اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)0%

اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 226

اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 226
المشاهدات: 170620
تحميل: 8018

توضيحات:

اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 226 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 170620 / تحميل: 8018
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولمّا كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان ؛ كان الإمامعليه‌السلام يكثر التأمل في السماء وهو يردّد :(ما كذبت ولا كذّبت إنّها الليلة التي وعدت بها) (١) وأمضىعليه‌السلام ليلته بالدعاء والمناجاة ، ثمّ خرج إلى بيت الله لصلاة الصبح فجعل يوقظ الناس على عادته إلى عبادة الله فينادي :الصلاة الصلاة .

ثمّ شرععليه‌السلام في صلاته ، وبينما هو منشغل يناجي ربّه إذ هوى المجرم اللعين عبد الرحمن بن ملجم وهو يصرخ بشعار الخوارج (الحكم لله لا لك) ووقع السيف على رأسه المبارك فقدّ منه فهتف الإمامعليه‌السلام :(فزت وربّ الكعبة) (٢) .

ولمّا علت الضجّة في المسجد ؛ أقبل الناس مسرعين فوجدوا الإمامعليه‌السلام طريحاً في محرابه ، فحملوه إلى داره وهو معصّب الرأس والناس يضجّون بالبكاء والعويل ، واُلقي القبض على المجرم ابن ملجم ، وأوصى الإمامعليه‌السلام ولده الحسن وبنيه وأهل بيته أن يحسنوا إلى أسيرهم وقال :(النفس بالنفس ، فإن أنا مُتّ فاقتلوه كما قتلني ، وإن أنا عشت رأيت فيه رأيي) (٣) .

وصيّة الإمامعليه‌السلام :

أوصى الإمامعليه‌السلام ولديه الحسن والحسينعليهما‌السلام وجميع أهل البيت بوصايا عامّة فقال :

(أوصيكما بتقوى الله ، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما ، وقولا بالحقّ واعملا للأجر ، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً ، واعملا بما في

ــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ٨٠ ، وبحار الأنوار : ٤٢ / ٢٣٠ .

(٢) الإمامة والسياسة : ١٨٠ أو : ١٣٥ ط بيروت و ١٥٩ ط مصر ، وتأريخ دمشق : ٣ / ٣٦٧ ترجمة الإمام عليّعليه‌السلام .

(٣) مقاتل الطالبيين : ٢٢ ، شرح النهج لابن أبي الحديد : ٦ م ١١٨ ، وبحار الأنوار : ٤٢ / ٢٣١ .

٢٠١

الكتاب ، ولا تأخذكما في الله لومة لائم) (١) .

ولم يمهل الجرح أمير المؤمنين طويلاً لشدّته وعظيم وقعته ، فقد دنا الأجل المحتوم ، وكان آخر ما نطق به قوله تعالى : ( لِمِثْلِ هذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ) ثمّ فاضت روحه الطاهرة إلى جنّة المأوى .

دفن وتأبين الإمامعليه‌السلام :

نهض الإمامان الحسن والحسينعليهما‌السلام بتجهيز أمير المؤمنين وما يترتّب عليهما من إجراءات الدفن من غسل وتكفين ، ثمّ صلى الإمام الحسنعليه‌السلام على أبيه ومعه ثلّة من أهل بيته وأصحابه ، ثمّ حملوا الجثمان الطاهر إلى مثواه الأخير ، فدفن في النجف قريباً من الكوفة ، وتمّت كلّ الإجراءات ليلاً(٢) .

ثمّ وقف صعصعة بن صوحان يؤبّن الإمامعليه‌السلام فقال :

هنيئاً لك يا أبا الحسن ! فلقد طاب مولدك ، وقوي صبرك ، وعظم جهادك ، وظفرت برأيك ، وربحت تجارتك ، وقدمتَ على خالقك فتلقّاك الله ببشارته وحفّتك ملائكته ، واستقررتَ في جوار المصطفى فأكرمك الله بجواره ، ولحقتَ بدرجة أخيك المصطفى ، وشربت بكأسه الأوفى ، فأسأل الله أن يمنَّ علينا باقتفائنا أثرك ، والعمل بسيرتك ، والموالاة لأوليائك ، والمعاداة لأعدائك ، وأن يحشرنا في زمرة أوليائك ، فقد نلتَ ما لم ينله أحد ، وأدركت ما لم يُدركه أحد ، وجاهدت في سبيل ربّك بين يدي أخيك المصطفى حقّ جهاده ، وقمت بدين الله حقّ القيام ، حتى أقمتَ السنن وأبرت الفتن واستقام الإسلام وانتظم الإيمان ، فعليك منّي أفضل الصلاة والسلام .

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري : ٤ / ١١٤ ط مؤسسة الأعلمي ، راجع أيضاً نهج البلاغة : باب الكتب ٤٧ طبعة صبحي الصالح .

(٢) بحار الأنوار ك ٤٢ / ٢٩٠ .

٢٠٢

ثمّ قال : لقد شرّف الله مقامك ن وكنت أقرب الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسباً ، وأوّلهم إسلاماً ، وأوفاهم يقيناً ، وأشدّهم قلباً ، وأبذلهم لنفسه مجاهداً ، وأعظمهم في الخير نصيباً ، فلا حرمنا أجرك ، ولا أذلّنا بعدك ، فو الله لقد كانت حياتك مفاتح الخير ومغالق الشر ، وإنّ يومك هذا مفتاح كلّ شر ومغلاق كلّ خير ، ولو أنّ الناس قبلوا منك ؛ لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولكنّهم آثروا الدنيا على الآخرة(١) .

