حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ١

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)0%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 363

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الصفحات: 363
المشاهدات: 149759
تحميل: 7812


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149759 / تحميل: 7812
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء 1

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إنّك قد شهدت نفسك بهذا الأمر، وجلست مجلس أبيك، وسيف هارون يقطر الدم - أي من دماء أهل البيت وشيعتهم – فقالعليه‌السلام : جرأني على هذا ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أخذ أبو جهل من رأسي شعرة، فاشهدوا أنّي لست بنبي، وأنا أقول لكم: إن أخذ هارون من رأسي شعرة فاشهدوا أنّي لست بإمام(1) .

لقد أعلنعليه‌السلام غير مرّة أنّ هارون لا يعرض له بسوء، وأنّه يدفن إلى جانب هارون، فقد روى حمزة ابن جعفر الأرجاني خرج هارون من المسجد الحرام من باب، وخرج علي الرضا من باب فقالعليه‌السلام : ( يا بعد الدار وقرب الملتقى إنّ طوس ستجمعني وإيّاه )(2) .

وأكّد الإمام دفنه بالقرب من هارون في كثير من الأحاديث، فقد روى موسى بن هارون قال: رأيت علياً الرضا في مسجد المدينة، وهارون الرشيد يخطب، قالعليه‌السلام : تروني وإيّاه ندفن في بيت واحد(3) .

6 - ومن بين الأحداث التي أخبر عنها أنّه أخبر عن نكبة البرامكة، فقد روى مسافر قال: كنت مع أبي الحسن علي الرضا، فمرّ يحيى بن خالد البرامكي، وهو مغطٍ وجهه بمنديل من الغبار، فقالعليه‌السلام : مساكين هؤلاء ما يدرون ما يحل بهم في هذه السنة.

وأضاف الإمام قائلاً: وأعجب من هذا أنا وهارون كهاتين، وختم إصبعيه السبابة والوسطى. قال مسافر: فو الله ما عرفت معنى حديثه في هارون إلاّ بعد موت الرضا، ودفنه بجانبه(4) .

7 - روى محمد بن عيسى عن أبي حبيب النباجي قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام، قد وافى النباج(5) ونزل في المسجد الذي ينزله الحجاج في كل سنة وكأنّي مضيت إليه، سلّمت عليه، وكان بين يديه طبق من خوص فيه تمر

____________________

(1) أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 97.

(2) الإتحاف بحب الأشراف (ص 59).

(3) الإتحاف بحب الأشراف (ص 59).

(4) الإتحاف بحب الأشراف (ص 59).

(5) النباج: منزل لحجّاج البصرة.

٤١

صيحاني، وكأنّه قبض قبضة من ذلك التمر فناولني فعددته فكان ثماني عشر تمرة، فتأوّلت الرؤيا بأنّي أعيش بعدد كل تمرة سنة فلما كان عشرين يوماً كنت في أرض تعمر لي بالزراعة، إذ جاءني مَن أخبرني بقدوم الرضا من المدينة ونزوله في ذلك المسجد، ورأيت الناس يسعون إليه، فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه في المنام، وبين يديه طبق من خوص فيه تمر صيحاني، فسلّمت عليه، فردّ علي السلام، واستدناني فناولني قبضة من ذلك التمر فعددته فإذا هو بعدد ما ناولني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: زدني يا بن رسول الله، فقال: لو زادك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لزدناك(1) .

8 - روى جعفر بن صالح قال: أتيت الرضا، فقلت: امرأتي حامل فادع الله أن يجعله ذكرا، فقال: هما اثنان، فانصرفت وقلت: اسمّي أحدهما محمّداً، والآخر عليّاً، ثم أتيته فقال لي: سم واحدا عليّاً والآخر أم عمرو فلمّا قدمت الكوفة رأيتها ولدت غلاماً وبنتاً، فسمّيت الذكر عليّاً، والأُنثى أم عمرو(2) .

وذكر الرواة بوادر كثيرة من الملاحم والأحداث التي أخبر عنها قبل وقوعها، وهي تدلّل على ما منحه الله من العلم بمجريات الأحداث الذي خصّ به أولياءه وعباده الصالحين.

عبادته وتقواه:

ومن أبرز ذاتيّات الإمام الرضاعليه‌السلام انقطاعه إلى الله تعالى، وتمسّكه به، وقد ظهر ذلك في عبادته، التي مثلّت جانباً كبيراً من حياته الروحية التي هي نور وتقوى وورع، يقول بعض جماعته: ما رأيته قط إلاّ ذكرت قوله تعالى:( كَانُوا قَلِيلاً منَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) ويقول الشبراوي عن عبادته: إنّه كان صاحب وضوء وصلاة، وكان في ليله كلّه يتوضّأ ويصلّي، ويرقد وهكذا إلى الصباح(3) .

لقد كان الإمامعليه‌السلام أتقى أهل زمانه، وأكثرهم طاعة لله تعالى؛ اسمعوا ما يرويه رجاء بن أبي الضحاك عن عبادة الإمام، وكان المأمون قد بعثه إلى

____________________

(1) كشف الغمّة 3 / 103، جامع كرامات الأولياء 2 / 156، نور الأبصار.

(2) جوهرة الكلام (ص 146).

(3) الإتحاف بحب الأشراف (ص 59).

