منهاج الصالحين - المعاملات الجزء ٢

منهاج الصالحين - المعاملات0%

منهاج الصالحين - المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 344

منهاج الصالحين - المعاملات

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 344
المشاهدات: 71545
تحميل: 4933


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 344 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71545 / تحميل: 4933
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين - المعاملات

منهاج الصالحين - المعاملات الجزء 2

مؤلف:
العربية

(مسألة ١١) : لو امتنع المستأجر في المسألة السابقة من تسليم الاُجرة غاصباً لها ومتعدياً كان للمؤجر حبس العين استيثاقاً لحقّه، كما له حبس غيرها من أمواله. كما أنه لو امتنع المؤجر من تسليم العين غاصباً لها كان للمستأجر حبس الاُجرة عليه استيثاقاً لحقّه، كما له حبس غيرها من أمواله. وهذا بخلاف ما إذا لم يسلّم المستأجر الاُجرة أو لم يسلم الاجير العين لعذر من دون تعد منهم، حيث لا يجوز معه للاخر الحبس.

الفصل الخامس

في تعذر استيفاء المنفعة

تعذر استيفاء المنفعة من العين المستأجرة..

تارة: يكون لتلفها ولو بمثل الموت.

واخرى: يكون لخروجها عن قابلية الانتفاع مع وجوده، كتداعي الدار ومرض الدابة.

وثالثة: يكون لمانع خارجي، كمنع السلطان، وكما لو استأجر الدابة أو السيارة للسفر فمرض بنحو لا يستطيع السفر، أو غصب العين المستأجرة غاصب، أو غير ذلك.

وجميع ذلك موجب لبطلان الإجارة وعدم استحقاق الاُجرة إذا وقع قبل بذل المؤجر العين وتسليمها للمستأجر ليستوفي المنفعة منه، سواء استند للمؤجر أم للمستأجر أم لاجنبي أم لسبب قهري بتفريط من أحد أو ل. وكذا إذا وقع بعد تسليم العين ولم يكن بتفريط من المستأجر.

أما إذا كان بتفريط منه ففي الأول ـ وهو التلف ـ تبطل الإجارة، ويكون

١٤١

ضامناً للعين غير مسلوبة المنفعة. كما أن الاجنبي لو ضمن العين بإتلاف أو نحوه يضمنها غير مسلوبة المنفعة أيض. وفي الثالث لا تبطل الإجارة وتلزمه الاُجرة، نظير ما تقدم في المسألة (٥) من الفصل السابق.

وأما الثاني فالامر فيه لا يخلو عن إشكال، والأحوط وجوباً فيه التراضي بين المؤجر والمستأجر.

(مسألة ١) : إذا استؤجر على عمل في عين ـ كبناء الدار وخياطة الثوب ـ فتعذر العمل، فإن كان تعذره لقصور في الاجير ـ بموت أومرض أو نحوهما ـ بطلت الإجارة مطلق، وإن كان لامر آخر ـ كتلف العين وضياعها ومنع السلطان وغير ذلك ـ فإن لم يكن بتفريط من المستأجر بطلت الإجارة أيض، وإن كانت بتفريط منه ففي بطلان الإجارة وعدم استحقاق الاجير الاُجرة إذا كان مستعداً للعمل إشكال، والأحوط وجوباً التراضي بينهم.

(مسألة ٢) : تعذر استيفاء المنفعة بجميع أقسامه إنما يبطل الإجارة إذا لم تستقر الاُجرة ببذل العين ومضي مدة يمكن استيفاء المنفعة منها على التفصيل المتقدم في المسألة (٥) من الفصل السابق. وكذا الحال في تعذر العمل من الاجير الذي تقدم حكمه في المسألة السابقة، فإنه إنما يبطل الإجارة إذا لم تستقر الاُجرة ببذل الاجير نفسه للعمل في تمام المدة المطلوبة بالنحو المتقدم في المسألة (٨) من الفصل السابق.

(مسألة ٣) : إذا غصب العين غاصب، فإن لم يستوف المنفعة جرى التفصيل المتقدم، وإن استوفى المنفعة المستأجَر عليها فإن كان قبل تسليم العين للمستأجر كان المستأجر مخيراً بين فسخ الإجارة، فترجع له الاُجرة المسماة ويرجع المؤجر على الغاصب بالمثل، وعدم الفسخ، فتستقر الاُجرة المسماة للمؤجر ويرجع هو على الغاصب باُجرة المثل. وكذا إذا كان الغصب بعد تسليم العين من دون تفريط من المستأجر. أما إذا كان بتفريط منه فليس له فسخ

١٤٢

الإجارة، بل تستقر الاُجرة عليه وله الرجوع على الغاصب باُجرة المثل.

(مسألة ٤) : إذا تعذرت المنفعة ـ بنحو يقتضي بطلان الإجارة ـ في بعض المدة دون بعض، فإن كان التعذر قبل تسليم العين لاستيفاء المنفعة ـ كما إذا استأجر الدابة شهراً فمرضت في النصف الأول من الشهر وبرئت في النصف الثاني ـ كان كل من المؤجر والمستأجر مخيراً بين فسخ الإجارة، فترجع الاُجرة بتمامها للمستأجر وليس له من المنفعة شيء، وعدم الفسخ فتصح الإجارة في المقدار القابل للاستيفاء بما يقابله من الاُجرة.

وإن كان بعد تسليم العين لاستيفاء المنفعة منها ـ كما إذا مرضت الدابة في المثال السابق بعد مضي نصف شهر من تسليمها ـ فلا مجال لفسخ الإجارة رأس، بل تبطل من حين سقوط العين عن الانتفاع، وتصح في الزمن السابق بما يقابله من الاُجرة. ويجري التفصيل المذكور في تعذر بعض العمل المستأجر عليه. ويأتي في آخر الفصل السابع ما يتعلق بذلك.

