حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ١

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)15%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 363

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 155493 / تحميل: 8600
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ١

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الموت والشهادة. بل إنّهم يستلهمون من قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) «والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه»(١) ويستقبلون الموت في سبيل الهدف برحابة صدر. ولهذا فإنّ أمير المؤمنين حينما تلقّى الضربة السامّة من اللعين الخاسر «عبد الرحمن بن ملجم» لم يقل سوى «فزت وربّ الكعبة».

خلاصة القول : فإنّ الإيمان بالمعاد يجعل من الإنسان الخائف الضائع ، إنسانا شجاعا شهما هادفا ، تمتلئ حياته بالحماسة والتضحية والصدق والتقوى.

٣ ـ الدلائل العقليّة على المعاد :

فضلا عن الدلائل النقلية الكثيرة على المعاد سواء الواردة في القرآن المجيد ، والتي تشمل مئات الآيات بهذا الخصوص ، فإنّ هناك أدلّة عقليّة واضحة أيضا على هذه المسألة ، والتي نحاول ذكرها هنا بشكل مختصر :

أ ـ برهان الحكمة :

إذا نظرنا إلى هذا العالم بدون العالم الآخر ، فسيكون فارغا وبلا معنى تماما ، كما لو افترضنا بوجود الحياة في الأطوار الجنينية بدون الحياة في هذه الدنيا.

فلو كان قانون الخلق يقضي بأنّ جميع المواليد الجدد يختنقون بمجرّد نزولهم من بطون امّهاتهم ويموتون ، فإنّ الدور الجنيني سيكون بلا معنى؟ كذلك لو كانت الحياة في هذا العالم مبتورة عن الحياة في العالم الآخر ، فسنواجه نفس الاضطراب والحيرة ، فما ضرورة أن نعيش سبعين عاما أو أكثر أو أقل في هذه الدنيا وسط كلّ هذه المشكلات؟ فنبدأ الحياة ونحن لا نملك تجربة معيّنة ، وحين بلوغ تلك المرتبة يهجم الموت وينتهي العمر نسعى مدّة لتحصيل العلم والمعرفة ،

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٥ صفحة ٥٢.

٢٦١

وحينما نبلغ درجة منه بعد اشتعال الرأس شيبا يستقبلنا الموت.

ثمّ لأجل ماذا نعيش؟ الأكل واللبس والنوم والاستيقاظ المتكرّر يوميا ، واستمرار هذا البرنامج المتعب لعشرات السنين ، لماذا؟

فهل حقّا إنّ هذه السماء المترامية الأطراف وهذه الأرض الواسعة ، وكلّ هذه المقدّمات والمؤخّرات وكلّ هؤلاء الأساتذة والمعلّمين والمربّين وكلّ هذه المكتبات الضخمة وكلّ هذه الأمور الدقيقة والأعمال التي تداخلت في خلقنا وخلق باقي الموجودات ، كلّ ذلك لمجرّد الأكل والشرب واللبس والحياة المادية هذه؟

هنا يعترف الذين لا يعتقدون بالمعاد بتفاهة هذه الحياة ، ويقدم بعضهم على الانتحار للتخلّص من هذه الحياة الخاوية ، بل قد يفتخر به.

وكيف يمكن لمن يؤمن بالله وبحكمته المتعالية أن يعتبر هذه الحياة الدنيا وحدها بدون ارتباطها بحياة اخرى ذات قيمة وذات شأن؟

يقول تعالى :( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ ) (١) . أيّ أنّه لو لم يكن رجوع بعد هذه الدنيا إلى الله ، فإنّ الحياة في هذه الدنيا ليست سوى عبث في عبث.

نعم فإنّ الحياة في هذه الدنيا تجد معناها ويكون لها مفهوما ينسجم مع حكمة الله سبحانه وتعالى عند ما تعتبر هذه : «الدنيا مزرعة للآخرة» و «الدنيا قنطرة» ومكان تعلّم ، وجامعة للاستعداد للعالم الآخر ومتجر لذلك العالم ، تماما كما يقول أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) في كلماته العميقة المعنى «إنّ الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عاقبة لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزوّد منها ، ودار موعظة لمن اتّعظ بها ، مسجد أحبّاء الله ، ومصلّى ملائكة الله ، ومهبط وحي الله ،

__________________

(١) المؤمنون ، ١١٥.

٢٦٢

ومتجر أولياء الله»(١) .

خلاصة القول ، إنّ الفحص والمطالعة في وضع هذا العالم يؤدّي إلى الاعتقاد بعالم آخر وراء هذا العالم( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ ) (٢) .

ب ـ برهان العدالة :

التدقيق في نظام الوجود وقوانين الخلق ، يستنتج منه أنّ كلّ شيء منها محسوب بدقّة متناهية. ففي مؤسسة البدن البشري ، يحكم نظام عادل دقيق ، بحيث أنّه لو تعرّض لأدنى تغيير أو عارض ما لأدّى إلى إصابته بالمرض أو حتّى الموت ، حركات القلب ، دوران الدم ، أجفان العين ، وكلّ جزء من خلايا الجسم البشري مشمول بهذا النظام الدقيق ، الذي يحكم العالم بأسره «وبالعدل قامت السموات والأرض»(٣) فهل يستطيع الإنسان أن يكون وحده النغمة النشاز في هذا العالم الواسع؟!

صحيح أنّ الله سبحانه وتعالى أعطى للإنسان بعض الحرية في الإرادة والإختيار لكي يمتحنه ولكي يتكامل في ظلّ تلك الحرية ويطوي مسير تكامله بنفسه ، ولكن إذا أساء الإنسان الاستفادة من تلك الحرية فما ذا سيكون؟!

ولو أنّ الظالمين الضالّين المضلّين بسوء استفادتهم من هذه الموهبة الإلهية استمرّوا على مسيرهم الخاطئ فما ذا يقتضي العدل الإلهي؟! وصحيح أنّ بعضا من المسيئين يعاقبون في هذه الدنيا ويلقون مصير أعمالهم ـ على الأقل قسم منهم ـ ولكن المسلّم أنّ جميعهم لا ينال جميع ما يستحقّ. كما أنّ جميع المحسنين الأطياب لا يتلقّون جزاء أعمالهم الطيّبة في الدنيا ، فهل من

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار كلمة ١٣١.

(٢) الواقعة ، ٦٢.

(٣) تفسير الصافي ، المجلّد الخامس ، صفحة ١٠٧.

٢٦٣

الممكن أن تكون كلا المجموعتين في كفّة عدالة الله سواء؟!

ويقول القرآن الكريم :( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) .(١) وفي موضع آخر يقول تعالى :( أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) .(٢)

على كلّ حال ، فلا شكّ في تفاوت الناس وإطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى ، كما أنّ محاكم «القصاص والثواب الدنيوية» و «محكمة الوجدان» و «الآثار الوضعية للذنوب» كلّ ذلك لا يكفي لإقرار العدالة على ما يبدو ، وعليه يجب القبول بأنّه لأجل إجراء العدالة الإلهية يلزم وجود محكمة عدل عامّة تراعي بدقّة الخير أو الشرّ في حساباتها ، وإلّا فإنّ أصل العدالة لا يمكن تأمينه أبدا.

وبناء على ما تقدّم يجب الإقرار بأنّ قبول العدل الإلهي مساو بالضرورة لوجود المعاد والقيامة ، القرآن الكريم يقول :( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) .(٣)

ويقول :( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) .(٤)

ج ـ برهان الهدف :

على خلاف ما يتوهّمه المادّيون ، فإنّ الإلهيين يرون أنّ هناك هدفا من خلق الإنسان ، والذي يعبّر عنه الفلاسفة بـ «التكامل» وفي لسان القرآن والحديث فهو «القرب إلى الله» أو «العبادة»( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) .(٥)

فهل يمكن تحقيق هذا الهدف إذا كان الموت نهاية لكلّ شيء؟!

__________________

(١) القلم ، ٣٥ و ٣٦.

(٢) ص ، ٢٨.

(٣) الأنبياء ، ٤٧.

(٤) يونس ، ٥٤.

(٥) الذاريات ، ٥٦.

٢٦٤

يجب أن يكون عالم بعد هذا العالم ويستمرّ فيه سير الإنسان التكاملي ، وهناك يحصد ما زرع في هذا العالم ، وكما قلنا في موضع آخر فإنّه في ذلك العالم الآخر يستمرّ سير الإنسان التكاملي ليبلغ هدفه النهائي.

الخلاصة : أنّ تحقيق الهدف من الخلق لا يمكن بدون الإعتقاد بالمعاد ، وإذا قطعنا الارتباط بين هذا العالم وعالم ما بعد الموت ، فكلّ شيء سيتحوّل إلى ألغاز ، وسوف نفقد الجواب على الكثير من التساؤلات.

