حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ١

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)0%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 363

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الصفحات: 363
المشاهدات: 149560
تحميل: 7800


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149560 / تحميل: 7800
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء 1

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والوتر ثلاث ركعات(1) وركعتان بعد الوتر )(2) .

وحكى هذا المقطع بعض الصلاة الواجبة التي منها الصلاة اليومية، وهي خمس فرائض: فصلاة الصبح ركعتان، والظهر أربع، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، ومجموعها سبع عشرة ركعة، كما حكى عدد الرواتب اليومية، وهي النوافل المستحبة، فثماني ركعات نافلة الظهر قبلها، وثمان بعدها. قبل العصر للعصر، وأربع ركعات صلاة العشاء للعشاء، وثماني ركعات صلاة الليل، وركعتا الشفع بعدها، وركعة الوتر بعدها، وركعتا الفجر قبل صلاة الصبح، ومجموع هذه الرواتب أربع وثلاثون ركعة.

قالعليه‌السلام : ( والصلاة في أول الأوقات، وفضل الجماعة على الفرد بكل ركعة ألفي ركعة، ولا تصل خلف فاجر، ولا تقتدي إلا بأهل الولاية ).

وحفلت هذه الكلمات بما يلي:

أولاً - إنّ الإمام ندب إلى الصلاة في أول وقتها، وقد تواترت الأخبار عن أئمة الهدىعليهم‌السلام بذلك.

ثانياً - عرض الإمامعليه‌السلام إلى فضل صلاة الجماعة، وأنّ فضل الركعة الواحدة تعد بألف.

ثالثاً - إنّ الإمامعليه‌السلام منع من الاقتداء بإمام الجماعة إذا كان فاجراً أو كان من ولاة الجور.

قالعليه‌السلام : ( ولا تصل في جلود الميتة، ولا جلود السباع ).

عرض الإمامعليه‌السلام لبعض الشرائط التي تعتبر في لباس المصلّي، والتي منها: أن لا يكون من جلود الميتة، ولا من أجزائها التي تحلها الحياة، سواء أكانت من حيوان محلّل الأكل أم محرّم الأكل كما يشترط أن لا يكون من جلود السباع، وبالإضافة إلى ذلك فإنه يشترط أن يكون مباحاً فلا يجوز الصلاة في المغصوب، وأن يكون طاهراً فلا يجوز الصلاة في اللباس النجس، وأن لا يكون من الحرير الخالص للرجال، وغير ذلك من الشرائط التي ذكرها الفقهاء.

____________________

(1) قوله: والوتر ثلاث ركعات: الأوّليان منهما بنية الشفع والأخرى بنية الوتر.

(2) قوله وركعتان بعد الوتر: يعني بهما نافلة الصبح.

١٨١

قالعليه‌السلام : ( والتقصير في أربع فراسخ بريد ذاهباً، وبريد(1) جائياً، اثنا عشر ميلاً، وإذا قصرت أفطرت ).

وتناول الإمامعليه‌السلام بهذه الكلمات صلاة المسافر التي تقصر فيها الصلاة الرباعية، وذلك بإسقاط الركعتين الأخيرتين منها، ويشترط في السفر قصد قطع المسافة، وهي ثمانية فراسخ امتدادية ذهاباً وإياباً أو ملفقة من أربعة ذهاباً، وأربعة إياباً، وليس قصد قطع المسافة وحده هو الشرط، وإنّما هناك شروط أخرى ذكرها الفقهاء والتي منها أن يكون السفر مباحاً، فإذا كان حراماً كما إذا سافر لقتل نفس محترمة أم للسرقة وغير ذلك من المحرمات فإنه يجب عليه التمام في صلاته، ومنها استمرار القصد فإذا عدل عن السفر قبل بلوغ الأربعة فراسخ، وجب عليه التمام في صلاته، ومنها أن لا يتخذ السفر عملا له كالمكاري، والتاجر الذي يدور في تجارته والملاّح وغير ذلك. وذكر الإمامعليه‌السلام من أحكام القصر أنّه كلّما قصر الإنسان صلاته، فيجب عليه الإفطار، وقد ورد في الحديث ليس من البر الصيام في السفر.

قالعليه‌السلام : ( والقنوت في أربع صلوات: في الغداة والمغرب، والعتمة(2) ويوم الجمعة، وصلاة الظهر. وكل القنوت قبل الركوع، وبعد القراءة ).

وأمّا القنوت فإنّه من المستحبات في الصلاة، خصوصاً في الصلاة الجهريّة كالصبح، والمغرب، ويوم الجمعة، وفي صلاة الظهرين، وهو كل صلاة مرة بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الثانية إلاّ في الجمعة ففيها قنوتان قبل الركوع في الأُولى، وبعده في الثانية وأمّا صلاة العيدين ففي الركعة الأُولى خمس قنوتات وفي الركعة الثانية أربع قنوتات.

قالعليه‌السلام : ( والصلاة على الميت خمس تكبيرات: وليس في صلاة الجنائز تسليم؛ لأنّ التسليم في الركوع والسجود، وليس لصلاة الجنائز ركوع ولا سجود ).

____________________

(1) البريد: أربع فراسخ، واثنا عشر ميلاً، والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد وهو من المرفق إلى طرف الأصابع.

(2) العتمة: الثلث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق، والمراد بها صلاة العشاء.

١٨٢

تجب الصلاة وجوباً كفائياً على كل ميت مسلم ذكراً كان أم أنثى. وكيفيّتها أن يكبّر المصلّي أوّلاً، ويتشهد الشهادتين، ثم يكبر ثانياً، ويصلّي على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم يكبر ثالثاً ويدعو للمؤمنين، ثم يكبر رابعاً ويدعو للميت، ثم يكبر خامساً وينصرف، ولا يعتبر في هذه الصلاة الطهارة من الحدث والخبث، وإباحة اللباس، وستر العورة، كما يعتبر ذلك في سائر الصلاة، ومن ثمّ ذهب بعض الفقهاء إلى أنّها دعاء وليست بصلاة حقيقية.

قالعليه‌السلام : ( والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، مع فاتحة الكتاب ). من المستحبات التي ينبغي مرعاتها للمصلّي بالبسملة، ويتأكّد ذلك في الظهرين في الحمد والسورة(1).

