حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ١

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)0%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 363

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الصفحات: 363
المشاهدات: 149541
تحميل: 7800


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149541 / تحميل: 7800
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء 1

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

العلوي... وكان سيد بني هاشم في زمانه، وأحلمهم، وأنبلهم، وكان المأمون يعظمه، ويخضع له ويتغالى فيه، حتى أنّه جعله ولي عهده... )(1) .

والذهبي الذي عرف بالبغض والعداء لأهل البيتعليهم‌السلام لم يسعه إلاّ الاعتراف بالواقع والإقرار بفضل الإمام الرضاعليه‌السلام .

17 - محمود بن وهيب:

قال محمود بن وهيب البغدادي: ( وكراماته - أي الرضا - كثيرة رضي الله عنه، إذ هو فريد زمانه... )(2) . لقد كان الإمام الرضا فريد زمانه في علمه وتقواه وورعه وحلمه، وسخائه، ولا يشبهه أحد في فضائله ومواهبه.

18 - عارف تامر:

قال عارف تامر: ( يعتبر - أي الإمام الرضا - من الأئمّة الذين لعبوا دوراً كبيراً على مسرح الأحداث الإسلامية في عصره... )(3) . لقد استطاع الإمام في الفترة القصيرة التي تقلد فيها ولاية العهد أن يبرز القيم الأصيلة في السياسة الإسلامية، فقد أمر المأمون بإقامة العدل وتحقيق المساواة بين المسلمين، ونهاه عن التبذير بأموال الدولة إلى غير ذلك من الأمور التي سنذكرها في بحوث هذا الكتاب التي تدعم ما ذكره السيد عارف تامر من أنّ الإمام شأنه شأن آبائه الذين لعبوا دوراً كبيراً على مسرح الأحداث الإسلامية.

19 - محمد بن شاكر الكتبي:

قال محمد بن شاكر الكتبي: ( وهو - أي الإمام الرضاعليه‌السلام - أحد الأئمّة الاثني عشر، كان سيد بني هاشم في زمانه... ).

20 - عبد المتعال:

قال عبد المتعال الصعيدي: ( كان - أي الإمام الرضا - على جانب عظيم من العلم والورع، وقد قيل لأبي نواس: علام تركت مدح علي بن موسى والخصال التي تجمعن فيه؟ فقال: لا أستطيع مدح إمام كان جبريل خادماً لأبيه، والله ما تركت ذلك

____________________

(1) تاريخ الإسلام 8 / ورقة 34، وصور في مكتبة الإمام الحكيم تسلسل 323.

(2) جواهر الكلام (ص 143).

(3) عيون التواريخ 3 / ورقة 226 مصوّر في مكتبة السيد الحكيم.

٦١

- أي المدح - إلاّ إعظاماً له، وليس يقدر مثلي أن يقول في مثله )(1) .

لقد كان الإمام مجموعة من الفضائل التي لا تحد، فالعلم والورع من بعض صفاته التي تميز بها على غيره.

21 - يوسف النبهاني:

قال يوسف النبهاني: ( علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادقعليهم‌السلام أحد أكابر الأئمّة، ومصابيح الأمّة من أهل بيت النبوّة، ومعادن العلم والعرفان والكرم والفتوّة، كان عظيم القدر، مشهور الذكر، وله كرامات كثيرة، منها أنّه أخبر أنّه يأكل عنباً ورمّاناً فيموت فكان كذلك... )(2) .

إنّ الإمامعليه‌السلام فرع زاكٍ من الأسرة النبوية التي أعزّ الله بها العرب والمسلمين، وبالإضافة لنسبه الوضّاح فقد كان من دعائم الفضل، ومن أعمدة الشرف، وله الكرمات المشهورة كما يقول النبهاني.

22 - عبد القادر أحمد:

قال عبد القادر أحمد اليوسف: ( تأريخ الإمام حافل بجلائل الأعمال، فمن علم لا يدرك مداه، وعصمة متوارثة، وقدسية لا تضارعها قدسية في عصره ومن بعده، إلاّ مَن انحدر من صلبه من الأئمّة المعصومين، فهو علم هدى زمانه، ومثل أعلى في التقوى، والورع والحلم، والأخلاق، وما عساني أن أذكر في حياة وصي من أوصياء الله، وما عسى قلمي أن يكتب في تعريفه، أو لم يكن ذكر اسمه هو التعريف الكامل، فذكره قبس من نور الله يهدي المستجير به نحو السبيل الأقوم المؤدّي للصالح العام.

إنّ حياة الإمام مكرّسة لإعلاء شأن المسلمين، فما من عمل صدر منه إلاّ كان منطلقاً من عقيدة الإيمان، مستهدفاً صلاح الناس، ومنتهياً لما فيه رضى ربّ العالمين )(3) .

لقد حفل تاريخ الإمام بجميع الفضائل التي يعتز بها الإنسان، والتي كان من

____________________

(1) المجدّدون في الإسلام (ص 87).

(2) جامع كرامات الأولياء 2 / 156.

(3) الإمام علي الرضا ولي عهد المأمون (ص 1).

٦٢

أبرزها العلم، والتقوى، والورع والحلم وسمو الأخلاق والآداب كما يقول عبد القادر، فالإمام هو المثل الأعلى لجميع القيم الإنسانية، ولا يضارعه في صفاته وخصائصه إلاّ السادة من آبائه وأبنائه.

