اشتراط الخمس بالتكليف
(مسألة ١٢٤٣):
الظاهر اشتراط البلوغ والعقل في ثبوت الخمس في جميع ما يتعلق به الخمس من أرباح المكاسب والكنز، والغوص، والمعدن، والأرض التي يشتريها الذمي من المسلم، فلا يجب الخمس في مال الصبي والمجنون على الولي، ولا عليهما بعد البلوغ والإفاقة. غير الحلال المختلط بالحرام فإنه يجب على الولي إخراج الخمس وإن لم يخرج فيجب عليهما الاخراج بعد البلوغ والإفاقة.
(مسألة ١٢٤٤):
إذا اشترى من أرباح سنته ما لم يكن من المؤنة، فارتفعت قيمته كان اللازم إخراج خمسه عينا أو قيمة فإن المال حينئذ بنفسه من الأرباح، وأما إذا اشترى شيئا بعد انتهاء سنته ووجوب الخمس في ثمنه، فإن كانت المعاملة شخصية وجب تخميس ذلك المال أيضا عينا أو قيمة، وأما إذا كان الشراء في الذمة، كما هو الغالب، وكان الوفاء به من الربح غير المخمس فلا يجب عليه إلا دفع خمس الثمن الذي اشتراه به، ولا يجب الخمس في ارتفاع قيمته ما لم يبعه، وإذا علم أنه أدى الثمن من ربح لم يخمسه، ولكنه شك في أنه كان أثناء السنة ليجب الخمس في ارتفاع القيمة أيضا، أو كان بعد انتهائها لئلا يجب الخمس إلا بمقدار الثمن فقط، فالأحوط المصالحة مع الحاكم الشرعي.
(مسألة ١٢٤٥):
إذا كان الشخص لا يحاسب نفسه مدة من السنين وقد ربح فيها واستفاد أموالا، واشترى منها أعيانا وأثاثا، وعمر ديارا ثم التفت إلى ما يجب عليه من إخراج الخمس، من هذه الفوائد فالواجب عليه اخراج الخمس، من كل ما اشتراه أو عمره أو غرسه، مما لم يكن معدودا من المؤنة، مثل الدار التي لم يتخذها دار سكنى والأثاث الذي لا يحتاج إليه أمثاله، وكذا الحيوان والفرس وغيرها على تفصيل مر في المسألة السابقة أما ما يكون معدودا من المؤنة مثل دار السكنى والفراش والأواني اللازمة له ونحوها، فإن كان قد اشتراه من ربح السنة التي قد اشتراه فيها لم يجب اخراج الخمس منه، وإن كان قد اشتراه من ربح السنة السابقة، بأن كان لم يربح في سنة الشراء، أو كان ربحه لا يزيد على مصارفه اليومية وجب عليه اخراج خمسه، على التفصيل المتقدم وإن كان ربحه يزيد على مصارفه اليومية، لكن الزيادة أقل من الثمن الذي اشتراه به وجب عليه اخراج خمس مقدار التفاوت، مثلا إذا عمر دارا لسكناه بألف دينار وكان ربحه في سنة التعمير يزيد على مصارفه اليومية بمقدار مائتي دينار وجب اخراج خمس ثمانمائة دينار، وكذا إذا اشترى أثاثا بمائة دينار، وكان قد ربح زائدا على مصارفه اليومية عشرة دنانير في تلك السنة، والأثاث الذي اشتراه محتاج إليه وجب تخميس تسعين دينارا وإذا لم يعلم أن الأعيان التي اشتراها، وكان يحتاج إليها يساوي ثمنها ربحه في سنة الشراء أو أقل منه، أو أنه لم يربح في سنة الشراء زائدا على مصارف اليومية فالأحوط المصالحة مع الحاكم الشرعي، وإذا علم أنه لم يربح في بعض السنين بمقدار مصارفه، وأنه كان يصرف من أرباح سنته السابقة وجب اخراج خمس مصارفه التي صرفها من أرباح السنة السابقة.
(مسألة ١٢٤٦):
قد عرفت أن رأس السنة أول ظهور الربح لكن إذا أراد المكلف تغيير رأس سنته أمكنه ذلك بدفع خمس ما ربحه أثناء السنة واستئناف رأس سنة للأرباح الآتية، ويجوز جعل السنة عربية ورومية، وفارسية، وغيرها.
