كتاب المشتركات
المراد بالمشتركات: الطرق والشوارع والمساجد والمدارس والربط والمياه والمعادن.
(مسألة ٧٤٨):
الطرق على قسمين نافذ وغير نافذ أما الأول فهو الطريق المسمى بالشارع العام والناس فيه شرع سواء، ولا يجوز التصرف لأحد فيه باحياء أو نحوه، ولا في أرضه ببناء حائط أو حفر بئر أو نهر أو مزرعة أو غرس أشجار ونحو ذلك، وإن لم يكن مضرا بالمارة. وأما حفر بالوعة فيه ليجتمع فيها ماء المطر ونحوه فلا إشكال في جوازه، لكونها من مصالحه ومرافقه. وكذا لا بأس بحفر سرداب تحته إذا أحكم أساسه وسقفه. كما أنه لا بأس بالتصرف في فضائه باخراج روشن أو جناح أو فتح باب أو نصب ميزاب أو غير ذلك. والضابط أن كل تصرف في فضائه لا يكون مضرا بالمارة جائز.
(مسألة ٧٤٩):
لو أحدث جناحا على الشارع العام ثم انهدم أو هدم فإن كان من قصده تجديده ثانيا، فالظاهر أنه لا يجوز للطرف الآخر إشغال ذلك الفضاء، وإن لم يكن من قصده تجديده جاز له ذلك.
(مسألة ٧٥٠):
الطريق الذي لا يسلك منه إلى طريق آخر أو أرض مباحة لكونه محاطا بالدور من جوانبه الثلاثة، وهو المسمى بالسكة المرفوعة والدريبة، فهو ملك لأرباب الدور التي أبوابها مفتوحة إليه، دون كل من كان حائط داره إليه، وهو مشترك بينهم من صدره إلى ساقه، وحكمه حكم سائر الأموال المشتركة، فلا يجوز لكل واحد منهم التصرف فيه بدون إذن الآخرين نعم يجوز لكل منهم فتح باب آخر وسد الباب الأول.
(مسألة ٧٥١):
لا يجوز لمن كان حائط داره إلى الدريبة فتح باب إليها للاستطراق إلا بإذن أربابها. نعم له فتح ثقبة وشباك إليها، وأما فتح باب لا للاستطراق، بل لمجرد دخول الهواء أو الاستضاءة، فلا يخلو عن إشكال.
(مسألة ٧٥٢):
يجوز لكل من أصحاب الدريبة الجلوس فيها والاستطراق والتردد منها إلى داره بنفسه وعائلته ودوابه، وكل ما يتعلق بشؤونه من دون إذن باقي الشركاء، وإن كان فيهم القصر، ومن دون رعاية المساواة معهم.
(مسألة ٧٥٣):
يجوز لكل أحد الانتفاع من الشوارع والطرق العامة كالجلوس أو النوم أو الصلاة أو البيع أو الشراء أو نحو ذلك، ما لم يكن مزاحما للمستطرقين، وليس لأحد منعه عن ذلك وإزعاجه، كما أنه ليس لأحد مزاحمته في قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه ووقوف المعاملين ونحو ذلك.
(مسألة ٧٥٤):
إذا جلس أحد في موضع من الطريق ثم قام عنه، فإن كان جلوسه جلوس استراحة ونحوها بطل حقه، وإن كان لحرفة ونحوها فإن كان قيامه بعد استيفاء غرضه أو أنه لا ينوي العود بطل حقه أيضا فلو جلس في محله غيره لم يكن له منعه. وإن كان قيامه قبل استيفاء غرضه وكان ناويا للعود فعندئذ إن بقي منه فيه متاع أو رحل أو بساط فالظاهر بقاء حقه. وإن لم يبق منه شئ فبقاء حقه لا يخلو عن إشكال والاحتياط لا يترك فيما إذا كان في يوم واحد، وأما إذ كان في يوم آخر فالظاهر أنه لا اشكال في أن الثاني أحق به من الأول.
(مسألة ٧٥٥):
يتحقق الشارع العام بأمور:
الأول:
كثرة الاستطراق والتردد ومرور القوافل في الأرض الموات.
الثاني:
جعل الانسان ملكه شارعا وتسبيله تسبيلا دائميا لسلوك عامة الناس، فإنه بسلوك بعض الناس يصير طريقا وليس للمسبل الرجوع بعد ذلك.
الثالث:
إحياء جماعة أرضا مواتا وتركهم طريقا نافذا بين الدور والمساكن.
