أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)0%

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 244

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 244
المشاهدات: 148005
تحميل: 8093

توضيحات:

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 244 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148005 / تحميل: 8093
الحجم الحجم الحجم
أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أعدائه، حيث استطاع أن يكشف حقيقة الحكم الأموي الجاهلي الذي ارتدى لباس الإسلام ورفع شعار الصلح والسلم، ليقضي على الإسلام باسم الإسلام وبمن ينتسب إلى قريش قبيلة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن خطّط بشكل حاذق خطّةً يتناسى المسلمون بسببها أنّ آل أبي سفيان الذين يتربّعون اليوم على كرسي الحكم الإسلامي، ويحكمون المسلمين باسم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وخلافته هم الذين حاربوا الإسلام بالأمس القريب.

* - وبهذا هيّأ الإمام الحسنعليه‌السلام - بتوقيعه على وثيقة الصلح - الأرضية اللازمة للثورة على الحكم الأموي الجاهليّ الذي ظهر بمظهر الإسلام من جديد، وذلك بعد أن أخلف معاوية كلّ الشروط التي اشترطها عليه الإمام الحسنعليه‌السلام بما فيها عدم تعيين أحد للخلافة من بعده، وعدم التعرّض لشيعة عليّ وللإمام الحسن والحسينعليهما‌السلام بمكروه.

ولم يستطع معاوية أن يتمالك نفسه أمام هذه الشروط حتى سوّلت له نفسه أن يدسّ السمّ الفاتك إلى الإمام الحسنعليه‌السلام ليستطيع توريث الخلافة لابنه الفاسق يزيد.. ولكنّه لم يعِ نتائج هذا التنكّر للشروط ولنتائج هذه المؤامرة القذرة... وقد أيقن المسلمون - بعد مرور عقدين من الحكم الأموي - بشراسة هذا الحكم وجاهليّته، ممّا جعل القواعد الشعبية الشيعية تستعدّ لخوض معركة جديدة ضدّ النظام الحاكم، وبذلك تهيّأت الظروف الملائمة للثورة، واكتملت الشروط اللازمة بموت معاوية ومجيء يزيد الفاسق شارب الخمور والمستهتر بأحكام الدين إلى سدّة الحكم، والإقدام على أخذ البيعة من وجوه الصحابة وعامّة التابعين، والإصرار على أخذها من مثل أبيّ الضيم أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام سيّد أهل الإباء وإمام المسلمين.

* - لقد حكم معاوية بن أبي سفيان ما يقارب عشرين سنة متّبعاً سياسة

٢١

التجويع والإرهاب والخداع والتزوير، ممّا أدّى إلى انكشاف حقيقته للأمة من جهة، في حين أنّها كانت قد ابتليت بداء موت الضمير وداء فقدان الإرادة من جهة اُخرى، وهكذا استيقظت الأمة من سباتها وزال شكّها بحقّانية خطّ أهل البيتعليهم‌السلام ، بعد أن ارتفع جهلها بحقيقة الأمويين، ولكنّها لم تقوَ

على مقارعة الظلم والظالمين، وأصبحت كما قال الفرزدق للإمام الحسينعليه‌السلام حين كان متوجّهاً إلى العراق ومستجيباً لدعوة الكوفيين: قلوبهم معك وسيوفهم عليك.

ومن هنا تأكّد الموقف الشرعي للإمام الحسينعليه‌السلام بعد أن توفّرت كلّ الظروف اللازمة للقيام في وجه الأمويين الجاهليّين، بينما لم تكن النهضة مفيدة للأمة في حالة الابتلاء بمرض الشكّ والترديد التي كانت تعاني منه في عصر الإمام الحسن السبطعليه‌السلام . لقد تمّت الحجّة على الإمام الحسين بن علىّعليهما‌السلام حينما راسله أهل العراق وطلبوا منه التوجّه نحوهم، بعد أن أخرجوا عامل بني أمية من الكوفة وتمرّدوا على الأمويين حيث كان هذا أحد مظاهر رجوع الوعي إلى عامّة شيعة أهل البيتعليهم‌السلام .