(مسألة ٥) : إذا تعذر استيفاء المنفعة لمانع خاص بالمستأجر ـ كما لو استأجر سيارة ليسافر بها فمنع من السفر بمرض، أو من قبل السلطان ـ فإن اشترط واُخذ في الإجارة مباشرته كان من تعذر استيفاء المنفعة، وإلا فلم تتعذر، بل كان له بذل العين لغيره مجاناً أو باُجرة ليستوفي منفعته.

(مسألة ٦) : إذا استأجره للمداواة فبرئ بطلت الإجارة، لارتفاع موضوع المنفعة، من دون فرق بين أن يستند الشفاء للمؤجر أو يكون قهراً عليه.

(مسألة ٧) : إذا استأجر الطبيب لقلع ضرسه أو لاجراء عملية جراحية له أو نحو ذلك فالظاهر أخذ الحاجة الصحية في موضوع ذلك، فإذا ارتفعت الحاجة له بالشفاء قبل وقت الإجارة دخل في تعذر استيفاء المنفعة، نظير ما تقدم في المسألة السابقة، بخلاف ما إذا استأجره لخياطة ثوبه وبناء داره فارتفعت

١٤٣

الحاجة لذلك بأن رزق ثوباً آخر أو داراً اُخرى، فإن الإجارة لا تبطل بذلك.

(مسألة ٨) : إذا كانت العين المستأجرة كليّة فسلّم فرداً منها لتستوفى منه المنفعة وبعد تسليمه تعذر استيفاء المنفعة منه لم تبطل الإجارة، بل يجب على المؤجر تبديل ذلك الفرد بفرد آخر. وما سبق من بطلان الإجارة بذلك في بعض الصور يختص بما إذا كان موضوع الإجارة العين الشخصية.

(مسألة ٩) : إذا استأجر أجيراً لعمل خاص فقام به غيره بنحو لا يبقى موضوع لعمله، كما لو استأجره على أن يخيط ثوبه، أو يداوي مريضه، فإن ابتنت الإجارة على مباشرة الاجير العمل بنفسه، بطلت الإجارة، وإن لم تبتن على ذلك بل على انشغال ذمته بالعمل مع إمكان قيام غيره مقامه فيه، فإن كان عمل الغير بدلاً عن الاجير ـ تبرعاً أو باُجرة ـ صحت الإجارة واستحق الاجير الاُجرة، وإلا بطلت أيضاً ولم يستحق الاجير شيئ، ولا العامل.

الفصل السادس

في الضمان وعدمه

(مسألة ١) : العين المستأجرة إذا كانت تحت يد المستأجر فهي أمانة في يده يجري عليها حكم الامانات، فلا تكون مضمونة إلا بأمرين..

الأول: التعدي عليها على خلاف مقتضى الاستئمان، باستعمالها في غير ما يقتضيه العقد، كما لو استأجر الدابة مدة فأخرها عنه، أو إلى مكان فركبها إلى غيره، أو استأجر الثوب ليلبسه عند التجمل فلبسه حال التبذل، أو جعله فراشاً يوط، وكما لو ترك الدابة بلا طعام ولا شراب أو أجهدها أو عرّضها للبرد حتى مرضت أو نفقت، وكما لو ابتلّ الثوب فلم ينشره ويجففه حتى تعفّن وتعيّب.

الثاني: التفريط، وهو عدم التحفظ على العين بالنحو المتعارف، كما لو

١٤٤

لم يوثق الدابة فشردت أو تردّت في حفرة، أو لم يقفل البيت فسرق ما فيه، أو نحو ذلك.

(مسألة ٢) : المشهور أن التعدي والتفريط في الامانات موجبان لضمان تلفها وضررها المتأخرين عنهما وإن لم يستندا إليهم، فلو ركب الدابة إلى غير المكان المأذون فيه بمقتضى الاستئمان فلم يضرّ بها ثم تلفت بسبب غير مضمِّن كان عليه الضمان، وكذا إذا لم يوثق الدابة فلم تشرد ثم مرضت، إلى غير ذلك. فالتعدي والتفريط عندهم مخرج لها عن حكم الامانة إلى حكم الغصب.

لكن الظاهر اختصاص الضمان بما إذا استند سبب التلف أوالعطب إلى التعدي أو التفريط، ولا يجري عليها حكم الغصب إلا إذا كان وضع اليد عليها عدواني، كما لو انتهت مدة الإجارة أو بطلت أو فسخت بخيار فأبقى العين عنده بدون رضا المالك مع قدرته على تسليمها له.

(مسألة ٣) : في مورد الضمان إذا تعيّبت العين ولم تتلف، بل بقيت لها قيمة عرفاً يلزم الارش وهو الفرق ما بين قيمتها قبل طروء العيب وقيمتها بعده. وإن تلفت أو صارت بحكم التالف عرفاً لعدم المالية له، فإن كانت مثلية لزم مثله، وإن كانت قيمية لزمت قيمتها يوم التلف، إلا أن يجري عليها حكم الغصب ـ على ما تقدم في المسألة السابقة ـ فحينئذٍ تلزم قيمتها يوم الغصب.

(مسألة ٤) : إذا كانت مثليّة وتعذر المثل لزم دفع قيمته يوم الاداء.

(مسألة ٥) : المثلي هو الذي تنسب القيمة فيه عرفاً لنوعه لا لشخصه، كالذهب وأنواع الطعام ومنتوجات المعامل الحديثة ذات الماركات الخاصة. والقيمي هو الذي تنسب القيمة عرفاً له بشخصه، ككثير من المصنوعات اليدوية والحيوانات والاشياء المستعملة وغيره.

(مسألة ٦) : للمؤجر أن يشترط على المستأجر الضمان، بحيث تنشغل

١٤٥

ذمته بالمثل أو القيمة، وأظهر من ذلك ما إذا اشترط عليه أن يعطيه عوض العين أو أرش النقص. ولا يفرق في ذلك بين الإجارة الصحيحة والفاسدة.

