الفصل السادس
في السجود
والواجب منه في كل ركعة سجدتان، وهما معا ركن تبطل الصلاة بنقصانهما معا، وبزيادتهما كذلك عمدا وسهوا، ولا تبطل بزيادة واحدة ولا بنقصها سهوا، والمدار في تحقق مفهوم السجدة على وضع الجبهة، أو ما يقوم مقامها بقصد التذلل والخضوع، وعلى هذا المعنى تدور الزيادة والنقيصة دون بقية الواجبات: وهي أمور: الأول: السجود على ستة أعضاء: الكفين، والركبتين، وإبهامي الرجلين، ويجب في الكفين الباطن، وفي الضرورة ينتقل إلى الظاهر، ثم إلى الأقرب فالأقرب على الأحوط. ولا يجزئ السجود على رؤوس الأصابع وكذا إذا ضم أصابعه إلى راحته وسجد على ظهرها. ولا يجب الاستيعاب في الجبهة بل يكفي المسمى، ولا يعتبر أن يكون مقدار المسمى مجتمعا بل يكفي وإن كان متفرقا، فيجوز السجود على السبحة غير المطبوخة إذا كان مجموع ما وقعت عليه بمقدار مسمى السجود، مع كون أجزائها غير متباعدة، ويجزئ في الركبتين أيضا المسمى، وفي الابهامين وضع ظاهرهما، أو باطنهما، وإن كان الأحوط وضع طرفهما.
(مسألة ٦٤٦):
لا بد في الجبهة من مماستها لما يصح السجود عليه من أرض ونحوها، ولا تعتبر في غيرها من الأعضاء المذكورة.
الثاني: الذكر على نحو ما تقدم في الركوع، والأحوط في التسبيحة الكبرى إبدال العظيم بالأعلى.
الثالث: الطمأنينة فيه كما في ذكر الركوع.
الرابع: كون المساجد في محالها حال الذكر، وإذا أراد رفع شئ منها سكت إلى أن يضعه، ثم يرجع إلى الذكر.
الخامس: رفع الرأس من السجدة الأولى إلى أن ينتصب جالسا مطمئنا.
السادس: تساوي موضع جبهته وموقفه، إلا أن يكون الاختلاف بمقدار لبنة، وقدر بأربعة أصابع مضمومة، ولا فرق بين الانحدار والتسنيم فيما إذا كان الانحدار ظاهرا وأما في غير الظاهر فلا اعتبار بالتقدير المذكور وإن كان هو الأحوط استحبابا، ولا يعتبر ذلك في باقي المساجد على الأقوى.
(مسألة ٦٤٧):
إذا وضع جبهته على الموضع المرتفع، أو المنخفض فإن لم يصدق معه السجود رفعها ثم سجد على المستوي، وإن صدق معه السجود، أو كان المسجد مما لا يصح السجود عليه، فالظاهر أيضا لزوم الرفع والسجود على ما يجوز السجود عليه، وإذا وضعها على ما يصح السجود عليه جاز جرها إلى الأفضل، أو الأسهل.
(مسألة ٦٤٨):
إذا ارتفعت جبهته عن المسجد قهرا قبل الذكر، أو بعده، فإن أمكن حفظها عن الوقوع ثانيا احتسبت له، وسجد أخرى بعد الجلوس معتدلا، وإن وقعت على المسجد ثانيا قهرا لم تحسب الثانية فيرفع رأسه ويسجد الثانية.
(مسألة ٦٤٩):
إذا عجز عن السجود التام انحنى بالمقدار الممكن ورفع المسجد إلى جبهته، ووضعها عليه ووضع سائر المساجد في محالها وإن لم يمكن الانحناء أصلا، أو أمكن بمقدار لا يصدق معه السجود عرفا، أومأ برأسه، فإن لم يمكن فبالعينين، وإن لم يمكن فالأولى أن يشير إلى السجود باليد، أو نحوها، وينويه بقلبه، والأحوط - استحبابا - له رفع المسجد إلى الجبهة، وكذا وضع المساجد في محالها، وإن كان الأظهر عدم وجوبه.
(مسألة ٦٥٠):
إذا كان بجبهته قرحة، أو نحوها مما يمنعه من وضعها على المسجد فإن لم يستغرقها سجد على الموضع السليم، ولو بأن يحفر حفيرة ليقع السليم على الأرض، وإن استغرقها سجد على أحد الجبينين، مقدما الأيمن على الأحوط استحبابا، والأحوط لزوما الجمع بينه وبين السجود على الذقن ولو بتكرار الصلاة، فإن تعذر السجود على الجبين، اقتصر على السجود على الذقن، فإن تعذر أومأ إلى السجود برأسه أو بعينيه على ما تقدم.
