حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ١

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)0%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 363

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الصفحات: 363
المشاهدات: 149575
تحميل: 7800


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149575 / تحميل: 7800
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء 1

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولطف فلان في مذهبه، وقوله: يخبرك أنه غمض فيه العقل، وفات الطلب، وعاد متعمقا، متلطفا لا يدركه الوهم، فكذلك لطف الله تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف، واللطافة منا الصغر والقلة، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.

وأمّا الخبير فالذي لا يعزب عنه شيء، ولا يفوته، ليس للتجربة، ولا للاعتبار بالأشياء، فعند التجربة والاعتبار علمان ولولاهما ما علم لان من كان كذلك كان جاهلاً، والله لم يزل خبيرا بما يخلق الخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم، فقد جمعنا الاسم، واختلف المعنى وأمّا الظاهر فليس من أجل أنّه علا الأشياء بركوب فوقها، وقعود عليها وتسنّم لذراها، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الأشياء وقدرته عليها كقول الرجل:

ظهرت على أعدائي، وأظهرني الله على خصمي، يخبر عن الفلج والغلبة فهكذا ظهور على الأشياء، ووجه آخر أنّه الظاهر لمن أراده، ولا يخفى عليه شيء وأنّه مدبر لكل ما برأ، فأي ظاهر أظهر وأوضح من الله تبارك وتعالى لأنّك لا تعدم صنعته حيثما توجهت، وفيك من آثاره ما يغنيك، والظاهر منا البارز بنفسه، والمعلوم بحده فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.

وأمّا الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علماً وحفظاً وتدبيراً كقول القائل: أبطنته: يعني خبرته، وعلمت مكتوم سرّه، والباطن منّا الغايب في الشيء المستتر وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى وأمّا القاهر فليس على معنى علاج ونصب واحتيال، ومدارة ومكر كما يقهر العباد بعضهم بعضاً، والمقهور منهم يعود قاهراً والقاهر يعود مقهوراً، ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى على أنّ جميع ما خلق ملبس به الذل لفاعله، وقلة الامتناع لما أراد به، لم يخرج منه طرفة عين، أن يقول له:( كن فيكون ) والقاهر منا على ما ذكرت ووصفت، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى، وهكذا جميع الأسماء، وإن كنا لم نستجمعها كلها فقد يكتفي الاعتبار بما ألقينا إليك، والله عونك وعوننا في إرشادنا وتوفيقنا... )(1) .

وحفلت هذه الرسالة بالاستدلال على قدم الخالق العظيم المبدع والمكوّن

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 120 - 123.

٢٨١

للأشياء على اختلاف أنواعها، كما حفلت بذكر بعض أسماء الله تعالى، وأنّها وإن أطلقت على الإنسان إلاّ أنّ المعنى مختلف، فإطلاقها على الله غير إطلاقها على الإنسان المفتقر إلى الله تعالى في جميع شؤونه وأحواله، ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الرسالة وصفها الكليني بأنّها مرسلة، وليست بمسندة.

نزاهة الخالق عن المكان:

وتنزّه الخالق العظيم عن المكان والزمان اللذين هما من لوازم الموجودات التي تستند في وجودها إلى الله تعالى،

وقد خفّ رجل من وراء نهر بلخ نحو الإمام الرضاعليه‌السلام فقال له: ( إنّي أسألك عن مسألة فإن أجبتني فيها بما عندي قلت بإمامتك... ).

( سل عما شئت... ).

وعرض مسألته على الإمام قائلاً: ( أخبرني عن ربّك متى كان؟ وكيف كان اعتماده؟... ).

وأجابه الإمام ببالغ الحجّة قائلاً: ( إنّ الله تبارك وتعالى أين الأين بلا أين، وكيف الكيف بلا كيف، وكان اعتماده على قدرته... ).

إنّ الله تعالى هو الذي أوجد المكان والزمان فهما من مخلوقاته فكيف يتصف بهما؟

وبهر الرجل من جواب الإمام وسارع فقبل رأسه وقال: ( أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله وأنّ عليّاً وصي رسول الله، والقيّم بعده بما أقام به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّكم الأئمة الصادقون، وأنّك الخلف من بعدهم )(1) .

لقد كان الإمام من مصادر الهداية والنور في الأرض فأشاع في عصره الإيمان بالله، وأقام الحجّة على الخلق.

امتناع رؤية الله:

وكتب محمد بن عبيد إلى الإمام الرضاعليه‌السلام يسأله عن الرؤية - أي رؤية الله تعالى - وما ترويه العامة والخاصة في ذلك، وسأل الإمام أن يشرح له ذلك فكتب الإمام إليه الرسالة التالية:

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 88.