* * *

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٢ / ٢٩٥ .

٢٠٣

الفصل السادس: تراث الإمام المرتضى علي بن أبي طالبعليه‌السلام

إنّ أوّل عمل اهتمّ به الإمامعليه‌السلام بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وقد كان بوصية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ هو جمعه للقرآن الكريم ، وامتاز بترتيبه حسب النزول وتضمّن معلومات فريدة عن شأن النزول والتفسير والتأويل الذي تحتاجه اُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد عرضه على الخليفة الأوّل فقال : لا حاجة لنا به ، فأشارعليه‌السلام إلى أنّهم سوف لا يحصلون عليه بعد ذلك اليوم ، وهكذا كان ، والمعروف أنّه يتوارثه الأئمّة من أبنائهعليهم‌السلام .

واُثر عن الإمام ما سمّي بالصحيفة التي تضمّنت أحكام الدّيات ، وقد روى عنها البخاري ومسلم وابن حنبل ، كما اُثر عه ما سمّي بالجامعة التي تضمّنت أو جمعت كلّ ما يحتاج إليه الناس من حلال و حرام ، ووصفها الإمام الصادق بأنّ طولها سبعون ذراعاً ، وليس من قضية إلاّ وهي فيها حتى أرش الخدش .

وتضمّن كتاب الجفر ما يرتبط بحوادث المستقبل وصحف الأنبياء السابقين ، وقد يشبهه مصحف فاطمة وهو ما أملته عليه فاطمة الزهراءعليها‌السلام بعد وفاة أبيها ممّا كانت تُلهم به من مفاهيم(١) وكلّ هذه الكتب تعتبر من مواريث الإمامة التي يتناقلها الأئمّةعليهم‌السلام إماماً بعد إمام .

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي : الجزء الأول باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة وراجع : سيرة الأئمّة الاثني عشر : ١ / ٩٦ ـ ٩٩ و ٢٧٤ ـ ٢٩٤ .

٢٠٤

وقد تصدّى جمع من علماء الأمة إلى جمع ما اُثر عن الإمامعليه‌السلام من خطب ورسائل وكلمات ، وسمّيت بأسماء تتناسب مع أغراض جامعيها ، وأوّلها وأشهرها ما سمّي بـ (نهج البلاغة) للشريف الرضي المتوفى (٤٠٤ هـ) ، وقد انطوى على روائع فكر الإمام في شتى المجالات العقائدية والأخلاقية وأنظمة الحكم والإدارة والتأريخ والاجتماع وعلم النفس والدعاء والعبادة وسائر العلوم الطبيعية والإنسانية ، وهو ما اختاره الشريف الرضي من خطبه ورسائله ووصاياه وكلماته البليغة ومن هنا فقد تصدّى علماء آخرون لجمع ما لم يجمعه الشريف الرضي وسمّي بمستدرك نهج البلاغة .

وجمع النسائي المتوفى (٣٠٣ هـ) ما رواه الإمام علي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمَّاه بـ (مسند الإمام عليّعليه‌السلام ) .

وجمع الآمدي (المتوفّى بين ٥٢٠ و ٥٥٠ هـ) قصار كلماته الحكمية وسمّاها بـ (غررالحكم ودرر الكلم) .

وجمع أبو إسحاق الوطواط (المتوفّى بين ٥٥٣ و ٥٨٣ هـ) من كلامه ما سمّاه بـ (مطلوب كلّ طالب من كلام عليّ بن أبي طالب) وأثرت عن الجاحظ المتوفى (٢٥٥ هـ) (مائة كلمة) للإمام عليّعليه‌السلام و (نثر اللئالي) جمع الطبرسي صاحب مجمع البيان ، وكتاب صفّين لنصر بن مزاحم اشتمل على مجموعة من خطبه وكتبه و(الصحيفة العلوية) وهي مجموعة من الأدعية التي أثرت عنهعليه‌السلام .

في رحاب نهج البلاغة :

إذا كان (القرآن الكريم) هو معجزة النبوة ؛ فإنّ (نهج البلاغة) معجزة الإمامة فليست هذه العقلية العظيمة المتجلّية بذلك الأسلوب العلوي الواضحة في كلّ فقرة من فقرات (النهج) وفي كلّ شذرة من تلك الشذور إلاّ غرس ذلك النبيّ العظيم المستمدّ من وحي الله تعالى ، فما من موضوع يطرقه الإمام إلاّ وترى نور الله

٢٠٥

يشعّ أمامه وهدي الرسول ينير له الطريق)(١) .

وقال الشريف الرضيقدس‌سره : كان أمير المؤمنينعليه‌السلام مشرّع الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولّدها ، ومنهعليه‌السلام ظهر مكنونها وعنه أخذت قوانينها ، وعلى أمثلته حذا كلّ قائل خطيب ، وبكلامه استعان كلّ واعظ بليغ ، ومع ذلك فقد سبق وقصّروا ، وقد تقدّم وأخّروا ، لأنّ كلامهعليه‌السلام الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي ، وفيه عبقة من الكلام النبويّ .

في رحاب العقل والعلم والمعرفة :

١ ـلا غنى كالعقل ولا فقر كالجهل ، والعقل ينبوع الخير وأشرف مزيّة ، وأجمل زينة .

٢ ـالعقل رسول الحقّ العقل أقوى أساس والإنسان بعقله وبالعقل صلاح كلّ أمر .