فاستجاب الإمام الحسينعليه‌السلام لطلبهم، وتحرّك نحوهم بالرغم من علمه بعدم ثباتهم وضعف إرادتهم أمام إغراءات الحاكمين واضطهادهم وإرهابهم، وذلك لأنّه كان لابد له من معالجة هذا المرض الجديد الذى يؤدّي باستشرائه إلى ضياع معالم الرسالة وفسح المجال لتحويل الخلافة إلى كسرويّة وقيصريّة، وإعطاء المشروعية لمثل حكم يزيد وأضرابه من الجاهليّين الذين تستّروا بستار الشريعة الإسلامية لضرب الشريعة وتمزيقها.

* - وبعد أن استجمعت ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام كلّ الشروط اللازمة

٢٢

لنجاحها وبلوغ أهدافها(1) ; نهض مستنفراً كلّ طاقاته وقدراته التي كان قد أعدّها وهيّأها في ذلك الظرف التأريخي في صنع ملحمته الخالدة، فحرّك ضمير الأمة، وأعادها لتسلك مسيرة رسالتها، وبعث شخصيّتها العقائدية من جديد، وسلب المشروعية من الحكام الطغاة، ومزّق كلّ الأقنعة الخدّاعة التي كانوا قد تستّروا بها، وأوضح الموقف الشرعي للأمة على مدى الأجيال. ولم يستطع الطغاة أن يشوّهوا معالم نهضته، كما لم يستطيعوا أن يقفوا بوجه المدّ الثوري الذي أحدثه على مدى العصور، ذلك المدّ الذي أطاح بحكم بني أُمية وبني العباس ومن حذا حذوهم، فكانت ثورته مصدر إشعاع رسالي لكل الأمم، كما كانت القيم الرساليّة التي طرحها وأكّد عليها محفّزاً ومعياراً لتقييم كل الحكومات والأنظمة السياسية الحاكمة، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.

____________________

(1) راجع الشروط الضرورية الخمسة للنجاح والتي توفّرت في ثورة الحسينعليه‌السلام في كتاب (ثورة الحسين: النظرية - الموقف - النتائج) السيّد محمد باقر الحكيم الطبعة الأولى، منشورات مؤسسة الإمام الحسينعليه‌السلام : 62 - 92. وراجع مجلّة الفكر الإسلامي العدد (17) مقال الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر حول الثورة الحسينية تحت عنوان (التخطيط الحسيني لتغيير أخلاقية الهزيمة).

٢٣

٢٤

الفصل الثاني:

انطباعات عن شخصية الإمام الحسينعليه‌السلام

1 - مكانة الإمام الحسينعليه‌السلام في آيات الذكر الحكيم:

لم تتّفق كلمة المسلمين في شيء كاتّفاقهم على فضل أهل البيتعليهم‌السلام وعلوّ مقامهم العلمي والروحي، وانطوائهم على مجموعة الكمالات التي أراد الله للإنسانية أن تتحلى بها.

ويعود هذا الاتّفاق إلى جملةٍ من الأصول، منها تصريح الذكر الحكيم بالموقع الخاص لأهل البيتعليهم‌السلام من خلال التنصيص على تطهيرهم من الرجس، وأنّهم القربى الذين تجب مودّتهم كأجر للرسالة التي أتحف الله بها الإنسانية جمعاء، وأنّهم الأبرار الذين أخلصوا الطاعة لله وخافوا عذاب الله وتجلببوا بخشيته، فضمن لهم الجنّة والنجاة من عذابه.

والإمام الحسينعليه‌السلام هو من أهل البيتعليهم‌السلام المطهّرين من الرجس بلا ريب، بل هو ابن رسول الله بنصّ آية المباهلة التي جاءت في حادثة المباهلة مع نصارى نجران. وقد خلّد القرآن الكريم هذا الحدث بمداليله العميقة في قوله تعالى:

( فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ

٢٥

وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (1) .

وروى جمهور المحدّثين بطرق مستفيضة أنّها نزلت في أهل البيت، وهم: رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، كما صرّحوا على أنّ الأبناء هنا هما الحسنان بلا ريب.

وتضمّنت هذه الحادثة تصريحاً من الرسول بأنّهم خير أهل الأرض وأكرمهم على الله، ولهذا فهو يباهل بهم، واعترف أسقف نجران بذلك أيضاً قائلاً: (أرى وجوهاً لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله)(2) .

