أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)0%

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 244

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 244
المشاهدات: 148293
تحميل: 8101

توضيحات:

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 244 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148293 / تحميل: 8101
الحجم الحجم الحجم
أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأهل بيتهعليهم‌السلام ، فقد دخل هو وأبوه الإسلام مقهورين موتورين يوم فتح مكة، ودخل في عداد الطلقاء، بعد أن كان قد فقد جدّه وخاله وأخاه في الصراع ضد الإسلام قبل فتح مكّة.

على أنّ طوال هذه الفترة - منذ وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى نهاية حكم عثمان - لم يعتنِ النظام الحاكم بالدعوة الإسلامية ونشرها وترسيخها في النفوس، ولم يسع لاجتثاث العقد والأمراض والعادات القبلية، بل كان همّ الحاكمين هو الاندفاع في الفتوحات طمعاً في توسعة الدولة وزيادة الأموال. وقد عمل الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام منذ وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله جاهداً على أن لا تفقد الأمة شخصيتها الإسلامية وحاول تقليل انحرافها، فكان يتدخّل ويُعِين الفئة الحاكمة تارةً باللين واُخرى بالشدّة متجنّباً الصدام المباشر معهم، لأجل استرداد حقّه الشرعي في الخلافة، مؤثراً مصلحة الإسلام العامّة على ما سواها من المصالح(1) .

لقد فجعت الأمة بمصلحها الكبير - يوم استشهد الإمام عليعليه‌السلام - وانهارت بين يدي الإمام الحسن بن عليعليهما‌السلام بعد أن أنهكتها حروب الإصلاح ضد الناكثين والقاسطين والمارقين; إذ أسرعت القوى النفعية والمنافقة والحاقدة على الإسلام إلى الوقوف في وجه الإمام عليعليه‌السلام متنكرة لأوامر الله سبحانه ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير مبالية بمصلحة الأمة، بالرغم من تجسيده للزعامة الحقيقية التي تقود إلى منهج الحقّ والعدل الإلهي، وهم يعلمون بشرعيته التي اكتسبها من الرسالة والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذا ما كان يشكّل خطراً حقيقياً من شأنه أن يلغي وجودهم من المجتمع الإسلامي، ولهذا كانت حروب: الجمل وصفّين ثم النهروان.

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد: 1 / 248.

٨١

ورأى الإمام الحسنعليه‌السلام أن ينهض بالأمة مواصلاً مسيرة الإصلاح ومواجهة الانحراف، ولكنّ الجموع آثرت السلامة والركون إلى الراحة(1) ، فاضطرّ الإمام الحسنعليه‌السلام إلى الصلح والمهادنة مع معاوية - وهو المتحصّن القويّ في بلاد الشام - على شروط وعهود مهمّة، ليضمن سلامة الصفوة الخيّرة من الأمة، وليبني قاعدة جماهيرية أكثر وعياً وأعمق إيماناً برسالتها الإسلامية، كي لا يُمسخ المجتمع المسلم ولا تُمحق الرسالة; إذ ليس السيف دائماً هو الفيصل في حالات النزاع، فربما كان للكلمة والمعاهدة أثر أبلغ في مرحلة خطرة، حيث الهدف هو صيانة الرسالة الإسلامية وحفظ الأمة الإسلامية في كلّ الأحوال، وليتّضح دور النفاق والعداء الذي كان يتّسم به بنو أُمية وما كان يُضمِرهُ حكّامهم للإسلام.

ولقد وقف الإمام الحسينعليه‌السلام إلى جانب أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام وعايش جميع الأحداث التي مرّ بها أخوه، وكانا على اتّفاق تامّ في الرأي والموقف، يعاضده في توجيه الأمة وإنقاذها بعد أن رأى كيف أنّ انحراف السقيفة تكاملت أدواره في هذه المرحلة، وقد سرى هذا الانحراف في جسد الأمة حتى غدت لا تتحفّز لنهضة الإمام الحسنعليه‌السلام ولا تستجيب لأوامره.