٢٨٢

( اتفق الجميع لا تمانع بينهم، أنّ المعرفة من جهة الرؤية ضرورة، فإذا جاز أن يرى الله بالعين وقعت المعرفة ضرورة، ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيماناً أو ليست بإيمان، فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيماناً، فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لأنّها ضده، فلا يكون في الدنيا مؤمن لأنّهم لم يروا الله عزّ ذكره، وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيماناً لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول، ولا تزول في المعاد، فهذا دليل على أنّ الله عزّ وجل لا يرى بالعين، إذ العين تؤدي إلى ما وصفنا... )(1) .

وأبطل الإمام بهذه الحجة البالغة رؤية الخالق العظيم بالعين لا بالفكر والعقل، فإن الإيمان به تعالى لو كان مرتبطاً بها للزم أن يكون الإيمان الناشئ من الأدلة الوجدانية على وجود الله ليس إيماناً، وهو باطل، وإن كانت معرفة الله تعالى الناشئة من الرؤية ليست إيماناً، فلازمه أن لا تكون المعرفة الناشئة من الأدلة موجبة للإيمان وهو باطل أيضاً. إنّ الإيمان بالخالق تعالى من الضروريات التي لا ينكرها إلاّ مَن زاغ فكره، وضل عقله، والله تعالى أبرز حقيقة ظاهرة في هذا الوجود تدلل عليه مخلوقاته إبطال التفويض والجبر. أمّا التفويض فهو يتصادم مع الدين الإسلامي، وكذلك الجبر فإنّه ليس من الإسلام في شيء، وقد سأل الحسن بن علي الوشاء الإمام عن ذلك فقال له: ( الله فوض الأمر إلى العباد؟... ).

وسارع الإمام في إبطال ذلك قائلاً: ( الله أغر من ذلك... ).

وانبرى الحسن قائلاً: ( جبرهم على المعاصي؟... ).

فردّه الإمام قائلاً: ( الله أعدل، وأحكم من ذلك... ).

وأضاف الإمام قائلاً: ( قال الله: يا بن آدم، أنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك منّي،

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 96 - 97.

٢٨٣

عملت بالمعاصي بقوتي التي جعلتها فيك... )(1) .

إنّ الله تعالى منح عباده الإرادة الكاملة، فهم بمحض إرادتهم يطيعون أو يعصون، وليسوا مجبرين على شيء منهما.

وممّا أثر عن الإمام الرضاعليه‌السلام في إبطال الجبر والتفويض ما رواه سليمان بن جعفر الجعفري قال: ذكر عند الإمام الرضاعليه‌السلام الجبر والتفويض فقال: ألا أعطيكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه ولا يخاصمكم عليه أحد إلاّ كسرتموه...

فقال أصحابه: إن رأيت ذلك.

فقالعليه‌السلام : ( إنّ الله تعالى لم يطع بإكراه، ولم يعص بغلبة، ولم يهمل العباد في ملكه، وهو المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله عنها صادراً، ولا منها مانعاً، وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإن لم يحل ففعلوا، فليس هو الذي أدخلهم فيه... ).

وعقب هذا البرهان الحاسم قالعليه‌السلام لأصحابه: من يضبط حدود هذا الكلام فقد خاصم من خالفه... ).(2) .

وأكّد الإمام هذا الأمر في حديثه مع علي بن أسباط فقد سأله عن الاستطاعة، فأجابه: ( يستطيع العبد بعد أربع خصال: أن يكون مخلى السرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح، له سبب وارد من الله... ).

وانبرى علي قائلاً: ( جعلت فداك فسّر لي هذا... ).

وأوضح الإمامعليه‌السلام هذه الأمور بقوله: ( أن يكون العبد مخلى السرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح يريد أن يزني فلا يجد امرأة، ثم يجدها، فأمّا أن يعصم نفسه فيمتنع، كما امتنع يوسفعليه‌السلام أو يخلي بينه وبين إرادته فيزني فيسمّى زانياً، ولم يطع الله بإكراه، ولم

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 157.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 144.

٢٨٤

يعصه بغلبة... )(1).

لقد عرض الإمام الرضاعليه‌السلام ، وبقيّة أئمّة أهل الهدىعليهم‌السلام إلى بطلان الجبر والتفويض، وأثبتوا بصورة حاسمة لا تقبل الشك أنّ الأمر بين الأمرين، لا جبر ولا تفويض...

تفنيده لآراء القدرية:

وفنّد الإمام الرضاعليه‌السلام آراء القدرية، وأبطل شبههم في حديث له مع يونس بن عبد الرحمان قالعليه‌السلام : ( يا يونس لا تقل: بقول القدرية، فإنّ القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة، ولا بقول أهل النار ولا بقول إبليس فإنّ أهل الجنة قالوا:( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ ) وقال أهل النار:( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ ) ، وقال إبليس:( ربّ بما أغويتني... ) الآية.