٤٢

الإمام ليأتي به إلى ( خراسان )، فكان معه من المدينة المنورة إلى مرو يقول: ( والله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله منه، ولا أكثر ذكراً له في جميع أوقاته منه، ولا أشد خوفاً لله عزّ وجل، كان إذا أصبح صلّى الغداة فإذا سلّم جلس في مصلاّه يسبّح الله، ويحمده ويكبّره، ويهلّله، ويصلّي على النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثم يقبل على الناس يحدثهم، ويعظهم إلى قرب الزوال، ثم جدّد وضوءه، وعاد إلى مصلاّه، فإذا زالت الشمس قام وصلّى ست ركعات يقرأ في الركعة الأُولى الحمد، وقل يا أيّها الكافرون، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد، ويقرأ في الأربع في كل ركعة الحمد لله، وقل هو الله أحد، ويسلّم، وفي كل ركعتين يقنت فيهما في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، ثم يؤذّن، ثم يصلّي ركعتين ثم يقيم، ويصلّي الظهر، فإذا سلّم سبّح الله وحمده، وكبّره، وهلّله ما شاء الله، ثم يسجد سجدة الشكر، ويقول فيها مائة مرة شكراً لله، فإذا رفع رأسه قام فصلّى ست ركعات، يقرأ في كل ركعة الحمد لله، وقل هو الله أحد، ويسلّم في كل ركعتين، ويقنت في ثانية كل ركعتين قبل الركوع وبعد القراءة، ثم يؤذّن، ثم يصلّي ركعتين ويقنت في الثانية، فإذا سلّم قام وصلّى العصر، فإذا سلّم جلس في مصلاّه يسبّح الله، ويحمده، ويكبّره، ويهلّله، ثم يسجد سجدة يقول فيها: مائة مرة حمداً لله، فإذا غابت الشمس، توضأ وصلّى المغرب ثلاثاً بأذان وإقامة، وقنت في الثانية، قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلّم جلس في مصلاّه يسبّح الله ويحمده، ويكبّره، ويهلّله ما شاء الله، ثم يسجد سجدة الشكر، ثم يرفع رأسه، ولا يتكلّم، حتى يقوم ويصلّي أربع ركعات بتسليمتين، يقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، وكان يقرأ في الأُولى من هذه الأربع الحمد وقل يا أيّها الكافرون، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد، ثم يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله حتى يمسي، ثم يفطر، ثم يلبث حتى يمضي من الليل قريب من الثلث، ثم يقوم فيصلّي العشاء والآخرة أربع ركعات، ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة فإذا سلّم جلس في مصلاّه يذكر الله عزّ وجل ويسبّحه ويحمده ويكبّره ويهلّله ما شاء الله، ويسجد بعد التعقيب سجدة الشكر ثم يأوي إلى فراشه، وإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح والتحميد والتكبير

٤٣

والتهليل والاستغفار، فاستاك ثم توضأ ثم قام إلى صلاة الليل، فصلّى ثمان ركعات ويسلّم في كل ركعتين، يقرأ في الأوّلين منها في كل ركعة الحمد وثلاثين مرة قل هو الله أحد.

ويصلي صلاة جعفر بن أبي طالب أربع ركعات يسلّم في كل ركعتين، ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع، ويحتسب بها من صلاة الليل، ثم يصلّي الركعتين الباقيتين، يقرأ في الأُولى الحمد وسورة الملك، وفي الثانية الحمد وهل أتى على الإنسان، ثم يقوم فيصلّي ركعتي الشفع، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات، ويقنت في الثانية، ثم يقوم فيصلّي الوتر ركعة يقرأ فيها الحمد، وقل هو الله أحد ثلاث مرات وقل أعوذ برب الفلق مرة واحدة، وقل أعوذ برب الناس مرة واحدة، ويقنت فيها قبل الركوع وبعد القراءة ويقول في قنوته: ( اللّهم صلِّ على محمد وآل محمد، اللّهم اهدنا فيمَن هديت وعافنا فيمَن عافيت، وتولّنا فيمَن تولّيت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، فإنّك تقضي ولا يُقضى عليك، إنّه لا يذل مَن واليت، ولا يعز مَن عاديت، تباركت وتعاليت... )

ثم يقول: استغفر الله وأسأله التوبة سبعين مرة، فإذا سلّم جلس في التعقيب ما شاء الله، وإذا قرب الفجر قام فصلّى ركعتين الفجر يقرأ في الأُولى الحمد وقل يا أيّها الكافرون وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد، فإذا طلع الفجر أذّن وأقام وصلّى الغداة ركعتين، فإذا سلّم جلس في التعقيب حتى تطلع الشمس، ثم سجد سجدة الشكر حتى يتعالى النهار... )(1) .

لقد عرض هذا الحديث بالتفصيل إلى صلاة الإمام الرضاعليه‌السلام المفروضة ونوافلها، وما يقرأ فيها من سور القرآن الكريم، والتعقيبات التي يؤدّيها، معنى ذلك أنّه كان في أغلب أوقاته مشغولاً بعبادة الله تعالى.

لقد سرى حبّ الله في قلب الإمام، وتفاعل في عواطفه ومشاعره حتى صار عنصراً من عناصره وذاتياً من ذاتيّاته.

دعاؤه في قنوته:

وكان الإمامعليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء الجليل في قنوته:

____________________

(1) البحار 12 / 26 - 27 وفي الحديث بقيّة إلى بيان بعض أذكاره وعباداته وقرائته لبعض السور في صلاته المندوبة.

٤٤

( الفزع، الفزع إليك، يا ذا المحاضرة والرغبة، الرغبة إليك يا من به المفاخرة، وأنت اللّهمّ مشاهد هواجس النفوس، ومراصد حركات القلوب، ومطالع مسرّات السرائر من غير تكلّف ولا تعسّف، وقد ترى اللّهمّ ما ليس عنك بمنظور، ولكن حلمك من أهله عليه جرأة وتمرداً، وعتوّاً وعناداً، وما يعانيه أولياؤك من تعفية آثار الحق، ودروس معالمه، وتزايد الفواحش، واستمرار أهلها عليها، وظهور الباطل، وعموم التغاشم، والتراضي بذلك المعاملات والمتفرقات، قد جرت به العادات، وصار كالمفروضات والمسنونات، اللّهمّ فبادر الذي مَن أعنته به فاز، ومَن أيّدته لم يخف لمز عاز، وخذ الظالم أخذاً عنيفاً، ولا تكن له راحماً ولا به رؤوفاً اللّهمّ بادرهم اللّهمّ عاجلهم اللّهمّ لا تمهلهم اللّهمّ غادرهم بكرة وهجرة، وسحرة وبياتاً، وهم نائمون وضحى وهم يلعبون، ومكراً وهم يمكرون وفجأة وهم آمنون، اللّهمّ بدّدهم، وبدّد أعوانهم، وأقلل أعضادهم واهزم جنودهم وأقلل حدهم، واجتث سنامهم، وأضعف عزائمهم، اللّهمّ امنحنا أكنافهم، وملّكنا أكنافهم، وبدّلهم بالنعم وبدّلنا من محاذرتهم وبغيهم بالسلام، وافنمناهم أكمل المغنم، اللّهمّ لا ترد بأسك الذي إذا حلّ بقوم فساء صباح المنذرين... )(1)

