اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)0%

اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 226

اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 226
المشاهدات: 170632
تحميل: 8018

توضيحات:

اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 226 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 170632 / تحميل: 8018
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقد أدان هؤلاء القادة أنفسهم بهذه الحجّة ، وذلك لأنّ الخلافة إذا كانت بالسبق إلى الإسلام والقرابة القريبة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما يدّعون ـ فهي لعليّعليه‌السلام وحده ، لأنّه أوّل الناس إسلاماً وإيماناً وتصديقاً بالرسالة الإسلامية ، وأخوه بمقتضى المؤاخاة التي عقدها النبيّ بينه وبين عليّ يوم آخى بين المهاجرين في مكّة ، وبينهم وبين الأنصار في المدينة ، وابن عمّه نسباً وأقرب الناس إلى نفسه وقلبه بلا شكّ في ذلك .

تحليل اجتماع السقيفة :

سارع الأنصار إلى سقيفة بني ساعدة ، وعقدوا لهم اجتماعاً سرّياً أحاطوه بكثير من الكتمان والتحفّظ ، وأحضروا معهم شيخ الخزرج سعد بن عبادة الذي كان مريضاً ، فقال لبعض بنيه : إنّه لا يستطيع أن يسمع المجتمعون صوته لمرضه ، وأمره أن يتلقّى منه قوله ويردّده على مسامع الناس ، فكان سعد يتكلّم ويستمع إليه ابنه ، ويرفع صوته بعد ذلك ، قال سعد مخاطباً الحاضرين :

إنّ لكم سابقةً إلى الدين وفضيلةً في الإسلام ليست لقبيلة من العرب ، إنّ رسول الله لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأوثان ، فما آمن من قومه إلاّ قليل ، حتى أراد بكم خير الفضيلة ، وساق إليكم الكرامة ، وخصّكم بدينه ، فكنتم أشد الناس على من تخلّف عنه ، وأثقلهم على عدوّه من غيركم ، ثمّ توفّاه الله وهو عنكم راضٍ فشدّوا أيديكم بهذا الأمر فإنّكم أحقّ الناس وأولاهم .

لكنّ المتتّبع للأحداث يلمح أنّ اجتماع الأنصار لم يكن في بداية أمره للاستئثار بتراث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واغتصاب الخلافة من أهلها الشرعيّين ، وذلك من خلال ملاحظة ما يلي :

١ ـ عدم حضور خيار الأنصار وهم البدريّون في الاجتماع ، مثلُ : أبي أيوب الأنصاري ، حذيفة بن اليمان ، البراء بن عازب ، عبادة بن الصامت .

١٠١

٢ ـ إنّ الأنصار كانوا يعلمون جيّداً النصوص النبويّة ويحفظونها ، ومنها :(إنّ الأئمة من قريش) ، وعرفوا جيّداً الأحكام الواردة في شأن العترة الطاهرة وشهدوا تنصيب عليّعليه‌السلام في غدير خم ، وأوصاهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعليّ وأهل بيتهعليهم‌السلام ، وحين أدركوا أنّه ليس له دور رئيس في الحكم أخذوا يقولون : لا نبايع إلاّ عليّاً(١) .

٣ ـ ثمّ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا زال مسجّىً ولم يُدفن بعدُ ، فهل يعقل أن لا يشارك خيارهم في شرف حضور مراسم الدفن وينشغلوا في اجتماع انتخاب الخليفة ؟

٤ ـ من الممكن تفسير اجتماعهم هذا بأنّه لتقرير مصيرهم من الحكم الجديد بعد علمهم بما تخطّط له قريش من تطبيق قرارهم (لا تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم) ، وهم ليست لهم دوافع كالتي كانت في نفوس زعماء قريش ، ثمّ إنّ تخوّفهم هذا له سوابق فبعد فتح مكّة ؛ خشيت الأنصار أن لا يعود معهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان طبيعيّاً أن يتخوفوا من العزلة السياسية والإداريّة .

وإذا قرّرت قريش صرف الخلافة عن صاحبها الشرعيّ، وهو عليّعليه‌السلام ؛ فما دور الأنصار وهم الثقل الأكبر في جمهور المسلمين ، ولهم الدور الفاعل والرئيس في نشر الرسالة الإسلاميّة ؟!

إنّ اجتماع الأنصار في السقيفة لم يكن حاسماً في قراراته ، فقد عُقد لدراسة الاحتمالات المتوقّعة للخلافة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأيضاً لم يكن جميع الأنصار على رأي واحد ، فقد كانت تختفي في أفق الاجتماع نوايا متنافرة وتنطوي النفوس على رغبات متضادّة ، فنجد بعضهم يجيب سعداً قائلاً : وفّقت في الرأي وأصبت في القول ، ولن نعدو ما رأيت ، نولّيك هذا الأمر .

ثمّ ترادّوا في الكلام فقالوا : فإن أبى المهاجرون وقالوا نحن أولياؤه وعشيرته .

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري : ٢ / ٤٤٣ ط مؤسسة الأعلمي .

١٠٢

وهنا انبرى آخرون فقالوا : نقول : منّا أمير ومنكم أمير ، فعلّق سعد على هذا الاقتراح قائلاً : فهذا أوّل الوهن(١) .

إنّ الأنصار بموقفهم هذا قد هيَّئوا فرصة سياسية ثمينة ما كانت لتفوت الجناح المترقّب للفوز بالسلطة ، وفتحوا باب الصراع على مصراعيه بعيداً عن القيم والأحكام الإسلامية ؛ إذ قدّمت فيه الحسابات القبلية على الحسابات الشرعية ، وتقدّمت فيه مصلحة القبيلة على مصلحة الرّسالة الإسلامية .

وقد اعتذر عمر من مباغتة الأنصار في السقيفة فقال : وإنّا والله ما وجدنا أمراً هو أقوى من مبايعة أبي بكر ، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة ، فإمّا أن نتابعهم على ما لا نرضى أو نخالفهم فيكون الفساد(٢) .