وأحاط الإمام الحسنعليه‌السلام بكلّ ما دبّره معاوية من المكائد والدسائس، وأصبحت الأكثرية من جيش العراق في قبضة معاوية بن أبي سفيان وطغمته، بعد أن كان يمثّل جيش العراق العمود الفقري لجيش الإمام عليعليه‌السلام .

ولم يكن ليخفى على الإمام الحسينعليه‌السلام أنّ المعركة - لو قدّر للإمام الحسن أن يدخلها مع معاوية - ستكون لصالح الأخير، وستنتهي حتماً إمّا بقتل

____________________

(1) الإرشاد للمفيد: 8 - 9.

٨٢

الحسن والحسين وجميع الهاشميّين وخُلَّص شيعتهم، أو ستنتهي بأسرهم، في الوقت الذي تحتاج فيه الأمة الإسلامية إلى وجود الإمام المعصوم بينها لإنقاذ ما تبقّى وبناء ما تهدّم; فإنّ الرسالة الإسلامية خاتمة الرسالات ولابدّ من إتمام ما بناه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ومن ذلك تبيّن أنّ ما رواه بعض المؤرّخين من أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام كان كارهاً لما فعله الإمام الحسنعليه‌السلام وأنّه قال له: (أنشدك الله أن لا تصدّق أحدوثة معاوية وتكذّب أحدوثة أبيك) وأنّ الحسن قال له: (أُسكت أنا أعلم منك)... يتبيّن أنّ هذه المرويّات لا أساس لها من الصحة(1) .

هذا بالإضافة إلى أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام كان أبعد نظراً وأعمق غوراً في الأمور ومعطياتها من أفذاذ عصره الذين قدّروا للحسنعليه‌السلام موقفه الحكيم الذي لم يكن هناك مجال لاختيار موقف سواه، وكانعليه‌السلام أرفع شأناً من أن تخفى عليه المصلحة التي أدركها غيره فيما فعله أخوه حتى يقف منه ذلك الموقف المزعوم.

ولا يشكّ المعتقدون بإمامة وعصمة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام في عدم صحة الروايات التي تحدّثت عن معارضة الإمام الحسينعليه‌السلام لموقف أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام من الصلح مع معاوية.

فإذا كان الحسنانعليهما‌السلام إمامين مفترضي الطاعة; كان كلّ ما قاما به هو محض التكليف الإلهي، وطبقاً لما أراده الله تعالى لهما، فليس ثمّة مجال لمثل تلك الروايات.

ويشهد على قولنا هذا روايات معتبرة تعارض تلك الروايات غير الصحيحة، منها ما يلي:

____________________

(1) سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 23.

٨٣

1 - قال أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام : نحن قوم فرض الله طاعتنا، وأنتم تأتمّون بمن لا يعذر الناس بجهالته(1) .

2 - سأل رجل أبا الحسن الإمام الرضاعليه‌السلام فقال: طاعتك مفترضة؟ فقال: نعم، قال: مثل طاعة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ؟ فقال: نعم(2) .

3 - عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال له حمران: جُعلت فداك، أرأيت ما كان من أمر عليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله عَزَّ وجَلَّ وما أصيبوا من قتل الطواغيت إيّاهم والظفر بهم حتى قُتلوا أو غلبوا؟ فقال أبو جعفرعليه‌السلام : يا حُمران! إنّ الله تبارك وتعالى قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثمّ أجراه، فبتقدّم علم ذلك إليهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قام عليّ والحسن والحسين وبعلمٍ صمت من صمت منّا(3) .

4 - وعن عظيم أخلاق الحسينعليه‌السلام واحترامه لأخيه الحسنعليه‌السلام قال الإمام محمد الباقرعليه‌السلام : ما تكلّم الحسين بين يدي الحسن إعظاماً له(4) .