د ـ برهان نفي الاختلاف :

لا شكّ أنّنا جميعا نتعذّب كثيرا من الاختلافات بين المذاهب والعقائد في هذا العالم ، وكلّنا نتمنّى أن تحلّ هذه الاختلافات ، في حين أنّ جميع القرائن تدلّل على أنّ هذه الاختلافات هي من طبيعة الحياة. ويستفاد من عدّة دلائل بأنّه حتّى بعد قيام المهديعليه‌السلام ـ وهو المقيم لحكومة العدل العالمية والمزيل لكثير من الاختلافات ـ ستبقى بعض الاختلافات العقائدية بلا حلّ تامّ ، وكما يقول القرآن الكريم فإنّ اليهود والنصارى سيبقون على اختلافاتهم إلى قيام القيامة :( فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ) .(١)

ولكن الله سبحانه وتعالى الذي يقود كلّ شيء باتّجاه الوحدة سينهي تلك الاختلافات حتما ، ولوجود الحجب الكثيفة لعالم المادّة في الدنيا فإنّه لا يمكن حلّ هذا الأمر بشكل كامل فيها ، ونعلم أنّ العالم الآخر هو عالم الظهور والانكشاف ، إذن فنهاية هذه المسألة ستكون نهاية عملية ، وستكون الحقائق جلية واضحة إلى درجة أنّ الاختلافات العقائدية ستحلّ بشكل نهائي تامّ.

الجميل أنّه تمّ التأكيد في آيات متعدّدة من القرآن الكريم على هذه المسألة ، يقول تعالى في الآية (١١٣) من سورة البقرة :( فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما

__________________

(١) المائدة ، ١٤.

٢٦٥

كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) وفي الآيات (٣٨) و (٣٩) من سورة النحل يقول تعالى :( وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ ) .

٤ ـ القرآن ومسألة المعاد :

تعتبر مسألة المعاد المسألة الثانية بعد مسألة التوحيد والتي تعتبر المسألة الأساس في تعليمات الأنبياء بخصائصها وآثارها التربوية ، لذا ففي بحوث القرآن الكريم نجد أنّ أكثر الآيات اختصّت ببحث مسألة المعاد ، بعد الكثرة الكاثرة التي اختصّت ببحث مسألة التوحيد.

والمباحث القرآنية حول المعاد تارة تكون بشكل استدلالات منطقية ، واخرى بشكل بحوث خطابية وتلقينية شديدة الوقع بحيث أنّ سماعها في بعض الأحيان يؤدّي إلى قشعريرة شديدة في البدن بأسره. والكلام الصادق ـ كالاستدلالات المنطقية ـ ينفذ إلى أعماق الروح الإنسانية.

في القسم الأوّل ، أي الاستدلالات المنطقية ، فإنّ القرآن الكريم يؤكّد كثيرا على موضوع إمكانية المعاد ، إذ أنّ منكري المعاد غالبا ما يتوهّمون استحالته ، ويعتقدون بعدم إمكانية المعاد بصورة معاد جسماني يستلزم عودة الأجسام المهترئة والتراب إلى الحياة مرّة اخرى.

ففي هذا القسم ، يلج القرآن الكريم طرقا متنوعة ومتفاوتة تلتقي كلّها في نقطة واحدة ، وهي مسألة «الإمكان العقلي للمعاد».

فتارة يجسّد للإنسان النشأة الاولى ، وبعبارة وجيزة ومعبّرة واضحة تقول الآية :( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) .(١)

__________________

(١) الأعراف ، ٢٩.

٢٦٦

وتارة يجسّد حياة وموت النبات ، وبعثه الذي نراه بامّ أعيننا كلّ عام ، وفي الختام يقول إنّ بعثكم تماما كالنبات :( وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ ) .(١)

وفي موضع آخر يقول تعالى :( وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ ) .(٢)

وحينا يطرح مسألة قدرة الله سبحانه وتعالى على خلق السموات والأرض فيقول :( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .(٣)

وحينا آخر يعرض عملية انبعاث الطاقة واشتعال الشجر الأخضر كنموذج على قدرته ، وجعل النار في قلب الماء فيقول :( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً ) .(٤)

وتارة يجسّد أمام ناظري الإنسان الحياة الجنينية فيقول :( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) .(٥)

وأخيرا فإنّ القرآن تارة يدلّل على البعث بالنوم الطويل ـ النوم الذي هو قرين الموت وأخوه ، بل إنّه الموت بعينه من بعض الجوانب ـ كنوم أصحاب الكهف الذي استمر ثلاثمائة وتسع سنين ، وبعد تفصيل جميل حول النوم واليقظة يقول :

__________________

(١) سورة ق ، ٩ ـ ١١.

(٢) فاطر ، ٩.

(٣) الأحقاف ، ٣٣.

(٤) سورة يس ، ٨٠.

(٥) الحجّ ، ٥.

٢٦٧

( وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها ) .(١)

تلك هي الأساليب الستّة المختلفة التي طرحتها آيات القرآن الكريم لبيان إمكانية المعاد. علاوة على قصّة إبراهيم عليه‌السلام والطيور الأربعة (البقرة ـ ٢٦٠) وقصّة عزير (البقرة ـ ٢٥٩) وقصّة الشهادة من بني إسرائيل (البقرة ـ ٧٣) ، والتي تشكّل كلّ واحدة منها نموذجا تأريخيا على هذه المسألة وهي من الشواهد والدلائل الاخرى التي ذكرها القرآن بهذا الخصوص.

خلاصة القول ، إنّ ما يعرضه القرآن الكريم عن المعاد ومظاهره المختلفة ومعلوماته ونتائجه ، والدلائل الرفيعة التي يطرحها بهذا الخصوص ، حيّة ومقنعة بحيث أنّ أيّ إنسان إذا كان لديه ذرّة من الوجدان فإنّه يتأثّر بعمق ما يطرحه القرآن الكريم.

وعلى قول البعض : فإنّ ألفا ومائتي آية من القرآن الكريم تبحث في مسألة المعاد ، لو جمعت وفسّرت لأصبحت وحدها كتابا ضخما.

٥ ـ المعاد الجسماني :

المقصود من المعاد الجسماني ليس إعادة الجسم وحده في العالم الآخر ، بل إنّ الهدف هو بعث الروح والجسم معا ، وبتعبير آخر فإنّ عودة الروح أمر مسلّم به ، والحديث حول عودة الجسم.

جمع من الفلاسفة القدماء كانوا يعتقدون بالمعاد الروحي فقط ، وينظرون إلى الجسد على أنّه مركّب ، يكون مع الإنسان في هذه الدنيا فقط ، وبعد الموت يصبح الإنسان غير محتاج إليه فينزل الجسد ويندفع نحو عالم الأرواح.

ولكن العلماء المسلمين الكبار يعتقدون بأنّ المعاد يشمل الروح والجسم ، وهنا لا يقيّد البعض بعودة الجسم السابق ، ويقولون بأنّ الله قيّض للروح جسدا ، ولكن

__________________

(١) الكهف ، ٢١.

٢٦٨

شخصيّة الإنسان بروحه فإنّ هذا الجسد يعدّ جسده.

في حال أنّ المحقّقين يعتقدون بأنّ هذا الجسد الذي يصبح ترابا ويتلاشى ، يتلبّس بالحياة مرّة اخرى بأمر الله الذي يجمعه ويكسوه بالحياة ، هذه العقيدة نابعة من متون الآيات القرآنية الكريمة.

إنّ الشواهد على المعاد الجسماني في الآيات القرآنية الكريمة كثيرة جدّا ، بحيث يمكن القول قطعا بأنّ الذين يعتقدون باقتصار المعاد على المعاد الروحي فقط لا يملكون أدنى اطّلاع على الآيات العديدة التي تبحث في موضوع المعاد ، وإلّا فإنّ جسمانية المعاد واضحة في الآيات القرآنية إلى درجة تنفي أدنى شكّ في هذه المسألة.

فهذه الآيات التي قرأناها في آخر سورة يس ، توضّح هذه الحقيقة حيث حينما تساءل الإنسان :( قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) أجابه القرآن بصراحة ووضوح :( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) .

إنّ كلّ تعجّب المشركين والمخالفين لمسألة المعاد هو هذه القضيّة ، وهي كيف يمكن إحياؤنا بعد الموت وبعد أن نصبح ترابا متناثرا وضائعا في هذه الأرض؟( وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) .(١)

إنّهم يقولون :( أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ) (٢) . وتعجّبوا من هذه المسألة إلى درجة أنّهم اعتبروا إظهارها دليلا على الجنون أو الكذب على الله( قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) .(٣)

لهذا السبب فإنّ استدلالات القرآن الكريم حول إمكانية المعاد عموما تدور

__________________

(١) السجدة ، ١٠.

(٢) المؤمنون ، ٣٥.

(٣) سورة سبأ ، ٧.