(مسألة ٧٥٦):
لو كان الشارع العام واقعا بين الأملاك فلا حد له، كما إذا كانت قطعة أرض موات بين الأملاك عرضها ثلاثة أذرع أو أقل أو أكثر، واستطرقها الناس حتى أصبحت جادة فلا يجب على الملاك توسيعها وإن تضيقت على المارة. وكذا الحال فيما لو سبل شخص في وسط ملكه أو من طرف ملكه المجاور لملك غيره مقدارا لعبور الناس.
(مسألة ٧٥٧):
إذا كان الشارع العام واقعا بين الموات بكلا طرفيه أو أحد طرفيه فلا يجوز إحياء ذلك الموات بمقدار يوجب نقص الشارع عن خمسة أذرع، فإن ذلك حد الطريق المعين من قبل الشرع، بل الأفضل أن يكون سبعة أذرع وعليه فلو كان الاحياء إلى حد لا يبقى للطريق خمسة أذرع وجب عليه هدمه. نعم لو أحيى شخص من أحد طرفيه، ثم أحيى آخر من طرفه الآخر بمقدار يوجب نقصه عن حده لزم على الثاني هدمه دون الأول.
(مسألة ٧٥٨):
إذا انقطعت المارة عن الطريق إما لعدم المقتضي أو لوجود المانع، زال حكمه، بل ارتفع موضوعه وعنوانه، وعليه فيجوز لكل أحد إحياؤه.
(مسألة ٧٥٩):
إذا زاد عرض الطريق عن خمسة أذرع، فإن كان مسبلا فلا يجوز لأحد إحياء ما زاد عليها وتملكه. وأما إذا كان عير مسبل فإن كان الزائد موردا للحاجة لكثرة المارة، فلا يجوز ذلك أيضا، وإلا فلا مانع منه.
(مسألة ٧٦٠):
يجوز لكل مسلم أن يتعبد ويصلي في المسجد، وجميع المسلمين فيه شرع سواء، ولا يجوز لأحد أن يزاحم الآخر فيه إذا كان الآخر سابقا عليه، لكن الظاهر تقدم الصلاة على غيرها، فلو أراد أحد أن يصلي فيه جماعة أو فرادى، فلا يجوز لغيره أن يزاحمه ولو كان سابقا عليه كما إذ كان جالسا فيه لقراءة القرآن أو الدعاء أو التدريس بل يجب عليه تخلية ذلك المكان للمصلي. ولا يبعد أن يكون الحكم كذلك حتى لو كان اختيار المصلى هذا المكان اقتراحا منه، فلو اختار المصلي مكانا مشغولا بغير الصلاة ولو اقتراحا، يشكل مزاحمته بفعل غير الصلاة وإن كان سابقا عليه.
(مسألة ٧٦١):
من سبق إلى مكان للصلاة فيه منفردا فليس لمريد الصلاة فيه جماعة منعه وإزعاجه، وإن كان الأولى للمنفرد حينئذ أن يخلي المكان للجامع إذا وجد مكانا آخر فارغا لصلاته، ولا يكون مناعا للخير.
(مسألة ٧٦٢):
إذا قام الجالس من المسجد وفارق المكان، فإن أعرض عنه بطل حقه، ولو عاد إليه وقد أخذه غيره، فليس له منعه وإزعاجه. وأما إذا كان ناويا للعود فإن بقي رحله فيه بقي حقه بلا إشكال وإن لم يبق ففي بقاء حقه إشكال فالأحوط مراعاة حقه، ولا سيما إذا كان خروجه لضرورة، كتجديد الطهارة أو نحوه.
(مسألة ٧٦٣):
في كفاية وضع الرحل في ثبوت الأولوية إشكال والاحتياط لا يترك. هذا إذا لم يكن بين وضع الرحل ومجيئه طول زمان بحيث يستلزم تعطيل المكان، وإلا فلا أثر له، وجاز لغيره رفعه والصلاة في مكانه إذا كان شغل المحل بحيث لا يمكن الصلاة فيه إلا برفعه. وهل أنه يضمنه برفعه أم لا ؟ وجهان الظاهر عدم الضمان، إذ لا موجب له بعد جواز رفعه للوصول إلى حقه.
(مسألة ٧٦٤):
المشاهد المشرفة كالمساجد في تمام ما ذكر من الأحكام.
(مسألة ٧٦٥):
جواز السكنى في المدارس لطالب العلم وعدمه تابعان لكيفية وقف الواقف، فإذا خصها الواقف بطائفة خاصة كالعرب أو العجم، أو بصنف خاص كطالبي العلوم الشرعية أو خصوص الفقه أو الكلام مثلا، فلا يجوز لغير هذه الطائفة أو الصنف السكنى فيها. وأما بالنسبة إلى مستحقي السكنى بها فهي كالمساجد، فمن حاز غرفة وسكنها فهو أحق بها، ولا يجوز لغيره أن يزاحمه ما لم يعرض عنها وإن طالت المدة، إلا إذا اشترط الواقف مدة خاصة كخمس سنين مثلا، فعندئذ يلزمه الخروج بعد انقضاء تلك المدة بلا مهلة.