قالعليه‌السلام : ( والزكاة المفروضة من كل مائتي درهم خمسة دراهم ولا تجب فيما دون ذلك، وفيما زاد في كل أربعين درهما درهم، ولا تجب فيما دون الأربعينات شيء، ولا تجب حتى يحول الحول، ولا تعطي إلاّ أهل الولاية والمعرفة، وفي كل عشرين ديناراً نصف دينار... ).

الزكاة من أروع الأنظمة الخلاّقة في النظام الاقتصادي في الإسلام، فقد وضعها الإسلام للقضاء على غائلة الفقر، ونشر الرخاء بين الناس وبالإضافة لذلك فإنّها تجمع المسلمين على صعيد المحبة، وتوحد بين صفوفهم، فقد جبلت الناس على حب من يحسن إليها، والزكاة من أظهر مصادق الإحسان والبر.

وقد عرض هذا المقطع من كلام الإمامعليه‌السلام إلى ما يلي:

أوّلاً - بين الإمامعليه‌السلام الحكم في زكاة النقدين:

ويعتبر فيها بلوغ النصاب، فنصاب الفضّة مائتا درهم، ويجب فيها خمسة دراهم، ثم كلمّا زاد أربعين كان فيها درهم بالغاً ما بلغ، وليس فيما دون المائتي، ولا فيما دون الأربعين شيء.

وأمّا نصاب الذهب فعشرون ديناراً، وفيها نصف دينار، وإذا زاد عليها أربع دنانير وجب فيها قيراطان، ويساويان عشر الدينار وكلما زاد على الأربع وجب فيها ذلك، وليس فيما نقص عنها شيء ويعتبر في زكاة النقدين مضي حول عليهما، فإذا لم يمض عليهما الحول فلا زكاة عليهما.

____________________

(1) العروة الوثقى.

١٨٣

ثانياً - إنّ الزكاة تصرف على ثمانية أصناف، منها الفقراء والمساكين، ويشترط فيهم أن لا يكونوا مخالفين للحق، فإن إعطاء الزكاة لهم لا يكون مجزياً.

قالعليه‌السلام : ( والخمس من جميع المال مرة واحدة ).

أمّا الخمس فهو من الضرائب المالية التي فرضها الإسلام، والتزم به شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ، ولم يلتزم به غيرهم من الفرق الإسلامية، وقد فرضه الله تعالى للرسول الأعظم، وذرّيّته، زادهم الله شرفاً، عوضاً لهم عن الزكاة، وهو يجب في سبعة أشياء، منها أرباح المكاسب، فما يفضل عن مؤنة السنة للمكلّف ولعياله من فوائد الصناعات، والزراعات والتجارات، والإجارات، وسائر أنواع التكسبات يجب فيه الخمس.

ومن المؤن ما ينفقه الإنسان في حجّه وزياراته، وصدقاته، وصلة أرحامه، وهداياه، ونذوره، وكفاراته، وتزويج أولاده، وغير ذلك ممّا يحتاج إليه، ويصرفه في غير الوجه المحرم، ويقسم الخمس نصفين:

نصف للإمام، صلوات الله عليه، في حال حضوره، وفي حال غيبته يعطى لنائبه الفقيه العادل الجامع للشرائط لينفقه على ترويج الشريعة الإسلامية، ونشر أحكام الدين، ومؤونة أهل العلم، وغير ذلك من الأمور التي يحرز فيها رضى الإمامعليه‌السلام .

وأمّا النصف الثاني فيعطى لأيتام بني هاشم، ومساكينهم، وأبناء سبيلهم... وفي الخمس بحوث كثيرة عرض لها الفقهاء في رسائلهم العملية.

قالعليه‌السلام : ( والعشر من الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وكل شيء يخرج من الأرض من الحبوب، إذا بلغت خمسة أوسق: ففيه العشر إن كان يسقى سيحاً، وإن كان يسقى بالدوالي ففيه نصف العشر، للمعسر والموسر، وتخرج من الحبوب القبضة والقبضتان؛ لأنّ الله لا يكلّف نفساً إلاّ وسعها، ولا يكلّف العبد فوق طاقته، والوسق: ستون صاعاً، والصاع: ستة أرطال، وهو أربعة أمداد، والمد: رطلان وربع برطل العراقي، وقال الصادقعليه‌السلام : هو تسعة أرطال بالعراقي، وستة أرطال بالمدني ).

عرض الإمامعليه‌السلام في هذا المقطع إلى زكاة الغلاّت الأربع: وهي الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وفي هذه الغلاّت تجب الزكاة.

وأمّا ما عداها فتستحب فيه الزكاة، فقولهعليه‌السلام : ( وكل شيء يخرج من الأرض من

١٨٤

الحبوب ) وإن كان معطوفاً على الغلاّت الأربع، وظاهره الوجوب إلاّ أنّ هناك حشداً من الأخبار الصحيحة دلّت على عدم الوجوب فتحمل على الاستحباب، وهذا من موارد الجمع بين الأخبار كما أدلى بذلك الفقهاء.

وإنّما تجب الزكاة في الغلاّت الأربع إذ بلغت النصاب وهو خمسة أوسق، وتقدر في هذا العصر بوزن الكيلو بثمانمائة وثمانية وأربعين كيلو تقريبا(1) والمقدار الواجب اخراجه من زكاة الغلاّت هو العشر إذا سقي الزرع سيحاً أو بماء السماء ونصف العشر إذا سقي بالدلاء أو بالمكينة، والناعور ونحو ذلك، وتجب الزكاة على مَن ملك هذا المقدار من الغلّة سواء في ذلك الفلاح ومالك الأرض ويستوي في ذلك الغني والفقير.

قالعليه‌السلام : ( وزكاة الفطر فريضة على رأس كل صغير أو كبير، حر أو عبد، من الحنطة نصف صاع، ومن التمر والزبيب صاع، ولا يجوز أن تعطى غير أهل الولاية؛ لأنّها فريضة... ).

أمّا زكاة الفطرة فهي أول فريضة مالية في الإسلام، وتسمى زكاة الأبدان، وإنّما تجب على من استجمع الشرائط من البلوغ والعقل، وعدم الإغماء وعدم الفقر، فإذا توفرت هذه الشروط قبل الغروب ليلة عيد الفطر، وجبت الزكاة، على كل مسلم، وعلى من يعول بهم كباراً كانوا أم صغاراً. ويجب إخراج صاع عن كل إنسان، ومقدار الصاع يساوي ثلاث كيلوات تقريباً... وذهب فقهاء الإمامية أنّ الضابط في جنس الفطرة أن يكون قوتاً شائعاً لأهل ذلك البلد كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز، والذرة، والأقط، والصاع في جميع هذه الأنواع، كما أنّه يشترط إعطاؤها إلى المؤمن، الموالي لأهل البيتعليهم‌السلام ، ولا يجوز إعطاؤها لغيره.

