حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ١

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)0%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 363

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الصفحات: 363
المشاهدات: 149524
تحميل: 7800


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149524 / تحميل: 7800
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء 1

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( جاء جبريلعليه‌السلام إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: عليكم بالتمر البرني فإنه خير تمركم، يقرب من الله ويبعد من النار ).

ولعلّ السبب في الحثّ عليه أنّ فيه تنمية للفكر، وصفاء للنفس ومن الطبيعي أنّ النفس إذا تجرّدت من الأوهام، فإنّها تتجه نحو خالقها العظيم، وتعمل كل ما يقرّبها إليه زلفى؛ ولهذه الجهة حثّ النبي (ص) على تناول التمر البرني الذي هو من خيرة التمور.

119 - وبإسناده قال أبي الحسين بن عليعليه‌السلام قال: ( كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يأمرنا إذا أكلنا أن لا نشرب حتى نتمضمض ثلاثاً ).

وحكى هذا الحديث الدعوة إلى تنظيف الأسنان قبل تناول الطعام؛ وذلك لما له من أثر فعّال في الصحّة.

120 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال علي بن أبي طالبعليه‌السلام : ( كلوا الرمان بشحمه فإنّه دبّاغ المعدة ).

أمّا الرمان فهو من الفواكه الغنية بالفيتامين، فهو يحتوي على حامض الليمون، والسكر، وفيتامين (ث) ومن خصائص شحمه أنه يصلح الجهاز الهضمي.

121 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( كلوا العنب حبة، فإنّه أمرأ وأهنأ ).

أمّا العنب فهو من أغنى الفواكه؛ وذلك بما يحتوي عليه من فيتامين ( آ ) و ( ب ) و ( ث ) وله دور فعّال في بناء الجسم، وتقوية أنسجته، وهو طعام لذيذ سريع الهضم، وهو يفيد في حالات سوء الهضم، والحصاة الكبدية، والحصاة البولية والتسمّم، ويفيد المصابين بفقر الدم، ونقص الكلس ويقول الدكتور: (كارليه) إنّ من الضروري إعطاء العنب للمصابين بفقر الدم، والذين خرجوا من عمليات جراحية إلى غير ذلك من الفوائد التي ذكرتها كتب الطب.

122 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( عليكم بالزبيب فإنّه يكشف المرة، ويذهب بالبلغم، ويشد العصب، ويحسن الخلق، ويطيب النفس، ويذهب الهم ).

أمّا الزبيب فهو العنب المجفّف، وهو يحتفظ بأكثر خواص العنب الطري وبما

٢٦١

فيه من الفيتامينات، وقد تحدثنا عن فوائد العنب وخواصه ومن بينها ما ذكر في هذا الحديث الشريف.

123 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إن يكن في شيء شفاء ففي شرطة الحجام أو شربة من عسل ).

ذكرنا في البحوث السابقة ما في الحجامة والعسل من الفوائد العظيمة والمنافع المهمّة.

124 - وبإسنادهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا تردوا شربة من عسل من أتاكم بها ).

125 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الطيب يسر، والعسل يسر، والنظر إلى الخضرة يسر، والركوب يسر )(1) .

إنّ هذه الأمور تبعث على الانشراح، والسرور.

126 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول الله (ص): ( ادهنوا بالبنفسج فإنّه بارد في الصيف، حار في الشتاء ).

البنفسج هو من النباتات العطرة الجميلة، وحوى الحديث على بعض الخصائص في دهنه التي برودته في الصيف وحرارته في الشتاء.

الباب السابع:

في بِرّ الوالدين، وصلة الأرحام

127 - وبإسناده قالعليه‌السلام :... حدثني أبو جعفرعليه‌السلام قال: ( أدنى العقوق أف، ولو علم الله شيئاً أهون من أف لنهى عنه ).

وأوجب الإسلام احترام الأبوين، وحرم الاعتداء عليهما، ولو بكلمة ( أف ) قال تعالى:( ولا تقل لهما أف ) ولو كان هناك كلمة أقل من ( أف ) لنهى عنها - كما يقول الإمام -.

128 - وبإسنادهعليه‌السلام قال:... حدثني أبو جعفرعليه‌السلام قال:

____________________

(1) في نسخة شره.

٢٦٢

حدثني أبو عبد اللهعليه‌السلام : ( صلة الرحم، وحسن الأخلاق زيادة في الإيمان ).

إنّ حسن الأخلاق، وصلة الأرحام دليلان على إيمان الإنسان، وصلته بالله تعالي.

129 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن ضمن لي واحدة ضمنت له أربعاً، يصل رحمه، فيحبه أهله، ويوسع عليه في رزقه، ويزاد في أجله، ويدخله الله الجنة التي وعده ).

إنّ صلة الرحم من أفضل الأعمال التي ندب إليها الإسلام؛ لأنّها توجب ترابط المجتمع ووحدته وتضامنه.

130 - وبإسناده قال:... حدثني محمد بن عليعليه‌السلام قال: ( صلة الأرحام، وحسن الجوار زيادة في الأموال ).

إنّ من محاسن الأعمال التي حث عليها الإسلام البر بالأرحام والإحسان إلى الجار فإنّ ذلك ممّا يوجب وحدة المسلمين وانتشار المحبة والمودة فيما بينهم.

131 - وبإسناده قال علي بن أبي طالبعليه‌السلام : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ( إنّي أخاف عليكم استخفافاً بالدين، وبيع الحكم، وقطيعة الرحم، وأن تتخذوا القرآن مزامير، تقدمون أحدكم، وليس بأفضلكم في الدين.