٣ ـالعلم غطاء وساتر والعقل حسام قاطع ، فاستُر خلل خُلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك والفكر مرآة صافية .

٤ ـالعقل صاحب جيش الرحمن ، والهوى قائد جيش الشيطان ، والنفس متجاذبة بينهما فأيّهما غلب كانت في حيّزه .

٥ ـأفضل حظّ الرجل عقله ، إن ذلّ أعزّه ، وإن سقط رفعه ، وإن ضلّ أرشده ، وإن تكلّم سدّده .

٦ ـإنّ أفضل الناس عند الله من أحيا عقله وأمات شهوته وأتعب نفسه لإصلاح آخرته .

٧ ـعلى قدر العقل يكون الدين ما آمن المؤمن حتى عقل قيمة كلّ امرئ عقله .

٨ ـ وعرّف العقل بما يلي :

أ ـإنّما العقل التجنّب من الإثم والنظر في العواقب والأخذ بالحزم .

ب ـالعقل أصل العلم وداعية الفهم .

ــــــــــــ

(١) حياة أمير المؤمنين في عهد النبي : ٤٠٢ ، تأليف : محمد صادق الصدر .

٢٠٦

ج ـالعقل غريزة تزيد بالعلم وبالتجارب .

د ـللقلوب خواطر سوء والعقول تزجر عنها .

هـغريزة العقل تأبى ذميم الفعل .

و ـالعاقل من يعرف خير الشرّين .

في رحاب القرآن الكريم والسنّة النبويّة المباركة :

١ ـ قالعليه‌السلام :وأنزل عليكم الكتاب تبياناً لكلّ شيء وعَمَّر فيكم نبيّه أزماناً حتى أكمل له ولكم ـ فيما أنزل من كتابه ـ دينه الذي رضي لنفسه .

٢ ـذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق ، ولكن أخبركم عنه ، ألا إنّ فيه علم ما يأتي ، والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظم ما بينكم ، وينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، ولا يختلف في الله ولا يخالف بصاحبه عن الله ، ولا يَعوَجُّ فيقام ولا يزيغ فيستعتب ولا تخلقه كثرة الردّ وولوج السمع لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه ن ولا تكشف الظلمات إلاّ به .

وفيه ربيع القلب وما للقلب جلاء غيره فهو معدن الإيمان وبحبوحته ، وينابيع العلم وبحوره ورياض العدل وغدرانه ، وأثافيّ الإسلام وبنيانه ، وأودية الحق وغيطانه ، وبحر لا ينزفه المستنزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها الواردون جعله الله ريّاً لعطش العلماء وربيعاً لقلوب الفقهاء ، ومحاجَّ لطرق الصلحاء وعلماً لمن وعى ، وحديثاً لمن روى ، وحكماً لمن قضى وشفاءً لا تخشى أسقامه ودواءً ليس بعده داء فاستشفوه من أدوائكم ، واستعينوا به على لأوائكم ؛ فإنّ فيه شفاءً من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغيّ والضلال (١) .

وأما سُنَّةُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد دعا الإمام إلى العمل بها، وبيَّن موقع الأئمّة وموقفهم المشرّف في إيصال السنّة الصحيحة إلى الأمة وإحياء ما أماته المبطلون من سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسباب انحراف من انحرف عن مدار السُّنة .

ــــــــــــ

(١) راجع الخطبة ١٧٦ من نهج البلاغة ، طبعة صبحي الصالح .

٢٠٧

قالعليه‌السلام :اقتدوا بهدي نبيّكم فإنّه أفضل الهدي ، واستنّوا بسنّته فإنّها أهدى السنن .

وقالعليه‌السلام :أحبّ العباد إلى الله المتأسّي بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمقتصّ أثره وقالعليه‌السلام :إرض بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رائداً والى النجاة قائداً .

وقالعليه‌السلام :إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً وصدقاً وكذباً وناسخاً ومنسوخاً وعامّاً وخاصّاً ومحكماً ومتشابهاً وحفظاً ووهماً ، ولقد كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عهده حتى قام خطيباً فقال : من كذّب عليّ متعمّداً ؛ فليتبوأ مقعده من النار .

وقالعليه‌السلام :لا يُقاس بآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الأمة أحد هم عيش العلم وموت الجهل لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه هم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحقّ في نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية هم موضع سرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحماة أمره وعيبة علمه وموئل حكمه وكهوف كتبه وجبال دينه ، هم مصابيح الظلم وينابيع الحِكمَ ومعادن العلم ومواطن الحلم .

وقالعليه‌السلام :وإنّي لعلى بيّنة من ربّي ومنهاج من نبيّي ، وإنّي لعلى الطريق الواضح ألفظه لفظاً (١) .

في رحاب التوحيد والعدل والمعاد :

قالعليه‌السلام في مجال إثبات وجوده تعالى :الحمد لله الدالّ على وجوده بخلقه وبمحدث خلقه على أزليته وباشتباههم على أن لا شبه له وقال :عجبت لمن شكّ في الله وهو يرى خلق الله بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم .

وحين سُئلعليه‌السلام : هل رأيت ربّك ؟ أجاب :وكيف أعبد ربّاً لم أره ؟ ثمّ قال :لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان عظم عن أن تثبت ربوبيّته بإحاطة قلب أو بَصَر .

وجاء في دعائه المعروف بدعاء الصباح :يا من دلّ على ذاته بذاته ، وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته ، وجلّ عن ملائمة كيفياته يا من قرب من خطرات الظنون وبَعُد عن لحظات العيون ، وعلم بما كان قبل أن يكون ...

