أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)0%

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 244

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 244
المشاهدات: 148294
تحميل: 8101

توضيحات:

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 244 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148294 / تحميل: 8101
الحجم الحجم الحجم
أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لكنّ ريب الزمان ذو غِير

والكفّ منّي قليلة النفقة

فأخذها الأعرابي شاكراً وهو يدعو لهعليه‌السلام بالخير، وأنشد مادحاً:

مطهَّرون نقيات جيوبهم

تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

وأنتم أنتم الأعلون عندكمُ

علم الكتاب وما جاءت به السورُ

من لم يكن علويّاً حين تنسبه

فما له في جميع الناس مفتخر(1)

4 - شجاعتهعليه‌السلام :

إنّ المرء ليعجز عن الوصف والقول حين يطالع صفحة الشجاعة من شخصية الإمام الحسينعليه‌السلام ; فإنّه ورثها عن آبائه وتربّى عليها ونشأ فيها، فهو من معدنها وأصلها، وهو الشجاع في قول الحقّ والمستبسل للدفاع عنه، فقد ورث ذلك عن جدّه العظيم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي وقف أمام أعتى قوّة مشركة حتّى انتصر عليها بالعقيدة والإيمان والجهاد في سبيل الله تعالى.

ووقف مع أبيه - أمير المؤمنينعليه‌السلام - يعيد الإسلام حاكماً، وينهض بالأمة في طريق دعوتها الخالصة، يصارع قوى الضلال والانحراف بالقول والفعل وقوة السلاح ليعيد الحقّ إلى نصّابه.

ووقف مع أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام موقف الأبطال المضحّين من أجل سلامة الأمة ونجاة الصفوة المؤمنة المتمسّكة بنهج الرسالة الإسلامية.

ووقف صامداً حين تقاعست جماهير المسلمين عن نصرة دينها أمام جبروت معاوية وضلاله وأزلامه والتيار الذي قاده لتشويه الدين القويم.

ولم يخش كلّ التهديدات ولا ما كان يلوح في الأفق من نهاية مأساوية

____________________

(1) تأريخ ابن عساكر: 4 / 323، ومناقب آل أبي طالب: 4 / 65.

٤١

نتيجة الخروج لطلب الإصلاح وإحياء رسالة جدّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والوقوف في وجه الظلم والفساد، فخرج وهو مسلّم لأمر الله وساع لابتغاء مرضاته، وها هوعليه‌السلام يردُّ على الحرّ بن يزيد الرياحي حين قال له: أذكِّرك الله في نفسك فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ، ولئن قوتلت لتهلكنّ، فقال له الإمام أبو عبد اللهعليه‌السلام : أبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ ما أدري ما أقول لك؟ ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه:

سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى

إذا ما نوى خيراً وجاهد مسلما

وواسى رجالاً صالحين بنفسه

وخالف مثبوراً وفارق مجرما

فإن عشت لم أندم وإن متّ لم اُلَم

كفى بك ذلاً أن تعيش وتُرغما(1)

ووقفعليه‌السلام يوم الطفّ موقفاً حيّر به الألباب وأذهل به العقول، فلم ينكسر أمام جليل المصاب حتّى عندما بقي وحيداً، فقد كان طوداً شامخاً لا يدنو منه العدوّ هيبةً وخوفاً رغم جراحاته الكثيرة حتى شهد له عدوّه بذلك، فقد قال حميد بن مسلم: فوالله ما رأيت مكثوراً قطّ قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه، إن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشد عليها بسيفه فيكشفهم عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا اشتد عليها الذئب(2) .

5 - إباؤهعليه‌السلام :

لقد تجلّت صورة الثائر المسلم بأبهى صورها وأكملها في إباء الإمام

____________________

(1) تأريخ الطبري: 4 / 254، والكامل في التأريخ: 3 / 270.

(2) إعلام الورى: 1 / 468، وتأريخ الطبري: 5 / 540.