23 - يوسف بن أوغلى:

قال يوسف بن أوغلى سبط ابن الجوزي: ( كان علي بن موسى - كما سمي - رضاً جواداً عدلاً، عابداً، معرضاً عن الدنيا، ولولا خوفه من المأمون لما أجاب إلى ولاية العهد )(1) .

وتوفّرت في شخصية الإمام أبي محمد الرضاعليه‌السلام جميع الصفات الكريمة من الجود والعدالة، والعبادة والإعراض عن الدنيا ممّا جعلته في قمّة الشرف والمجد في دنيا الإسلام.

24 - الزركلي:

قال خير الدين الزركلي: ( علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق أبو الحسن، الملقب بالرضي، ثامن الأئمّة الاثني عشر عند الإمامية ومن أجلاّء السادة عند أهل البيت وفضلائهم... )(2) .

25 - محمد جواد فضل الله:

قال العلاّمة محمد جواد فضل الله: ( الإمام الرضا قاعدة من قواعد الفكر الإسلامي، وأحد منطلقاتها الغنية بالمعرفة، انتهت إليه بعد أبيه الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام أسرار الرسالة، ومفاتيح كنوزها، فكان منهله منها، وعطاؤه من فيضها.

وهو أحد الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت الذين أغنوا الفكر الإسلامي بشتّى صنوف المعرفة ممّا أملوه على تلامذتهم أو أجابوا به مَن سألهم، أو ما نقله لنا التاريخ من محاوراتهم العلمية والعقائدية مع أصحاب المذاهب الأخرى... )(3) .

الإمام الرضا كنز من كنوز الإسلام، وثمرة مشرقة من ثمرات الرسول الأعظم

____________________

(1) مرآة الزمان 6 / ورقة 41 من مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين، تسلسل 2864.

(2) الأعلام 5 / 178.

(3) حياة الإمام الرضا.

٦٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيض من فيوضاته التي استوعبت جميع لغات الأرض، قد أغنى الله به الفكر وأوضح به القصد، وجعله علماً في بلاده يهدي الحائر، ويسترد به الضال.

26 - أحمد الخزرجي:

قال أحمد الخزرجي: ( علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الهاشمي، أبو الحسن الرضا، روى عن أبيه وعنه عبد السلام بن صالح وجماعة عدة نسخ، وكان سيد بني هاشم، وكان المأمون يعظّمه، ويبجّله، وعهد له بالخلافة وأخذ له العهد، مات مسموماً بطوس )(1) .

وحكى الخزرجي في هذا الكلام أنّ جماعة من تلاميذ الإمامعليه‌السلام رووا عنه عدة نسخ، ومن المؤكّد أنّها تتعلّق بأحكام الشريعة وآداب الإسلام، وسننه، كما حكى أنّه مات مسموماً، وهو ما نذهب إليه أنّ المأمون سقاه السم ليتخلّص منه، بعدما رأى إجماع المسلمين على تعظيمه وتبجيله، وسوف نعرض لهذا في البحوث الآتية.

27 - بعض أحبّته:

قال بعض أحبّته والمعجبين به: ( علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادقعليهم‌السلام فاق أهل البيت شأنه، وارتفع فيهم مكانه، وظهر برهانه حتى أحلّه الخليفة المأمون محلّ مهجته، وأشركه في خلافته، وفوّض إليه أمر مملكته، وعقد على رؤوس الأشهاد عقد نكاح ابنته، فكانت مناقبه عليه، وصفاته سنية، ونفسه الشريفة هاشمية، وأرومته الكريمة نبوية، كراماته أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر... )(2) .

28 - الشبراوي:

قال الشبراوي: كان (رضي الله عنه) كريماً جليلاً، مهاباً موقراً وكان أبوه موسى الكاظمعليه‌السلام يحبّه حبّاً شديداً، ووهب له ضيعة البسرية التي اشتراها بثلاثين؟ ألف دينار(3).

____________________

(1) خلاصة تهذيب الكمال (ص 678).

(2) الإتحاف بحب الأشراف (ص 88).

(3) الإتحاف بحب الأشراف (ص 88).

٦٤

كان الإمام موسىعليه‌السلام يخلص لولده الإمام كأعظم ما يكون الإخلاص، فقدمه على بقية أبنائه، وجعله القائم من بعده، وأوصى له بهذه القطعة من الأرض - كما يقول الشبراوي - ولم يكن الإمام مدفوعاً بدافع الحب المنبعث عن العواطف والأهواء وإنّما كان من أجل أنّ ولده قاعدة من قواعد الإسلام، وأنّه أحد أوصياء الرسول الأعظم الذين نصّ عليهم حسبما تواترت الأخبار بذلك.

29 - أبو النواس:

وكان ممّن مدح الإمامعليه‌السلام أبو نواس الشاعر المشهور، وقد قال الشعر فيه مرّتين وأجاد فيهما، وهما:

1 - إنّ الشعراء المعاصرين للإمام قالوا فيه الشعر ومدحوه سوى أبي نواس فعُوتب على ذلك(1) فقال هذه الأبيات الرائعة:

قيل لي أنت أوحد الناس طرّاً

في فنون من المقال النبيه

لك من جوهر الكلام نظام

يثمر الدر في يدي مجتنيه

فلماذا تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمّعن فيه

قلت: لا أهتدي لمدح إمامٍ

كان جبريل خادماً لأبيه

وهذه الأبيات الشائعة الذكر قد حفظها الناس جيلاً بعد جيل، واعتبروها من روائع الشعر العربي؛ لأنّها عبّرت عن أحاسيسهم تجاه أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وما يحملون لهم من إكبار وتعظيم، ومن الطريف أنّ الذهبي الذي عرف بالحقد على أهل البيت قد علق على البيت الأخير من هذه الأبيات بقوله: ( قلت: هذا لا يجوز إطلاقه من أنّ جبريل خادم لأبيه والنص معدوم فيه... وقد كذبت الرافضة على علي الرضا... )(2) .

