منهاج الصالحين - المعاملات الجزء ٢

منهاج الصالحين - المعاملات0%

منهاج الصالحين - المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 344

منهاج الصالحين - المعاملات

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 344
المشاهدات: 71548
تحميل: 4933


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 344 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71548 / تحميل: 4933
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين - المعاملات

منهاج الصالحين - المعاملات الجزء 2

مؤلف:
العربية

(مسألة ٣) : قد يعلم المطلوب منه من حال الطالب أنه يريد منه العمل تبرعاً وبلا أجر، فلا يرضى في نفسه بذلك، ولا يهون عليه تنبيهه إلى ذلك خجلاً منه، أو خوفاً من أن يترك التعامل معه فيكون أضر عليه، فيكتم ما في نفسه ويعمل له بقصد الاجر، ويعمد للتحايل في تحصيل الاجر له، فمثلاً يقول زيد لعمرو: اشترِ لي البضاعة الفلانية، قاصداً الشراء له مجاناً من دون أن يدفع له دلالية، فإذا لم يعجب عمراً ذلك تحايل في أخذ الدلالية منه بأحد وجهين..

الأول: أن يأخذ منه الدلالية بإضافتها للثمن مع إيهام أن الثمن هو المجموع.

الثاني: أن يتفق مع البايع على زيادة الثمن من أجل أن يدفع الدلالية له.

لكن الأول سرقة محرمة، والثاني مخالف لقصد المشتري الذي وكّله، لان مطلوبه منه تحرّي أرخص الاثمان، ثقة به واعتقاداً بأنه لا يأخذ لنفسه شيئ، فلا يكون الشراء بالثمن المذكور مأذوناً فيه ويخرج عن شرط وكالته فيبطل الشراء، ولا يستحق البايع الثمن كما لا يستحق هو الدلالية.

وقد يلجأ بعضهم إلى أن يأخذ المشترىَ للبايع مع اتفاق مسبق مع البايع أن يزيد في الثمن من أجل الدلالية، فيخبر البايعُ المشترىَ بالثمن الاكثر، فيرضى به ثقة بصاحبه الذي أرشده للبايع المذكور، لتخيل أنه أرشده لصاحب الثمن الاقل. وهذا الطريق وإن لم يستلزم بطلان البيع، إلا أنه يبتني على خيانة صاحبه ـ الذي ائتمنه واسترشده ـ وغشِّه، وذلك من أعظم المحرمات، فاللازم اجتناب هذه الطرق الملتوية وأمثاله، وسلوك الطرق الواضحة الصريحة تجنباً للحرام وليطيب المكسب ويهن.

(مسألة ٤) : إذا تعارف دفع البايع الدلالية في المسألة السابقة من دون حاجة إلى اتفاق خاص بينه وبين الوسيط، بحيث يكون السعر الذي يطلبه هو

١٦١

السعر الطبيعي، ولم يكن هناك بايع آخر بدون الثمن الذي يطلبه جاز للوسيط الشراء لمن طلب منه بالثمن الذي يعينه البايع المذكور، وحلّ له أخذ الدلالية، ولا يجب عليه حينئذٍ تنبيه المشتري الذي طلب منه التوسط ولا إعطاء الدلالية له، كما لا يجب عليه التنازل عن الدلالية وعدم أخذها من البايع من أجل أن ينقص الثمن لصالح المشتري الذي استعان به واستنصحه، لعدم كونه غاشاً له حينئذٍ بعد جريه على النحو المتعارف من دون التواء وتحايل.

(مسألة ٥) : إذا أدّى المطلوب منه ما طُلب بقصد التبرع والمجانية لم يستحق شيئ. ولو دفع له الاجر لم يستحقه، فليس له أخذه إلا إذا قصد الدافع الهدية لا الاجر، ولو أعلمه بالحال فأصرّ على دفع الاجر فالظاهر جواز أخذه له، لظهور حاله عرفاً في إجازته له أن يأخذه بعنوان الهدية.

(مسألة ٦) : إذا كان المطلوب منه محجوراً عليه بصغر أو جنون أو سفه لم ينفع قصد التبرع منه أو من الطالب في سقوط الاجر، بل يتعين ثبوت أجر المثل له. نعم إذا رأى وليه صلاحه في العمل تبرعاً جاز له أن يأذن في ذلك فلا يثبت الاجر. ويكفي استفادة إذنه من شاهد الحال.

(مسألة ٧) : إذا ابتنى طلب المنفعة وأداؤها على أجر معين بين الطرفين لزم، كما إذا اتفقا بوجه خاص على مقدار الاجر مسبق، وكما إذا أعلن العامل بوجه عام أجراً خاصاً لعمله، كالطبيب يكتب أجر المعاينة في عيادته، وصاحب الفندق يكتب أجر المبيت، وسائق السيارة يكتب أو يعلن عن اُجرة السيارة.