٤٢

الحسينعليه‌السلام ورفضه للصبر على الحيف والسكوت على الظلم، فسنّ بذلك للأجيال اللاحقة سنّة الإباء والتضحية من أجل العقيدة وفي سبيلها، حين وقف ذلك الموقف الرسالي العظيم يهزّ الأمة ويشجّعها أن لا تموت هواناً وذلاًّ، رافضاً بيعة الطليق ابن الطليق يزيد بن معاوية قائلاً: (إنّ مثلي لا يبايع مثله).

وها هو يصرّح لأخيه محمد بن الحنفية مجسّداً ذلك الإباء بقولهعليه‌السلام : (يا أخي! والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية)(1) .

ورغم أنّ الشيطان كان قد استحكم على ضمائر الناس فأماتها حتّى رضيت بالهوان، لكن الإمام الحسينعليه‌السلام وقف صارخاً بوجه جحافل الشرّ والظلم من جيوش الردّة الأُموية قائلاً: (والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد،( إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ) )(2) .

لقد كانت كلمات الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام تعبّر عن أسمى مواقف أصحاب المبادئ والقيم وحملة الرسالات، كما تنمّ عن عزته واعتداده بالنفس، فقد قالعليه‌السلام : (ألا وإنّ الدعيَّ ابن الدعيَّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام)(3) .

وهكذا علّم الإمام الحسينعليه‌السلام البشرية كيف يكون الإباء في المواقف وكيف تكون التضحية من أجل الرسالة.

____________________

(1) الفتوح لابن أعثم: 5 / 23، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 188، وبحار الأنوار: 44 / 329.

(2) مقتل الحسين للمقرّم: 280، وتأريخ الطبري: 4 / 330، وإعلام الورى: 1 / 459، وأعيان الشيعة: 1 / 602.

(3) أعيان الشيعة: 1 / 603، والاحتجاج: 2 / 24، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: 2 / 6.

٤٣

6 - الصراحة والجرأة في الإصحار بالحقّ:

لقد كانت نهضة الإمام الحسينعليه‌السلام وثورته بركاناً تفجّر في تأريخ الرسالة الإسلامية وزلزالاً صاخباً أيقظ ضمير المتقاعسين عن نصرة الحقّ، والكلمة الطيبة التي دعت كلّ الثائرين والمخلصين للعقيدة والرسالة الإسلامية إلى مواصلة المسيرة في بناء المجتمع الصالح وفق ما أراده الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد نهج الإمام الحسينعليه‌السلام منهج الصراحة والمكاشفة موضّحاً للأمة الخلل والزيغ والطريق الصحيح، فها هو بكل جرأة يقف أمام الطاغية يحذّره ويمنعه عن التمادي في الغيّ والفساد... فهذه كتبهعليه‌السلام إلى معاوية واضحة لا لبس فيها ينذره ويحذّر من الاستمرار في ظلمه ويكشف للأمة مدى ضلالته وفساده(1) .

وبكلّ صراحة وقوّة رفض البيعة ليزيد بن معاوية، وقال موضّحاً للوليد ابن عتبة حين كان والياً ليزيد: (إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد فاسق فاجر، شارب للخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله)(2) .

وكانت صراحته ساطعة مع أصحابه ومن أعلن عن نصرته، ففي أثناء المسير باتّجاه الكوفة وصله نبأ استشهاد مسلم بن عقيل وخذلان الناس له، فقالعليه‌السلام للذين اتّبعوه طلباً للعافية: (قد خذلنا شيعتنا فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف غير حرج، ليس عليه ذمام)(3) .

____________________

(1) الإمامة والسياسة: 1 / 189 و 195.

(2) الفتوح: 5 / 14، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 184، وبحار الأنوار: 44 / 325.

(3) الإرشاد: 2/75، وتأريخ الطبري: 3 / 303، والبداية والنهاية: 8 / 182، وبحار الأنوار: 44 / 374.

٤٤

فتفرّق عنه ذوو الأطماع وضعاف اليقين، وبقيت معه الصفوة الخيّرة من أهل بيته وأصحابه، ولم يخادع ولم يداهن في الوقت الذي كان يعزّ فيه الناصر.

