منهاج الصالحين - العبادات الجزء ١

منهاج الصالحين - العبادات13%

منهاج الصالحين - العبادات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184463 / تحميل: 6978
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين - العبادات

منهاج الصالحين - العبادات الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وأما إذا لم يترك فيه شيئاً لتحجيره ففي ارتفاع حقه إشكال، خصوصاً إذا قام لحاجة كالوضوء ونحوه. فالأحوط وجوباً التراضي بينه وبين من يريد إشغال المكان.

(مسألة ٨٦): يحرم اشغال الطريق بالصلاة وغيرها إذا أضر بالمارة. لكن الظاهر عدم بطلان الصلاة بذلك، إلا أن يكون المكث في الطريق من أجل الصلاة مع الالتفات للحرمة.

(مسألة ٨٧): لا بأس بصلاة الرجل والمرأة في مكان واحد، متقدمة عليه ومحاذية له ومتأخرة عنه. نعم يكره ذلك، بل الأحوط استحباباً تركه، إلا أن يتقدم الرجل ولو بصدره، بحيث إذا سجدا يحاذي رأسها ركبتيه، أو يكون بينهما حائل - كجدار ونحوه - وإن كان قصيراً لا يمنع من المشاهدة، أو يكون بينهما مسافة عشرة أذرع بذراع اليد - تقارب خمسة أمتار - ودون ذلك أن يكون بينهما ما لا يتخطى - ويقارب المتر والربع - ودون ذلك أن يكون بينهما قدر عظم الذراع، ودون ذلك أن يكون بينهما شبر.

(مسألة ٨٨): لا فرق بين المحارم وغيرهم والزوج والزوجة وغيرهم، والبالغ وغيره. نعم لابدّ من صحة صلاة كل منهم.

(مسألة ٨٩): لا يجوز لمن يصلي عند قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبور الائمة (عليهم السلام)الصلاة أمام القبر الشريف، بحيث يكون القبر خلفه. بل تكون الصلاة خلف القبر وعن يمينه وشماله. ولا بأس بالتقدم من الجانبين عن سمت القبر الشريف، بحيث لا يصدق عرفاً أن القبر خلف المصلي.

(مسألة ٩٠): يختص المنع عن الصلاة أمام القبر بالصلاة في البنية التي فيه

١٨١

القبر الشريف دون ما خرج عنها من الاروقة المتصلة به.

(مسألة ٩١): لو تقدم المصلي على قبر المعصومين (عليهم السلام) جهلاً بموضع القبر أو بالحرمة أو غفلةً فالظاهر صحة الصلاة.

(مسألة ٩٢): الأحوط وجوباً إلحاق قبر الصديقة الزهراء (عليه السلام) بقبور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة (عليهم السلام) في الحكم المذكور لو تيسر العلم بموضعه. بخلاف قبور غير الائمة (عليهم السلام) مهما ارتفع مقامهم، حتّى الانبياء الاخرين (عليهم السلام) فإنه يجوز التقدم عليها بالمعنى المذكور، إلا أن يستلزم التوهين وسوء الادب، فيحرم وتبطل الصلاة مع الالتفات لذلك.

(مسألة ٩٣): تجوز الصلاة في جوف الكعبة وسطحه. نعم يكره ذلك في صلاة الفريضة، بل الأحوط استحباباً تركه مع الاختيار.

(مسألة ٩٤): يجب في مسجد الجبهة - مضافاً إلى الطهارة، كما تقدم في فصل أحكام النجاسة - أن يكون من الارض أو ما أنبتت غير المأكول والملبوس. والسجود على الارض أفضل، وأفضلها طين قبر الحسين (عليه السلام) فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه كان قد أعدّ منه لصلاته وأنه قال: «إن السجود على تربة أبي عبد الله (عليه السلام) تخرق الحجب السبع». وقال: «السجود على طين قبر الحسين (عليه السلام) ينور إلى الارضين السبعة».

(مسألة ٩٥): لا تجب مماسة بقية المساجد للارض، أو ما انبتت. نعم الافضل مماسة الكفين الارض. بل ربما عم ذلك جميع المساجد.

(مسألة ٩٦): لا يجوز السجود على المعادن إذا لم يصدق عليها الارض كالقير، وقد تقدم في التيمم ما ينفع في المقام.

(مسألة ٩٧): يجوز السجود على الارض المطبوخة كالجص والاجر والخزف والاسمنت ونحوه.

(مسألة ٩٨): المراد بالمأكول والملبوس ما من شأنه أن يؤكل أو يلبس وإن احتاج إلى إعداد من طبخ أو غزل أو نحوهم، والمدار فيه على تعارف

١٨٢

أكل الإنسان ولبسه له بحسب طبعه، ولا عبرة بالحالات الاستثنائية من مرض ومجاعة ونحوهم. نعم إذا كان عدم أكله أو لبسه في الحال المتعارف لندرته وقلّة وجوده فيدخر للضرورات ونحوها كان من المأكول أو الملبوس الذي لا يجوز السجود عليه.

(مسألة ٩٩): الأحوط وجوباً عدم السجود على غير المأكول مما يستخلص منه مادة تؤكل أو تشرب كالبُنّ والشاي. نعم يجوز السجود على التبغ ونحو مما لا يؤكل وان استعمل للتدخين او نحوه.

(مسألة ١٠٠): المدار في الاكل واللبس على عامة الناس، ولا عبرة بالنادر. نعم إذا كان عدم أكل العامة له أو عدم لبسهم لعدم واجديّتهِم له مع أكلهم أو لبسهم له لو وجدوه كان من المأكول أو الملبوس الذي لا يجوز السجود عليه.

(مسألة ١٠١): الأحوط وجوباً عدم السجود على ما يؤكل أو يلبس إذا كان في قشرِه غيرِ الصالح للاكل واللبس كالجوز واللوز وجوزة القطن ونحوه. نعم يجوز السجود على القشر بعد إخراج لُبّه. هذا فيما ينفصل قشره عنه، وأما ما يتصل به كالبطيخ فالظاهر عدم جواز السجود عليه قبل فصل قشره، بل الأحوط وجوباً عدم السجود على قشره حتّى بعد انفصاله عنه.

(مسألة ١٠٢): لا يجوز السجود على المأكول والملبوس حتّى إذا لم يصلح للاكل واللبس بسبب تعفّن أو طبخ أو تمزق أو نحو ذلك، كالثياب المستعملة تعالج وتكبس فتكون محفظة أو نحوه.

(مسألة ١٠٣): لا بأس بالسجود على النوى الذي لا لبّ له أو الذي له لبّ لا يتعارف أكله وان كانت الثمرة ذات النوى مأكولة، وكذا ورق الشجر - الذي يؤكل ثمره - وكذا خشبه وأغصانه ونحو ذلك مما لا يؤكل منه.

١٨٣

(مسألة ١٠٤): يجوز السجود على الخشب وإن صنع منه الاحذية الملبوسة أو دخل في صنعه. وكذا لو اتخذ منه الحلي الملبوس أو كان قُراباً أو مقبضاً للسيف الملبوس.

(مسألة ١٠٥): لا يجوز السجود على رمادِ ما يصح السجود عليه، وكذا الفحم على الأحوط وجوب.

(مسألة ١٠٦): يجوز السجود على القرطاس المتخذ مما يصح السجود عليه كالبَردي، دون ما يتّخذ مما لا يصح السجود عليه كالقطن والكتان. ولو شكّ في حاله لا يجوز السجود عليه.

(مسألة ١٠٧): يجوز - على كراهة - السجود على ما هو مكتوب - من القرطاس وغيره مما يجوز السجود عليه - اذا كانت الكتابة من سنخ اللون. أما اذا كان لها جرم حائل بين بشرة الجبهة وما يصح السجود عليه فلا يجوز السجود إلا ان تكون الفراغات بين الكتابة بمقدار يتحقق به أدنى الواجب من السجود على ما يصح السجود عليه.

(مسألة ١٠٨): يجوز مع التقية السجود على ما لا يصح السجود عليه اختيار. وقد تقدم في الوضوء بعض الفروع المتعلقة بالتقيّة التي تنفع في المقام فراجع.

(مسألة ١٠٩): إذا تعذّر السجود على ما يصح السجود عليه لغير تقية سجَد على ثوبه، والأحوط وجوباً تقديم الثوب من القطن أو الكتان مع تيسُّرهم، فإن لم يتيسّر الثوب سجد على ظهرِ كفّه. والمراد بالتعذر مجرد عدم تيسر السجود على ما يصح السجود عليه في الوقت والمكان الذي يريد المكلف الصلاة فيه - كالمسجد ونحوه - لبرد أو حَرّ أو نحوهم، ولا يعتبر التعذُّر التام، فلا يجب تبديل المكان ولا تأخير الصلاة ولا غير ذلك مما يمكن معه القدرة على ما يصح السجود عليه. نعم الأحوط وجوباً عدم الاكتفاء بفقد ما يصح السجود عليه

١٨٤

إذا أمكن تحصيله بتأخير الصلاة أو تبديله المكان.

(مسألة ١١٠): لو تعذر السجود حتّى على ظهر الكف جاز السجود على كل شيء، والأحوط وجوباً تقديم النبات. والمراد بالتعذر هنا التعذر الحقيقي الذي لا يرتفع بتبديل المكان، ولا بتأخير الصلاة.

(مسألة ١١١): إذا فقَد في أثناء الصلاة ما يصح السجود عليه ففي سعة الوقت يقطع الصلاة، وفي ضيقها ينتقل إلى البدل المتقدم.