(مسألة ٧) : كما أن العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر، كذلك العين التي يدفعها المستأجر للاجير ليعمل فيه، كالثوب الذي يدفع للاجير ليخيطه أو يصبغه، والجهاز الذي يدفع له ليصلحه، والدقيق الدي يدفع له ليخبزه، وغير ذلك، فإن جميع ذلك أمانة في يد الاجير، ويجري عليها الحكم المتقدم من عدم الضمان إلا بالتعدي و التفريط والشرط.

(مسألة ٨) : لا يجب على المستأجر تدارك ما يحصل للاجير في مدة الإجارة أو العمل من ضرر في نفسه، سواءً كان عمل الاجير في حوزة المستأجر وتحت يده ـ كما لو حفر بئراً في داره ـ أم ل، كما لو دفع إليه الثوب ليخيطه، وسواءً كان الاجير عبداً أم حر، كبيراً أم صغير، وسواءً كان الضرر بسبب العمل أم بسبب آخر، إلا مع الشرط، أو كون المستأجر هو السبب في الضرر، أو كونه غاراً أو خادع، فيضمن حينئذٍ.

(مسألة ٩) : إذا دفع إليه عيناً ليعمل فيها عملاً ـ كخياطة أو صبغ أو غيرهما ـ فعمله، ثم تلفت مضمونة عليه وجب عليه ضمانها بما أنها واجدة للصفة الحاصلة من العمل، كما سبق. نعم يستحق الاجير اُجرة العامل حينئذٍ.

(مسألة ١٠) : كل من آجر نفسه لعمل في مال الغير أو في نفسه ـ كالخياط والنجار والحداد والقصاب والختان وغيرهم ـ إذا استؤجر على أن يعمل بوجه صالح من دون تحديد العمل الذي يعمله فهو ضامن إذا أفسد. وكذا إذا حدد له العمل فتجاوزه فأفسد، أما إذا لم يتجاوز ما حدد له فلا ضمان عليه، ويجري ذلك في كل من يعمل للغير وإن لم يكن مستأجراً حتى التبرع.

(مسألة ١١) : يضمن الطبيب والبيطري المباشران للعلاج ـ بمثل حقن الدواء في بدن المريض وطلي جسمه به وتدليكه وشقه وجبر كسره

١٤٦

ونحوها ـ مطلق، وكذا الطبيب المشرف على العلاج ـ بحيث تكون فعلية العلاج بتوجيهه، فلا يستعمل المريض الدواء في كل مرة إلا بأمره ـ إذا كان المريض قاصراً لا يستقل بالتصرف لصغر أو جنون أو نحوهم، بل مطلقاً على الأحوط وجوب. بل الأحوط وجوباً ضمانه بوصفه للعلاج عند الرجوع إليه من أجل أن يتعالج به وإن لم يكن مشرفاً على العلاج، حتى لو كان المريض أو المباشر للعلاج مستقلاً بالتصرف. نعم لا يضمن بمجرد وصفه للدواء إذا كان لمجرد الاعلام برأيه من دون أن يكون من أجل ترتب العلاج عليه.

(مسألة ١٢) : يسقط ضمان الطبيب والبيطري بأخذه البراءة من المريض أو المالك أو وليهم. ويكفي في البراءة حضورهم للعلاج مع علمهم بعدم ابتناء العلاج على اليقين، وتعرضه للخطر. والظاهر جريان ذلك في كل من يعمل للغير ويتبرأ من الضمان.

(مسألة ١٣) : الممرض التابع للطبيب والمنفذ تعاليمه في حق المريض يضمن مع مباشرته للعلاج أو أمره للمريض القاصر باستعمال العلاج في حالتين..

الاُولى: أن لا يكون مأذوناً من قبل المريض أو وليه بتنفيذ أمر الطبيب أو إرشاده.

الثانية: أن يتجاوز إرشاد الطبيب وتوجيهه من دون إذن المريض أو وليه.

(مسألة ١٤) : إذا عثر الحمال فسقط ما على رأسه فتلف لم يضمنه إلا أن يكون مقصر، لاقدامه على الحمل مع علمه من نفسه أنه يتعثر كثير، أو لسلوكه طريقاً غير مستو، أو لاسراعه في السير على خلاف المتعارف، أو نحو ذلك.

(مسألة ١٥) : إذا حمل الاجير على الدابة شيئاً فسقط منها وتلف أوتعيّب، فإن استند ذلك إليه ضمن، كما إذا لم يحُكم شده المتاع وأرسلها فسقط المتاع، أو نخس الدابة أو ضربها فنفرت وألقت ما عليه، إلا أن يتعارف فعل ذلك،

١٤٧

بحيث تبتني الإجارة على عدم الضمان معه. وإن لم يستند إليه لم يضمن، كما لو طار طائر فنفرت، أو مطرت السماء فزلقت، إلا أن يكون مقصر، كما لو تعارف إحكام شد المتاع في أيام المطر، فلم يفعل. ويجري هذا التفصيل في جميع وسائط النقل ونحوه.

(مسألة ١٦) : إذا قال للخياط: خط هذا الثوب قميصاً لي، فقطعه فلم يكف قميصاً له، كان عليه ضمان النقص، لعدم تحقق ما أذن له فيه. أما إذا قال: اصبغ هذا الثوب لاجعله قميصاً لي فصبغه فلم يكفِ فلا ضمان عليه، إلا أن يكون الاذن مقيداً بكفايته، كما لو قال: إن كان هذا الثوب يكفيني قميصاً فاصبغه أو نحو ذلك.