وقبل وقوع المعركة أذن لكل مَن كان قد تبعه من المخلصين في الانصراف عنه قائلاً: (إنّي لا أعلم أصحاباً أصحّ منكم ولا أعدل ولا أفضل أهل بيت، فجزاكم الله عنّي خيراً، فهذا الليل قد أقبل فقوموا واتّخذوه جملاً، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد صاحبه أو رجل من إخوتي وتفرّقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم، فإنّهم لا يطلبون غيري، ولو أصابوني وقدروا على قتلي لما طلبوكم)(1) .

والحقّ أنّ من يطالع كلّ تفاصيل نهضة الإمام الحسينعليه‌السلام سيجد الصدق والصراحة والجرأة في كلّ قول وفعل في جميع خطوات نهضته المباركة.

7 - عبادته وتقواهعليه‌السلام :

ما انقطع أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام عن الاتّصال بربّه في كلّ لحظاته وسكناته، فقد بقي يجسّد اتّصاله هذا بصيغة العبادة لله، ويوثّق العرى مع الخالق جلّت قدرته، ويشدّ التضحية بالطاعة الإلهية متفانياً في ذات الله ومن أجله، وقد كانت عبادته ثمرة معرفته الحقيقية بالله تعالى.

وإنّ نظرة واحدة إلى دعائهعليه‌السلام في يوم عرفة تبرهن على عمق هذه المعرفة وشدّة العلاقة مع الله تعالى، وننقل مقطعاً من هذا الدعاء العظيم: قالعليه‌السلام : (كيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟! أيكون لغيرك

____________________

(1) الفتوح: 5 / 105، وتأريخ الطبري: 3 / 315، وأعيان الشيعة: 1 / 600.

٤٥

من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهِر لك؟! متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك؟! ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟! عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً... إلهي هذا ذُلّي ظاهر بين يديك، وهذا حالي لا يخفى عليك. منك أطلب الوصول إليك، وبك استدلّ عليك، فاهدني بنورك إليك، وأقمني بصدق العبودية بين يديك... أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتّى عرفوك ووحّدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتّى لم يحبّوا سواك ولم يلجأوا إلى غيرك، أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم... ماذا وَجدَ مَن فقدك؟! وما الذي فقد من وجدك؟! لقد خاب من رضي دونك بَدلاً، ولقد خسر من بغى عنك مُتحوّلا... يا مَن أذاق أحبّاءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملّقين، ويا من ألبس أولياءه ملابس هيبته فقاموا بين يديه مستغفرين...)(1) .

ولقد بدا عليه عظيم خوفه من الله وشدّة مراقبته له حتّى قيل له: ما أعظم خوفك من ربّك! فقالعليه‌السلام : (لا يأمن يوم القيامة إلاّ من خاف من الله في الدنيا)(2) .

صور من عبادتهعليه‌السلام :

إنّ العبادة لأهل بيت النبوةعليهم‌السلام هي وجود وحياة، فقد كانت لذّتهم في مناجاتهم لله تعالى، وكانت عبادتهم له متّصلة في الليل والنهار وفي السرّ والعلن، والإمام الحسينعليه‌السلام - وهو أحد أعمدة هذا البيت الطاهر - كان يقوم

____________________

(1) المنتخب الحسني للأدعية والزيارات: 924 - 925.

(2) بحار الأنوار: 44 / 190.

٤٦

بين يدي الجبّار مقام العارف المتيقّن والعالم العابد، فإذا توضّأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله، فقيل له في ذلك فقالعليه‌السلام : (حقّ لمن وقف بين يدي الجبّار أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله)(1) .

وحرصعليه‌السلام على أداء الصلاة في أحرج المواقف، حتى وقف يؤدّي صلاة الظهر في قمّة الملحمة في اليوم العاشر من المحرّم(2) وجيوش الضلالة تحيط به من كل جانب وترميه من كل صوب.

وكانعليه‌السلام يخرج متذلّلاً لله ساعياً إلى بيته الحرام يؤدّي مناسك الحجّ بخشوع وتواضع، حتّى حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً على قدميه(3) .

وقد اشتهرت بين محدّثي الشيعة ومختلف طبقاتهم مواقفه الخاشعة في عرفات أيّام موسم الحجّ، ومناجاته الطويلة لربّه وهو واقف على قدميه في ميسرة الجبل والناس حوله.