وأنكر يونس أن يقول بمقالتهم قائلاً: ( والله ما أقول بقولهم: ولكنّي أقول: لا يكون إلاّ بما شاء الله وأراد وقدّر وقضى... ).

وردّعليه‌السلام قائلاً: ( يا يونس ليس هكذا، لا يكون إلاّ ما شاء الله، وأراد، وقدّر وقضى، يا يونس تعلم ما المشيئة؟... ).

قال يونس: لا.

وأوضح الإمام له حقيقة المشيئة قائلاً: ( هي الذكر الأول. تعلم ما الإرادة؟... ).

قال يونس: لا.

وبيّن الإمام له واقع الإرادة قائلاً: ( هي العزيمة على ما يشاء. تعلم ما القدر؟... ). قال يونس: لا.

فقالعليه‌السلام :

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 160 - 161.

٢٨٥

( هي الهندسة، ووضع الحدود من البقاء والفناء، والقضاء هو الإبرام، وإقامة العين... ).

وانحنى يونس إكباراً وإجلالاً للإمام، وقبّل رأسه، وقال له: ( فتحت لي شيئا كنت عنه في غفلة... )(1) .

الإمامة:

ومن بين البحوث العقائدية التي خاضها الإمام الرضاعليه‌السلام هي الإمامة، فقد عرض لها في كثير من مناظراته وبحوثه، كان منها ما يلي:

1 - أهمّيّة الإمامة:

الإمامة من أهم المراكز الحسّاسة في الإسلام؛ لأنّها تصون الأمّة وتحميها من الاعتداء، وتوفّر لها الكرامة والحرية، وتحقق لها جميع ما تصبو إليه.

وقد أدلى الإمامعليه‌السلام بحديث شامل إلى عبد العزيز بن مسلم عرض فيه بصورة موضوعية عن أهمية الإمامة، وأنّها من أهم الأهداف، والمبادئ التي تبنّاها الإسلام، فالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن ينتقل إلى حظيرة القدس، قد أقام القائد، والمرجع لأُمّته، وهو الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، رائد الحكمة في دنيا الإسلام، استمعوا إلى حديث الإمام الرضا عن الإمامة.

قالعليه‌السلام : ( يا عبد العزيز جهل القوم، وخدعوا عن أديانهم، إن الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء، بين فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه كملا فقال عزّ وجل:( ما فرطنا في الكتاب من شيء... ) (2) وأنزل في حجّة الوداع وهي آخر عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) (3) وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض (صلّى الله عليه

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 157.

(2) سورة الأنعام / آية 38.

(3) سورة المائدة / آية 67، نزلت هذه الآية الكريمة في يوم عبد الغدير، وهو اليوم الخالد الذي أقام فيه الرسول (ص) الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قائداً لأمّته من بعده، وعيد الغدير جزء من رسالة الإسلام.

٢٨٦

وآله) حتى بين لأُمّته، معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد الحق، وأقام لهم علياً إماماً، وما ترك شيئاً تحتاج إليه الأمة إلاّ بينه، فمن زعم أن الله عزّ وجل لم يكمل دينه قد؟ رد كتاب الله عزّ وجل ومَن رد كتاب الله تعالى فهو كافر...

وحكى هذا المقطع الأهمية البالغة للإمامة عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فهي من أهم العناصر في رسالته الخالدة فبها كمال الدين وإتمام النعمة وقد اختارصلى‌الله‌عليه‌وآله لهذا المنصب الخطير أخاه وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، فقد أقامه خليفة من بعده، وأمر المسلمين بمبايعته في غدير خم، وقد أوضحصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك السبيل لأمّته، ولم يترك الأمر فوضى من بعده...

ولنستمع إلى بند آخر من حديثهعليه‌السلام يقول: ( هل يعرفون قدر الإمامة، ومحلّها من الأمّة فيجوز فيها اختيارهم؟ إنّ الإمامة أجلّ قدراً، وأعظم شاناً، وأعلى مكاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس، بعقولهم أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم إنّ الإمامة خصّ الله بها إبراهيم الخليلعليه‌السلام بعد النبوّة، والخلّة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرّفه بها، وأشاد بها ذكره، فقال عزّ وجل:( إنّي جاعلك للناس إماماً ) (1) .