وحكى هذا الدعاء نقمة الإمامعليه‌السلام على الظالمين والمستبدّين من حكّام عصره، الذين أغرقوا العالم الإسلامي بالمحن والخطوب وأرغموا المسلمين على ما يكرهون، وهذا الدعاء من الأدعية السياسية التي حكت الأوضاع الراهنة في ذلك العصر.

دعاؤه في سجدة الشكر:

روى سليمان بن جعفر قال: دخلنا على الإمام الرضاعليه‌السلام ، وهو

____________________

(1) مهج الدعوات (ص 73).

٤٥

ساجد في سجدة الشكر، فأطال سجوده، ثم رفع رأسه، فسألوه عن إطالة سجوده، فأخبرهم أنّه دعا بهذا الدعاء، وحثّهم عليه، وأمرهم بكتابته فكتبوه، وهذا نصّه:

( اللّهمّ العن اللذين بدّلا دينك، وغيّرا نعمتك، واتهما رسولكصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخالفا ملّتك، وصدّا عن سبيلك، وكفرا آلاءك، وردّا عليك كلامك، واستهزءا برسولك وقتلا ابن نبيّك، وحرّفا كتابك، وجحدا آياتك، وجلسا في مجلس لم يكن لهما بحق، وحمله الناس على أكتاف آل محمد، اللّهمّ العنهما لعناً يتلو بعضه بعضاً، واحشرهما واتباعهما إلى جهنم زرقاً، اللّهمّ إنّا نتقرّب إليك باللعنة عليهما، والبراءة منهما في الدنيا والآخرة، اللّهم العن قتلة أمير المؤمنين، وقتلة الحسين بن علي، وابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اللّهمّ زدهما عذاباً فوق عذاب، وهواناً فوق هوان، وذلاً فوق ذل، وخزياً فوق خزي، اللّهمّ دعّهما في النار دعّاً، واركسهما في أليم عذابك ركساً، اللّهم احشرهما وأتباعهما إلى جهنم زمراً، اللّهمّ فرّق جمعهم وشتّت أمرهم، وخالف بين كلمتهم، وبدّد جماعتهم، والعن أئمّتهم، واقتل قادتهم، وسادتهم، وكبراءهم، والعن رؤساءهم، واكسر راياتهم، والق البأس بينهم، ولا تبق منهم دياراً.

اللّهم العن أبا جهل والوليد لعناً يتلو بعضه بعضاً، ويتبع بعضه بعضاً، اللّهمّ العنهما لعناً يلعنهما به كل ملك مقرّب، وكل نبي مرسل، وكل مؤمن امتحنت قلبه للإيمان اللّهمّ العنهما لعناً يتعوّذ منه أهل النار، اللّهمّ العنهما لعناً لم يخطر لأحدٍ ببال، اللّهمّ العنهما في ستر سرك، وظاهر علانيتك، وعذبهما عذاباً في التقدير وشارك معهما... وأشياعهما ومحبيهما ومَن شايعهما إنّك سميع الدعاء )(1) .

ويمثّل هذا الدعاء مدى نقمة الإمام على بعض الخلفاء الذين استولوا بغير حق على السلطة العامّة في البلاد، فجرّوا الويل والدمار للعالم الإسلامي؛ وذلك بإقصاء العترة الطاهرة عن السلطة، وهي أعلم بشؤون الإسلام وأحكامه من غيرهم، وهذا الدعاء الجليل من الأدعية السياسية.

تسلّحه بالدعاء:

ومن مظاهر حياة الإمام الروحية تسلّحه بالدعاء إلى الله تعالى والتجائه إليه في

____________________

(1) مهج الدعوات (ص 320).

٤٦

جميع أُموره، وكان يجد فيه متعة روحية لا تعادلها أية متعة من متع الحياة، وقبل أن نعرض لبعض أدعيته، نذكر ما أُثر عنه من أهمّية الدعاء وغيره:

الدعاء سلاح الأنبياء:

حثّ الإمامعليه‌السلام أصحابه على الدعاء إلى الله، فقال لهم: عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل له: وما سلاح الأنبياء؟ قال: الدعاء(1) .

إخفاء الدعاء:

وأوصى الإمام أصحابه بإخفاء الدعاء، وأن يدعو الإنسان ربّه سرّاً لا يعلم به أحد، قالعليه‌السلام : دعوة العبد سرّاً دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية(2).

إبطاء الإجابة في الدعاء:

وتحدّث الإمامعليه‌السلام عن الأسباب التي توجب إبطاء الإجابة في الدعاء، فقد روى أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: قلت لأبي الحسن - يعني الإمام الرضا -: جُعلت فداك إنّي قد سألت الله حاجة منذ كذا وكذا سنة، وقد دخل قلبي من إبطائها شيء؟

فقالعليه‌السلام : يا أحمد إيّاك والشيطان أن يكون له عليك سبيل حتى يقنطك، إنّ أبا جعفر - يعني الإمام الباقر - صلوات الله عليه كان يقول: إنّ المؤمن يسأل الله عزّ وجل حاجته فيؤخّر عنه تعجيل إجابته حبّاً لصوته، واستماع نحيبه، ثم قال: والله ما أخّر الله عزّ وجل عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم ممّا عجّل لهم فيها، وأي شيء الدنيا؟ إنّ أبا جعفرعليه‌السلام كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدّة، ليس إذا أُعطي فتر، فلا تملّ الدعاء فإنّه من الله عزّ وجل بمكان - أي بمنزلة - وعليك بالصبر، وطلب الحلال، وصلة الرحم، وإيّاك ومكاشفة الناس، فإنّا أهل بيت نصل مَن قطعنا، ونحسن إلى مَن أساء إلينا، فنرى والله في ذلك العاقبة الحسنة، إنّ صاحب النعمة في عينه، فلا يشبع من شيء، وإذا أكثرت النعم كان المسلم من ذلك في خطر للحقوق التي تجب عليه، وما يخاف من الفتنة فيها.