5 - قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنّ معاوية كتب إلى الحسن بن عليّ (صلوات الله عليهما) أن أقدم أنت والحسين وأصحاب عليّ، فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري فقدموا الشام، فأذن لهم معاوية، وأعدّ لهم الخطباء... ثمّ قال: يا قيس! قم فبايع، فالتفت إلى الحسينعليه‌السلام ينظر ما يأمره، فقال: يا قيس! إنّه إمامي ( يعني الحسنعليه‌السلام )(5) .

____________________

(1) أصول الكافي: 1 / 143، باب فرض طاعة الأئمّة.

(2) أصول الكافي: 1 / 143، باب فرض طاعة الأئمّة.

(3) أصول الكافي: 1 / 221 - 222 باب أنّ الأئمّةعليهم‌السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بعهد من الله عَزَّ وجَلَّ وأمر منه لا يتجاوزونه.

(4) حياة الإمام الحسين: 2 / 252.

(5) بحار الأنوار: 44 / 61.

٨٤

احترام الإمام الحسينعليه‌السلام لبنود صلح الإمام الحسن عليه‌السلام :

استشهد الإمام الحسنعليه‌السلام سنة (49) أو (50) للهجرة، ومات معاوية سنة (60) للهجرة، وفي هذه المدة كانت الإمامة والقيادة للإمام الحسينعليه‌السلام ولم تجب عليه طاعة أحد، لكنّهعليه‌السلام ظلّ ملتزماً ببنود معاهدة الصلح التي عقدها أخوه الإمام الحسنعليه‌السلام مع معاوية، فلم يصدر عنه أيّ موقف ينتهك به بنود المعاهدة المذكورة. بل لمّا طالبه بعض الشيعة بالقيام والثورة على معاوية، أوصاهم بالصبر والتقية مشيراً إلى التزامه بالمعاهدة، وأنّه سيكون في حِلٍّ من المعاهدة بموت معاوية.

رسالة جعدة بن هبيرة إلى الإمام الحسينعليه‌السلام :

كان جعدة بن هبيرة بن أبي وهب من أخلص الناس للإمام الحسينعليه‌السلام وأكثرهم مودّة له، وقد اجتمعت عنده الشيعة وأخذوا يلحّون عليه في مراسلة الإمام للقدوم إلى مصرهم الكوفة ليعلن الثورة على حكومة معاوية، فدفع جعدة رسالة إلى الإمام الحسينعليه‌السلام هذا نصها: (أمّا بعد، فإن من قبلنا من شيعتك متطلّعة أنفسهم إليك، لا يعدلون بك أحداً، وقد كانوا عرفوا رأي الحسن أخيك في الحرب، وعرفوك باللين لأوليائك والغلظة على أعدائك والشدّة في أمر الله، فإن كنت تحبّ أن تطلب هذا الأمر فأقدم علينا، فقد وطنّا أنفسنا على الموت معك)(1) .

فأجابه الإمام الحسينعليه‌السلام بقوله: (أمّا أخي فإنّي أرجو أن يكون الله قد

____________________

(1) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 229 - 230.

٨٥

وفّقه وسدّده، وأمّا أنا فليس رأيي اليوم ذاك، فالصقوا رحمكم الله بالأرض، واكمنوا في البيوت، واحترسوا من الظنّة ما دام معاوية حيّاً، فإن يُحدث الله به حدثاً وأنا حيّ كتبت إليكم برأيي، والسلام).

يتبيّن ممّا تقدّم أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام - انطلاقاً من مسؤوليته الشرعية - اتّبع أخاه الإمام الحسنعليه‌السلام في مسألة الصلح مع معاوية، وقد قبله والتزم به طيلة حكم معاوية، بل إنّ عشرات الشواهد تؤكّد أنّهما كانا منسجمين في تفكيرهما ونظرتهما إلى الأمور ومعطياتها ومتّفقين في كلّ ما جرى وتمّ التوصل إليه.