(مسألة ١١٢): إذا سجد على ما لا يصح السجود عليه كفى جرّه إلى ما يصح السجود عليه ولا يجب رفعه، بل الأحوط وجوباً عدم الرفع. ولو تعذّر تحصيله بالجرّ فالأحوط وجوباً استئناف الصلاة بعد فعل المبطل أو بعد إتمامه.

(مسألة ١١٣): إذا سجد على ما لا يصح السجود عليه جهلاً به أو بوجوبه أو سهواً ولم يلتفت إلا بعد الفراغ من السجود صحت صلاته.

(مسألة ١١٤): لابدّ من تمكن الجبهة مما يسجد عليه بحيث تثبت وتستقر عليه، ولا يكفي مجرد المماسة من دون استقرار، فلا يجوز السجود على التراب الرخو ولا على الطين غير المتماسك، وكذا إذا كان ما يصح السجود عليه موضوعاً على المكان غير المستقر، كالقطن المندوف. نعم إذا أمكن تحصيل الاستقرار بعد وضع الجبهة بزيادة الاعتماد صح السجود.

(مسألة ١١٥): إذا لصق بجبهته حين السجود شيء من الطين أو التراب وجب إزالته للسجدة الثانية إذا كان مستوعباً للجبهة.

(مسألة ١١٦): إذا لم يجد إلا الطين الذي لا تستمكن الجبهة عليه فالأحوط وجوباً السجود عليه والاكتفاء بمماسّته. نعم إذا كانت الارض مع ذلك موحِلة بحيث يتلطّخ بدنه وثيابه كان له أن يقوم فيصلي ويركع ركوعاً تام، ثم سجد بالايماء قائم، ثم تشهّد وسلّم قائماً أيض. والأحوط وجوب

١٨٥

الاقتصار في ذلك على ما إذا تعذرت الصلاة التامة في تمام الوقت.

(مسألة ١١٧): يشترط في مكان المصلي أن يكون بحيث يستقر فيه المصلي ويتحقق له الطمأنينه المعتبرة في الصلاة فلا تصح في المكان المضطرب والمُهتَزّ، كما في الكثير من صور الصلاة على الدابة وفي السفينة والسيارة والقطار والطائرة. ولا يضر مجرد سير هذه الاُمور إذا لم يكن لها اهتزاز معتدّ به وتحققت بها الصلاة التامة بالركوع والسجود والاستقبال وغيره.

نعم مع الضرورة - ولو لضيق الوقت - تصح الصلاة فيها بالميسور، وحينئذٍ ينحرف إلى القبلة كلّما انحرفت، وإن تعذر الاستقبال في بعضها أو في جميعها سقط. والأحوط استحباباً اختيار الاقرب للقبلة فالاقرب. وكذا الحال في الماشي وغيره من المعذورين. هذا كله في الفريضة وأما في النافلة فيجوز الإتيان بها ماشياً وراكباً اختيار، كما سبق عند الكلام في أعداد الفرائض والنوافل.

(مسألة ١١٨): يستحب إيقاع الصلاة في المسجد، بل في بعض النصوص أن الصلاة في المسجد فرادى أفضل من الصلاة في غيره جماعة. وأفضل المساجد المسجد الحرام. وفي بعض النصوص: أن الصلاة فيه تعدل ألف ألف صلاة في غيره من المساجد، ثم مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصلاة فيه تعدل عشرة آلاف صلاة في غيره من المساجد، ثم مسجد الكوفة والصلاة فيه تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد، ثم المسجد الاقصى والصلاة فيه تعدل ألف صلاة، وفي بعض النصوص مفاضلة بينهم، ثم مسجد الجامع وهو المسجد الاعظم في البلد - والصلاة فيه بمائة صلاة، ثم مسجد القبيلة والصلاة فيه بخمس وعشرين صلاة، ثم مسجد السوق والصلاة فيه باثنتي عشرة صلاة.

(مسألة ١١٩): صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد. وأفضل البيوت المخدع، وهو البيت الصغير الذي يكون داخل بيته.

١٨٦

(مسألة ١٢٠): تستحب الصلاة في مشاهد الائمة(عليهم السلام)، وقد ورد أن الصلاة عند علي (عليه السلام) بمائتي ألف صلاة.

(مسألة ١٢١): يكره تعطيل المساجد، ففي الخبر ثلاثة يشكون إلى الله تعالى: مسجد خراب لا يصلي فيه أحد، وعالم بين جهّال، ومصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه. ويكره الخروج من المسجد بعد الاذان حتّى يصلى فيه - وفي الخبر أنه من علامات النفاق - إلا أن يريد الرجوع إليه. وكذا يكره لجار المسجد أن يصلي في غيره لغير علّة كالمطر، وفي الخبر: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد».

(مسألة ١٢٢): يستحب التردد إلى المساجد، ففي الخبر: من مشى إلى مسجد من مساجد الله فله بكل خطوة خطاها حتّى يرجع إلى منزله عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات. ويستحب الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة. وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أن ترهّب اُمتي القعود في المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة.

(مسألة ١٢٣): يستحب للمصلي أن يجعل بين يديه حائلاً من عود أو حبل أو قلنسوة أو كومة تراب أو نحوها حتّى مثل الخط في التراب.

(مسألة ١٢٤): قد ذكروا أنه يُكره الصلاة في الحمّام والمزبلة والمجزرة والمواضع المعدّة للتخلي وفي بيت فيه مسكر وفي مبارِك الابل ومرابِط الخيل والبغال والحمير والبقر والغنم، بل في كل مكان قذر، وتكره الصلاة أيضاً في الطريق إذا لم يضر المارة، وإلا كان محرّماً - كما تقدم - وتكره أيضاً في مجاري المياه، وفي الارض السبخة وبيت النار كالمطبخ، وعلى القبر وفي المقبرة أو أمامه قبر، وبين قبرين إلا مع الحائل أو بعد عشرة أذرع بذراع اليد.

(مسألة ١٢٥): يكره ان يكون امام المصلي نار مضرمة - ولو سراجاً - او تمثال او صورة لذي روح أو مصحف أو كتاب مفتوحان، او إنسان مواجه له وغير ذلك.

١٨٧

المقصد الثاني

في كيفية الصلاة

وفيه مباحث:

المبحث الأول

في الأذان والاقامة

وفيه فصول..

الفصل الأول

يستحب الاذان والاقامة في الفرائض اليومية أداءً كانت أو قضاءً، في الحضر والسفر، والصحة والمرض، سواءً كانت الصلاة فرادى أم جماعة، وسواءً كان المصلي ذكراً أم أُنثى. ويتأكد استحبابهما للرجال ولا سيما في الادائية، خصوصاً المغرب والصبح، وأشدّهما تأكداً الاقامة. ولا يشرع الاذان والاقامة للنوافل ولا للفرائض غير اليومية كصلاة الايات.

(مسألة ١٢٦): للمرأة أن تجتزئ عن الاذان بالتكبير والشهادتين مرةً مرةً، بل بالشهادتين فقط، كما تجتزئ عن الاقامة بالتكبير وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. بل لو سمعت الاذان اجتزأت بالشهادتين.

(مسألة ١٢٧): لا يشرع الاذان للعصر إذا جُمعت مع الظهر في عرفة يومه، وللعشاء إذا جُمعت مع المغرب في المزدلفة ليلة العيد. كما لا يجوز الاذان للصلاة الثانية للمسلوس إذا جَمع بين صلاتين بوضوء واحد، وإذا أذّن أعاد

١٨٨

الوضوء للثانية. وكذا المستحاضة الكثيرة التي تجمع بين صلاتين بغسل واحد على الأحوط وجوب، فإذا أذّنت أعادت الغسل للثانية. بل كل من جمع بين صلاتين أدائيتين يجزئه لهما أذان واحد في أوّلهم، بل لعله لا يشرع الاذان لما بعدها حينئذٍ. وكذا من جمع بين صلاتين قضائيتين أو أكثر.

(مسألة ١٢٨): يتحقق الجمع بين الصلاة بعدم الفصل بينهما بزمان طويل، ولا ينافيه التعقيب القليل. نعم ينافيه التنفل بين الفريضيتين ولو بركعتين على الأحوط وجوب.

(مسألة ١٢٩): يسقط الاذان والاقامة معاً في موارد:

الأول: من دخل في جماعة قد اُذّن لها واُقيم، إماماً كان أو مأموم. والظاهر عدم مشروعيته.

الثاني: من دخل المسجد قبل تفرق الجماعة سواء صلّى منفرداً أم جماعة إماماً أو مأموماً بشروط:

أحدها: وحدة المكان عرفاً ولو كان واسعاً على الأحوط وجوب، فلا يسقطان مع تعدّده لفصل المسجد بعضه عن بعض ببناء أو ستر،أو لكون إحداهما في أرض المسجد والاُخرى على سطحه.

ثانيها: أن تكون الجماعة السابقة بأذان وإقامة. بل الظاهر الاجتزاء بما إذا سقط الاذان والاقامة عنهم لاجتزائهم بأذانِ غيرهم وإقامته. نعم إذا لم يؤذّنوا ويقيموا من دون أن يسقطا عنهم لم يسقط الاذان والاقامة عمّن بعدهم.

ثالثها: أن تكون الصلاتان أدائيّتين مشتركتين في الوقت على الأحوط وجوب، ففي غير ذلك يؤتى بهما برجاء المطلوبية.