قالعليه‌السلام : ( وأكثر الحيض عشرة أيام، وأقلّه ثلاثة أيام، والمستحاضة تغتسل وتصلّي، والحائض تترك الصلاة ولا تقضي، وتترك الصيام وتقضيه ).

وحكى هذا المقطع ما يلي:

أولاً - إنّ أكثر حيض المرأة عشرة أيام، وأقلّه ثلاثة أيام، فما تراه المرأة من الدم زائداً على العشرة أو ناقصاً عن الثلاثة فهو ليس بدم حيض وإنّما دم استحاضة.

____________________

(1) منهاج الصالحين 1 / 226.

١٨٥

ثانياً - إنّ المستحاضة على ثلاثة أقسام: قليلة، ومتوسّطة، وكثيرة.

أمّا القليلة فحكمها وجوب الوضوء لكل صلاة فريضة، وأمّا المتوسّطة فحكمها، الوضوء لكل صلاة والغسل قبل صلاة الصبح، فحكمها الوضوء لكل صلاة والغسل لصلاة الصبح، والغسل لصلاة الظهرين، والغسل لصلاة العشاءين، وعليها تبديل القطنة التي تمنع من سيلان الدم في جميع الصور المذكورة.

ثالثاً - أمّا حكم الحائض بالنسبة إلى عبادتها، فإنّ الواجب عليها ترك الصلاة، ولا يجب عليها قضاؤها، وأمّا بالنسبة إلى الصوم فلا يجوز لها الصوم، وعليها قضاؤه.

قالعليه‌السلام : ( ويصام شهر رمضان لرؤيته، ويفطر لرؤيته ).

يثبت شهر رمضان المبارك، ونهايته برؤية الهلال؛ وذلك لقولهعليه‌السلام : ( صم للرؤية، وأفطر للرؤية ) ولا يثبت بقول المنجّمين وغيرهم، ويثبت بمضيّ ثلاثين يوماً من شهر شعبان، كما يثبت شهر شوال بمضي ثلاثين يوماً من شهر رمضان. قالعليه‌السلام : ( ولا يجوز التراويح في جماعة ).

أمّا صلاة التراويح فلم تكن مشروعة في عهد الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ابتدعها عمر، وهي عشرون ركعة سوى الوتر، ووقتها بعد صلاة العشاء، ويندب لمن يصلي التراويح أن يجلس بدون صلاة للاستراحة، وسميت صلاة التراويح لهذه الجهة، وتسنّ فيها الجماعة عند المذاهب الأربع(1) ولم يجز الإمامعليه‌السلام الجماعة فيها.

قالعليه‌السلام : ( وصوم ثلاثة أيام في كل شهر سنة، من كل عشرة أيام: يوم الخميس من العشر الأول، والأربعاء من العشر الأوسط، والخميس من العشر الآخر. وصوم شعبان حسن، وهو سنة، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( شعبان شهري، وشهر رمضان شهر الله ) وإن قضيت فائت شهر رمضان متفرقاً أجزأك... ).

عرض الإمامعليه‌السلام لبعض أنواع الصوم المندوب، والتي منه صوم ثلاثة أيام من كل شهر، والأفضل في كيفيتها حسب ما أفاد الإمامعليه‌السلام

____________________

(1) الفقه على المذاهب الأربعة 1 / 340 - 343.

١٨٦

صوم أول خميس من الشهر، وأوّل الأربعاء من العشر الأواسط، وآخر خميس من العشر الآخر. ويستحب صوم تمام شهر شعبان، وقد أفاد الإمامعليه‌السلام أنّ ما فاته صيام شهر رمضان فيخير في قضائه بين أن يوصل في أيام القضاء، أو يفرق بينها، فكل منهما مجز.

قالعليه‌السلام : ( وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، والسبيل زاد وراحلة، ولا يجوز الحج إلاّ متمتعاً، ولا يجوز الإفراد والقران الذي تعمله العامة... والإحرام دون الميقات لا يجوز قال الله:( وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (1) ولا يجوز في النسك الخصي لأنّه ناقص، ويجوز الموجوء... ).

الحج إحدى الدعائم الخمس التي بني عليها الإسلام، وهو عبادة روحية وسياسية يتدفق بالمنافع والمصالح الروحية والصحية والاقتصاد وهو مؤتمر سياسي يجمع المسلمين في أقدس مكان ليتعارفوا بينهم ويعرض بعضهم على بعض مشاكل بلدهم وقومهم السياسية، والاقتصادية، ويشكّلوا وحدة متراصة فيما بينهم، وغير ذلك من المنافع وتشير الآية الكريمة إلى ذلك، قال تعالى: ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ... ) (2) وقد اتفق المسلمون على وجوب الحج مرة واحدة في العمر... وقد عرض الإمامعليه‌السلام في هذا المقطع إلى كوكبة من أحكام الحج، وهي:

أولاً - إنّ الحج إنّما يجب على المسلم إذا توفّرت له الاستطاعة، وذكر الإمام بندين منها، وهما الزاد والراحلة، وهما من أظهر شروط الاستطاعة ومن شروطها إمكان السير بصحّة البدن، وتخلية السرب.

ثانياً - إنّ أنواع الحج ثلاثة: وهي كما يلي:

أ - حج التمتّع:

وهو فرض مَن نأى عن مكة بثمانية وأربعين ميلاً من كل جانب، ومن مميزات

____________________

(1) سورة البقرة / آية 196.

(2) سورة الحج / آية 27 - 28.

١٨٧

هذا الحج أنّ إحرامه من بطن مكة، ووجوب الهدي فيه، وتقديم العمرة فيه على الحج، وارتباط عمرته بحجه حتى كأنّهما كالعمل الواحد.