(مسألة ١٧) : حيث تقدم أن العين التي يدفعها المؤجر للاجير أمانة في يد الاجير لا يضمنها إلا بالتعدي والتفريط، فإن ادعى تلفها بسبب لا يقتضي الضمان ـ كالسرقة والحرق والغرق من دون تفريط ـ فإن كان هناك ما يناسب ذلك ـ كسرقة محله كله ونحو ذلك مما يرفع الشبهة عنه ـ صُدّق، وكذا إذا كان ثقة مأموناً أو جاء بالبينة، بل الأحوط وجوباً عدم تضمينه إذا حلف، أما إذا لم يحلف فيجوز تضمينه.

(مسألة ١٨) : إذا استؤجر لحراسة محل تجاري أو نحوه من دون أن يجعل تحت يده أمانة عنده، فسرق المحل فإن لم يكن بتقصير منه فلا ضمان، ويستحق الاُجرة، وإن كان بتقصير منه لم يستحق الاُجرة لكن لا يضمن أيض، إلا أن يتضمن عقد الإجارة اشتراط الضمان على تقدير التفريط أو مطلق، فيضمن حسب الشرط.

(مسألة ١٩) : إذا استؤجر لحفظ متاع وجعل تحت يده أمانة عنده فسُرق، كان ضامناً له مع التقصير. ولا ضمان مع عدمه إلا مع الشرط، كما تقدم في المسألة السابقة. ولا يستحق الاُجرة على كل حال، إلا أن يكون الحفظ المستأجر

١٤٨

عليه استمرارياً إلى مدة معينة ـ كشهر ـ فحفظه في بعض المدة، فإنه يستحق من الاُجرة بنسبة المدة التي حفظه فيها إلى المدة المستأجر عليه.

(مسألة ٢٠) : إذا استأجر عيناً فآجرها لغيره وسلمها له ـ في مورد صحة الإجارة الثانية ـ فتلفت عند الثاني، أو تعيّـبت بتقصير من الثاني كان الثاني ضامن، وأما الأول فلا يضمن إلا إذا كان الثاني الذي سلمها له غير مأمون عنده. وكذا الحال إذا استؤجر على عمل في عين يأخذها عنده فاستأجر آخر على العمل فيها وسلمها له.

الفصل السابع

في أحكام الإجارة

(مسألة ١) : إذا استوفى المستأجر من العين أكثر من المنفعة المستأجر عليها كان عليه للمؤجر مع الاُجرة المسماة قيمة مثل المنفعة الزائدة، كما إذا سار بالدابة أطول من المسافة المقررة، أو حملها أكثر من الحمل المتفق عليه، أو أسكن في الدار أكثر من العدد المقرر، أو استعمل الاجير مدة أطول، وهكذ. وكذا إذا استوفى منها منفعة اُخرى مع المنفعة المستأجر عليه، كما لو استأجر الدابة لجر العربة فحمل عليها مع ذلك، أو استأجر الجارية للخدمة فاسترضعها لولده، فإن عليه مع الاُجرة المسماة اُجرة المثل للمنفعة الاُخرى.

(مسألة ٢) : إذا استلم المستأجر العين ولم يستوف منها المنفعة المستأجر عليها بل استوفى غيرها مع إمكان استيفاء المنفعتين معاً وجب عليه الاُجرة المسماة للمنفعة المستأجر عليها التي فوّتها على نفسه واُجرة المثل للمنفعة الاُخرى التي استوفاه، سواءً كان ذلك لعدم التضاد بين المنفعتين ـ كما لو استأجر الامة للخدمة فاسترضعها ولم يستخدمها ـ أم لسعة الوقت للمنفعتين

١٤٩

معاً مع التضاد بينهم، كما لو استأجر السيارة يوماً للذهاب لكربلاء، فلم يذهب لكربلاء بل ذهب للحلة. نعم يستحق في الثاني مع بقاء الوقت استيفاء المنفعة المستأجر عليه، إلا أن يبتني عقد الإجارة على اشتراط عدم الجمع بين المنفعتين تجنباً لاجهاد العين، وحينئذٍ يلحقه حكم تعذر الجمع بين المنفعتين.

(مسألة ٣) : إذا استلم المستأجر العين ولم يستوف منها المنفعة المستأجر عليه، بل استوفى غيرها مما يتعذر جمعه معها ـ كما إذا استأجر الدار للسكن فصيرها محلاً تجاري، أو استأجر السيارة يوماً للسفر شرقاً فسافر بها غرباً ـ فالظاهر أن للمؤجر مع الاُجرة المسماة قيمة المثل لفرق ما بين المنفعتين، فإذا كانت قيمة منفعة المحل التجاري ضعف قيمة منفعة دار السكن في المثال السابق استحق مع الاُجرة المسماة نصف اُجرة المثل للمحل التجاري. وإذا كانت المنفعتان متساويتين قيمة أو كانت المنفعة المستوفاة أقل لم يستحق شيئاً زائداً على الاُجرة المسماة.

نعم له في جميع الصور فسخ الإجارة، لمخالفة المستأجر الشرط باستعمال العين في غير المنفعة المستأجر عليه، وحينئذٍ يستحق اُجرة المثل للمنفعة المستوفاة بتمامه، دون الاُجرة المسماة.

(مسألة ٤) : إذا استأجر أجيراً لعمل خاص فحضر الاجير للعمل فطلب منه عملاً آخر فعمله ـ كما إذا استأجر عاملاً يوماً للخياطة، فكلفه بالحراسة أو الكتابة ـ فإن رجع ذلك منهما إلى التراضي على إبدال العمل المستأجر عليه بالعمل الاخر فلا إشكال في لزوم الإجارة واستحقاق الاُجرة المسماة لا غير، وإن لم يرجع إلى ذلك ـ كما لو كانا غافلين عن مقتضى الإجارة، أو كان الاجير مجبوراً على العمل الاخر، أو قاصراً لا ينفذ تصرفه، أو غير ذلك ـ جرى فيه التفصيل المتقدم في المسألتين السابقتين.