وهكذا دلّت القصة كما دلّت الآية على عظيم منزلتهم وسموّ مكانتهم وأفضليّتهم، وأنّهم أحبّ الخلق إلى الله ورسوله، وأنّهم لا يدانيهم في فضلهم أحد من العالمين. ولم ينصّ القرآن الكريم على عصمة أحد غير النبيّ من المسلمين سوى أهل البيتعليهم‌السلام الذين أراد الله أن يطهّرهم من الرجس تطهيراً(3) . ولئن اختلف المسلمون في دخول نساء النبيّ في مفهوم أهل البيت; فإنّهم لم يختلفوا قط في دخول عليّ والزهراء والحسنَيْنعليهم‌السلام في ما تقصده الآية المباركة(4) .

____________________

(1) آل عمران (3): 61.

(2) نور الأبصار: 100، وراجع تفسير: الجلالين وروح البيان والكشّاف والبيضاوي والرازي، وصحيح الترمذي: 2 / 166، وسنن البيهقي: 7 / 63، وصحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، ومسند أحمد: 1 / 85، ومصابيح السنة: 2 / 201.

(3) كما نصّت على ذلك الآية 33 من سورة الأحزاب.

(4) راجع التفسير الكبير للفخر الرازي وتفسير النيسابوري، وصحيح مسلم: 2 / 33 وخصائص النسائي: 4، ومسند أحمد: 4 / 107، وسنن البيهقي: 2 / 150، ومشكل الآثار: 1 / 334، ومستدرك الحاكم: 2 / 416، واُسد الغابة: 5 / 521.

٢٦

ومن هنا نستطيع أن نفهم السرّ الكامن في وجوب مودّتهم والالتزام بخطّهم وترجيح حبّهم على حبّ من سواهم بنص الكتاب العزيز(1) .

فإنّ عصمة أهل البيتعليهم‌السلام أدلّ دليل على أنّ النجاة في متابعتهم حينما تتشعّب الطرق وتختلف الأهواء، فمن عصمه الله من الرجس وكان دالاًّ على النجاة كان متّبعه ناجياً من الغرق.

ونصّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - كما عن ابن عباس - بأنّ آية المودّة في القربى حينما نزلت وسأله بعض المسلمين عن المقصود من القرابة التي أوجبت على المسلمين طاعتهم بقوله: إنّهم عليّ وفاطمة وابناهما(2).

ولا يتركنا القرآن الحكيم حتّى يبيّن لنا أسباب هذا التفضيل في سورة (الدهر) التي نزلت لبيان عظمة الواقع النفسي الذي انطوى عليه أهل البيتعليهم‌السلام والإخلاص الذي تقترن به طاعتهم وعباداتهم بقوله تعالى:( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ) (3) .

لقد روى جمهور المفسّرين والمحدّثين أنّ هذه السورة المباركة نزلت في أهل البيت بعد ما مرض الحسنان، ونذر الإمام صيام ثلاثة أيام شكراً لله إن برئا، فوفوا بنذرهم أيّما وفاء، إنّه وفاءٌ جسَّد أروع أنواع الإيثار حتّى نزل قوله تعالى:( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) (4) فشكر الله

____________________

(1) قال تعالى في سورة الشورى الآية 23 مخاطباً رسوله الكريم:( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) . وقال في سورة سبأ:( مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) .

(2) راجع التفسير الكبير، وتفسير الطبري، والدر المنثور في تفسير آية المودّة.

(3) الإنسان (76): 9 - 12.

(4) الإنسان (76): 5 - 7.

٢٧

سعيهم على هذا الإيثار والوفاء بما أورثهم في الآخرة وبما حباهم من الإمامة للمسلمين في الدنيا حتّى يرث الأرض ومن عليها.

2 - مكانة الإمام الحسينعليه‌السلام لدى خاتم المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله :

لقد خصّ الرسول الأعظم حفيديه الحسن والحسينعليهما‌السلام بأوصاف تنبئ عن عظم منزلتهما لديه، فهما:

1 - ريحانتاه من الدنيا وريحانتاه من هذه الأمّة(1) .

2 - وهما خير أهل الأرض(2) .

3 - وهما سيّدا شباب أهل الجنّة(3) .

4 - وهما إمامان قاما أو قعدا(4) .

5 - وهما من العترة (أهل البيت) التي لا تفترق عن القرآن إلى يوم القيامة، ولن تضلّ أمة تمسّكت بهما(5) .