١٨٩

رابعها: أن تكون الجماعة الاُولى صحيحة، هذا والظاهر أن سقوط الاذان والاقامة مع اجتماع الشروط عزيمة - بمعنى أنّهما غير مشروعين - لا رخصة. كما أن الظاهر عموم السقوط لغير المسجد مع وحدة المكان عرف. نعم لا بأس بالإتيان بهما فيه برجاء المطلوبية.

الثالث: من سمع أذان غيره وإقامته للصلاة، فإنه يجزئه ذلك عن أن يؤذّن أو يقيم، ولو سمع أحدَهما أو بعضاً منهما أتمّ ما بقي بشرط مراعاة الترتيب، ولا فرق في المؤذّن والمقيم بين الإمام والمأموم والمنفرد، وكذا لا فرق في السامع بين الإمام والمنفرد، وأما المأموم فيشكل اكتفاؤه بسماع أذان غيره وإقامته في دخوله في الجماعة التي لم يؤذن لها ولم يجزئها أذان آخر.

والخلاصة: سماع الإمام يكفي عن الاذان للجماعة، أما سماع المأمومين أو بعضهم فلا يكفي له. كما أنه يشكل مشروعية أذان بعضهم لنفسه بعد انعقاد الجماعة لدخوله فيها إذا لم يكن قد اُذّن لها ولا أجزأها أذان آخر.

(مسألة ١٣٠): يستحب حكاية الاذان لمن سمعه، كما يستحب الاذان في اُذن المولود اليمنى والاقامة في اليسرى.

الفصل الثاني

فصول الاذان ثمانية عشر: الله أكبر أربع مرات، ثم أشهد أن لا إله إلا الله، ثم أشهد أن محمداً رسول الله، ثم حيّ على الصلاة، ثم حيّ على الفلاح، ثم حيّ على خير العمل، ثم الله أكبر، ثم لا إله إلا الله، كلّ منها مرّتان.

وفصول الاقامة سبعة عشر، وهي كالاذان إلا أن التكبير في أولها مرتان والتهليل في آخرها مرة، ويزاد فيها قبل التكبير في آخرها: قد قامت الصلاة مرتين.

١٩٠

(مسألة ١٣١): تستحب الصلاة على النبي وعلى آله (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) عند ذكر اسمه الشريف في الاذان وغيره، وعند سماع اسمه (صلى الله عليه وآله وسلم).

(مسألة ١٣٢): ورد في بعض الاخبار أن من أجزاء الاذان الشهادة لعلي (عليه السلام) بالولاية وبإمرة المؤمنين، بل عن بعض كتب الجمهور المخطوطة أن أبا ذر (رضي الله تعالى عنه) قد أذَّن بالولاية له (عليه السلام) فشكاه الناس لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقرَّه على ما فعل.

إلا انه حيث لم تتم عندنا حجية الاخبار المذكورة فلا مجال للإتيان بها بنية انها من أجزاء الاذان. نعم قد يحسن الإتيان بها لا بنية ذلك، بل برجاء كونها من أجزاء الاذان المستحبة، أو كونها مستحبة في نفسها لقوله (عليه السلام) في خبر الاحتجاج: «إذا قال احدكم: لا إله إلا الله محمد رسول الله فليقل: علي أمير المؤمنين»، ولانها شهادة بحق جعله الله تعالى من الفرائض الخمس التي بني عليها الإسلام، بل هو أهمه.

وهي بعد شهادة اذن الله سبحانه بها في بدء الخلق مع الشهادتين الأوليين، رفعاً لشأنها وتثبيتاً لمضمونه، فقد روى ثقة الإسلام الكليني بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إنا أول أهل بيت نوَّه الله بأسمائن. انه لما خلق السماوات والارض أمر منادياً فنادى: أشهد ان لا اله إلا الله - ثلاثاً - أشهد ان محمداً رسول الله - ثلاثاً - أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً - ثلاثاً - ».

ولا بدع مع كل ذلك أن يؤتى بها في الاذان والاقامة تأكيداً لها وتثبيتاً لمضمونها لا بنية الجزئية منهم، كما فعل المسلمون في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم قتلوا (عيهلة) الاسود العنسي الكذاب لعنه الله تعالى، فقد قال مؤذنهم - إمعاناً في الحط لدعوته وإعلاناً بخمود نارها -: «أشهد أن محمداً رسول الله وان عيهلة كذاب» ولم ينكر عليهم احد بأنهم قد أدخلوا في الاذان ما ليس منه.

١٩١

وانما تركوا ذلك ولم يستمروا عليه لعدم الحاجة له بعد ان ماتت دعوة العنسي بقتله. أما شهادتنا هذه فلا زال المسلمون في حاجة للاعلان بها بعد ان تجاهلها البعض، بل لا زالوا مصرين على انكارها مجدين في اطفاء نوره، ويأبى الله تعالى إلا ان يتم نوره ويعلي كلمته. وعلى ذلك جرى اتباع أهل البيت (عليهم السلام) على مرِّ العصور وتعاقب الدهور حتى صار شعاراً لهم ورمزاً للايمان، من دون ان يدعي أحد منهم أنها من أجزاء الاذان أو الاقامة الواجبة، فالتزامهم بها كالتزامهم بالصلاة على النبي وعلى آله (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) عند ذكر اسمه الشريف راجح من دون أن يكون جزءً من الاذان ولا الاقامة.

(مسألة ١٣٣): يجزئ في السفر والعجلة الإتيان بكل فصل من الاذان والاقامة مرة مرة.

(مسألة ١٣٤): يشترط في الاذان والاقامة اُمور:

الأول: النية، فيؤتى بالفصول المتقدمة بعنوان أنها أذان أو إقامة، ولا يكفي التلفّظ بها من دون قصد العنوان المذكور. ولابدّ فيهما من قصد القربة. والأحوط وجوباً تعيين الصلاة التي يراد الاذان والاقامة له.

الثاني والثالث: العقل والايمان، دون البلوغ، فيجزئ أذان وإقامة غير البالغ إذا كان مميز.

الرابع: الذكورة على الأحوط وجوب، فلا يجزئ أذان المرأة وإقامتها للرجال، نعم يجزئان للنساء.

الخامس: الترتيب، بتقديم الاذان على الاقامة، وكذا الترتيب بين فصولهما على النحو المتقدم. وإذا خالف الترتيب بين الفصول أعاد على ما يحصل به الترتيب، إلا أن تفوت الموالاة، فيعيد من الأول.

١٩٢

السادس: الموالاة بين فصول كل من الاذان والاقامة، فلا يصح كل منهما مع الفصل الطويل الماحي للصورة عرفاً على الأحوط وجوب. وكذا بين الاذان والاقامة بالنحو الذي لا ينافيه الفصل بما يأتي. وكذا بين الاقامة والصلاة.

السابع: العربية، فلا يجزئ ترجمتها بغير العربية، كما لا يجزئ الملحون.

الثامن: دخول الوقت، حتى للمنفرد في الفجر على الأحوط وجوب.

التاسع: القيام والاستقبال والطهارة في الاقامة دون الاذان، بل غاية الامر أنها مستحبة فيه.

(مسألة ١٣٥): يستحب فيهما التسكين في فصولهم. مع التأنّي في الاذان والاسراع في الاقامة. كما يستحب في الاذان الافصاحُ بالالف والهاء الواقعتين في آخر بعض فصوله، ورفعُ الصوت فيه، ووضع الاصبعين في الاُذُن، وغير ذلك.

(مسألة ١٣٦): يكره الكلام في أثناء الاذان والاقامة، وتشتدّ الكراهة في الاقامة، بل يستحب إعادتها حينئذٍ، وأشدّ ذلك بعد قول: قد قامت الصلاة.

(مسألة ١٣٧): يستحب الفصل بين الاذان والاقامة بصلاة ركعتين أو بسجدة، أو بجلوس أو بكلام، إلا في الفجر فيكره الكلام. ويستحب أن يقول في السجود: «لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاضعاً خاشع» أو: «سجدت لك خاضعاً خاشعاً ذليل».

الفصل الثالث

من نسي الاذان والاقامة حتّى دخل في الصلاة استُحب له قطعُها لتداركهم، ولا سيّما إذا ذكر ذلك قبل أن يركع، وخصوصاً إذا ذكره قبل أن يقر. وكذا إذا نسي الاقامة وحدها وذكر قبل القراءة. بل الظاهر جواز القطع في غير ذلك لتدارك الاذان أو الاقامة، سواء ترك الاذان وحده أم الاقامة وحده.

١٩٣

بل لو تعمّد تركَهما أو ترك أحدهما ثم بدا له التدارك جاز له القطع أيض.

(مسألة ١٣٨): يجري الحكم المذكور في من ترك بعض فصولهم، فله القطع لتدارك ما ترك وما بعده محافظةً على الترتيب، إلا مع الاخلال بالموالاة فيستأنف من الأول.

تتميم: فيه إيقاظ وتذكير

قال الله تعالى: (قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون)، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة (عليهم السلام) كما ورد في أخبار كثيرة - أنه لا يحسب للعبد من صلاته إلا ما يُقبل عليه منه، وأنه لا يقدمنَّ أحدكم على الصلاة متكاسل، ولا ناعس، ولا يفكرنَّ في نفسه، ويقبل بقلبه على ربه ولا يشغله بأمر الدني، وأن الصلاة وفادة على الله تعالى، وأن العبد قائم فيها بين يدي الله تعالى. فينبغي أن يكون قائماً مقام العبد الذليل الراغب الراهب الخائف الراجي المستكين المتضرع، وأن يصلي صلاة مودع يرى أن لا يعود إليها أبد.