(مسألة ٦٥١):
لا بأس بالسجود على غير الأرض ونحوها، مثل الفراش في حال التقية، ولا يجب التخلص منها بالذهاب إلى مكان آخر نعم لو كان في ذلك المكان وسيلة لترك التقية بأن يصلي على البارية، أو نحوها مما يصح السجود عليه وجب اختيارها.
(مسألة ٦٥٢):
إذا نسي السجدتين فإن تذكر قبل الدخول في الركوع وجب العود إليهما، وإن تذكر بعد الدخول فيه بطلت الصلاة، وإن كان المنسي سجدة واحدة رجع وأتى بها إن تذكر قبل الركوع، وإن تذكر بعده مضى وقضاها بعد السلام، وسيأتي في مبحث الخلل التعرض لذلك.
مستحبات السجود
(مسألة ٦٥٣):
يستحب في السجود التكبير حال الانتصاب بعد الركوع، ورفع اليدين حاله، والسبق باليدين إلى الأرض، واستيعاب الجبهة في السجود عليها، والارغام بالأنف، وبسط اليدين مضمومتي الأصابع حتى الابهام حذاء الأذنين متوجها بهما إلى القبلة، وشغل النظر إلى طرف الأنف حال السجود، والدعاء قبل الشروع في الذكر فيقول: " اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره الحمد لله رب العالمين تبارك الله أحسن الخالقين " وتكرار الذكر، والختم على الوتر، واختيار التسبيح والكبرى منه وتثليثها، والأفضل تخميسها، والأفضل تسبيعها، وأن يسجد على الأرض بل التراب، ومساواة موضع الجبهة للموقف، بل مساواة جميع المساجد لهما. قيل: والدعاء في السجود بما يريد من حوائج الدنيا والآخرة، خصوصا الرزق فيقول: " يا خير المسؤولين، ويا خير المعطين ارزقني وارزق عيالي من فضلك، فإنك ذو الفضل العظيم "، والتورك في الجلوس بين السجدتين وبعدهما، بأن يجلس على فخذه اليسرى، جاعلا ظهر قدمه اليمنى على باطنه اليسرى، وأن يقول في الجلوس بين السجدتين: " أستغفر الله ربي وأتوب إليه " وأن يكبر بعد الرفع من السجدة الأولى بعد الجلوس مطمئنا، ويكبر للسجدة الثانية وهو جالس، ويكبر بعد الرفع من الثانية كذلك، ويرفع اليدين حال التكبيرات، ووضع اليدين على الفخذين حال الجلوس، واليمنى على اليمنى، واليسرى على اليسرى، والتجافي حال السجود عن الأرض، والتجنح بمعنى أن يباعد بين عضديه عن جنبيه ويديه عن بدنه، وأن يصلي على النبي وآله في السجدتين، وأن يقوم رافعا ركبتيه قبل يديه، وأن يقول بين السجدتين: " اللهم اغفر لي، وارحمني، وآجرني، وادفع عني، إن لما أنزلت إلي من خير فقير، تبارك الله رب العالمين " وأن يقول عند النهوض: " بحول الله وقوته أقوم وأقعد وأركع وأسجد " أو " بحولك وقوتك أقوم وأقعد " أو " اللهم بحولك وقوتك أقوم وأقعد " ويضم إليه " وأركع وأسجد " وأن يبسط يديه على الأرض، معتمدا عليها للنهوض، وأن يطيل السجود ويكثر فيه من الذكر، والتسبيح، ويباشر الأرض بكفيه، وزيادة تمكين الجبهة، ويستحب للمرأة وضع اليدين بعد الركبتين عند الهوي للسجود وعدم تجافيهما بل تفرش ذراعيها، وتلصق بطنها بالأرض، وتضم أعضاءها ولا ترفع عجيزتها حال النهوض للقيام، بل تنهض معتدلة، ويكره الاقعاء في الجلوس بين السجدتين بل بعدهما أيضا وهو أن يعتمد بصدر قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه، ويكره أيضا نفخ موضع السجود إذا لم يتولد منه حرفان، وإلا لم يجز، وأن لا يرفع بيديه عن الأرض بين السجدتين، وأن يقرأ القرآن في السجود.