لقد كانعليه‌السلام كثير البرّ والصدقة، فقد روي أنّه ورث أرضاً وأشياء فتصدّق بها قبل أن يقبضها، وكان يحمل الطعام في غلس الليل إلى مساكين أهل المدينة لم يبتغ بذلك إلاّ الأجر من الله والتقرب إليه(4) .

____________________

(1) جامع الأخبار: 76، وراجع: إحقاق الحقّ: 11 / 422.

(2) ينابيع المودة: 410، ومقتل الحسين للخوارزمي: 2 / 17.

(3) سير أعلام النبلاء: 3 / 193، ومجمع الزوائد: 9 / 201.

(4) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 1 / 135.

٤٧

٤٨

الباب الثاني:

فيه فصول:

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسينعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسينعليه‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام الحسينعليه‌السلام من الولادة إلى الإمامة.

٤٩

٥٠

الفصل الأول:

نشأة الإمام الحسينعليه‌السلام

هو أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ثالث أئمّة أهل البيت الطاهرين، وثاني سبطَي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيّد شباب أهل الجنة، وريحانة المصطفى، وأحد الخمسة أصحاب العبا وسيّد الشهداء، وأمه فاطمةعليها‌السلام بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

تأريخ الولادة:

أكّد أغلب المؤرّخين أنّهعليه‌السلام ولد بالمدينة في الثالث من شعبان في السنة الرابعة من الهجرة(1) . وثمّة مؤرّخون أشاروا إلى أنّ ولادتهعليه‌السلام كانت في السنة الثالثة(2) .

رؤيا أم أيمن:

أوّلَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رؤيا للسيدة أم أيمن - كانت قد فزعت منها حين

____________________

(1) تأريخ ابن عساكر: 14 / 313، ومقاتل الطالبيين: 78، ومجمع الزوائد: 9 / 194، وأُسد الغابة: 2 / 18، والإرشاد: 18.

(2) أصول الكافي: 1 / 463، والاستيعاب المطبوع على هامش الإصابة: 1 / 377.

٥١

رأت أنّ بعض أعضائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ملقىً في بيتها - بولادة الحسينعليه‌السلام الذي سيحلّ في بيتها صغيراً للرضاعة، فقد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:

أقبل جيران أم أيمن إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: يا رسول الله، إنّ أم أيمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكي حتّى أصبحت، فبعث رسول الله إلى أم أيمن فجاءته فقال لها: يا أم أيمن، لا أبكى الله عينك، إنّ جيرانك أتوني وأخبروني أنّك لم تزلي الليل تبكين أجمع، فلا أبكى الله عينك ما الذي أبكاك؟ قالت: يا رسول الله، رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم أزل أبكي الليل أجمع، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فقصّيها على رسول الله فإنّ الله ورسوله أعلم، فقالت: تعظم عليّ أن أتكلّم بها، فقال لها: إنّ الرؤيا ليست على ما ترى، فقصّيها على رسول الله. قالت: رأيت في ليلتي هذه كأنّ بعض أعضائك ملقىً في بيتي، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نامت عينك يا أم أيمن، تلد فاطمة الحسين فتربّينه وتُلبنيه(1) فيكون بعض أعضائي في بيتك(2) .

الوليد المبارك:

ووضعت سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراءعليها‌السلام وليدها العظيم، وزفّت البشرى إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأسرع إلى دار عليّ والزهراءعليهما‌السلام ، فقال لأسماء بنت عميس: (يا أسماء هاتي ابني)، فحملته إليه وقد لُفّ في خرقة بيضاء، فاستبشر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وضمّه إليه، وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثمّ وضعه في حجره وبكى، فقالت أسماء: فداك أبي وأمي، ممّ بكاؤك؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (من ابني هذا). قالت: إنّه ولد الساعة، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا أسماء!

____________________

(1) أي: تسقينه اللبن.

(2) بحار الأنوار: 43 / 242.

٥٢

تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي...)(1) .

ثمّ إنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام : أيّ شيء سمّيت ابني؟ فأجابه علىّعليه‌السلام : (ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله). وهنا نزل الوحي على حبيب الله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حاملاً اسم الوليد من الله تعالى، وبعد أن تلقّى الرسول أمر الله بتسمية وليده الميمون، التفت إلى عليعليه‌السلام قائلاً: (سمّه حسيناً).

