من أحكام الدين وأخبار الماضين وتهذيب الأخلاق والأمر بالعدل والنهي عن الظلم وتبيان كل شيء ما جعله يختلف عن كل الكتب حتّى المنزّلة منها وهو ما يزال يتلى على كر الدهور ومر الأيام وهو غض طري يحيّر ببيانه العقول ولا تملّه الطباع مهما تكررت تلاوته وتقادم عهده.

وقد كان القرآن الكريم معجزة فيما أبدع من ثورة علمية وثقافية في ظلمات الجاهلية الجهلاء وقد أرسى قواعد نهضته على منهج علمي قويم ، فحثّ على العلم وجعله العامل الأوّل لتسامي الإنسان نحو الكمال اللائق به وحثّ على التفكير والتعقّل والتجربة والبحث عن ظواهر الطبيعة والتعمق فيها لاكتشاف قوانينها وسننها وأوجب تعلّم كل علم تتوقف عليه الحياة الاجتماعية للإنسان واهتم بالعلوم النظرية من كلام وفلسفة وتاريخ وفقه وأخلاق، ونهى عن التقليد واتباع الظن وأرسى قواعد التمسك بالبرهان .

وحثّ القرآن على السعي والجد والتسابق في الخيرات ونهى عن البطالة والكسل ودعا إلى الوحدة ونبذ الفرقة وشجب العنصرية والتعصبات القبلية الجاهلية .

وأقرّ الإسلام العدل كأساس في الخلق والتكوين والتشريع والمسؤولية وفي الجزاء والمكافأة ، وهو أوّل من نادى بحق المساواة بين أبناء الإنسان أمام قانون الله وشريعته وأدان الطبقية والتمييز العنصري وجعل ملاك التفاضل عند الله أمراً معنويّاً هو التقوى والاستباق إلى الخيرات، من دون أن يجعل هذا التفاضل سبباً للتمايز الطبقي بين أبناء المجتمع البشري .

وبالغ الإسلام في حفظ الأمن والمحافظة على الأموال والدماء والأعراض وفرض العقوبات الشديدة على سلب الأمن بعد أن شيّد الأرضية اللازمة لاستقرار الأمن والعدل وجعل العقوبة آخر دواء لعلاج هذه الأمراض الاجتماعية بنحو ينسجم مع الحرية التي شرّعها للإنسان ومن هنا كان القضاء في الشريعة الإسلامية مرتكزاً على إقرار العدل والأمن وإحقاق الحقوق المشروعة مع كل الضمانات اللازمة لذلك .

١٨٥

واعتنى الإسلام بحفظ الصحة والسلامة البدنية والنفسية غاية الاعتناء وجعل تشريعاته كلها منسجمة مع هذا الأصل المهم في الحياة .

٥ ـ الواجبات والمحرمات في الشريعة الإسلامية :

وترتكز الواجبات والمحرّمات في الشريعة الإسلامية على أسس فطرية واقعية وأمور تستلزمها طبيعة الأهداف السامية للشريعة التي جاءت لإخراج هذا الإنسان من ظلمات الجاهلية وهدايته إلى نور الحق والكمال ، ولا تحتاج الإنسانية إلى شيء يرتكز عليه الكمال البشري إلاّ وأوجبته الشريعة الإسلامية على الإنسان وهيّأت له سبل الوصول إليه ، وحرّمت كل شيء يعيق الإنسان عن السعادة الحقيقية المنشودة له وسدّت كل منافذ السقوط إلى هوّة الشقاء .

وأباحت الطيبات ولذائذ الحياة الدنيا وزينتها ممّا لا يخلّ بأصول الشريعة ومدارج الكمال البشري وحدّدت قنواتها حين حدّدت الأهداف السامية وحرّمت ما يضرّ وأوجبت ما ينبغي للإنسان امتثاله .

ومع ذلك كله فقد اعتبرت الشريعة مكارم الأخلاق أهدافاً أساسيّة ينبغي للإنسان الذكي اللبيب أن يحصل عليها في هذه الحياة الدنيا ليسعد بها في الدنيا ويحيا بها في الآخرة ذات الحياة الأبدية الدائمة.

واعتنى الإسلام بالمرأة اعتناءً بالغاً وجعلها ركن العائلة وأساس السعادة في الحياة الزوجية وشرّع لها من الحقوق والواجبات ما يضمن لها عزّتها وكرامتها وتحقيق سعادتها وسعادة أبنائها ومجتمعها الإنساني .