وهكذا أخذ الموقف السياسي يزداد تعقيداً وإعضالاً .

نظرة قريش للخلافة :

حين انطلقت الرسالة الإسلامية في مكّة وبين ظهراني قريش ؛ لم تتمكّن قريش من تحمّل ظهور نبيّ في بطنٍ من خيار بطونها ، بل أفضلها وهي بنو هاشم ، فاجتمعت كلمة قريش على محاربة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبني هاشم بكلّ وسائل الحرب ومقاومتهم بشتّى فنون المقاومة وخطّطت للتآمر لا حُبّاً بالأصنام وما هم عليه من العبادة ولا كراهية للدعوة الجديدة ، فليس في الإسلام ما لا ترتضيه الفطرة السليمة(٣) ، لكن قريشاً لا تريد أن تغيّر صيغتها السياسية القائمة على اقتسام مناصب الشرف والسيادة ، وخصوصاً أنّ مجتمع الجزيرة كانت تحكمه النزعة القبلية .

ــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري : ٢ / ٤٤٤ ط مؤسسة الأعلمي حوادث سنة ١١ هـ .

(٢) صحيح البخاري : كتاب المحاربين ٦ ح ٦٤٤٢ ، وسيرة ابن هشام : ٤ / ٣٠٨ ، وتأريخ الطبري : ٢ / ٤٤٧ ط مؤسسة الأعلمي .

(٣) يروى أنّ كثيراً من زعماء قريش كانوا يجاهرون بالعداء للدين ولكنّهم يذهبون خلسةً لاستماع القرآن .

١٠٣

من هنا لم تكن قريش تريد أن يتميّز البطن الهاشمي عن بقيّة بطونها ولا أن يتفوّق عليها ، وقد تصوّرت أنّ التفاف الهاشميّين حول النبوّة ودفاعهم المستميت عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو إصرار هاشمي على التميّز والرغبة بالتفوّق على الجميع ، فحاصرت قريش الهاشميّين في شِعب أبي طالب ، وتآمرت على قتل النبيّ ، وفشل الحصار وفشلت كلّ محاولات الاغتيال لشخص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلا طوفان الرسالة الإسلامية على كلّ القوى المناوئة ، وأسلمت قريش طوعاً أو كرهاً ، فلم تعد لقريش قدرة على الوقوف في وجه النبوّة .

ولكنّ إعداد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العدّة لتكون الخلافة من بعده لعليّ ولذرّيّتهعليهم‌السلام بأمر من الله تعالى وباعتبارهم أجدر وأعلم بأصول الشريعة وأحكامها ، وأنّهم الأفضل من كلّ أتباعه ، والأنسب لقيادة الأمة ، قد أثار هذا المنطق في نفوس قريش النزعة القبلية والحقد الجاهلي فعزمت أن لا تجمع النبوّة والخلافة في بني هاشم ، فالنبوة والخلافة في عرف قريش سلطان وحكم كما صرّح بذلك أبو سفيان يوم فتح مكّة بقوله للعباس : لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً(١) .

هذه الفكرة والعقلية سادت في الأجواء السياسية المحمومة في آخر أيّام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقريش مدركة أنّ النبيّ ميّت لا محالة في مرضه هذا ، وقد أخبرهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، وأيضاً لو تركت الأمور على مجراها الطبيعي فالخلافة ستئول إلى عليّعليه‌السلام حتماً من هنا كان تحرّك الحزب المناوئ لبني هاشم بصورة عامّة ولعليّعليه‌السلام خاصّة ، فكانت السقيفة .

ونجد فكرة عدم اجتماع النبوّة والخلافة في بني هاشم من خلال المحاورة

ــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة : ١٧ / ٢٧٢ .

١٠٤

بين عمر وابن عباس في زمن خلافة عمر ، حين قال له عمر : يا ابن عباس ! أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال ابن عباس : فكرهت أن أجيبه فقلت : إن لم أكن أدري فإنّ أمير المؤمنين يدري ، فقال عمر : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة فتجحفوا على قومكم ، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت(١) .

وثمّة أمر آخر يتعلّق بموضوع تحويل الخلافة عن عليّعليه‌السلام وهو أنّ عليّاًعليه‌السلام قد وتر قريشاً في حروبها ضد الإسلام وإنّ كلّ دم أراقه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسيف عليّعليه‌السلام وسيف غيره فإنّ العرب بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عصبت تلك الدماء بعليّ وحده ، لأنّه لم يكن في رهط النبيّ مَن يستحق في شرع قريش وعاداتهم أن يعصب به تلك الدماء إلاّ عليّ وحده(٢) .

ملامح التخطيط لإقصاء الإمام عليّعليه‌السلام عن الخلافة :

نلاحظ أنّ هناك تخطيطاً محكماً لدى الخطّ المناوئ لعليّعليه‌السلام لأخذ الخلافة منه من خلال ما يلي:

١ ـ بقاؤهم في المدينة ومحاولتهم عدم الخروج منها مهما يكن من أمر ، وذلك عندما عرفوا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تدهورت صحّته، كما لاحظوا بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الأيام كان يكثر من التوصية بعليّعليه‌السلام وضرورة اتّباعه لسلامة الدين والدولة.

٢ ـ حضورهم الدائم قرب الرسول ومحاولتهم الحيلولة دون حصول شيء يدعم ولاية عليّعليه‌السلام ، فكان الشغب في مجلس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت الشعار الذي رفعه عمر :( حسبنا كتاب الله ) ثمّ اتهام النبيّ المعصومصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغلبة الوجع ممّا أزعج النبيّ ، حيث إنّ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إئتوني بدواة وكيف ) من غير المعقول أن يثير النفور والشكّ في نفوس الجميع دون سابق مضمر في نفوس البعض ، فلم يكن داعٍ لاعتراضهم إلاّ إثارة الشغب ومنع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكتابة .

ــــــــــــ

(١) مروج الذهب : ٢ / ٢٥٣ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : ١ / ١٨٩ ط دار إحياء التراث العربي ، الكامل في التأريخ : ٣ / ٦٣ و ٦٤ .

(٢) نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٣ / ٢٨٣ .

١٠٥

٣ ـ السرعة في البتّ بموضوع الخلافة وإتمام البيعة عبر استغلالهم الفرصة بانشغال الإمام عليعليه‌السلام وبني هاشم بمراسم تجهيز النبيّ ودفنه ، فحين علم عمر بنبأ الاجتماع في السقيفة ؛ أرسل إلى أبي بكر حين دخل إلى بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن اُخرج فقد حدث أمر لابدّ أن تحضره ، ولم يوضّح ذلك خشية أن يطّلع عليه عليّ أو أحد من بني هاشم ، وإلاّ لماذا ؟ فهل كان هذا الأمر المهمّ يعني أبا بكر دون بقيّة المسلمين وفيهم من هو أحرص على الإسلام من أبي بكر وعمر ؟ ولماذا لم يدخل عمر بنفسه إلى داخل دار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث يجتمع الناس فيتحدّث إليهم ؟ يدخل عمر بنفسه إلى داخل دار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث يجتمع الناس فيتحدّث إليهم ؟

٤ ـ سعيهم لضمان حياد الأنصار وإبعادهم عن ميدان التنافس السياسي بدعوى أنّهم ليسوا عشيرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥ ـ الترتيب في أخذ البيعة أوّلاً من الأنصار ، لأنّ قريشاً لو بايعت الخليفة الجديد ؛ لما كان لبيعتها أدنى قيمة واقعية ، ولأمكن الإمام فيما بعد أن يقيم الحجّة على قريش ، ولا يمكن لأيّ فرد أن يقف في موقع الندّ لعليّعليه‌السلام إذا كانت الأنصار في كفّة الإمام .

ويمكن ملاحظة ذلك من طريقة أخذ البيعة بعد الخروج من السقيفة ، إذ كان الناس مجتمعين في المسجد فقال عمر : ما لي أراكم مجتمعين حلقاً شتّى ؟! قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الأنصار ، فقام عثمان ومن معه من بني أمية فبايعوا ، وقام سعد وعبد الرحمن ومعهما بنو زهرة فبايعوا .

١٠٦

٦ ـ دخول عناصر من خارج المدينة معدّةً سلفاً لتأييد الطرف المناوئ لبني هاشم ، بدليل قول عمر : ما هو إلاّ أن رأيت ( أسلم ) فأيقنتُ بالنصر(١) .

٧ ـ محاولتهم التعتيم على الإجراءات التي تمّت مخاتلةً ، واتهامهم لكلّ مَن يعارضهم بأنّه يريد الفتنة وشقّ عصا المسلمين ، وقد اتّضح ذلك من خلال الحوادث التي تتابعت فيما بعدُ ، والقضاء على من ثبت على عدم البيعة وخالف قرار السقيفة(٢) .

٨ ـ ومن الأدلّة على التخطيط السابق : أنّ عثمان بن عفّان كتب اسم عمر في الوصية كخليفة من بعد أبي بكر(٣) من دون أن يأمره بذلك ، فقد كان مغمىً عليه ، فمن أين علم عثمان أنّ عمر هو الخليفة بعد أبي بكر ؟

٩ ـ ثمّ إنّ عمر وضع عثمان ضمن مجموعة أحدها يكون خليفة المسلمين بحيث يضمن ترشيحه مؤكّداً ، وأيّ خبير بالتأريخ مُلمّ بمجريات الأمور وتركيبة المرشّحين الستّة يستطيع أن يحلّل ذلك كما حلل الإمام عليّعليه‌السلام الموقف بوضوح(٤) .

١٠ ـ حين تشكّلت الحكومة التي تمخّضت عن اجتماع السقيفة ؛ توّلى أبو بكر الخلافة ، وأبو عبيدة المال ، وعمر القضاء(٥) ، وهذه هي أهمّ المناصب وأكثرها حساسيةً في مناهج الحكم والدولة ، هذه التركيبة لجهاز الدولة والعناصر الحاكمة لا تتأتّى صدفةً ولا يتمّ ذلك إلاّ عن تخطيط سابق .

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري : ٢ / ٤٥٩ ط مؤسسة الأعلمي .

(٢) راجع طبقات ابن سعد : ٣ / ق ٢ / ١٤٥ ، وأنساب الأشراف : ١ / ٥٨٩ ، والعقد الفريد : ٤ / ٢٤٧ ، السقيفة والخلافة لعبد الفتاح عبد المقصود : ١٣ ، والسقيفة انقلاب أبيض : اغتيال خالد بن سعيد بن العاص ، وابن عساكر : ترجمة سعد بن عبادة وكنز العمّال : ٣ / ١٣٤ .

(٣) تأريخ الطبري : ٢ / ٦١٨ ط مؤسسة الأعلمي ، وسيرة عمر لابن الجوزي : ٣٧ ، والكامل في التأريخ : ٢ / ٤٢٥ .

(٤) أنساب الأشراف : ٥ / ١٩ .

(٥) الكامل في التأريخ : ٢ / ٤٢٠ .

١٠٧

١١ ـ قول عمر حين حضرته الوفاة : لو كان أبو عبيدة حيّاً استخلفته(١) .

وليس كفاءة أبي عبيدة هي التي أوحت إلى عمر بهذا التمنّي ، لأنّه كان يعتقد أهليّة عليّعليه‌السلام للخلافة ، ومع ذلك لم يشأ أن يتحمّل أمر الأمة حيّاً كان أو ميّتاً .