إنّ هذه الأمور التي حذر منها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله توجب هلاك المجتمع وتدميره وانحرافه عن المثل العليا التي تبنّاها الإسلام.

الباب الثامن:

في التحذير من الغش والغيبة والنميمة

132 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس منا من غش مسلما أو ضره، أو ما كره ).

إنّه ليس من الإسلام في شيء غش المسلم أو إضراره أو ممّا كرته لأنها توجب انتشار البغضاء وانعدام الثقة بين المسلمين.

133 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

٢٦٣

( إيّاكم والظلم فإنّه يخرب قلوبكم ).

وحارب الإسلام الظلم، وتواترت الأخبار عن أئمّة الهدىعليهم‌السلام في التحذير منه، وأنّ الله تعالى بالمرصاد للظالمين يخرب ديارهم وينتقم منهم كأشد ما يكون الانتقام.

134 - وبإسناده قالعليه‌السلام :... حدثني أبي الحسين بن عليعليه‌السلام قال: خطبنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وقال: ( سيأتي على الناس زمان عضوض، يعض الموسر على ما في يده، ولم يؤمر بذلك، قال الله تعالى:( ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ الله بما تعملون بصير ) وسيأتي على الناس زمان يقدم الأشرار، ويستذل الأخيار، ويبيع المضطرون، وقد نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع الغرر، وعن بيع التمر قبل أن يدرك... فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم واحفظوني في أهلي ).

وطليعة هذه الكلمات التي أدلى بها باب مدينة علم النبي (ص) من الملاحم، وقد تحققت على مسرح الحياة في هذه العصور، فقد عض الموسر على ما في يده، ولم ينفق شيئاً من أمواله في سبيل الله تعالى، كما تقدم الأشرار والأنذال، واستذل الصالحون والمتقون، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

135 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال علي بن الحسينعليه‌السلام : ( مَن كفّ عن أعراض الناس أقال الله عثرته يوم القيامة ).

إنّ من أحكام الإسلام ومن تعاليمه الكف عن أعراض الناس وعدم تناولها بسوء صيانة للأعراض، وحفاظاً على وحدة المسلمين.

136 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال علي بن الحسينعليه‌السلام : ( إيّاكم والغيبة فإنّها أدام كلاب أهل النار ).

عرض الإمام سيد المتقين علي بن الحسينعليه‌السلام إلى حرمة الغيبة وهي من أفحش المحرمات؛ لأنّها تؤدي إلى انتشار الرذيلة، وشيوع الفحشاء بين المسلمين.

137 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ الله يبغض الرجل يدخل عليه الرجل في بيته فلا يقابله ).

من الآداب الإسلامية تكريم كل مَن يدخل بيت إنسان وعدم الإعراض عنه، وقضاء حاجته خصوصا الفقراء والمحوجين.

٢٦٤

الباب التاسع:

في فضل الغزو والجهاد

138 - وبإسناده قال علي بن الحسين صلوات الله عليه بينما أمير المؤمنينعليه‌السلام يخطب الناس، ويحضهم على الجهاد إذ قام إليه شاب فقال: يا أمير المؤمنين اخبرني عن فضل الغزاة في سبيل الله، فقالعليه‌السلام : كنت رديف رسول الله (ص) على ناقته العضباء ونحن مقفلون من غزوة ذات السلاسل، فسألته عمّا سألتني عنه، فقال: إنّ الغزاة إذا هموا بالغزو كتب الله لهم براءة من النار، وإذا تجهزوا باهى الله بهم الملائكة الخ ).

والحديث طويل، عرض فيه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى فضل الغزو والجهاد في سبيل الله الذي هو باب من أبواب الجنة فتحه الله تعالى لخاصة أوليائه - على حد تعبير الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام -.

الباب العاشر:

في أحاديث متفرقة

139 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يقول الله تعالى: ( يا بن آدم أما تنصفني، أتحبب إليك بالنعم، وتتمقت إليّ بالمعاصي، خيري إليك منزل، وشرّك إلي صاعد، ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح. يا بن آدم لو سمعت وصفك من غيرك، وأنت لا تدري من الموصوف لسارعت إلى مقته ).

وهذا الحديث الشريف من المواعظ التي تدعو الناس إلى فعل الخير، وتحذرهم من فعل الشر.

140 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يقول الله عزّ وجل: يا بن آدم لا يغرنك ذنب الناس عن ذنب نفسك ولا نعمة الناس عن نعمة الله عليك، ولا تقنط الناس من رحمة الله عليهم، وأنت ترجوها لنفسك ).

وأهاب هذا الحديث بالإنسان أن لا تغره ذنوب الناس عن ذنوب نفسه فإن

٢٦٥

كل إنسان مسؤول أمام الله عمّا يقترفه من ذنب، كما لا تغره النعم التي أفاضها الله على عباده عن نعمه تعالى عليه، فما أعظم نعمه على العبد فليس له أن يستصغرها حينما يرى نعم الله على عباده.

141 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ثلاث أخافهن على أُمّتي بعدي: الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة البطن والفرج ).

إنّ هذه الفتن الثلاثة تصد الإنسان عن الله تعالى، وتلقيه في شر عظيم.

142 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : في تفسير قوله تعالى:( يوم ندعو كل أناس بإمامهم ) قال: يدعى كل قوم بإمام زمانهم، وكتاب ربّهم، وسنّة نبيّهم ).