وصفوة القول أنّ الإسلام لم يغفل عن تشريع كل ما يحتاجه المجتمع البشري في تكامله وارتقائه.

١٨٦

الفصل السادس: تراث خاتم المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال تعالى :( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) (١) .

لقد تجلت لنا ـ من خلال دراسة التاريخ الإسلامي ـ الثمار العظيمة لهذه البعثة الإلهية لخاتم النبيين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث أسفرت نبوته عن:

١ ـ رسالة إلهية شاملة قام بتبليغها إلى البشرية عامّة.

٢ ـ اُمّة مسلمة تحمل مشعل الرسالة وعبير النبوة إلى سائر الأُمم.

٣ ـ ودولة إسلامية ذات كيان سياسي مستقل ونظام إلهي فريد.

٤ ـ وقيادة معصومة تخلف الرسول القائد وتمثّله خير تمثيل.

وإذا قصرنا النظر على التراث المسموع أو المكتوب والمدوّن وكان تعريفنا لتراث الرسول الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه: كل ما قدّمه إلى البشرية والأمة الإسلامية من عطاء مقروء أو مسموع، فينبغي لنا أن نصنّف ما قدّمه إليهم إلى :

١ ـ القرآن الكريم .

٢ ـ السنّة الشريفة.

ويشترك العطاءان بأنهما من فيض السماء على الإنسان بتوسط هذا الرسول الكريم. فهما وحي الله على قلب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي لم ينطق عن الهوى.

ويتميّز القرآن الحكيم أولاً بأن شكله ومحتواه (نصّه ومضمونه) معاً من الله تعالى، فالصياغة إلهية معجزة كما أنّ مضمونه كذلك. على أن جمعه وتدوينه ـ كما هو الصحيح والثابت تأريخياً ـ قد تمّ في عصر الرسول نفسه وقد تواتر إلينا نصّه بشكل كامل غير محرّف.

والوثائق التاريخية الدالّة على تدوين النص القرآني في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير قليلة، نكتفي بنص قرآني وآخر غير قرآني على ذلك.

ــــــــــــ

(١) الجمعة (٦٢): ٢ .

١٨٧

فالأول: قوله تعالى: ( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) (١) .

والثاني: ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام حيث قال:(... ما نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملاها عليّ فكتبتها بخطّي وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصّها وعامّها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت من كتاب الله ولا علماً أملاه عليّ وكتبته منذ دعا لي بما دعا) (٢) .

والمسلمون جميعاً متفقون على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلّغ القرآن كاملاً، وأن القرآن المتداول اليوم بين المسلمين هو الذي كان متداولاً في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يُزَد فيه شيء ولم ينقص منه شيء.

وأمّا السنة الشريفة والحديث النبوي، فهو بشريّ الصياغة إلهيّ المضمون، ويتميّز بالفصاحة الكاملة وتتجلى فيه عظمة الرسول وكماله وعصمته والتسديد الإلهي له.

ــــــــــــ

(١) الفرقان (٢٥): ٥ .

(٢) الكافي : ١ / ٦٢ ـ ٦٣ كتاب فضل العلم ، باب اختلاف الحديث.

١٨٨

ومن هنا كان القرآن الكريم هو المصدر الأوّل للتشريع والينبوع الأساسي للمعرفة التي تحتاجها البشرية على مدى الحياة. قال تعالى: ( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) (١) .

واعتبر القرآن الكريم السُنّة الشريفة ثاني مصدر للتشريع الربّاني حيث اعتبرت سنّة النبي الكريم مصدراً تشريعياً تالياً للقرآن باعتبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مفسّراً للذكر الحكيم وأسوة حسنة يُقتدى بها، وعلى الناس أن يأخذوا بأوامره وينتهوا عن نواهيه(٢) .

ولكن السنّة النبوية ـ وللأسف ـ لقيت بعد عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالذات عصر الخلفاء الأوائل وضعاً سيئاً حيث أقدم أبو بكر وعمر على منع تدوين حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقاما بحرق ما دوّنه بعض الصحابة بحجة أن ذلك النهي جاء منهما ـ ومن عمر بالذات ـ حرصاً منهما على القرآن الكريم لأن تدوين السنّة والاهتمام بها يؤدي بالتدريج إلى الغفلة عن القرآن أو إلى ضياع القرآن من حيث التباسه بالحديث .