إنّ لأهل البيتعليهم‌السلام منزلة كريمة عند الله تعالى، فقد ناهضوا الضالين من حكّام أمية وبني العباس، وجاهدوا في الله كأعظم ما يكون الجهاد حتى

____________________

(1) ذكر ابن طولون في كتابه ( الأئمّة الاثنى عشر ) ص 98 - 99 إنّ أبا نواس عُوتب على ترك مدح الإمام، فقال له بعض أصحابه: ما رأيت أوقح منك، ما تركت خمراً ولا طوداً ولا مغنّي إلاّ قلت فيه شيئاً، وهذا علي بن موسى الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئاً، فقال: والله ما تركت ذلك إلاّ إعظاماً له، وليس يقدر مثلي أن يقول في مثله، ثم أنشد بعد ساعة هذه الأبيات.

(2) تأريخ الإسلام 8 / ورقة 35.

٦٥

تقطّعت أوصالهم وسبيت نساؤهم، وعانوا من الاضطهاد والتنكيل ما لا يوصف، لمرارته وقسوته كل ذلك في سبيل إعلاء كلمة دين الله ونشر العدل بين الناس، ولكن الذهبي وأمثاله من المنحرفين عن الحق لا يعقلون ذلك.

2 - خرج الإمام الرضاعليه‌السلام يوماً على بغلة فارهة، فدنا منه أبو نواس، وسلّم عليه وقال له: ( يا بن رسول الله قلت: فيك أبياتاً أحبّ أن تسمعها منّي؟ ). وبادر الإمام قائلاً:

( قل: )

فانبرى أبو نواس قائلاً:

مطهّرون نقيّات ثيابهم

تجري الصلاة عليهم كلّما ذكروا

مَن لم يكن علويّاً حين ننسبه

فما له في قديم الدهر مفتخرُ

أُولئك القوم أهل البيت عندهم

علم الكتاب وما جاءت به السورُ(1)

وهذه الأبيات من أصدق الشعر وأروعها قد اقتبس الشطر الأوّل من القرآن الكريم، قال تعالى:

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)

لقد طهّرهم الله من الزيغ، وأذهب عنهم الرجس، وجعلهم قدوة لعباده يهتدي بهم الحائر.

وأعجب الإمام بهذه الأبيات فقال لأبي نواس: ( قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد... )، ثم التفت إلى غلامه فقال له: ما معك من فاضل نفقتنا؟

فقال: ثلاث مائة دينار، قال: ارفعها له، ثمّ لمّا ذهب إلى بيته، قال لغلامه: لعلّه استقلها، سق إليه البغلة(2) (3)

30 - دعبل الخزاعي:

وأكثر دعبل في مدح الإمام الرضاعليه‌السلام ، وفي رثائه، وممّا قاله فيه:

____________________

(1) خلاصة الذهب المسبوك (ص 200).

(2) الإتحاف بحب الأشراف (ص 60)، نزهة المجلس 2 / 105.

(3) كشف الغمّة 3 / 107.

٦٦

لقد رحل ابن موسى بالمعالي

وسار بيسره العلم الشريفُ

وتابعه الهدى والدين طرّاً

كما يتتبّع الإلف الأليفُ(1)

ومعنى هذا الشعر أنّ الإمام الرضاعليه‌السلام قد حوى جميع صنوف الشرف والمعالي، كما تابعه العلم والهدى والدين، وقد تميّز بهذه الصفات الكريمة التي كانت من ذاتيّاته.

31 - الصاحب بن عباد:

أمّا الصاحب بن عبّاد الوزير، فقد هام بحب الإمام الرضاعليه‌السلام وقد أهدى تحياته العطرة إلى الإمام بهذه الأبيات.

يا سايراً زائراً إلى طوس

مشهد طهر وأرض تقديس

أبلغ سلامي الرضا وحط على

أكرم رمسٍ لخير مرموس

والله والله حلفة صدرت

من مخلص في الولاء مغموس

إنّي لو كنت مالكاً أربي

كان بطوس الغناء تعريسي

لمشهد بالزكاء ملتحف

وبالسنا والثناء مأنوس

إلى أن يقول:

يا بن النبي الذي به قمع الله

ظهور الجبابر الشوس(2)

وابن الوصي الذي تقدّم في

الفضل على البزل القناعيس(3)

وحائز الفخر غير منتقص

ولابس المجد غير تلبيس(4)

ويقول في مقطوعة أخرى:

يا زائراً قد نهضا

مبتدراً قد ركضا

ومَن قد مضى كأنّه

البرق إذا ما أومضا

أبلغ سلامي زاكياً

بطوس مولاي الرضا

سبط النبي المصطفى

وابن الوصي المرتضى

____________________

(1) ديوان دعبل (ص 108).

(2) الشوس: جمع أشوس، وهو الرافع رأسه تكبّراً.

(3) البزل جمع بازل وهو البعير الذي انشق وهو في التاسعة، والقناعيس جمع قنعاس وهو الإبل العظيم ويوصف به الرجل الشديد.

(4) عيون أخبار الرضا 1 / 4.