وكما نسبوا إلى الإمام الحسينعليه‌السلام ذلك فقد نسبوا إلى الإمام الحسنعليه‌السلام أيضاً أنّه كان على خلاف مع أبيه! في كثير من مواقفه السياسية قبيل خلافته وخلالها. ومن الواضح أنّ الهدف من أمثال هذه المزاعم هو زرع الشكّ في نفوس الأمة بالنسبة للموقع الريادي للإمامين الشرعيين الحسن والحسينعليهما‌السلام بغية إيجاد الفرقة والاختلاف كي يبتعد الناس عنهما.

استشهاد الإمام الحسنعليه‌السلام :

أقام الإمام الحسنعليه‌السلام بالكوفة أيّاماً بعد أن صالح معاوية، ثمّ عاد مع أخيه الإمام الحسينعليه‌السلام وجميع أهل بيته إلى المدينة، فأقام بها كاظماً غيظه لازماً منزله منتظراً لأمر ربّه جَلَّ اسمه(1) . وكما ذكرنا فإنّ الإمام الحسينعليه‌السلام رفض التحرّك ضد معاوية ما دام حيّاً، التزاماً بمعاهدة الصلح التي كان قد عقدها أخوه الحسنعليه‌السلام معه.

____________________

(1) الإرشاد: 2/15.

٨٦

وقد اهتمّ الإمامانعليهما‌السلام في المدينة بالعبادة وترسيخ العقيدة الإسلامية في نفوس الناس وتوضيح الأحكام الإسلامية للناس وإرشادهم وهدايتهم والعمل من أجل تربية جيل واع يتحمّل مسؤوليته تجاه الظلم والفساد والانحراف الحاصل في مسيرة الأمة. وفي هذه السنوات العشر - كما دوّنته جملة من مصادر التاريخ الإسلامي - قد حدثت عدّة مناوشات كلامية من جانب الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام بالنسبة لتصرفات معاوية وجملة من عناصر بلاطه.

٨٧

٨٨

الباب الثالث

فيه فصول:

الفصل الأول: عصر الإمام الحسينعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مواقف الإمام الحسينعليه‌السلام وإنجازاته.

الفصل الثالث: نتائج الثورة الحسينية.

الفصل الرابع: من تراث الإمام الحسينعليه‌السلام .

٨٩

٩٠

الفصل الأول:

عصر الإمام الحسينعليه‌السلام

البحث الأوّل: حكومة معاوية ودورها في تشويه الإسلام:

أمسك معاوية والطغمة الفاسدة من بني أُمية بزمام الحكم، وأكملوا بذلك الانحراف الذي حصل من السقيفة، حيث حوّل معاوية الخلافة إلى ملك عضوض مستبدّ، حين صرّح بعدائه للأمة الإسلامية واعترف بعدم رضى الأمة به حاكماً بقوله: والله ما ولّيتها - أي الخلافة - بمحبّة علمتها منكم ولا مسرّة بولايتي ولكن جالدتكم بسيفي(1) .

ولكنّ معاوية والتيار الذي تزعّمه واجه عقبةً كؤوداً، هي تطبيق الإمام عليعليه‌السلام لأحكام الشريعة الإسلامية بصورتها الصحيحة. مضافاً إلى أنّه لم يترك الأمة حتى عمّق العقيدة في النفوس، فأحبّته الجماهير - وخصوصاً أهل العراق - وكان في ذلك حريصاً على الرسالة والأمة الإسلامية ومفنّداً مزاعم أرباب السقيفة حين عبّر أبو بكر عن عجزه واعتذر عن كثرة أخطائه بقوله: فإني قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم(2) . فإنّ هذا الاعتذار قد يفهم منه

____________________

(1) تأريخ الخلفاء: 71.

(2) المصدر السابق.

٩١

عدم إمكان التطبيق التام للشريعة الإسلامية. ولكنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام قد قدّم النموذج الحيّ للقيادة الكفوءة الواعية والمعصومة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكانت الأمة المسلمة تتوقّع قائداً كعلي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ولكن معاوية شرع في تشويه هذه القيم الإسلامية ومحاربة القوى المتعاطفة مع أهل البيتعليهم‌السلام وهدم كلّ ما بناه الإمام عليعليه‌السلام في الأمة الإسلامية من قيم فتفقد إرادتها ويموت ضميرها لئلاّ تكون قادرة على مواجهة أهواء الحكّام المخالفة للدين الحنيف. لقد أعلن معاوية - منذ أوّل خطوة - أنّ هدفه الأساس هو استلام زمام الحكم حتّى لو أريقت من أجله دماء المسلمين المحرّمة بكلمته المعروفة: والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم(1) .