ولكن أهل البيت وأتباعهم وكثير من المسلمين قد تعاملوا مع سنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التعامل اللائق بها من الاحترام والتقديس مستلهمين ذلك من القرآن الكريم، ومن هنا أخذوا يتداولونها حفظاً وتحديثاً وتدويناً وتطبيقاً بالرغم من الحظر الرسمي للتدوين. الذي كان لسبب آخر ـ كما يبدوـ غير ما ذكر من الأسباب. حيث خالف العلماء والخلفاء فيما بعد ذلك الحظر وراحوا يحثّون على التدوين.

ــــــــــــ

(١) البقرة (٢): ١٢٠ .

(٢) النحل (١٦): ٤٤ ، والأحزاب (٣٣): ٢١ والحشر (٥٩): ٧ .

١٨٩

وأول من بادر إلى تدوين السنة الشريفة واعتنى بها أشدّ الاعتناء هو ربيب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّه الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام . قال:(وقد كنت أدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة فيخليني فيها، أدور معه حيثما دار. وقد علم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري... وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكتّ وفنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها عليّ فكتبتها بخطّي وعلّمني تأويلها وتفسيرها... وما ترك شيئاً علّمه الله من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي كان أو يكون منزلاً على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علّمنيه وحفظته فلم أنس حرفاً واحداً...) (١) .

وتمثّلت مدوّنات الامام عليّعليه‌السلام مما أملاه عليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ما يسمّى بكتاب علي وما يسمّى بالجامعة أو الصحيفة.

قال أبو العباس النجاشي المتوفى سنة ( ٤٥٠ هـ ) : أخبرنا محمد بن جعفر (النحوي التميمي وهو شيخه في الإجازة) مسنداً إلى عذافر الصيرفي قال: كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفرعليه‌السلام فجعل يسأله وكان أبو جعفر عليه‌السلام له مكرّماً فاختلفا في شيء، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : يا بني قم فاخرج كتاب علي عليه‌السلام ، فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً، ففتحه وجعل ينظر حتى أخرج المسألة فقال أبو جعفر عليه‌السلام : هذا خط علي عليه‌السلام وإملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقبل على الحكم وقال: يا أبا محمد، اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرائيل عليه‌السلام (٢) .

ــــــــــــ

(١) بصائر الدرجات : ١٩٨ والكافي: ١ / ٦٢ ـ ٦٣ .

(٢) تاريخ التشريع الإسلامي: ٣١ .

١٩٠

وعن إبراهيم بن هاشم مسنداً إلى أبي جعفرعليه‌السلام :في كتاب علي كل شيء يحتاج إليه حتى أرش الخدش (١) .

وأما صحيفة عليّعليه‌السلام أو الجامعة فهي مدوّنة أخرى لعليعليه‌السلام على جلد طوله سبعون ذراعاً فعن أبي بصير: أنه قال له الإمام الصادقعليه‌السلام فيما قال له:وأن عندنا الجامعة، صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإملائه من فلق فيه وخط علي عليه‌السلام بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش (٢) .

هذا هو موقف أهل البيتعليهم‌السلام من السنّة الشريفة .

وأما الموقف الحكومي الرسمي في خلافة الشيخين فقد ترك آثاراً سلبية كبيرة حيث استمرّ هذا الحظر إلى ما لا يقلّ عن قرن واحد وأدّى إلى ضياع كثير منها، وفتح الباب أمام تسرّب الإسرائيليات إلى مصادر الثقافة عند المسلمين، كما وأنتج انفتاح باب الرأي والاستحسان على مصراعيه حتى غدا الرأي مصدراً من مصادر التشريع بل قد قدّمه البعض حتى على نصوص السنّة النبوية الشريفة; إذ لم يصمد كثير من النصوص أمام النقد العلمي. وهذا قد أدّى بدوره إلى شحّة النصوص النبوية الصحيحة عند أهل السنّة وعدم وفائها بما تحتاجه الأمة في عصورها المقبلة.