٢٦٩

حول هذا المحور وهو «المعاد الجسماني» وما عرضناه في الفصل السابق في ستّة طرق كانت دليلا وشاهدا على هذا الادّعاء.

علاوة على أنّ القرآن الكريم يذكر مرارا وتكرارا بأنّكم ستخرجون يوم القيامة من قبوركم والقبور مرتبطة بالمعاد الجسماني.

والأوصاف التي يذكرها القرآن الكريم عن المواهب المادية والمعنوية للجنّة ، كلّها تدلّل على أنّ المعاد معاد جسمي ومعاد روحي أيضا ، وإلّا فلا معنى للحور والقصور وأنواع الأغذية والنعيم في الجنّة إلى جنب المواهب المعنوية.

على كلّ حال ، فلا يمكن أن يكون الإنسان على جانب يسير من المنطق والثقافة القرآنية وينكر المعاد الجسماني. وبتعبير آخر : فإنّ إنكار المعاد الجسماني بنظر القرآن الكريم مساو لإنكار أصل المعاد.

علاوة على هذه الأدلّة النقلية ، فإنّ هناك أدلّة عقلية بهذا الخصوص لو أردنا إيرادها لاتّسع البحث كثيرا ، لا شكّ أنّ الإعتقاد بالمعاد الجسماني سيثير أسئلة وإشكالات كثيرة ، منها شبهة الآكل والمأكول والتي ردّ عليها العلماء الإسلاميون والتي أوردنا تفصيلا عنها بشكل مختصر في المجلّد الثاني عند تفسير الآية (٢٦٠) من سورة البقرة.

٦ ـ الجنّة والنار

الكثيرون يتوهّمون بأنّ عالم ما بعد الموت يشبه هذا العالم تماما ولكنّه بشكل أكمل وأجمل ، غير أنّ لدينا قرائن عديدة تدلّل على الفروق الكبيرة بين العالمين من حيث الكيفية والكميّة ، لو أردنا تشبيهها بالفروق بين العالم الجنيني وهذه الدنيا لظلّت المقايسة أيضا غير كاملة.

فوفقا لصريح الروايات الواردة في هذا الشأن فإنّ في عالم ما بعد الموت ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على فكر بشر ، القرآن الكريم يقول :( فَلا تَعْلَمُ

٢٧٠

نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) .(١)

الأنظمة الحاكمة في ذلك العالم أيضا تتفاوت تماما مع الأنظمة في هذا العالم ، ففي حين يستفاد في هذا العالم من أفراد يسمّون «الشهود» في المحاكمات ، نرى أنّ هناك تشهد الأيدي والأرجل وحتّى الجلد( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) .(٢) ( وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) (٣) .

على كلّ حال ، فما قيل عن العالم الآخر لا يرسم أمامنا سوى صورة باهتة ، وعادة فإنّ اللغة التي نتحدّث بها والثقافة التي لدينا غير قادرة جميعها على الوصف الحقيقي لما هو موجود هناك ، ولكن لا يترك الميسور بالمعسور. فالمقدار المتيقّن هو أنّ الجنّة هي مركز كلّ النعم والمواهب الإلهية سواء المادية أو المعنوية ، وجهنّم هي مركز لكلّ أنواع العذاب الأليم المادّي والمعنوي أيضا.

أمّا بخصوص تفصيل ذلك فإنّ القرآن الكريم أورد جزئيات نحن نؤمن بها ، ولكن تفصيلها بدقّة غير ممكن بدون الرؤية والمعاينة. ولنا بحث حول هذا الخصوص في تفسير الآية (٣٣) من سورة آل عمران.

إلهي : آمنّا في الفزع الأكبر.

إلهي : لا تحاسبنا بعدلك ولكن حاسبنا بلطفك وعدلك ، فليس لدينا من الأعمال ما يوجب رضاك.

اللهم افعل بنا ما يرضيك عنّا ويجعلنا من الناجين آمين ربّ العالمين.

* * *

نهاية سورة يس

__________________

(١) السجدة ، ١٧.

(٢) سورة يس ـ ٦٥.

(٣) سورة فصلت ، ٢١.

٢٧١
٢٧٢

سورة

الصّافات

مكيّة

وعدد آياتها مائة واثنان وثمانون آية

٢٧٣
٢٧٤

سورة الصّافات

محتوى سورة الصّافات :

هذه السورة بحكم كونها من السور المكيّة ، فإنّها تمتلك كافّة خصائص السور المكيّة ، فهي تسلّط الأضواء على اصول المعارف والعقائد الإسلامية الخاصّة بالمبدأ والمعاد. وتتوعّد المشركين بأشدّ العقاب وذلك من خلال العبارات الحازمة والآيات القصيرة العنيفة الوقع ، وتوضّح ـ بالأدلّة القاطعة ـ بطلان عقائدهم.

بصورة عامّة يمكن تلخيص محتوى سورة الصافات في خمسة أقسام :

القسم الأوّل : يبحث حول مجاميع من ملائكة الرحمن ، ومجموعة من الشياطين المتمردين ومصيرهم.

القسم الثّاني : يتحدّث عن الكافرين ، وإنكارهم للنبوّة والمعاد ، والعقاب الذي ينتظرهم يوم القيامة ، كما يستعرض الحوار الذي يدور بينهم في ذلك اليوم ، ويحملهم جميعا الذنب ، والعذاب الإلهي الذي سيشملهم ، كما يشرح هذا القسم جوانب من النعم الموجودة في الجنّة إضافة إلى ملذّاتها وجمالها وسرور أهلها.

القسم الثّالث : يشرح بصورة مختصرة تأريخ الأنبياء أمثال (نوح) و (إبراهيم) و (إسحاق) و (موسى) و (هارون) و (إلياس) و (لوط) و (يونس) وبصورة ذات تأثير قوي ، كما يتحدّث هذا القسم بشكل مفصّل عن إبراهيم محطّم الأصنام وعن جوانب مختلفة من حياته ، والهدف الرئيسي من وراء سرد قصص الأنبياء ـ مع ذكر بعض الشواهد العينية من تأريخهم ـ هو تجسيد حوادث تلك القصص

٢٧٥

وتصويرها بشكل محسوس وملموس.

القسم الرّابع : يعالج صورة معيّنة من صور الشرك والذي يمكن اعتباره من أسوأ صور الشرك ، وهو الإعتقاد بوجود رابطة القرابة بين الله سبحانه وتعالى والجنّ والملائكة ، ويبيّن بطلان مثل هذه العقائد التافهة بعبارات قصيرة.

أمّا القسم الخامس والأخير : فيتناول في عدّة آيات قصار انتصار جيوش الحقّ على جيوش الكفر والشرك والنفاق ، وابتلاءهم ـ أي الكافرين والمشركين والمنافقين ـ بالعذاب الإلهي ، وتنزّه آيات هذا القسم الله سبحانه وتعالى وتقدّسه عن الأشياء التي نسبها المشركون إليه ، ثمّ تنتهي السورة بالحمد والثناء على الباريعزوجل .

فضيلة تلاوة سورة الصافات :

في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، جاء فيه : «من قرأ سورة الصافات اعطي من الأجر عشر حسنات ، بعدد كلّ جنّ وشيطان ، وتباعدت عنه مردة الشياطين ، وبرىء من الشرك ، وشهد له حافظاه يوم القيامة أنّه كان مؤمنا بالمرسلين»(١) .

وفي حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام جاء فيه : «من قرأ سورة الصافات في كلّ جمعة لم يزل محفوظا من كلّ آفة ، مدفوعا عنه كلّ بليّة في حياته الدنيا ، مرزوقا في الدنيا بأوسع ما يكون من الرزق ، ولم يصبه الله في ماله ولا ولده ولا بدنه بسوء من شيطان رجيم ، ولا جبّار عنيد ، وإن مات في يومه أو ليلته بعثه الله شهيدا ، وأماته شهيدا ، وأدخله الجنّة مع الشهداء في درجة من الجنّة»(٢) .

الثواب العظيم الذي يناله من يتلو سورة الصافات ، جاء نتيجة لما تحويه هذه

__________________

(١) مجمع البيان ، أوّل تفسير سورة الصافات.

(٢) تفسير مجمع البيان أوّل تفسير سورة الصافات ـ لقد ورد هذا الحديث في تفسير البرهان نقلا عن الشيخ الصدوق ، رحمة الله مع اختلاف بسيط.

٢٧٦

السورة المباركة ، فنحن ندرك أنّ الهدف من التلاوة هو التفكّر ، ومن ثمّ الإعتقاد ، ومن بعد العمل. ومن دون شكّ فإنّ الذي يتلو هذه السورة بتلك الصورة ، سيحفظ من شرّ الشياطين ، ويتطهّر من الشرك ، ويمتلك الإعتقاد الصحيح القوي ، ويمارس أعمالا صالحة ، ويتّعظ من القصص الواقعية للأنبياء والأقوام الماضية ، وإنّه سيحشر مع الشهداء.