عرض هذا الحديث الشريف إلى حشر الناس يوم القيامة وان كل قوم يحشرون مع إمامهم وكتاب ربّهم وسنّة نبيّهم فإن كانوا ملتزمين بها وعاملين بأحكامها فقد فازوا ونجوا من عذاب الله وإن خالفوها فقد باؤوا بالخسران المبين.

143 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ الله يحاسب كل خلق إلاّ مَن أشرك بالله، فإنّه لا يحاسب، ويؤمر به إلى النار ).

144 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( اختنوا أولادكم يوم السابع، فإنّه أطهر، وأسرع نباتاً للحم ).

من روائع التشريع الإسلامي دعوته إلى ختان الطفل في اليوم السابع من ولادته، فإنّ الختان في هذه السن يكون سريع الشفاء بالنسبة لجرحه كما لا يعاني الطفل المزيد من الآلام أمّا إذا تجاوز تلك السن خصوصاً إذا زاد عمره على سنتين أو ثلاث فإنّ الختان يكون صعباً، ويعاني الطفل الكثير من الآلام.

145 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( المغبون لا محمود، ولا مأجور ).

أمّا المغبون إذا كان جاهلاً فإنّه لا يستحق الحمد ولا الأجر؛ لأنّه قصّر في معاملته، وأمّا إذا كان عالماً، وقدم على الغنى فإنه يستحق اللوم والذم.

146 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

٢٦٦

( اصنع المعروف إلى أهله، وإلى مَن ليس بأهله، فإن تصب أهله فهو له أهل، وإن لم تصب أهله فأنت من أهله ).

وفي هذا الحديث دعوة خلاقة إلى صنع المعروف والإحسان لجميع الناس، وهذا من محاسن التعاليم الإسلامية التي أقيمت على البر والإحسان.

147 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( رأس العقل بعد الدين، التودّد إلى الناس، واصطناع الخير إلى كلّ برٍّ وفاجر ).

إنّ التودّد إلى الناس، واصطناع المعروف معهم دليل على نضوج الفكر، وسلامة العقل، وبعد النظر.

148 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ أفواهكم طرق من طرق ربكم فنظموها ).

دعا هذا الحديث إلى تنظيف الأفواه، وذلك باجتنابها عن قول الفحشاء والمنكر، والتحلّي بالصدق والآداب وغير ذلك ممّا يزينها.

149 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن صام يوم الجمعة صبراً واحتساباً أعطي أجر عشرة أيام غر زهر، لا تشابههن أيام الدنيا ).

وفي هذا الحديث ترغيب في صوم يوم الجمعة الذي هو من أجل أيام الأسبوع، ففي صيامه الأجر الجزيل والثواب العظيم.

150 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( اختاروا الجنة على النار، ولا تبطلوا أعمالكم فتقذفوا في النار، منكسين خالدين فيها أبداً ).

دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الفوز بالفردوس الأعلى، وذلك بالإخلاص في العمل، وعدم إبطاله بالرياء وغيره التي توجب فساده، كما حذّرصلى‌الله‌عليه‌وآله من النار أعاذنا الله منها.

151 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا اعتكاف إلاّ بالصوم ).

أمّا الاعتكاف فقوامه الصوم، وأن يكون في أحد مساجد الله، والصوم فيه ثلاثة أيام، وليس للمعتكف من سبيل إلى الخروج من الجامع إلاّ بعد ثلاثة أيام.

٢٦٧

152 - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لو رأى العبد أجله، وسرعته لأبغض الأمل، وطلبة الدنيا ).

إنّ الإنسان لو فكّر وتأمّل في مصيره إلى القبر، وسرعة الخروج من هذه الدنيا لأبغض الأمل وكره الدنيا.

153 - وبإسناده قال: حدثني علي بن أبي طالبعليه‌السلام : ( مَن عرض نفسه للتهمة والدخول فيما يوجب هدر كرامته، فقد سلّط على نفسه سوء الظن به، وهو الذي جر له ذلك ).

154 - وبإسناده قال علي بن أبي طالبعليه‌السلام : ( لا دين لـمَن دان لمخلوق في معصية الخالق ).

إنّ كل مَن يدين لمخلوق في معصية خالقه فهو عارٍ من الدين لا تربطه مع الله تعالى صلة.

155 - وبإسناده قالعليه‌السلام : حدثني الحسين بن عليعليه‌السلام : ( إنّ أعمال هذه الأمّة ما من صباح إلاّ تعرض على الله عزّ وجل ).

إنّ أعمال المسلمين في كل يوم تعرض على الله تعالى سواء أكانت حسنات أم سيئات، فهنيئاً لـمَن عمل صالحاً، واتقى ربّه.

156 - وبإسناده قالعليه‌السلام : حدثني أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام في قوله تعالى:( لولا أن رأى برهان ربّه ) قال: قامت امرأة العزيز على صنم فسترته فقالت: إنّه يرانا، فقال لها يوسف: ما هذا؟ قالت: استحي من الصنم أن يراني فقال لها يوسف: أتستحي ممّن لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر ولا تستحي ممّن خلق الأشياء، وعلم بها فذلك قوله تعالى:برهان ربه... ).

157 - وبإسناده قالعليه‌السلام : كان علي بن أبي طالبعليه‌السلام إذا رأى المريض قد برئ قال: ( يهنيك الطهور من الذنوب ).

وتضافرت الأخبار عن أئمّة الهدىعليهم‌السلام أنّ المرض مطهّر للشخص من الذنوب التي اقترفها، وأنّه يزيد في حسنات الشخص.