____________________

(1) أصول الكافي 2 / ج 368.

(2) أصول الكافي 2 / 476.

٤٧

أخبرني عنك لو أنّي قلت لك قولاً، أكنت تثق به منّي؟ وسارع أحمد قائلا: ( جعلت فداك إذا لم أثق بقولك فبمن أثق، وأنت حجّة الله على خلقه... ) فأجابه الإمام: ( فكن بالله أوثق؛ فإنّك على موعد من الله، أليس الله عزّ وجل يقول:( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) (1) ، وقال:( لا تقنطوا من رحمة الله ) (2) وقال:( والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً ) (3) .

فكن بالله عزّ وجل أوثق منك بغيره، ولا تجعلوا في أنفسكم إلا خيرا فإنه مغفور لكم )(4) .

وأعرب الإمامعليه‌السلام عن الأسباب التي تحجب الدعاء، وتؤخّر إجابته، كما دعا إلى التحلّي بأخلاق أهل البيتعليه‌السلام والاقتداء بهم.

حرزه:

كان الإمامعليه‌السلام يتسلّح بهذا الدعاء الشريف: ( بسم الله الرحمن الرحيم، يا مَن لا شبيه له، ولا مثال، أنت الله لا إله إلاّ أنت، ولا خالق إلاّ أنت، تفني المخلوقين، وتبقى، أنت حلمت عمّن عصاك وفي المغفرة رضاك )(5) .

كما كان متشبّثاً بهذا الدعاء الجليل: ( استسلمت يا مولاي لك وأسلمت نفسي إليك، وتوكّلت في كل أموري عليك، وأنا عبدك وابن عبديك، فأخبأني اللّهمّ في سترك عن شرار خلقك، واعصمني من كل أذىً وسوء بمنّك، واكفني شرّ كل ذي شر، بقدرتك. اللّهم مَن كادني أو أرادني فإنّي أدرأ بك في نحره، فسد عنّي أبصار الظالمين إذ كنت ناصري، لا إله إلاّ أنت يا أرحم الراحمين وإله العالمين، أسألك كفاية الأذى، والعافية والشفاء والنصر على الأعداء، والتوفيق لما تحب ربنا وترضى، يا ربّ العالمين، يا جبّار السماوات والأرضين، يا رب محمد وآله الطيبين الطاهرين،

____________________

(1) سورة البقرة / آية 186.

(2) سورة الزمر / آية 53.

(3) سورة البقرة / آية 268.

(4) أصول الكافي 2 / 489.

(5) مهج الدعوات (ص 44).

٤٨

صلواتك عليهم أجمعين )(1) .

لقد استسلم الإمامعليه‌السلام ، وأسلم نفسه، وجميع أموره للواحد القهار الذي بيده جميع مجريات الاحداث، وقد احتجت بهذا الدعاء ليرد الله عنه كيد المعتدين، وظلم الظالمين.

من أدعيته:

وأُثرت عن الإمام الرضاعليه‌السلام كوكبة من الأدعية الشريفة كان من بينها ما يلي:

1 - من أدعيته هذا الدعاء يطلب فيه الإمامعليه‌السلام الأمن والإيمان قال: ( يا مَن دلّني على نفسه، وذلّل قلبي بتصديقه، أسألك الأمن والإيمان في الدنيا والآخرة... )(2) .

وحفل هذا الدعاء على إيجازه، بظاهرة من ظواهر التوحيد وهي أنّ الله تعالى دلّل على ذاته، وعرف نفسه لخلقه؛ وذلك بما أودعه، وأبدعه، في هذا الكون من العجائب والغرائب، وكلّها تنادي بوجوده.

2 - وكانعليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء الجليل:

( اللّهمّ أعطني الهدى وثبّتني عليه، واحشرني عليه آمنا أمن مَن لا خوف عليه، ولا حزن ولا جزع، إنّك أهل التقوى، وأهل المغفرة... )(3) .

لقد دعا الإمامعليه‌السلام بطلب الهداية، والانقياد الكامل إلى الله الذي هو من أعلى درجات المقرّبين والمنيبين إلى الله تعالى.

3 - من أدعيته هذا الدعاء الشريف، وقد علّمه لصاحبه وتلميذه موسى بن بكير، وقال له: احفظ ما أكتبه لك، وادع به في كل شدّة تخاف منها، وقد جاء فيه بعد البسملة: ( اللّهمّ إنّ ذنوبي وكثرتها قد أخلقت وجهي عندك، وحجبتني عن استيهال رحمتك، وباعدتني عن استيجاب مغفرتك، ولولا تعلّقي بآلائك، وتمسّكي بالدعاء

____________________

(1) المصباح (ص 217).

(2) أصول الكافي 2 / 579.

(3) أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 197.