وممّا يذكر فإنّ تسمية هذه السورة بالصافات جاءت نسبة إلى الآية الاولى فيها.

* * *

٢٧٧

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (٥) )

التّفسير

الملائكة المستعدّة لتنفيذ المهام :

هذه السورة هي أوّل سورة في القرآن الكريم تبدأ بالقسم ، القسم المليء بالمعاني والمثير للتفكّر ، القسم الذي يجوب بفكر الإنسان في جوانب مختلفة من هذا العالم ، ويجعله متهيّئا لتقبّل الحقائق.

من المسلّم به أنّ الله تبارك وتعالى هو أصدق الصادقين ، وليس بحاجة إلى القسم ، إضافة إلى أنّ قسمه إن كان للمؤمنين ، فإنّهم مؤمنون به من دون قسم ، وإن كان للناكرين ، فإنّ أولئك لا يعتقدون بالقسم الإلهي.

ونلفت الانتباه إلى نقطتين لحلّ مشكلة القسم في كلّ آيات القرآن التي سنتناولها من الآن فما بعد.

الاولى : أنّ القسم يأتي دائما بالنسبة إلى امور مهمّة وذات قيمة ، ولذلك فإنّ

٢٧٨

أقسام القرآن تشير إلى عظمة وأهميّة الأشياء المقسم بها. وهذا الأمر يدعو إلى التفكّر أكثر بالشيء المقسم به ، التفكّر الذي يكشف للإنسان عن حقائق جديدة.

الثانية : أنّ القسم يأتي للتأكيد ، وللدلالة على أنّ الأمور التي يقسم من أجلها هي امور جديّة ومؤكّدة.

وعلاوة على ذلك أنّ المتحدّث لو تحدّث بصورة حازمة ومؤكّدة ، فإنّ تأثير كلامه من الناحية النفسية سيكون أوقع على قلب المستمع ، كما أنّه يقوّي المؤمنين ويضعّف الكافرين.

على كلّ حال ، فإنّ بداية هذه السورة تذكر أسماء ثلاثة طوائف أقسم بها الله تعالى(١) .

الأولى :( وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ) .

الثانية :( فَالزَّاجِراتِ زَجْراً ) .

الثالثة :( فَالتَّالِياتِ ذِكْراً ) .

فمن هي تلك الطوائف الثلاث؟ وعلى من أطلقت تلك الصفات؟ وما الهدف النهائي منها؟

المفسّرون قالوا الكثير بهذا الشأن ، إلّا أنّ المعروف والمشهور هو أنّ هذه الصفات تخصّ طوائف من الملائكة

طوائف اصطفّت في عالم الوجود بصفوف منظمة ، وهي مستعدّة لتنفيذ الأمر الإلهي.

وطوائف من الملائكة تزجر بني آدم عن ارتكاب المعاصي والذنوب ، وتحبط وساوس الشياطين في قلوبهم. أو الملائكة الموكّلة بتسيير السحاب في السماء وسوقها نحو الأرض اليابسة لإحيائها.

وأخيرا طوائف من الملائكة تتلو آيات الكتب السماوية حين نزول الوحي

__________________

(١) هذه العبارات الثلاث من جهة هي ثلاثة أقسام ، ومن جهة اخرى هي قسم واحد له ثلاث صفات.

٢٧٩

على الرسل(١) .

وممّا يلفت النظر أنّ «الصافات» هي جمع كلمة «صافّة» وهي بدورها تحمل صفة الجمع أيضا ، وتشير إلى مجموعة مصطفّة ، إذن فـ «الصافات» تعني الصفوف المتعدّدة(٢) .

وأمّا كلمة «الزاجرات» فإنّها مأخوذة من (الزجر) ويعني الصرف عن الشيء بالتخويف والصراخ ، وبمعنى أوسع فإنّها تشمل كلّ منع وطرد وزجر للآخرين.

إذن فالزاجرات تعني مجاميع مهمّتها نهي وصرف وزجر الآخرين.

و «التاليات» من (التلاوة) وهي جمع كلمة (تال) وتعني طوائف مهمّتها تلاوة شيء ما(٣) .

ونظرا لكثرة واتّساع مفاهيم هذه الألفاظ ، فليس من العجب أن يطرح المفسّرون تفاسير مختلفة لها دون أن يناقض بعضها الآخر ، بل من الممكن أيضا أن تجتمع لتوضيح مفهوم هذه الآيات ، فمثلا المقصود من كلمة «الصافات» هو صفوف الملائكة المستعدّة لتنفيذ الأوامر الإلهيّة ، في عالم الخلق ، أو الملائكة النازلون بالوحي إلى الأنبياء في عالم التشريع ، وكذلك صفوف المقاتلين

__________________

(١) بالطبع وردت احتمالات اخرى في تفسير الآيات المذكورة أعلاه ، «منها» ما يشير إلى صفوف جند الإسلام في ساحات الجهاد ، الذين يصرخون بالأعداء ويزجرونهم عن الاعتداء على حرمة الإسلام والقرآن ، والذين يتلون كتاب الله دائما ومن دون أي انقطاع ، وينوّرون قلوبهم وأرواحهم بنور تلاوته ، ومنها : أنّ بعض هذه الأوصاف الثلاثة هو إشارة إلى ملائكة اصطفّت بصفوف منظمة ، والقسم الآخر يشير إلى آيات القرآن التي تنهى الناس عن ارتكاب القبائح ، والقسم الثالث يشير إلى المؤمنين الذين يتلون القرآن في أوقات الصلاة وفي غيرها من الأوقات. ويستبعد الفصل بين هذه الأوصاف ، لأنّها معطوفة على بعضها البعض بحرف (الفاء) ، وهذا يوضّح أنّها أوصاف لطائفة واحدة. وقد ذكر العلّامة «الطباطبائي» في تفسيره الميزان هذا الاحتمال ، في أنّ الأوصاف الثلاثة هي تطلق على ملائكة مكلّفة بتبليغ الوحي الإلهي ، والاصطفاف في طريق الوحي لتوديعه ، وزجر الشياطين التي تقف في طريقه ، وفي النهاية تلاوة آيات الله على الأنبياء.

(٢) ولا ضير في التعبير عن الملائكة بلفظ الإناث «الصافات والزاجرات والتاليات» لأنّ موصوفها الجماعة ، وهي مؤنّث لفظي.

(٣) ممّا يذكر أنّ بعض اللغويين قالوا بأنّ جمع كلمة (تال) هو (تاليات) وجمع (تالية) (توال).

٢٨٠

ولطف فلان في مذهبه، وقوله: يخبرك أنه غمض فيه العقل، وفات الطلب، وعاد متعمقا، متلطفا لا يدركه الوهم، فكذلك لطف الله تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف، واللطافة منا الصغر والقلة، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.

وأمّا الخبير فالذي لا يعزب عنه شيء، ولا يفوته، ليس للتجربة، ولا للاعتبار بالأشياء، فعند التجربة والاعتبار علمان ولولاهما ما علم لان من كان كذلك كان جاهلاً، والله لم يزل خبيرا بما يخلق الخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم، فقد جمعنا الاسم، واختلف المعنى وأمّا الظاهر فليس من أجل أنّه علا الأشياء بركوب فوقها، وقعود عليها وتسنّم لذراها، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الأشياء وقدرته عليها كقول الرجل:

ظهرت على أعدائي، وأظهرني الله على خصمي، يخبر عن الفلج والغلبة فهكذا ظهور على الأشياء، ووجه آخر أنّه الظاهر لمن أراده، ولا يخفى عليه شيء وأنّه مدبر لكل ما برأ، فأي ظاهر أظهر وأوضح من الله تبارك وتعالى لأنّك لا تعدم صنعته حيثما توجهت، وفيك من آثاره ما يغنيك، والظاهر منا البارز بنفسه، والمعلوم بحده فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.

وأمّا الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علماً وحفظاً وتدبيراً كقول القائل: أبطنته: يعني خبرته، وعلمت مكتوم سرّه، والباطن منّا الغايب في الشيء المستتر وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى وأمّا القاهر فليس على معنى علاج ونصب واحتيال، ومدارة ومكر كما يقهر العباد بعضهم بعضاً، والمقهور منهم يعود قاهراً والقاهر يعود مقهوراً، ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى على أنّ جميع ما خلق ملبس به الذل لفاعله، وقلة الامتناع لما أراد به، لم يخرج منه طرفة عين، أن يقول له:( كن فيكون ) والقاهر منا على ما ذكرت ووصفت، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى، وهكذا جميع الأسماء، وإن كنا لم نستجمعها كلها فقد يكتفي الاعتبار بما ألقينا إليك، والله عونك وعوننا في إرشادنا وتوفيقنا... )(١) .