158 - وبإسناده قال:... حدثني أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: ( أخذنا ثلاثة من ثلاثة: الصبر من أيوب، والشكر من نوح، والحسد من بني

٢٦٨

يعقوب ).

159 - وبإسناده قالعليه‌السلام : سُئل محمد بن علي بن الحسينعليهم‌السلام لم أوتم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أبويه؟ قالعليه‌السلام : ( لئلاّ يوجد عليه حق لمخلوق ).

وعلّل يتم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا التعليل في كثير من الأخبار، وثمّة تعليل آخر هو أنّ هذا اليتيم قد استطاع أن يغيّر مجرى تأريخ العالم، وينقذ الإنسان من خرافات الجاهلية، وعاداتها، ويقيم في الأرض دولة قد رفعت مشعل التوحيد، وأنارت آفاق الدنيا بما أقامته من معالم الحق، والعدل.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن مسند الإمام الرضاعليه‌السلام وصحيفته، وقد أسقطنا منها طائفة من الأخبار؛ لأنّها فيما نحسب مدسوسة في هذه الصحيفة، وليست من أخبار أهل البيتعليهم‌السلام ، ولعلّ هذا السبب أوجب توقّف بعض العلماء في نسبة هذا الكتاب إلى الإمامعليه‌السلام وعدم اعتمادهم عليه كحجّة في الاستدلال به على بعض الأحكام الشرعية. الفقه الرضوي.

ونسب للإمام الرضاعليه‌السلام كتاب ( الفقه الرضوي ) ولم يكن معروفاً في الأوساط العلمية الإمامية الأولى، وإنّما ظهر متأخّراً في زمان الفاضل المجلسي يقول رحمه الله: كتاب ( فقه الرضاعليه‌السلام ) اخبرني به السيد الفاضل المحدث القاضي أمير حسين طاب ثراه بعدما ورد أصفهان قال: قد اتفق في بعض سني مجاورتي بيت الله الحرام، أن أتاني جماعة من أهل قم حاجين، وكان معهم كتاب قديم يوافق تأريخه عصر الرضا صلوات الله عليه، وسمعت الوالد رحمه الله أنّه قال: سمعت السيد يقول: كان عليه خطه صلوات الله عليه، وكان عليه إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء، وقال السيد: حصل لي العلم بتلك القرائن أنّه تأليف الإمامعليه‌السلام فأخذت الكتاب وكتبته، وصححته، فأخذ والدي قدّس الله روحه هذا الكتاب من السيد، واستنسخه، وصححه، وأكثر عباراته مواقف لما يذكره الصدوق رحمه الله في كتاب ( مَن لا يحضره الفقيه ) من غير سند، وما يذكره والده في رسالته إليه، وكثير من الأحكام التي ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها مذكورة فيه )(1) .

____________________

(1) البحار 1 / 11.

٢٦٩

وقد أقرّ به، واعتمد عليه جمهور من أعلام الفقه الإمامي كالفاضل الكاشاني، وصاحب الرياض، والمحدث البحراني وغيرهم. وأنكره فريق آخر من كبار العلماء والمحققين، ولا يزال مثار الجدل بين الأعلام. والمتأمّل في الكتاب، تواجهه بعض المؤاخذات التي تبعد نسبته للإمامعليه‌السلام وهي:

أوّلاً - إنّ هذا الكتاب لو كان للإمام لما كان مغموراً عدة قرون لم يطلع عليه أحد من قدامي فقهاء الإمامية، وأصحاب الحديث مع اهتمامهم البالغ بجميع ما أثر عن أئمة الهدىعليهم‌السلام ، فلم يشر إليه أحد منهم بكلمة.

ثانياً - إنّ الشيخ الصدوق رحمه الله الذي دون جميع الآثار الواردة من الإمام الرضاعليه‌السلام في كتابه (عيون أخبار الرضا) فإنّه لم يشر إليه في هذا الكتاب ولا في جميع مؤلفاته.

ثالثاً - إنّ فيه بعض الأخبار المخالفة لعقيدة التشيّع كالغلو الذي حاربه الأئمّة الطاهرون، وبنوا على كفر مَن يذهب إليه، فقد جاء في هذا الكتاب في باب استقبال القبلة في الصلاة ( واجعل واحداً من الأئمّة نصب عينيك ) وهذا غلو فاحش، فإنّ المصلّي عليه أن يتجه بقلبه وعواطفه ومشاعره أمام الله خالق الكون وواهب الحياة.

هذه بعض المؤاخذات التي تواجه هذا الكتاب، وهي تبعد نسبته للإمامعليه‌السلام ، وقد نشر هذا الكتاب المؤتمر العالمي للإمام الرضاعليه‌السلام في مشهد المقدسة، وقامت بتحقيقه مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام لإحياء التراث في قم زادها الله شرفاً، وقد قدّمه سماحة المحقق الكبير الشيخ جواد الشهرستاني، وعرض إلى ما قاله المثبتون لهذا الكتاب والنافون له من الأدلة.

٢٧٠

بحوث عقائدية

وخاض الإمام الرضاعليه‌السلام في بحوثه ومحاضراته الكثير من المسائل العقائدية، ونفى ما يحوم حولها من الشبه والأوهام التي آثرها الحاقدون على الإسلام والجاهلون بأحكامه، وقد عرضنا إلى قسم كبير منها في مناظراته مع علماء الفرق والأديان، والتي نالت إعجاب العلماء، وإيمانهم بالقدرات العلمية الهائلة التي يملكها الإمام، وقد عجت بها أروقة السياسة وأندية أهل العلم...