(مسألة ١٢٤٧):
يجب على كل مكلف - في آخر السنة - أن يخرج خمس ما زاد من أرباحه عن مؤنته، مما ادخره في بيته لذلك، من الأرز، والدقيق، والحنطة، والشعير، والسكر، والشاي، والنفط، والحطب، والفحم، والسمن، والحلوى، وغير ذلك من أمتعة البيت، مما أعد للمؤنة فيخرج خمس ما زاد من ذلك. نعم إذا كان عليه دين استدانه لمؤنة السنة وكان مساويا للزائد لم يجب الخمس في الزائد، وكذا إذا كان أكثر، أما إذا كان الدين أقل أخرج خمس مقدار التفاوت لا غير، وإذا بقيت الأعيان المذكورة إلى السنة الآتية، فوفى الدين في أثنائها قيل صارت معدودة من أرباح السنة الثانية، فلا يجب الخمس إلا على ما يزيد منها على مؤنة تلك السنة وكذا الحكم إذا اشترى أعيانا لغير المؤنة - كبستان - وكان عليه دين للمؤنة يساويها لم يجب اخراج خمسها، فإذا وفى الدين في السنة الثانية كانت معدودة من أرباحها، ووجب اخراج خمسها آخر السنة، وإذا اشترى بستانا - مثلا - بثمن في الذمة مؤجلا فجاء رأس السنة لم يجب اخراج خمس البستان، فإذا وفى تمام الثمن في السنة الثانية كانت البستان من أرباح السنة الثانية ووجب اخراج خمسها، فإذا وفى نصف الثمن في السنة الثانية كان نصف البستان من أرباح تلك السنة، ووجب اخراج خمس النصف، فإذا وفى ربع الثمن في السنة الثانية كان ربعها من أرباح تلك السنة، وهكذا كلما وفى جزءا من الثمن كان ما يقابله من البستان من أرباح تلك السنة ولكن الأظهر في هذه الصور عدم وجوب الخمس في نفس الأعيان والبستان، وإنما يجب تخميس ما يؤديه وفاءا لدينه. هذا إذا كان ذاك الشئ موجودا، أما إذا تلف فلا خمس فيما يؤديه لوفاء الدين، وكذا إذا ربح في سنة مائة دينار - مثلا - فلم يدفع خمسها العشرين دينارا حتى جاء السنة الثانية، فدفع من أرباحها عشرين دينارا وجب عليه خمس العشرين دينارا التي هي الخمس، مع بقائها، لا مع تلفها، وإذا فرض أنه اشترى دارا للسكنى فسكنها، ثم وفى في السنة الثانية ثمنها لم يجب عليه خمس الدار، وكذا إذا وفى في السنة الثانية بعض أجزاء الثمن لم يجب الخمس في الحصة من الدار، ويجري هذا الحكم في كل ما اشترى من المؤن بالدين.
(مسألة ١٢٤٨):
إذا نذر أن يصرف نصف أرباحه السنوية - مثلا - في وجه من وجوه البر وجب عليه الوفاء بنذره فإن صرف المنذور في الجهة المنذور لها قبل انتهاء السنة لم يجب عليه تخميس ما صرفه، وإن لم يصرفه حتى انتهت السنة وجب عليه إخراج خمسه كما يجب عليه إخراج خمس النصف الآخر من أرباحه، بعد إكمال مؤنته.
(مسألة ١٢٤٩):
إذا كان رأس ماله مائة دينار مثلا فاستأجر دكانا بعشرة دنانير واشترى آلات للدكان بعشرة، وفي آخر إخراج السنة وجد ماله بلغ مائة كان عليه خمس الآلات فقط، ولا يجب إخراج خمس أجرة الدكان، لأنها من مؤنة التجارة، وكذا أجرة الحارس، والحمال، والضرائب التي يدفعها إلى السلطان، والسرقفلية فإن هذه المؤنة مستثناة من الربح، والخمس إنما يجب فيما زاد عليها، كما عرفت، نعم إذا كانت السرقفلية التي دفعها إلى المالك أو غيره أوجبت له حقا في أخذها من غيره وجب تقويم ذلك الحق في آخر السنة، وإخراج خمسه، فربما تزيد قيمته على مقدار ما دفعه من السرقفلية، وربما تنقص، وربما تساوي.