6 - كما أنّهما من أهل البيت الذين يضمنون لراكبي سفينتهم النجاةمن الغرق(6) .

7 - وهما ممّن قال عنهم جدّهم: (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف)(7) .

____________________

(1) صحيح البخاري: 2 / 188، وسنن الترمذي: 539.

(2) عيون أخبار الرضا: 2 / 62.

(3) سنن ابن ماجة: 1 / 56، والترمذي: 539.

(4) المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 163. نقلاً عن مسند أحمد وجامع الترمذي وسنن ابن ماجة وغيرهم.

(5) جامع الترمذي: 541، ومستدرك الحاكم: 3 / 109.

(6) حلية الأولياء: 4 / 306.

(7) مستدرك الحاكم: 3 / 149.

٢٨

8 - وقد استفاض الحديث عن مجموعة من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّهم قد سمعوا مقالته فيما يخصّ الحسنينعليهما‌السلام : (اللهمّ إنّك تعلم أنّي أحبهما فأحبَّهما وأحبّ من يحبّهما)(1) .

3 - مكانة الإمام الحسينعليه‌السلام لدى معاصريه:

1 - قال عمر بن الخطاب للحسينعليه‌السلام : فإنّما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم(2) .

2 - قال عثمان بن عفان في الحسن والحسينعليهما‌السلام وعبد الله بن جعفر: فطموا العلم فطماً(3) وحازوا الخير والحكمة(4) .

3 - قال أبو هريرة: دخل الحسين بن عليّ وهو معتم، فظننت أنّ النبيّ قد بعث(5) .

وكانعليه‌السلام في جنازة فأعيا، وقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال له:يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا ، فقال له: دعني، فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم(6) .

4 - أخذ عبد الله بن عباس بركاب الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فعوتب في ذلك، وقيل له: أنت أسنّ منهما! فقال: إنّ هذين ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أفليس

____________________

(1) خصائص النسائي: 26.

(2) الإصابة: 1 / 333، وقال: سنده صحيح.

(3) فطموا العلم فطماً: أي قطعوه عن غيرهم قطعاً، وجمعوه لأنفسهم جمعاً.

(4) الخصال: 136.

(5) بحار الأنوار: 10 / 82.

(6) تاريخ ابن عساكر: 4 / 322.

٢٩

من سعادتي أن آخذ بركابهما(1) ؟

وقال له معاوية بعد وفاة الحسنعليه‌السلام : يا ابن عباس أصبحت سيّد قومك، فقال: أمّا ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين فلا(2) .

5 - قال أنس بن مالك - وكان قد رأى الحسينعليه‌السلام -: كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (3) .

6 - قال زيد بن أرقم لابن زياد- حين كان يضرب شفتي الحسينعليه‌السلام -: اعل بهذا القضيب، فوالله الذي لا إله غيره، لقد رأيت شفتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على هاتين الشفتين يقبّلهما، ثم بكى.

فقال له ابن زياد: أبكى الله عينك، فوالله لولا أنّك شيخ قد خرفت لضربت عنقك، فخرج وهو يقول: أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم! قتلتم الحسين ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة! فهو يقتل خياركم ويستبقي شراركم(4) .

7 - قال أبو برزة الأسلمي ليزيد حينما رآه ينكث ثغر الحسينعليه‌السلام : أتنكث بقضيبك في ثغر الحسين؟! أما لقد أخذ قضيبك في ثغره مأخذاً لربّما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرشفه. أما إنّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك! ويجيء هذا ومحمّد شفيعه(5) .

8 - وحين قال معاوية لعبد الله بن جعفر: أنت سيّد بني هاشم؟ أجابه

____________________

(1) تاريخ ابن عساكر: 4/322.

(2) حياة الإمام الحسين، للقرشي: 2 / 500.

(3) أعيان الشيعة: 1 / 563.

(4) أُسد الغابة: 2 / 21.

(5) الحسن والحسين سبطا رسول الله: 198.

٣٠

قائلاً: سيّد بني هاشم حسن وحسين(1) .

وكتب إليه: إن هلكت اليوم طفئ نور الإسلام فإنّك علم المهتدين ورجاء المؤمنين(2) .