١٥٠

(مسألة ٥) : إذا استأجر عيناً على أن يستوفي منفعتها بنفسه فمكّن غيره من استيفائها وأذن له في ذلك لم ينفذ ذلك منه، ويحرم على ذلك الغير استيفاؤه، فلو استوفاها كان المورد من صغريات ما تقدم في المسألة (٣) من استيفاء المنفعة المضادة للمنفعة المستأجر عليه، فيكون للمؤجر فسخ الإجارة، فإن فسخ لم يستحق الاُجرة المسماة على المستأجر، بل يستحق اُجرة المثل للمنفعة المستوفاة على من استوفاه، وإن لم يفسخ كان له الاُجرة المسماة على المستأجر، وكان للمستأجر على المستوفي اُجرة المثل للمنفعة إذا لم يكن قد أذن له في استيفائها مجان. نعم لو فرض ـ حينئذٍ ـ زيادة اُجرة المنفعة إذا استوفاها الشخص المذكور عن اُجرتها إذا استوفاها المستأجر كان للمؤجر قيمة المثل لفرق ما بين المنفعتين، نظير ما تقدم في المسألة (٣).

(مسألة ٦) : إذا استأجر عيناً على أن يستوفي منفعتها بنفسه ف آجرها من غيره ليستوفيها لم تنفذ الإجارة منه، بل تتوقف على إجازة المؤجر الأول، فإن أجاز نفذت الإجارة ووقعت للمستأجر الأول، لرجوعها عرفا إلى إسقاط شرط مباشرته في الاستيفاء، فيلحقها حكم المسألة الاتية. وإن لم يجز حرم على المؤجر الثاني استيفاء المنفعة، وإن استوفاها حينئذٍ جرى حكم المسألة السابقة.

(مسألة ٧) : إذا استأجر عيناً على منفعة خاصة فاستوفى غيره منفعتها من دون إذن منه، فإن كان ذلك مع استيفاء المستأجر للمنفعة المستأجر عليها ـ لعدم التضادّ بين المنفعتين ـ استحق المؤجر على المستأجر الاُجرة المسماة، على الثاني اُجرة المثل للمنفعة التي استوفاه. وان لم يستوف المستاجر المنفعة المستاجر عليها فله صورتان..

الاُولى: أن يكون عدم استيفاء المستأجر للمنفعة بسبب منع ذلك الغير له من دون تقصير منه، وحينئذٍ تبطل الإجارة ويجب على المؤجر إرجاع الاُجرة

١٥١

المسماة للمستاجر، ويستحق هو اُجرة المثل للمنفعة المستوفاة على من استوفاه.

الثانية: أن يكون عدم استيفاء المستأجر للمنفعة تسامحاً منه في ذلك مع قدرته عليه، وحينئذٍ إن لم تكن المنفعة المستوفاة مضادة للمنفعة المستأجر عليها صحت الإجارة ووجب للمؤجر الاُجرة المسماة على المستأجر، واُجرة المثل للمنفعة المستوفاة على من استوفاه. وإن كانت مضادة لها صحت الإجارة ايضاً ووجبت للمؤجر الاُجرة المسماة.

وأما بالاضافة إلى اُجرة المثل للمنفعة المستوفاة، فإن زادت قيمة المثل للمنفعة المستوفاة عن قيمة المثل للمنفعة المستأجر عليها كان للمؤجر نسبة ما بين القيمتين منها والباقي للمستأجر، فإذا كانت قيمة المنفعة المستوفاة ضعف قيمة المنفعة المستأجر عليها كان للمؤجر نصف قيمة المنفعة المستوفاة والنصف الثاني للمستأجر، وإن لم تزد عليها كانت بتمامها للمستأجر.

نعم إذا كان استيفاء الغير للمنفعة بالوجه المذكور منافياً لشرط صريح أو ضمني في عقد الإجارة بأن تبتني الإجارة على عدم تمكين الغير من العين وكان الاستيفاء مبنياً على التسامح من المستأجر في ذلك كان للمؤجر فسخ الإجارة فلا يستحق معه الاُجرة المسماة، بل يستحق تمام اُجرة المثل للمنفعة المستوفاة على من استوفاه.

(مسألة ٨) : يجوز لمستأجر العين أن يؤجرها من غيره، فمن استأجر مقعداً في سيارة مثلاً جاز له أن يؤجره من غيره، إلا مع اشتراط المباشرة صريحاً أو ضمناً ولو لانصراف الإجارة إليه. نعم إذا كانت الإجارة في مثل المنفعة المذكورة مبنية على تسليم العين للمستأجر فلا يجوز للمستأجر الأول تسليمها للثاني إذا لم يكن أميناً بنظره، وإلا كان ضامن، كما سبق.

وهكذا الحال إذا استؤجر لعمل في عين لغيره كخياطة ثوبه وبناء داره،

١٥٢

فإنه يجوز مع عدم اشتراط المباشرة أن يستأجر غيره لذلك، ولا يجوز له تسليمه العين إلا إذا كان أميناً بنظره.

(مسألة ٩) : من استأجر عيناً لم يشترط فيها المباشرة جاز له أن يؤجرها لغيره بأقل مما استأجرها به وبقدره، وكذا بالاكثر إذا أحدث فيها حدثاً ـ كصبغ بيوت الدار وإصلاح بابها وغير ذلك ـ أو غرم فيها شيئ. وأما بدون ذلك فلا يجوز في البيت والدار والدكان، بل ولا في الرحى والارض على الاظهر، بل الأحوط وجوباً عموم المنع لكل عين مستأجرة.

(مسألة ١٠) : قيل: يجوز لمن استأجر عيناً أن يؤجرها بغير جنس الاُجرة التي استأجرها به، وإن كانت أكثر قيمة منها بحيث يكون له الربح في ذلك. لكنه لا يخلو عن إشكال، بل الاظهر المنع في الارض، والأحوط وجوباً المنع في غيرها أيض.

