المقصد الرابع
مكان المصلي
(مسألة ٥٣٦):
لا تجوز الصلاة فريضة، أو نافلة في مكان يكون أحد المساجد السبعة فيه مغصوبا عينا، أو منفعة، أو لتعلق حق موجب لعدم جواز التصرف فيه، ولا فرق في ذلك في مسجد الجبهة بين العالم بالغصب، والجاهل به على الأظهر نعم إذا كان معتقدا عدم الغصب، أو كان ناسيا له، ولم يكن هو الغاصب صحت صلاته، وكذلك تصح صلاة من كان مضطرا، أو مكرها على التصرف في المغصوب كالمحبوس بغير حق، والأظهر صحة الصلاة في مكان الذي يحرم المكث فيه لضرر على النفس، أو البدن لحر، أو برد أو نحو ذلك، وكذلك المكان الذي فيه لعب قمار، أو نحوه، كما أن الأظهر صحة الصلاة فيما إذا وقعت تحت سقف مغصوب، أو خيمة مغصوبة.
(مسألة ٥٣٧):
إذا اعتقد غصب المكان، فصلى فيه بطلت صلاته وإن انكشف الخلاف.
(مسألة ٥٣٨):
لا يجوز لأحد الشركاء الصلاة في الأرض المشتركة إلا بإذن بقية الشركاء، كما لا تجوز الصلاة في الأرض المجهولة المالك إلا بإذن الحاكم الشرعي.
(مسألة ٥٣٩):
إذا سبق واحد إلى مكان في المسجد فغصبه منه غاصب، فصلى فيه ففي صحة صلاته اشكال.
(مسألة ٥٤٠):
إنما تبطل الصلاة في المغصوب مع عدم الإذن من المالك في الصلاة، ولو لخصوص زيد المصلي، وإلا فالصلاة صحيحة.
(مسألة ٥٤١):
المراد من إذن المالك المسوغ للصلاة، أو غيرها من التصرفات، أعم من الإذن الفعلية بأن كان المالك ملتفتا إلى الصلاة مثلا وأذن فيها، والإذن التقديرية بأن يعلم من حاله أنه لو التفت إلى التصرف لأذن فيه، فتجوز الصلاة في ملك غيره مع غفلته إذا علم من حاله أنه لو التفت لأذن.
(مسألة ٥٤٢):
تعلم الإذن في الصلاة، إما بالقول كأن يقول: صل في بيتي، أو بالفعل كأن يفرش له سجادة إلى القبلة، أو بشاهد الحال كما في المضائف المفتوحة الأبواب ونحوها، وفي غير ذلك لا تجوز الصلاة ولا غيرها من التصرفات، إلا مع العلم بالإذن ولو كان تقديريا، ولذا يشكل في بعض المجالس المعدة لقراءة التعزية الدخول في المرحاض والوضوء بلا إذن، ولا سيما إذا توقف ذلك على تغير بعض أوضاع المجلس من رفع ستر، أو طي بعض فراش المجلس، أو نحو ذلك مما يثقل على صاحب المجلس، ومثله في الاشكال كثرة البصاق على الجدران النزهة، والجلوس في بعض مواضع المجلس المعدة لغير مثل الجالس لما فيها من مظاهر الكرامة المعدة لأهل الشرف في الدين مثلا، أو لعدم كونها معدة للجلوس فيها، مثل الغطاء الذي يكون على الحوض المعمول في وسط الدار، أو على درج السطح، أو فتح بعض الغرف والدخول فيها، والحاصل أنه لا بد من إحراز رضا صاحب المجلس في كيفية التصرف وكمه، وموضع الجلوس، ومقداره، ومجرد فتح باب المجلس لا يدل على الرضا بكل تصرف يشاء الداخل.
(مسألة ٥٤٣):
الحمامات المفتوحة، والخانات لا يجوز الدخول فيها لغير الوجه المقصود منها، إلا بالإذن، فلا يصح الوضوء من مائها والصلاة فيها، إلا بإذن المالك أو وكيله، ومجرد فتح أبوابها لا يدل على الإذن في ذلك وليست هي كالمضائف المسبلة للانتفاع بها.
(مسألة ٥٤٤):
تجوز الصلاة في الأراضي المتسعة والوضوء من مائها وإن لم يعلم الإذن من المالك، إذا لم يكن المالك لها صغيرا، أو مجنونا أو علم كراهته، وكذلك الأراضي غير المحجبة، كالبساتين التي لا سور لها ولا حجاب، فيجوز الدخول إليها والصلاة فيها وإن لم يعلم الإذن من المالك، نعم إذا ظن كراهة المالك فالأحوط الاجتناب عنها.