(مسألة ١٢٥٠):
إذا حل رأس الحول فلم يدفع خمس الربح ثم دفعه تدريجا من ربح السنة الثانية لم يحسب ما يدفعه من المؤن، بل يجب فيه الخمس، وكذا لو صالحه الحاكم على مبلغ في الذمة فإن وفاءه من أرباح السنة الثانية لا يكون من المؤن، بل يجب فيه الخمس إذا كان مال المصالحة عوضا عن خمس عين موجودة، وإذا كان عوضا عن خمس عين أو أعيان تالفة فوفاؤه يحسب من المؤن، ولا خمس فيه.
(مسألة ١٢٥١):
إذا حل رأس السنة فوجد بعض أرباحه أو كلها دينا في ذمة الناس، فإن أمكن استيفاؤه وجب دفع خمسه، وإن لم يمكن تخير بين أن ينتظر استيفاءه في السنة اللاحقة، فإذا استوفاه أخرج خمسه وكان من أرباح السنة السابقة، لا من أرباح سنة الاستيفاء، وبين أن يقدر مالية الديون فعلا فيدفع خمسها فإذا استوفاها في السنة الآتية كان الزائد على ما قدر من أرباح سنة الاستيفاء.
(مسألة ١٢٥٢):
يتعلق الخمس بالربح بمجرد حصوله وإن جاز تأخير الدفع إلى آخر السنة - احتياطا - للمؤنة، فإذا أتلفه ضمن الخمس، وكذا إذا أسرف في صرفه، أو وهبه، أو اشترى أو باع على نحو المحاباة، إذا كانت الهبة، أو الشراء، أو البيع غير لائقة بشأنه وإذا علم أنه ليس عليه مؤنة في باقي السنة، فالأحوط - استحبابا - أن يبادر إلى دفع الخمس، ولا يؤخره إلى نهاية السنة.
(مسألة ١٢٥٣):
إذا مات المكتسب - أثناء السنة بعد حصول الربح - فالمستثنى هو المؤنة إلى حين الموت، لا تمام السنة.
(مسألة ١٢٥٤):
إذا علم الوارث أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب عليه أداؤه على الأحوط، وإذا علم أنه أتلف مالا له قد تعلق به الخمس وجب إخراج خمسه من تركته، كغيره من الديون.
(مسألة ١٢٥٥):
إذا اعتقد أنه ربح، فدفع الخمس فتبين عدمه، انكشف أنه لم يكن خمس في ماله، فيرجع به على المعطى له مع بقاء عينه، وكذا مع تلفها إذا كان عالما بالحال، وأما إذا ربح في أول السنة، فدفع الخمس باعتقاد عدم حصول مؤنة زائدة، فتبين عدم كفاية الربح لتجدد مؤنة لم تكن محتسبة، لم يجز له الرجوع إلى المعطى له، حتى مع بقاء عينه فضلا عما إذا تلفت.
(مسألة ١٢٥٦):
الخمس بجميع أقسامه وإن كان يتعلق بالعين، إلا أن المالك يتخير بين دفع العين ودفع قيمتها، ولا يجوز له التصرف في العين بعد انتهاء السنة قبل أداء بل الأحوط - وجوبا - عدم التصرف في بعضها أيضا، وإن كان مقدار الخمس باقيا في البقية وإذا ضمنه في ذمته بإذن الحاكم الشرعي صح، ويسقط الحق من العين، فيجوز التصرف فيها.
(مسألة ١٢٥٧):
لا بأس بالشركة مع من لا يخمس، إما لاعتقاده لتقصير أو قصور بعدم وجوبه، أو لعصيانه وعدم مبالاته بأمر الدين، ولا يلحقه وزر من قبل شريكه. ويجزيه أن يخرج خمسه من حصته في الربح.
(مسألة ١٢٥٨):
يحرم الاتجار بالعين بعد انتهاء السنة قبل دفع الخمس، لكنه إذا أتجر بها عصيانا أو لغير ذلك فالظاهر صحة المعاملة، إذا كان طرفها مؤمنا وينتقل الخمس إلى البدل، كما أنه إذا وهبها لمؤمن صحت الهبة، وينتقل الخمس إلى ذمة الواهب، وعلى الجملة كل ما ينتقل إلى المؤمن ممن لا يخمس أمواله لأحد الوجوه المتقدمة بمعاملة أو مجانا يملكه فيجوز له التصرف فيه، وقد أحل الأئمة - سلام الله عليهم - ذلك لشيعتهم تفضلا منهم عليهم، وكذلك يجوز التصرف للمؤمن في أموال هؤلاء، فيما إذا أباحوها لهم، من دون تمليك، ففي جميع ذلك يكون المهنأ للمؤمن والوزر على مانع الخمس، إذا كان مقصرا.