٤٩

وما وعدت أمثالي من المسرفين، وأشباهي من الخاطئين، وأوعدت القانطين من رحمتك بقولك:

( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم ) وحذّرت القانطين من رحمتك فقلت:( ومن يقنط من رحمة ربه الا الضالون ) ثم ندبتنا برأفتك إلى دعائك فقلت:( ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) . إلهي اليأس علي مشتملاً، والقنوط من رحمتك علي ملتحفاً، إلهي لقد وعدت المحسن ظنّه بك ثواباً، وأوعدت المسئ ظنّه بك عقاباً، اللّهمّ وقد أمسك رمقي حسن الظن بك في عتق رقبتي من النار، وتغمّد زلّتي، وإقالة عثرتي، اللّهمّ قولك الحق الذي لا خلف له، ولا تبديل:( يوم ندعو كل أناس بامامهم ) وذلك يوم النشور، إذا نفخ في الصور، وبعثر ما في القبور، اللّهم فإنّي أؤمن، وأشهد، وأقر، ولا أنكر، ولا أجحد، وأسر وأعلن، وأظهر وأبطن، بأنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك، وأنّ محمّداً عبدك ورسولكصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ عليّاً أمير المؤمنين سيّد الأوصياء ووارث علم الأنبياء، علم الدين، ومبير المنافقين، ومجاهد المارقين إمامي وحجّتي، وعروتي وصراطي ودليلي وحجّتي، ولا أثق بأعمالي، ولو زكت، ولا أراها منجية لي ولو صلحت إلاّ بولايته والائتمام به، والإقرار بفضائله، والقبول من حملتها، والتسليم لرواتها، وأقرّ بأوصيائه من آبائه أئمّة وحججاً وأدلة وسرجاً، وأعلاماً ومناراً وسادةً وأبراراً، وأومن بسرّهم وجهرهم وظاهرهم وباطنهم وشاهدهم وغائبهم، وحيّهم وميتهم، لا شك في ذلك ولا ارتياب عند تحوّلك، ولا انقلاب.

اللّهمّ فادعني يوم حشري ونشري بإمامتهم وأنقذني بهم، يا مولاي من حر النيران، وإن لم ترزقني روح الجنان، فإنّك إن أعتقتني من النار كنت من الفائزين، اللّهمّ وقد أصبحت يومي هذا، لا ثقة لي ولا رجاء ولا ملجأ ولا مفزع ولا منجى، غير مَن توسّلت بهم إليك متقرّباً إلى رسولك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم علي أمير المؤمنين والزهراء سيدة نساء العالمين، والحسن والحسين، وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن، ومن بعدهم يقيم المحجّة إلى الحجّة المستورة، من ولده، المرجو للأمة من بعده.

٥٠

اللّهمّ فاجعلهم في هذا اليوم وما بعده حصني من المكاره ومعقلي من المخاوف، ونجّني بهم من كل عدو وطاغ وباغ وفاسق ومن شر ما أعرف، وما أنكر، وما استتر عنّي، وما أبصر، ومن شر كل دابة ربّي آخذ بناصيتها إنّك على صراط مستقيم.

اللّهمّ بتوسّلي بهم إليك، وتقرّبي بمحبّتهم، وتحصّني بإمامتهم افتح عليّ في هذا اليوم أبواب رزقك، وانشر عليّ رحمتك وحبّبني إلى خلقك، وجنّبني بغضهم، وعداوتهم إنّك على كل شيءٍ قدير... اللّهمّ ولكل متوسّل ثواب، ولكل ذي شفاعة حق، فأسألك بمَن جعلته وليّك، وقدّمته أمام طلبتي أن تعرفني بركة يومي هذا، وشهري هذا، وعامي هذا، اللّهمّ وهم مفزعي ومعونتي في شدّتي ورخائي وعافيتي وبلائي، ونومي ويقظتي، وظعني وإقامتي، وعسري ويسري، وعلانيتي وسرّي، وإصباحي وإمسائي، وتقلّبي ومثواي وسرّي وجهري، اللّهمّ فلا تخيّبني بهم من نائلك، ولا تقطع رجائي من رحمتك، ولا تؤيسني من روحك، ولا تبتلني بانغلاق أبواب الأرزاق، وانسداد مسالكها، وارتياح مذاهبها، وافتح لي من لدنك فتحاً يسيراً، واجعل لي من كل ضنك مخرجاً، وإلى كل سعة منهجاً، إنّك أرحم الراحمين، وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين أمين رب العالمين )(1)

وحكى هذا الدعاء مدى اعتصام الإمامعليه‌السلام بالله تعالى وعبوديّته المطلقة له، كما حكى فضل الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام ، الذين هم أعلام الدين، وسدنة حكمة سيّد المرسلين.

4 - وكان الإمامعليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء لطلب الرزق والسعة في العيش، وكان يدعو به عقيب كل فريضة، وهذا نصّه: ( يا مَن يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمير الصامتين لكل مسألة منك سمع حاضر، وجواب عتيد، ولكل صامت منك علم باطن محيط أسألك بمواعيدك الصادقة، وأياديك الفاضلة، ورحمتك الواسعة، وسلطانك القاهر وملكك الدائم، وكلماتك التامات، يا مَن لا تنفعه طاعة المطيعين، ولا تضرّه معصية العاصين ( صلِّ

____________________

(1) مهج الدعوات (ص 315 - 317).

٥١

على محمد وآله )، وارزقني من فضلك، واعطني فيما ترزقني العافية برحمتك يا ارحم الراحمين )(1) .

5 - ومن بين ادعيته الشريفة هذا الدعاء العظيم، وجاء فيه، بعد البسملة: ( اللّهمّ يا ذا القدرة الجامعة، والرحمة الواسعة، والمنن المتتابعة والآلاء المتوالية، والأيادي الجميلة، والمواهب الجزيلة، يا مَن خلق فرزق، وألهم فأنطق، وابتدع فشرع، وعلا فارتفع، وقدّر فأحسن، وصوّر فأتقن، واحتجّ فأبلغ، وأنعم فأسبغ، وأعطى فأجزل، ومنح فأفضل، يا مَن سما في العز ففات خواطف الأبصار، ودنا في اللطف فجاز هواجس الأفكار، يا مَن تفرّد بالملك فلا نِدّ له في ملكوت سلطانه، وتوحّد بالكبرياء فلا ضدّ له في جبروت شأنه، يا مَن حارت في كبرياء هيبته دقايق لطائف الأوهام، وانحسرت دون ادراك عظمته خطائف أبصار الأنام، يا عالم خطرات قلوب العالمين، وشاهد لحظات أبصار الناظرين، يا مَن عنت الوجوه لهيبته، وخضعت الرقاب لعظمته وجلاله، ووجلت القلوب من خيفته، وارتعدت الفرائص من فرقة، يا بادئ يا سميع، يا علي يا رفيع صلّ على مَن شرفت الصلاة بالصلاة عليه، وانتقم لي ممّن ظلمني واستخفّ بي، وطرد الشيعة عن بابي، وأذقه مرارة الذل والهوان كما أذاقنيها، واجعله طريد الأرجاس وشريد الأنجاس والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين... )(2).