(مسألة ٨) : لا يعتبر علم كلا الطرفين بمقدار الاجر، بل يكفي رضاهما بالاجر المعلن المعين إجمالاً وإن جهله أحدهما أو كلاهما تفصيل.

(مسألة ٩) : إذا علم أحدهما بقصد الاخر أجراً معيناً ولم يعرف مقداره فليس له قصد غيره، بل لابدّ إمّا من الرضا به على إجماله فيلزم به، أو التوقف عن بذل المنفعة أو استيفائه. ولو أقدم حينئذٍ من دون أن ينبه صاحبه على عدم

١٦٢

الرضا به اُلزم بما قصده صاحبه. وكذا الحال إذا علم بما قصده صاحبه تفصيل، فإنه ليس له إلا الرضا به فيلزمه، أو التوقف.

(مسألة ١٠) : إذا قصد كل منهما غير ما قصده الاخر بتخيل أن ذلك هو الاجر المطلوب فهناك صور:

الاُولى: أن يقصد صاحب المنفعة أو العمل اُجرة المثل أو ما زاد عليها ويقصد المستوفي ما نقص عنه.

الثانية: أن يقصد المستوفي اُجرة المثل ويقصد صاحب العمل أو المنفعة ما زاد عليه. واللازم في هاتين الصورتين اُجرة المثل.

الثالثة: أن يقصد صاحب المنفعة أو العمل ما نقص عن اُجرة المثل ويقصد المستوفي ما دونه أو ما فوقه، مساوياً لاُجرة المثل أو زائداً عليه. وفي وجوب ما قصده صاحب المنفعة أو العمل أو وجوب اُجرة المثل حينئذٍ إشكال، والأحوط وجوباً التصالح بينهم.

الرابعة: أن يقصد كل منهما ما زاد على اُجرة المثل. وفي وجوب أقل الامرين مما قصده كل منهما أو وجوب اُجرة المثل حينئذٍ إشكال أيض، والأحوط وجوباً التصالح.

(مسألة ١١) : إذا لم يبتن طلب المنفعة وأداؤها على التبرع لكن لم يعين الطرفإن أجراً خاصاً وجبت اُجرة المثل. نعم يكره استعمال الاجير من دون تحديد اُجرته.

(مسألة ١٢) : إذا كان أحد الطرفين محجوراً عليه لصغر أو غيره فلا عبرة بتعيينه، إلا أن يحرز إذن وليه له في ذلك. فلو استوفيت المنفعة من دون ذلك، فإن كان المحجور عليه هو المستوفي للمنفعة لم يكن عليه أجر، وإن كان هو صاحبها فهل اللازم اُجرة المثل، أو أكثر الامرين منها وممّا أقدم عليه المستوفي؟ وجهان، والأحوط وجوباً التصالح والتراضي بينهم.

١٦٣

(مسألة ١٣) : المعاملة المذكورة ليست عقد، فيجوز الرجوع فيها ما لم تستوف المنفعة ويثبت الضمان. نعم إذا تعارف عدم الرجوع في أثناء استيفاء المنفعة كان الشروع في استيفائها برضاهما معاً راجعاً إلى التزام كل منهما للاخر بالمضي فيما شرعاً فيه، فيلتزم صاحب المنفعة للمستوفي بالاستمرار في بذل المنفعة حتى تكمل في مقابل تمام الاجر، ويلتزم المستوفي لصاحب المنفعة بتمام الاجر لو بقي على بذله، فتكون المعاملة نحواً من الصلح، وعقداً خاصاً اتفق عليه الطرفان ضمناً وإن لم يصرح به لفظ.

(مسألة ١٤) : كما أنه قد يطلب الشخص استيفاء المنفعة فيجري فيه ما تقدم، كذلك قد يبيح صاحب المنفعة استيفاءها بثمن معين، فيلزم الثمن المذكور على كل من استوفاه، كأن يأذن صاحب الكراج بجعل السيارة فيه، وصاحب الخان بالمبيت فيه، وصاحب الحمام بالغسل فيه، وصاحب السيارة العامة بالركوب فيه، وغير ذلك. وليس ذلك من الإجارة في شيء، كما أنه ليس من العقود ما لم يبتن على مع الالزام والالتزام بأن يتعارف عدم الرجوع في الاثناء، بحيث لا يحق لاحدهما العدول عما شرعاً فيه، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة ١٥) : الظاهر جريان نظير ما سبق في الاعيان المملوكة، فمن طلب من أحد طعاماً فأكله كان عليه مع عدم قصد المجانية من الطرفين قيمة المثل، إلا مع تعيين قيمة خاصة فتلزم، وإن لم تكن معلومة تفصيل. وكذا من بذل طعامه وإباحه بالضمان كان له قيمة المثل، أو القيمة التي عينها على من يأكل الطعام أو يتصرف فيه التصرف المانع من الانتفاع به على الوجه المطلوب، كما هو الشايع في المطاعم العامة ونحوه. ولا يكون ذلك بيعاً ليكون مشروطاً بشروطه، بل هو استيفاء بالضمان أو إباحة بالضمان. وتجري فيه الفروع المتقدمة في العمل والمنفعة.