ب - حج القران:

أمّا حج القران فهو فرض أهالي مكة ومن حولها بشرط أن لا يتجاوز المقدار الذي ذكر لحج التمتع، ويحرم القارن من دويرة أهله، ويعتبر فيه سياق الهدي وإشعاره بشق سنامه من الجانب الأيمن ولطخه بدمه إن كان بدنة، وتقليده بأن يعلّق في رقبته نعلاً قد صلّى فيه إن كان ذلك الهدي غير بدنة.

ج - حج الإفراد:

وهو فرض من قرب من مكة كالقران، ويحرم من دويرة أهله إن كانت أقرب إلى مكة من الميقات وإلاّ فمن الميقات، ومن مميزات القران والإفراد أنّ العمرة فيهما تكون بعد الحج، وينويها مفردة.

ثالثاً - إنّ الإحرام للحج لا بد أن يكون من الميقات، فلا يصح قبل الميقات ولا يجوز للمكلف يتجاوز الميقات بغير إحرام عدا ما استثنى من المتكرر ومن ليس قاصداً دخول مكة عند مروره على الميقات.

رابعاً - إنّه يشترط في الهدي أن يكون تام الخلقة فلا يجزي الأعور، ومقطوع شيء من الإذن، والخصي وهو الذي سلّت خصيتاه ونزعتا منه أمّا رض الخصيتين، المعبّر عنهما بالموجوء فإنّه ليس عيباً، ويكون مجزياً.

قالعليه‌السلام : ( والجهاد مع إمام عادل، ومن قاتل فقتل دون ماله ورحله ونفسه فهو شهيد... ).

أمّا الجهاد فهو باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصّة أوليائه - على حدّ تعبير الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام - وهو على أقسام: وهي:

أ - جهاد المشركين لدعوتهم إلى الإسلام.

ب - جهاد مَن يهاجم المسلمين من الكفّار.

ج - جهاد مَن يريد قتل نفس محترمة، أو أخذ مال أو سبي حريم، وربّما أطلق على هذا الدفاع لا الجهاد.

وإنّما يجب الجهاد بشرط الإمام أو نائبه الخاص، وهو المنصوب للجهاد. ومن قتل في ساحة الجهاد فهو شهيد، يجري عليه حكم الشهيد فيدفن بثيابه

١٨٨

ولا يغسل.

وأمّا مَن قاتل دون ماله ورحله ونفسه فقتل فإنّ له أجر الشهيد، ويغسّل، ويكفّن.

قالعليه‌السلام : ( ولا يحل قتل أحد من الكفار في دار التقية إلاّ قاتل أو باغ؛ وذلك إذا لم تحذر على نفسك، ولا أكل أموال الناس من المخالفين وغيرهم... ).

أمّا الكفار الداخلون في ذمّة الإسلام فدماؤهم محرمة، وأحوالهم مصونة شأنهم شأن المسلمين، ويفقد الكافر هذه الصيانة إذا كان قاتلاً لنفس محترمة أو كان باغياً على السلطة الشرعية في البلاد.

وكذلك يحرم أكل أموال المخالفين وغيرهم، فإنّ الإسلام قد صان أموال الناس كما صان دماءهم وأعراضهم.

قالعليه‌السلام : ( والتقية في دار التقية واجبة، ولا حنث على مَن خلف تقية يدفع بها ظلماً عن نفسه... ). أمّا التقية فقد شرعت في زمان استخدمت فيه السلطات الحاكمة جميع أجهزتها ضد أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وضد شيعتهم ففي زمان الذئب الجاهلي معاوية بن أبي سفيان كان يقال للرجل زنديق وكافر خير من أن يقال له إنّه من شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد سار معظم ملوك الأمويين والعباسيين على هذه الخطة الكافرة التي سنها ابن هند، ولولا حكمة الأئمة الطاهرين، وإلزامهم بالتقية لشيعتهم لما بقي ذكر لأهل البيتعليهم‌السلام ، وقد أفتي الإمام الرضاعليه‌السلام بوجوب التقية، وإنّه لا حنث لـمَن حلف تقيه.

قال عليه السلام: ( والطلاق بالسنّة على ما ذكر الله عزّ وجل وسنّة نبيه (صلى الله عليه وآله) ولا يكون طلاق بغير سنّة، وكل طلاق يخالف الكتاب فليس بطلاق، وكل نكاح يخالف السنّة فليس بنكاح.

ولا تجمع بين أكثر من أربع حرائر، وإذا طلقت المرأة ثلاث مرات للسنّة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( اتقوا المطلقات ثلاثاً فإنّهن ذوات أزواج... ).

الطلاق فصم العلاقة الزوجية، وهو من أشد المبغوضات إلى الله تعالى؛ لأنّه

١٨٩

يؤدّي إلى انهيار الخلايا في المجتمع الإنساني، ويشيع الكراهية والبغضاء بين الناس. وقد حفل هذا المقطع ببعض أحكام الطلاق والزواج كان منها ما يلي:

أولاً - إنّ الطلاق إنّما يحكم بصحّته إذا توفّرت فيه الشروط وهي:

أ - أن يكون المطلق بالغاً، عاقلاً مختاراً، فلا يصح طلاق الصبي والمجنون، والسكران ممّن لا قصد له.

ب - دوام الزوجية فلا يصح طلاق الممتع بها.

ج - خلو الزوجة من الحيض والنفاس إذا كانت مدخولاً بها.

د - الصيغة التي بها الطلاق، وهي أن يقول الزوج: أنت طالق، أو هي طالق.

هـ‍ - سماع شاهدين عدلين صيغة الطلاق.

هذه بعض الشروط التي يجب توفرها في صحة الطلاق، وأمّا غير ذلك من الطلاق كطلاق الهازل توفّرها في صحّة الطلاق، وأمّا غير ذلك من الطلاق كطلاق الهازل والغافل، والساهي فإنّه لا يقع عند الشيعة الإمامية، وتصححه بعض المذاهب الإسلامية(1) كما أنّ الطلاق لا يقع إلاّ بلفظ ( أنت طالق أو هي طالق ) وأجاز بعض المذاهب الإسلامية وقوعه بلفظ الفراق والسراح، وغيرهما.

ثانياً - إنّ النكاح المخالف للسنّة فهو باطل، وذلك كنكاح المكرهة أو من كانت في العدة، أو كانت من المحرمات النسبية أو بالمصاهرة فإنّ النكاح لهن باطل.

ثالثاً - إنّه ليس للرجل أن يجمع أكثر من زوجات أربع بالعقد الدائم.