١٢ ـ اتّهام معاوية لأبي بكر وعمر بالتخطيط لاستلاب الخلافة من عليّعليه‌السلام ، كما جاء ذلك في كتابه إلى محمّد بن أبي بكر إذ قال : فقد كنّا وأبوك نعرف فضل ابن أبي طالب وحقّه لازماً لنا مبروراً علينا ، فلمّا اختار الله لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما عنده وأتمّ وعده وأظهر دعوته وأفلج حجّته وقبضه إليه ؛ كان أبوك والفاروق أوّل من ابتزّه حقّه وخالفه على أمره ، على ذلك اتّفقا واتّسقا ، ثمّ إنّهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكّأ عليهما فهمّا به الهموم وأرادا به العظيم(٢) .

١٣ ـ قول أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام لعمر :احلب يا عمر حلباً لك شطره ، اشدد له اليوم أمره ليرد عليك غداً (٣) .

١٤ ـ اتهام الزهراءعليها‌السلام للحاكمين بالحزبيّة السياسية والتآمر للانقضاض على السلطة وتجريد بني هاشم منها(٤) بقولها :(فوسمتم غير إبلكم ، وأوردتم غير شربكم ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ؟ ( أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنّ جَهَنّمَ لَُمحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) ) .

سلبيّات حادثة السقيفة :

١ ـ الاستبداد بالرأي والقرار ، فقد استهان المشاركون في السقيفة بوصايا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمسلمين بالاهتمام بعترته الطاهرة ، واستخفّوا بأوامره المصرّحة

ــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ١٩٠ ط دار إحياء التراث العربي ن وتأريخ الطبري : ٣ / ٢٩٢ قصة الشورى ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٦٥ .

(٢) مروج الذهب للمسعودي : ٣ / ١٩٩ ، وقعة صفّين لنصر بن مزاحم ك ١١٩ .

(٣) الإمامة والسياسة : ٢٩ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٦ / ١١ .

(٤) راجع خطبة الزهراء في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبحار الأنوار ك ٢٩ / ٢٢٠ .

١٠٨

بلزوم الاقتداء بهم والتمسّك بحبلهم ، ولو فرض ـ جدلاً ـ أنّه لا نصّ بالخلافة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أحد من آل محمد وفرض كونهم غير متميّزين في حسب أو نسب أو أخلاق أو جهاد أو علم أو عمل أو إيمان أو إخلاص ، بل كانوا كسائر الصحابة ، فهل كان ثمّة مانع شرعيّ أو عقليّ أو عرفيّ يمنع تأجيل عقد البيعة إلى حين الانتهاء من تجهيز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ؟!

إن هذا الاستعجال من المبادرين لسدّ الفراغ الذي خلّفته وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على وجود نصوص أو أرضية تشريعية كان ينبغي تفويتها والمبادرة لأخذ زمام الأمر ، لئلاً تأخذ النصوص فاعليتها إن جرت الأمور بشكل طبيعي ، ولهذا قال عمر عن بيعة أبي بكر : إنّها كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها ألا ومن عاد لمثلها فاقتلوه(٢) .

٢ ـ البيعة لم تكن جامعة لأهل الحلّ والعقد الذي يعتبر شرطاً أساسياً في حصول الإجماع وفي مشروعية الانتخاب ، إذ اُلغي في السقيفة استشارة الطبقة الرفيعة من الصحابة مثل عليّعليه‌السلام والعباس وعمار بن ياسر وسلمان وخزيمة بن ثابت وأبي ذر وأبي أيوب الأنصاري والزبير بن العوام وطلحة وأبي بن كعب ، وغيرهم كثير .

٣ ـ استعمال العنف والقسوة في طريقة أخذ البيعة من المسلمين ، فإنّ كثيراً من المسلمين قد أرغموا عليها ، وقد لعبت دِرَّة عمر في سبيل تحقيقها وإيجادها دوراً كبيراً .

٤ ـ لقّنت السقيفة مفاهيم منحرفة للأمة ، منها :

أ ـ الاستعلاء على الأمة والاستخفاف بشأنها تحت شعار (مَن ذا ينازعنا سلطان محمّد ؟ ! ) .

ــــــــــــ

(١) النص والاجتهاد للسيد شرف الدين : ٢٥ ط اُسوة .

(٢) تذكرة الخواص : ٦١ ، وراجع صحيح البخاري : كتاب الحدود ، باب رجم الحبُلى .

١٠٩

ب ـ تحويل مفهوم النبوّة الرّبانية وخلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مفهوم السلطة العشائرية التي تستمد قوّتها وشرعيتها من انتخاب أبناء العشيرة وليس من نصوص الشريعة المقدّسة .

ج ـ فسح المجال أمام المسلمين لطرح التعددية في السلطة ومنافسة مَن فرض الله طاعته بالنصّ ، وتشجيع التمرّد على الحاكم المعصوم المنصوب بأمر من الله تعالى ، كما قالوا : منّا أمير ومنكم أمير .

د ـ هيّأ اجتماع السقيفة الأرضيّة المناسبة لتجاوز وجود الأمة وتجاوز رأيها السياسي كما حصل ذلك مرة أخرى عند تعيين عمر ، وثالثة عند وفاة عمر متمثلاً في الشورى التي فرضها عمر على المسلمين .

موقف الإمامعليه‌السلام من اجتماع السقيفة :

لم يكن الإمام عليّعليه‌السلام طامعاً وساعياً في استلام الخلافة والتربّع على عرشها مثل الآخرين ، إذ كان همّه الأوّل والأخير تثبيت دعائم الإسلام ونشره ، وإعزاز الدين وأهله ، وإظهار عظمة الرسول وبيان سيرته ، وحثّ الناس على الاقتداء بمنهجهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانشغل بمراسم تجهيز النبيّ والصلاة عليه ودفنه ، وما كان يدور في خَلَده أنّ الخلافة تعدوه وهو المؤهّل لها رسالياً والمرشّح لها نبوّياً ، ولكنّ نفوس القوم أضمرت ما ينافي وصايا نبيّهم في غزوتي أُحد وحنين ، وأغراهم الطمع في سلطان بغير حقّ ، فتركوا نبيّهم مطروحاً بلا دفن كما تركوه وفرّوا عنه في حياته عند الشدائد والهزائز .