منهج معاوية لمحاربة الإسلام:

ولابدّ لنا من دراسة موجزة للمخطّطات الشيطانية التي تبنّاها معاوية وما رافقها من الأحداث الجسام، فإنّها من أهمّ الأسباب في ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام .

لقد رأى الإمامعليه‌السلام ما وصل إليه حال المسلمين من التردّي عقائدياً وأخلاقياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. وكان كل هذا التردّي من جرّاء السياسات التي أبعدت الأمة عن مسار الإسلام الأصيل من خلال ممارسات معاوية التي بلغت ذروتها في فرض يزيد بالقوة خليفةً على المسلمين، فهبّ (سلام الله عليه) بعد هلاك معاوية إلى

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 4 / 16.

٩٢

تفجير ثورته الكبرى التي أدّت إلى إيقاظ النفوس وتحريك إرادة الأمة. واليك بعض معالم سياسات الجاهلية الأُموية التي تصدّى لتنفيذها معاوية:

1 - سياسته الاقتصادية:

لم تكن لمعاوية أيّة سياسة اقتصادية في المال حسب المعنى المتداول لهذه الكلمة، وإنّما كان تصرّفه في جباية الأموال وإنفاقها خاضعاً لرغباته وأهوائه، فهويهب الثراء العريض للمؤيدين له ويحرم معارضيه من العطاء، ويأخذ الأموال ويفرض الضرائب بغير حقّ، وقد شاع في عصر معاوية الفقر والحرمان عند الأكثرية الساحقة من المسلمين، فيما تراكمت الثروات عند فئة قليلة راحت تتحكّم في مصير المسلمين وشؤونهم، وهذه بعض الخطوط الرئيسة في سياسته الاقتصادية:

أ - الحرمان الاقتصادي:

أشاع معاوية الحرمان الاقتصادي في الأقطار التي كانت تضمّ الجبهة المعارضة له، مثل:

* يثرب:

لم ينفق معاوية على أهل يثرب أيّ شيء من المال، لأنّ فيهم كثيراً من الشخصيات المعارضة للأسرة الأموية والطامعة في الحكم، يقول المؤرخون: إن معاوية أجبرهم على بيع أملاكهم فاشتراها بأبخس الأثمان، وقد أرسل قيّماً على أملاكه لتحصيل وارداتها فمنعوه عنها، وقابلوا حاكمهم عثمان بن محمد وقالوا له: إنّ هذه الأموال لنا كلّها، وإنّ معاوية آثر علينا في عطائنا، ولم يعطنا

٩٣

درهماً حتّى مضّنا الزمان ونالتنا المجاعة، فاشتراها بجزء من مائة من ثمنها، فردّ عليهم حاكم المدينة بأقسى القول وأمّره(1).

وقد نصب معاوية على الحجاز مروان بن الحكم تارةً وسعيد بن العاص مرّة أخرى، وكان يعزل الأوّل ويولّي الثاني، وقد جهدا معاً في إذلال أهل المدينة وإفقارهم.

* العراق:

فرض معاوية على أهل العراق عقوبات اقتصاديةً بصفته المركز الرئيسي للمعارضة، وكان واليه المغيرة بن شعبة يحبس العطاء والأرزاق عن أهل الكوفة، وقد سار الحكّام الأمويون بعد معاوية على هذا النهج في اضطهاد أهل العراق وحرمانهم(2) ، باعتبارهم الثقل الأكبر في الخطّ الواعي الذي وقف مع أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ب - استخدام المال لتثبيت ملكه:

استخدم معاوية بيت المال لتثبيت ملكه وسلطانه، واتّخذ المال سلاحاً يمكّنه من التسلّط على الأمة، فقد كان من عناصر سياسة الأمويين استخدام المال سلاحاً للإرهاب وأداةً للتقريب، فحرم منه فئةً من الناس، وأغدق أضعافاً مضاعفة لطائفة أخرى ثمناً لضمائرهم وضماناً لصمتهم(3) .