رابعاً - إنّ المرأة إذا طلّقت ثلاثاً فلا تحل لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره.

قالعليه‌السلام : ( والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كل الموطن عند الرياح والعطاس، وغيره ذلك. وحب أولياء الله وأوليائهم، وبغض أعدائه، والبراءة منهم ومن أئمتهم... ).

ويستحب الصلاة على الرسول الأعظم منقذ البشرية، ورائدها إلى السعادة والخير في الدنيا والآخرة، فما أعظم عائدته على الإنسانية، ومن حقّه الصلاة عليه في كل موطن، وفي جميع الأحوال.

ومن مناهج الإسلام حب أولياء الله، وأوليائهم، وبغض أعداء الله، والبراءة

____________________

(1) فقه السنّة.

١٩٠

منهم ومن أئمّتهم؛ فإنّ ذلك من عناصر التقوى ومن صميم الدعوة الإسلامية.

قالعليه‌السلام : ( وبرّ الوالدين وإن كانا مشركين فلا تطعهما(1) وصاحبهما في الدنيا معروفاً؛ لأنّ الله يقول:( اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ) (2) قال أمير المؤمنينعليه‌السلام ما صاموا لهم ولا صلّوا ولكن أمروهم بمعصية الله فأطاعوهم ).

ثم قال: ( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: مَن أطاع مخلوقاً في غير طاعة الله عزّ وجل فقد كفر واتخذ إلهاً من دون الله... ).

من روائع التشريع الإسلامي، ومن بدائع نظمه الخلاّقة إلزامه بالبر والإحسان للوالدين، وجعلهما في المرتبة الثانية بعد الخالق العظيم في الطاعة والانقياد لأمرهما؛ وذلك جزاء لما عانوه من جهد شاق في تربية أبنائهم، خصوصاً الأُم فلولا رعايتها وحنانها وعطفها على ولدها لما أمكن أن يعيش، فهي التي تغذّيه، وتسهر على تربيته، فما أعظم حقّها.

وتجب طاعة الوالدين في غير معصية الله، أمّا في المعصية فلا تجب طاعتهما. قالعليه‌السلام : ( وذكاة الجنين ذكاة أمه ).

عرض الإمامعليه‌السلام إلى حكم الجنين من الحيوانات التي تحل أكلها إذا ذُكّيت أمّه، ومات في جوفها حلّ أكله، وإذا خرج حيّاً فإنّ ذكّي حلّ أكله، وإن لم يذك حرم.

قالعليه‌السلام : ( وذنوب الأنبياء صغار موهوبة لهم بالنبوة... ).

وأكبر الظن أنّ هذه الجملة منحولة، قد وضعت في كلام الإمامعليه‌السلام فإنّ الأنبياء معصومون ويمتنع منهم صدور أي ذنب، وقد أقام الإمام نفسه الأدلة على ذلك في بعض مناظراته.

قالعليه‌السلام : ( والفرائض على ما أمر الله لا عول فيها، ولا يرث مع الوالدين والولد أحد، إلاّ الزوج والمرأة، وذو السهم أحق ممّن لا سهم له، وليست العصبة من دين الله... ).

____________________

(1) في العيون ( وبرّ الوالدين واجب وإن كانا مشركين فلا طاعة لهما في معصية الله ولا لغيرهما؛ فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الله ).

(2) سورة لقمان / آية 14 - 15.

١٩١

عرض الإمامعليه‌السلام هذا المقطع لبعض أحكام المواريث وهي:

أولاً - إنّ الفرائض التي فرضها الله تعالى والمواريث لا عول فيها؛ وبيان ذلك أنّ الورثة إذا تعددوا وكانت فروضهم زائدة على الفريضة كما إذا ترك الميت زوجاً وأبوين وبنتين، فإنّ السهام في هذا الفرض الربع والسدسان، والثلثان، فذهب أهل السنّة إلى العول، وهو أن يرد النقص على كل واحد من ذوي الفروض على نسبة فرضه، وعند الشيعة يدخل النقص على بعض معين دون بعض، ولا يدخل عل الجميع، وقد دلّلوا على ذلك في بحوث الإرث.

ثانياً - إنّ المرتبة الأُولى في المواريث صنفان:

أحدهما: الأبوان دون الأجداد والجدات.

ثانيهما: الأولاد وإن نزلوا ذكوراً وإناثاً، ويرث مع هذين الصنفين الزوجة فإن لها الربع مع عدم الولد، والثمن معه، وإمّا الزوج فإنّه يرث الربع مع الولد، والنصف مع عدمه.

ثالثاً - إنّ المواريث لا تعصيب فيها عند الشيعة، ويلتزم به غيرهم من أبناء الفرق الإسلامية، ومثال ذلك أنّ الميت إذا ترك بنتاً واحدة فان لها النصف مما ترك بالفريضة، وترث النصف الثاني بالرد، رأي غير الشيعة أنّ النصف الثاني من المال يعطى إلى العصبة، وهم الذكور الذين ينتسبون إلى الميت بغير واسطة أو بواسطة الذكر، وربّما عمّموها للأُنثى على تفصيل عندهم(1) .

قالعليه‌السلام : ( والعقيقة عن المولود الذكر والأنثى يوم السابع، ويحلق رأسه يوم السابع، ويسمّى يوم السابع، ويتصدّق بوزن شعره ذهباً أو فضة يوم السابع... ).

عرض الإمامعليه‌السلام إلى المستحبات الشرعية التي ينبغي إجراؤها على المولود وهي:

أ - العقيقة:

ويستحب أن يعقّ عن المولود في اليوم السابع من ولادته بكبش إن كان ذكراً وشاة إن كان أُنثى، وقد سنّ ذلك الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) حينما ولد سبطه وريحانته سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسنعليه‌السلام وفعل مثل ذلك حينما ولد سبطه الثاني سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسينعليه‌السلام .

____________________

(1) منهاج الصالحين 2 / 279.

١٩٢

ب - حلق رأس الطفل:

ويستحب أن يحلق رأس الطفل في يوم السابع من ولادته ويتصدق بزنته ذهباً أو فضة على المساكين، وقد أجرى النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك على سبطيه وريحانتيه سلام الله عليهما.

ج - تسمية الطفل:

من المستحبات الأكيدة تسمية الطفل يوم السابع من ولادته ويستحب أن يسميه بالأسماء المباركة الميمونة كأسماء النبي (صلى الله عليه وآله) وأسماء أوصيائه الأئمّة المكرمين.