وكان الإمام زين العابدين (عليه السلام) إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه إلا ما حرّكت الريح منه، وكان الإمامان الباقر والصادق (عليهم السلام) إذا قاما إلى الصلاة تغيرت ألوانهما مرّةً حمرةً ومرّةً صفرةً وكأنّهما يناجيان شيئاً يريانِه.

وينبغي أن يكون صادقاً في قوله: (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين) فلا يكون عابداً لهواه ولا مستعيناً بغير مولاه. وكذا ينبغي إذا أراد الصلاة أو غيرها من الطاعات أن يستغفر الله تعالى ويندم على ما فرّط في جنب الله، ليكون معدوداً في عداد المتقين الذين قال الله تعالى في حقهم: (إنَّما يتقبَّل الله من المتَّقين).

وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه اُنيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

١٩٤

المبحث الثاني

في أفعال الصلاة

ويجب فيها: النية، وتكبيرة الاحرام، والقيام، والقراءة، والذكر، والركوع، والسجود، والتشهد، والتسليم، والترتيب، والموالاة.

فهنا فصول..

الفصل الأول

في النيّة

الصلاة من العبادات التي تجب فيها النية، ولابد فيها من الإتيان بالافعال بقصد كونها صلاة قربة إلى الله تعالى، على نحو ما تقدّم في الوضوء، وقد تقدم هناك أنّه لابدّ من عدم وقوع العبادة بوجه محرَّم، وتقدم كثير من الفروع المتعلقة بالنيّة الجارية في المقام.

(مسألة ١٣٩): لابدّ من تعيين الصلاة التي يريد الإتيان بها ويمتثل أمره، فإذا كان عليه صلوات متعددة ونوى الإتيان بصلاة منها مردّدة بين الفريضة والنافلة أو بين الادائيّة والقضائية أو بين القضائيّتين بطلت صلاته. نعم يكفي تعيينها إجمال، كما لو نوى الصلاة الواجبة عليه فعلاً وكان الواجب عليه صلاةً واحدةً لا يعرف نوعها صحت صلاته، وكذا لو نوى ما وجب عليه أوّلاً - مثلاً - فيماإذا كان الواجب عليه متعدد.

(مسألة ١٤٠): لا يشترط نيّة القضاء والاداء مع وحدة الصلاة الواجبة

١٩٥

عليه، فلو علم انشغال ذمته بصلاة ظهر مثلاً وترددت بين أن تكون أدائية وقضائية كفى نيّة الظهر الذي انشغلت بها ذمته. بل لو نوى الصلاة الخاصة بتخيل أنها أدائية فبانت قضائية مثلاً أو بالعكس صحت صلاته. فمن أفاق من نومه وتخيّل عدم طلوع الشمس فصلّى صُبح ذلك اليوم بتخيل أنها أدائية صحّت صلاته حتّى لو كانت الشمس طالعةً في الواقع، وكذا لو تخيّل طلوعها فصلى صُبح ذلك اليوم بتخيل أنها قضائية صحت صلاته حتّى لو لم تكن طالعة في الواقع.

(مسألة ١٤١): لا يشترط نية الوجوب ولا الاستحباب مع وحدة الصلاة ذات، فمن علم مشروعية صلاة ولم يعلم أنها واجبة أو مستحبة أجزأه الإتيان بها بنية القربة والمشروعية من دون حاجة إلى قصد الوجوب أو الاستحباب ولو إجمال، بل لو نواها على خلاف واقعها خطأ صحت، كما لو أعاد صلاته جماعة بنية الاستحباب لتخيل صحة صلاته الاُولى فإنها تصح حتى لو انكشف وجوبها لبطلان صلاته الأولى.

(مسألة ١٤٢): إذا أتى بالصلاة فنوى قطعها ثم رجع عن ذلك قبل أن يأتي بشيء من الاجزاء صحت صلاته. أما لو أتى بشيء من الاجزاء مع النيّة المذكورة فلا يجتزئ به، كما لو نوى قبل القراءة قطْعَ الصلاة بعد إكمال القراءة، فقرأ بهذه النية ثم عدل من نية القطع لم يجتزئ بقراءته حينئذٍ، بل يشكل صحة صلاته حتّى لو تدارك القراءة. فالأحوط وجوباً الاستئناف بعد فعل القاطع للصلاة التي بيده أو بعد إكماله.

(مسألة ١٤٣): لا يجب في الصلاه البناء على عدم قطعه، بل تصحّ مع التردد في قطعه، فلو صلّى في مكان يحتمل تعذر إكمال صلاته فيه واضطراره لقطعها فصادف عدم حصول القاطع حتّى أتمها صحت صلاته.

(مسألة ١٤٤): إذا شرع في الصلاة بنيَّةِ صلاة معينة ثم تردّد فيما نواه

١٩٦

أو تخيل أنه نوى صلاة اُخرى فمضى في صلاته بنيّة إتمام ما دخل فيه صحّت ووقعت على ما نواه عند الشروع فيه.

(مسألة ١٤٥): لا يجوز العدول من صلاة إلى اُخرى بحيث تقع للثانية إلا في موارد:

الأول: من دخل في العصر ثم ذكر أنّه لم يصل الظهر أو دخل في العشاء ثم ذكر أنّه لم يصل المغرب، فإن عليه العدول إلى السابقة محافظةً على الترتيب الواجب مع بقاء محل العدول، وإلا فلا مجال للعدول كما لو ذكر أنه لم يصلّ المغرب بعد القيام للرابعة من العشاء فإنها تبطل، كما تقدم في المواقيت.

الثاني: إذا كانت الصلاتان قضائيتين مترتبتين، كالظهر والعصر والمغرب والعشاء، على نحو ما تقدم في الادائيتين.

الثالث: ما إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه فائتة، فإن له العدول للفائتة مع سعة وقت الحاضرة وبقاء محل العدول، وإلا تعيّن إكمال الصلاة على ما نواه.

الرابع: ما إذا قرأ في صلاة الجمعة سورة التوحيد والتفت بعد الفراغ منه، فإنه يستحب أن يجعلها نافلة ويتمها ثم يصلي الجمعة بالجمعة والمنافقين.

الخامس: إذا دخل في الفريضة منفرداً ثم أقيمت الجماعة استحب له العدول بنيته للنافلة وإتمامها ركعتين ليدخل في الجماعة. ولو علم بعدم إدراك الجماعة إذا أتمها نافلة جاز له قطعه، بل يجوز له قطعها حتّى مع عدم خوف الفوت.

(مسألة ١٤٦): إذا عدل في غير مورد العدول، فإن لم يأت بشيء من الاجزاء جاز له الرجوع إلى ما نواه أولاً ويتمّ صلاته. وإن فعل شيئاً قبل الرجوع فكما لا يقع لما عدل إليه، كذلك الأحوط وجوباً عدم وقوعه لما عدل منه ونواه أول، بل يتخيّر بين إبطالها بفعل المبطل وإتمامها برجاء وقوعها عما نواه أولاً من دون أن يعتدّ به.

١٩٧

(مسألة ١٤٧): إذا شكّ في أثناء الصلاة أنه نواها ظهراً أو عصراً مثل، فإن كان لم يصلّ الظهر قبل ذلك نواها ظهراً واجتزأ به. وكذا لو شكّ في أنه صلّى الظهر. وإن كان قد صلّى الظهر بطلت، والأحوط استحباباً عدم الدخول في غيرها إلا بعد إبطالها بفعل أحد المبطلات.

(مسألة ١٤٨): إذا قام لصلاة ثم شكّ بعد الدخول في الصلاة أنه نوى ما قام له أو نوى غيرها لم يبنِ على أنه نوى ما قام له، بل يتعيّن عليه قطع ما بيده بفعل مبطل، أو إتمامه على ما نواه من دون أن يجتزئ به عن صلاة خاصة، إلا أن يتذكر بعد ذلك ما نواه فيجتزئ بها له.

(مسألة ١٤٩): إذا كان في أثناء الصلاة ناوياً لصلاة معينة ثم شكّ في أنه هل نوى تلك الصلاة من أول الامر أو نوى غيرها لم يجتزئ بها لصلاة خاصة، ويجري عليه حكم المسألة السابقة.

الفصل الثاني

في تكبيرة الإحرام

وبها يكون الدخول في الصلاة. وهي ركن تبطل الصلاة بنقصها عمداً أو سهو، كما تبطل بزيادتها عمد، فإذا جاء بها ثانية بطلت الصلاة فيحتاج إلى ثالثة، فإن جاء بالرابعة بطلت أيضاً واحتاج إلى خامسة، وهكذا تبطل بالشفع وتصح بالوتر إذا قصد بكل منها الافتتاح. والظاهر عدم البطلان بزيادتها سهو، كما لو نسي أنه افتتح الصلاة بالتكبير فكبّر للافتتاح. وإن كان الأحوط استحباباً الاستئناف بعد فعل المبطل.

وصورتها: «اللهُ أَكبر» ويجب أن تكون على النهج العربي، فلا يجزئ

١٩٨

الملحون، كما لا يجزئ مرادفها بالعربية ولا ترجمتها بغير العربية، ولا تغيير صورتها بإضافة شيء إليه، بل الأحوط وجوباً عدم وصلها بما قبلها بحذف همزة (الله) ولا بما بعدهابضم راء (أكبر) للدرج.