وحفل هذا الدعاء الشريف بحمد الله والثناء عليه بأجمل ألوان الثناء، كما حفل في آخره على ما جرى عليه من الظلم والأذى، والاضطهاد من قِبل المأمون العباسي، فقد طرد شيعة الإمامعليه‌السلام ، واستخفّ به، لما ظهر للعالم الإسلامي سمو مكانة الإمام وعظيم شخصيته وتفاهة شخصية المأمون، وأنّه لا رصيد له من الدين والأخلاق ما يستحق به مركز الخلافة الإسلامية، ويبدو من هذا الدعاء مدى تألّم الإمام من المأمون حيث دعا عليه بحرارة وألم.

6 - من بين أدعيته الشريفة هذا الدعاء وقد جاء فيه بعد البسملة: ( اللّهمّ لك الحمد على مردّ نوازل البلاء، وملمّات الضرّاء، وكشف نوائب الأدواء - وهي نوازل الدهر - وتوالي سبوغ النعماء، ولك الحمد ربّ على هنيء

____________________

(1) المصباح (ص 168).

(2) المصباح (ص 292)، البحار 12 / 24.

٥٢

عطائك ومحمود بلائك، ولك الحمد على إحسانك الكثير وخيرك العزيز، وتكليفك اليسير، ودفعك العسير، ولك الحمد على تثميرك قليل الشكر، وإعطائك وافر الأجر، وحطك مثقل الوزر، وقبولك ضيق العذر، ووضعك باهظ الدهر، وتسهيلك موضع الوعر، ومنعك مقطع الأمر، ولك الحمد على البلاء المصروف، ووافر المعروف، ودفع المخوف، وإذلال العسوف، ولك الحمد على قلة التكليف وكثرة التخفيف، وتقوية الضعيف، وإغاثة اللهيف، ولك الحمد على سعة امهالك، ودوام أفضالك، وصرف أمحالك، وحميد فعالك، وتوالي نوالك، ولك الحمد على تأخير معاجلة العقاب، وترك مغافصة العذاب، وتسهيل طرق المآب، وإنزال غيث السحاب إنّك المنّان الوهاب )(1) .

وحوى هذا الدعاء جملاً من آيات الثناء على الله تعالى، خالق الكون وواهب الحياة.

هذه بعض أدعيته وهي تكشف عن جانب من حياته الروحية وهي الانقطاع إلى الله والاتصال به، والاعتصام بحبله، وبها ينتهي بنا الحديث عن بعض معالم شخصيته الكريمة.

____________________

(1) المصباح (ص 415).

٥٣

معرض الآراء عن شخصيّة الإمامعليه‌السلام

أمّا شخصية الإمام أبي محمد الرضاعليه‌السلام فهي ملء فم الدنيا في فضائلها، ومواهبها، وقد احتلّت عواطف العلماء والمؤلِّفين في كل جيل وعصر، فأدلوا بجمل من الثناء والتعظيم على شخصيته، ومن بينهم ما يلي:

1 - الإمام الكاظم:

وأشاد الإمام الكاظمعليه‌السلام بولده الإمام الرضا، وقدّمه على السادة الأجلاّء من أبنائه، وأوصاهم بخدمته، والرجوع إليه في أمور دينهم، فقال لهم: ( هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سلوه عن أديانكم، واحفظوا ما يقول لكم، فإنّي سمعت أبي جعفر بن محمدعليه‌السلام يقول لي: إنّ عالم آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لفي صلبك، وليتني أدركته فإّنه سمي أمير المؤمنين... )(1).

لقد أعلن الإمام الكاظم أنّ نجله المعظم عالم آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أعظم وسام قد منحه له، فآل محمد هم معدن العلم والحكمة في الإسلام، والإمام سيّدهم في هذه الظاهرة الكريمة... وسنعرض لكلمات أخرى أُثرت عنه في شأن ولده.

2 - المأمون:

وأعلن المأمون الملك العبّاسي فضل الإمام الرضا وسمو مكانته ومنزلته في كثير من المناسبات، وهذه بعضها:

أ - قال المأمون للفضل بن سهل وأخيه: ( ما أعلم أحداً أفضل من هذا الرجل

____________________

(1) كشف الغمّة 3 / 107، أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 100، البحار.

٥٤

- يعني الإمام علي بن موسى - على وجه الأرض )(1) فالإمام حسب قول المأمون أعلم علماء الدنيا، وأفضلهم في جميع أنحاء المعارف والعلوم.

ب - أشاد المأمون بالإمام الرضاعليه‌السلام في رسالته التي بعثها للعبّاسيين الذين نقموا عليه تقليده للإمام بولاية العهد قال:

( ما بايع له المأمون - أي للإمام الرضا - إلاّ مستبصراً في أمره عالماً، بأنّه لم يبق أحد على ظهرها - أي على ظهر الأرض - أبين فضلاً، ولا أظهر عفة، ولا أورع ورعاً، ولا أزهد زهدا في الدنيا، ولا أطلق نفسا، ولا أرضى في الخاصة والعامة، ولا أشد في ذات الله منه، وإنّ البيعة له لموافقة لرضى الرب )(2) .