قالعليه‌السلام : ( وإنّ أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير، لا خلق تكوين... ).

أشار الإمامعليه‌السلام إلى أفعال العباد وأعمالهم، فإن الله تعالى عالم بها، ولم يخلقها خلق تكوين ولا استندت إليه. قالعليه‌السلام : ( ولا تقل بالجبر، ولا بالتفويض... )، وحكت هذه الكلمات ما تذهب إليه الشيعة من إبطالهم للجبر، والتفويض، والتزامهم بالأمر ما بين الأمرين، وقد فنّدوا الجبر والتفويض، وحفلت كتبهم الإسلامية بالاستدلال على ذلك قالعليه‌السلام : ولا يأخذ الله عزّ وجل البريء بجرم السقيم، ولا يعذب الله الأبناء والأطفال بذنوب الآباء، وأنّه قال:( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) (1) ( وإن ليس للإنسان إلاّ ما سعى ) (2) ( والله يغفر ولا يظلم... ) إنّ العدل الإلهي قضى بأنّ كل إنسان مسؤول عمّا يقترفه من ذنب ولا تلقى المسؤولية على غيره فلا يؤخذ البريء بذنب السقيم، وقد قضى أعداء الله بعكس ذلك، فقد قال المجرم الأثيم زياد بن أبيه: إنّي أعاقب البريء بذنب السقيم، وأعاقب على الظنة والتهمة، وهذه السياسة الهوجاء يبرأ منها الإسلام، وهي سياسة أعداء الإسلام وخصومه.

ومن عدل الله تعالى أنّه لا يعذب الأبناء بذنوب الآباء، فقد قال الله:( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) وإنّه ليس للإنسان إلاّ ما سعى، وهذا هو منتهى العدل.

____________________

(1) سورة الأنعام / آية 164.

(2) سورة النجم / آية 40.

١٩٣

قالعليه‌السلام : ( ولا يفرض الله على العباد طاعة مَن يعلم أنّه يظلمهم ويغويهم، ولا يختار لرسالته، ويصطفي من عباده مَن يعلم أنّه يكفر ويعبد الشيطان من دونه..... ).

إنّ الله تعالى ينشد العدل الخالص لعباده، ويدعوهم إلى التمرّد على الظالمين والمستبدين من الحكام، كما أنّه تعالى إنّما يختار له دواء رسالته، وإصلاح عباده ممّن تتوفّر فيهم جميع صفات الكمال والفضل التي منها أنّه لا يكفر بالله، ولا يعبد الشيطان الرجيم.

قالعليه‌السلام : ( وإنّ الإسلام غير الإيمان، وكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً، لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الشارب حين يشرب الخمر وهو مؤمن، ولا يقتل النفس التي حرّم الله بغير الحق، وهو مؤمن، وأصحاب الحدود لا مؤمنين، ولا كافرين(1) ، وإنّ الله لا يدخل النار مؤمناً، وقد وعده الجنة والخلود فيها، ومَن وجبت له النار بنفاق أو فسق، أو كبيرة من الكبائر، لم يبعث مع المؤمنين، ولا منهم، ولا تحيط جهنّم إلاّ بالكافرين. وكل إثم دخل صاحبه بلزومه النار فهو فاسق، ومَن أشرك أو كفر، أو نافق، أو أتى كبيرة، والشفاعة جائزة للمستشفعين ).

إنّ الإسلام أوسع دائرة، وأعم موضوعاً من الإيمان، فمَن أقرّ بالشهادتين حُكم بإسلامه، وحقن دمه، وماله، وعرضه، سواء أكان مؤمناً أم كان فاسقاً، أمّا الإيمان فهو عبارة عن ملكة تمنع الإنسان من اقتراف الذنوب والجرائم، ويصده عن مخالفة الله تعالى والمؤمن أعد له الله تعالى في دار الخلود المقام الكريم وبوّأه الجنّة يتبوّأ منها حيث ما يشاء، وأمّا الفاسق الذي يقترف الذنوب والكبائر فإنّ مقامه في جهنم وساءت مصيراً.

قالعليه‌السلام : ( والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر باللسان واجب ).

عرض الإمامعليه‌السلام إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما من دعائم الإسلام الذي ينشد إقامة مجتمع كريم تسوده الأعراف الإنسانية، ويجب على كل مسلم أن يؤدي واجبه تجاه دينه ووطنه، فيأمر بإقامة المعروف، وينهي عن المنكر، ولهذا الواجب شروط ذكرها الفقهاء في رسائلهم.

____________________

(1) أي إنّهم مسلمون لا بمؤمنين ولا بكافرين، هكذا جاء في العيون.

١٩٤

قالعليه‌السلام : ( والإيمان أداء الفرائض، واجتناب المحارم، والإيمان هو معرفة بالقلب، وإقرار باللسان وعمل بالأركان ).

حدّد الإمامعليه‌السلام الإيمان بأنّه أداء فرائض الله واجتناب محارمه، وأنّه نافذ إلى أعماق القلب، ودخائل النفس.

قالعليه‌السلام : ( والتكبير في الأضحى خلف عشر صلوات يبتدئ من صلاة الظهر من يوم النحر، وفي الفطر خمس صلوات بصلاة المغرب من ليلة الفطر ).

من المستحبات المؤكّدة التكبير في عيد الأضحى عقيب عشر صلوات، كما يستحب التكبير في ليلة عيد الفطر عقيب صلاة المغرب وبعدها بأربع صلوات، ويستحب أيضاً تلاوة الأدعية المأثورة عن أئمّة الهدىعليهم‌السلام .

قالعليه‌السلام : ( والنفساء تقعد عشرين يوماً لا أكثر منها، فإن طهرت قبل ذلك صلّت وإلاّ فإلى عشرين يوماً، ثم تغتسل وتصلّي وتعمل عمل المستحاضة ).

وأكبر الظن أن هذه الفقرة منحولة ليست من كلام الإمامعليه‌السلام فقد اتفق فقهاء الامامية الذين يستندون فيما يفتون به إلى ما أثر عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام على أنّ دم النفاس لا حد لقليله وحد كثيره عشرة أيام من حين الولادة، وإذا رأت الدم بعد العشرة لم يكن دم نفاس، وتجعله دم استحاضة، والنفساء بحكم الحائض يحرم عليها ما يحرم على الحائض، وهنا بحوث مهمّة ذكرها الفقهاء.