صحة صلاة الرجل والمرأة المتحاذيين
(مسألة ٥٤٥):
الأقوى صحة صلاة كل من الرجل والمرأة إذا كانا متحاذيين حال الصلاة، أو كانت المرأة متقدمة إذا كان الفصل بينما مقدار شبر، أو أكثر، وإن كان الأحوط استحبابا أن يتقدم الرجل بموقفه على مسجد المرأة، أو يكون بينهما حائل، أو مسافة عشرة أذرع بذراع اليد، ولا فرق في ذلك بين المحارم وغيرهم، والزوج والزوجة وغيرهما، نعم يختص ذلك بصور وحدة المكان بحيث يصدق التقدم والمحاذاة، فإذا كان أحدهما في موضع عال، دون الآخر على وجه لا يصدق التقدم والمحاذاة فلا بأس.
(مسألة ٥٤٦):
لا يجوز التقدم في الصلاة على قبر المعصوم إذا كان مستلزما للهتك وإساءة الأدب، ولا بأس به مع البعد المفرط، أو الحاجب المانع الرافع لسوء الأدب، ولا يكفي فيه الضرائح المقدسة ولا ما يحيط بها من غطاء ونحوه.
(مسألة ٥٤٧):
تجوز الصلاة في بيوت من تضمنت الآية جواز الأكل فيها بلا إذن مع عدم العلم بالكراهة، كالأب، والأم، والأخ، والعم، والخال، والعمة، والخالة. ومن ملك الشخص مفتاح بيته والصديق، وأما مع العلم بالكراهة فلا يجوز.
(مسألة ٥٤٨):
إذا دخل المكان المغصوب جهلا، أو نسيانا بتخيل الإذن ثم التفت وبان الخلاف ففي سعة الوقت لا يجوز التشاغل بالصلاة ويجب قطعها، وفي ضيق الوقت يجوز الاشتغال بها حال الخروج مبادرا إليه سالكا أقرب الطرق، مراعيا للاستقبال بقدر الامكان، ويومي للسجود ويركع، إلا أن يستلزم ركوعه تصرفا زائدا فيومي له حينئذ، وتصح صلاته ولا يجب عليه القضاء، والمراد بالضيق أن لا يتمكن من ادراك ركعة في الوقت على تقدير تأخير الصلاة إلى ما بعد الخروج.
ما يصح السجود عليه
(مسألة ٥٤٩):
يعتبر في مسجد الجبهة - مضافا إلى ما تقدم من الطهارة - أن يكون من الأرض، أو نباتها، أو القرطاس، والأفضل أن يكون من التربة الشريفة الحسينية - على مشرفها أفضل الصلاة والتحية - فقد ورد فيها فضل عظيم، ولا يجوز السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن - كالذهب، والفضة وغيرهما - ولا على ما خرج عن اسم النبات كالرماد، والفحم، ويجوز السجود على الخزف، والآجر والجص والنورة بعد طبخها.
(مسألة ٥٥٠):
يعتبر في جواز السجود على النبات، أن لا يكون مأكولا كالحنطة، والشعير، والبقول، والفواكه ونحوها من المأكول، ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل، أو احتيج في أكلها إلى عمل من طبخ ونحوه نعم يجوز السجود على قشورها، ونواها وعلى التبن، والقصيل، والجت ونحوها، وفيما لم يتعارف أكله مع صلاحيته لذلك لما فيه من حسن الطعم المستوجب لاقبال النفس على أكله اشكال، وإن كان الأظهر في مثله الجواز ومثله عقاقير الأدوية كورد لسان الثور، وعنب الثعلب، والخوبة، ونحوها مما له طعم وذوق حسن، وأما ما ليس له ذلك، فلا اشكال في جواز السجود عليه وإن استعمل للتداوي به، وكذا ما يؤكل عند الضرورة والمخمصة، أو عند بعض الناس نادرا.
(مسألة ٥٥١):
يعتبر أيضا في جواز السجود على النبات، أن لا يكون ملبوسا كالقطن، والكتان، والقنب، ولو قبل الغزل، أو النسج ولا بأس بالسجود على خشبها وورقها، وكذا الخوص، والليف، ونحوهما مما لا صلاحية فيه لذلك، وإن لبس لضرورة أو شبهها، أو عند بعض الناس نادرا.
(مسألة ٥٥٢):
الأظهر جواز السجود على القرطاس مطلقا، وإن اتخذ مما لا يصح السجود عليه، كالمتخذ من الحرير، أو القطن، أو الكتان.
(مسألة ٥٥٣):
لا بأس بالسجود على القرطاس المكتوب إذا كانت الكتابة معدودة صبغا، لا جرما.
(مسألة ٥٥٤):
إذا لم يتمكن من السجود على ما يصح السجود عليه لتقية، جاز له السجود على كل ما تقتضيه التقية، وأما إذا لم يتمكن لفقد ما يصح السجود عليه، أو لمانع من حر، أو برد، فالأظهر وجوب السجود على ثوبه، فإن لم يمكن فعلى ظهر الكف، أو على شئ آخر مما لا يصح السجود عليه حال الاختيار.
(مسألة ٥٥٥):
لا يجوز السجود على الوحل، أو التراب اللذين لا يحصل تمكن الجبهة في السجود عليهما، وإن حصل التمكن جاز وإن لصق بجبهته شئ منهما أزاله للسجدة الثانية على الأحوط، وإن لم يجد إلا الطين الذي لا يمكن الاعتماد عليه صلى إيماءا.