فقال الخليل: سروراً بها:( ومن ذريتي ) قال الله عز وجل:( لا ينال عهدي الظالمين ) فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة،، وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله عزّ وجل بأن جعلها في ذرّيته أهل الصفوة والطهارة فقال عزّ وجل:( ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة وكلاًّ جعلنا أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) (2) فلم يزل في ذرّيته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتى ورثها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الله عزّ وجل:( إنّ أولى الناس للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) (3) فكانت له خاصة، فقلدهاصلى‌الله‌عليه‌وآله عليا بأمر الله عزّ وجل على رسم ما فرضها الله عز وجل فصارت في ذرّيته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله عزّ وجل:( فقال الذين أوتوا العلم

____________________

(1) سورة البقرة / آية 121.

(2) سورة الأنبياء / آية 72 و 73.

(3) سورة آل عمران / آية 67.

٢٨٧

والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ) (1) فهي في ولد علي خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فمن أين يختار هؤلاء الجهّال؟ ).

عرض الإمامعليه‌السلام في هذا المقطع إلى استحالة الاختيار والانتخاب للإمامة وأنّها غير خاضعة لإرادة الجماهير الذين لا علم لهم بواقع الأمور وحقيقة الأشياء، وإنّما أمرها بيد الله تعالى فهو الذي يختار لقيادة عباده ممّن تتوفّر فيه الصفات الرفيعة من التقوى والحريجة في الدين، والعلم بما تحتاج إليه الأمة في جميع مجالاتها ليضمن لها حياة كريمة لا ظل فيها للقهر والظلم والغبن، والفقر.

الإمامة كالنبوّة في أنّ أمرها بيد الله تعالى، وقد منحها لأفضل عباده وهو إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، وانتقلت من بعده إلى أفاضل ذريته كإسحاق ويعقوب، ثم انتقلت إلى سيد الأنبياء الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلّدها من بعده إلى باب مدينة علمه، وأفضل أمّته الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ثم من بعده إلى الأئمّة الطاهرين من ذريته الذين هم صفوة خلق الله تعالى.

ولننتقل إلى فصل آخر من كلام الإمامعليه‌السلام يقول: ( إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إنّ الإمامة خلافة الله عزّ وجل، وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤمنين، وميراث الحسن والحسينعليهم‌السلام إنّ الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعزّ المؤمنين. إنّ الإمامة أس الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة، والزكاة، والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفيء، والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف.

الإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجّة البالغة. الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى، والبيد القفار، ولجج البحار، والإمام على البقاع(2) الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك، مَن فارقه هالك.

____________________

(1) سورة الروم / آية 56.

(2) البقاع: هو التل المشرف.

٢٨٨

الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير والروضة، الإمام الأمين، الرفيق، والوالد الرقيق والأخ الشفيق، ومفزع العباد في الداهية. الإمام أمين الله في أرضه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، الداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله.

الإمام المطهر من الذنوب، المبرأ من العيوب، مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم، نظام دين، وعز المسلمين، وغيظ المنافقين وبوار الكافرين.

الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل، ولا نظير، مخصوص بالفعل كلّه، من غير طلب منه، له، ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب، فمَن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟ هيهات، هيهات، ضلت العقول وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسرت العيون وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله فأقرت بالعجز والتقصير وكيف يوصف له أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقام مقامه ويغنى غناه كيف وأنّى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟ أظنوا أن يوجد ذلك؟ في غير آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كذبتهم والله أنفسهم، وفتنهم الباطل، فارتقوا مرتقى صعبا، دحضا نزل عنه إلى الحضيض أقدامهم... ).

حفل هذا المقطع من كلام الإمامعليه‌السلام بأهمّية الإمام، وأنّه ظل الله في الأرض، وعليه تدور جميع مصالح الأمّة، وما تنشده من أهداف، كما ترتبط به إقامة الحدود، وصيانة الثغور، وتحليل الحلال، وتحريم الحرام، وتطبيق أحكام الله تعالى على واقع الحياة العامة التي يعيشها المسلمون ومن المؤكّد أنّ هذه الأهداف الأصيلة والمبادئ العليا، لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يحقّقها على مسرح الحياة إلاّ أئمّة الهدىعليهم‌السلام الذين أقصتهم أئمّة الظلم والجور عن مراكزهم التي منحها الله لهم، فعانت الأمة من جراء ذلك جميع ألوان الظلم والجور. ويواصل الإمامعليه‌السلام حديثه بالإشادة بأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، ومناهضة أئمّة الجور، وينعى على الذين أقاموهم، يقول

٢٨٩

عليه‌السلام : ( راموا إقامة الإمام بعقول جائرة بائرة ناقصة وآراء مضلّة، فلم يزدادوا إلاّ بعداً قاتلهم الله أنّى يؤفكون، لقد راموا صعباً، وقالوا: إفكاً وضلوا ضلالاً بعيداً، ووقعوا في لحيرة، إذ تركوا عن بصيرة، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وما كانوا مستبصرين، ورغبوا عن اختيار الله، واختيار رسوله إلى اختيارهم، والقرآن يناديهم( وربّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عمّا يشركون ) (1) وقال الله عزّ وجل:( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) (2) وقال عزّ وجل:( مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ) (3) .