وحدّدت هذه الكلمات بعض الصفات الرفيعة الماثلة في الإمامعليه‌السلام ، والتي تميّز بها على غيره، وهي:

أ - إنّ الإمام أبين الناس فضلاً وعلماً.

ب - إنّه أعفّ إنسان على وجه الأرض.

ج - إنّه أزهد الناس في مباهج الحياة وزينتها.

ه‍ - إنّه أندى الناس كفّاً وأوفرهم جوداً وعطاءً للمحرومين.

و - إنّ الخاصة والعامة قد أجمعت على الإقرار له بالفضل ولم يظفر بذلك أحد غيره.

ز - إنّه من أشد الناس في ذات الله، فإنّه لا يخشى في جنب الله لومة لائم.

ح - إنّ بيعة المأمون للإمام بولاية العهد كانت موافقة لرضى الله تبارك وتعالى.

ج - جاء في الوثيقة التي عهد بها بولاية العهد للإمامعليه‌السلام ما نصّه:

( فكانت خيرته بعد استخارته لله، وإجهاد نفسه في قضاء حقّه في عباده وبلاده في البيتين - أي البيت العبّاسي والأُسرة العلوية زادها الله شرفاً - جميعاً علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لمّا رأى من فضله البارع، وعلمه الناصع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخلّيه من الدنيا، وتسلمه من الناس، وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطية، والألسن عليه متّفقة، والكلمة فيه جامعة، ولمّا لم يزل يعرفه به من الفضل يافعاً وناشئاً وحدثاً

____________________

(1) أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 133.

(2) البحار 12 / 63.

٥٥

ومكتملا فعقد له بالعهد والخلافة من بعده )(1) .

وأشادت هذه الكلمات بالصفات الكريمة التي تميز بها الإمام الرضاعليه‌السلام على الأسرة العلوية والأسرة العباسية وهي:

1 - الفضل البارع، والعلم الناصع.

2 - الورع عن محارم الله تعالى.

3 - عدم إساءته إلى أي إنسان، فقد كان مصدر خير ورحمة للناس.

4 - الزهد في الدنيا.

5 - اجتماع كلمة المسلمين عليه. وقد عرف المأمون هذه الصفات الرفيعة الماثلة في الإمام، وهي التي حفّزته لترشيح الإمام لولاية العهد حسبما يقول.

3 - إبراهيم بن العباس:

الصولي، الكاتب المبدع والشاعر المشهور، قال: ( ما رأيت ولا سمعت بأحدٍ أفضل من أبي الحسن الرضا... ومَن زعم أنّه رأى مثله في فضله فلا تصدّقه... )(2) .

إنّ الإمام نسخة من الفضائل والمواهب لا ثاني لها في عصره، فهو من دعائم الفكر والفضل في دنيا الإسلام.

4 - أبو الصلت الهروي:

قال أبو الصلت عبد السلام الهروي، وهو من أعلام عصره قال:

( ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا، ولا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجلس له عددا من علماء الأديان، وفقهاء الشريعة والمتكلّمين فغلبهم عن آخرهم، حتى ما بقي منهم أحد إلا أمر له بالفضل وأقر على نفسه بالقصور... )(3) .

وحكت هذه الكلمات الطاقات العلمية الهائلة التي يملكها الإمامعليه‌السلام ، فهو أعلم أهل زمانه، وأفضلهم، ويدلّل على ذلك المناظرات التي

____________________

(1) كشف الغمّة 3 / 125، البحار 12 / 44.

(2) كشف الغمّة.

(3) أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 99 - 100.

٥٦

عقدها المأمون في بلاطه لامتحان الإمام، وقد جمع جميع علماء الأقطار والأمصار فامتحنوا الإمام بأعقد المسائل، فأجاب عنها جواب العالم المتخصّص، فبهر العلماء واعترفوا بعجزهم، وأقرّوا بالفضل له.

5 - الرجاء بن أبي الضحاك:

أمّا الرجاء بن أبي الضحاك فهو من القادة العسكريين، وقد أعجب بالإمام، يقول:

( والله ما رأيت رجلا كان أتقى لله منه، ولا أكثر ذكرا له منه في جميع أوقاته، ولا أشدّ خوفاً لله عزّ وجل منه... )(1).

وتناولت هذه الكلمات الجانب الروحي من شخصية الإمام فقد كان من اتقى الناس، وأكثرهم ذكراً لله وأشدّهم خوفاً منه.

6 - الشيخ المفيد:

قال زعيم الشيعة محمد بن محمد النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد:

( كان الإمام القائم بعد أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ابنه أبا الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام لفضله على جماعة إخوته، وأهل بيته، وظهور علمه وحلمه وورعه، واجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه، ومعرفتهم به منه )(2).

وألمح الشيخ المفيد إلى بعض خصال الإمام الرضاعليه‌السلام التي امتاز بها على بقيّة أخوانه وأهل بيته، وهي:

1 - العلم.

2 - الحلم.

3 - الورع.

وهذه الصفات الكريمة بعض خصائصه، ومكوناته.

7 - الواقدي:

قال الواقدي: ( سمع علي الحديث من أبيه وعمومته، وغيرهم، وكان ثقة يفتي

____________________

(1) بحار الأنوار.

(2) الإرشاد (ص 341).

٥٧

بمسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ابن نيّف وعشرين سنة، وهو من الطبقة الثامنة من التابعين من أهل البيت )(1) .

وعرض الواقدي إلى صفتين من صفات الإمامعليه‌السلام وهما:

1 - الوثاقة.

2 - فتواه بالجامع النبوي وهو ابن نيّف وعشرين سنة.

8 - جمال الدين:

قال جمال الدين أحمد بن علي النسّابة، المعروف بابن عنبة، الإمام الرضا ( يكنّى أبا الحسن ولم يكن في الطالبيين في عصره مثله، بايع له المأمون بولاية العهد، وضرب اسمه على الدراهم والدنانير، وخطب له على المنابر )(2) .