(مسألة ٥٥٦):
إذا كان الأرض ذات طين بحيث يتلطخ بدنه أو ثيابه، إذا صلى فيها صلاة المختار وكان ذلك حرجيا، صلى مؤميا للسجود، ولا يجب عليه الجلوس للسجود ولا للتشهد.
(مسألة ٥٥٧):
إذا اشتغل بالصلاة، وفي أثنائها فقد ما يصح السجود عليه، قطعها في سعة الوقت، وفي الضيق ينتقل إلى البدل من الثوب أو ظهر الكف على الترتيب المتقدم.
(مسألة ٥٥٨):
إذا سجد على ما لا يصح السجود عليه باعتقاده أنه مما يصح السجود عليه، فإن التفت بعد رفع الرأس فالأحوط إعادة السجدة الواحدة حتى فيما إذا كانت الغلطة في السجدتين ثم إعادة الصلاة وإن التفت في أثناء السجود رفع رأسه وسجد على ما يصح السجود عليه مع التمكن وسعة الوقت، ومع ذلك فالأحوط إعادة الصلاة.
(مسألة ٥٥٩):
يعتبر في مكان الصلاة أن يكون بحيث يستقر فيه المصلي ولا يضطرب فلا تجوز الصلاة على الدابة السائرة، والأرجوحة ونحوهما مما يفوت معه الاستقرار، وتجوز الصلاة على الدابة وفي السفينة الواقفتين مع حصول الاستقرار، وكذا إذا كانتا سائرتين إن حصل ذلك أيضا، ونحوهما العربة، والقطار، وأمثالهما، فإنه تصح الصلاة فيها إذا حصل الاستقرار والاستقبال، ولا تصح إذا فات واحد منهما، إلا مع الضرورة، وحينئذ ينحرف إلى القبلة كلما انحرفت الدابة أو نحوها، وإن لم يتمكن من الاستقبال، إلا في تكبيرة الاحرام اقتصر عليه، وإن لم يتمكن من الاستقبال أصلا سقط، والأحوط استحبابا تحري الأقرب إلى القبلة فالأقرب، وكذا الحال في الماشي وغيره من المعذورين.
(مسألة ٥٦٠):
الأقوى جواز ايقاع الفريضة في جوف الكعبة الشريفة اختيار وإن كان الأحوط تركه، أما اضطرارا فلا اشكال في جوازها، وكذا النافلة ولو اختيارا.
مستحبات مكان المصلي
(مسألة ٥٦١):
تستحب الصلاة في المساجد، وأفضلها المسجد الحرام والصلاة فيه تعدل ألف ألف صلاة، ثم مسجد النبي صلى الله عليه وآله والصلاة فيه تعدل عشرة آلاف صلاة، ثم مسجد الكوفة والأقصى والصلاة فيهما تعدل ألف صلاة، ثم مسجد الجامع والصلاة فيه بمائة صلاة، ثم مسجد القبيلة وفيه تعدل خمسا وعشرين، ثم مسجد السوق والصلاة فيه تعدل اثنتي عشرة صلاة، وصلاة المرأة في بيتها أفضل، وأفضل البيوت المخدع.
(مسألة ٥٦٢):
تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة (ع) بل قيل: أنها أفضل من المساجد، وقد ورد أن الصلاة عند علي (ع) بمائتي ألف صلاة.
(مسألة ٥٦٣):
يكره تعطيل المسجد، ففي الخبر: ثلاثة يشكون إلى الله تعالى، مسجد خراب لا يصلي فيه أحد، وعالم بين جهال، ومصحف معلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه.
(مسألة ٥٦٤):
يستحب التردد إلى المساجد، ففي الخبر من مشى إلى مسجد من مساجد الله فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشرة حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ويكره لجار المسجد أن يصلي في غيره لغير علة كالمطر، وفي الخبر لا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده.
(مسألة ٥٦٥):
يستحب للمصلي أن يجعل بين يديه حائلا إذا كان في معرض مرور أحد قدامه، ويكفي في الحائل عود أو حبل أو كومة تراب.
(مسألة ٥٦٦):
قد ذكروا أنه تكره الصلاة في الحمام، والمزبلة والمجزرة، والموضع المعد للتخلي، وبيت المسكر، ومعاطن الإبل، ومرابط الخيل، والبغال، والحمير، والغنم، بل في كل مكان قذر، وفي الطريق وإذا أضرت بالمارة حرمت وبطلت، وفي مجاري المياه، والأرض السبخة وبيت النار كالمطبخ، وأن يكون أمامه نار مضرمة، ولو سراجا، أو تمثال ذي روح، أو مصحف مفتوح، أو كتاب كذلك، والصلاة على القبر وفي المقبرة، أو أمامه قبر، وبين قبرين. وإذا كان في الأخيرين حائل، أو بعد عشرة أذرع، فلا كراهة، وأن يكون قدامه انسان مواجه له، وهناك موارد أخرى للكراهة مذكورة في محلها.