ووهب معاوية خراج مصر لعمرو بن العاص، وجعله طعمة له مادام

____________________

(1) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 123.

(2) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 125، وراجع العقد الفريد: 4 / 259.

(3) المصدر السابق: 2 / 127، نقلاً عن اتجاهات الشعر العربي: 27، د. محمد مصطفى.

٩٤

حيّاً، وذلك لتعاونه معه على مناجزة أمير المؤمنينعليه‌السلام (1) .

ج - شراء الذمم:

فتح معاوية باباً جديداً في سياسته الاقتصادية وهي شراء الذمم، فقد أعلن عن ذلك بكل دناءة قائلاً: والله لأستميلنّ بالأموال ثقات علي، ولأقسِّمنَّ فيهم الأموال حتى تغلب دنياي آخرته(2) .

كما روي أنّه وفد عليه جماعة من أشراف العرب فأعطى كلّ واحد منهم مائة ألف درهم، وأعطى الحتات عمّ الفرزدق سبعين ألفاً، فلمّا علم الحتات بذلك رجع مغضباً إلى معاوية، فقال له بلا خجل ولا حياء: إنّي اشتريت من القوم دينهم، ووكلتك إلى دينك.

فقال الحتات: اشتر منّي ديني. فأمر له بإتمام الجائزة(3) .

د - ضريبة النيروز:

فرض معاوية على المسلمين ضريبة النيروز في بدعة سنّها من غير دليل في الشريعة الإسلامية، ليسدّ بها نفقاته، وبالغ في إرهاق الناس واضطهادهم على أدائها، وقد بلغت فيما يقول المؤرخون: عشرة ملايين درهم، وهي من الضرائب التي يألفها المسلمون، وقد اتّخذها الحكّام من بعده سنّةً فأرغموا المسلمين على أدائها(4) .

____________________

(1) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 127.

(2) راجع وقعة صفّين لنصر بن مزاحم: 495، وشرح نهج البلاغة: 2 / 293.

(3) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 128 - 129.

(4) المصدر السابق: 2 / 131، وراجع: الحياة الفكرية في الإسلام: 42.

٩٥

2 - سياسة التفرقة:

بنى معاوية سياسته على تفريق كلمة المسلمين، إيماناً منه بأنّ الحكم لا يستقرّ له إلاّ بإشاعة العداء بين أبناء الأمة الإسلامية، (وكانت لمعاوية حيلته التي كرّرها وأتقنها وبرع فيها، واستخدمها مع خصومه في الدولة من المسلمين وغير المسلمين، وكان قوام تلك الحيلة، العمل الدائب على التفرقة والتخذيل بين خصومه بإلقاء الشبهات بينهم وإثارة الإحن فيهم، ومنهم من كان من أهل بيته وذوي قرباه... كان لا يطيق أن يرى رجلين ذوي خطر على وفاق، وكان التنافس الفطري بين ذوي الأخطار ممّا يعينه على الإيقاع بهم)(1) .

أ - اضطهاد الموالي:

بالغ معاوية في اضطهاد الموالي وإذلالهم، وقد رام أن يبيدهم إبادةً شاملةً. يقول المؤرخون: إنّه دعا الأحنف بن قيس وسمرة بن جندب وقال لهما: إنّي رأيت هذه الحمراء قد كثرت، وأراها قد قطعت على السلف، وكأنّي أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان، فقد رأيت أن أقتل شطراً منهم، وأدع شطراً لإقامة السوق وعمارة الطريق(2) .