(مسألة ١٥٠): الجاهل بها يجب عليه التعلم ولو بتلقين غيره لها عند الصلاة، فإن عجز عنها - تامة على ما سبق - اجتزأ بالممكن منه، فإن عجز جاء بمرادفها بالعربية، فإن عجز فبترجمته.

(مسألة ١٥١): الاخرس يأتي بها على قدر الامكان، فإن لم يقدر على شيء منها اكتفى بتحريك لسانه وإشارته بإصبعه مع القصد للمعنى ولو إجمال، بأن يعلم المعنى ويقصده على إجماله حين تحريك اللسان والاشارة بالاصبع من دون استحضار له بخصوصياته، وكذا الحال في قراءته للقرآن وتشهده وذكره ودعائه.

(مسألة ١٥٢): لابدّ في تكبيرة الاحرام من ظهور الصوت ولو خفيفاً بحيث لا يُسمِع إلا نفسَه لو لم يكن مانع، ولا يكفي ما دون ذلك، فضلاً عما إذا لم يكن له صوت أصل، بل كان بمجرّد تحريك اللسان والشفتين. كما لابد من عدم علوّ الصوت المفرط المعدود عرفاً من الصياح.

وهكذا الحال في جميع ما يعتبر في الصلاة من قراءة أو ذكر أو غيرهم. نعم لا بأس بارتفاع الصوت المفرط في القراءة والاذكار المأتي بها لا بنيّة الجزئية من الصلاة، كما يقع من المنبّهين في صلاة الجماعة.

(مسألة ١٥٣): الأولى تفخيم اللام من لفظ الجلالة والباء والراء من «أكبر».

(مسألة ١٥٤): يجب القيام التام حال تكبيرة الاحرام فاذا تركه عمداً أو سهواً بطلت.

(مسألة ١٥٥): لا يكفي القيام حال المشي فلو جاء بتكبيرة الاحرام ماشياً عمداً بطلت، ولو كان ذلك سهواً فالأحوط وجوباً الاستئناف بعد إتمام الصلاة

١٩٩

أو بعد فعل المبطل.

(مسألة ١٥٦): الأحوط وجوباً الطمأنينة حال تكبيرة الاحرام بحيث يصدق عرفاً أنه مستقر حينها غير مضطرب، ولا يجب المداقّة في ذلك. ولو أخلّ بالطمأنينة عمداً لم يجتزئ بالتكبيرة، وإن كان الأحوط وجوباً فعل المبطل قبل إعادته. أما لو أخل بالطمأنينة سهواً فلا تبطل التكبيرة. كما أنه لو عجز عن الطمأنينة لمرض أو ارتجاجِ مكان لا يقدر على غيره سقطت.

(مسألة ١٥٧): لو شكّ في تكبيرة الاحرام قبل الإتيان بما بعدها وجب الإتيان به، وإن كان ذلك بعد الدخول فيما بعدها - كالقراءة بل الاستعاذة بل دعاء التوجه الاتي في المسألة (١٥٩) - بنى على أنه أتى به.

(مسألة ١٥٨): يجزئ في تكبيرة الافتتاح واحدة، والافضل ثلاث تكبيرات، وأفضل منها خمس، وأفضل منها سبع. ويتحقق الدخول في الصلاة بالاُولى، والزائد عليها مكمّل لفضيلته. ويستحب للإمام في صلاة الجماعة الجهر بواحدة والاسرار بالباقي.

(مسألة ١٥٩): يجوز الإتيان بالتكبيرات ولاءً من غير دعاء. والافضل أن يكبر ثلاثاً ثم يقول: «اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت»، ثم يكبر تكبيرتين ثم يقول: «لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك، والمَهدي من هديت، لا ملجأ منك إلا إليك سبحانك وحنانيك وتباركت وتعاليت سبحانك رب البيت»، ثم يكبر التكبيرتين الاخيرتين ويقول: «وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك اُمرت وأنا من المسلمين» وهو دعاء التوجه. وإذا اجتزأ بتكبيرة واحدة استُحب له في دعاء

٢٠٠

فلما مضى الحسين كانت عند علي بن الحسين، ثمّ كانت عند أبي) (1) .

- عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلتُ: أخبرني عن علم عالمكم؟ قال: (وراثة من رسول الله ومن علي، قال: قلتُ: إنّا نتحدّث أنّه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم قال: أو ذاك) (2) .

ويُستفاد من مجموع الأحاديث أنّ سيّدنا محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قد عمل على تدوين كتاب يضمّ مسائل الحلال والحرام ليكون ميراثاً للمسلمين، وأنّه أودعه لدى أوصيائه من بعده؛ لأنّهم ورثة علمه ومراجع المسلمين في قابل الأيّام، وأنّه قام بتربية علي وإعداده لتحمّل هذه المسؤوليّة الخطيرة؛ امتثالاً لأمر الله عزّ وجل، ومن هنا فإنّ هذه الكتب هي ميراث الأئمّة الأطهار عن جدّهم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فكلّ ما يحدّثون به هو في الواقع لا يمثّل آراءهم الخاصّة، بل هو من العلم الذي ورثوه عن صاحب الرسالة صلوات الله عليه.

عن هشام بن سالم وحمّاد بن عثمان وغيرهما عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين, وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلَّى الله عليه وآله، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجل) (3) .

____________________

(1) المصدر السابق: 141.

(2) إثبات الهداة: ج1 ص248.

(3) أصول الكافي: ج1 ص53.

٢٠١

القرآن المصدر الثاني

اقترن ذِكْر أهل البيت (عليهم السلام) بالقرآن الكريم، فلا غرو أنْ نرى القرآن في حجورهم يدورون معه حيث دار، فهو نبعهم الصافي ينهلون منه أخلاقهم وعلومهم.

وقد حبا الله الأئمّة بالأُذُن الواعية، فسمعوه ووعَوه، وغاصوا في لُجَجِ بَحْرِهِ، واستخرجوا لآلئ علمه ومكنونات سِرِّه.

- عن المعلّى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (ما من أمر يَختلف فيه اثنان إلاّ وله أصل في كتاب الله عزّ وجل، ولكن لا تَبْلُغُهُ عُقُولُ الرجال) (1) .

- وعن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): (إذا حدّثْتُكم بشيء فسلوني من كتاب الله.

ثمّ قال في بعض حديثه: إنّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله نهى عن القيل والقال، وفساد المال، وكثرة السؤال.

فقيل له: يا ابن رسول الله أين هذا من كتاب الله؟

قال: إنّ الله عزّ وجل يقول: ( لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) (2) .

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص60.

(2) المصدر السابق.

٢٠٢

- وعن سماعة قال عن أبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) قال: قلت له: أَكُلُّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟ أَوَ تقولون فيه؟ قال: (بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيه) (1) .

- وعن علي أمير المؤمنين قال: (ذلك القرآن فاستنطقوه ولنْ ينطق لكم، أُخْبِرُكُم عنه، إنّ فيه علم ما مضى، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، وحُكْم ما بينكم، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتُمُوني عنه لعلّمْتُكم) (2) .

- وعن سلمة بن محرز قال: سمعتُ الباقر (عليه السلام) يقول: (إنّ مِن عِلْم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه، وعلم تغيير الزمان وحدثانه، إذا أراد الله بقوم خيراً أسمعهم، ولو أسمع مَن لم يسمع لولّى مُعْرِضَاً كأنْ لم يسمع، ثمّ أمسك هُنَيْئَة ثم قال: ولو وجدنا أوعية لقلنا والله المستعان) (3) .

- وعن عبد الأعلى مولى آل سام قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (والله إنّي لأَعْلَمُ كتاب الله من أوّله إلى آخره، كأنّه في كفّي، فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن، قال الله عزّ وجل: فيه تبيان كلّ شيء) (4) .

- وعن بريد بن معاوية قال: قلتُ لأبي جعفر (عليه السلام): ( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) ؟ قال: (إيّانا عنى، وعلي أوّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي صلَّى الله عليه وآله) (5) .

____________________

(1) المصدر السابق: ص62.

(2) المصدر السابق: ص61.

(3) أصول الكافي: ج1 ص229.

(4) المصدر السابق: ص229 / ينابيع المودّة: ص26.

(5) أصول الكافي: ج1 ص229 / ينابيع المودّة: ص119.

٢٠٣

- وعن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخَبَر ما بعدكم، وفصل ما بينكم، ونحن نعلمه) (1) .

- وعن جابر قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (ما ادّعى أحدٌ مِن الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما أُنزل إلاّ كذّاب، وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمّة من بعده) (2) .

وفي النتيجة:

فإنّ الأخبار والروايات التي ذكرنا أمثلة منها تشير إلى أنّ الأئمّة الطاهرين كانوا ينهلون علومهم من القرآن الكريم (3) ؛ لأنّه نزل ( تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ ) . وهم أعلم الناس بعلوم القرآن:

- ناسخه ومنسوخه.

- محكمه ومتشابهه.

- الخاص منه والعام المطلق والمقيّد، ومن أجل هذا تواتر الحديث عن سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والمعروف بحديث الثقلين: (إنّي تارك فيكم ما إنْ تَمَسَّكْتُم بِهِمَا لَنْ تَضِلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لَنْ يَفْتَرِقَا).