وحفلت هذه الرسالة بالاستدلال على قدم الخالق العظيم المبدع والمكوّن

____________________

(١) أصول الكافي ١ / ١٢٠ - ١٢٣.

٢٨١

للأشياء على اختلاف أنواعها، كما حفلت بذكر بعض أسماء الله تعالى، وأنّها وإن أطلقت على الإنسان إلاّ أنّ المعنى مختلف، فإطلاقها على الله غير إطلاقها على الإنسان المفتقر إلى الله تعالى في جميع شؤونه وأحواله، ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الرسالة وصفها الكليني بأنّها مرسلة، وليست بمسندة.

نزاهة الخالق عن المكان:

وتنزّه الخالق العظيم عن المكان والزمان اللذين هما من لوازم الموجودات التي تستند في وجودها إلى الله تعالى،

وقد خفّ رجل من وراء نهر بلخ نحو الإمام الرضاعليه‌السلام فقال له: ( إنّي أسألك عن مسألة فإن أجبتني فيها بما عندي قلت بإمامتك... ).

( سل عما شئت... ).

وعرض مسألته على الإمام قائلاً: ( أخبرني عن ربّك متى كان؟ وكيف كان اعتماده؟... ).

وأجابه الإمام ببالغ الحجّة قائلاً: ( إنّ الله تبارك وتعالى أين الأين بلا أين، وكيف الكيف بلا كيف، وكان اعتماده على قدرته... ).

إنّ الله تعالى هو الذي أوجد المكان والزمان فهما من مخلوقاته فكيف يتصف بهما؟

وبهر الرجل من جواب الإمام وسارع فقبل رأسه وقال: ( أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله وأنّ عليّاً وصي رسول الله، والقيّم بعده بما أقام به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّكم الأئمة الصادقون، وأنّك الخلف من بعدهم )(١) .

لقد كان الإمام من مصادر الهداية والنور في الأرض فأشاع في عصره الإيمان بالله، وأقام الحجّة على الخلق.

امتناع رؤية الله:

وكتب محمد بن عبيد إلى الإمام الرضاعليه‌السلام يسأله عن الرؤية - أي رؤية الله تعالى - وما ترويه العامة والخاصة في ذلك، وسأل الإمام أن يشرح له ذلك فكتب الإمام إليه الرسالة التالية:

____________________

(١) أصول الكافي ١ / ٨٨.

٢٨٢

( اتفق الجميع لا تمانع بينهم، أنّ المعرفة من جهة الرؤية ضرورة، فإذا جاز أن يرى الله بالعين وقعت المعرفة ضرورة، ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيماناً أو ليست بإيمان، فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيماناً، فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لأنّها ضده، فلا يكون في الدنيا مؤمن لأنّهم لم يروا الله عزّ ذكره، وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيماناً لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول، ولا تزول في المعاد، فهذا دليل على أنّ الله عزّ وجل لا يرى بالعين، إذ العين تؤدي إلى ما وصفنا... )(١) .

وأبطل الإمام بهذه الحجة البالغة رؤية الخالق العظيم بالعين لا بالفكر والعقل، فإن الإيمان به تعالى لو كان مرتبطاً بها للزم أن يكون الإيمان الناشئ من الأدلة الوجدانية على وجود الله ليس إيماناً، وهو باطل، وإن كانت معرفة الله تعالى الناشئة من الرؤية ليست إيماناً، فلازمه أن لا تكون المعرفة الناشئة من الأدلة موجبة للإيمان وهو باطل أيضاً. إنّ الإيمان بالخالق تعالى من الضروريات التي لا ينكرها إلاّ مَن زاغ فكره، وضل عقله، والله تعالى أبرز حقيقة ظاهرة في هذا الوجود تدلل عليه مخلوقاته إبطال التفويض والجبر. أمّا التفويض فهو يتصادم مع الدين الإسلامي، وكذلك الجبر فإنّه ليس من الإسلام في شيء، وقد سأل الحسن بن علي الوشاء الإمام عن ذلك فقال له: ( الله فوض الأمر إلى العباد؟... ).

وسارع الإمام في إبطال ذلك قائلاً: ( الله أغر من ذلك... ).

وانبرى الحسن قائلاً: ( جبرهم على المعاصي؟... ).

فردّه الإمام قائلاً: ( الله أعدل، وأحكم من ذلك... ).

وأضاف الإمام قائلاً: ( قال الله: يا بن آدم، أنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك منّي،

____________________

(١) أصول الكافي ١ / ٩٦ - ٩٧.

٢٨٣

عملت بالمعاصي بقوتي التي جعلتها فيك... )(١) .

إنّ الله تعالى منح عباده الإرادة الكاملة، فهم بمحض إرادتهم يطيعون أو يعصون، وليسوا مجبرين على شيء منهما.

وممّا أثر عن الإمام الرضاعليه‌السلام في إبطال الجبر والتفويض ما رواه سليمان بن جعفر الجعفري قال: ذكر عند الإمام الرضاعليه‌السلام الجبر والتفويض فقال: ألا أعطيكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه ولا يخاصمكم عليه أحد إلاّ كسرتموه...

فقال أصحابه: إن رأيت ذلك.

فقالعليه‌السلام : ( إنّ الله تعالى لم يطع بإكراه، ولم يعص بغلبة، ولم يهمل العباد في ملكه، وهو المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله عنها صادراً، ولا منها مانعاً، وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإن لم يحل ففعلوا، فليس هو الذي أدخلهم فيه... ).

وعقب هذا البرهان الحاسم قالعليه‌السلام لأصحابه: من يضبط حدود هذا الكلام فقد خاصم من خالفه... ).(٢) .

وأكّد الإمام هذا الأمر في حديثه مع علي بن أسباط فقد سأله عن الاستطاعة، فأجابه: ( يستطيع العبد بعد أربع خصال: أن يكون مخلى السرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح، له سبب وارد من الله... ).

وانبرى علي قائلاً: ( جعلت فداك فسّر لي هذا... ).

وأوضح الإمامعليه‌السلام هذه الأمور بقوله: ( أن يكون العبد مخلى السرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح يريد أن يزني فلا يجد امرأة، ثم يجدها، فأمّا أن يعصم نفسه فيمتنع، كما امتنع يوسفعليه‌السلام أو يخلي بينه وبين إرادته فيزني فيسمّى زانياً، ولم يطع الله بإكراه، ولم

____________________

(١) أصول الكافي ١ / ١٥٧.

(٢) عيون أخبار الرضا ١ / ١٤٤.

٢٨٤

يعصه بغلبة... )(١).

لقد عرض الإمام الرضاعليه‌السلام ، وبقيّة أئمّة أهل الهدىعليهم‌السلام إلى بطلان الجبر والتفويض، وأثبتوا بصورة حاسمة لا تقبل الشك أنّ الأمر بين الأمرين، لا جبر ولا تفويض...

تفنيده لآراء القدرية:

وفنّد الإمام الرضاعليه‌السلام آراء القدرية، وأبطل شبههم في حديث له مع يونس بن عبد الرحمان قالعليه‌السلام : ( يا يونس لا تقل: بقول القدرية، فإنّ القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة، ولا بقول أهل النار ولا بقول إبليس فإنّ أهل الجنة قالوا:( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ ) وقال أهل النار:( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ ) ، وقال إبليس:( ربّ بما أغويتني... ) الآية.

وأنكر يونس أن يقول بمقالتهم قائلاً: ( والله ما أقول بقولهم: ولكنّي أقول: لا يكون إلاّ بما شاء الله وأراد وقدّر وقضى... ).

وردّعليه‌السلام قائلاً: ( يا يونس ليس هكذا، لا يكون إلاّ ما شاء الله، وأراد، وقدّر وقضى، يا يونس تعلم ما المشيئة؟... ).

قال يونس: لا.

وأوضح الإمام له حقيقة المشيئة قائلاً: ( هي الذكر الأول. تعلم ما الإرادة؟... ).

قال يونس: لا.

وبيّن الإمام له واقع الإرادة قائلاً: ( هي العزيمة على ما يشاء. تعلم ما القدر؟... ). قال يونس: لا.

فقالعليه‌السلام :

____________________

(١) أصول الكافي ١ / ١٦٠ - ١٦١.

٢٨٥

( هي الهندسة، ووضع الحدود من البقاء والفناء، والقضاء هو الإبرام، وإقامة العين... ).

وانحنى يونس إكباراً وإجلالاً للإمام، وقبّل رأسه، وقال له: ( فتحت لي شيئا كنت عنه في غفلة... )(١) .

الإمامة:

ومن بين البحوث العقائدية التي خاضها الإمام الرضاعليه‌السلام هي الإمامة، فقد عرض لها في كثير من مناظراته وبحوثه، كان منها ما يلي:

١ - أهمّيّة الإمامة:

الإمامة من أهم المراكز الحسّاسة في الإسلام؛ لأنّها تصون الأمّة وتحميها من الاعتداء، وتوفّر لها الكرامة والحرية، وتحقق لها جميع ما تصبو إليه.