ــــــــــــ

(١) راجع المعجم الموضوعي لنهج البلاغة : ٤٢ ـ ٥٣ و ١٠١ وتصنيف غرر الحكم : ١٠٩ ـ ١١٧ .

٢٠٨

لقد شحن الإمام خطبه العلوية بآيات القدرة الإلهية السماوية والأرضية ، وأطنب فيها إطناب الخبير البصير ، ففصّل آيات القدرة والعظمة تفصيلاً يعطي للمطالع إيماناً وخشوعاً لله وخضوعاً لعظمته ، بحيث يلمس السامع لخطبهعليه‌السلام أنّه كما قال : والله لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً .

وقدّم الإمام تصويراً دقيقاً لصفاته تعالى بحيث صار معياراً للبحوث الفلسفية الدقيقة ومفتاحاً للدخول إلى مثل هذه البحوث التي تضلّ فيها الأفكار لو لا الهداية الربّانية الموجّهة .

قالعليه‌السلام :وكمال توحيده الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومَن أشار إليه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عدّه كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع كلّ شيء لا بمقارنة وغير كلّ شيء لا بمزايلة .

وقالعليه‌السلام : مستدلاً على وحدانيته :واعلم يا بني ، إنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ، واعلم يا بُني أنّ أحداً لم ينبئ عن الله سبحانه كما أنبأ عنه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فارض به رائداً .

وقال عن عدله تعالى :وارتفع عن ظلم عباده وقام بالقسط في خلقه وعدل عليهم في حكمه وعدل في كلّ ما قضى وقال :فإنّه لم يأمرك إلاّ بحسن ولم ينهك إلاّ عن قبيح وإنّ حكمه في أهل السماء والأرض لواحد وما كان الله ليدخل الجنّة بشراً بأمرٍ أخرج به منها ملكاً .

في رحاب القيادة الإلهية (النبوّة والإمامة) :

الهداية الإلهية عبر القادة المهديّين الذين اختارهم الله لهداية عباده هي سنّة الله الدائمة لخلقه الذين زوّدهم بالعقل والعلم وسلّحهم بسلاح الإرادة والاختيار .

وتبدأ هذه السُنّة لهذه البشرية باختيار آدم خيرة من خلقه :فأهبطه بعد التوبة ليعمر أرضه بنسله وليقيم الحجّة به على عباده ، ولم يخلهم بعد أن قبضهم ممّا يؤكد عليهم حجّة ربوبيّته ويصل بينهم وبين معرفته ، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه ومتحمّلي ودائع رسالاته قرناً فقرناً فاستودعهم في أفضل مستودع ، وأقرّهم في خير مستقر ، تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام حتى أخرج آخرهم نبيّنا محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أفضل المعادن منبتاً وأعزّ الأُرومات مغرساً ، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه وانتجب منها أمناءه .

٢٠٩

ووصف الإمامعليه‌السلام زهد الأنبياء وشجاعتهم وتواضعهم ورعاية الله لهم وتربيته لهم بالاختبار والابتلاء وتعريضهم للأذى في سبيل الله ، وبيّن وظائفهم المتمثّلة في التبليغ والدعوة إلى الله سبحانه والتبشير والإنذار وإقامة حكم الله في الأرض وهداية الناس بإخراجهم من الجهل والضلالة ومجاهدة أعداء الله .

وتستمرّ مسيرة الهداة الربّانيين على مدى العصور إلى يوم القيامة ، فلا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة ، إمّا ظاهراً مشهوراً وإمّا خائفاً مستوراً لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته وحيث خُتمت النبوة بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انتهى أمر الهداية إلى عترته التي هي خير العتر ، إن نطقوا صدقوا وإن صمتوا لم يسبقوا ، وهم شجرة النبوّة ومحطّ الرسالة ومختلف الملائكة ومعادن العلم وينابيع الحكم ، والأعظمون عند الله قدراً يحفظ الله بهم حججه وبيّناته بهم عُلِم الكتاب وبه عُلموا ، فيهم كرائم القرآن وكنوز الرحمن ، فهم الراسخون في العلم يخبركم حلمهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه ، وهم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحقّ إلى نصابه وانزاح الباطل عن مقامه ، فهم أساس الدين وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي ، لهم خصائص حقّ الولاية وفيهم الوصية والوراثة .

٢١٠

لقد أكّد الإمام على موقف أهل البيت القيادي الفكري والسياسي وأدان زحزحة القيادة عن موقعها الذي عيّنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعترض على خطّ الخلفاء جملةً وتفصيلاً ، بالرغم من اضطراره للتنازل عن حقّه وجهد في تقديم الأطروحة النبويّة للقيادة بعد الرسول بشكل ناصع ، وجاهد من أجل إحقاق الحقّ بشكل حكيم وأسلوب كان ينسجم مع حساسية الظرف التي كانت تمرّ بها الدولة والاُمّة الإسلامية حينذاك ، واستطاع أن يقدّم النظرية كاملة ويعدّ العدّة لتطبيقها حينما تسمح له الظروف(١) .

في رحاب الإمام المهديعليه‌السلام :

استأثر التبشير بقضيّة الإمام المهدي (عج) اهتمام القرآن الكريم والنبيّ العظيم والإمام المرتضى على الرغم من التشتّت الذي كان يعيشه ذلك المجتمع المضطرب بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالعليه‌السلام :ألا وفي غدٍ ـ وسيأتي غدٌ بما لا تعرفون ـ يأخذ الوالي من غيرها عمّالَها على مساوئ أعمالها ، وتُخرج له الأرض أفاليذ كبدها ، وتلقي إليه سِلْماً مقاليدَها ، فيريكم كيف عدلُ السيرة ، ويُحيي ميِّت الكتاب والسُنّة (٢) .

