أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)0%

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 244

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 244
المشاهدات: 148297
تحميل: 8101

توضيحات:

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 244 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148297 / تحميل: 8101
الحجم الحجم الحجم
أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أعلام الهداية

الإمام الحسين سيد الشهداءعليه‌السلام

المجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

قم المقدسة

١

٢

أهل البيت في القرآن الكريم

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )

الأحزاب: 33 / 33

٣

أهل البيت في السنة النبويّة

(إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبد)

(الصحاح والمسانيد)

٤

فهرس إجمالي

كلمة المجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام ... 7

الباب الأول:

الفصل الأول: الإمام الحسينعليه‌السلام في سطور... 17

الفصل الثاني: انطباعات عن شخصيتهعليه‌السلام ... 25

الفصل الثالث: مظاهر من شخصيتهعليه‌السلام ... 37

الباب الثاني:

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسينعليه‌السلام ... 51

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ... 57

الفصل الثالث: الإمام الحسينعليه‌السلام من الولادة إلى الإمامة... 59

الباب الثالث:

الفصل الأول: عصر الإمام الحسينعليه‌السلام ... 91

الفصل الثاني: مواقف وإنجازات الإمامعليه‌السلام ... 111

الفصل الثالث: نتائج الثورة الحسينية... 207

الفصل الرابع: من تراث الإمام الحسينعليه‌السلام ... 213

٥

٦

المقدمة

الحمد لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى آله الميامين النجباء.

لقد خلق الله الإنسان وزوّده بعنصري العقل والإرادة، فبالعقل يبصر ويكتشف الحقّ ويميّزه عن الباطل، وبالإرادة يختار ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه وأهدافه.

وقد جعل الله العقل المميِّز حجةً له على خلقه، وأعانه بما أفاض على العقول من معين هدايته؛ فإنّه هو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، وأرشده إلى طريق كماله اللائق به، وعرّفه الغاية التي خلقه من أجلها، وجاء به إلى هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها.

وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربّانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة أخرى.

قال تعالى:

٧

( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ) (الأنعام (6): 71).

( وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (البقرة (2): 213).

( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (الأحزاب (33): 4).

( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (آل عمران (3): 101).

( قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (يونس (10): 35).

( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) (سبأ (34): 6).

( ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله ) (القصص (28):50).

فالله تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم.

وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم.

ولقد أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى:( وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ ) (الذاريات (51): 56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال.

وبعد أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال; لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن هنا احتاج الإنسان - بالإضافة إلى عقله وسائر

٨

أدوات المعرفة - إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته.

ومن هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن يُسند عقل الإنسان عن طريق الوحي الإلهي، ومن خلال الهداة الذين اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية العباد وذلك عن طريق توفير تفاصيل المعرفة وإعطاء الإرشادات اللازمة لكلّ مرافق الحياة.

وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربّانية منذ فجر التاريخ وعلى مدى العصور والقرون، ولم يترك الله عباده مهملين دون حجة هادية وعلم مرشد ونور مُضيء، كما أفصحت نصوص الوحي - مؤيّدةً لدلائل العقل - بأنّ الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه، لئلاّ يكون للناس على الله حجّة، فالحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، ولو لم يبق في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة، وصرّح القرآن - بشكل لا يقبل الريب - قائلاً:( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (الرعد (13): 7).

ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في:

1 - تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً:( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) (الأنعام (6): 124) و( اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ) (آل عمران (3): 179).

٩

2 - إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) (البقرة (2): 213).

3 - تكوين اُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالى:( يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (الجمعة(62): 2) والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالى:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (الأحزاب(33): 21).

4 - صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقرّرة لها، وهذه المهمة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية والنفسية، والتي تسمّى بالعصمة.