لقد كان النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يرمي من وراء ذلك إلى جعل الأئمّة مِن بعده مراجع للمسلمين؛ لأنّهم الامتداد الطبيعي له، وقد اصطفاهم الله لذلك وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

وأخيراً نؤكّد مرّة أُخرى - ومن خلال ما ورد من النصوص النبويّة الشريفة - أنّ طاعة الأئمّة واجبةٌ على كلّ المسلمين، وهي تشمل حتّى أولئك الذين لا يعتقدون بإمامتهم؛ لأنّ أقوالهم حجّة على الجميع.

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص61.

(2) المصدر السابق: ص228.

(3) وفي ضوء ذلك نفهم المعنى المنشود من الآية الكريمة حول القرآن الكريم ( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) ، خاصّةً إذا أَخَذْنا بنظر الاعتبار المعنى الحقيقي لكلمة (المسّ). المترجم.

٢٠٤

عالم الغيب المصدر الثالث

ولا تنحصر علوم الأئمّة بالمصدرَين السابقين فهناك مصدر ثالث يتمثّل بالارتباط بعالم الغيب، فالإلهام والفيض الإلهي لطف من الله سبحانه خصّ به عباده المطهّرين، فالعلم جذوة تتوقّد في أعماق الإمام، تنير له رؤيته وتطلّعه على حقائق العالم، وفي هذا جاءتْ الروايات.

* ومنها:

- عن الإمام موسى بن جعفر قال: (مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماضٍ، وغابر، وحادث، فأمّا الماضي فمفسّر، وأمّا الغابر فمزبور (مكتوب) وأمّا الحادث فقذْف في القلوب ونقْر في الأسماع) (1) .

- عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلتُ: أخبرني عن علم عالمكم؟ قال: (وراثة مِن رسول الله ومِن علي، قال: قلتُ: إنّا نتحدّث أنّه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم؟ قال: أو ذاك) (2) .

- وعن المفضل بن عمر قال: قلتُ لأبي الحسن (عليه السلام): روينا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: (إنّ علمنا غابر، ومزبور، ونكْت في القلوب، ونقْر في الأسماع، فقال: أمّا الغابر فما تقدّم مِن عِلْمِنَا، وأمّا المزبور فما يأتينا،

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص264.

(2) المصدر السابق.

٢٠٥

وأمّا النكْت في القلوب فإلهام، وأمّا النقْر في الأسماع فأمر الملك) (1) .

- عن صفوان بن يحيى قال: سمعتُ أبا الحسن (عليه السلام) يقول: (كان جعفر بن محمّد (عليه السلام) يقول: لولا أنّا نزداد لأنفدنا) (2) .

- وعن ذريح المحاربي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (يا ذريح لولا أنّا نزداد لأنفدنا) (3) .

- عن زرارة قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (لولا أنّا نزداد لأنفذنا.

قال: قلتُ: تزدادون شيئاً لا يعلمه رسول الله؟

قال: أمّا أنّه إذا كان ذلك عُرض على رسول الله ثمّ على الأئمّة، ثمّ انتهى الأمر إلينا) (4) .

- وعن الصادق (عليه السلام) قال: (ليس يخرج شيء من عند الله حتّى يبدأ برسول الله، ثمّ بأمير المؤمنين، ثمّ بواحد بعد واحد؛ لكيلا يكون آخرنا أعلم مِن أوّلنا) (5) .

- وعن أبي يحيى الصنعائي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: (يا أبا يحيى، إنّ لنا في ليالي الجمعة لشأناً من الشأن.

قال: قلتُ: جُعلتُ فداك وما ذاك الشأن؟

قال: يُؤذَنْ لأرواح الأنبياء الموتى، وأرواح الأوصياء الموتى، وروح الوصيّ الذي بين ظهرانيكم يعرج بها إلى السماء حتّى توافي عرش ربّها، فتطوف به أُسبوعاً وتصلّي عند كلّ قائمة من قوائم العرش ركعتَين، ثمّ تُرَدُّ إلى الأبدان التي كانت فيها فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملئوا سروراً، ويُصبح الوصي

____________________

(1) المصدر السابق.

(2) المصدر السابق: ص254.

(3) المصدر السابق.

(4) أصول الكافي: ج1 ص255.

(5) المصدر السابق.

٢٠٦

الذي بين ظهرانيكم وقد زيد في علمه مثل جَمّ القفير) (1) .

- عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) ذات يوم وكان لا يُكنِّيني قبل ذلك: (يا أبا عبد الله .

قال: قلتُ لبَّيك.

قال: إنّ لنا في كلّ ليلة جمعة سروراً .

قلتُ: زادك الله وما ذاك؟

قال: إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله صلَّى الله عليه وآله العرش، ووافى الأئمّة معه ووافينا معهم، فلا تُرَدُّ أرواحنا إلى أبداننا إلاّ بعلم مستفاد ولولا ذلك لأنفدنا) (2) .

- وعن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث له قال: (وإنّ العبد إذا اختاره الله عزّ وجل لأمور عباده شرح صدرَه لذلك، وأودع قلبَه ينابيعَ الحكمة، وأَلْهَمَهُ العلم إلهاماً، فلم يعي بعده بجواب، ولا يحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيَّد، موفَّق مُسَدَّد، قد أَمِنَ من الخطايا والزَلَل والعثار، يخصّه الله بذلك؛ ليكون حجّته على عباده وشاهده على خَلْقه، وذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (3) .

وأحاديث أُخرى:

- عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله: (إنّ سليمان وَرِثَ داود، وإنّ محمّداً وَرِثَ سليمان، وإنّا وَرِثْنَا محمّداً، وإنّ عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور، وتبيان ما في الألواح.

قال: قلتُ: إنّ هذا لهو العلم؟

قال: ليس هذا هو العلم، إنّ العلم الذي يحدث يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة) (4) .

- عن ضريس الكناسي قال: كنتُ عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده أبو

____________________

(1) المصدر السابق: ص253.

(2) المصدر السابق: ص254.

(3) أصول الكافي: ج1 ص202.

(4) المصدر السابق: ص224.

٢٠٧

بصير، فقال أبو عبد الله: (إنّ داود وَرِثَ علم الأنبياء، وإنّ سليمان ورث داود وإنّ محمّداً (صلَّى الله عليه وآله) ورث سليمان، وإنّا ورثنا محمّداً(صلَّى الله عليه وآله) وإنّ عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى، فقال أبو بصير: إنّ هذا لهو العلم، فقال: يا أبا محمّد ليس هذا هو العلم، إنّما العلم ما يحدث بالليل والنهار، يوماً بيوم وساعة بساعة) (1) .

- عن محمّد بن مسلم قال: ذكر المحدّث عن أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: (إنّه يسمع الصوت ولا يرى الشخص.

فقلتُ له: جُعلتُ فداك كيف يعلم أنّه كلام الملك؟

قال: إنّه يعطي السكينة والوقار حتّى يعلم أنّه كلام الملك) (2) .

- وعن حمران بن أعين عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: قال أبو جعفر: (إنّ عليّاً عليه السلام كان محدَّثاً.

فخرجتُ إلى أصحابي فقلتُ: جئتُكم بعجيبة.

فقالوا: وما هي؟

فقلتُ: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان عليٌّ محدَّثاً.

فقالوا: ما صنعتَ شيئاً، أَلاَ سَأَلْتَهُ مَن كان يُحَدِّثُهُ؟

فرجعتُ إليه فقلتُ: إنّي حدّثتُ أصحابي بما حدّثْتَنِي، فقالوا: ما صنعتَ شيئاً، أَلاَ سألتَهُ مَنْ كان يُحَدِّثُهُ؟

فقال لي: يُحدِّثه مَلَك.

قلتُ: تقول: إنّه نبي؟

قال: فَحَرَّكَ يَدَهُ - هكذا (أي نافياً) - أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كَذِي القرنين، أَوَ مَا بَلَغَكُم أنّه قال: وَفِْيُكم مِثْلُه) (3) .

- وكتب الحسن بن العبّاس المعروفي إلى الرضا (عليه السلام) قال: جعلتُ فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام؟

قال: فكتب أو قال: (الفرق بين الرسول والنبي والإمام: إنّ الرسول الذي ينزل عليه جبريل فيراه ويسمع

____________________

(1) المصدر السابق: ص225.

(2) المصدر السابق: ص271.

(3) المصدر السابق.

٢٠٨

كلامه، وتنَزَّل عليه الوحي وربّما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم. والنبي: ربّما سمع الكلام، وربّما رأى الشخص ولم يسمع. والإمام: هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص) (1) .

- وعن الأحول قال: سألتُ أبا جعفر(عليه السلام) عن الرسول والنبي والمحدّث قال: (الرسول: الذي يأتيه جبرئيل قبلاً فيراه ويكلّمه فهذا الرسول، وأمّا النبي: فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم ونحو ما كان من عند الله بالرسالة، وكان محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) حين جمع له النبوّة وجاءتْهُ الرسالة من عند الله يجيئه بها جبريل ويكلّمه بها قبلاً، ومن الأنبياء مَن جمع له النبوّة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلّمه ويحدّثه، من غير أنْ يكون يرى في اليقظة، وأمّا المحدَّث فهو الذي يُحدَّث، ولا يُعايِن ولا يرى في منامه) (2) .

- وعن جماعة بن سعد قال: كان المفضّل عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له المفضّل: جُعلتُ فداك، يفرض الله طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء؟

قال: (لا، الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده مِن أنْ يفرض طاعة عبد على العباد ثمّ يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً) (3) .

وأحاديث أُخرى أيضاً:

- عن أبي حمزة قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (لا والله لا يكون عالم جاهلاً أبداً، عالماً بشيء جاهلاً بشيء.