آيات السجود
(مسألة ٦٥٤):
الأحوط - استحبابا - الاتيان بجلسة الاستراحة وهي الجلوس بعد السجدة الثانية في الركعة الأولى، والثالثة مما لا تشهد فيه. (تتميم): يجب السجود عند قراءة آياته الأربع في السور الأربع وهي ألم تنزيل عند قوله تعالى: (ولا يستكبرون) وحم فصلت عند قوله: (تعبدون)، والنجم، والعلق في آخرهما، وكذا يجب على المستمع إذا لم يكن في حال الصلاة، فإن كان في حال الصلاة أومأ إلى السجود، وسجد بعد الصلاة على الأحوط، ويستحب في أحد عشر موضعا في الأعراف عند قوله تعالى: (وله يسجدون) وفي الرعد عند قوله تعالى: (وظلالهم بالغدو والآصال)، وفي النحل عند قوله تعالى: (ويفعلون ما يؤمرون) وفي بني إسرائيل عند قوله تعالى: (ويزيدهم خشوعا) وفي مريم، عند قوله تعالى: (وخروا سجدا وبكيا) وفي سورة الحج في موضعين عند قوله: (أن الله يفعل ما يشاء) وعند قوله: (لعلكم تفلحون) وفي الفرقان عند قوله (وزادهم نفورا) وفي النمل عند قوله: (رب العرش العظيم) وفي " ص " عند قوله: (خر ركعا وأناب)، وفي الانشقاق عند قوله: (لا يسجدون) بل الأولى السجود عند كل آية فيها أمر بالسجود.
سجود الشكر
(مسألة ٦٥٥):
ليس في هذا السجود تكبيرة افتتاح، ولا تشهد ولا تسليم، نعم يستحب التكبير للرفع منه، بل الأحوط - استحبابا - عدم تركه، ولا يشترط فيه الطهارة من الحدث، ولا الخبث، ولا الاستقبال ولا الطهارة محل السجود، ولا الستر، ولا صفات الساتر، بل يصح حتى في المغصوب إذا لم يكن السجود تصرفا فيه، والأحوط - وجوبا - فيه السجود على الأعضاء السبعة، ووضع الجبهة على الأرض، أو ما في حكمها وعدم اختلاف المسجد عن الموقف في العلو، والانخفاض، ولا بد فيه من النية، وإباحة المكان، ويستحب فيه الذكر الواجب في سجود الصلاة.
(مسألة ٦٥٦):
يتكرر السجود بتكرر السبب، وإذا شك بين الأقل والأكثر، جاز الاقتصار على الأقل، ويكفي في التعدد رفع الجبهة ثم وضعها من دون رفع بقية المساجد، أو الجلوس.
(مسألة ٦٥٧):
يستحب السجود - شكرا لله تعالى - عند تجدد كل نعمة، ودفع كل نقمة، وعند تذكر ذلك، والتوفيق لأداء كل فريضة ونافلة، بل كل فعل خير، ومنه اصلاح ذات البين، ويكفي سجدة واحدة، والأفضل سجدتان، فيفصل بينهما بتعفير الخدين، أو الجبينين أو الجميع، مقدما الأيمن على الأيسر، ثم وضع الجبهة ثانيا، ويستحب فيه
افتراش الذراعين، والصاق الصدر والبطن بالأرض، وأن يمسح موضع سجوده بيده، ثم يمرها على وجهه، ومقاديم بدنه، وأن يقول فيه " شكرا لله شكرا لله " أو مائة مرة " شكرا شكرا " أو مائة مرة " عفوا عفوا " أو مائة مرة " الحمد لله شكرا " وكلما قاله عشر مرات قال " شكرا لمجيب " ثم يقول: " يا ذا المن الذي لا ينقطع أبدا، ولا يحصيه غيره عددا، ويا ذا المعروف الذي لا ينفذ أبدا، يا كريم يا كريم يا كريم "، ثم يدعو ويتضرع ويذكر حاجته، وقد ورد في بعض الروايات غير ذلك والأحوط فيه السجود على ما يصح السجود عليه، والسجود على المساجد السبعة.
(مسألة ٦٥٨):
يستحب السجود بقصد التذلل لله تعالى، بل هو من أعظم العبادات وقد ورد أنه أقرب ما يكون العبد إلى الله تعالى وهو ساجد، ويستحب إطالته.
(مسألة ٦٥٩):
يحرم السجود لغير الله تعالى، من دون فرق بين المعصومين عليهم السلام، وغيرهم، وما يفعله الشيعة في مشاهد الأئمة عليهم السلام لا بد أن يكون لله تعالى شكرا على توفيقهم لزيارتهم (ع) والحضور في مشاهدهم، جمعنا الله تعالى وإياهم في الدنيا والآخرة إنه أرحم الراحمين.