ونعرض إلى جانب آخر من تلك البحوث التي لم تكن في إطار المناظرات وهي:

1 - قضايا التوحيد:

وأُثيرت كثير من التساؤلات حول قضايا التوحيد أجاب عنها الإمامعليه‌السلام ، وفنّد ما الصق بها من شكوك وأوهام، وكان من بينها ما يلي:

أ - استحالة المعرفة الكاملة بذات الله:

إنّ من المستحيل أن يوصف الله تعالى بصفة تلم بحقيقة ذاته المقدّسة، وقد انبرى أبو هاشم الجعفري، وهو من أعلام عصره في فضله وعلمه وتقواه فقال للإمام الرضاعليه‌السلام : ( هل يوصف الله؟ ) وقد أراد بذلك الوقوف والإحاطة بمعرفة الله فأجابه الإمامعليه‌السلام : ( أما تقرأ القرآن؟ ).

( بلى... ).

وأحال الإمام عليه الجواب على كتاب الله تعالى

فقال: ( أما تقرأ قوله تعالى:( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) .

٢٧١

وأسرع أبو هاشم قائلاً: ( ما هي... )

وأجاب أبو هاشم عمّا يعرفه عن الأبصار قائلاً: ( أبصار العيون... ) فأنكر الإمامعليه‌السلام ذلك قائلاً: ( إنّ أوهام القلوب أكبر من بصار العيون، فهو لا تدركه الأوهام، وهو يدرك الأوهام... )(1) .

إنّ نظرة العقل أوسع، وأكثر شمولاً من رؤية البصر، وإنّ العقل بجميع مدركاته وتصوّراته أيضاً محدود، ولا يمكن أن يحيط علماً بمعرفة ذات الله تعالى.

ب - استحالة رؤية الله:

من المستحيل رؤية الله تعالى، وقد شاع في بعض أوساط ذلك العصر أنّ النبي محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله قد رآه وقد خف كل من إبراهيم بن محمد الخزاز، ومحمد بن الحسين إلى الإمام الرضاعليه‌السلام يسألانه عن ذلك وقالا له: ( إنّ محمداً رأى ربّه في صورة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة؟... ).

وأسندا هذه المقالة إلى جماعة من أعلام الشيعة، وأنّهم قالوا: إنّه تعالى أجوف إلى السرة، والبقية صمد، ولا شبهة أنّ ذلك مدسوس عليهم ولا علاقة لهم بهذه المنكرات واضطراب الإمام حينما سمع هذه الأباطيل، وخر ساجداً لله تعالى، وجعل يخاطبه بتذلّل وخشوع: ( سبحانك ما عرفوك، ولا وحدوك، فمن أجل ذلك وصفوك، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن يشبهوك بغيرك، اللّهمّ لا أصفك إلاّ بما وصفت به نفسك، ولا أشبهك بخلقك، أنت أهل لكل خير، فلا تجعلني من القوم الظالمين... ).

ثم التفتعليه‌السلام إليهم فقال: ( ما توهمتم من شيء، فتوهموا الله غيره... ).

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 99.

٢٧٢

يعني أنّ كل ما يتوهّمه الإنسان، ويتصوّره بالنسبة إلى ذات الله تعالى، فليتصوّر بأنّ الله تعالى غير الذي تصوّره ثم التفت إلى محمد بن الحسين فقال له: نحن آل محمد النمط الأوسط الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي، يا محمد إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين نظر إلى عظمة ربه كان (ص) في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة! يا محمد عظم ربي عزّ وجل أن يكون في صفة المخلوقين.

وانبرى محمد بن الحسين قائلاً: ( مَن كانت رجلاه في خضرة؟ ).

فأجابه الإمام: ( ذاك محمد كان إذا نظر إلى ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب، حتى يستبين له ما في الحجب، إنّ نور الله منه أخضر ومنه أحمر، ومنه أبيض، ومنه غير ذلك، يا محمد ما شهد له الكتاب والسنة فنحن القائلون به )(1) .

ج - نفي الشبه عن الله:

ونفى الإمامعليه‌السلام جميع ألوان الشبه، والصور عن الله تعالى؛ وذلك في حديث جرى بينه وبين الفتح بن يزيد الجرجاني، وهو في طريقه إلى خراسان، فقد قال الإمامعليه‌السلام له: ( يا فتح مَن أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوق، ومَن أسخط الخالق فقمين أن يسلّط عليه سخط المخلوقين، وإنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطوات أن تحده، والأبصار عن الإحاطة به. جل عما وصفه الواصفون، وتعالى عمّا ينعته الناعتون، نأى في قربه، وقرب في نأيه فهو في بعده قريب، وفي قربه بعيد، كيف الكيف، فلا يقال له: كيف، وأين الأين فلا يقال له أين، إذ هو مبدع الكيفوفية، والأينونية. يا فتح كل جسم مغذي بغذاء إلا الخالق الرازق، فإنّه جسم الأجسام، وهو ليس بجسم، ولا صورة، لم يتجزأ، ولم يتناه ولم يتزايد، ولم يتناقص، مبرأ من ذات

____________________

(1) أصول الكافي (1 / 101 - 102).

٢٧٣

ما ركب في ذات من جسمه(1) وهو اللطيف الخبير، السميع البصير، الواحد الأحد الصمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، منشيء الأشياء، ومجسم الأجسام، ومصور الصور، لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق، ولا الرازق من المرزوق، ولا المنشئ من المنشأ لكنه المنشئ، فرق بين جسمه وصوره، وشيئه وبينه إذ كان يشبهه شيء.