وقد أدلى الإمامعليه‌السلام بحديث شامل إلى عبد العزيز بن مسلم عرض فيه بصورة موضوعية عن أهمية الإمامة، وأنّها من أهم الأهداف، والمبادئ التي تبنّاها الإسلام، فالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن ينتقل إلى حظيرة القدس، قد أقام القائد، والمرجع لأُمّته، وهو الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، رائد الحكمة في دنيا الإسلام، استمعوا إلى حديث الإمام الرضا عن الإمامة.

قالعليه‌السلام : ( يا عبد العزيز جهل القوم، وخدعوا عن أديانهم، إن الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء، بين فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه كملا فقال عزّ وجل:( ما فرطنا في الكتاب من شيء... ) (٢) وأنزل في حجّة الوداع وهي آخر عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) (٣) وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض (صلّى الله عليه

____________________

(١) أصول الكافي ١ / ١٥٧.

(٢) سورة الأنعام / آية ٣٨.

(٣) سورة المائدة / آية ٦٧، نزلت هذه الآية الكريمة في يوم عبد الغدير، وهو اليوم الخالد الذي أقام فيه الرسول (ص) الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قائداً لأمّته من بعده، وعيد الغدير جزء من رسالة الإسلام.

٢٨٦

وآله) حتى بين لأُمّته، معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد الحق، وأقام لهم علياً إماماً، وما ترك شيئاً تحتاج إليه الأمة إلاّ بينه، فمن زعم أن الله عزّ وجل لم يكمل دينه قد؟ رد كتاب الله عزّ وجل ومَن رد كتاب الله تعالى فهو كافر...

وحكى هذا المقطع الأهمية البالغة للإمامة عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فهي من أهم العناصر في رسالته الخالدة فبها كمال الدين وإتمام النعمة وقد اختارصلى‌الله‌عليه‌وآله لهذا المنصب الخطير أخاه وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، فقد أقامه خليفة من بعده، وأمر المسلمين بمبايعته في غدير خم، وقد أوضحصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك السبيل لأمّته، ولم يترك الأمر فوضى من بعده...

ولنستمع إلى بند آخر من حديثهعليه‌السلام يقول: ( هل يعرفون قدر الإمامة، ومحلّها من الأمّة فيجوز فيها اختيارهم؟ إنّ الإمامة أجلّ قدراً، وأعظم شاناً، وأعلى مكاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس، بعقولهم أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم إنّ الإمامة خصّ الله بها إبراهيم الخليلعليه‌السلام بعد النبوّة، والخلّة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرّفه بها، وأشاد بها ذكره، فقال عزّ وجل:( إنّي جاعلك للناس إماماً ) (١) .

فقال الخليل: سروراً بها:( ومن ذريتي ) قال الله عز وجل:( لا ينال عهدي الظالمين ) فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة،، وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله عزّ وجل بأن جعلها في ذرّيته أهل الصفوة والطهارة فقال عزّ وجل:( ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة وكلاًّ جعلنا أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) (٢) فلم يزل في ذرّيته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتى ورثها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الله عزّ وجل:( إنّ أولى الناس للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) (٣) فكانت له خاصة، فقلدهاصلى‌الله‌عليه‌وآله عليا بأمر الله عزّ وجل على رسم ما فرضها الله عز وجل فصارت في ذرّيته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله عزّ وجل:( فقال الذين أوتوا العلم

____________________

(١) سورة البقرة / آية ١٢١.

(٢) سورة الأنبياء / آية ٧٢ و ٧٣.

(٣) سورة آل عمران / آية ٦٧.

٢٨٧

والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ) (١) فهي في ولد علي خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فمن أين يختار هؤلاء الجهّال؟ ).

عرض الإمامعليه‌السلام في هذا المقطع إلى استحالة الاختيار والانتخاب للإمامة وأنّها غير خاضعة لإرادة الجماهير الذين لا علم لهم بواقع الأمور وحقيقة الأشياء، وإنّما أمرها بيد الله تعالى فهو الذي يختار لقيادة عباده ممّن تتوفّر فيه الصفات الرفيعة من التقوى والحريجة في الدين، والعلم بما تحتاج إليه الأمة في جميع مجالاتها ليضمن لها حياة كريمة لا ظل فيها للقهر والظلم والغبن، والفقر.

الإمامة كالنبوّة في أنّ أمرها بيد الله تعالى، وقد منحها لأفضل عباده وهو إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، وانتقلت من بعده إلى أفاضل ذريته كإسحاق ويعقوب، ثم انتقلت إلى سيد الأنبياء الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلّدها من بعده إلى باب مدينة علمه، وأفضل أمّته الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ثم من بعده إلى الأئمّة الطاهرين من ذريته الذين هم صفوة خلق الله تعالى.

ولننتقل إلى فصل آخر من كلام الإمامعليه‌السلام يقول: ( إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إنّ الإمامة خلافة الله عزّ وجل، وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤمنين، وميراث الحسن والحسينعليهم‌السلام إنّ الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعزّ المؤمنين. إنّ الإمامة أس الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة، والزكاة، والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفيء، والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف.

الإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجّة البالغة. الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى، والبيد القفار، ولجج البحار، والإمام على البقاع(٢) الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك، مَن فارقه هالك.

____________________

(١) سورة الروم / آية ٥٦.

(٢) البقاع: هو التل المشرف.

٢٨٨

الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير والروضة، الإمام الأمين، الرفيق، والوالد الرقيق والأخ الشفيق، ومفزع العباد في الداهية. الإمام أمين الله في أرضه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، الداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله.

الإمام المطهر من الذنوب، المبرأ من العيوب، مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم، نظام دين، وعز المسلمين، وغيظ المنافقين وبوار الكافرين.

الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل، ولا نظير، مخصوص بالفعل كلّه، من غير طلب منه، له، ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب، فمَن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟ هيهات، هيهات، ضلت العقول وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسرت العيون وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله فأقرت بالعجز والتقصير وكيف يوصف له أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقام مقامه ويغنى غناه كيف وأنّى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟ أظنوا أن يوجد ذلك؟ في غير آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كذبتهم والله أنفسهم، وفتنهم الباطل، فارتقوا مرتقى صعبا، دحضا نزل عنه إلى الحضيض أقدامهم... ).

حفل هذا المقطع من كلام الإمامعليه‌السلام بأهمّية الإمام، وأنّه ظل الله في الأرض، وعليه تدور جميع مصالح الأمّة، وما تنشده من أهداف، كما ترتبط به إقامة الحدود، وصيانة الثغور، وتحليل الحلال، وتحريم الحرام، وتطبيق أحكام الله تعالى على واقع الحياة العامة التي يعيشها المسلمون ومن المؤكّد أنّ هذه الأهداف الأصيلة والمبادئ العليا، لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يحقّقها على مسرح الحياة إلاّ أئمّة الهدىعليهم‌السلام الذين أقصتهم أئمّة الظلم والجور عن مراكزهم التي منحها الله لهم، فعانت الأمة من جراء ذلك جميع ألوان الظلم والجور. ويواصل الإمامعليه‌السلام حديثه بالإشادة بأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، ومناهضة أئمّة الجور، وينعى على الذين أقاموهم، يقول

٢٨٩

عليه‌السلام : ( راموا إقامة الإمام بعقول جائرة بائرة ناقصة وآراء مضلّة، فلم يزدادوا إلاّ بعداً قاتلهم الله أنّى يؤفكون، لقد راموا صعباً، وقالوا: إفكاً وضلوا ضلالاً بعيداً، ووقعوا في لحيرة، إذ تركوا عن بصيرة، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وما كانوا مستبصرين، ورغبوا عن اختيار الله، واختيار رسوله إلى اختيارهم، والقرآن يناديهم( وربّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عمّا يشركون ) (١) وقال الله عزّ وجل:( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) (٢) وقال عزّ وجل:( مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ) (٣) .

وقال عزّ وجل:( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (٤) أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون، أم( قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (٥) ( وقالوا سمعنا وعصينا ) (٦) بل هو( فضل الله يؤتيه مَن يشاء والله ذو الفضل العظيم ) (٧) .

فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل، راع لا ينكل معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة، والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو نسل المطهرة البتولعليها‌السلام لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، فالنسب من قريش، والذروة من هاشم، والعترة من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والرضا من الله، شرف الأشراف والفرع من عبد مناف، نامي العلم،

____________________

(١) سورة القصص / آية ٦٨.

(٢) سورة الأحزاب / آية ٣٦.

(٣) سورة القلم / آية ٣٦ - ٤١.

(٤) سورة محمد / آية ٢٤.