9 - سأل رجل عبد الله بن عمر عن دم البعوض يكون في الثوب أفيصلَّى فيه؟ فقال له: ممّن أنت؟ قال: من أهل العراق، فقال ابن عمر: اُنظروا إلى هذا، يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ! وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: هما ريحانتاي من الدنيا(3) .

10 - قال محمد بن الحنفية: إنّ الحسين أعلمنا علماً، وأثقلنا حلماً، وأقربنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رحماً، كان إماماً فقيهاً...)(4) .

11 - مرّ الحسينعليه‌السلام بعمرو بن العاص وهو جالس في ظلّ الكعبة فقال: هذا أحب أهل الأرض إلى أهل الأرض وإلى أهل السماء اليوم(5) .

12 - قال عبد الله بن عمرو بن العاص وقد مرّ عليه الحسينعليه‌السلام : من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى هذا المجتاز(6) .

13 - وحين أشار يزيد على أبيه معاوية أن يكتب للحسينعليه‌السلام جواباً عن كتاب كتبه له، على أن يصغّر فيه الحسينعليه‌السلام ، قال معاوية رادّاً عليه: وما

____________________

(1) الحسن بن عليّ لكامل سليمان: 173.

(2) البداية والنهاية: 8 / 167.

(3) تاريخ ابن عساكر: 4 / 314.

(4) بحار الأنوار: 10 / 140.

(5) تأريخ ابن عساكر: 4 / 322.

(6) بحار الأنوار: 10 / 83.

٣١

عسيت أن أعيب حسيناً، ووالله ما أرى للعيب فيه موضعاً(1) .

14 - قال الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (والي المدينة) لمروان بن الحكم - لمّا أشار عليه بقتل الحسينعليه‌السلام إذا لم يبايع -: والله يا مروان ما أُحبّ أنّ لي الدنيا وما فيها وأنّي قتلت الحسين. سبحان الله! أقتل حسيناً إن قال لا أبايع؟ والله إنّي لأظنّ أنّ من يقتل الحسين يكون خفيف الميزان يوم القيامة(2) .

15 - لمّا قبض ابن زياد على قيس بن مسهر الصيداوي - رسول الحسينعليه‌السلام إلى أهل الكوفة - أمره أن يصعد المنبر ويسبّ الحسين وأباه، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس، إنّ هذا الحسين بن عليّ، خير خلق الله، وهو ابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا رسوله إليكم، وقد فارقته بالحاجر من بطن ذي الرمة فأجيبوه، واسمعوا له وأطيعوا. ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه، واستغفر لعليّ والحسين. فأمر به ابن زياد، فألقي من رأس القصر، فتقطّع(3) .

16 - من خطبة ليزيد بن مسعود النهشلي (رحمه الله): وهذا الحسين بن عليّ ابن رسول اللهعليه‌السلام ، ذو الشرف الأصيل، والرأي الأثيل، له فضل لا يوصف، وعلم لا ينزف، وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنّه وقدمه وقرابته. يعطف على الصغير، ويحنو على الكبير. فأكرم به راعي رعيّة، وإمام قوم وجبت لله به الحجّة، وبلغت به الموعظة(4) .

____________________

(1) أعيان الشيعة: 1 / 583.

(2) البداية والنهاية: 8 / 147.

(3) المصدر السابق: 18 / 168.

(4) أعيان الشيعة: 1 / 590.

٣٢

17 - قال عبد الله بن الحرّ الجعفي: ما رأيت أحداً قطّ أحسن ولا أملأ للعين من الحسين(1) .

18 - قال إبراهيم النخعي: لو كنتُ فيمن قاتل الحسين ثم أُدخلت الجنّة لاستحييت أن أنظر إلى وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (2) .

4 - الإمام الحسينعليه‌السلام عبر القرون والأجيال:

1 - قال الربيع بن خيثم لبعض من شهد قتل الحسينعليه‌السلام : والله لقد قتلتم صفوة لو أدركهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقبّل أفواههم، وأجلسهم في حجره(3) .

2 - قال ابن سيرين: لم تبك السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلاّ على الحسينعليه‌السلام ، ولمّا قتل اسودّت السماء، وظهرت الكواكب نهاراً، حتّى رؤيت الجوزاء عند العصر، وسقط التراب الأحمر، ومكثت السماء سبعة أيام بلياليها كأنّها علقة(4) .