إنّها رؤية دقيقة محدّدة مضيئة واضحة المعالم ، تتمثّل في قيام ثورة عالمية تصحّح وضع العالم الإسلامي بل الإنساني أجمع ، قالعليه‌السلام عن قائدها :يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى ، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا

ــــــــــــ

(١) راجع المعجم الموضوعي لنهج البلاغة : ٨٧ ـ ١١٦ و ٣٧٤ ـ ٤٤٥ .

(٢) من الخطبة ١٣٨ من نهج البلاغة .

٢١١

القرآن على الرأي (١) .

وقد تصدّت مؤسّسة نهج البلاغة لجمع الأحاديث التي وردت عن الإمام عليّعليه‌السلام حول الإمام المهدي (عج) وقد اجتمعت في جزء واحد وبلغ مجموعه (٢٩١) حديثاً ، أربعة عشر منها عن اسم المهدي وصفاته ودعائه وسبعة وسبعون منها عن نسب الإمام وأنّه من قريش وبني هاشم ومن أهل البيت ومن ولد عليّ ، وأنّه من ولد فاطمة ، بل من ولد الحسين وأحد الأئمّة الإثني عشر ن وخمسة وأربعون منها ترتبط بالمهدي في القرآن ونهج البلاغة وشعر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وثلاثة وعشرون منها حول أنصار المهدي والرايات السود ، واثنا عشر منها حول السفياني والدجّال ، وستة وعشرون منها عن غيبة المهدي ومحن الشيعة عند الغيبة وفضيلة انتظار الفرج ، وخسمة وسبعون منها حول الفتن قبل المهدي وعلائم الظهور وما بعد الظهور ودابّة الأرض ويأجوج ومأجوج ، وتسعة عشر منها ترتبط بفضل مسجد الكوفة وخروج رجل من أهل بيتهعليهم‌السلام بأهل المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر حتى يقولوا : والله ما هذا من ولد فاطمة ثم يبيّن حكم الأرض عند ظهور القائمعليه‌السلام وحكومته وكيفية ختم الدين به .

قالعليه‌السلام :يا كميل ، ما من علم إلاّ وأنا أفتحه ، وما من سرٍّ إلاّ والقائم عليه‌السلام يختمه يا كميل ، لا بدّ لِماضيكم من أوبة ، ولابدّ لنا فيكم من غلبة ... (٢) .

بنا يختم الدين كما بنا فُتح ، وبنا يستنقذون من ضلالة الفتنة كما استنقذوا من ضلالة الشرك ، وبنا يؤلّف الله قلوبهم في الدين بعد عداوة الفتنة كما ألّف بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة الشِرك (٣) ولو قد قام قائمنا ؛ لأنزلت السماء قطرها وأخرجت الأرض نباتها ،

ــــــــــــ

(١) المصدر السابق .

(٢) عن بشارة المصطفى ك ٢٤ ـ ٣١ .

(٣) عن ملاحم ابن طاووس : ٨٤ ـ ٨٥ .

٢١٢

وليذهب الشحناء من قلوب العباد ، وأصلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة من العراق إلى الشام لا تضع قدمها إلاّ على النبات وعلى رأسها زينتها لا يهيجها سبع ولا تخافه (١) .

في رحاب الحكم الإسلامي : فلسفته وأصوله

لقد قدَّم الإمامعليه‌السلام نموذجاً عمليّاً فريداً في الحكم الإسلامي بعد عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قرن ذلك بنظرية كاملة منسجمة الأبعاد والجوانب تمثّلت في كتابه وعهده المعروف لمالك الأشتر حين ولاّه مصر ، وقد اهتمّ الاجتماعيون بهذا العهد شرحاً وتعليقاً وتبييناً ومقارنةً بأنظمة الحكم الأخرى ، ويعتبر هذا النص دليلاً من أدلّة إمامتهعليه‌السلام وبه تتميّز مدرسة أهل البيت عن سائر الاتّجاهات التي حملت اسم الإسلام والخلافة الإسلامية ، وبالإضافة إلى هذا النصّ المعجز نجد في نهج البلاغة وغيره من النصوص التي وصلتنا عنهعليه‌السلام ما يعيننا على كشف نظرية الإمام ونظرية الإسلام الفريدة عن فلسفة الحكم ونظامه أصولاً وفروعاً ، ونشير إلى الخطوط العريضة بإيجاز .

لقد أكّد الإمامعليه‌السلام على أنّ الحكم ضرورة اجتماعية بقوله :لابدّ للناس من أمير برّ أو فاجر ، والإمامة نظام الأمة وبيّن أنّ الحكم مختبر الحياة قائلاً :القدرة تُظهر محمود الخصال ومذمومها .

وأوضح أنّ الحكم عرض زائل فلا ينبغي الاغترار به بقوله :الدولة كما تُقبل تُدبر ثمّ أفاد أنّ الحكم النموذجي هو الذي يكون ذا قيمة ويستحقّ التمهيد والتخطيط له .

وأمّا الخطوط العريضة لنظام الحكم الإسلامي ومهام الدولة النموذجية فتتمثّل في : ١ ـ تثقيف الأمة ٢ ـ إقامة العدل ٣ ـ حماية الدين ٤ ـ إقامة الحدود ٥ ـ تربية المجتمع .