(٥) سورة الأنفال / آية ٢١ - ٢٣.

(٦) سورة البقرة آية ٩٣.

(٧) سورة الحديد / آية ٢١.

٢٩٠

كامل الحلم، مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عزّ وجل ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله. إنّ الأنبياء والأئمّة صلوات الله عليهم يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم، في قوله تعالى:( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدي إِلاّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) وقوله عزّ وجل:( ومن يؤت الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيراً ) (٢) وقوله عزّ وجل في طالوت:( إنّ الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم ) (٣) وقال عزّ وجل لنبيه:( وكان فضل الله عليك عظيماً ) . وقال عزّ وجل في الأئمّة من أهل بيته وعترته وذرّيته:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ) (٤) . إنّ العبد إذا اختاره الله عزّ وجل لأمور عباده شرح الله صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاماً، فلم يع بعده بجواب، ولا يحيد عنه الصواب، وهو معصوم مؤيد، موفق مسدد قد أمن الخطايا والزلل والعثار يخصّه الله بذلك ليكون حجته على عباده، وشاهد على خلقه( وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء والله ذو الفضل العظيم ) فهل يقدرون على مثل هذا؟ فيختاروه أو يكون مختارهم بهذه الصفة؟ فيقدموه؟ فعدوا وبيت الله الحق، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، كأنّهم لا يعلمون، وفي كتاب الله الهدى والشفاء، فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمهم الله ومقتهم، وأتعسهم، فقال عزّ وجل:( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (٥) وقال عزّ وجل:( فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) (٦)

وقال عزّ وجل:( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ) (٧) (٨) .

____________________

(١) سورة البقرة / آية ٢٦٩.

(٢) سورة البقرة / آية ٢٤٧.

(٣) سورة النساء / آية ١١٣.

(٤) سورة النساء / آية ٥٤ و ٥٥.

(٥) سورة القصص / آية ٥٠.

(٦) سورة محمد / آية ٨.

(٧) سورة المؤمن / آية ٣٥.

(٨) عيون أخبار الرضا ١ / ٢١٦ - ٢٢٢، أصول الكافي ١ / ١٩٩.

٢٩١

وانتهى هذا الحديث الشريف الذي هو من أوثق الأدلة، وأشملها على ضرورة الإمامة، وأنّها من أهم المراكز الحسّاسة في الإسلام، وليست خاضعة لاختيار الأمة وانتخابها، وإنّما أمرها بيد الخالق العظيم، فهو الذي يعين، وينتخب أفضل عباده، وأتقاهم لهذا المنصب الخطير ليقيم بين الناس العدل الخالص، والحق المحض، ويسوسهم بسياسة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

علامات الإمام:

وأدلى الإمامعليه‌السلام بحديث عن علامات الإمام، وصفاته جاء فيه: ( للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس... )(١) .

ويجب أن تتوفّر في الإمام هذه الصفات حتى يصلح لقيادة الأمة ورفع مستواها اجتماعياً واقتصادياً.

الأئمّة خلفاء الله:

روى أبو مسعود الجعفري قال: سمعت الإمام أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول: الأئمّة خلفاء الله عزّ وجل في أرضه(٢) والشيء الذي لا ريب فيه أنّ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام هم خلفاء الله تعالى في أرضه وحججه على عباده، وأُمنائه في بلاده، فهم قادة هذه الأمة، والأدلاء على مرضاة الله تعالى وطاعته.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ١ / ٢١٣.

(٢) أصول الكافي ١ / ١٩٣.

٢٩٢

في رحاب القرآن الكريم

٢٩٣

كان الإمام الرضاعليه‌السلام حليف القرآن الكريم يتلوه باستمرار، ويتأمّل آياته بإمعان، وكان يجد في تلاوته له متعة لا تعادلها أيّة متعة في الحياة، ويقول الرواة: إنّ جميع كلامه تأثّر تأثيراً مباشراً بالقرآن فكان جوابه، وتمثّله انتزاعات منه(١) وبلغ من شغفه وولعه بالقرآن أنّه كان يختمه في كل ثلاثة أيام، ويقول: لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة أيام لفعلت، ولكنّي ما مررت بآية قط إلاّ فكّرت فيها وفي أي شيء نزلت، وفي أي وقت؟ فلذلك صرت أختم في كل ثلاثة أيام(٢) .

ومعنى ذلك أنّه كان في أغلب أوقاته مشغولاً بتلاوة القرآن الكريم، والإمعان في تفسيره، وأسباب نزول آياته. ويقول المؤرّخون: إنّه كان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مرّ بآية فيها ذكر الجنّة أو النار بكى، وسأل الله الجنّة، وتعوّذ به من النار(٣).

وقبل أن نعرض لنماذج من تفسيره لبعض الآيات نلمح لبعض الجهات التي ترتبط بالموضوع:

تعقيبه على بعض الأمور:

كان الإمامعليه‌السلام إذا قرأ بعض سور القرآن الكريم عقّب عليها ببعض الكلمات، ومن بينها هذه السور:

١ - سورة التوحيد.

وكان إذا فرغ من تلاوة سورة التوحيد عقّب عليها بقوله: ( كذلك الله ربّنا ) يقول ذلك ثلاثاً.

٢ - سورة الجحد: وإذا فرغ من قراءة سورة الجحد قال ثلاثا ( ربّي الله وديني الإسلام ).

٣ - سورة التين: وبعد الفراغ من قراءتها يقول: ( بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ).

٤ - سورة القيامة: وإذا قرأ سورة القيامة قال: ( سبحانك اللّهمّ... ).

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٨٠.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٨٠، البحار ١٢ / ٢٣.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٨٠.

٢٩٤

٥ - سورة الفاتحة: وبعد فراغه من قراءة سورة الفاتحة يقول: ( الحمد لله ربّ العالمين... ).

٦ - سورة سبح اسم ربّك: وإذا تلى هذه السورة قال: ( سبحان ربّي الأعلى )(١) .

البسملة:

تطرّق الإمامعليه‌السلام إلى بعض شؤون البسملة في جملة من أحاديثه، كان منها ما يلي:

١ - أهمّيّة البسملة:

إنّ للبسملة أهمية خاصة عند أئمة أهل البيتعليهم‌السلام فقد روي عن الإمام أبي جعفرعليه‌السلام أنّها ( أوّل كل كتاب نزل من السماء بسم الله الرحمن الرحيم ) وروي عن الإمام الرضاعليه‌السلام : ( إنّها أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين إلى سوادها )(٢).

٢ - البسملة جزء من السورة:

وأعلن الإمامعليه‌السلام أنّ البسملة جزء من سورة القرآن الكريم، فقد روي أنّه قيل للإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : أخبرنا عن بسم الله الرحمن الله الرحيم أهي من فاتحة الكتاب؟

فقال: نعم كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأها ويعدها آية منها، ويقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني(٣) .

٣ - الجهر بالبسملة في الصلاة:

وكان الإمام الرضاعليه‌السلام يجهر بالبسملة في جميع صلواته بالليل والنهار(٤) وشجب مَن يخفت بها، فقال: ( ما بالهم قاتلهم الله عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنّها بدعة إذا أظهروها )(٥) .

نماذج من تفسيره للقرآن:

وأهتمّ الإمام الرضاعليه‌السلام اهتماماً بالغاً في تفسير القرآن الكريم فأولاه

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٨٣.

(٢) مواهب الرحمان في تفسير القرآن ١ / ٢١.

(٣) مواهب الرحمان في تفسير القرآن ١ / ٢٠.

(٤) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٨٠.

(٥) مواهب الرحمان في تفسير القرآن ١ / ٢٠.

٢٩٥

المزيد من العناية في محاضراته وبحوثه التي ألقاها على الفقهاء والعلماء وسائر طلاّبه، وقد نقلها الرواة والمفسّرون للقرآن، وهذا بعضها:

١ - قوله تعالى:( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (١) .

قالعليه‌السلام في تفسير هذه الآية: ( الختم هو الطبع على قلوب الكفّار عقوبة على كفرهم... )(٢) .

٢ - قوله تعالى:( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ ) (٣) .

قالعليه‌السلام في تفسير قوله تعالى:( وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) ( إنّ الله لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه، ولكنّه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر والضلالة، فمنعهم المعاونة واللطف، وخلّى بينهم وبين اختيارهم )(٤) .

٣ - قوله تعالى:( ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) (٥) سأل عبد السلام بن صالح الهروي الإمام الرضاعليه‌السلام فقال له: يا بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحواء ما كانت؟ فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنّها الحنطة، ومنهم مَن يروي أنّها العنب ومنهم مَن يروي أنّها شجرة الحسد؟

فقالعليه‌السلام : كل ذلك حق، فقال عبد السلام: ما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟ فقالعليه‌السلام : يا بن الصلت إنّ شجرة الجنة تحمل أنواعاً، وكانت شجرة الحنطة، وفيها عنب، وليست كشجرة الدنيا(٦) .