٦٧

مَن حاز عزّاً أقعساً(1)

وشاد مجداً أبيضا

وقل له: من مخلصٍ

يرى الولا مفترضا(2)

32 - ابن الحجّاج:

وأثر ابن الحجّاج الشعر الكثير في مدح الإمام الرضاعليه‌السلام كان منه هذان البيتان:

يا ابن من تؤثر المكارم عنه

ومعالي الآداب تمتار منه

من سمى الرضا علي بن موسى

رضي الله عن أبيه وعنه (3)

33 - عبد الله بن المبارك: قال عبد الله بن المبارك في مدح الإمام هذا البيت:

هذا علي والهدى يقوده

من خير فتيان قريشٍ عوده (4)

34 - الصولي:

قال الصولي في مدح الإمام:

إلا إنّ خير الناس نفساً ووالدا

ورهطاً وأجداداً علي المعظم

أتتنا به للحلم والعلم ثامناً

إماماً يؤدّي حجّة الله تكتم (5)

35 - ابن حماد: قال الشاعر ابن حماد في مدح الإمام الرضاعليه‌السلام :

ساقها شوقي إلى طوس

ومن تحويه طوس

مشهد فيه الرضا

العالم والحبر النفيس

ذاك بحر العلم

والحكمة إن قاس مقيس

ذاك نور الله لا يطفى

له قط طميس (6)

36 - الإربلي: قال علي بن عيسى الإربلي في قصيدة يمدح بها الإمام ويتشوّق لزيارة مرقده:

____________________

(1) الأقعس: الشيء الثابت.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 6.

(3) المناقب 4 / 343.

(4) المناقب 4 / 362.

(5) عيون أخبار الرضا 1 / 15.

(6) المناقب 4 / 350.

٦٨

أيّها الراكب المجد قف العيس

إذا ما حللت في أرض طوسا

لا تخف من كلالها ودع التأديب

دون الوقوف والتعريسا

وألثم الأرض إن رأيت ثرى

مشهد خير الورى علي بن موسى

وأبلغنه تحية وسلاماً

كشذى المسك من علي بن عيسى

قل سلام الإله في كل وقتٍ

يتلقّى ذاك المحلّ النفيسا

منزل لم يزل به ذاكر لله

يتلوا التسبيح والتقديسا

دار عزٍّ ما انفك قاصدها

يزجى إليها آماله والعيسا

بيت مجدٍ ما زال وقفاً عليه

الحمد والمدح والثناء حبيسا

ما عسى أن يقال في مدح قومٍ

أسس الله مجدهم تأسيسا

ما عسى أن أقول في مدح قومٍ

قدّس الله ذكرهم تقديسا

هم هداة الورى وهم أكرم

الناس أُصولاً شريفة ونفوسا

إن عرت أزمة تندوا غيوثاً

أو دجت شبهة تبدّوا شموسا

شرفوا الخيل والمنابر لمّا

افترعوها والناقة العنتريسا(1)

معشر حبّهم يجلي هموماً

ومزاياهم تجلي طروسا

كرموا مولداً وطابوا أصولاً

وزكوا محتداً وطالوا غروسا

ليس يشقى بهم جليس ومَن كان

ابن شوري إذا أرادوا جليسا

قمت في نصرهم بمدحي لمّا

فاتني أن أجرّ فيه خميسا

ملأوا بالولاء قلبي رجاءً

وبمدحي لهم ملأت الطروسا

فتراني لهم مطيعاً حنيناً

وعلى غيرهم أبيّاً شموسا

يا علي الرضا أبثّك ودّاً

غادر القلب بالغرام وطيسا

مذهبي فيك مذهبي وبقلبي

لك حب أبقى جوىً ورسيسا

لا أرى داءه بغيرك يشفى

لا ولا جرحه بغيرك يوسى

أتمنّى لو زرت مشهدك

العالي وقبّلت ربعك المأنوسا

وإذا عزّ أن أزورك يقظان

فزرني في النوم واشف السيسا

____________________

(1) العنتريس: الناقة الغليظة الوثيقة.

٦٩

في ظلال أبيه

عاش الإمام الرضاعليه‌السلام تسعاً وعشرين سنة وأشهراً في كنف أبيه الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، وقد شاهد ضروباً قاسية من المحن والخطوب التي حلّت بأبيه الذي كان مثار قلق وخوف للحكم العبّاسي؛ لأنّه كان محط أنظار المسلمين، وموضع آمالهم في إنقاذهم من الطغمة العبّاسية الحاكمة التي تمادت في ظلم الناس وإرغامهم على ما يكرهون.

وبالإضافة إلى ذلك فقد دان شطر كبير من المسلمين بإمامة الإمام الكاظم، وأنّه الخليفة الشرعي للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأحق بمركزه ومقامه من هارون وغيره من ملوك بني العباس الذين عاصرهم الإمامعليه‌السلام ، وقد اقضّ ذلك مضاجع العبّاسيين وورمت أنوفهم، فاتخذوا جميع الوسائل لاضطهاد الإمام والتنكيل به.

وعلى أيّ حال فإنّا نعرض - بصورة مجملة - إلى شخصية الإمامعليه‌السلام ، وما يتصل بذلك من بعض الشؤون التي ترتبط بحياة الإمام الرضاعليه‌السلام .