وقال عزّ وجل:( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (4) أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون، أم( قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (5) ( وقالوا سمعنا وعصينا ) (6) بل هو( فضل الله يؤتيه مَن يشاء والله ذو الفضل العظيم ) (7) .

فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل، راع لا ينكل معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة، والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو نسل المطهرة البتولعليها‌السلام لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، فالنسب من قريش، والذروة من هاشم، والعترة من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والرضا من الله، شرف الأشراف والفرع من عبد مناف، نامي العلم،

____________________

(1) سورة القصص / آية 68.

(2) سورة الأحزاب / آية 36.

(3) سورة القلم / آية 36 - 41.

(4) سورة محمد / آية 24.

(5) سورة الأنفال / آية 21 - 23.

(6) سورة البقرة آية 93.

(7) سورة الحديد / آية 21.

٢٩٠

كامل الحلم، مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عزّ وجل ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله. إنّ الأنبياء والأئمّة صلوات الله عليهم يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم، في قوله تعالى:( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدي إِلاّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (1) وقوله عزّ وجل:( ومن يؤت الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيراً ) (2) وقوله عزّ وجل في طالوت:( إنّ الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم ) (3) وقال عزّ وجل لنبيه:( وكان فضل الله عليك عظيماً ) . وقال عزّ وجل في الأئمّة من أهل بيته وعترته وذرّيته:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ) (4) . إنّ العبد إذا اختاره الله عزّ وجل لأمور عباده شرح الله صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاماً، فلم يع بعده بجواب، ولا يحيد عنه الصواب، وهو معصوم مؤيد، موفق مسدد قد أمن الخطايا والزلل والعثار يخصّه الله بذلك ليكون حجته على عباده، وشاهد على خلقه( وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء والله ذو الفضل العظيم ) فهل يقدرون على مثل هذا؟ فيختاروه أو يكون مختارهم بهذه الصفة؟ فيقدموه؟ فعدوا وبيت الله الحق، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، كأنّهم لا يعلمون، وفي كتاب الله الهدى والشفاء، فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمهم الله ومقتهم، وأتعسهم، فقال عزّ وجل:( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (5) وقال عزّ وجل:( فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) (6)

وقال عزّ وجل:( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ) (7) (8) .

____________________

(1) سورة البقرة / آية 269.

(2) سورة البقرة / آية 247.

(3) سورة النساء / آية 113.

(4) سورة النساء / آية 54 و 55.

(5) سورة القصص / آية 50.

(6) سورة محمد / آية 8.

(7) سورة المؤمن / آية 35.

(8) عيون أخبار الرضا 1 / 216 - 222، أصول الكافي 1 / 199.

٢٩١

وانتهى هذا الحديث الشريف الذي هو من أوثق الأدلة، وأشملها على ضرورة الإمامة، وأنّها من أهم المراكز الحسّاسة في الإسلام، وليست خاضعة لاختيار الأمة وانتخابها، وإنّما أمرها بيد الخالق العظيم، فهو الذي يعين، وينتخب أفضل عباده، وأتقاهم لهذا المنصب الخطير ليقيم بين الناس العدل الخالص، والحق المحض، ويسوسهم بسياسة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

علامات الإمام:

وأدلى الإمامعليه‌السلام بحديث عن علامات الإمام، وصفاته جاء فيه: ( للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس... )(1) .

ويجب أن تتوفّر في الإمام هذه الصفات حتى يصلح لقيادة الأمة ورفع مستواها اجتماعياً واقتصادياً.

الأئمّة خلفاء الله:

روى أبو مسعود الجعفري قال: سمعت الإمام أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول: الأئمّة خلفاء الله عزّ وجل في أرضه(2) والشيء الذي لا ريب فيه أنّ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام هم خلفاء الله تعالى في أرضه وحججه على عباده، وأُمنائه في بلاده، فهم قادة هذه الأمة، والأدلاء على مرضاة الله تعالى وطاعته.

____________________

(1) عيون أخبار الرضا 1 / 213.

(2) أصول الكافي 1 / 193.