وانبرى الفتح قائلاً: ( الله واحد، والإنسان واحد فليس قد تشابهت الواحدانية؟ وفنّد الإمام هذه الشبهة قائلا: أحلت - أي أتيت بالمحال - ثبتك الله إنما التشبيه في المعاني فاما الأسماء فهي واحدة(2) وهي دالة على المسمى وذلك أن الإنسان وإن قيل واحد فإنه يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين والإنسان نفسه ليس بواحد لان أعضاءه مختلفة غير واحدة وهو أجزاء مجزأ ليس سواء، دمه غير لحمه ولحمه غير دمه وعصبه غير عروقه وشعره غير بشره وسواده غير بياضه، وكذلك سائر جميع الخلق، فالإنسان واحد في الاسم لا واحد في المعنى. والله جلّ جلاله واحد، لا واحد غيره، ولا اختلاف فيه ولا تفاوت، ولا زيادة ولا نقصان، فأمّا الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف من أجزاء مختلفة وجواهر شتّى غير أنّه بالاجتماع شيء واحد ).

إنّ إطلاق الواحد على الله تعالى يغاير إطلاق الواحد على الإنسان، فإنّ الإنسان مؤلّف من أجزاء مختلفة ومتباينة كالقلب والرئتين والعينين والكليتين وغيرهما من الخلايا والأعضاء، وباجتماعها أطلق عليها الواحد، أمّا بالنسبة إلى الخالق العظيم تعالى فإنه لم يكن مركبا ولا مؤلفا من عدة أجزاء مجتمعة كي يطلق عليه لفظ الواحد.

وقال الفتح: ( فسّر لي اللطيف، فإنّي أعلم أنّ لطفه خلاف لطف غيره للفصل... ). وأجابه الإمامعليه‌السلام

____________________

(1) أي أنّه تعالى منزّه من ذوات الأشياء والأجزاء التي ركبها وجعلها في ذات من أوجده جسماً.

(2) المراد أنّ التشبيه الذي ينفى عنه تعالى إنّما هو في الحقائق لا في الأسماء والألفاظ فإنّه يقع فيه وتعالى وفي غيره، فيصح إطلاق الواحد على الإنسان وعلى الله تعالى.

٢٧٤

( يا فتح إنّما قلت: اللطيف للخلق اللطيف، ولعلمه بالشيء اللطيف، ألا ترى إلى أثر صنعه - أي صنع الخالق العظيم - في النبات اللطيف وغير اللطيف، وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هو أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى، والمولود من القديم، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه، واهتدائه للفساد، والهرب من الموت، والجمع لما يصلحه بما في لجج البحار، وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار، وإفهام بعضها عن بعض منطقها، وما تفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثم تأليف ألوانها، حمرة مع صفرة، وبياض مع حمرة، علمنا أنّ خالق هذا الخلق لطيف، وإنّ كل صانع شيء فمن شيء صنع، والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شيء... ).

وحكى هذا المقطع الآثار المدهشة لبدائع خلق الله تعالى وذلك في خلقه لأجسام الحيوانات الصغار من الجرجس والبعوض وما هو أصغر منهما ممّا لا يتميز فيها الذكر من الأنثى فقد وهبها الله تعالى الإدراك فاهتدت إلى السفاد لبقائها واستمرارها على الأرض، كما وهبها الإدراك للفرار من الأخطار التي تواجهها فسبحان، الخالق اللطيف، ومضافاً لذلك ما تتمتّع به من الألوان الزاهية الجالبة للنظر، واتخاذها لحاء الأشجار والمفاوز والقفار مقراً وبيوتاً لها، إلى غير ذلك من ألطاف الله التي تحيط بها، فسبحان الخالق العظيم ما أعظم ألطافه على جميع الكائنات الحيّة.

وانبرى الفتح قائلاً: ( جُعلت فداك، وغير الخالق الجليل خالق؟ ) فأجابه الإمامعليه‌السلام : ( إنّ الله تبارك وتعالى يقول:( تبارك الله أحسن الخالقين ) (1) فقد أخبر أنّ في عباده خالقين منهم عيسى ابن مريم خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فصار طائراً بإذن الله، والسامري خلق لهم عجلاً جسداً له خوار... ).

واعترض الفتح على الإمام قائلاً: ( إنّ عيسى خلق من الطين طيراً دليلاً على نبوّته، والسامري خلق عجلاً جسداً

____________________

(1) سورة المؤمنون / آية 14.

٢٧٥

انقض نبوّة موسىعليه‌السلام ، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك؟ إنّ هذا لهو العجب!!.

وأجابه الإمام ببالغ الحجّة قائلاً: ( يا فتح إنّ لله إرادتين ومشيئتين: إرادة حتم وإرادة عزم، ينهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء، أو ما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة، وهو يشاء ذلك، ولو لم يشأ لم يأكلا، ولو أكلا لغلبت مشيئتهما مشيئة الله وأمر إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل، وشاء أن لا يذبحه، ولو لم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله عزّ وجل... ).

وفنّد الإمامعليه‌السلام شبهة الفتح؛ وذلك بتقسيمه إرادة الله تعالى إلى قسمين: إرادة عزم، وهي الإرادة التشريعية التي يسمّيها علماء الكلام، وهي عبارة عن أوامر الله تعالى ونواهيه لعباده التي فيها توازنهم وصلاحهم في سلوكهم في هذه الحياة، ولا يستحيل فيها تخلّف المراد عن الإرادة، فقد يطيع العبد وقد يعصي.