3 - قال علي جلال الحسيني: السيّد الزكي الإمام أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانته، وابن أمير المؤمنيين عليّ كرم الله وجهه، وشأن بيت النبوّة له أشرف نسب وأكمل نفس، جمع الفضائل ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، من علوّ الهمّة، ومنتهى الشجاعة، وأقصى غاية الجود، وأسرار العلم، وفصاحة اللسان، ونصرة الحقّ، والنهي عن المنكر، وجهاد الظلم، والتواضع عن عزّ، والعدل، والصبر، والحلم، والعفاف، والمروءة، والورع وغيرها.

____________________

(1) أعيان الشيعة: 4 / ق 1 / 118.

(2) الإصابة: 1 / 335.

(3) بحار الأنوار: 10 / 79.

(4) تأريخ ابن عساكر: 4 / 339.

٣٣

واختصّ بسلامة الفطرة، وجمال الخلقة، ورجاحة العقل، وقوة الجسم، وأضاف إلى هذه المحامد كثرة العبادة وأفعال الخير، كالصلاة والحج والجهاد في سبيل الله والإحسان. وكان إذا أقام بالمدينة أو غيرها مفيداً بعلمه، مرشداً بعمله، مهذّباً بكريم أخلاقه، ومؤدّباً ببليغ بيانه، سخيّاً بماله، متواضعاً للفقراء، معظّماً عند الخلفاء، موصلاً للصدقة على الأيتام والمساكين، منتصفاً للمظلومين، مشتغلاً بعبادته، مشى من المدينة على قدميه إلى مكّة حاجّاً خمساً وعشرين مرّة... كان الحسين في وقته علم المهتدين ونور الأرض، فأخبار حياته فيها هدىً للمسترشدين بأنوار محاسنه المقتفين آثار فضله(1) .

4 - قال محمد رضا المصري: هو ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلم المهتدين، ورجاء المؤمنين(2) .

5 - قال عمر رضا كحالة: الحسين بن عليّ، وهو سيّد أهل العراق فقهاً وحالاً وجوداً وبذلاً(3) .

6 - قال عبد الله العلايلي: جاء في أخبار الحسين: أنّه كان صورة احتبكت ظلالها من أشكال جدّه العظيم، فأفاض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إشعاعة غامرة من حبّه، وأشياء نفسه، ليتمّ له أيضاً من وراء الصورة معناها فتكون حقيقة من بعد كما كانت من قبل إنسانية ارتقت إلى نبوّة (أنا من حسين) ونبوة هبطت إلى إنسانية (حسين منّي) فسلام عليه يوم ولد(4) .

7 - قال عباس محمود العقّاد: مثل للناس في حلّة من النور تخشع لها

____________________

(1) راجع كتابه ( الحسين )عليه‌السلام : 1/6. وراجع أيضاً: مجمع الزوائد: 9/201 وبحار الأنوار: 44/193.

(2) الحسن والحسين سبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : 75.

(3) أعلام النساء: 1 / 28.

(4) تاريخ الحسينعليه‌السلام : 226.

٣٤

الأبصار، وباء بالفخر الذي لا فخر مثله في تواريخ بني الإنسان، غير مستثنىً منهم عربي ولا عجمي، وقديم وحديث، فليس في العالم اُسرة أنجبت من الشهداء من أنجبتهم اُسرة الحسين عدّة وقدرة وذكرة، وحسبه أنّه وحده في تأريخ هذه الدنيا الشهيد ابن الشهيد أبو الشهداء في مئات السنين(1) .

8 - قال عمر أبو النصر: هذه قصة أسرة من قريش. حملت لواء التضحية والاستشهاد والبطولة من مشرق الأرض إلى مغربها. قصة ألّف فصولها شباب ما عاشوا كما عاش الناس، ولا ماتوا كما مات الناس، ذلك أنّ الله شرّف هذه الجماعة من خلقه بأن جعل النبوّة والوحي والإلهام في منازلها، وزاد ندى فلم يشأ لها حظّ الرجل العادي من عبادة، وإنّما أرادها للتشريد والاستشهاد، وأرادها للمثل العليا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكتب لها أن تتزعّم لواء التقوى والصلاح إلى آخر ما يكون من ذرّيتها(2) .

9 - قال عبد الحفيظ أبو السعود: عنوان النضال الحرّ، والجهاد المستميت، والاستشهاد في سبيل المبدأ والعقيدة، وعدم الخضوع لجور السلطان وبغي الحاكمين(3) .