(مسألة ١١) : يجوز للمستأجر أن يؤجر بعض العين المستأجرة بأكثر من نسبته من اجرة الكل، بل يجوز بتمام اُجرة الكل من دون زيادة، فمن استأجر داراً بألف دينار ـ مثلاً ـ جاز له أن ينتفع بثلثيها بنفسه، ويؤجر ثلثها بألف دينار، لا بأكثر.

(مسألة ١٢) : يجوز لمن تَقبّل أرضاً للزراعة أن يُقبّلها لغيره بأكثر مما تَقبّلها به وإن لم يحدث فيها شيئاً ولم يغرم، إذا كان ذلك بحصة مشاعة من ثمره، لا بمقدار معين، فمن تقبل أرضاً مثلاً على أن يدفع ربع حاصلها لمالكها جاز له أن يقبلها لغيره بنصف حاصله، فإذا أخذ النصف دفع منه ربعاً للمالك ويكون الربع الثاني ربحاً له. ولا يجوز ذلك مع تحديد الاُجرة بشيء معين، كألف دينار.

(مسألة ١٣) : من استؤجر لعمل ـ كخياطة ثوب وبناء دارـ بأجر معين من دون شرط المباشرة لا يجوز له أن يستأجر غيره عليه بأقل من ذلك الاجر، إلا أن يعمل فيه شيئ، كتقطيع الثوب للخياطة وشق الاُسس للبناء ونحو

١٥٣

ذلك. وفي كفاية الغرم من غير عمل إشكال، كما إذا دفع اُجرة لنقل العين التي فيها العمل أو لحراسته، إلاّ أن يكون العمل الذي يغرم لاجله من جملة العمل المستأجر عليه، فيجوز حينئذٍ وإن حصل له ربح من ذلك. وكذا يجوز إذا كان الثمن الأول مدفوعاً بأزاء عين مع العمل والثاني مدفوعاً بأزاء العمل فقط، كما إذا استؤجر على الخياطة أو البناء أو غيرهما بثمن معين على أن عليه المواد اللازمة لانجاز العمل، فإنه يجوز له أن يستأجر غيره على إنجاز العمل وحده بأقل من ذلك الثمن على أن تكون المواد عليه لا على ذلك الغير.

(مسألة ١٤) : إذا استأجر عيناً لمنفعة ما مدة معينة لا يحق له أن يشغلها بما من شأنه إشغاله فيها أكثر من تلك المدة، فمن استأجر أرضاً للزرع لا يحق له أن يزرع فيها ما يبقى أكثر من مدة الإجارة، ومن استأجر بيتاً لا يحق له أن يعمل فيه أو يحرز فيه ما لا يمكن تفريغه منه عند انقضاء مدة الإجارة، ولو فعل عامداً كان متعدياً في إبقاء ذلك الشيء، فيحق للمالك إجباره على أن يسلّمه العين المستأجرة غير مشغولة به، وإن استلزم الضرر عليه، ولا يجوز له الامتناع من ذلك، إلا أن يرضي المالك بإشغال العين به ولو بثمن يتفقان عليه.

أما لو فعل ذلك غير عامد، فإن أمكن إزالته من دون لزوم ضرر على صاحبه لزم مع عدم رضا المالك بالابقاء ولو بثمن، وإن لزم عليه الضرر وجب على المالك الرضا بالابقاء باُجرة ما لم يلزم الضرر على المالك أيض، فيجب على المستأجر إزالته مع عدم رضا المالك، كما إذا كان موجباً لنقص قيمة العين وتعيبها عرف. وكذا الحال لو أشغل المستأجر العين بما من شأنه أن يفرَّغ منها عند انقضاء مدة الإجارة فاتفق خلاف ذلك لطوارئ غير محتسبة، كما لو لم ينضج الزرع لبرودة الهواء أو لقلة الماء.

(مسألة ١٥) : إذا استأجر أرضاً للزراعة فحصد الزرع عند انقضاء المدة

١٥٤

وبقيت اُصوله فنبتت بعد ذلك، فإن كان قد أعرض عنها فهي لمن سبق إليه، بلا فرق بين مالك الارض وغيره، غاية الامر أنه يحرم على الغير الدخول إلا بإذنه. بل لو كان مرجع إعراض المستأجر عن اُصول الزرع إلى تركها لمالك الارض ـ كما لعله الغالب ـ لم يجز لغيره تملكه. هذا كله إذا كان الاعراض منه مع الالتفات لاحتمال نباتها بعد ذلك، أو مع الغفلة عنه وسبق صاحب الارض أو غيره لتملكها قبل النبات. أما إذا كان غافلاً عن احتمال نباتها فنبتت قبل أن يسبق شخص لتملكها فلا يجوز لاحد تملكها بل يجري عليها حكم المسألة الاتية.

(مسألة ١٦) : إذا حصد مستأجر الارض الزرع عند انقضاء مدة الإجارة وأبقى الاُصول له غير معرض عنها ـ عصياناً أو للبناء على قلعها فإنشغل عن ذلك ـ كان النبات له. نعم للمالك المطالبة بقلعها على التفصيل المتقدم في المسألة (١٤).كما أن له المطالبة باُجرة المثل في جميع الصور المتقدمة إذا لم تدخل في ملكه، وكان من شأنها أن تزال عند انتهاء مدة الإجارة.

(مسألة ١٧) : إذا استأجره على عمل مقيد بقيد خاص ـ من زمان أو مكان أو آلة أو غيرها ـ فجاء به على خلاف الوجه الذي وقع الاتفاق عليه فله صورتان..