القسم الثاني: من الإرادة

وهي الإرادة الحتمية التي يسمّيها المتكلّمون بالإرادة التكوينية، ويستحيل في هذه الإرادة أن يتخلف عنها المراد فإنّه تعالى إذا قال للشيء كن فيكون، وقصّة آدم وإبراهيمعليهما‌السلام إنّما هي من النوع الأول من الإرادة... وقد بهر الفتح بكلام الإمام وراح يقول: فرّجت عنّي فرج الله عنك غير أنّك قلت: السميع البصير هل هو سميع بالأذن بصير بالعين؟

فأجابه الإمام: إنّه - أي الله - يسمع بما يبصر ويرى بما يسمع بصير لا بعين مثل عين المخلوقين وسميع لا بمثل سمع السامعين لكن لما لم يخف عليه خافية من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار قلنا: بصير لا بمثل عين المخلوقين، ولما لم يشتبه عليه ضروب اللغات، ولم يشغله سمع عن سمع قلنا: سميع لا مثل سمع السامعين... ).

وأزاح الإمامعليه‌السلام الشبهة عن الفتح، وأوضح له أنّ بصر الله تعالى وسمعه ليسا على غرار سمع الإنسان وبصره. وطفق الفتح يقول للإمام:

٢٧٦

( جُعلت فداك بقيت مسألة؟ ).

( هاتها... ).

( قلت: يعلم القديم، الشيء، الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟... ). فقالعليه‌السلام : ( أما سمعت الله يقول:( لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا ) (1) وقوله:( ولعلا بعضهم على بعض ) (2) وقال: يحكي قول أهل النار:( أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنّا نعمل ) (3) وقال:( ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه ) (4) فقد علم الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون... ).

وبهر الفتح بعلم الإمامعليه‌السلام وإحاطته بهذه المسائل الكلامية المعقّدة، وقد حاول أن يقبّل يد الإمام ورجله، فلم يمكنه من ذلك فقبّل رأسه الشريف، وخرج وهو جذلان مسرور؛ لأنّ الإمام أزال عنه ما يختلج في نفسه من الشكوك والأوهام(5) .

وقد أحاط الإمامعليه‌السلام في حديثه مع الفتح بكثير من قضايا التوحيد، وأوضح الغوامض من مسائله.

حقيقة التوحيد:

وأدلى الإمامعليه‌السلام ببعض الأحاديث عن حقيقة التوحيد كان منها ما يلي:

1 - مسألة محمد بن يزيد عن التوحيد فأملى عليه ما يلي:

( الحمد لله فاطر الأشياء إنشاء ومبتدعها ابتداء بقدرته وحكمته لا من شيء فيبطل الاختراع، ولا لعلّة فلا يصح الابتداع، خلق ما شاء كيف شاء متوحداً بذلك الإظهار حكمته، وحقيقة ربوبيته لا تضبطه العقول، ولا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط به مقدار، عجزت دونه العبارة وكلّت دونه الأبصار،

____________________

(1) سورة الأنبياء / آية 22.

(2) سورة المؤمنون / آية 91.

(3) سورة فاطر / آية 37.

(4) سورة الأنعام / آية 28.

(5) التوحيد (ص 60 - 65).

٢٧٧

وضلّ فيه تصاريف الصفات، احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور عرف بغير رؤية، ووصف بغير صورة، ونعت بغير جسم لا إله إلاّ الله الكبير المتعال... )(1) .

وحكى هذا الحديث الشريف القدرة البالغة للخالق العظيم الذي فطر الأشياء، وأنشأها لا من شيء، ولا من مثال سبقها فسبحانه ما أعظمه لا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأوهام، ولا تحيط بكنه عظمته الألفاظ.

2 - وتشرّف بمقابلة الإمامعليه‌السلام محمد بن عيسى بن عبيد فسأله الإمام: ( ما تقول: إذا قيل لك اخبرني عن الله عزّ وجل شيء هو أم لا؟... ).

فأجابه محمد جواب العالم الخبير قائلاً: ( قد أثبت الله عز وجل نفسه شيئا حيث يقول:( قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم ) (2) فأقول: إنّه شيء لا كالأشياء إذ في نفي الشيئية عنه إبطاله ونفيه ).

واستحسن الإمام جوابه فقال له: ( صدقت وأصبت ). وأضاف الإمام قائلاً: ( للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي وتشبيه، وإثبات بغير تشبيه فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز؛ لأنّ الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء، والسبيل هي الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه... )(3) .

قدرة الله:

سأل محمد بن عرفة الإمامعليه‌السلام السؤال التالي: ( خلق الله الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة؟... )(4) .

فأجابه الإمام: ( لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة لأنّك إذا قلت: خلق الأشياء بالقدرة فكأنّك جعلت القدرة شيئاً غيره، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك، وإذا

____________________

(1) التوحيد (ص 98) أصول الكافي 1 / 105.

(2) سورة الأنعام / آية 19.

(3) التوحيد (ص 107).

(4) التوحيد (ص 130).

٢٧٨

قلت: خلق الأشياء بقدرة، فإنّما تصفه أنّه جعلها باقتدار عليها وقدرة ولكن ليس هو بضعيف، ولا عاجز، ولا يحتاج إلى غيره ).