10 - قال أحمد حسن لطفي: إنّ الموت الذي كان ينشده فيها كان يمثّل في نظره مثلاً أروع من كلّ مثل الحياة، لأنّه الطريق إلى الله الذي منه المبتدأ واليه المنتهى، ولأنّه السبيل إلى الانتصار وإلى الخلود، فهو أعظم بطل ينتصر بالموت على الموت(4) .

____________________

(1) أبو الشهداء الحسين بن عليّعليهما‌السلام : 150، طبعة النجف، مطبعة الغري الحديثة.

(2) آل محمد في كربلاء: 30.

(3) سبطا رسول الله الحسن والحسين: 188.

(4) الشهيد الخالد الحسين بن عليّ: 47.

٣٥

٣٦

الفصل الثالث:

مظاهر من شخصية الإمام الحسينعليه‌السلام

ولد الإمام الحسين بن علىّعليهما‌السلام في بيت كان محطّ الملائكة ومهبط التنزيل، في بقعة طاهرة تتصل بالسماء طوال يومها بلا انقطاع، وتتناغم مع أنفاسه آيات القرآن التي تتلى آناء الليل والنهار، وترعرع بين شخصيّات مقدّسة تجلّلت بآيات الله، ونهل من نمير الرسالة عذب الارتباط مع الخالق، وصاغ لبنات شخصيته نبي الرحمةصلى‌الله‌عليه‌وآله بفيض مكارم أخلاقه وعظمة روحه. فكان الحسينعليه‌السلام صورة لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمته، يتحرّك فيها على هدى القرآن، ويتحدّث بفكر الرسالة، ويسير على خطى جدّه العظيم ليبيّن مكارم الأخلاق، ويرعى للأمة شؤونها، ولا يغفل عن هدايتها ونصحها ونصرتها، جاعلاً من نفسه المقدسة أنموذجاً حيّاً لما أرادته الرسالة والرسول، فكانعليه‌السلام نور هدىً للضالّين وسلسبيلاً عذباً للراغبين وعماداً يستند إليه المؤمنون وحجّة يركن إليها الصالحون، وفيصل حقّ إذ يتخاصم المسلمون، وسيف عدل يغضب لله ويثور من أجل الله. وحين نهض كان بيده مشعل الرسالة الذي حمله جدّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يدافع عن دينه ورسالته العظيمة.

ومن الإمعان في شخصيّة الإمام الحسينعليه‌السلام الفذّة نتلمّس المظاهر التالية:

٣٧

1 - تواضعهعليه‌السلام :

جُبل أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام على التواضع ومجافاة الأنانية، وهو صاحب النسب الرفيع والشرف العالي والمنزلة الخصيصة لدى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فكانعليه‌السلام يعيش في الأمة لا يأنف من فقيرها ولا يترفّع على ضعيفها ولا يتكبّر على أحد فيها، يقتدي بجدّه العظيم المبعوث رحمةً للعالمين، يبتغي بذلك رضا الله وتربية الأمة، وقد نُقلت عنهعليه‌السلام مواقف كثيرة تعامل فيها مع سائر المسلمين بكلّ تواضع مظهراً سماحة الرسالة ولطف شخصيّته الكريمة، ومن ذلك:

إنّهعليه‌السلام قد مرّ بمساكين وهم يأكلون كسراً (خبزاً يابساً) على كساء، فسلّم عليهم، فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم وقال: لولا أنّه صدقة لأكلت معكم. ثمّ قال: قوموا إلى منزلي، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.

وروي: أنّهعليه‌السلام مرّ بمساكين يأكلون في الصُّفَة، فقالوا: الغداء، فقالعليه‌السلام : إنّ الله لا يحب المتكبّرين، فجلس وتغدّى معهم ثم قال لهم: قد أجبتكم فأجيبوني، قالوا: نعم، فمضى بهم إلى منزله وقال لزوجته: أخرجي ما كنت تدّخرين(1) .

2 - حلمه وعفوهعليه‌السلام :

تأدّب الحسين السبطعليه‌السلام بآداب النبوّة، وحمل روح جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم عفى عمّن حاربه ووقف ضد الرسالة الإسلامية، لقد كان قلبه يتّسع لكلّ الناس، وكان حريصاً على هدايتهم متغاضياً في هذا السبيل

____________________

(1) أعيان الشيعة: 1 / 580، تأريخ ابن عساكر: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام حديث 196، وتفسير البرهان: 2 / 363.