أمّا معالم شخصية الإمام الكاظمعليه‌السلام فهي ملء فم الدنيا شرفاً وفضلاً، فقد توفّرت في شخصيته الكريمة جميع عناصر الفضيلة ومقوّمات الحكمة والآداب، والتي منها:

1 - مواهبه العلمية:

والشيء الذي لا شك فيه أنّ الإمام موسىعليه‌السلام كان أعلم أهل عصره، وأدراهم بجميع العلوم، أمّا علم الفقه والحديث فكان من أساطينه، وقد احتف به العلماء والرواة وهم يسجّلون ما يفتي به، وما يقوله من روائع الحكم

٧٠

والآداب، وقد شهد الإمام الصادقعليه‌السلام عملاق هذه الأمّة ورائد نهضتها الفكرية، بوفرة علم ولده، فقد قال لعيسى: ( إنّ ابني هذا - وأشار إلى الإمام موسى - لو سألته عمّا بين دفّتي المصحف لأجابك فيه بعلم... )(1) .

وقال في فضله: ( وعنده علم الحكمة والفهم والسخاء، والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم... ).

وقد روى العلماء عنه جميع أنواع العلوم ممّا ملأوا به الكتب، وقد عرف بين الرواة بالعالم، وقال الشيخ المفيد: ( وقد روى الناس عن أبي الحسن فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه )(2) .

لقد قام الإمام موسىعليه‌السلام بتطوير الحياة العلمية، ونموّها، وكان من ألمع أئمّة المسلمين في نشره للثقافة الإسلامية.

2 - عبادته وتقواه:

وأجمع الرواة على أنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام كان من أعظم الناس طاعة لله، ومن أكثرهم عبادة له، وكانت له ثفنات كثفنات البعير من كثرة السجود لله، كما كانت لجدّه الإمام زين العابدينعليه‌السلام حتى لُقّب بذي الثفنات، وكان من مظاهر عبادته أنّه إذا وقف مصلّياً بين يدي الخالق العظيم أرسل ما في عينيه من دموع وخفق قلبه، وكذلك إذا ناجى ربّه أو دعاه(3) ، ويقول الرواة: إنّه كان يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح، ثم يعقّب حتى تطلع الشمس، ويخر لله ساجداً، فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد لله حتى يقرب زوال الشمس(4) .

وكان من مظاهر طاعته أنّه دخل مسجد جدّه رسول الله (ص) في أوّل الليل فسجد سجدة واحدة، وهو يقول بنبرات تقطر خوفاً من الله:

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 138.

(2) الإرشاد (ص 272).

(3) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 139.

(4) كشف الغمّة.

٧١

( عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوى، ويا أهل المغفرة... ).

وجعل يردد هذا الدعاء بإنابة وإخلاص وبكاء حتى أصبح الصبح(1).

وحينما أودعه الطاغية الظالم هارون الرشيد العبّاسي في ظلمات السجون؛ تفرّغ للعبادة، وشكر الله على ذلك قائلا: ( اللّهمّ إنّي طالما كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، وقد استجبت لي فلك الحمد على ذلك )(2) .

وكان الطاغية هارون يشرف من أعلى قصره على السجن فيبصر ثوباً مطروحاً في مكان خاص لم يتغيّر عن موضعه، وعجب من ذلك، وراح يقول للربيع:

( ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟ ) فأجابه الربيع قائلاً: ( يا أمير المؤمنين، ما ذاك بثوب، وإنّما هو موسى بن جعفر، له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال... )

وبهر الطاغية، وقال: ( أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم... ).

وسارع الربيع طالباً منه أن يطلق سراح الإمام ولا يضيق عليه في سجنه قائلاً: ( يا أمير المؤمنين، مالك قد ضيّقت عليه في الحبس؟ )

وسارع هارون قائلاً: ( هيهات: لا بد من ذلك... )(3) .

وقد عرضنا بصورة شاملة إلى عبادته، وطاعته لله، وما صدر عنه من صنوف العبادة التي تدل على أنّه كان إمام المتقين وسيد العابدين والموحّدين في عصره.

3 - زهده:

وزهد الإمام الكاظمعليه‌السلام في الدنيا، وأعرض عن مباهجها، وزينتها

____________________

(1) وفيات الأعيان 4 / 293 كنز اللغة (ص 766).

(2) وفيات الأعيان 4 / 293.

(3) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 142.

٧٢

وآثر طاعة الله تعالى على كل شيء، وكان بيته خالياً من جميع أمتعة الحياة، وقد تحدث عنه إبراهيم بن عبد الحميد فقال: دخلت عليه في بيته الذي كان يصلّي فيه، فإذا ليس فيه شيء سوى خصفة، وسيف معلّق، ومصحف(1) .

وكان كثيراً ما يتلو على أصحابه سيرة الصحابي الثائر العظيم أبي ذر الغفاري الذي طلّق الدنيا، ولم يحفل بأي شيء من زينتها قائلاً: ( رحم الله أبا ذر، فلقد كان يقول: جزى الله الدنيا عنّي مذمّة بعد رغيفين من الشعير: أتغذى بأحدهما، وأتعشى بالآخر، وبعد شملتي الصوف ائتزر بأحدهما وأتردى بالأخرى )(2) .

لقد وضع الإمام موسىعليه‌السلام نصب عينيه سيرة العظماء الخالدين من صحابة جدّه سيد المرسلين يشيد بسيرتهم، ويتلو مآثرهم على أصحابه وتلاميذه لتكون لهم قدوة حسنة في حياتهم.