٢٩٢

في رحاب القرآن الكريم

٢٩٣

كان الإمام الرضاعليه‌السلام حليف القرآن الكريم يتلوه باستمرار، ويتأمّل آياته بإمعان، وكان يجد في تلاوته له متعة لا تعادلها أيّة متعة في الحياة، ويقول الرواة: إنّ جميع كلامه تأثّر تأثيراً مباشراً بالقرآن فكان جوابه، وتمثّله انتزاعات منه(1) وبلغ من شغفه وولعه بالقرآن أنّه كان يختمه في كل ثلاثة أيام، ويقول: لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة أيام لفعلت، ولكنّي ما مررت بآية قط إلاّ فكّرت فيها وفي أي شيء نزلت، وفي أي وقت؟ فلذلك صرت أختم في كل ثلاثة أيام(2) .

ومعنى ذلك أنّه كان في أغلب أوقاته مشغولاً بتلاوة القرآن الكريم، والإمعان في تفسيره، وأسباب نزول آياته. ويقول المؤرّخون: إنّه كان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مرّ بآية فيها ذكر الجنّة أو النار بكى، وسأل الله الجنّة، وتعوّذ به من النار(3).

وقبل أن نعرض لنماذج من تفسيره لبعض الآيات نلمح لبعض الجهات التي ترتبط بالموضوع:

تعقيبه على بعض الأمور:

كان الإمامعليه‌السلام إذا قرأ بعض سور القرآن الكريم عقّب عليها ببعض الكلمات، ومن بينها هذه السور:

1 - سورة التوحيد.

وكان إذا فرغ من تلاوة سورة التوحيد عقّب عليها بقوله: ( كذلك الله ربّنا ) يقول ذلك ثلاثاً.

2 - سورة الجحد: وإذا فرغ من قراءة سورة الجحد قال ثلاثا ( ربّي الله وديني الإسلام ).

3 - سورة التين: وبعد الفراغ من قراءتها يقول: ( بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ).

4 - سورة القيامة: وإذا قرأ سورة القيامة قال: ( سبحانك اللّهمّ... ).

____________________

(1) عيون أخبار الرضا 2 / 180.

(2) عيون أخبار الرضا 2 / 180، البحار 12 / 23.

(3) عيون أخبار الرضا 2 / 180.

٢٩٤

5 - سورة الفاتحة: وبعد فراغه من قراءة سورة الفاتحة يقول: ( الحمد لله ربّ العالمين... ).

6 - سورة سبح اسم ربّك: وإذا تلى هذه السورة قال: ( سبحان ربّي الأعلى )(1) .

البسملة:

تطرّق الإمامعليه‌السلام إلى بعض شؤون البسملة في جملة من أحاديثه، كان منها ما يلي:

1 - أهمّيّة البسملة:

إنّ للبسملة أهمية خاصة عند أئمة أهل البيتعليهم‌السلام فقد روي عن الإمام أبي جعفرعليه‌السلام أنّها ( أوّل كل كتاب نزل من السماء بسم الله الرحمن الرحيم ) وروي عن الإمام الرضاعليه‌السلام : ( إنّها أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين إلى سوادها )(2).

2 - البسملة جزء من السورة:

وأعلن الإمامعليه‌السلام أنّ البسملة جزء من سورة القرآن الكريم، فقد روي أنّه قيل للإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : أخبرنا عن بسم الله الرحمن الله الرحيم أهي من فاتحة الكتاب؟

فقال: نعم كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأها ويعدها آية منها، ويقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني(3) .

3 - الجهر بالبسملة في الصلاة:

وكان الإمام الرضاعليه‌السلام يجهر بالبسملة في جميع صلواته بالليل والنهار(4) وشجب مَن يخفت بها، فقال: ( ما بالهم قاتلهم الله عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنّها بدعة إذا أظهروها )(5) .

نماذج من تفسيره للقرآن:

وأهتمّ الإمام الرضاعليه‌السلام اهتماماً بالغاً في تفسير القرآن الكريم فأولاه

____________________

(1) عيون أخبار الرضا 2 / 183.

(2) مواهب الرحمان في تفسير القرآن 1 / 21.

(3) مواهب الرحمان في تفسير القرآن 1 / 20.

(4) عيون أخبار الرضا 2 / 180.

(5) مواهب الرحمان في تفسير القرآن 1 / 20.

٢٩٥

المزيد من العناية في محاضراته وبحوثه التي ألقاها على الفقهاء والعلماء وسائر طلاّبه، وقد نقلها الرواة والمفسّرون للقرآن، وهذا بعضها:

1 - قوله تعالى:( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (1) .

قالعليه‌السلام في تفسير هذه الآية: ( الختم هو الطبع على قلوب الكفّار عقوبة على كفرهم... )(2) .

2 - قوله تعالى:( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ ) (3) .