الاُولى: أن يتعذر العمل المستأجر عليه ولو لمضي المدة التي قيدت بها الإجارة، وحينئذٍ تبطل الإجارة ولا يستحق الاجير شيئ، ثمّ إنه إذا كان العمل في مادة خاصة ـ كما إذا استأجره على أن يخيط ثوبه قميصاً فخاطه قباءاً ـ فإن نقصت قيمتها بالعمل المذكور كان ضامناً للارش، وإن زادت فإن كان قد تعمد ذلك فلا شيء له في مقابل عمله، وإن كان قد أخطأ فالظاهر استحقاقه لنتيجة عمله في العين فله الزيادة الحاصلة بسببه.

الثانية: أن لا يتعذر العمل المستأجر عليه، كالذهب يستأجر على صياغته

١٥٥

بوجه فيصوغه بوجه آخر مع بقاء مدة الإجارة، وحينئذٍ إن كان قد تعمد العمل بالوجه الاخر لم تبطل الإجارة ووجب إعادة العمل على الوجه المستأجر عليه. وكذا إذا كان قد أخطأ في ذلك ولم يكن العمل موجباً لزيادة القيمة، أما إذا كان موجباً لزيادة القيمة فإعادة العمل جرياً على مقتضى الإجارة مضرّ بالاجير، لانه يستلزم إتلاف نتيجة عمله فيكون المورد من تزاحم الحقوق ولابدّ من التراضي بينهم. ومع تشاحهما لابدّ من الرجوع للحاكم الشرعي.

(مسألة ١٨) : إذا استأجره على عمل واشترط عليه شرطاً زائداً على العمل المستأجر عليه فجاء بالعمل وتخلف عن الشرط صحت الإجارة واستحق الاُجرة، وكان للمستأجر الفسخ والرجوع بالاُجرة المسماة ودفع اجرة المثل بدله. وهكذا الحال في كل شرط في الإجارة، فإنّ تخلّفه لا يوجب بطلان الإجارة، بل يوجب الخيار لصاحب الشرط، فإذا فسخ لزم الرجوع لاُجرة المثل.

(مسألة ١٩) : الفرق بين القيد والشرط أن القيد يكون مضيقاً للعمل المستأجر عليه فلا ينطبق على فاقد القيد، ليقع به الوفاء بالإجارة، والشرط التزام خارج عن العمل المستأجر عليه لا يقتضي قصوره عن صورة فقد الشرط، سواءً كان الشرط خارجاً عن العمل المستأجر عليه، كما لو استأجره على الصلاة عن الميت واشترط عليه أن يخيط ثوبه، أم متعلقاً به، كما لو استأجره على الصلاة عن الميت واشترط عليه التعجيل به زائداً على أصل العمل. غايته أن تمييز الأول عن القيد أيسر من تمييز الثاني، بل يحتاج تمييز الثاني عن القيد إلى عناية لفظية أو قرينة عرفية.

(مسألة ٢٠) : إذا استأجره على عمل خاص، فعجز ولم يكمله، كان له من الاُجرة بقدر ما أتى به من العمل. أما إذا استأجره على نتيجة العمل غير القابلة للتبعيض، كحضور موسم خاص ـ من حج أو عمرة أو زيارة أو سوق

١٥٦

أو غيرها ـ فأتمّ له العمل من دون أن تترتب النتيجة المذكورة ـ بأن حضر بعد ذهاب الوقت مثلاً لزمهما الصلح والتراضي على دفع بعض الاُجرة بنسبة قيمة العمل خالياً عن النتيجة المذكورة لقيمته إذا كان واجداً له، فإذا كانت قيمة السفر مثلاً للمكان المذكور من دون حصول النتيجة المذكورة نصف قيمته مع حصولها استحق نصف الاُجرة المسماة. نعم إذالم يكن للعمل الفاقد للنتيجة قيمة لم يستحق الاجير شيئ.

تتميم

ليس لمستأجر العين أولوية الإجارة من غيره بعد انقضاء مدة الإجارة، فإذا استأجر زيد من عمرو داراً أو محلاً تجارياً أو سيارة سنة واحدة مثلاً فإنقضت السنة كان لعمرو أخذ هذه الاعيان من زيد و إيجارها من غيره، وله أن يعطله أو ينتفع به بنفسه، ويجب على المستأجر تسليمه.

وما تعارف من أولوية مستأجر المسكن أو المحل التجاري ليس أمراً شرعي، بل أولوية عرفية، وقد أكدها صعوبة الانتقال خصوصاً من المحل التجاري.

(مسألة ١) : نظراً للاولوية العرفية المتقدمة فقد تعارف سابقاً بذل شيء من المال للمستأجر من أجل أن يخلي المحل التجاري ويفسح المجال لدافع المال كي يستأجره من المالك، وهذا المال المدفوع هو الذي كان يسمى (سرقفلية) وهو في الحقيقة هدية مشروطة بالاخلاء لا يوجب حقاً لدافعه في الاستئجار لا في السنة الاُولى ولا بعده، بل لابد في ذلك من مراجعة المالك، ولا يكفي مراجعة المستأجر المدفوع له المال بعد عدم ثبوت حق له في العين شرع.

نعم لو رضي المالك بأن يكون لدافع المال المذكور الأولوية في الاستئجار في مقابل ما دفع ثبت له الحق في ذلك، لكن لا يكفي في ذلك رضا المالك باستئجار

١٥٧

الثاني بعد بذله المال للمستأجر الأول، بل لابدّ فيه من عناية خاصة واتفاق خاص يرجع إلى عقد أطرافُه ثلاثة أشخاص المالك والمستأجر ودافع المال، ويتضمن العقد المذكور التزام المالك بأنّ للدافع حقاً في العين يقتضي أولويته باستئجارها في مقابل دفعه المال المذكور للمستأجر الأول من أجل إخلائه.

(مسألة ٢) : تعارف في عصورنا أن يبذل من يريد استئجار المحل التجاري أو المسكن مقداراً من المال مقدمة للاستئجار يسمى (سرقفلية) أيض. ويمكن أن يقع ذلك على وجهين..