لقد وصل خبر اجتماع السقيفة إلى بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث يجتمع عليّعليه‌السلام وبنو هاشم والمخلصون من الصحابة حول جسد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال العباس عمّ الرسول لعليّ : يا ابن أخي ، اُمدد يدك أبايعك ، فيقال : عمّ رسول الله بايع ابن عمّ رسول الله ، فلا يختلف عليك اثنان .

فقالعليه‌السلام :يا عمّ ، وهل يطمع فيها طامع غيري ؟

قال العباس : ستعلم .

١١٠

غير أنّ الإمامعليه‌السلام لم يكن ليخفى عليه ما كان يجري في الساحة من مؤامرات آنذاك فأجابه بصريح القول :( إنّي لا أحب هذا الأمر من وراء رِتاج ) (١) .

موقف أبي سفيان :

روي : أنّ أبا سفيان جاء إلى باب دار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّعليه‌السلام والعباس موجودان فيه ، فقال : ما بال هذا الأمر في أقلّ حيّ من قريش ؟! والله لئن شئت لأملأنّها عليهم خيلاً ورجالاً ، فقال عليّعليه‌السلام :ارجع يا أبا سفيان ! طالما عاديت الإسلام وأهله فلم تضرّه بذاك شيئاً .

وروي أيضاً : أنّه لمّا اجتمع الناس على بيعة أبي بكر ؛ أقبل أبو سفيان وهو يقول : والله إنّي لأرى عجاجةً لا يطفئها إلاّ دم ، يا آل عبد مناف فيم أبو بكر من أموركم ! أين المستضعفان عليّ والعباس ، وقال : أبا حسن ، ابسط يدك أبايعك ، فأبى عليّعليه‌السلام عليه وزجره وقال :إنّك والله ما أردت بهذا إلاّ الفتنة ، وإنّك طالما بغيت الإسلام شرّاً ، لا حاجة لنا في نصيحتك (٢) ولمّا بويع أبو بكر قال أبو سفيان : ما لنا ولأبي فصيل ، إنما هي بنو عبد مناف !

فقيل له : إنّه قد ولّى ابنك ، قال : وصلته رحم(٣) .

لم تكن معارضة أبي سفيان للسقيفة عن إيمانه بحقّ الإمام عليّعليه‌السلام وبني هاشم ، وإنّما كانت حركة سياسية ظاهرية أراد بها الكيد بالإسلام والبغي عليه ، فإنّ

ــــــــــــ

(١) الإمامة والسياسة : ٢١ والرِتاج : الباب المغلق .

(٢) تاريخ الطبري : ٢ / ٤٤٩ ، والكامل في التاريخ : ٢ / ٣٢٦ ط دار الفكر .

(٣) تأريخ الطبري : ٢ / ٤٤٩ ط دار الأعلمي ، والكامل في التأريخ : ٢ / ٣٢٦ .

١١١

علاقة أبي بكر مع أبي سفيان كانت وثيقة للغاية(١) .

أقطاب المعارضة للسقيفة :

كان من الطبيعي أن تبرز أطراف معارضة لنتائج السقيفة التي لم تتمتّع بالأهليّة الكافية والاحقيّة في الزعامة ، فبرزت ثلاثة أطراف :

الأوّل : الأنصار باعتبارهم كتلة سياسية واجتماعية كبيرة لابدّ من حسابها في ميزان الترشيح والانتخاب ، فنازعوا الخليفة الفائز وصاحبيه في سقيفة بني ساعدة ، ووقعت بينهم المنازعة التي انتهت بفوز قريش .

وقد انتفع أبو بكر وحزبه في مواجهة الأنصار من :

١ ـ تركّز فكرة الوراثة الدينية في الذهنية العربية في قوله بأنّهم شجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقربهم إليه ، فهم أولى به من سائر المسلمين ، وأحق بخلافته وسلطانه .

٢ ـ انشقاق الأنصار على أنفسهم بين مؤيّد ومعارض لأبي بكر ، نتيجة تجذّر النزعة القبلية من نفوسهم ، أو لحسد بعضهم لبعض ، أو الرغبة في نيل الحظوة والقُربة لدى السلطة الحاكمة الجديدة ، حتى برزت هذه الظاهرة واضحة في قول أسيد بن حضير في السقيفة : لئن ولّيتموها سعداً عليكم مرة واحدة لا زالت لهم بذلك عليكم الفضيلة ولا جعلوا لكم نصيباً فيها أبداً فقوموا فبايعوا أبا بكر(٢) .

ــــــــــــ

(١) فقد روي أنّ أبا سفيان اجتاز على جماعة من المسلمين منهم أبو بكر وسلمان وصهيب وبلال ، فقال بعضهم : أما أخذت سيوف الله من عنق عدّو الله مأخذها ؟ فزجرهم أبو بكر وقال لهم : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدهم ؟ ومضى مسرعاً إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره بمقالة القوم فردّ عليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلاً : يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت الله صحيح البخاري : ٢ / ٣٦٢ .

(٢) الكامل في التأريخ : ٢ / ٣٣١ .

١١٢

لقد أعطى اجتماع السقيفة لأبي بكر القوّة من ناحيتين :

١ ـ إضعاف دور القاعدة الشعبية للإمام عليّعليه‌السلام فإنّ الأنصار سجّلوا على أنفسهم بذلك مذهباً لا يسمح لهم بأن يقفوا بعد السقيفة إلى صفّ الإمام ويخدموا قضيته وأحقّيته في الخلافة .