ومعنى كلام الإمامعليه‌السلام أنّ الله تعالى قادر، وهذه الصفة عين ذاته، ولم يخلق الأشياء بقدرة خارجة عن ذاته، فإنّ جميع صفاته الكريمة عين ذاته حسب ما دلل عليه في علم الكلام.

وقد أكّد الإمامعليه‌السلام ذلك في كلامه ( سبحان مَن خلق الخلق بقدرته، وأتقن ما خلق بحكمته، ووضع كل شيء منه موضعه بعلمه، سبحان مَن يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير )(1) .

قدم الخالق العظيم وصفاته:

من البحوث المهمّة التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام هي قدم الخالق العظيم وصفاته، قالعليه‌السلام لبعض أصحابه:

( اعلم علمك الله الخير أنّ الله تبارك وتعالى قديم والقدم صفته التي دلّت العاقل على أنّه لا شيء قبله ولا شيء معه في ديموميته فقد بان لنا بإقرار العامة معجزة الصفة أنّه لا شيء قبل الله ولا شيء مع الله في بقائه، وبطل قول مَن زعم أنّه كان قبله أو كان معه شيء؛ وذلك أنّه لو كان معه شيء في بقائه لم يجز أن يكون خالقاً له لأنّه لم يزل معه، فكيف يكون خالقاً لـمَن لم يزل معه، ولو كان قبله شيء كان الأول ذلك الشيء لا هذا، وكان الأول أولى بأن يكون خالقاً للأول.

ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبدهم، وابتلاهم إلى أن يدعوه بها، فسمّى نفسه سميعاً بصيراً، قادراً: قائماً، ناطقاً، ظاهراً، باطناً، لطيفاً خبيراً قوياً، عزيزاً، حكيماً، عليماً، وما أشبه هذه الأسماء، فلمّا رأى ذلك من أسمائه القالون المكذبون، وقد سمعونا نحدث عن الله، أنّه لا شيء مثله، ولا شيء من الخلق في حاله، قالوا: أخبرونا إذا زعمتم أنّه لا مثل لله، ولا شبه له، كيف شاركتموه في أسمائه الحسنى فتسمّيتم بجميعها، فإنّ في ذلك دليلاً على أنّكم مثله في حالاته كلها أو في بعضها دون بعض إذ جمعتم الأسماء الطيبة؟

____________________

(1) التوحيد (ص 137).

٢٧٩

قيل لهم: إنّ الله تبارك وتعالى ألزم العباد أسماء من أسمائه على اختلاف المعاني، وذلك كما يجمع الاسم الواحد معنيين مختلفين، والدليل على ذلك قول الناس الجائز عندهم الشيء، وهو الذي خاطب الله به الخلق فكلّمهم بما يعقلون ليكون عليهم حجّة في تضييع ما ضيّعوا، فقد يقال للرجل: كلب، وحمار وثور، وسكرة، وعلقمة، وأسد، كل ذلك على خلافه وحالاته لم تقع الأسامي على معانيها التي كانت بنيت عليها؛ لأنّ الإنسان ليس بأسد، ولا كلب، فافهم ذلك رحمك الله. وإنّما سمّي الله تعالى بالعلم(1) بغير علم حادث علم به الأشياء، استعان به على حفظ ما يستقبل من أمره والروية فيما يخلق من خلقه، ويفسد ما مضى ممّا أفنى من خلقه، ممّا لو لم يحضره، ويغيبه كان جاهلاً ضعيفاً كما أنّا لو رأينا علماء الخلق إنّما سمّوا بالعلم لعلم حادث(2) إذ كانوا فيه جهلة، وربّما فارقهم العلم بالأشياء فعادوا إلى الجهل، وإنّما سمي الله عالماً لأنّه لا يجهل شيئاً، فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العالم، واختلف المعنى على ما رأيت.

وسمّي ربنا سميعاً لا بخرق فيه يسمع الصوت، ولا يبصر به كما أن خرقنا الذي به نسمع لا نقوى به على البصر، ولكنّه أخبر أنّه لا يخفى عليه شيء من الأصوات، ليس على حد ما سمينا نحن، فقد جمعنا الاسم بالسمع، واختلف المعنى وهكذا البصر لا بخرق منه أبصر، كما أنّا نبصر بخرق منا لا ننتفع به في غيره، وهكذا البصر لا بخرق منه أبصر، كما أنّا نبصر بخرق منا لا ننتفع به في غيره، ولكنّ الله بصير لا يحتمل(3) شخصاً، منظوراً إليه، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى وهو قائم ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد كما قامت الأشياء، ولكن قائم(4) يخبر أنّه حافظ كقول الرجل: القائم بأمرنا فلان، والله هو القائم على كل نفس بما كسبت، والقائم أيضا كلام الناس: الباقي، والقائم أيضاً يخبر عن الكفاية، كقولك للرجل قم بأمر بني فلان أي أكفهم، والقائم منا قائم على ساق، فقد جمعنا الاسم، ولم يجمعنا المعنى وأمّا اللطيف فليس على قلّة وقصافة وصغر، ولكن ذلك على النفاذ في الأشياء، والامتناع من أن يدرك كقولك للرجل: لطف عنّي هذا الأمر،

____________________

(1) في نسخة بالعالم وهو الأصح.

(2) في التوحيد ( سموا بالعالم لعلم حادث إذ كانوا قبله جهلة ).

(3) في التوحيد ( لا يجهل شخصاً ).

(4) في التوحيد ( ولكن أخبر أنّه قائم يخبر أنّه حافظ ).

٢٨٠