5 - العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد وأركان المجتمعات البشرية وذلك بتنفيذ الأطروحة الربّانية، وتطبيق قوانين الدين الحنيف على المجتمع البشري من خلال تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّى إدارة شؤون الأمة على أساس الرسالة الربّانية للبشرية، ويتطلّب التنفيذ قيادةً حكيمةً، وشجاعةً فائقةً، وثباتاً كبيراً، ومعرفةً تامةً بالنفوس وبطبقات المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية وقوانين الإدارة والتربية وسنن الحياة، ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة دولة عالمية دينية، هذا فضلاً عن العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية التي تصون القيادة

١٠

الدينية من كلّ سلوك منحرف أو عمل خاطئ بإمكانه أن يؤثّر تأثيراً سلبيّاً على مسيرة القيادة وانقياد الأمة لها بحيث يتنافى مع أهداف الرسالة وأغراضها.

وقد سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكّأوا طرفة عين.

وقد توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ على مدى العصور برسالة خاتم الأنبياء محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحمّله الأمانة الكبرى ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها، طالباً منه تحقيق أهدافها. وقد خطا الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة، وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي:

1 - تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي على عناصر الديمومة والبقاء.

2 - تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف.

3 - تكوين اُمة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً، وبالرسول قائداً، وبالشريعة قانوناً للحياة.

4 - تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء.

5 - تقديم الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١١

ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري:

أ - أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر.

ب - أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته.

ومن هنا كان التخطيط الإلهيّ يحتّم على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إعداد الصفوة من أهل بيته، والتصريح بأسمائهم وأدوارهم; لتسلّم مقاليد الحركة النبويّة العظيمة والهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه وصيانة للرسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين، وتربية للأجيال على قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها وكشف أسرارها وذخائرها على مرّ العصور، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وتجلّى هذا التخطيط الربّاني في ما نصّ عليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: (إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).

وكان أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرّفهم النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر من الله تعالى لقيادة الأمة من بعده.

إنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام تمثّل المسيرة الواقعية للإسلام بعد عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الإسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلى أعماق الأمة بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

١٢

فأخذ الأئمة المعصومونعليهم‌السلام يعملون على توعية الأمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وثورته المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والأمة جمعاء.

وتبلورت حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود.

وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر على طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء حتّى ضربوا أعلى أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالى، ثم اختاروا الشهادة مع العزّ على الحياة مع الذلّ، حتى فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير.

ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق.

إنّ دراستنا لحركة أهل البيتعليهم‌السلام الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله.

١٣

ويختصّ هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام ، وهو المعصوم الخامس من أعلام الهداية، والثالث من الأئمة الاثني عشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي روَّى بدمه الطاهر ودماء أهل بيته وأصحابه الأبرار شجرة الإسلام العظيمة وصانها من الذبول والانهيار فكان - كما أخبر عنه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله -: (مصباح الهدى وسفينة النجاة) لأمة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الطغاة والظالمين.

ولا بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كل الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلى عالم النور، لا سيَّما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم (حفظه الله تعالى).

ولا يسعنا إلاّ أن نبتهل إلى الله تعالى بالدعاء والشكر لتوفيقه على إنجاز هذه الموسوعة المباركة فإنه حسبنا ونعم النصير.

للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

قم المقدسة

١٤

الباب الأول

فيه فصول:

الفصل الأول: الإمام الحسينعليه‌السلام في سطور.

الفصل الثاني: انطباعات عن شخصيتهعليه‌السلام .

الفصل الثالث: مظاهر من شخصيتهعليه‌السلام .

١٥

١٦

الفصل الأول:

الإمام الحسين الشهيدعليه‌السلام في سطور

* - الإمام أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام الشهيد بكربلاء، ثالث أئمّة أهل البيت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيّد شباب أهل الجنة بإجماع المحدّثين، وأحد اثنين نسلت منهما ذرية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأحد الأربعة الذين بأهل بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصارى نجران، ومن أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، ومن القربى الذين أمر الله بمودّتهم، وأحد الثقلين اللذين من تمسّك بهما نجا ومن تخلّف عنهما ضلّ وغوى.