4 - حلمه:

أمّا الحلم فهو من أبرز صفات سيدنا الكاظمعليه‌السلام ، فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ، ويقول الرواة: إنّه كان يعفو عمّن أساء إليه، ويصفح عمّن اعتدى عليه، وذكر الرواة بوادر كثيرة من حلمه كان منها:

1 - أنّ شخصاً من أحفاد عمر بن الخطاب كان يسئ للإمام موسى ويسب جدّه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم عن ذلك، ورأى أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه، فقيل له: إنّ له ضيعة في بعض نواحي يثرب وهو يزرع فيها فركب الإمام بغلته، ومضى متنكراً إليه، فأقبل نحوه فصاح به العمري لا تطأ زرعنا فلم يحفل به الإمام إذ لم يجد طريقاً يسلكه غير ذلك، ولمّا انتهى إليه قابله الإمام ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً له:

( كم غرمت في زرعك هذا!... )

( مائة دينار... ).

( كم ترجو أن تصيب منه؟ )

( أنا لا أعلم الغيب... ).

____________________

(1) البحار 11 / 265.

(2) أصول الكافي 2 / 134.

٧٣

( إنّما قلت: لك كم ترجو أن يجيئك منه! )

( أرجو أن يجيئني منه مائتا دينار ).

فأعطاه سليل النبوّة ثلاث مائة دينار، وقال: هذه لك وزرعك على حاله، فانقلب العمري رأساً على عقب وخجل على ما فرط في حق الإمام، وانصرف الإمام عنه وقصد الجامع النبوي، فوجد العمري قد سبقه فلمّا رأى الإمام قام إليه، وهو يهتف بين الناس:

( الله أعلم حيث يجعل رسالته فيمَن يشاء... ).

وبادر أصحابه منكرين عليه هذا التغيير فأخذ يخاصمهم ويذكر مناقب الإمام ومآثره، والتفت الإمام إلى أصحابه قائلاً: ( أيّما كان خيراً؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار )(1)

لقد عامل الإمام مبغضيه ومناوئيه بالإحسان واللطف فاقتلع من نفوسهم النزعات الشريرة، وغسل أدمغتهم التي كانت مترعة بالجهل والنقص، وقد وضع أمامه قوله تعالى:( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) .

2 - ومن آيات حلمه أنّه اجتاز على جماعة من أعدائه كان فيهم ابن هياج فأمر بعض أتباعه أن يتعلّق بلجام بغلة الإمام ويدّعي أنّها له، ففعل ذلك، وعرف الإمام غايته فنزل عن البغلة وأعطاها له(2).

وقد أعطى الإمام بذلك مثلاً أعلى للحلم وسعة النفس، وكانعليه‌السلام يوصي أبناءه بالتحلّي بهذه الصفة الكريمة فقد قال لهم:

( يا بنى أوصيكم بوصية مَن حفظها انتفع بها، إذا أتاكم آت، فأسمع أحدكم في الأُذن اليمنى مكروهاً، ثم تحوّل إلى اليسرى فاعتذر لكم، وقال: إنّي لم أقل شيئاً فاقبلوا عذره )(3).

وبهذه الوصية نقف على مدى حلمه وسعة أخلاقه، وعدم مقابلة المسيء بالمثل , وهذه الظاهرة من أهم الوسائل الداعية إلى التآلف وجمع الكلمة بين الناس

____________________

(1) تأريخ بغداد 13 / 28 - 29.

(2) البحار 11 / 277.

(3) الفصول المهمّة (ص 22).

٧٤

5 - جوده:

وكان الإمام موسىعليه‌السلام من أندى الناس كفّاً، ومن أكثرهم عطاءً للبائسين والمحرومين، ومن الجدير بالذكر أنّه كان يتطلّب الكتمان وعدم ذيوع ما يعطيه؛ مبتغياً بذلك الأجر عند الله تعالى، ويقول الرواة:

إنّه كان يخرج في غلس الليل البهيم فيوصل البؤساء والضعفاء وهم لا يعلمون من أي جهة تصلهم هذه المبرّة، وكانت صلاته لهم تتراوح ما بين المائتين دينار إلى الأربعمائة دينار(1) وكان أهله يقولون: ( عجباً لـمَن جاءته صرار موسى وهو يشتكي القلّة والفقر )(2) .

وقد حفلت كتب التأريخ ببوادر كثيرة من الحاجة والسؤال، ويجمع المترجمون له أنّه كان يرى أنّ أحسن صرف للمال هو ما يرد به جوع جائع، أو يكسو به عارياً، وقد ذكرنا بوادر وأمثلة كثيرة من جوده في كتابنا حياة الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام .

6 - إغاثته للملهوفين:

من أبرز ذاتيات الإمام موسىعليه‌السلام إغاثته للملهوفين وإنقاذهم ممّا ألمّ بهم من محن الأيام وخطوبها، وكانت هذه الظاهرة من أحبّ الأمور إليه، وقد أفتى شيعته بجواز الدخول في حكومة هارون بشرط الإحسان إلى الناس، وقد شاعت عنه هذه الفتوى ( كفّارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان ).

ويقول الرواة: إنّ شخصاً من أهالي الري كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري، وقد عجز عن تسديدها وخاف من الحكومة أن تصادر أمواله، وتنزل به العقوبة الصارمة، فسأل عن الحاكم فأخبروه أنّه من شيعة الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فسافر إلى يثرب فلمّا انتهى إليها تشرّف بمقابلة الإمام وشكا إليه حاله، وضيق مجاله، فاستجابعليه‌السلام بالوقت له، وكتب إلى حاكم الري رسالة جاء فيها بعد البسملة:

( اعلم أنّ لله تحت عرشه ظلاًّ لا يسكنه إلاّ مَن أسدى إلى أخيه معروفاً، أو نفّس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سروراً، وهذا أخوك والسلام... ).