٢ ـ بروز أبي بكر كمدافع وحيد عن حقوق المهاجرين بصورة عامّة وعن قريش خاصّة في مجتمع الأنصار ، حيث إنّ الظرف كان مناسباً جدّاً ، إذ خلا من أقطاب المهاجرين الذين لم يكن لتنتهي المسألة في محضرهم إلى نتيجتها التي انتهت إليها .

الثاني : الأمويون الذين كان لديهم مطمع سياسيّ كبير في نيل نصيب مرموق من الحكم ، واسترجاع شيء من مجدهم السياسي في الجاهلية وعلى رأسهم أبو سفيان ، وقد تعامل معهم أبو بكر وحزبه وفق معرفتهم بطبيعة النفس الأموية وشهواتها السياسيّة والمادية ، فكان من السهل على أبي بكر أن يتنازل عن بعض المبادئ والحقوق الشرعية ، فدفع لأبي سفيان جميع ما في يده من أموال المسلمين وزكواتهم التي جمعها من سفره الذي بعثه فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجباية الأموال ، ولم يعبأ الفائزون بالسقيفة بمعارضة الأمويين وتهديد أبي سفيان وما أعلنه من كلمات الثورة والرغبة في تأييد الإمامعليه‌السلام وبني هاشم .

بل استفاد أبو بكر وحزبه من الأمويين في إضعاف دور بني هاشم حاضراً ومستقبلاً بأن جعلوا للأمويين حظّاً في العمل الحكومي في عدّة من المرافق الهامّة في الدولة .

الثالث : الهاشميّون وأخصّاؤهم كعمار وسلمان وأبي ذر والمقداد رضوان الله عليهم ، وجماعات كثيرة من الناس الذين كانوا يرون البيت الهاشمي هو صاحب الحقّ الشرعي بالخلافة ، وهو الوارث الطبيعي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحكم نصّ الغدير ومناهج السياسة التي كانوا يألفونها .

ولم تكن لتنطلي عليهم الحجج الواهية التي طرحتها أطراف السقيفة ، فرأت فيهم تيارات تسعى للاستئثار بالحكم لإرضاء شهواتهم ونذيراً بانحراف التجربة الإسلامية من مسارها الصحيح .

١١٣

نتائج السقيفة :

نجح أبو بكر وحزبه في مواجهة الأنصار والأمويين ، وكسب الموقف بأن أصبح خليفة للمسلمين ، ولكنّ هذا النجاح جرّه إلى تناقض سياسي واضح ، لأنّه لم يملك في السقيفة من رصيد إلاّ أن يجعلوا حجّتهم مبنيّة على أساس القرابة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن ثَمّ يقرّوا مذهب الوراثة للزعامة الدينية .

غير أنّ وجود بني هاشم كطرف معارض بدّل الوضع السياسي ، واحتجّت المعارضة على أبي بكر وحزبه بنفس حجّتهم على باقي الأطراف ، وهي إذا كانت قريش أولى برسول الله من سائر العرب فبنو هاشم أحقّ بالأمر من بقية قريش .

وهذا ما أعلنه الإمام عليّعليه‌السلام حين قال :إذا احتجّ المهاجرون بالقُرب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت الحجّة لنا على المهاجرين بذلك قائمة ، فإن فلجت حجّتهم كانت لنا دونهم ، وإلاّ فالأنصار على دعوتهم .

وأوضحه العباس في حديث له مع أبي بكر إذ قال له : وأمّا قولك نحن شجرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنكم جيرانها ونحن أغصانها(١) .

فالإمام عليّعليه‌السلام كان مصدر رعب ورهب في نفوس الفائزين في لعبة السقيفة وسدّاً منيعاً إزاء رغباتهم وطموحاتهم ، وكان بإمكانه أن يستغلّ النفعيّين ـ وما أكثرهم ! ـ والذين يميلون مع كلّ ريح وينعقون مع كلّ ناعق والذين يعرضون أصواتهم ومواقفهم رخيصة في الأسواق السياسية ، وأن يشبع نهمهم ممّا خلّفه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الخمس وغلاّت أراضي المدينة ونتاج (فدك) التي كانت تدرّ بالخيرات ، إلاّ أنّهعليه‌السلام أبى عن كلّ ذلك لكمال شخصيّته وسموّ منزلته ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر كان بوسعهعليه‌السلام أن يتحرّك محتجّاً أمام أرباب السقيفة بمبدأ القرابة الذي يعدّ ورقة رابحة بيده حتى ألمح لذلك بقولهعليه‌السلام :(احتجوّا بالشجرة وأضاعوا الثمرة) وكان السواد الأعظم من الناس يقدّسون أهل البيت ويحترمونهم لذلك السبب ، وبالتالي سيدفع السلطة الحاكمة إلى أزمة سياسية حرجة لا مخرج منها ، بيد أنّهعليه‌السلام كان أسمى من ذلك وأجلّ ، حيث قدّمعليه‌السلام المصلحة الإسلامية العليا على كلّ المصالح الخاصة .

ــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٦ / ٥ .

١١٤

ولتلافي احتمال تحرّك الإمام على هذا المسار تردّدت السلطة بين موقفين :

أوّلاً : أن لا تقرّ للقرابة بشأن في الخلافة ، وهذا معناه نزع الثوب الشرعي عن خلافة أبي بكر الذي تقمّصه يوم السقيفة .

ثانياً : أن تناقض السلطة الحاكمة نفسها وإصرارها على مبادئها التي أعلنتها في السقيفة مقابل بقيّة الأطراف ، فلا ترى أيّ حق للهاشميّين في السلطة وهم أقرب الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو تراه لهم ، ولكن في غير ذلك الظرف الذي يكون معنى المعارضة مقابلة حكم قائم ووضع قد تعاقد عليه الناس .

وكان الخيار الثاني هو خيار السلطة(١) .