ولكن أهل البيتعليهم‌السلام قد وقفوا أمام هذا التيّار الجارف بكل حزم واستطاعوا أن يحفظوا السنّة الشريفة من الضياع عند المؤمنين من خلال توجيهاتهم وحسب ما تقتضيه إمامتهم وخلافتهم الشرعية فإنّ أولى مهامّ الإمام والخليفة المنصوص هو حفظ الشريعة ونصوصها من الضياع.

ــــــــــــ

(١) تاريخ التشريع الإسلامي : ٣٢ .

(٢) المصدر السابق : ٣٣ .

١٩١

ومن هنا لزم على الباحث عن السنّة النبوية الرجوع إلى مصادر السنّة عند أهل البيتعليهم‌السلام وأتباعهم فإنهم أدرى بما في البيت.

والسنة الشريفة عند أهل البيتعليهم‌السلام تغطّي جميع أبواب العقيدة والفقه والأخلاق والتربية وكل ما تحتاجه البشرية في كل مجالات الحياة.

وقد صرّح الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام حفيد الرسول الأعظم بهذه الحقيقة فقال: (ما من شيء إلاّ وفيه كتاب أو سُنّةٌ ) (١) .

ــــــــــــ

(١) الكافي : ١ / ٤٨ .

١٩٢

نماذج من تراث سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١ ـ العقل والعلم :

١ ـ لقد اهتم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعقل أشدّ الاهتمام، فعرّفه وبيّن وظيفته ودوره في الحياة: على مستوى التكليف والمسؤولية، وعلى مستوى العمل والجزاء، كما بيّن عوامل رشده وتكامله، فقال:

(إن العقل عقالٌ من الجهل، والنفس مثل أخبث الدوّاب، فإن لم يعقل حارت، فالعقل عقالٌ من الجهل، وإن الله خلق العقل، فقال له: أقبل فأقبل، وقال له: أدبر فأدبر، فقال له الله تبارك وتعالى: وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أعظم منك ولا أطوع منك، بك أُبدي وأعيد، لك الثواب وعليك العقاب.

فتشعّب من العقل الحلم، ومن الحلم العلم، ومن العلم الرشد، ومن الرشد العفاف، ومن العفاف الصيّانة، ومن الصيّانة الحياء، ومن الحياء الرزانة، ومن الرزانة المداومة على الخير، وكراهية الشر، ومن كراهية الشرّ طاعة الناصح.

فهذه عشرة أصناف من أنواع الخير، ولكل واحد من هذه العشرة الأصناف عشرة أنواع...) (١) .

٢ ـ واهتم الرسول الرائدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعلم والمعرفة، مبيّناً دور العلم في الحياة وقيمته اذا ما قيس إلى سائر أنواع الكمال، فقال:

(طلب العلم فريضة على كل مسلم، فاطلبوا العلم من مظانِّه، واقتبسوه من أهله، فإنّ

ــــــــــــ

(١) راجع تمام الحديث في تحف العقول، باب مواعظ النبي وحكمه. وروي أنّ شمعون بن لاوي المسيحي دخل على رسول الله وناقشه طويلا ثم اعتنق الإسلام فقال: أخبرني عن العقل ما هو؟ وكيف هو؟ وما يتشعب منه وما لا يتشعب، وصفه وصف لي طوائفه كلها، فقال الرسول: إن العقل عقال من الجهل ...راجع أيضاً كلمة الرسول الأعظم: ٩١.

١٩٣

تعليمه لله حسنة، وطلبه عبادة، والمذاكرة به تسبيح، والعمل به جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة إلى الله تعالى; لأنّه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل الجنّة، والمؤنس في الوحشة، والصاحب في الغربة والوحدة، والمحدِّث في الخلوة، والدليل على السّرَّاء والضرَّاء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاّء. يرفع الله به أقواماً، فيجعلهم في الخير قادة، تُقتبس آثارهم، ويُهتدى بفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، وترغب الملائكة في خلّتهم. بأجنحتها تمسحهم ، وفي صلاتها تبارك عليهم. يستغفر لهم كل رطب ويابس، حتى حيتان البحر وهوامّه، وسباع البر وأنعامه. إن العلم حياة القلوب من الجهل، وضياء الأبصار من الظُّلمة، وقوة الأبدان من الضعف. يبلغ بالعبد منازل الأخيار، ومجالس الأبرار، والدرجات العُلى في الدنيا والآخرة. الذكر فيه يُعدَل بالصيام، ومدارسته بالقيام. به يطاع الرب، وبه توصل الأرحام، وبه يُعرف الحلال والحرام. العلم إمام العمل والعمل تابعه. يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء، فطوبى لمن لم يحرمه الله منه حظّه.