٣٨

عن إساءة جاهلهم، يحدوه رضا الله تعالى، يقرّب المذنبين ويطمئنهم ويزرع فيهم الأمل برحمة الله، فكان لا يردّ على مسيء إساءة، بل يحنو عليه ويرشده إلى طريق الحقّ وينقذه من الضلال.

فقد روي عنهعليه‌السلام أنّه قال: (لو شتمني رجل في هذه الأُذن - وأومأ إلى اليمنى - واعتذر لي في اليسرى لقبلت ذلك منه، وذلك أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام حدّثني أنّه سمع جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: لا يرد الحوض مَن لم يقبل العذر من محق أو مبطل(1) .

كما روي أنّ غلاماً له جنى جنايةً كانت توجب العقاب، فأمر بتأديبه فانبرى العبد قائلاً: يا مولاي والكاظمين الغيظ، فقالعليه‌السلام : خلّوا عنه، فقال: يا مولاي والعافين عن الناس، فقالعليه‌السلام : قد عفوت عنك، قال: يا مولاي والله يحب المحسنين، فقالعليه‌السلام : أنت حرّ لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطك(2) .

3 - جوده وكرمهعليه‌السلام :

وبنفس كبيرة كان الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام يعين الفقراء والمحتاجين، ويحنو على الأرامل والأيتام، ويثلج قلوب الوافدين عليه، ويقضي حوائج السائلين من دون أن يجعلهم يشعرون بذلّ المسألة، ويصل رحمه دون انقطاع، ولم يصله مال إلاّ فرّقه وأنفقه وهذه سجية الجواد وشنشنة الكريم وسمة ذي السماحة.

فكان يحمل في دجى الليل البهيم جراباً مملوءً طعاماً ونقوداً إلى منازل الأرامل واليتامى حتّى شهد له بهذا الكرم معاوية بن أبي سفيان، وذلك حين

____________________

(1) إحقاق الحقّ: 11 / 431.

(2) كشف الغمّة: 2 / 31، والفصول المهمة لابن الصبّاغ: 168 مع اختلاف يسير، وأعيان الشيعة: 4 / 53.

٣٩

بعث لعدّة شخصيات بهدايا، فقال متنبّئاً: أمّا الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفّين، فإن بقي شيء نحر به الجزور وسقى به اللبن(1) .

وفي موقف مفعم باللطف والإنسانية والحنان جعل العتق رداً للتحية، فقد روى عن أنس أنّه قال: كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحان فحيّته بها، فقال لها: أنت حرّة لوجه الله تعالى. وانبهر أنس وقال: جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟! فقالعليه‌السلام : كذا أدّبنا الله، قال تبارك وتعالى:( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) ، وكان أحسن منها عتقها(2) .

ومن كرمه وعفوه أنّه وقفعليه‌السلام ليقضي دين أسامة بن زيد وليفرّج عن همّه الذي كان قد اعتراه وهو في مرضه(3) ، رغم أنّ أسامة كان قد وقف في الصفّ المناوئ لأبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ووقف ذات مرّة سائل على باب الحسينعليه‌السلام وأنشد قائلاً:

لم يخب الآن من رجاك

حرّك من دون بابك الحلقة

أنت جواد أنت معتمد

أبوك قد كان قاتل الفسقة

فأسرع إليه الإمام الحسينعليه‌السلام وما أن وجد أثر الفاقة عليه حتّى نادى بقنبر وقال متسائلاً: ما تبقّى من نفقتنا؟ قال: مائتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك، فقالعليه‌السلام : هاتها فقد أتى مَن هو أحقّ بها منهم، فأخذها ودفعها إلى السائل معتذراً منه، وأنشد قائلاً:

خذها فإنّي إليك معتذر

واعلم بأنّي عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصاً

أمست سمانا عليك مندفقة

____________________

(1) حياة الإمام الحسين: 1 / 128 عن عيون الأخبار.

(2) كشف الغمّة: 2 / 31، والفصول المهمة: 167.

(3) بحار الأنوار: 44 / 189، ومناقب آل أبي طالب: 4 / 65.

٤٠