ــــــــــــ

(١) راجع تفصيل ذلك في ( فدك في التأريخ ) للشهيد الصدر ك ٨٤ ـ ٩٦ ، وتأريخ الطبري : ٢ / ٤٤٩ و ٤٥٠ ( أحداث السقيفة ) .

١١٥

الفصل الثاني: الإمام عليّعليه‌السلام في عهد أبي بكر

خطوات السلطة لمواجهة المعارضة :

ما كانت الفئة المسيطرة لتتنازل عن السلطة بعد أن سعت وخطّطت للاستيلاء عليها ، فثبتت على آرائها التي روّجتها في السقيفة ودعمتها بشتّى الوسائل والسبل بغض النظر عن شرعيّتها أو صحّتها في المحافظة على سلامة الدعوة الإسلامية ، لذا فإنّنا نلاحظ بعض الظواهر والخطوات السياسية التي اتّبعتها هذه الفئة من أجل إبعاد آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الحكم نهائياً والقضاء على الفكرة التي أمدّت الهاشميين بالقوة ، بل القضاء على كلّ معارضة محتملة مستقبلاً ، وهي:

١ ـ إنّ السلطة الجديدة أخذت على المعارضين أنّ مخالفتهم الخليفة الجديد ليس إلاّ إحداثاً للفتنة المحرّمة في شريعة الإسلام ، وكان يدعم إدانتهم للمعارضة هذه أنّ ظروف الدولة الإسلامية كانت غير مستقرّة بعد ، وكان الأعداء من خارج البلاد يهدّدون الدولة الإسلامية إضافة إلى أحداث الردّة التي حصلت بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم داخل حدود الدولة الإسلامية الفتيّة .

١١٦

٢ ـ أسلوب الشدّة والعنف الذي اتّبعه الخليفة وحزبه مع الإمام عليّعليه‌السلام ومن معه بنفس الطريقة التي اتّبعوها مع سعد بن عبادة في السقيفة ، فقد بلغت الشدّة منهم أنّ عمر هدّد بحرق بيت الإمام عليّعليه‌السلام وإن كانت فاطمةعليها‌السلام فيه(١) ، ومعنى هذا أنّ فاطمة وغيرها من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس لهم حرمة تمنعهم عن أن يتّخذ الجهاز الحاكم الطريقة نفسها معهم .

٣ ـ إنّ أبا بكر ومن معه لم يشرك شخصاً من الهاشميّين في شأن من شؤون الحكم المهمّة خشية أن يصل الهاشميّون إلى الخلافة(٢) ولا جعل منهم والياً على شبر من الدولة الإسلامية الواسعة .

٤ ـ إعداد وتهيئة كتلة سياسية ضخمة تنافس آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعاديهم ، لنيل الخلافة والمركز الأعلى في الحكم ، فإنّنا نلاحظ أنّ الأمويين ذوي الألوان والطموحات السياسية الواضحة قد احتلوا الصدارة في المناصب الإداريّة أيام أبي بكر وعمر ، وإضافة إلى ذلك أنّ مبدأ الشورى الذي ابتكره الخليفة الثاني سوف يجعل من عثمان بن عفّان المرشح الأوفر حظّاً من غيره من المنافسين .

هذه الكتلة السياسية من شأنها أن تطول وتتّسع لأنّها ليست متمثلة في شخص بل في بيت كبير ، وبالتالي سوف لن تكون الظروف مهيأة لصعود آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى سدّة الخلافة بسهولة على أقلّ تقدير .

٥ ـ عزل كلّ العناصر التي تميل إلى بني هاشم ، فقد روي أنّ أبا بكر عزل خالد بن سعيد بن العاص عن قيادة الجيش الذي وجّهه لفتح الشام بعد أن أسندها إليه لا لشيء إلاّ لأنّ عمر نبّهه إلى نزعته الهاشمية وميله إلى آل محمد ، وذكّره بموقفه المعارض لهم بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

٦ ـ إضعاف القدرة الاقتصادية للإمام عليّعليه‌السلام خشية أن يستثمرها الإمام في الدعوة لاستعادة حقّه الشرعي في الخلافة ، فقام الخليفة بمصادرة فدك من الزهراءعليها‌السلام لعلمه أنّهاعليها‌السلام كانت سنداً قوياً لقرينها في دعوته إلى نفسه ، هذا إذا علمنا أنّ أطرافاً سياسية باعت صوتها للحكومة ، فمن الممكن أن تفسخ المعاملة إذا عرض عليها ما ينتج ربحاً أكبر ، كما

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٣ / ١٩٧ ط دار الوفاء .

(٢) تأريخ الطبري : ٢ / ٦١٨ ، ومروج الذهب على هامش تأريخ ابن الأثير : ٥ م ١٣٥ .

(٣) تاريخ الطبري : ٢ / ٥٨٦ ط مؤسسة الأعلمي .

١١٧

وأنّ الخليفة أبا بكر نفسه اتّخذ المال وسيلة من وسائل الإغراء وكسب الأصوات(١) .

وإذا أضفنا لذلك أنّ الزهراء كانت دليلاً يحتجّ به أنصار الإمام عليّعليه‌السلام على أحقّيته بالخلافة نستوضح أنّ الخليفة كان موفَّقاً كلّ التوفيق في مسعاه السياسي لإظهار موقف الزهراءعليها‌السلام الداعم لأمير المؤمنينعليه‌السلام موقفاً محايداً ، وذلك بأسلوب لبق وغير مباشر لإفهام المسلمين أنّ فاطمةعليها‌السلام امرأة من النساء ولا يصحّ أن تؤخذ آراؤها ودعاويها دليلاً في مسألة بسيطة كفدك ، فضلاً عن موضوع مهم كالخلافة ، وأنّها إذا كانت تطلب أرضاً ليس لها بحقّ ؛ فمن الممكن أن تطلب(٢) لقرينها الدولة الإسلامية كلّها ، وليس له فيها حقّ كما يدّعيه هؤلاء الصحابة الذين رشّحوا أنفسهم لخلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيطروا على زمام الأمر .