وصفة العاقل أن يحلم عمّن جهل عليه، ويتجاوز عمّن ظلمه، ويتواضع لمن هو دونه، ويسابق من فوقه في طلب البر. وإذا أراد أن يتكلم تدبّر، فإن كان خيراً تكلم فغنم، وإن كان شرّاً سكت فسلم، وإذا عرضت له فتنة استعصم بالله، وأمسك يده ولسانه، وإذا رأى فضيلة انتهز بها. لا يفارقه الحياء، ولا يبدو منه الحرص، فتلك عشر خصال يُعرف بها العاقل.

وصفة الجاهل أن يظلم من خالطه، ويتعدّى على من هو دونه، ويتطاول على من هو فوقه. كلامه بغير تدبّر، إن تكلّم أثم، وإن سكت سها، وإن عرضت له فتنة سارع إليها فأردته، وإن رأى فضيلة أعرض عنها وأبطأ عنها. لا يخاف ذنوبه القديمة، ولا يرتدع فيما بقي من عمره من الذنوب. يتوانى عن البرّ ويبطئ عنه، غير مكترث لما فاته من ذلك أو ضيّعه، فتلك

١٩٤

عشر خصال من صفة الجاهل الذي حُرِم العقل(١) .

٢ ـ مصادر التشريع :

٣ ـ لقد رسم خاتم الرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للناس جميعاً طريق السعادة الحقيقية وضمن لهم الوصول اليها فيما اذا التزموا بالتعليمات التي بيّنها لهم. ويتلخّص طريق السعادة عند الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتمسك بأصلين أساسيين لا غنى بأحدهما عن الآخر وهما الثقلان، حيث قال:

(أيّها النّاس! إنّي فرطكم، وانتم واردون عليّ الحوض، ألا وإنّي سائلكم عن الثقلين، فانظروا: كيف تخلّفوني فيهما؟ فإن اللّطيف الخبير نبّأني: أنّهما لن يفترقا حتى يلقياني، وسألت ربي ذلك فأعطانيه، ألا وإنّي قد تركتهما فيكم: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لا تسبقوهم فتفرَّقوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم، فإنهم أعلم منكم.

أّيها الناس! لا ألفينّكم بعدي كفّاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجرّ السيل الجرّار. ألا وإن علي بن أبي طالب أخي ووصيّي، يقاتل بعدي على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله) (٢) .

القرآن ودوره المتميّز :

٤ ـ وأفصح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبليغ بيانه عن عظمة القرآن الكريم مبيّناً دوره في الحياة وقيمة التمسك التامّ به حيث خاطب عامّة البشرية قائلاً:

(أيّها الناس! إنكم في دار هدنة، وأنتم على ظهر سفر، والسير بكم سريع، فقد رأيتم الليل والنهار، والشمس والقمر، يبليان كل جديد، ويقرِّبان كلّ بعيد، ويأتيان بكل وعد

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ١ / ١٧١ طبعة مؤسسة الوفاء، وراجع تحف العقول : ٢٨ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

(٢) أعيان الشيعة : ٢ / ٢٢٦ ، تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ .

١٩٥

ووعيد، فأعدّوا الجهاز لبعد المجاز. إنّها دار بلاء وابتلاء، وانقطاع وفناء، فإذا التبست عليكم الاُمور كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنّه شافع مشفّع، وماحل مصدّق. من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النّار، ومن جعله الدليل يدلّه على السبيل. وهو كتاب فيه تفصيل، وبيان وتحصيل. هو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم الله، وباطنه علم الله تعالى، فظاهره أنيق، وباطنه عميق، له تخوم، وعلى تخومه تخوم، لا تحصى عجائبه، ولا تبلى غرائبه، مصابيح الهدى، ومنار الحكمة، ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة، فليُجِلْ جال بصره، وليبلغ الصفة نظره، ينج من عطب، ويتخلّص من نشب; فإن التفكّر حياة قلب البصر، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنّور، فعليكم بحسن التخلّص، وقلة التربص) (١) .