قالعليه‌السلام : ( ويؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير، والبعث بعد الموت، والحساب والميزان والصراط ).

إنّ من الواجبات على المسلم أن يعتقد بعذاب القبر إذا كان قد اقترف الجرائم والذنوب، كما يجب عليه أن يعتقد بسؤال منكر ونكير له في قبره، وأنّه سيبعث بعد الموت، ويحاسب على أعماله وتوضع أعماله في الميزان، فمَن رجحت حسناته على سيئاته فاز بالجنة، وإلاّ فمآله إلى النار ويعاقب على مقدار عمله ولا يظلم ربك أحداً، كما أنّه لا بد من الاجتياز على الصراط فإن كان قد عمل صالحا فيمر بيسر وسهولة، وإلاّ فيهوي في النار.

١٩٥

قالعليه‌السلام : ( والبراءة من أئمّة الضلال وأتباعهم، والموالاة لأولياء الله ).

إنّ البراءة من أئمّة الضلال وأشياعهم، وموالاة أولياء الله من العناصر المهمة في العقيدة الإسلامية التي تشجب الظلم وتناهض الجور وتنشد العدالة بين الناس.

قالعليه‌السلام : ( وتحريم الخمر قليلها وكثيرها، وكل مسكر خمر وكلّما أسكر كثيرة فقليله حرام، والمضطر لا يشرب الخمر فإنها تقتله ).

الخمر من الآفات المدمرة للصحة، فهو يؤدّي إلى الإصابة بأمراض خطيرة، كما يؤدي إلى فساد الأخلاق، وانهيار المثل الكريمة التي يعتز بها الإنسان... ويعتبر تحريم الإسلام له من أهم بنوده التشريعية الهادفة إلى رفع مستوى الإنسان...

وقد حذر الإمامعليه‌السلام من شربه سواء أكان كثيرا أم قليلاً، وذلك لما يترتب عليه من الإضرار البالغة.

قالعليه‌السلام : ( وتحريم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وتحريم الطحال فإنه دم والجري والطافي(1) والمارماهي والزمير(2) وكل شيء لا يكون له قشور، ومن الطير ما لا تكون له قانصة ).

وحرّم الإسلام لحوم بعض الحيوانات؛ وذلك لما فيها من المفاسد التي توجب الإضرار بالصحة العامة، وقد عرض الإمام بعضها وهي:

1 - السباع: ويحرم أكل لحم السباع سواء أكانت برّيّة كالأسود والذئاب والنمور، أم كانت طائرة كالبازي والرخمة وغيرها.

2 - الطحال: ويحرم أكل الطحال؛ لأنّه دم على حد تعبير الإمامعليه‌السلام ، كما يحرم أكل المثانة من الذبيحة والمشيمة والنخاع والغدد وخرزة الدماغ وغيرها ممّا ذكره الفقهاء؛ لأنّها تسبب أضراراً جسيمة.

____________________

(1) الطافي: هو السمك الذي يموت في الماء ويعلو على سطح الماء.

(2) الزمير: سمك له شوك ناتئ على ظهره.

١٩٦

3 - الجري: ويحرم أكل الجري، وهو حيوان مائي لا تأكله الكلاب، وكذلك يحرم أكل السمك الميت الطافي على الماء والمارماهي والزمير، وكل مالا فلس له من الأسماك.

4 - ما لا قانصة له: ويحرم من الطيور ما لا قانصة له، ولا حوصلة، ولا صيصية(1) ويحل من الطيور ما كان دفيفه أكثر من صفيفه.

قالعليه‌السلام : ( ومن البيض كلمّا اختلف طرفاه فحلال أكله، وما استوى طرفاه فحرام أكله ).

أمّا البيض فهو تابع للحيوان، الذي ولد منه في الحلّيّة والحرمة، وقد أعطى الإمامعليه‌السلام قاعدة عامة لمعرفة الحلال والحرام منه، فإنّ كان طرفا البيضة متساويين فحرام أكلها، وإن كانتا مختلفتين فحلال أكلها.

قالعليه‌السلام : ( واجتناب الكبائر: وهي قتل النفس التي حرّم الله، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف وأكل مال اليتامى ظلماً، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أُهلّ به لغير الله من غير ضرورة به، وأكل الربا، والسحت بعد البينة، والميسر، والبخس في الميزان، والمكيال، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، ومعاونة الظالمين، والركون إليهم، واليمين الغموس، وحبس الحقوق من غير عسر، والكبر، والكفر، والإسراف، والتبذير، والخيانة، وكتمان الشهادة، والملاهي، التي تصد عن ذكر الله، مثل الغناء وضرب الأوتار، والإصرار على الصغاير من الذنوب... فهذه أصول الدين والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على نبيّه وآله، وسلّم تسليماً )(2) .

وانتهت بذلك هذه الرسالة الغرّاء التي حفلت ببعض البحوث الكلامية، وبأُمّهات المسائل الفقهية.

2 - رسالته الذهبية في الطب:

ولم تقتصر علوم الإمام الرضاعليه‌السلام على أحكام الشريعة الإسلامية

____________________

(1) الصيصية: هي الشوكة التي تكون خلف رجل الطائر خارجة عن الكف.

(2) تحف العقول (ص 415 - 423).

١٩٧

الغرّاء، وإنّما شملت جميع أنواع العلوم، والتي منها علم الطب، فقد كان علماً من أعلامه، ومتمرّساً بجميع فروعه، وجزئيّاته، ويدلل على ذلك بصورة واضحة هذه الرسالة التي سمّاها المأمون بالرسالة الذهبية، كما منح في تقريضه لها وسام الطبيب على الإمامعليه‌السلام ، وقد وضعت البرامج العامة لإصلاح بدن الإنسان، ووقايته من الإصابة بالأمراض الذي هو القاعدة الأساسية للطب الوقائي في هذه العصور، والذي يعد من أعظم الوسائل في تقدّم الصحّة وازدهارها.

وعلى أي حال فلا بد لنا من وقفة قصيرة للحديث عمّا يتعلّق بهذه الرسالة قبل عرضها، وفيما يلي ذلك:

1 - سبب تأليفها:

وتميز بلاط المأمون بأنّه كان في معظم الأوقات ندوة من ندوات العلم والأدب خصوصاً في عهد الإمام الرضاعليه‌السلام عملاق هذه الأمّة ورائد نهضتها الفكرية والعلمية، فقد تحوّل البلاط العباسي إلى مسرح للبحوث العلمية والفلسفية، كما ذكرنا ذلك في البحوث السابقة.