ثمّ قال: الله أجلّ وأعزّ وأكرم مِن أَنْ يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه.

ثمّ قال: لا يُحجب

____________________

(1) أصول الكافي: ج1، ص176.

(2) المصدر السابق.

(3) أصول الكافي: ج1 ص261.

٢٠٩

ذلك عنه) (1) .

- وفي خطبة لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) جاء فيها: ولقد كان (سيّدنا محمّد صلَّى الله عليه وآله وسلّم) يجاور في كلّ سنة بحراء، فأَرَاهُ ولا يراه غيري، ولم يَجمع بيتٌ واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله صلَّى الله عليه وآله وخديجة وأَنَا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ رِيْح النبوّة، ولقد سمعتُ رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). فقلتُ يا رسول الله ما هذه الرنّة؟

فقال: (هذا الشيطان قد أيس من عبادته. إنّك تَسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلاّ أنّك لستَ بِنَبِي ولكنّك لَوَزِيْرٌ، وإنّك لعلى خير) (2) .

- عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنّا نُزَادُ في الليل والنهار ولولا أنّا نُزَادُ لنفد ما عندنا.

فقال أبو بصير: جُعلتُ فداك مَن يأتيكم؟

قال: إنّ منّا لَمَنْ يُعَايِن معاينة، ومنّا مَن يُنقر في قلبه كيت وكيت، ومنّا مَن يَسمع بإذنه وقعاً كوقع السلسلة في الطست.

قال: قلتُ: جَعلني الله فداك مَن يأتيكم؟

قال: هو خلق أكبر من جبرائيل وميكائيل) (3) .

- عن الباقر (عليه السلام) قال: (كان علي (عليه السلام) يعمل بكتاب الله وسُنّة نبيّه، فإذا ورد عليه الشيء الحادث الذي ليس في الكتاب ولا في السُنّة أَلْهَمَهُ الله الحقّ فيه إلهاماً، وذلك والله من المعضلات) (4) .

- وعن عيسى بن حمزة الثقفي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّا

____________________

(1) المصدر السابق: ص262.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 187.

(3) بحار الأنوار: ج26 ص54.

(4) المصدر السابق: ص55.

٢١٠

نسألك أحياناً تتسرّع في الجواب وأحياناً تطرق ثمّ تجيبنا؟

قال: (نعم، إنّه ينكت في آذاننا وقلوبنا، فإذا نكت نطقنا، وإذا أمسك أمسكنا) (1) .

- عن الحسن بن يحيى المدائني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلتُ له: أخبرني عن الإمام إذا سُئل كيف يُجيب؟

فقال: (إلهام وسماع وربّما كان جميعاً) (2) .

- وعن الحارث بن المغيرة قال: قلتُ لأبي عبد الله: هذا العلم الذي يعلمه عالِمكم أَشَيء يُلقَى في قلبه أو ينكت في أُذُنِهِ؟

فسكت حتّى غفل القوم، ثمّ قال: (ذاك وذاك) (3) .

- عن سليمان الديلمي قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) فقلتُ: جعلتُ فداك سمعتُك وأنت تقول غير مرّة: (لولا أنّا نزاد لأنفدنا).

قال: (أمّا الحلال والحرام فقد والله أنزله الله على نبيّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بكماله، وما يزاد الامام في حلال ولا حرام) (4) .

وهذا غيض من فيض الروايات والأحاديث التي تُشير إلى أنّ الأئمّة من أهل البيت - وبما حَبَاهُم الله من الطهر، وجبلهم عليه من عصمة - كانوا محلاًّ لفيوضات الغيب، يستلهمون الحقائق وتتدفّق في قلوبهم ينابيع الحكمة والكمال والحقيقة.

____________________

(1) المصدر السابق: ص57.

(2) بحار الأنوار: ج26 ص58.

(3) المصدر السابق.

(4) بحار الأنوار: ج26 ص92.

٢١١

الفرق بين الإمام والنبي

* إشكال:

قد يُثار إشكال مفاده: أنّه لا فرق إذن بين الإمام والنبي مادام كلاهما على ارتباط بعالم الغيب، وإذا كان هناك مِن فرق فما هو؟

وما هو موقفنا إزاء الروايات التي تؤكِّد انقطاع الوحي بوفاة سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله)؟

فعن علي (عليه السلام) قال: (أرسله على حين فترة من الرسل وتنازع من الألسن، فقضى به الرسل وختم به الوحي) (1) .

وقال في مناسبة أُخرى: (بأبي أنت وأُمي يا رسول الله، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوّة والأنباء وأخبار السماء) (2) .

* الجواب:

هناك من الروايات ما يؤكِّد ظاهرة الإلهام، وأنّه من أشكال الارتباط بالغيب، خصّ الله الأئمّة المعصومين المطهّرين، وهي تؤكّد أيضاً الفوارق بين الإمام والنبي.

____________________

(1) نهج البلاغة: ج2 ص22.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 230.

٢١٢

الفارق الأوّل:

إنّ الروايات والأخبار تؤكّد على أنّ الإمام ليس مشرِّعاً، ومعنى هذا أنّه أخذ الشريعة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فلقد أولى سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عليّاً اهتماماً خاصّاً، وراح يعدّه خَلَفَاً من بعده، فعلّمه التنزيل والتأويل وفتح له آفاق المعرفة وفجّر له ينابيع العلم والحكمة.

وإذن، فقد أخذ عليٌّ علومَه عن رسول الله، ثمّ أورثها الأئمّة من بعده، فالأئمّة تابعون لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في كلّ ما جاء به من الحلال والحرام؛ ولذا كانوا يقولون: إنّا خزّان علم الرسالة وورثة علوم الوحي، ولقد كان رسول الله يُمْلِي وكان علي يخطّ بيده؛ ليكون ذلك ميراثاً للأئمّة عن صاحب الرسالة (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ولذا كانوا أعلم الناس بـ:

- الناسخ والمنسوخ.

- والمحكم والمتشابه.

- والتأويل والتنزيل من آي الذكر الحكيم.

وكانوا يؤكّدون أنّ أحاديثهم إنّما هي أحاديث الآباء والأجداد عن علي عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

الفارق الثاني:

بالرغم من أنّ الأحاديث تؤكّد حالة الوحي والإلهام للأئمّة (عليهم السلام)، ولكنّ هذه الحالة تختلف تماماً مع وحي الأنبياء:

فالنبي: مرتبط بالغيب بشكلٍ مباشر وهو يُشاهد الملك ويسمع صوته.

أمّا الإمام: فلا يرى الملك ولكن ما يحدث هو قذف في القلب، وإلقاء في النفس، أو وقع في الأُذُن.

وبتعبير الأئمّة نقر في الأذن ، وبهذه الوسيلة كانوا يطّلعون على عالم الحقائق، ومن هنا فوحي الأئمّة يشبه الوحي لـ (أُم موسى) و (ذي القرنين) وجليس سليمان (عليه السلام).

الفارق الثالث:

إنّ الأنبياء - وكما قلنا - على ارتباط مباشر بعالم الغيب ولم

٢١٣

يكونوا يحتاجون في ذلك إلى أحد، غير أنّ الأئمّة يستندون إلى النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَعَنْهُ أخذوا علوم الرسالة وأسرار الوحي والنبوّة، وهو الذي فجّر لهم ينابيع العلم والحكمة والمعرفة، فكل ما يفيض عن الإمام هو من النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، بل وكلّ ما يُلقى في روعه ويقذف في قلبه وفؤاده يُعرض على النبي أوّلاً ثمّ الإمام.

شواهد:

وهذا ما تؤكّده الأحاديث المرويّة، وهذه أمثلة:

- عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إنّما الوقوف علينا في الحلال والحرام فأمّا النبوّة فلا) (1) .

- وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (إنّ عليّاً كان محدَّثاً . فقلتُ [الرواي]: فتقول إنّه نبي؟ قال: فحرّك بيده هكذا (نافياً) ثمّ قال: أو كصاحب موسى أو كذي القرنين. أَوَمَا بَلَغَكُم أنّه قال وفيكم مِثْلُه؟) (2) .

- وعن بريد بن معاوية عن أبي جعفر أو أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قلتُ له: ما منزلتكم ومَن تشبهون مِمَّن مضى؟

قال: (صاحب موسى وذو القرنين. كانا عالمين ولم يكونا نبيّين) (3) .

- عن محمّد بن مسلم قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (الأئمّة بمنزلة رسول الله إلاّ أنّهم ليسوا بأنبياء، ولا يحلّ لهم مِن النساء ما يحلّ للنبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فأمّا ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول الله صلَّى الله

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص268.

(2) المصدر السابق: 269.

(3) المصدر السابق.

٢١٤

عليه وآله) (1) .

- عن محمّد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) فقلتُ: جُعلتُ فداك سمعتُك وأنت تقول غير مرّة: (لولا أنّا نُزاد لأنفدنا.

قال: (أمّا الحلال والحرام فقد - والله - أنزله الله على نبيّه بكماله، وما يُزاد الإمام في الحلال والحرام) (2) .

- عن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) .

قال: (هي في علي، والأئمّة جعلهم الله مواضع الأنبياء، غير أنّهم لا يحلّون شيئاً ولا يحرّمونه) (3) .

- عن سدير الصيرفي قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ قوماً يزعمون أنّكم آلهة، يتلون علينا قرآناً: ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ ) ؟

فقال: يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء وبَرِئَ الله منهم، ما هو على ديني ولا على دين آبائي، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم.