٦ ـ الاجتهاد في النصيحة والإبلاغ في الموعظة. ٧ ـ توفير الفيء وتحسين الوضع المعيشي للناس ٨ ـ الدفاع عن استقلال وكرامة الأمة ٩ ـ توفير الأمن الداخلي .

١٠ ـ نصرة المستضعفين ١١ ـ إغاثة الملهوفين ١٢ ـ الاهتمام بالعمران .

ــــــــــــ

(١) عن خصال الصدوق : ٢ / ٤١٨ وراجع موسوعة أحاديث أمير المؤمنين ، الجزء الأول ما روى عنه حول الإمام المهديعليه‌السلام . مؤسّسة نهج البلاغة .

٢١٣

وأمّا الحاكم النموذجي فينبغي له أن يتمتّع بجملة من الصفات والتي تكون من أهمّ عوامل ثبات حكمه ، وهي ملخّصاً كما يلي : ١ ـ الانقياد للحقّ ٢ ـ تفهّم الأمور ٣ ـ سطوع البيان ٤ ـ الشجاعة في إقامة الحقّ ٥ ـ حسن النيّة ٦ ـ الإحسان إلى الرعية ٧ ـ عفّة النفس ٨ ـ عموم العدل ٩ ـ التدبير والاقتصاد ١٠ ـ الإنصاف ١١ ـ الرفق ١٢ ـ الحلم ١٣ ـ الدفاع عن الدين ١٤ ـ كثرة الورع ١٥ ـ الشعور بالأمانة والمسؤولية ١٦ ـ اليقظة ١٧ ـ التكليف بما يُطيقه الشعب ١٨ ـ عدم الاغترار بالقدرة ١٩ ـ التوزيع الصحيح للأعمال وتعيين مسؤولية كلّ فرد بما يناسبه ٢٠ ـ البذل والجود من غير إسراف من كلّ ما يملك .

وقد طفحت كلمات الإمامعليه‌السلام بعوامل سقوط الدول وآفات الحكم محذّراً الحكّام والعمّال والولاة منها ، ويمكن إيجازها كما يلي :

١ ـ الجهل ٢ ـ الاستبداد بالرأي وترك المشورة ٣ ـ إتّباع الهوى ٤ ـ تعدّد مراكز القرار ٥ ـ إتّباع الباطل والاستخفاف بالدين ٦ ـ البغي والظلم ٧ ـ التكبّر والفخر ٨ ـ منع الإحسان. ٩ ـ الإسراف والتبذير ١٠ ـ الغفلة ١١ ـ الانتقام ١٢ ـ سوء التدبير ١٣ ـ قلّة الاعتبار وعدم الانتفاع بالتجارب ١٤ ـ كثرة الاعتذار وتراكم الأخطاء ١٥ ـ تضييع الأصول ١٦ ـ تقديم الأراذل وغير الجديرين للمناصب الإدارية على الأفراد الأكفاء ، قالعليه‌السلام :تولّي الأراذل والأحداث الدُوَل دليل انحلالها وإدبارها .

١٧ ـ الخيانة ، قالعليه‌السلام : إذا ظهرت الخيانات ارتفعت البركات ، ومن خانه وزيره فسد تدبيره ١٨ ـ ضعف السياسة ، قالعليه‌السلام : آفة الزعماء ضعف السياسة ، وآفة القوي استضعاف الخصم ، ومن تأخّر تدبيره تقدّم تدميره ، ١٩ ـ سوء السيرة ، قالعليه‌السلام : آفة الملوك سوء السيرة ٢٠ ـ عجز العمّال والولاة ٢١ ـ ضعف الحماية الشعبية للحاكم ، قالعليه‌السلام : آفة المُلك ضعف الحماية ٢٢ ـ سوء الظنّ بالنصيح من علامات الإدبار ٢٣ ـ طمع القادة وحرصهم وجشعهم على ملذّات الحياة الدنيا، قالعليه‌السلام : السيّد من لا يصانع ولا يخادع ولا تغرّه المطامع ، وقالعليه‌السلام : الطمع يذلّ الأمير ٢٤ ـ وفقدان الأمن .

٢١٤

في رحاب العبادات والفرائض :

قالعليه‌السلام :إنّ الله سبحانه فرض عليكم فرائض فلا تضيّعوها ، وحدّ لكم حدوداً فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء ولم يدعها نسياناً فلا تتكلّفوها ، ولم يأمركم إلاّ بحسن ، ولم ينهكم إلاّ عن قبيح .

وقالعليه‌السلام :عليك بحفظ كلّ أمر لا تعذر بإضاعته وقال : أوّل ما يجب عليكم لله سبحانه شُكر أياديه وابتغاء مراضيه ، وطوبى لمن حافظ على طاعة ربّه ، وسارعوا إلى فعل الطاعات وسابقوا إلى فعل الصالحات ، فإن قصّرتم فإيّاكم أن تقصّروا عن أداء الفرائض ، ولا قربة بالنوافل إذا أضرّت بالفرائض ، ولا عبادة كأداء الفرائض واهتمّ الإمامعليه‌السلام ببيان فلسفة جملة من التشريعات قائلاً :فرض الله سبحانه الإيمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيهاً عن الكبر ، والزكاة تسبيباً للرزق ، والصيام ابتلاءً لإخلاص الخلق ، والحجّ تقوية للدين ، والجهاد عزّاً للإسلام ، والأمر بالمعروف مصلحة للعوام، والنهي عن المنكر ردعاً للسفهاء ، وصلة الأرحام منماةً للعدد ، والقصاص حقناً للدماء ، وإقامة الحدود إعظاماً للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصيناً للعقل ، ومجانبة السرقة إيجاباً للعفّة ، وترك الزنا تحصيناً للأنساب ، وترك اللواط تكثيراً للنسل ، والشهادة استظهاراً على المجاحدات ، وترك الكذب تشريفاً للصدق ، والإسلام أماناً من المخاوف، والإمامة نظاماً للأمة ، والطاعة تعظيماً للإمامة .