* - نشأ الحسين مع أخيه الحسنعليهما‌السلام في أحضان طاهرة وحجور طيّبة ومباركة أُمّاً وأباً وجدّاً، فتغذى من صافي معين جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله وعظيم خلقه ووابل عطفه، وحظي بوافر حنانه ورعايته حتى أنّه ورّثه أدبه وهديه وسؤدده وشجاعته، ممّا أهّله للإمامة الكبرى التي كانت تنتظره بعد إمامة أبيه المرتضى وأخيه المجتبىعليهم‌السلام وقد صرّح بإمامته للمسلمين في أكثر من موقف بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)، (اللّهمّ إنّي أحبهما فأحب من يحبّهما).

* - لقد التقى في هذا الإمام العظيم رافدا النبوّة والإمامة، واجتمع فيه

١٧

شرف الحسب والنسب، ووجد المسلمون فيه ما وجدوه في جدّه وأبيه وأُمّه من طهر وصفاء ونبل وعطاء، فكانت شخصيّته تذكّر الناس بهم جميعاً; فأحبّوه وعظّموه، وكان إلى جانب ذلك كلّه مرجعهم الأوحد بعد أبيه وأخيه فيما كان يعترضهم من مشاكل الحياة وأمور الدين، لا سيّما بعد أن دخلت الأمة الإسلامية حياة حافلة بالمصاعب نتيجة سيطرة الحكم الأُموي الجاهلي، حتّى جعلتهم في مأزق جديد لم يجدوا له نظيراً من قبل، فكان الحسينعليه‌السلام هو الشخصية الإسلامية الرسالية الوحيدة التي استطاعت أن تخلّص أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله خاصّة والإنسانية عامّة من براثن هذه الجاهلية الجديدة وأدرانها.

* - لقد كان الحسين بن عليعليهما‌السلام كأبيه المرتضى وأخيه المجتبى في جميع مراحل حياته ومواقفه العملية مثالاً للإنسان الرسالي الكامل، وتجسيداً حيّاً للخلق النبويّ الرفيع في الصبر على الأذى في ذات اللّه، والسماحة والجود والرحمة والشجاعة وإباء الضيم والعرفان والتعبّد والخشية لله والتواضع للحقّ والثورة على الباطل، ورمزاً شامخاً للبطولة والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأُسوة مثلى للإيثار والتضحية لإحياء المُثل العليا التي اجتمعت في شريعة جدّه سيّد المرسلين، حتّى قال عنه جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله : (حسين منّي وأنا من حسين) معبّراً بذلك أبلغ التعبير عن سموّ هذه الشخصية العظيمة التي ولدهاصلى‌الله‌عليه‌وآله وربّاها بيديه الكريمتين.

* - بقي الحسين بن علىّعليهما‌السلام بعد جدّه في رعاية الصدّيقة الزهراء سيّدة النساء فاطمةعليها‌السلام وفي كنف أبيه المرتضى سيّد الوصيّين وإمام المسلمين الذي عاش محنة الانحراف في قيادة الأمة المسلمة بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد حفّت بأبيه وأُمّه نكبات هذه المحنة والصراع مع الذين صادروا هذه الإمامة الكبرى بكل صلف ودون حجّة أو برهان... لقد عاش الحسين

١٨

مع أخيه الحسن وأبيه عليّ وأُمّه الزهراءعليهم‌السلام هذه المحنة وتجرّع مرارتها، وهو لا يزال في سنّ الطفولة، ولكنّه كان يعي جيّداً عمق المحنة وشدّة المصيبة.

* - شبَّ الإمام أبو عبد الله الحسين أيّام خلافة عمر، وانصرف مع أبيه وأخيه عن السياسة والتصدي للحكم في ظاهر الأمر، وأقبل على تثقيف الناس وتعليمهم معالم دينهم في خطّ الرسالة الصحيح، والذي كان يتمثّل في سلوك والده عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ومواقفه المبدئية المشرّفة.