أهل البيت عليهم‌السلام أركان الدين

٥ ـ وعرّف الرسول الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثقل الكبير ـ أي أهل بيت الرسالة: عليٌ وبنوه الأحد عشر ـ بأنواع التعريف، وكان مما قاله في آخر خطبة خطبها:

(يا معشر المهاجرين والأنصار! ومن حضرني في يومي هذا، وفي ساعتي هذه، من الجنّ والإنس فليبلغ شاهدكم الغائب: ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله. فيه النّور، والهدى، والبيان، ما فرّط الله فيه من شيء، حجة الله لي عليكم. وخلّفت فيكم العلم الأكبر، علم الدين، ونور الهدى، وصيّي: علي بن أبي طالب، ألا وهو حبل الله، فاعتصموا به جميعاً، ولا تفرقوا عنه، ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ) ) (٢) .

أيّها الناس! هذا عليّ بن أبي طالب، كنز الله، اليوم وما بعد اليوم، من أحبّه وتولاّه اليوم وما بعد اليوم، فقد أوفى بما عاهد عليه، وأدَّى ما وجب عليه، ومن عاداه اليوم وما بعد اليوم، جاء يوم القيامة أعمى وأصمّ، لا حجّة له عند الله.

ــــــــــــ

(١) تفسير العياشي : ١/ ٢ ـ ٣ ، كنز العمّال : ٢/٢٨٨ ، الحديث ٤٠٢٧.

(٢) آل عمران (٣): ١٠٣ .

١٩٦

أيّها الناس! لا تأتوني غداً بالدنيا، تزفّونها زفّاً، ويأتي أهل بيتي شعثاء غبراء، مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم أمامكم، وبيعات الضلالة والشورى للجهالة في رقابكم.ألا وإن هذا الأمر له أصحاب وآيات، قد سمّاهم الله في كتابه، وعرّفتكم، وبلّغتكم ما أرسلت به إليكم، ولكنّي أراكم قوماً تجهلون. لا ترجعنّ بعدي كفّاراً مرتدّين، متأوّلين للكتاب على غير معرفة، وتبتدعون السّنّة بالهوى; لأنّ كل سنّة وحديث وكلام خالف القرآن فهو ردّ وباطل.

القرآن إمام هدى، وله قائد يهدي إليه، ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة. وهو وليّ الأمر بعدي، ووارث علمي وحكمتي، وسرّي وعلانيتي، وما ورّثه النبيّون من قبلي، وأنا وارث ومورث، فلا يكذبنّكم أنفسكم.

أيّها الناس! الله الله في أهل بيتي; فإنّهم أركان الدين، ومصابيح الظلم، ومعدن العلم; عليّ أخي، ووارثي، ووزيري، وأميني، والقائم بأمري، والموفي بعهدي على سنّتي. أوّل النّاس بي إيماناً، وآخرهم عهداً عند الموت، وأوسطهم لي لقاءاً يوم القيامة، فليبلّغ شاهدكم غائبكم ألا ومن أمّ قوماً إمامة عمياء، وفي الأمة من هو أعلم، فقد كفر.

أيّها النّاس! ومن كانت له قبلي تبعةٌ فيما أنا، ومن كانت له عدة، فليأت فيها عليّ بن أبي طالب، فإنّه ضامن لذلك كلّه، حتى لا يبقى لأحد عليّ تباعة) (١) .

ــــــــــــ

(١) آخر خطبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . راجع بحار الأنوار : ٢٢/٤٨٤ ـ ٤٨٧.

١٩٧

٣ ـ أصول العقيدة الإسلامية

الخالق لا يوصف:

(إنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، وكيف يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحدّه، والأبصار عن الإحاطة به ؟ جلّ عمّا يصفه الواصفون، ناء في قربه، وقريب في نأيه، كيّف الكيفيَّة فلا يقال له كيف؟ وأيَّن الأين فلا يقال له أين؟ هو منقطع الكيفوفيَّة والأينونيَّة، فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) (١).

شروط التوحيد :

(إذا قال العبد: (لا إله إلاّ الله) فينبغي أن يكون معه تصديق وتعظيم، وحلاوة وحرمة، فإذا قال: (لا إله إلاّ الله) ولم يكن معه تعظيم، فهو مبتدع. وإذا لم يكن معه حلاوة فهو مراء. وإذا لم يكن معه حرمة فهو فاسق) (٢) .