فقد روي أنّه لمّا استقرّ الأمر لأبي بكر ، بعث إلى وكيل الزهراء فأخرجه منها واستولى على فدك ، واحتجّ بحديث لم يروه غيره ، وهو أنّه سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( إنّا معاشرَ الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه صدقة ) فالنبيّ لا يورث وإنّما ميراثه في المساكين وفقراء المسلمين(٣) .

الاحتجاجات على خلافة السقيفة :

إنّ الصفوة الخيّرة من الصحابة الذين وقفوا مع الإمام عليّعليه‌السلام في المطالبة بحقّه الشرعي في الخلافة احتجّوا بصلابة وثقة وعلانية وبحجّة واضحة دامغة وبدليل شرعيّ منصوص وبأسلوب يدلّ على الحرص على إصابة الحقّ وصيانة الحكم الإسلامي من الانحراف على الحكومة ، فقد وقفوا في مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانبرى الصحابيّ الجليل خزيمة بن ثابت فقال : أيّها الناس ! ألستم تعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قَبِل شهادتي وحدي ، ولم يرد معي غيري ؟ فقالوا : بلى ، قال : فأشهد أنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :(أهل بيتي يفرّقون بين الحقّ والباطل ، وهم الأئمّة الذين يقتدى بهم) ، وقد قلت ما علمت ، وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين .

ــــــــــــ

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد : ٣ / ١٨٢ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : ١ / ١٣٣ .

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ٢٨٤ ط المحققة / أبو الفضل إبراهيم وفيه جواب مدرس المدرسة الغربية علي بن الفارقي بهذا المعنى عندما سأله ابن أبي الحديد .

(٣) راجع سنن البيهقي : ٦ / ٣٠١ ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ٢١٨ ـ ٢٢٤ ، ودلائل الصدق للمظفر : ٣ / ٣٢ .

١١٨

واحتجّ عمار بن ياسر فقال : يا معاشر قريش ويا معاشر المسلمين ! إن كنتم علمتم وإلاّ فاعلموا أنّ أهل بيت نبيّكم أولى به وأحقّ بإرثه وأقوم باُمور الدين وآمن على المؤمنين وأحفظ لملّته وأنصح لاُمّته ، فمروا صاحبكم فليردّ الحقّ إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم ويظهر شقاقكم وتعظم الفتنة بكم .

ووقف سهل بن حنيف فقال : يا معشر قريش ! أشهد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد رأيته في هذا المكان ـ يعني مسجد النبيّ ـ وقد أخذ بيد عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وهو يقول :( أيّها الناس ، هذا عليّ إمامكم من بعدي ووصيّي في حياتي وبعد وفاتي ، وقاضي ديني ، ومنجز وعدي ، وأوّل من يصافحني على حوضي ، وطوبى لمن تبعه ونصره ، والويل لمن تخلّف عنه وخذله ) .

ثمّ قام أبو الهيثم بن التيهان فقال : وأنا أشهد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه أقام عليّاً يوم غدير خم ، فقالت الأنصار : ما أقامه إلاّ للخلافة ، وقال بعضهم : ما أقامه إلاّ ليعلم الناس أنّه مولى من كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مولاه ، وكثر الخوض في ذلك فبعثنا رجلاً منّا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألوه عن ذلك ، فقال :( هو وليّ المؤمنين بعدي وأنصح الناس لأمتي ) ، وأنا أشهد بما حضرني ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، إنّ يوم الفصل كان ميقاتاً .

١١٩

ثمّ قام آخرون منهم أبو ذر وأبو أيوب الأنصاري وعتبة بن أبي لهب والنعمان بن عجلان وسلمان الفارسي فاحتجّوا على القوم(١) .

محاولة إرغام الإمامعليه‌السلام على البيعة :

كان لامتناع الإمام عن البيعة وقيام عدد من الصحابة الأجلاّء بالاحتجاج العلني ومطالبة السلطة بالتنحّي عنها وتسليمها إلى صاحبها الشرعي الأثر الفعّال في تحريك مشاعر المسلمين وتعبئتهم في صف أمير المؤمنينعليه‌السلام ، هذا بالإضافة إلى وجود بعض العشائر المؤمنة المحيطة بالمدينة مثل أسد وفزارة(٢) وبني حنيفة وغيرهم ممن شاهد بيعة يوم الغدير (غدير خم) التي عقدها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّعليه‌السلام بإمرة المؤمنين من بعده الذين رفضوا بيعة أبي بكر ، وامتنعوا عن أداء الزكاة للحكومة الجديدة باعتبارها غير شرعية ، وكانوا يقيمون الصلاة ويؤدّون جميع الشعائر ، كلّ هذا كان يشكّل خطراً على الحكم القائم ، فرأت السلطة الحاكمة أن تصنع حدّاً لهذا الخطر ، وذلك بإجبار رأس المعارضة وهو عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام على بيعة أبي بكر .

وذكر بعض المؤرّخين أنّ عمر أتى أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة ؟ يا هذا لم تصنع شيئاً ما لم يبايعك عليّ ! فابعث إليه حتى يبايعك .

فأجمعوا آراءَهم على إرغام الإمامعليه‌السلام وقسره على البيعة لأبي بكر ، فأرسلوا قوة عسكرية فأحاطت بداره فدخلوا داره بعنف(٣) ، وأخرجوه منها بصورة لا تليق بمكانة شخص قال عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ) .

ــــــــــــ

(١) تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٥٦ ، والخصال للصدوق : ٤٣٢ ، والاحتجاج للطبرسي : ١ / ١٨٦ .

(٢) تأريخ الطبري : ٢ / ٤٧٦ ط مؤسسة الأعلمي .

(٣) الإمامة والسياسة : ٣٠ ، وتأريخ الطبري : ٢ / ٤٤٣ .

١٢٠