ب - العصبية القبلية:

أحيى معاوية العصبيات القبلية، وقد ظهرت في الشعر العربي صور مريعة ومؤلمة من ألوان الصراع الذي كانت السلطة الأُموية تختلقه لإشغال الناس عن التدخّل في الشؤون السياسية، وقال المؤرّخون:

____________________

(1) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2/135، عن العقّاد في كتابه (معاوية في الميزان): 64.

(2) العقد الفريد: 2 / 260.

٩٦

إنّ معاوية عمد إلى إثارة الأحقاد القديمة بين الأوس والخزرج محاولاً بذلك التقليل من أهمّيتهم، وإسقاط مكانتهم أمام العالم العربي والإسلامي، كما تعصّب لليمنيّين على المضريّين، وأشعل نار الفتنة فيما بينهم حتى لا تتّحد لهم كلمة تضرّ بمصالح دولته(1) .

3 - سياسة البطش والجبروت:

ساس معاوية الأمة بسياسة البطش والقمع، فاستهان بمقدّراتها وكرامتها، وقد أعلن - بعد الصلح - أنّه قاتل المسلمين وسفك دماءهم كي يتأمّر عليهم، وقد أدلى بتصريح عبّر فيه عن كبريائه وغطرسته فقال: نحن الزمان، من رفعناه ارتفع، ومن وضعناه اتّضع(2) .

وسار عمّاله وولاته على هذه الخطّة الغادرة، فقد خاطب عتبة بن أبي سفيان المصريّين بقوله: فوالله لأقطعنّ بطون السياط على ظهوركم.

وجاء في خطاب لخالد القسري في أهل مكة: فإنّي والله ما أوتي لي بأحد يطعن على إمامه (يعني معاوية) إلاّ صلبته في الحرم(3) .

4 - الخلاعة والمجون والاستخفاف بالقيم الدينية:

عُرف معاوية بالخلاعة والمجون، يقول ابن أبي الحديد: كان معاوية أيام عثمان شديد التهتّك موسوماً بكلّ قبيح، وكان في أيام عمر يستر نفسه قليلاً; خوفاً منه إلاّ أنّه كان يلبس الحرير والديباج ويشرب في آنية الذهب والفضة، ويركب البغلات ذوات السروج المحلاّت بها - أي بالذهب - وعليها جلال الديباج والوشي...

____________________

(1) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 137.

(2) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 138 - 139، والعقد الفريد: 2 / 159.

(3) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني: 22/382 طبعة بيروت.

٩٧

ونقل الناس عنه في كتب السيرة أنّه كان يشرب الخمر في أيام عثمان في الشام(1) .

وروي عن عبد الله بن بريدة قوله: دخلتُ أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفراش، ثم أوتينا بالطعام فأكلنا ثم أوتينا بالشراب فشرب معاوية! ثم ناول أبي فقال: ما شربته منذ حرّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (2) .

وثمة روايات عديدة تحدّثت عن أكل معاوية للربا، منها: أنّ معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن مثل هذا إلاّ مِثلاً بمثل، فقال معاوية: ما أرى به بأساً. فقال له أبو الدرداء: من يُعذرُني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله وهو يخبرني عن رأيه! لا أُساكنك بأرض أنت بها. ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطّاب فذكر له ذلك، فكتب عمر إلى معاوية: أن لا تبع ذلك إلاّ مثلاً بمثل ووزناً بوزن(3) .

ومن مظاهر استخفاف معاوية بالقيم الإسلامية استلحاقه زياد بن عبيد الرومي وإلصاقه بنسبه من دون بيّنة شرعيّة، وإنّما اعتمد على شهادة أبي مريم الخمّار وهو ممّا لا يثبت به نسب شرعي، وقد خالف بذلك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (الولد للفراش وللعاهر الحجر)(4) .

5 - إظهار الحقد على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والعداء لأهل بيته عليهم‌السلام :

حقد معاوية على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد مكث في أيام خلافته أربعين جمعةً لا يصلّي عليه، وسأله بعض أصحابه عن ذلك فقال: لا يمنعني عن ذكره إلاّ أن

____________________

(1) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 144 - 145.

(2) مسند أحمد بن حنبل: 5 / 347.