قالعليه‌السلام في تفسير قوله تعالى:( وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) ( إنّ الله لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه، ولكنّه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر والضلالة، فمنعهم المعاونة واللطف، وخلّى بينهم وبين اختيارهم )(4) .

3 - قوله تعالى:( ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) (5) سأل عبد السلام بن صالح الهروي الإمام الرضاعليه‌السلام فقال له: يا بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحواء ما كانت؟ فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنّها الحنطة، ومنهم مَن يروي أنّها العنب ومنهم مَن يروي أنّها شجرة الحسد؟

فقالعليه‌السلام : كل ذلك حق، فقال عبد السلام: ما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟ فقالعليه‌السلام : يا بن الصلت إنّ شجرة الجنة تحمل أنواعاً، وكانت شجرة الحنطة، وفيها عنب، وليست كشجرة الدنيا(6) .

وعلّق الإمام السبزواري على هذه الرواية بقوله: ( لا ريب في أنّ تلك الجنة، ولو كانت من الدنيا لها خصوصية ليست تلك الخصوصية في جميع جنات الدنيا، ومن جهة قلة التزاحم والتنافي في تلك الجنة أو عدمهما فصح أن تحمل شجرة منها أنواعاً

____________________

(1) سورة البقرة / آية 7.

(2) مواهب الرحمن 1 / 85.

(3) سورة البقرة / آية 20.

(4) مواهب الرحمن 1 / 106.

(5) سورة البقرة / آية 35.

(6) عيون أخبار الرضا.

٢٩٦

4 - قوله تعالى:( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة... ) (1).

قالعليه‌السلام في تفسير الآية الكريمة: إنّهم - أي الذين قالوا لموسى هذا القول - السبعون الذين اختارهم موسىعليه‌السلام وصاروا معه إلى الجبل، فقالوا: إنّك قد رأيت الله فأرناه كما رأيته، فقال لهم: إنّي لم أره، فقالوا له: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة(2) .

5 - قوله تعالى:( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ) (3) .

وأدلى الإمامعليه‌السلام بتفسير هذه الآيات، فقد روى أحمد بن أبي نصر البزنطي، قال: سمعت أبا الحسن الرضا يقول: إنّ رجلاً من بني إسرائيل قتل قرابة له، ثم أخذه وطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل ثم جاء يطلب بدمه، فقالوا لموسىعليه‌السلام إنّ سبط آل فلان قتلوا فلاناً، فأخبرنا مَن قتله؟ قال: ايتوني ببقرة( قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) ولو أنّهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم، ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ ) يعني لا صغيرة ولا كبيرة( عوانٌ بين ذلك ) ولو أنّهم عمدوا إلى أي بقرة أجزأتهم ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) ولو أنّهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم

____________________

(1) سورة البقرة / آية 55.

(2) مواهب الرحمن 1 / 255.

(3) سورة البقرة / آية 67 - 71.

٢٩٧

( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) فطلبوها فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل، فقال: لا أبيع إلاّ بملء مسكها ذهباً فجاؤوا إلى موسىعليه‌السلام ، وقالوا له ذلك، فقال اشتروها فاشتروها، وجاؤوا بها فأمر بذبحها ثم أمر أن يضربوا الميت بذنبها، فلمّا فعلوا ذلك حيي المقتول، وقال: يا رسول الله إنّ ابن عمّي قتلني دون مَن يدّعي عليه قتلي، فعلموا بذلك قاتله فقال لرسول الله موسى بعض أصحابه: إنّ هذه البقرة لها نبأ، فقال موسى: ما هو؟ قالوا إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّاً بأبيه، وأنّه اشترى بيعاً، فجاؤوا إلى أبيه والأقاليد (مقاليد) تحت رأسه فكره أن يوقظه فترك ذلك البيع، فاستيقظ أبوه، فأخبره، فقال له: أحسنت هذه البقرة فهي لك عوضاً لما فاتك، قال: فقال له رسول الله موسى: انظر إلى البر ما بلغ أهله(1) .

6 - قوله تعالى:( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلّمان من أحد حتى يقولا إنّما نحن فتنة... ) الآية(2) .

قالعليه‌السلام في تفسير هذه الآية: ( وأمّا هاروت وماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليتحرزوا به عن سحر السحرة، ويبطلوا كيدهم وما علما أحدا من ذلك شيئاً إلاّ قالا له:( إنّما نحن فتنة فلا تكفر ) ، فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز عنه، وجعلوا يفرقون بما يعلّمونه بين المرء وزوجه، قال الله تعالى:( ما هم بضارين به من أحد إلاّ بإذن الله ) (3).