الأول: أن يكون بذل المال من أجل تقديم الباذل على غيره ممن يريد الاستئجار من دون أن يكون للدافع في مقابل المال المدفوع الأولوية والحق في الاستئجار بعد ذلك، وحينئذٍ لا يكون للمستأجر المذكور في العين المستأجرة حق شرعي، بل لا يكون له إلا الأولوية العرفية التي تقدم التعرض له.

الثاني: أن يكون بذل المال في مقابل حقّ للباذل في العين المستأجرة يقتضي أن يكون له الحق في استئجاره، وحينئذٍ لا يكون للمالك حق أخذ العين منه، إلا أن يتنازل عن الحق المذكور مجاناً أو بعوض.

(مسألة ٣) : الحقُّ في الصورة الثانية من جملة المكاسب التي يملكها المؤجر التي تكون موضوعاً للخمس، كما سبق في كتاب الخمس. كما أنه يورث، إلا أن يكون مقيداً عند العقد بمباشرة خصوص دافع المال، بخلاف الحال في الصورة الاُولى حيث لا موضوع فيها للارث والخمس. نعم سبق في كتاب الخمس أن المال المدفوع فيها يكون من مؤن التجارة المستثناة من الارباح.

(مسألة ٤) : لما كان الحق المذكور في الصورة الثانية مجعولاً للمتعاقدين فعمومه وخصوصه تابع لنحو الاتفاق بينهم، فإذا اتفقا على أن للمستأجر بذله لغيره بعوض أو مجاناً جاز ذلك له ونفذ قهراً على المالك، وإلا لم يجز له بذله إلا باذن المالك.

١٥٨

(مسألة ٥) : الحق المذكور في الصورة الثانية يختص بما إذا حضر المستأجر الباذل للمال للاستئجار في السنين اللاحقة وبَذَل الاُجرة، ولا يعم ما إذا لم يفعل ذلك، ولو قهراً لحبس أو تشريد، بل يجوز للمالك حينئذٍ الانتفاع بالمحل بنفسه وإيجاره على غيره من دون بذل شيء للمستأجر الباذل للمال، إلا أن يتفقا على ثبوت الحق المذكور بنحو يقتضي ضمانه بالقيمة المدفوعة أو بقيمة المثل عند إرادة استيفاء منفعة العين وتعذُّر مراجعة صاحب الحق. وهو يحتاج إلى عناية خاصة وتنبيه لا يبتني عليه طبيعة الحق ارتكاز.

(مسألة ٦) : للمالك عند انتهاء مدة الإجارة وإرادة تجديدها أن يزيد على الاُجرة السابقة، سواء كان للمستأجر حق السرقفلية المتقدم أم لم يكن، إلا أن يتفق المؤجر والمستأجر ويشترطا في عقد الإجارة أو في عقد آخر تحديد الاُجرة أو تبعيتها للقوانين الوضعية المفروضة في البلد، فيلزم الشرط ويجب العمل عليه.

خاتمة

في بقية وجوه استيفاء المنفعة بالأجر

استيفاء المنفعة بالاجر لا يختص بالإجارة، بل له وجوه اُخرى جرى العرف والعقلاء على العمل عليه، وهي تشارك الإجارة في اشتراط حلية المنفعة والاُجرة، على الضوابط المتقدمة في المكاسب المحرمة.

وتختص الإجارة من بينها بأنها من العقود، حيث تتضمن المعاوضة وتمليك المنفعة بالاجر بمجرد وقوع المعاملة قبل استيفاء المنفعة، كما تقدم في الفصل الأول.

ولذا كان لكل من الطرفين المطالبة بما ملَك، وعلى كل منهما تسليم ما ملَّك وفاءً بالعقد اللازم، كما تقدم أيض. وهذا بخلاف الوجوه الاُخر، فإنها إنما

١٥٩

تقتضي ملكية الاجر بعد استيفاء المنفعة من دون أن تقتضي ملكية المنفعة، ولا ملكية الاُجرة قبل استيفائه، ولذا لا يكون لكل من الطرفين المطالبة بشيء قبل الاستيفاء، وإنما يحق لمن استوفيت المنفعة منه المطالبة بعد استيفائها بالاجر.

إذا عرفت هذ، فالمناسب التعرض لتلك الوجوه في ضمن مبحثين..

المبحث الأول

في الاستيفاء والإباحة بالضمان

كل من طلب من غيره عملاً أو منفعة لهما مالية عرفاً فوفّاه ما طلب كان عليه لمن استوفى منه أجر تلك المنفعة أو العمل، كما إذا قال المريض للطبيب: داوني، أو قال الماشي لصاحب الدابة أو السيارة: احملني، أو قال صاحب الثوب للخياط: خط لي هذا الثوب، أو قال طالب المتاع للدلال: اشترِ لي المتاع الفلاني، أو قال الطارق لصاحب البيت: دعني أنام فيه إلى غير ذلك، فإنه إذا استجاب المطلوب منه للطالب فاستوفى الطالب منه ما طلب كان عليه اُجرة العمل أو المنفعة التي استوفاه.

(مسألة ١) : لابد في لزوم الاجر من كون الطالب للعمل نافذ التصرف، فلو كان محجوراً عليه بصغر أو جنون أو سفه فلا أجر عليه إن علم العامل بحاله، وإلا فلا يخلو الامر عن إشكال، ويحتمل لزوم أقل الامرين من الاجر المعين واُجرة المثل، فالأحوط وجوباً التصالح مع الولي.

(مسألة ٢) : إذا علم المطلوب منه أن الطالب يريد العمل أو المنفعة مجاناً فأدّى له ما طلب لم يكن له أجر، وكذا إذا ظهر له من حاله ذلك بقرائن حالية أو مقالية. نعم لو غفل عنها استحق الاجر واقع، وتوقف استحقاقه له ظاهراً على اثبات غفلته.

١٦٠