____________________

(1) تأريخ بغداد 13 / 28.

(2) عمدة الطالب (ص 185).

٧٥

وأخذ الرسالة، وبعد أدائه لفريضة الحج اتجه صوب وطنه فلمّا انتهى إليه، مضى إلى الحاكم ليلاً فطرق باب بيته فخرج غلامه فقال له: ( مَن أنت؟ ).

( رسول الصابر موسى بن جعفر... ).

فهرع إلى مولاه فأخبره بذلك فخرج حافي القدمين مستقبلاً له فعانقه وقبّل ما بين عينيه، وطفق يسأله بلهفة عن حال الإمام وهو يجيبه، ثم ناوله رسالة الإمام، فأخذها بإكبار وقبّلها فلمّا قرأها استدعى بأمواله وثيابه فقاسمه في جميعها، وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة، وهو يقول له: ( يا أخي هل سررتك؟... ) وسارع الرجل قائلاً: ( أي والله وزدت على ذلك... ) ثم استدعى الحاكم السجل فشطب على جميع الديون التي على الرجل، وأعطاه براءة منها، فخرج وقد غمرته موجات من الفرح والسرور، ورأى أن يجازي إحسانه بإحسان فيمضي إلى بيت الله الحرام ويدعوا له، ويخبر الإمام بما أسداه عليه من المعروف، ولمّا أقبل موسم الحج سافر إلى بيت الله الحرام، ولمّا انتهى إليه دعا للرجل بإخلاص، وأخبره بما أسداه حاكم الري من الإحسان إليه فسرّ الإمام بذلك سروراً بالغاً، والتفت إليه الرجل قائلاً: ( يا مولاي هل سرّك ذلك؟ ).

( أي والله لقد سرّني، وسرّ أمير المؤمنين، والله لقد سرّ جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولقد سرّ الله تعالى )(1) .

وهذه المبادرة تمثّل مدى اهتمامه بإغاثة الملهوفين، وبها نطوي الحديث عن بعض خصائصه وصفاته.

الإمام مع هارون:

وعانى الإمام الكاظمعليه‌السلام ألواناً قاسية من المحن والخطوب في عهد الطاغية هارون الذي جهد على ظلمه والتنكيل به، فقد قضى زهرة حياته في ظلمات

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 161 - 162.

٧٦

سجونه، محجوباً عن أهله وشيعته، ونقدّم عرضاً سريعاً إلى ما لاقاه في عهد هارون.

إلقاء القبض على الإمام:

وثقل الإمام على هارون، وورم أنفه منه؛ وذلك لأنّه أعظم شخصية في العالم الإسلامي يكنّ له المسلمون المودّة والاحترام، في حين أنّه لم يحظ بذلك.

ويقول الرواة: إنّ من الأسباب التي أدّت هارون لسجنه للإمام أنّه لمّا زار قبر النبي (ص) وقد احتف به الأشراف والوجوه والوزراء، وكبار رجال الدولة، وأقبل على الضريح المقدّس، ووجّه له التحية قائلاً: ( السلام عليك يا بن العم... ).

ولقد أفتخر على مَن سواه برحمه الماسة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه إنّما نال الخلافة بهذا السبب، وكان الإمام موسىعليه‌السلام إلى جانبه فسلّم على النبي العظيم قائلاً:

( السلام عليك يا أبت... ). وفقد الرشيد صوابه، وورم أنفه وانتفخت أوداجه، فإنّ الإمامعليه‌السلام أقرب منه إلى النبي، وألصق به من غيره فاندفع الطاغية بنبرات تقطر غضباً قائلاً: ( لم قلت: إنّك أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منّا؟... ). فأدلى الإمام بالحجّة القاطعة التي لا يمكن إنكارها قائلاً:

( لو بُعث رسول الله حيّاً، وخطب منك كريمتك هل كنت تجيبه إلى ذلك؟ ).

وسارع هارون قائلا: ( سبحان الله!! وإنّي لأفتخر بذلك على العرب والعجم... ).

وانبرى الإمامعليه‌السلام يقيم عليه الدليل أنّه أقرب إلى النبي (ص) منه قائلاً:

( ولكنّه لا يخطب منّي، ولا أزوجه لأنّه والدنا لا والدكم فلذلك نحن أقرب إليه منكم ).

وأقام الإمام دليلاً آخر على قوله، فقال لهارون:

( هل يجوز لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدخل على حرمك وهن كاشفات؟ ).

٧٧

فقال هارون: لا. وقال الإمام: ( لكن له أن يدخل على حرمي، ويجوز له ذلك، فلذلك نحن أقرب إليه منكم ).(1) .

وثار الرشيد، ولم يجد مسلكاً ينفذ منه لتفنيد حجّة الإمامعليه‌السلام ، وانطوت نفسه على الشر فجاء إلى قبر النبي (ص) وقال له: ( بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله إنّي أعتذر إليك من أمر عزمت عليه إنّي أريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه لأنّي قد خشيت أن يلقي بين أمّتك حرباً يسفك فيها دماءهم... ). لقد حسب أنّ اعتذاره إلى النبي (ص) من ارتكاب الجريمة يجديه وينفي عنه المسؤولية في يوم يخسر فيه المبطلون.