(مسألة ٧٦٦):
إذا اشترط الواقف اتصاف ساكنها بصفة خاصة، كأن لا يكون معيلا، أو يكون مشغولا بالتدريس أو بالتحصيل، فإذا تزوج أو طرأ عليه العجز لزمه الخروج منها. والضابط أن حق السكنى - حدوثا وبقاء - تابع لوقف الواقف بتمام شرائطه، فلا يجوز السكنى لفاقدها حدوثا أو بقاءا.
(مسألة ٧٦٧):
لا يبطل حق اسكني لساكنها بالخروج لحوائجه اليومية من المأكول والمشروب والملبس وما شاكل ذلك، كما لا يبطل بالخروج منها للسفر يوما أو يومين أو أكثر وكذلك الأسفار المتعارفة التي تشغل مدة من الزمن كالشهر أو الشهرين أو ثلاثة أشهر أو أكثر، كالسفر إلى الحج أو الزيارة، أو لملاقاة الأقرباء أو نحو ذلك مع نية العود وبقاء رحله ومتاعه، فلا بأس بها ما لم تناف شرط الواقف. نعم لا بد من صدق عنوان ساكن المدرسة عليه، فإن كانت المدة طويلة بحيث توجب عدم صدق العنوان عليه بطل حقه.
(مسألة ٧٦٨):
إذا اعتبر الواقف البيتوتة في المدرسة في ليالي التحصيل خاصة أو في جميع الليالي لم يجز لساكنها أن يبيت في مكان آخر ولو بات فيه بطل حقه.
(مسألة ٧٦٩):
لا يجوز للساكن في غرفة منع غيره عن مشاركته إلا إذا كانت الحجرة حسب الوقف أو بمقتضى قابليتها معدة لسكني طالب واحد.
(مسألة ٧٧٠):
الربط وهي المساكن المعدة لسكني الفقراء أو الغرباء كالمدارس في جميع ما ذكر.
(مسألة ٧٧١):
مياه الشطوط والأنهار الكبار كدجلة والفرات. وما شاكلهما، أو الصغار التي جرت بنفسها من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج وكذا العيون المتفجرة من الجبال أو في أراضي الموات وغير ذلك من المشتركات.
(مسألة ٧٧٢):
كل ما جرى بنفسه أو اجتمع بنفسه في مكان بلا يد خارجية عليه فهو من المباحات الأصلية فمن حازه بإناء أو غيره ملكه من دون فرق بين المسلم والكافر في ذلك.
(مسألة ٧٧٣):
مياه الآبار والعيون والقنوات التي جرت بالحفر لا بنفسها، ملك للحافر، فلا يجوز لأحد التصرف فيها بدون إذن مالكها.
(مسألة ٧٧٤):
إذا شق نهرا من ماء مباح سواء أكان بحفره في أرض مملوكة له أو بحفره في الموات بقصد إحيائه نهرا ملك ما يدخل فيه من الماء.
(مسألة ٧٧٥):
إذا كان النهر لأشخاص متعددين، ملك كل منهم بمقدار حصته من النهر، فإن كانت حصة كل منهم من النهر بالسوية اشتركوا في الماء بالسوية وإن كانت بالتفاوت ملكوا الماء بتلك النسبة، ولا تتبع نسبة استحقاق الماء نسبة استحقاق الأراضي التي تسقى منه.
(مسألة ٧٧٦):
الماء الجاري في النهر المشترك حكمه حكم سائر الأموال المشتركة، فلا يجوز لكل واحد من الشركاء التصرف فيه بدون إذن الباقين. وعليه فإن أباح كل منهم لسائر شركائه أن يقضي حاجته منه في كل وقت وزمان وبأي مقدار شاء، جاز له ذلك.
(مسألة ٧٧٧):
إذا وقع بين الشركاء تعاسر وتشاجر فإن تراضوا بالتناوب والمهاياة بالأيام أو الساعات فهو، وإلا فلا محيص من تقسيمه بينهم بالأجزاء بأن توضع في فم النهر حديدة مثلا ذات ثقوب متعددة متساوية ويجعل لكل منهم من الثقوب بمقدار حصته. فإن كانت حصة أحدهم سدسا والآخر ثلثا والثالث نصفا، فلصاحب السدس ثقب واحد، ولصاحب الثلث ثقبان ولصاحب النصف ثلاثة ثقوب فالمجموع ستة.