وعلّق الإمام السبزواري على هذه الرواية بقوله: ( لا ريب في أنّ تلك الجنة، ولو كانت من الدنيا لها خصوصية ليست تلك الخصوصية في جميع جنات الدنيا، ومن جهة قلة التزاحم والتنافي في تلك الجنة أو عدمهما فصح أن تحمل شجرة منها أنواعاً

____________________

(١) سورة البقرة / آية ٧.

(٢) مواهب الرحمن ١ / ٨٥.

(٣) سورة البقرة / آية ٢٠.

(٤) مواهب الرحمن ١ / ١٠٦.

(٥) سورة البقرة / آية ٣٥.

(٦) عيون أخبار الرضا.

٢٩٦

٤ - قوله تعالى:( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة... ) (١).

قالعليه‌السلام في تفسير الآية الكريمة: إنّهم - أي الذين قالوا لموسى هذا القول - السبعون الذين اختارهم موسىعليه‌السلام وصاروا معه إلى الجبل، فقالوا: إنّك قد رأيت الله فأرناه كما رأيته، فقال لهم: إنّي لم أره، فقالوا له: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة(٢) .

٥ - قوله تعالى:( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ) (٣) .

وأدلى الإمامعليه‌السلام بتفسير هذه الآيات، فقد روى أحمد بن أبي نصر البزنطي، قال: سمعت أبا الحسن الرضا يقول: إنّ رجلاً من بني إسرائيل قتل قرابة له، ثم أخذه وطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل ثم جاء يطلب بدمه، فقالوا لموسىعليه‌السلام إنّ سبط آل فلان قتلوا فلاناً، فأخبرنا مَن قتله؟ قال: ايتوني ببقرة( قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) ولو أنّهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم، ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ ) يعني لا صغيرة ولا كبيرة( عوانٌ بين ذلك ) ولو أنّهم عمدوا إلى أي بقرة أجزأتهم ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) ولو أنّهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم

____________________

(١) سورة البقرة / آية ٥٥.

(٢) مواهب الرحمن ١ / ٢٥٥.

(٣) سورة البقرة / آية ٦٧ - ٧١.

٢٩٧

( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) فطلبوها فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل، فقال: لا أبيع إلاّ بملء مسكها ذهباً فجاؤوا إلى موسىعليه‌السلام ، وقالوا له ذلك، فقال اشتروها فاشتروها، وجاؤوا بها فأمر بذبحها ثم أمر أن يضربوا الميت بذنبها، فلمّا فعلوا ذلك حيي المقتول، وقال: يا رسول الله إنّ ابن عمّي قتلني دون مَن يدّعي عليه قتلي، فعلموا بذلك قاتله فقال لرسول الله موسى بعض أصحابه: إنّ هذه البقرة لها نبأ، فقال موسى: ما هو؟ قالوا إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّاً بأبيه، وأنّه اشترى بيعاً، فجاؤوا إلى أبيه والأقاليد (مقاليد) تحت رأسه فكره أن يوقظه فترك ذلك البيع، فاستيقظ أبوه، فأخبره، فقال له: أحسنت هذه البقرة فهي لك عوضاً لما فاتك، قال: فقال له رسول الله موسى: انظر إلى البر ما بلغ أهله(١) .

٦ - قوله تعالى:( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلّمان من أحد حتى يقولا إنّما نحن فتنة... ) الآية(٢) .

قالعليه‌السلام في تفسير هذه الآية: ( وأمّا هاروت وماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليتحرزوا به عن سحر السحرة، ويبطلوا كيدهم وما علما أحدا من ذلك شيئاً إلاّ قالا له:( إنّما نحن فتنة فلا تكفر ) ، فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز عنه، وجعلوا يفرقون بما يعلّمونه بين المرء وزوجه، قال الله تعالى:( ما هم بضارين به من أحد إلاّ بإذن الله ) (٣).

٧ - قوله تعالى:( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي... ) (٤)

قالعليه‌السلام في تفسير هذه الآية: ( يعني شاة، وضع على أدنى القوم قوة ليسع القوي والضعيف )(٥) .

٨ - قوله تعالى:( وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ) (٦) .

____________________

(١) تفسير العياشي.

(٢) سورة البقرة / آية ١٠٢.

(٣) مواهب الرحمان ٢ / ٣٥٥.

(٤) سورة البقرة / آية ١٩٦.

(٥) مواهب الرحمان.

(٦) سورة البقرة / آية ٢٠٥.

٢٩٨

هذه الآية الكريمة نزلت في الأخنس بن شريك حليف بني زهرة أقبل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة، وقال: جئت أريد الإسلام ويعلم الله أنّي لصادق فأعجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منه، ثم إنّه خرج من عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فمرّ بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر(١) وقد فسّر الإمام الرضاعليه‌السلام النسل بالذرية والحرث بالزرع(٢) .

٩ - قوله تعالى:( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ) (٣) .

سأل ابن فضال الإمام الرضاعليه‌السلام عن تفسير هذه الآية فأجابه: ( هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام وهكذا نزلت، وعن قول الله عزّ وجل:( وجاء ربّك والملك صفاً صفاً ) فقالعليه‌السلام : إنّ الله لا يوصف بالمجيء والذهاب تعالى عن الانتقال، وإنّما يعني بذلك وجاء أمر ربّك والملك صفاً صفاً )(٤)

وعلق السيد السبزواري على تفسير الإمام بقوله: ( ما ورد في الحديث حسن جدا للآية الشريفة كما هو شأنهعليه‌السلام في بيان الآيات المتشابهات، والمراد بقولهعليه‌السلام : هكذا نزلت هو النزول البياني والتفسيري على قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(٥) .

١٠ - قوله تعالى:( وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي... ) (٦) .

سأل صفوان بن يحيى الإمام الرضاعليه‌السلام عن هذه الآية، وقال له: أكان في قلب إبراهيم شك؟ فقالعليه‌السلام : لا، كان على يقين ولكنّه أراد من الله الزيادة في يقينه.(٧) .

١١ - قوله تعالى:( إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم على العالمين ذرّيّة

____________________

(١) الدر المنثور.

(٢) تفسير العياشي.

(٣) سورة البقرة / آية ٢١٠.

(٤) مواهب الرحمان ٣ / ٢٧٠.

(٥) مواهب الرحمان ٤ / ٢٧٠.

(٦) سورة البقرة / آية ٢٦٠.

(٧) تفسير القمّي.

٢٩٩

بعضها من بعض ) (١) .

استدل الإمام الرضاعليه‌السلام بهذه الآية الكريمة حينما سأله المأمون هل فضل الله العترة على سائر الأمة؟ فقالعليه‌السلام : إنّ الله عزّ وجل أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه، فقال المأمون: وأين ذلك من كتاب الله؟ فقالعليه‌السلام : في قوله عزّ وجل:( إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرّيّة بعضها من بعض ) إنّ العترة داخلون في آل إبراهيم لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ولد إبراهيم وهو دعوة إبراهيم، وعترته منه(٢) وكلام الإمامعليه‌السلام ليس من التفسير، وإنّما هو من الاستدلال بظاهر الآية على ما ذكره.

١٢ - قوله تعالى:( قال الله يا عيسى إنّي متوفيك ورافعك إليّ ) (٣) .

قالعليه‌السلام في تفسير الآية: ( إنّه ما شبه أمر أحد من أنبياء الله، وحججه على الناس إلاّ أمر عيسى وحده؛ لأنّه رفع من الأرض حياً، وقبض روحه بين السماء والأرض ثم رفع إلى السماء، ورد عليه روحه، وذلك قوله عزّ وجل:( إذ قال الله يا عيسى إنّي متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك ) وقال الله حكاية عن عيسى يوم القيامة:( وكنت شهيداً عليهم ما دمت فيهم فلمّا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيداً ) (٤) .

وعلّق السيد السبزواري على هذا الحديث بقوله: الحديث يدل على توفّي عيسىعليه‌السلام وموته قبل رفعه إلى السماء وبهذا يمكن أن يجمع بين جميع الأقوال لفرض صراحة الحديث بأنّه مات ما بين السماء والأرض ثم ارجع الله روحه إليه، ورفعه(٥) .

١٣ - قوله تعالى:( هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) (٦) فسّر الإمام الرضاعليه‌السلام الدرجات والتفاوت بين المتقين يوم القيامة فقال

____________________

(١) سورة آل عمران / آية ٣٣ - ٣٤.

(٢) مواهب الرحمان ٥ / ٣٢٨.

(٣) سورة آل عمران / آية ٥٥.

(٤) عيون أخبار الرضا.

(٥) مواهب الرحمان.

(٦) سورة آل عمران / آية ١٦٣.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363