* - وقف الإمام الحسينعليه‌السلام إلى جانب أبيهعليه‌السلام في عهد عثمان، وهو في عنفوان شبابه يعمل مخلصاً لأجل الإسلام، ويشترك مع أبيه في وضع حدّ للفساد الذي أخذ يستشري في جسم الأمة والدولة معاً في ظلّ حكم عثمان وبطانته، ولم يتعدّ مواقف أبيهعليه‌السلام طيلة هذه الفترة; بل عمل كجندي مخلص للقيادة الشرعية التي أناطها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأبيه المرتضىعليه‌السلام .

* - وفي عهد الدولة العلوية المباركة وقف الحسين إلى جانب أبيهعليهما‌السلام في جميع مواقفه وحروبه، ولم يتوانَ عن قتال الناكثين والقاسطين والمارقين، بينما كان أبوه حريصاً على حياته وحياة أخيه الحسنعليه‌السلام خشية انقطاع نسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بموتهما، وبقيا إلى جانب أبيهما حتى آخر لحظة، وهما يعانيان من أهل العراق ما كان يعانيه أبوهما المرتضىعليه‌السلام حتّى استشهد في بيت من بيوت الله، وفاز بالشهادة وهو في محراب العبادة بمسجد الكوفة، وفي أقدس لحظات حياته، أعني لحظة العبادة والتوجه إلى ربّ الكعبة، حيث خرّ صريعاً وهو يقول: (فزتُ وربِّ الكعبة).

* - ثمّ وقف إلى جانب أخيه الحسن المجتبىعليهما‌السلام بعد أن بايعه بالخلافة كما بايعه عامّة المسلمين في الكوفة من المهاجرين والأنصار

١٩

والتابعين لهم بإحسان، ولم يتعدّ مواقف أخيه الذي نصّ على إمامته كلّ من جدّه وأبيهعليهما‌السلام بالرغم من كلّ المغريات التي كان يستعملها معاوية لإسقاط الإمام الحسنعليه‌السلام وتفتيت قواه والقضاء على حكومته المشروعة.

* - لقد كان الحسينعليه‌السلام يعي مواقف أخيه الحسنعليه‌السلام بشكل تامّ والنتائج المترتّبة على تلك المواقف، لأنّه كان يدرك حراجة الظرف الذي كان يكتنف الأمة الإسلامية آنذاك وبعد استشهاد الإمام علىّعليه‌السلام بشكل خاص، حيث انطلت ألاعيب معاوية وشعاراته الزائفة على جماعة كبيرة من السذّج والبسطاء، ممّن كانوا يشكّلون القاعدة العظمى في مجتمع الكوفة ومركز الخلافة الإسلامية، فأصبحوا يشكّون ويشكّكون في حقّانية خطّ الإمام عليّ ابن أبي طالبعليه‌السلام بعد ذلك التضليل الإعلامي الذي قام به معاوية وبطانته وعمّاله في صفوف الجيش المساند للإمامعليه‌السلام ، ولم يستطع الإمام الحسنعليه‌السلام بكلّ ما أوتي من حنكة سياسية وشجاعة أدبية ورصانة منطقية أن يقنع تلك القاعدة الشعبية، ويوقفها على زيف الشعارات الأُموية في عدم صحّة الخضوع لشعار السلم الذي كان قد تسلّح به معاوية لنيل الخلافة بأبخس الأثمان، ممّا اضطرّ الإمام الحسنعليه‌السلام للإقدام على الصلح من موقع القوة بعد أن نفَّذَ جميع الخطط السياسية الممكنة، وبعد أن سلك جميع الطرق المعقولة التي ينبغي للقائد المحنّك أن يسلكها في تلك الظروف السياسية والاجتماعية والنفسية التي كان يعيشها الإمام الحسنعليه‌السلام وشيعته، فتنازل عن الخلافة، إلا انه لم يوقّع على شرعيّة حاكميّة معاوية بالإضافة إلى أنّه قد اشترط شروطاً موضوعيةً تفضح واقع معاوية والحكم الأموي على المدى القريب أو البعيد.

* - وهكذا أفلح الإمام الحسنعليه‌السلام بعد أن اختار الطريق الصعب، وتحمّل ما تحمّل من الأذى والمكروه من أقرب أفراد شيعته فضلاً عن

٢٠