(مسألة ٧٧٨):
القسمة بحسب الأجزاء لازمة. والظاهر أنها قسمة إجبار، فإذا طلبها أحد الشركاء أجبر الممتنع منهم عليها. وأما القسمة بالمهاياة والتناوب، فهي ليست بلازمة، فيجوز لكل منهم الرجوع عنها، نعم الظاهر عدم جواز رجوع من استوفى تمام نوبته دون الآخر.
(مسألة ٧٧٩):
إذا اجتمع جماعة على ماء مباح من عين أو واد أو نهر أو نحو ذلك، كان للجميع حق السفي منه، وليس لأحد منهم شق نهر فوقها ليقبض الماء كله أو ينقصه عن مقدار احتياج الباقين. وعندئذ فإن كفى الماء للجميع من دون مزاحمة فهو، وإلا قدم الأسبق فالأسبق في الاحياء إن كان وعلم السابق، وإلا قدم الأعلى فالأعلى والأقرب فالأقرب إلى فوهة العين أو أصل النهر، وكذا الحال في الأنهار المملوكة المنشقة من الشطوط، فإن كفى الماء للجميع، وإلا قدم الأسبق فالأسبق أي: من كان شق نهره أسبق من شق نهر الآخر. وهكذا إن كان هناك سابق ولاحق وإلا فيقبض الأعلى بمقدار ما يحتاج إليه، ثم ما يليه وهكذا.
(مسألة ٧٨٠):
تنقية النهر المشترك وإصلاحه ونحوهما على الجميع بنسبة ملكهم إذا كانوا مقدمين على ذلك باختيارهم وأما إذا لم يقدم عليها إلا البعض لم يجبر الممتنع. كما أنه ليس للمقدمين مطالبته بحصته من المؤنة إلا إذا كان إقدامهم بالتماس منه وتعهده ببذل حصته.
(مسألة ٧٨١):
إذا كان النهر مشتركا بين القاصر وغيره، وكان إقدام غير القاصر متوقفا على مشاركة القاصر إما لعدم اقتداره بدونه، أو لغير ذلك، وجب على ولي القاصر - مراعاة لمصلحته - مشاركته في الاحياء والتعمير وبذل المؤنة من مال القاصر بمقدار حصته.
(مسألة ٧٨٢):
يحبس النهر للأعلى إلى الكعب في النخل، وفي الزرع إلى الشرك، ثم كذلك لمن هو دونه، وليس لصاحب النهر تحويله إلا بإذن صاحب الرحى المنصوبة عليه بإذنه، وكذا غير الرحى أيضا من الأشجار المغروسة على حافتيه وغيرها وليس لأحد أنها يحمي المرعى ويمنع غيره عن رعي مواشيه إلا أن يكون المرعى ملكا له فيجوز له أن يحميه حينئذ.
(مسألة ٧٨٣):
المعادن على نوعين:
الأول:
المعادن الظاهرة، وهي الموجودة على سطح الأرض، فلا يحتاج استخراجها إلى مؤنة عمل خارجي، وذلك كالملح والقير والكبريت والمومياء والفيروزج وما شاكل ذلك.
الثاني:
المعادن الباطنة وهي التي يتوقف استخراجها على الحفر والعمل، وذلك كالذهب والفضة.
(أما الأولى) فهي تملك بالحيازة، فمن حاز منها شيئا ملك قليلا كان أو كثيرا، وبقي الباقي على الاشتراك.
و(أما الثانية) فهي تملك بالاحياء بعد الوصول إليها وظهورها: وأما إذا حفر، ولم يبلغ نيلها، فهو يفيد فائدة التحجير.
(مسألة ٧٨٤):
إذا شرع في إحياء معدن ثم أهمله وعطله، أجبره الحاكم أو وكيله على إتمام العمل أو رفع يده عنه. ولو أبدى عذرا أمهله إلى أن يزول عذره ثم يلزمه على أحد الأمرين.
(مسألة ٧٨٥):
المعادن الباطنة إنما تملك باحياء الأرض إذا عدت عرفا من توابع الأرض وملحقاتها، وأما إذا لم تعد منها كمعادن النفط المحتاجة إلى حفر زائد للوصول إليها أو ما شاكلها، فلا تتبع الأرض ولا تملك باحيائها.
(مسألة ٧٨٦):
لو قال المالك اعمل ولك نصف الخارج من المعدن فإن كان بعنوان الإجارة بطل، وفي صحته بعنوان الجعالة إشكال.