قال: قلتُ: وعندنا قوم يزعمون أنّكم رسل يقرؤون علينا بذلك قرآناً: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ؟

فقال: يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء وَبَرِئَ الله منهم ورسوله، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم.

قال: قلتُ: فما أنتم؟

قال: نحن خزّان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن الحجّة البالغة على مَنْ دون

____________________

(1) المصدر السابق: ص270.

(2) بحار الأنوار: ج26 ص92.

(3) إثبات الهداة: ج3 ص48.

٢١٥

السماء وفوق الأرض) (1) .

- عن الصادق (عليه السلام) قال: (ليس شيء يخرج من الله حتّى يبدأ برسول الله صلَّى الله عليه وآله، ثمّ بأمير المؤمنين (عليه السلام)، ثمّ واحداً بعد واحد؛ لكي لا يكون آخرنا أعلم من أولنا) (2) .

- عن محمّد بن مسلم قال: ذكرتُ المحدَّث عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: (إنّه يسمع الصوت ولا يرى.

فقلت: أصلحك الله، كيف يعلم أنّه كلام الملك؟

قال: إنّه يعطى السكينة والوقار حتّى يعلم أنّه ملك) (3) .

- عن الصادق (عليه السلام) قال: (علّم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عليّاً ألف باب يُفتح من كلّ باب ألف باب) (4) .

ومن خلال هذه الأحاديث ينبغي أنْ نفهم أنّ كيفية التعليم تختلف في طريقتها عمّا هو متعارف بين الناس في أخذ العلوم واكتساب المعرفة، وإلاّ كيف يمكن أنْ نتصوّر أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) - وخلال زمن ربّما لم يستغرق ساعة - قد علّم عليّاً ألفَ باب من العلم، ينفتح عن كلّ بابٍ ألفُ باب؟

وإذن، فهناك طرق أخرى ربّما كانت تكوينيّة وهداية باطنيّة، ولعلّها طاقة النبوّة وفيض من الوحي انعكس عن قلب الرسول فأضاء قلب علي خليفته ووصيّه.

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص269.

(2) بحار الأنوار: ج26 ص92.

(3) المصدر السابق: ص68.

(4) بحار الأنوار: ج26 ص28.

٢١٦

عالم الغيب

عالم الشهادة:

* الغيب:

هو عكس الشهود، وعالم ما وراء الحواس الخمس، فكلّ ما تدركه الحواس يُعَدّ شهوداً، فالمادّة وخواصّها وكلّ ما هو قابل للإدراك من الموادّ ذاتها أو خواصّها وصفاتها تنطوي تحت عالم الشهادة، وهي:

- إمّا مرئيّة تُدرَك بالأبصار.

- أو سمعيّة تُدرَك من خلال الأسماع.

- أو رائحة تُدرَك بحاسّة الشمّ.

- أو لها طعم تُدرَك من خلال حاسّة الذوق.

- أو لَمِْسيّة تُدرَك باللمس، حتّى الطاقة الكهربائيّة والذرّة والجراثيم وغيرها هي الأُخرى تُعَدّ من عالم الشهادة، حتّى وإنْ تعذّرتْ الحواس من الإحاطة بها؛ لأنّها قابلة للرؤية وإنْ تعذّرتْ بسبب صغرها المتناهي، فلو أمكننا صُنْع أجهزة تكبير فائقة لأمكن رؤيتها، وإذن فهي قابلة للرؤية.

ومن هنا فإنّ بعض الموادّ وإنْ تعذّرتْ رؤيتها أو الإحاطة بها من خلال إحدى الحواس، إلاّ أنّها لا تُعَدّ جزءاً من عالم الغيب؛ لأنّ الإنسان مركّب بطريقة محدودة، أي إنّ لحواسّه قابليّات محدودة، ومن المحتمل جدّاً وجود حيوانات تفوق الإنسان في قابليّتها للسمع والرؤية والشمّ.

كما أنّ إدراك آثار تلك الأشياء وصفاتها يجعلها بالتالي ضمن عالم الشهود.

٢١٧

عالم الغيب:

وتنطوي فيه كلّ ما لا تدركه الحواس بذاته أو صفاته من قبيل يوم المعاد والقيامة، الجنّة، الجحيم، الثواب، والجزاء في الآخرة، صفات الله، والملائكة، فكلّ هذه الأشياء وغيرها ممّا لا تُدركه الحواس هو جزء من الغيب.

إنّنا لا يمكننا رؤية الملائكة؛ لأنّها خارجة عن حواسنا، لا لأنّها صغيرة متناهية الصغر، ولا لأنّها شفّافة بَالِغَة الشفافية، بل لأنّها موجودات أسمى من الحواس، وهي خارج إدراكاتنا المحدودة؛ لأنّنا موجودات زمانيّة وهي موجودات خارج الزمان، وإذن، فكلّ الموجودات التي لا يمكن للحواس البشريّة إدراكها هي جزء من عالم الغيب، ولا طريق لإدراكها إلاّ بالعقل وإرشاد من اطّلع على عالم الغيب ومن خلال الإيمان والعقيدة الدينيّة، وما نحصل عليه من معارف وعلوم هو ليس علم حضوري ولا شهودي، وهو من قبيل الإيمان بالجنّة والاعتقاد بالجحيم.

فنحن لا نملك عن عالم الغيب سوى سلسلة من المفاهيم والصور العلميّة التي لا يمكن تصوّرها والإحاطة بها، لا لقصور ذاتي فيها، بل لعجز حواسّنا عن إدراكها، وإذن يمكن القول إنّنا نحن الذين نعيش حالة الغياب عن حقائق العالم وحقيقته.

على أنّ إدراكنا للأجسام وخواصّها يأتي بسبب التناسب بينها وبين حواسنا، وبتعبير آخر بسبب توحّد سنخيَّتها.

فمثلاً:

إنّنا لا ندرك ظاهرة مادّية ما إلاّ في ذات الزمن الذي توجد فيه، فحادثة وقعتْ قبل ألفَي سنة أو بعد ألفَي سنة لا يمكن لحواسّنا إدراكها، كما إنّنا لا ندرك بصريّاً الأشياء التي تقع خارج مدياتالرؤية.

٢١٨

وقد نرى أشياء بعيدة جدّاً باستخدام النواظير المقرِّبة: وهي آلات تعزّز من قدرة الرؤية لدينا؛ أو إنّنا لا نُدرِك وجود الأشياء مع قربها؛ لوجود حواجز بيننا وبينها، وقد يمكننا اختراع آلات معيَّنة من شأنها رفع هذا الحاجز وتجعله عديم التأثير.

والخلاصة: فإنّ مديات الحواس وطبيعة إدراكاتها هي الأُخرى محدودة ومشروطة وخاضعة لدائرة معيَّنة، لا يمكنها أنْ تتجاوزها إلى نطاق مطلق أو بلا قيد أو شرط.

الغيب والشهود:

إنّ الحوادث التي تعدّ غيباً بالنسبة لحواسّنا، هي بالنسبة لخالق العالَم شهادة وحضور؛ ذلك أنّ وجوده لا تحدّه حدود بل هو محيط بما خَلَقَ، خارج عن إطار الزمان؛ لأنّه خالق الزمان والمكان، ولا معنى عنده للماضي والحاضر والمستقبل.

وإذن، فالطوفان الذي أغرق العالم زمن نوح هو بالنسبة لدينا من عالم الغيب، ولكنّه بالنسبة لله حضور وشهود، والحوادث التي ستقع بعد مئة ألف سنة هي غيب بالنسبة لنا وحضور بالنسبة لله، وكذا الجنّة والجحيم.

والخلاصة: فإنّ العلوم التي نكتسبها من خلال الحواس الخمس لا تُعدّ جزءاً من العلم بالغيب، أمّا المعارف التي نحصل عليها خارج إطار الحواس فهي من عالم الغيب.

وبتعبير آخر: إنّ البراهين العقليّة أثبتتْ في محلّها أنّ كل الحوادث والظواهر

٢١٩

في عالم المادّة لا تُفْنَى، وأنّها تحقّق بشكل أكمل في عالم آخر، عالم غير مرئي، عالم هو أسمى من العالم الذي نحيا فيه، وإذنْ، فالإنسان الذي يستخدم حواسّه حتّى يمكنه إدراك ظواهر الأشياء ويجد طريقه إلى عالم الواقع، فإنّ هذا العِلْم لا يُعدّ عِلْمَاً للغيب، أمّا إذا أعمل بصيرته وشاهد الملكوت وحقائق الأشياء، وطوى طريق الباطن ومرحلة الكمال ولم يكن لحواسّه في ذلك من دور، فإنّ عِلْمَاً كهذا هو علم للغيب.

الغيب والشهادة في القرآن:

* استخدم القرآن مصطلح الغيب في مقابل الشهادة كما في قوله تعالى:

- ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) (1) .

- ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ) (2) .

- ( ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (3) .

- ( عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ ) (4) .

* كما أشار إلى مرتبتَين وجوديَّتَين، حيث مرحلة الباطن هي الغيب، وهو من مختصّات الله سبحانه:

- ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) (5) .

- ( إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) (6) .

____________________

(1) الأنعام: الآية 73.

(2) الرعد: الآية 9.

(3) الجمعة: الآية 8.

(4) الزمر: الآية 46.

(5) هود: الآية 123.

(6) الحجرات: الآية 18.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458