رحمة الله :

(إن رجلين كانا في بني إسرائيل، أحدهما مجتهد في العبادة والآخر مذنب، فجعل يقول المجتهد: أقصر عمّا أنت فيه، فيقول: خلّني وربي، حتى وجده يوماً على ذنب استعظمه، فقال: أقصر، قال: خلّني وربي، أبُعثت عليّ رقيباً؟ فقال: والله لا يغفر الله لك ولا يدخلك الجنة. فبعث الله إليهما ملكاً، فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده، فقال للمذنب: اُدخل

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٢ / ٩٤ ، الكفاية، أبو المفضل الشيباني عن أحمد بن مطوق بن سوار عن المغيرة بن محمد ابن المهلب عن عبد الغفار بن كثير عن إبراهيم بن حميد عن أبي هاشم عن مجاهد عن ابن عباس قال: قدم يهودي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقال له: نعثل. فقال: يا محمد إني أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أنت أجبتني عنها، أسلمت على يدك. قال: سل يا أبا عمارة! فقال: يا محمد صف لي ربك. فقال:...

(٢) كلمة الرسول الأعظم : ٣٠ .

١٩٨

الجنة برحمتي، وقال للآخر: أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي ؟ فقال: لا يا ربّ. قال: اذهبوا به إلى النّار) (١) .

لا جبر ولا اختيار :

(إنّ الله لا يطاع جبراً، ولا يعصى مغلوباً، ولم يهمل العباد من المملكة، ولكنه القادر على ما أقدرهم عليه، والمالك لما ملّكهم إياه; فإن العباد إن ائتمروا بطاعة الله لم يكن منها مانع، ولا عنها صاد، وإن عملوا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبينها فعل، وليس من شاء أن يحول بينك وبين شيء ولم يفعله، فأتاه الذي فعله كان هو الذي أدخله فيه) (٢) .

الخاتمية:

(فُضِّلت على الأنبياء بستّ : اُعطيت جوامع الكلم، ونُصرت بالرعب من مسيرة شهر، واُحلّت لي الغنائم. وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً. واُرسلت إلى الخلق كافّة. وخُتم بي النبيّون) (٣) .

إنّ الله اصطفاني :

(إن الله اصطفى من وُلد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً. واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، قال الله تبارك وتعالى: ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ) (٤) .

ــــــــــــ

(١) كلمة الرسول الأعظم : ٣١ .

(٢) بحار الأنوار : ٧٧/١٤٠.

(٣) المصدر السابق : ١٦/٣٢٤ .

(٤) كلمة الرسول الأعظم : ٣٥ راجع بحار الأنوار : ١٦/٣٢٣.

١٩٩

مثلي مثل الغيث :

(إنّ مثل ما بعثني به ربّي من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، منها طائفة طيّبة، فقبلت الماء فأنبتت العشب والكلأ الكبير، وكانت منها أجادب امسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنّما هي قيعات، لا تمسك ولا تُنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، وتفقّه فيما بعثني الله به، فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي اُرسلت به) (١) .

الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(يا عمّار! إنّه سيكون بعدي هنات، حتى يختلف السيف فيما بينهم، وحتى يقتل بعضهم بعضاً، وحتى يبرأ بعضهم من بعض، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني: عليّ بن أبي طالب، فإن سلك الناس كلّهم وادياً، وسلك عليُّ وادياً فاسلك وادي عليّ، وخلّ عن الناس.

يا عمّار! إن عليّاً لا يردّك عن هدى، ولا يدلّك على ردى.

يا عمّار! طاعة عليّ طاعتي، وطاعتي طاعة الله) (٢) .

(من ظلم عليّاً مقعدي هذا بعد وفاتي، فكأنّما جحد نبوّتي، ونبوّة الأنبياء قبلي) (٣) .

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ١/١٨٤.

(٢) مجمع البيان : ٣ / ٥٣٤ ، روى أبو أيوب الأنصاري أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمار بن ياسر: ...

(٣) المصدر السابق : ٣ / ٥٣٤ ، عن كتاب شواهد التنزيل للحاكم أبي القاسم الحسكاني عن أبي الحمد مهدي ابن نزار الحسني حدثني محمد بن القاسم بن أحمد عن أبي سعيد محمد بن الفضيل بن محمد عن محمد بن صالح العرزمي عن عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن أبي خلف الأحمر عن إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية( وَاتَّقُوا فِتْنَةً ) : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ...

٢٠٠