7 - قوله تعالى:( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي... ) (4)

قالعليه‌السلام في تفسير هذه الآية: ( يعني شاة، وضع على أدنى القوم قوة ليسع القوي والضعيف )(5) .

8 - قوله تعالى:( وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ) (6) .

____________________

(1) تفسير العياشي.

(2) سورة البقرة / آية 102.

(3) مواهب الرحمان 2 / 355.

(4) سورة البقرة / آية 196.

(5) مواهب الرحمان.

(6) سورة البقرة / آية 205.

٢٩٨

هذه الآية الكريمة نزلت في الأخنس بن شريك حليف بني زهرة أقبل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة، وقال: جئت أريد الإسلام ويعلم الله أنّي لصادق فأعجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منه، ثم إنّه خرج من عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فمرّ بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر(1) وقد فسّر الإمام الرضاعليه‌السلام النسل بالذرية والحرث بالزرع(2) .

9 - قوله تعالى:( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ) (3) .

سأل ابن فضال الإمام الرضاعليه‌السلام عن تفسير هذه الآية فأجابه: ( هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام وهكذا نزلت، وعن قول الله عزّ وجل:( وجاء ربّك والملك صفاً صفاً ) فقالعليه‌السلام : إنّ الله لا يوصف بالمجيء والذهاب تعالى عن الانتقال، وإنّما يعني بذلك وجاء أمر ربّك والملك صفاً صفاً )(4)

وعلق السيد السبزواري على تفسير الإمام بقوله: ( ما ورد في الحديث حسن جدا للآية الشريفة كما هو شأنهعليه‌السلام في بيان الآيات المتشابهات، والمراد بقولهعليه‌السلام : هكذا نزلت هو النزول البياني والتفسيري على قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(5) .

10 - قوله تعالى:( وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي... ) (6) .

سأل صفوان بن يحيى الإمام الرضاعليه‌السلام عن هذه الآية، وقال له: أكان في قلب إبراهيم شك؟ فقالعليه‌السلام : لا، كان على يقين ولكنّه أراد من الله الزيادة في يقينه.(7) .

11 - قوله تعالى:( إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم على العالمين ذرّيّة

____________________

(1) الدر المنثور.

(2) تفسير العياشي.

(3) سورة البقرة / آية 210.

(4) مواهب الرحمان 3 / 270.

(5) مواهب الرحمان 4 / 270.

(6) سورة البقرة / آية 260.

(7) تفسير القمّي.

٢٩٩

بعضها من بعض ) (1) .

استدل الإمام الرضاعليه‌السلام بهذه الآية الكريمة حينما سأله المأمون هل فضل الله العترة على سائر الأمة؟ فقالعليه‌السلام : إنّ الله عزّ وجل أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه، فقال المأمون: وأين ذلك من كتاب الله؟ فقالعليه‌السلام : في قوله عزّ وجل:( إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرّيّة بعضها من بعض ) إنّ العترة داخلون في آل إبراهيم لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ولد إبراهيم وهو دعوة إبراهيم، وعترته منه(2) وكلام الإمامعليه‌السلام ليس من التفسير، وإنّما هو من الاستدلال بظاهر الآية على ما ذكره.

12 - قوله تعالى:( قال الله يا عيسى إنّي متوفيك ورافعك إليّ ) (3) .

قالعليه‌السلام في تفسير الآية: ( إنّه ما شبه أمر أحد من أنبياء الله، وحججه على الناس إلاّ أمر عيسى وحده؛ لأنّه رفع من الأرض حياً، وقبض روحه بين السماء والأرض ثم رفع إلى السماء، ورد عليه روحه، وذلك قوله عزّ وجل:( إذ قال الله يا عيسى إنّي متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك ) وقال الله حكاية عن عيسى يوم القيامة:( وكنت شهيداً عليهم ما دمت فيهم فلمّا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيداً ) (4) .

وعلّق السيد السبزواري على هذا الحديث بقوله: الحديث يدل على توفّي عيسىعليه‌السلام وموته قبل رفعه إلى السماء وبهذا يمكن أن يجمع بين جميع الأقوال لفرض صراحة الحديث بأنّه مات ما بين السماء والأرض ثم ارجع الله روحه إليه، ورفعه(5) .

13 - قوله تعالى:( هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) (6) فسّر الإمام الرضاعليه‌السلام الدرجات والتفاوت بين المتقين يوم القيامة فقال

____________________

(1) سورة آل عمران / آية 33 - 34.

(2) مواهب الرحمان 5 / 328.

(3) سورة آل عمران / آية 55.

(4) عيون أخبار الرضا.

(5) مواهب الرحمان.

(6) سورة آل عمران / آية 163.

٣٠٠