وفي اليوم السابع أسرع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيت الزهراءعليها‌السلام فعقّ عن سبطه الحسين كبشاً، وأمر بحلق رأسه والتصدّق بزنة شعره فضّة، كما أمر بختنه(2) .

وهكذا أجرى للحسين السبط ما أجرى لأخيه الحسن السبط من مراسم.

اهتمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحسين عليه‌السلام :

لقد تضافرت النصوص الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بشأن الحسينعليه‌السلام وهي تبرز المكانة الرفيعة التي يمثّلها في دنيا الرسالة والأمة. ونختار هنا عدّة نماذج منها للوقوف على عظيم منزلته:

1 - روى سلمان أنّه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في الحسن والحسينعليهما‌السلام : (اللّهمّ إنّي أحبهما فأَحِبَّهما وأحب من أحبّهما)(3) .

2 - (من أحبّ الحسن والحسين أحببته، ومن أحببته أحبّه الله، ومن أحبّه الله عَزَّ وجَلَّ أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله

____________________

(1) إعلام الورى بأعلام الهدى: 1 / 427.

(2) عيون أخبار الرضا: 2 / 25، إعلام الورى: 1 / 427.

(3) الإرشاد: 2/28.

٥٣

خلَّده في النار)(1) .

3 - (إنّ أبنىّ هذين ريحانتاي من الدنيا)(2) .

4 - رُوي عن ابن مسعود أنّه قال: كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي فجاء الحسن والحسينعليهما‌السلام فارتدفاه، فلمّا رفع رأسه أخذهما أخذاً رفيقاً، فلمّا عاد عادا، فلمّا انصرف أجلس هذا على فخذه الأيمن وهذا على فخذه الأيسر، ثم قال: (من أحبّني فَلْيُحبّ هذين)(3) .

5 - (حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط)(4) .

6 - (الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما، وأمهما أفضل نساء أهل الأرض)(5) .

7 - (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة)(6) .

8 - عن برّة ابنة أُمية الخزاعي أنّها قالت: لمّا حملت فاطمةعليها‌السلام بالحسن خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض وجوهه فقال لها: (إنّك ستلدين غلاماً قد هنّأني به جبرئيل، فلا ترضعيه حتّى أصير إليك) قالت: فدخلت على فاطمة حين ولدت الحسنعليه‌السلام وله ثلاث ما أرضعته، فقلت لها: أعطينيه حتّى أُرضعه، فقالت: (كلا) ثمّ أدركتها رقّة الأمهات فأرضعته، فلمّا جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها: (ماذا صنعت؟) قالت: (أدركني عليه رقّة الأمهات فأرضعته) فقال: (أبى الله

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 28.

(2) الإرشاد: 2/28، وصحيح البخاري: 2 / 188، وسنن الترمذي: 5 / 615 ح 3770.

(3) مستدرك الحاكم: 3 / 166، وكفاية الطالب: 422، وإعلام الورى: 1 / 432.

(4) بحار الأنوار: 43 / 261، ومسند أحمد: 4 / 172، وصحيح الترمذي: 5 / 658 ح3775.

(5) بحار الأنوار: 43/261، وعيون أخبار الرضا: 2 / 62.

(6) سنن ابن ماجة: 1 / 56، والترمذي: 5 / 614 / ح 3768، وبحار الأنوار: 43 / 265.

٥٤

عَزَّ وجَلَّ إلاّ ما أراد).

فلمّا حملت بالحسينعليه‌السلام قال لها: (يا فاطمة إنّك ستلدين غلاماً قد هنّأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتى أجيء إليك ولو أقمت شهراً)، قالت: (أفعل ذلك)، وخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض وجوهه، فولدت فاطمة الحسينعليه‌السلام فما أرضعته حتى جاء رسول الله فقال لها: (ماذا صنعت؟) قالت: (ما أرضعته) فأخذه فجعل لسانه في فمه فجعل الحسين يمصّ، حتى قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إيهاً حسين إيهاً حسين)!! ثمّ قال: (أبى الله إلاّ ما يريد، هي فيك وفي ولدك)(1) يعني الإمامة.