وقالعليه‌السلام أيضاً :زكاة البدن الجهاد والصيام ، وزيارة بيت الله أمن من عذاب جهنّم .

٢١٥

وقالعليه‌السلام :وَامر بالمعروف تكن من أهله ، وأنكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله بجُهدِك ، وغاية الدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود ، والجهاد عماد الدين ومنهاج السعداء، ومن جاهد على إقامة الحقّ وفِّق ، والمجاهدون تفتّح لهم أبواب السماء ، وثواب الجهاد أعظم الثواب (١) .

في رحاب الأخلاق والتربية :

اعتنى الإمام المرتضى بتربية المجتمع وحاول أن يعالج الانحراف الأخلاقي في الإنسان من جذوره العميقة ، فوصف الداء الأساسي بقولهعليه‌السلام :ألا وإنّ حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة ثمّ بيّن السبب الأعمق في هذا الحبّ حينما أوضح الأسباب العميقة التي كانت تكمن وراء التآمر على الأطروحة النبويّة للخلافة والسرّ في استلاب الحكم منه بالرغم من تواتر النصوص النبويّة الكثيرة وإتمام الحجّة على المسلمين قائلاً :بلى لقد سمعوها ووعَوْها ولكن حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها .

ويترتّب على هذا الحبّ الشديد أنّ الإنسان سوف يستخدم مختلف الوسائل للوصول إلى ما يصبوا إليه فإنّ حبّ الشيء يُعمي ويصمّ ولهذا برّر الخلفاء تقمّصهم الخلافة بمختلف التبريرات التي دحضتها حجج الإمامعليه‌السلام الدامغة ، ولكن استمرّ التصلّب على الموقف الذي أدانه الإمامعليه‌السلام وإذا سألنا الإمامعليه‌السلام عن الدواء الناجع لعلاج هذا السبب الأعمق في الانحراف ؛ وجدناه العلاج في وصفه الدقيق للمتّقين في الخطبة المعروفة بخطبة همّام حيث وضّح السرّ الذي أوصلهم إلى هذه المرتبة من الكمال المتمثّلة بالتقوى بقوله :لقد عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم . وهكذا تكون المعرفة الحقيقية بالله العظيم سبباً في حقارة الدنيا في أعين عباده المتّقين ، وإذا صغرت الدنيا في أعينهم ؛ لم تكن الدنيا غاية همّتهم ولم يجدّوا في اقتنائها ، بل يحرصوا عليها وعلى ملكها كما لم يحرص عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام عليها فقد تنازل عن الخلافة حينما استبدّت بها قريش قائلاً :فإنّها كانت إثرة شحّت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين والحَكَم الله والموعد القيامة .

ــــــــــــ

(١) تصنيف غرر الحكم : ١٧٥ ـ ١٩٠ و ٣٣١ ـ ٣٣٥ ، والمعجم الموضوعي لنهج البلاغة : ١٤٠ ـ ١٥٠ و ٢١٦ ـ ٢٣٩ .

٢١٦

ومن هنا نشأت في المجتمع الإسلامي أخلاقيتان متميّزتان : أخلاقية عليّ النموذجية التي تدين السياسة الميكافيلية ، وأخلاقية الخلفاء التي كانت ترى مشروعية الوصول إلى الحكم بأيّة وسيلة ممكنة ، ومن هنا كان زهد عليّ في الحكم وحرص غيره عليه(١) .

في رحاب الدعاء والمناجاة :

اهتمّ الإمام عليّعليه‌السلام كما اهتم سائر الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام بحقل الدعاء والمناجاة بعد أن فتح القرآن الكريم هذا الباب قائلاً للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ) وبيّن أهميّة الدعاء بنصوصه وسيرته فقالعليه‌السلام :(الدعاء سلاح الأولياء ) .

وتضمّن نهج البلاغة مجموعة من الأدعية العلويّة لشتى الأغراض والمجالات ، وجمعت أدعيتهعليه‌السلام فيما يُسمّى بالصحيفة العلوية. ومن غرر أدعيته الدعاء المعروف بدعاء كميل ودعاء الصباح والمناجاة الشعبانية ، ونشير إلى مقطع من مناجاته المنظومة التي أثرت عنه ، قالعليه‌السلام :

لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلى

تباركت تعطي من تشاء وتمنعُ

إلهي وخلاّقي وحرزي وموئلي

إليك لدى الإعسار واليُسر أفزعُ

ــــــــــــ

(١) المعجم الموضوعي لنهج البلاغة : ٢٨٢ ـ ٣٥٦ و ١٩٤ ـ ٢١٤ و ١٥٢ ـ ١٦٩ و ٣٧٤ ـ ٣٧٩ ، وتصنيف غرر الحكم : القسم الأخلاقي : ٢٠٥ ـ ٣٢٣ و ١٢٧ ـ ١٤٧ .