وفي اليوم الثاني أصدر أوامره بإلقاء القبض على الإمام، فألقت الشرطة القبض عليه وهو قائم يصلّي عند رأس جدّه النبي (ص) فقطعوا عليه صلاته، ولم يمهلوه لإتمامها، فحمل من ذلك المكان الشريف، وقُيّد وهو يذرف أحر الدموع، ويبث شكواه إلى جدّه قائلاً: ( إليك أشكو يا رسول الله... ). وحُمل الإمام وهو يرسف في القيود، فمثل أمام الطاغية هارون فجفاه، وأغلظ له في القول(2) .

سجنه في البصرة:

وحُمل الإمام مقيّداً إلى البصرة، وقد وكل حسان السري بحراسته، والمحافظة عليه، وفي الطريق التقى به عبد الله بن مرحوم الأزدي، فدفع له الإمام كتباً، وأمره بإيصالها إلى ولي عهده الإمام الرضاعليه‌السلام ، وعرّفه بأنّه الإمام من بعده(3) .

وسارت القافلة تطوي البيداء حتى انتهت إلى البصرة وذلك قبل التروية بيوم(4) فسلّم حسان الإمام إلى عيسى بن جعفر فحبسه في بيت من بيوت المحبس

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 456 - 457.

(2) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 465.

(3) تنقيح المقال.

(4) منتخب التواريخ (ص 518).

٧٨

وأقفل عليه أبواب السجن، فكان لا يفتحها إلاّ في حالتين: إحداهما خروجه إلى الطهور والأخرى لإدخال الطعام إليه.

واقبل الإمام على العبادة والطاعة فكان يصوم في النهار ويقوم في الليل، ويقضي عامة وقته في الصلاة والسجود والدعاء وقراءة القرآن، واعتبر تفرّغه للعبادة من نعم الله تعالى عليه، فكما يقول: ( اللّهمّ إنّك تعلم أنّي كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللّهمّ وقد فعلت فلك الحمد )(1) .

الإيعاز لعيسى باغتياله:

وأوعز هارون إلى عيسى عامله على البصرة باغتيال الإمامعليه‌السلام وثقل الأمر على عيسى فاستشار خواصه بذلك فمنعوه وخوفوه من عاقبة الأمر، فاستجاب لهم، ورفع رسالة إلى هارون، جاء فيها: ( يا أمير المؤمنين كتب إلي في هذا الرجل، وقد اختبرته طول مقامه بمَن حبسته معه عيناً عليه، لينظروا حيلته وأمره وطويّته ممّن له المعرفة والدراية، ويجري من الإنسان مجرى الدم، فلم يكن منه سوء قط، ولم يذكر أمير المؤمنين إلاّ بخير، ولم يكن عنده تطلع إلى ولدية، ولا خروج، ولا شيء من أمر الدنيا، ولا دعا قط على أمير المؤمنين، ولا على أحد من الناس، ولا يدعو إلاّ بالمغفرة والرحمة له ولجميع المسلمين من ملازمته للصيام والصلاة والعبادة، فإن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من أمره، أو ينفذ مَن يتسلّمه منّي، وإلاّ سرحت سبيله، فإنّي منه في غاية الحرج )(2) .

ودلّت هذه الرسالة على خوف عيسى من الإقدام على اغتيال الإمام، وقد بقي في سجنه سنة كاملة(3) .

سجنه في بغداد:

واستجاب الرشيد لطلب عامله عيسى، فأمره بحمل الإمام إلى بغداد، فحمل إليها، تحفّ به الشرطة والحرس، ولمّا انتهى إليها أمر الرشيد بحبسه عند الفضل بن الربيع، فأخذ الفضل، وحبسه في بيته، ولم يحبسه في السجون العامة؛ وذلك لسمو

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 466.

(2) الفصول المهمّة.

(3) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 468.

٧٩

مكانة الإمام، وعظم شخصيته، فخاف من حدوث الفتنة واضطراب الرأي العام.

واقبل الإمامعليه‌السلام على العبادة والطاعة، وقد بهر الفضل بعبادته فقد روى عبد الله القزويني قال: دخلت على الفضل بن الربيع، وهو جالس على سطح داره فقال لي: ادن منّي فدنوت حتى حاذيته، ثم قال لي: ( أشرف على الدار... ). وأشرف عبد الله على الدار، فقال له الفضل:

- ما ترى في البيت؟

- أرى ثوباً مطروحاً.

- انظر حسناً.

فتأمّل عبد الله، ونظر مليّاً فقال:

- رجل ساجد.

- هل تعرفه؟

- لا.

- هذا مولاك.

- مَن مولاي؟

- تتجاهل عَلَيّ؟

- ما أتجاهل، ولكن لا أعرف لي مولى.

- هذا أبو الحسن موسى بن جعفر.

وكان عبد الله ممّن يدين بإمامته، وأخذ الفضل يحدثه عن عبادته قائلاً: ( إنّي أتفقّده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلاّ على الحال التي أخبرك بها، إنّه يصلّي الفجر، فيعقّب ساعة في دبر صلاته، إلى أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس، وقد وكل مَن يترصد له الزوال فلست أدري متى يقول الغلام: قد زالت الشمس؟ إذ يثب فيبتدئ بالصلاة من غير أن يجدّد الوضوء، فاعلم أنّه لم ينم في سجوده، ولا أغفى فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر، فإذا صلّى العصر سجد سجدة فلا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلّي العتمة، فإذا صلّى العتمة أفطر على شوى يؤتى به، ثم يجدّد الوضوء ثم يسجد، ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة، ثم

٨٠