9 - إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالساً فأقبل الحسن والحسين، فلمّا رآهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قام لهما واستبطأ بلوغهما إليه، فاستقبلهما وحملهما على كتفيه، وقال: (نعم المطيُّ مطيّكما، ونعم الراكبان أنتما، وأبوكما خير منكما)(2) .

كنيته وألقابه:

أمّا كنيته فهي: أبو عبد الله.

وأمّا ألقابه فهي: الرشيد، والوفي، والطيّب، والسيّد، والزكيّ، والمبارك، والتابع لمرضاة الله، والدليل على ذات الله، والسبط. وأشهرها رتبةً ما لقّبه به جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله عنه وعن أخيه: (أنّهما سيّدا شباب أهل الجنة). وكذلك السبط لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (حسين سبط من الأسباط)(3) .

____________________

(1) بحار الأنوار: 43 / 254، وراجع: المناقب: 3 / 50.

(2) بحار الأنوار: 43 / 285 - 286، راجع: ذخائر العقبى: 130.

(3) أعيان الشيعة: 1 / 579.

٥٥

٥٦

الفصل الثاني:

مراحل حياة الإمام الحسينعليه‌السلام

تنقسم حياة كلّ إمام من الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام إلى قسمين متميّزين:

الأوّل: من الولادة إلى حين استلامه لمقاليد الإمامة والولاية المناطة إليه من الله والمنصوص عليها على لسان رسوله والأئمّةعليهم‌السلام أنفسهم.

والثاني: يبدأ من يوم تصدّيه لإدارة أمور المسلمين والمؤمنين إلى يوم استشهاده.

وقد يشتمل كلّ قسم على عدّة مراحل حسب طبيعة الظروف والأحداث التي تميّز كل مرحلة.

ونحن ندرس الفترة الأولى بجميع مراحلها وأهمّ أحداثها - وهي فترة الولادة حتى الإمامة - في الفصل الثالث من الباب الثاني، بينما ندرس الفترة الثانية بمراحلها المختلفة بشكل تفصيلي في الباب الثالث.

وينبغي أن نعرف أنّ الفترة الأولى من حياة الإمام الحسينعليه‌السلام كانت ذات أربع مراحل هي:

1 - حياته في عهد جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي من السنة (4) إلى (10) هجرية.

2 - حياته في عهد الخلفاء الثلاثة، وهي من السنة (11) إلى (35) هجرية.

3 - حياته في عهد الدولة العلوية المباركة، أي منذ البيعة مع أبيه إلى يوم

٥٧

استشهاده صلوات الله عليه، وهي من السنة (35) إلى (40) هجرية.

4 - حياته في عهد أخيه الحسن المجتبىعليه‌السلام وهي عشر سنوات تقريباً، أي من أواخر شهر رمضان سنة (40) هجرية إلى بداية أو نهاية صفر سنة

(50) هجرية حيث استشهد الحسنعليه‌السلام وتصدّى هو للأمر من بعده.

وأمّا الفترة الثانية من حياته وهي التي تبدأ بعد استشهاد أخيهعليه‌السلام وتنتهي باستشهاده بأرض الطفّ يوم عاشوراء سنة ( 61 ) هجرية، فهي ذات مرحلتين متميزتين:

1 - المرحلة الأولى: مدّة حياته خلال حكم معاوية، حيث بقي - صلوات الله عليه - ملتزماً بالهدنة التي عقدت مع معاوية بالرغم من تخلّف معاوية عن كلّ الشروط التي اشترطت عليه من قبل الإمام الحسنعليه‌السلام ، وقد جسّد تمرّده على كل شروط الصلح بإيعاز السمّ الفاتك إلى الإمام الحسنعليه‌السلام ليتخلّص من رقيب مناهض ويزيل الموانع عن ترشيح ولده الفاسق يزيد.