٢١٧

إلهي لئن جلّت وجمّت خطيئتي

فعفوك عن ذنبي أجلّ وأوسعُ

إلهي ترى حالي وفقري وفاقتي

وأنت مناجاتي الخفيةَ تسمعُ

إلهي فلا تقطع رجائي ولا تُزغ

فؤادي فلي في سيب جودك مطمعُ

إلهي لئن خيّبتني أو طردتني

فمن ذا الذي أرجو من ذا اُشفِّعُ؟

إلهي أجرني من عذابك إنّني

أسير ذليل خائف لك أخضعُ

إلهي لئن عذّبتني ألف حجّة

فحبل رجائي منك لا يتقطّعُ

إلهي إذا لم تعفُ عن غير محسن

فمن لمسيء بالهوى يتمتّعُ؟

إلهي حليف الحبّ في الليل ساهر

يناجي ويدعو والمغفّل يهجعُ (١)

في رحاب أدب الإمامعليه‌السلام :

لقد تعرّفنا على مجموعة من النصوص المنثورة والمنظومة التي أثرت عن الإمامعليه‌السلام في نهج البلاغة أو غيره من الكتب التي اهتمّت بتراث الإمامعليه‌السلام ، ولاحظنا القمّة الشاهقة التألّق التي بلغها الإمام سواء في ميدان الخطابة أو الكتب والرسائل أو الكلمات الحكمية والمواعظ أو ميدان الشعر ، ولا نبالغ إذا قلنا ـ كما قال متخصّصو الأدب ـ إنّ أجود نتاج أدبي عرفه التأريخ فنّاً وعمقاً وفكراً هو نتاج الإمام عليّعليه‌السلام (٢) .

ونختار نماذج منظومة من أدبهعليه‌السلام في مختلف المجالات ، علماً بأنّ هناك ديوان شعر منسوباً إليه ، وقد اعتمده بعض المؤرّخين واستشهدوا بنماذج أدبيّة من نصوصه(٣) .

قالعليه‌السلام في رثاء أبيه أبي طالب رضوان الله تعالى عليه .

أبا طالبٍ عصمة المستجير

وغيث المحول ونور الظُلَم

ــــــــــــ

(١) الصحيفة العلوية ومفاتيح الجنان .

(٢) تأريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي للدكتور محمود البستاني : أدب الإمام عليعليه‌السلام .

(٣) راجع : في رحاب أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام للسيد محسن الأمين : ٢ / ٣٠١ ـ ٣١٣ .

٢١٨

لقد هدّ فقدُكَ أهل الحفاظ

فصلّى عليك وليّ النِعَم

ولقّاك ربّك رضوانه

فقد كنت للمصطفى خير عمّ (١)

وجاء عن الجاحظ والبلاذري : أن عليّاً أشعر الصحابة وأفصحهم وأخطبهم وأكتبهم ، وممّا قاله يوم بدر :

نصرنا رسول الله لمّا تدابروا

وثاب إليه المسلمون ذوو الحجى

ضربنا غواة الناس عنه تكرّماً

ولمّا يروا قصد السبيل ولا الهدى

ولما أتانا بالهدى كان كلّنا

على طاعة الرحمن والحقّ والتقى

وممّا أورده سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص قولهعليه‌السلام :

للناس حرص على الدنيا بتدبير

وصفوها لك ممزوج بتكدير

لم يرزقوها بعقل حينما رزقوا

لكنّما رزقوها بالمقادير

لو كان عن قوّة أو عن مغالبةٍ

طار البزاة بأرزاق العصافير

وعنهعليه‌السلام :

داؤك فيك وما تشعر

وداؤك منك وما تبصر

وتحسب أنّك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

فسلام عليك يا أبا الحسن والحسين يا سيّد البلغاء والشعراء يوم ولدت ويوم آمنت وجاهدت ويوم صبرت وآثرت ويوم أقمت حدود الله واستشهدت صابراً محتسباً ويوم تبعث حياً ، تقود أحبّاءك على الحوض إلى جنّات النعيم .

والحمد لله ربّ العالمين

ــــــــــــ

(١) راجع : الغدير : ٣ / ١٠٦ و ٧ / ٣٧٨ , ٣٧٩ .

٢١٩

الفهرست

المقدمة ٤

الباب الأول: فيه فصول: ١٠

الفصل الأوّل:  الإمام المرتضى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام في سطور ١٠

الفصل الثاني: انطباعات عن شخصيّة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.... ١٥

الفصل الثالث: مظاهر من شخصية الإمام عليّ عليه‌السلام.... ٢٠

عبادته وتقواه عليه‌السلام: ٢١

زُهده عليه‌السلام: ٢٢

إباؤه وشهامته عليه‌السلام: ٢٣

مروءته عليه‌السلام : ٢٤

صدقه وإخلاصه عليه‌السلام: ٢٤

شجاعته عليه‌السلام: ٢٥

عدله عليه‌السلام: ٢٦

تواضعه عليه‌السلام: ٢٧

نقاؤه عليه‌السلام: ٢٧

كرمه عليه‌السلام: ٢٧

علمه ومعارفه عليه‌السلام : ٢٨

الباب الثاني: فيه فصول: ٣١

الفصل الأول: نشأة الإمام علي عليه‌السلام.... ٣١

نسبه الوضّاء : ٣١

جدّه الكريم : ٣١

والده : ٣٢

أُمّه : ٣٣

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام عليّعليه‌السلام .... ٣٤

الفصل الثالث: المرحلة الأولى : من الولادة إلى البعثة النبوية المباركة ٣٥

٢٢٠