(3) سنن النسائي: 7 / 279.

(4) راجع قصة الاستلحاق وأسبابها وآثارها في (حياة الإمام الحسن بن علي): 2 / 174 - 190.

٩٨

تشمخ رجال بآنافها)(1) . وسمع المؤذّن يقول: (أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله...) واندفع يقول: لله أبوك يا ابن عبد الله، لقد كنت عالي الهمّة، ما رضيت لنفسك إلاّ أن يقرن اسمك باسم رب العالمين(2) .

وسخّر معاوية جميع أجهزته للحطّ من قيمة أهل البيتعليهم‌السلام الذين هم وديعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى استخدم أخطر الوسائل في محاربتهم وإقصائهم عن واقع الحياة الإسلامية، وكان من بين ما استخدمه في ذلك:

1 - تسخير الوعّاظ ليحوّلوا القلوب عن أهل البيتعليهم‌السلام .

2 - افتعال الأخبار على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للحطّ من قيمة أهل البيتعليهم‌السلام وقد استفاد من أبي هريرة الدوسي، وسمرة بن جندب، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، حيث اختلقوا مئات الأحاديث على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

3 - استخدم معاوية معاهد التعليم وأجهزة الكتاتيب لتغذية النَشْء ببغض أهل البيتعليهم‌السلام وخلق جيل معاد لهم.

وتمادى معاوية في عدائه لأمير المؤمنينعليه‌السلام فأعلن سبّه ولعنه في نواديه العامة والخاصة، وأوعز إلى جميع عمّاله وولاته أن يذيعوا سبّه بين الناس، وسرى سبّ الإمام في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وقد خطب معاوية في أهل الشام فقال لهم: أيّها الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي: إنّك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدسة - يعني الشام - فإنّ فيها الأبدال وقد اخترتكم فالعنوا أبا تراب(3) .

____________________

(1) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 151، عن النصائح الكافية: 97.

(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 10 / 101.

(3) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 160، وشرح نهج البلاغة: 3 / 361.

٩٩

6 - العنف مع شيعة أهل البيتعليهم‌السلام :

اضطُهدت الشيعة أيام معاوية اضطهاداً رسمياً، ومورس معهم أشدُّ أنواع القمع والقهر. وقد وصف الإمام محمد الباقرعليه‌السلام الإرهاب الأموي بقولهعليه‌السلام : (وقتلت شيعتنا بكلّ بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة، وكان من يُذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن أو نهب ماله أو هدمت داره)(1) .

وعمد معاوية إلى إبادة القوى المفكّرة والواعية من الشيعة، وقد ساق أفواجاً منهم إلى ساحات الإعدام، من قبيل: حجر بن عدي ورشيد الهجري وعمرو بن الحمق الخزاعي وأوفى بن حصن.

ولم يقتصر معاوية على تنكيله برجال الشيعة، وإنّما تجاوز ظلمه إلى نسائهم، فأشاع الذعر والإرهاب في العديد منهنّ مثل: الزرقاء بنت عدي وسودة بنت عمارة وأم الخير البارقيّة.

وأوعز معاوية إلى جميع عمّاله بهدم دور الشيعة ومحو أسمائهم من الديوان وقطع عطائهم ورزقهم، كذلك عهد إلى عمّاله بعدم قبول شهادتهم في القضاء وغيره مبالغة في إذلالهم وتحقيرهم.

إنّ انحرافات معاوية وجرائمه لا يمكن استيعابها في هذه الإشارات السريعة، وهي تتطلّب كتاباً خاصاً بها لكثرتها وسعتها، ولقد كنّا نرمي في الدرجة الأولى من هذه الإشارات إلى التمهيد للتطرّق إلى ذِكر جريمته الكبرى التي أدّت بالإمام الحسينعليه‌السلام إلى إعلان ثورته، هذه الجريمة التي تمثّلت في فرض ابنه يزيد الفاسق وليّاً للعهد.

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 3 / 15، والطبقات الكبرى: 5 / 95.

١٠٠