2 - المرحلة الثانية: وتبدأ بفرض معاوية ابنه يزيد حاكماً متحكّماً في رقاب المسلمين بعد موت أبيه وسعيه لأخذ البيعة من الحسينعليه‌السلام للقضاء على المعارضة التي كان قد عرف جذورها أيام أبيه. ومن هنا تبدأ نهضته التي كانت بركاناً تحت الرماد، فانفجرت بانفجار الفسق والفجور وظهورهما على مسرح القيادة وجهاز الحكم، فبدأ حركته من المدينة إلى مكّة ثم إلى العراق، وتوّج صبره وجهاده بدمائه الطاهرة ودماء أهل بيته وأصحابه الأصفياء التي قدّمها في سبيل الله تعالى.

٥٨

الفصل الثالث:

الإمام الحسينعليه‌السلام من الولادة إلى الإمامة

في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والرسالة الإسلامية مساحة واسعة لبيت عليّ وفاطمة وأبنائهماعليهم‌السلام ومعاني ودلالات عميقة حيث إنّه البيت الذي سيحتضن الرسالة ويتحمّل عبء الخلافة ومسؤولية صيانة الدين والأمة.

وكان لا بدّ لهذا البيت أن ينال القسط الأوفى والحظّ الأوفر من فيض حبّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ورعايته وأبوته، فلم يدّخر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وسعاً أن يروّي شجرته المباركة في بيت علىّعليه‌السلام ويتعهّدها صباح مساء مبيّناً أنّ مصير الأمة مرهون بسلامة هذا البيت وطاعة أهله كما يتجلّى ذلك في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّ علياً راية الهدى بعدي وإمام أوليائي ونور من أطاعني)(1) .

وحين أشرقت الدنيا بولادة الحسينعليه‌السلام ; أخذ مكانته السامية في قلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وموضعه الرفيع في حياة الرسالة.

____________________

(1) حلية الأولياء: 1 / 67، ونظم درر السمطين: 114، وتاريخ ابن عساكر: 2 / 189 ح 680، ومقتل الخوارزمي: 1 / 43، وجامع الجوامع (للسيوطي): 6 / 396، ومنتخب الكنز: 6 / 953 ح2539، والفصول المهمة لابن الصباغ: 107، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 173، ومجمع الزوائد: 9 / 135، وكنز العمّال: 5/153، وصحيح الترمذي: 5 / 328 ح3874، وأُسد الغابة: 2 / 12.

٥٩

وبعين الخبير البصير والمعصوم المسدّد من السماء وجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الوليد الجديد وريثاً للرسالة بعد حين، ثائراً في الأمة بعد زيغ وسكون، مصلحاً في الدين بعد انحراف واندثار، محيياً للسنّة بعد تضييع وإنكار، فراح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يهيّئه ويعدّه لحمل الرسالة الكبرى مستعيناً في ذلك بعواطفه وساعات يومه، وبهديه وعلمه; إذ عمّا قليل سيضطلع بمهام الإمامة في الرسالة الخاتمة بأمر الله تعالى.

فها هوصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: (الحسن والحسين ابناي من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار)(1) .

وهل الحب إلاّ مقدمة الطاعة وقبول الولاية؟ بل هما بعينهما في المآل.

لقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يتألّم لبكائه ويتفقّده في يقظته ونومه، يوصي أمه الطاهرة فاطمة صلوات الله عليها أن تغمر ولده المبارك بكلّ مشاعر الحنان والرفق(2) .

حتّى إذا درج الحسينعليه‌السلام صبيّاً يتحرّك شرع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يلفت نظر الناس إليه ويهيّئ الأجواء لأن تقبل الأمة وصاية ابن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليها، فكم تأنّى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في سجوده والحسين يعلو ظهرهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليظهر للأمة حبّه له وكذا مكانته، وكم سارع النبي يقطع خطبته ليلقف ابنه القادم نحوه متعثّراً فيرفعه معه على منبره(3) ؟ كلّ ذلك ليدلّ على منزلته ودوره الخطير في مستقبل الأمة.

____________________

(1) مستدرك الحاكم: 3 / 166، وتأريخ ابن عساكر: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ، وإعلام الورى: 1 / 432.

(2) مجمع الزوائد: 9 / 201، وسير أعلام النبلاء: 3 / 191، وذخائر العقبى: 143.

(3) مسند أحمد: 5/354، وإعلام الورى: 1/433، وكنز العمال: 7/168،وصحيح الترمذي: 5 / 616 / ح3774.

٦٠