وعرض السيد جمال الدين إلى أنّه مثل الإمام في عصره؛ وذلك لما يتمتّع به من المواهب والعبقريات التي جعلته نادرة زمانه.

9 - يوسف بن تغري بردي:

قال جمال الدين، أبو المحاسن يوسف بن تغري:

( الإمام أبو الحسن الهاشمي العلوي، الحسيني، كان إماماً عالماً... وكان سيّد بني هاشم في زمانه، وأجلّهم، وكان المأمون يعظّمه ويبجّله ويخضع له، ويتغالى فيه، حتى جعله ولي عهده... )(3) . وألقت هذه الكلمات الأضواء على بعض معالم شخصية الإمامعليه‌السلام ، وهي: أنّه كان عالماً، وأنّه سيّد بني هاشم وأجلّهم، ونظراً لعظم شخصيته فقد جعله المأمون ولي عهده.

10 - ابن ماجة:

قال ابن ماجة: ( كان - أي الإمام الرضا - سيّد بني هاشم، وكان المأمون يعظمه، ويبجّله، وعهد له بالخلافة، وأخذ له العهد... )(4) .

ونظر ابن ماجة إلى شأن من شؤون الإمامعليه‌السلام وهو أنّه سيّد بني

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 361).

(2) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب (ص 198).

(3) النجوم الزاهرة 2 / 74.

(4) أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 85 خلاصة تهذيب الكمال (ص 278).

٥٨

هاشم، ومن الطبيعي أنّه بذلك سيّد البشر في عصره؛ لأنّ بني هاشم سادة الناس في آدابهم وسمو أخلاقهم، وحسن تربيتهم.

11 - ابن حجر:

قال ابن حجر: ( كان الرضا من أهل العلم والفضل مع شرف النسب... )(1) .

12 - اليافعي:

قال اليافعي: ( الإمام الجليل المعظّم، سلالة السادة الأكارم: علي بن موسى الكاظم، أحد الأئمّة الاثني عشر، أولي المناقب الذين انتسبت الإمامية إليهم، وقصروا بناء مذهبهم عليهم... )(2) .

إنّ الإمام الرضاعليه‌السلام أحد الكواكب المشرقة في دنيا الإسلام فهو من أئمّة أهل البيتعليه‌السلام الذين أضاؤوا الحياة الفكرية ووطّدوا دعائم الحق والعدل في الأرض، وإليهم - بشرف واعتزاز - تُنسب الشيعة كما دانت بولائهم والأخذ بما أُثر عنهم في الأحكام الشرعية، وإنّما دانت الشيعة بذلك لا عن تعصّب أو تقليد أعمى، وإنّما فرضت عليهم ذلك الحجج القاطعة والأدلة الحاسمة التي يجب على المسلم الأخذ بها، فقد فرض القرآن الكريم مودّتهم، وطهّرهم من الرجس والزيغ كما جعلهم النبي سفن النجاة وأمن العباد، وقرنهم بمحكم التنزيل، ولو ساعدت الأدلة الشرعية على الأخذ بغير مذهبهم لأخذت بذلك الشيعة ودانت به.

13 - عامر الطائي:

وعلّق عامر الطائي على كتاب: صحيفة أهل البيتعليهم‌السلام الذي من مؤلّفات الإمام الرضاعليه‌السلام بقوله:

( حدثنا علي بن موسى الرضا إمام المتقين، وقدوة أسباط سيد المرسلين... )(3) .

لقد كان الإمام الرضاعليه‌السلام سيد المتقين وإمام العابدين، وقد ذكرنا في البحوث السابقة أنماطاً من عبادته وتقواه تدلّل على ما ذكره الطائي.

____________________

(1) تهذيب التهذيب 7 / 389.

(2) مرآة الجنان 2 / 11.

(3) أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 188.

٥٩

14 - بعض الأئمّة:

وأدلى بعض الأئمّة بحديث عن الإمام الرضاعليه‌السلام جاء فيه:

( مناقب علي بن موسى الرضاعليه‌السلام من أجل المناقب، وإمداد فضائله، وفواضله متوالية كتوالي الكتائب، وموالاته محمودة البوادر والعواقب، وعجائب أوصافه من غرايب العجائب وسؤدده ونبله قد حلا من الشرف في الذروة والمغارب.

أمّا شرف آبائه فأشهر من المصباح المنير، وأضوأ من عارض الشمس المستدير، وأمّا أخلاقه وسماته وصفاته، ودلائله وعلاماته فناهيك من فخار وحسبك من علوّ مقدار، جاز على طريقة ورثها عن الآباء، وورثها عنه البنون فهم جميعاً في كرم الأرومة، وطيب الجرثومة، كأسنان المشط متعادلون، فشرفاً لهذا البيت، العالي الرتبة، السامي المحلّة، لقد طال السماء علي نبلاً، وسما على الفراقد منزلة ومحلاً، واستوفى صفات الكمال فما يستثنى في شيء منه... )(1) .

وهذا الكلام مرتّب، قد غلب فيه السجع، وهو يدل على ولاء قائله لائمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، منحه الله شفاعتهم.

15 - هاشم معروف:

قال العلاّمة المغفور له السيد هاشم معروف الحسني:

( وامتاز الإمام الرضاعليه‌السلام بخلق رائع ساعده على أن يجتذب بحبّه العامة والخاصة، واستمده من روح الرسالة التي كان من حفظتها، والأُمناء عليها، والوارثين لها... )(2) .

وحكى هذا الكلام ظاهرة من ظواهر الإمامعليه‌السلام وهي سمو الأخلاق، فقد كانت أخلاقه الرفيعة امتداداً ذاتياً لأخلاق جده الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي ساد على جميع النبيين.

16 - الذهبي:

قال الذهبي: ( هو الإمام أبو الحسن بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي

____________________

(1) الفصول المهمّة (ص 245).

(2) سيرة الأئمّة الاثني عشر 2 / 359.

٦٠