ومن بين البحوث العلمية التي عرضت في تلك الندوة هو ما يضمّه بدن الإنسان من الأجهزة والخلايا العجيبة، وبدائع تركيب أعضائه التي تجلّت فيها حكمة الخالق العظيم، وروعة قدرته، وخاض القوم فيما يصلح بدن الإنسان ويفسده، وقد ضمّت الجلسة كبار العلماء والقادة، كان في طليعتهم من يلي:

1 - الإمام الرضا.

2 - المأمون.

3 - يوحنا بن ماسويه.

4 - جبريل بن بختيشوع.

5 - صالح بن بهلة الهندي.

وقد خاض هؤلاء القوم سوى الإمام في البحوث الطبية والإمامعليه‌السلام ساكت لم يتكلم بشيء فانبرى إليه المأمون قائلاً له بإكبار:

( ما تقول يا أبا الحسن في هذا الأمر الذي نحن فيه اليوم، والذي لا بد منه من معرفة هذه الأشياء، والأغذية النافع منها والضار، وتدبير الجسد... ).

لقد طلب المأمون من الإمامعليه‌السلام أن يفتح له آفاقاً من العلم فيما يتعلّق بأجهزة بدن الإنسان، ويرشده إلى النافع من الأغذية والضار منها، وما يصلح جسم

١٩٨

الإنسان وما يضره... انبرى الإمام فأجابه: ( عندي ما جربته، وعرفت صحّته بالاختبار ومرور الأيام مع ما وقفني عليه مَن مضى من السلف ممّا لا يسع الإنسان جهله ولا يعذر في تركه، فأنا أجمع ذلك مع ما يقاربه ممّا يحتاج إلى معرفته..... ).

إنّ الإمامعليه‌السلام من خزنة الحكمة، ومن ورثة الأنبياء، وعنده علم ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم، وقد استجاب الإمام إلى طلب المأمون فزوّده بالرسالة الذهبية الآتي نصّها.

2 - شرحها وترجمتها:

ونظراً لأهمية هذه الرسالة، فقد عكف على شرحها وترجمتها جمهرة من العلماء نصّ عليهم في تقديم هذه الرسالة سماحة الحجّة المحقق السيد مهدي الخرسان، وهم:

1 - السيد الإمام ضياء الدين أبي الرضا فضل الله بن علي الراوندي، المتوفّى سنة (548 ه‍) سمّاه ( ترجمة العلوي للطب الرضوي ).

2 - الولي فيض الله عصارة التستري، وهو معاصر لفتح علي خان له ترجمة الذهبية بالفارسية.

3 - محمد باقر المجلسي المتوفّى سنة (1111 ه‍) ترجمها إلى اللغة الفارسية.

4 - ابن محمد هاشم الطبيب شرحها بالفارسية.

5 - محمد شريف بن محمد صادق الخواتون له شرح عليها ذكره في كتابه ( حافظ الأبدان ).

6 - السيد عبد الله شبّر المتوفّى سنة (242 ه‍) له شرح عليها.

7 - ميرزا محمد هادي بن ميرزا محمد صالح الشيرازي شرحها وأسماها (عافية البرية في شرح الذهبية) وكان معاصراً للسلطان حسين الصفوي.

8 - المولى محمد بن الحاج محمد حسن المشهدي المدرّس.

9 - السيد شمس الدين محمد بن محمد بديع الرضوي المشهدي له شرح الذهبية فرغ من تأليفه سنة (1125 ه‍).

10 - محمد بن يحيى له شرح الذهبية بالفارسية.

11 - نوروز علي البسطامي له شرح على الذهبية أشار إليه في كتابه ( فردوس التواريخ ).

١٩٩

12 - الحاج ميرزا كاظم الموسوي الزنجاني، المتوفى سنة (1292 ه‍)، له شرح عليها اسماه ( المحمودية ).

13 - السيد نصر الله الموسوي الأرومي، له شرح بالفارسية سماه (الطب الرضوي).

14 - مقبول أحمد، له شرح سمّاه ( الذهبية في أسرار العلوم الطبيعة ) باللغة الأوردية طبع بحيدر آباد.

15 - السيد محمود، له مفاتيح الصحّة جمع فيه طب النبي (صلى الله عليه وآله)، وطب الأئمة والرسالة الذهبية مع شرح يسير بالفارسية، طبع سنة (379 ه‍) بالنجف الأشرف.

16 - السيد ميرزا علي، له شرح الرسالة الذهبية بالفارسية.

17 - السيد حسين بن نصر الله الأرومي الموسوي، له ( ترجمة الموسوي في الطب الرضوي ).

18 - أبو القاسم سحاب، له شرح بالفارسية باسم ( بهداشت رضوي ) وقد طبعه في آخر الجزء الأول من كتابه رزندكاني حضرت إمام رضاعليه‌السلام من ص 301 - 350.

19 - الدكتور السيد صاحب زيني، له شرح على الرسالة تناول فيه جوانب على ضوء علم الطب الحديث، طبع في بغداد في سلسلة ملتقى العصرين.

20- عبد الواسع، ترجم الرسالة إلى اللغة الفارسية(1) .

ونظراً لأهميتها البالغة فقد كتبت بخطوط أثرية جميلة، وتوجد نسخة قديمة بخط عبد الرحمان بن عبد الله الكرخي، وقد كتبت سنة (715 ه‍) وهي بمكتبة الإمام الحكيم تسلسل 237.

3 - تقريظ المأمون:

وبعث الإمام الرضاعليه‌السلام برسالته الذهبية إلى المأمون فأعجب بها إعجابا بالغاً، وأمر أن تكتب بالذهب، كما أمر أن تكتب نسخ منها، وتوزع على أولاده وأفراد أسرته، وجهاز دولته، كما أمر أن تودع نسخة منها في بيوت الحكمة، وممّا لا شك فيه أنّها عرضت على أعلام الطب في عصره فأقروها، وقد قرظها المأمون

____________________

(1) توجد الترجمة بخط المؤلّف في مكتبة الإمام أمير المؤمنين تسلسل 377.

٢٠٠