١٦٤

المبحث الثاني

في الجعالة

وهي عبارة عن التزام الإنسان بجعل مال لغيره على عمل يقوم به بحيث يكون المال جعلاً على العمل وعوضاً عنه. أما الوعد بدفع المال هدية لمن يقوم بالعمل، من دون أن يكون عوضاً عنه وجعلاً عليه فهو وعد مجرد لا يجب الوفاء به.

(مسألة ١٦) : الجعالة من الايقاعات، فيكفي فيها الايجاب ممن يريد العمل ويحثّ عليه، ولا تحتاج إلى القبول. وإيجابها على نحوين: خاص وعام، فالأول كما إذا قال لشخص: إن خطت ثوبي فلك درهم، وإن كنست المسجد فلك دينار، والثاني كما إذا أعلن صاحب الضالة عن جعل شيء من المال لمن ردها عليه، أو أعلن من يهمه أمر البلد عن جعل شيء من المال لمن يرد عن البلد عادية حيوان أو سيل أو عدو أو نحو ذلك.

(مسألة ١٧) : يعتبر في الجاعل أن يكون نافذ التصرف غير محجور عليه لصغر أو جنون أو سفه، وإلا احتاج نفوذ الجعالة منه لاذن الولي. وبدون ذلك تبطل الجعالة، ولا يستحق العامل شيئ. نعم إذا أمر بالعمل ولم يقتصر على جعل الجعل جرى ما تقدم في المبحث الأول.

(مسألة ١٨) : لا يعتبر في العامل نفوذ التصرف، فإذا لم يكن نافذ التصرف وجاء بالعمل استحق الجعل. بل إذا كان الجاعل قد أمره بالعمل ولم يقتصر على جعل الجعل واندفع في العمل عن أمره استحق أكثر الامرين من الجعل واجرة المثل.

(مسألة ١٩) : لا يعتبر انتفاع الجاعل بالعمل، بل يكفي رغبته في تحصيله

١٦٥

لمصلحة غيره، كما إذا قال: من خاط ثوب زيد فله كذ. بل حتى لو كان لمصلحة العامل نفسه، كما إذا قال: إن غسلت ثوبك فلك كذ.

(مسألة ٢٠) : لا يعتبر في العمل أن يكون معلوماً من حيثية الكثرة والقلة والمشقة والسهولة وغير ذلك مما يوجب اختلاف المالية أو الرغبة، بل يكفي تحديده بنحو ينضبط. وكذا الحال في الجعل فتصح مع جهالته، كما لو قال: من ردّ دابتي فله ما في هذه الصرة.

بل تصح مع تردد الجعل بين أمرين، كما لو قال: من ردّ دابتي فله أحد هذين الثوبين، لكن لابد من انضباطه في الجملة بجعل طريق لتعيين أحدهم، كالقرعة أو اختيار الجاعل أو المجعول له أو نحو ذلك.

(مسألة ٢١) : لابدّ في استحقاق العامل للجعل من ابتناء عمله على الجعالة، بحيث يقصد به استحقاق الجعل، فلو قام بالعمل جاهلاً بها أو غافلاً عنها لم يستحق شيئ، وإن كان بأمل إحسان الجاعل. وكذا لو كان عالماً بها إلا أنه قصد التبرع بعمله.

(مسألة ٢٢) : يجوز للجاعل الرجوع بالجعالة قبل شروع العامل في العمل وفي مقدماته. وفي جواز رجوعه بعد شروعه في المقدمات قبل البدأ بالعمل إشكال، كما لو قال: من ردّ دابتي فله كذ، فسافر العامل من أجل العثور عليه. وكذا بعد الشروع في العمل قبل إكماله إذا كان الجعل مبنياً على الارتباطية، وأما إذا كان مبنياً على الانحلال فله الرجوع، ويستحق العامل من الاجر بنسبة عمله.

(مسألة ٢٣) : يجوز للمجعول له الرجوع بعد الشروع في مقدمات العمل، بل بعد الشروع في العمل نفسه، إلا أن يتعارف عدم الرجوع حينئذٍ، فيجري ما تقدم في المسألة (١٣).

١٦٦

(مسألة ٢٤) : إذا اشترك في العمل المجعول عليه الجعل أكثر من واحد اشتركوا في الجعل بالنسبة. وإن قام به كل منهم بنحو الاستقلال ـ كما لو قال: من صلى عن أبي صلاة الظهر فله كذ، فصلاها جماعة ـ فإن كان الجعل على الوجود الواحد كان الجعل لمن سبق في إكمال العمل، وإن تقارنوا في ذلك اشتركوا في الجعل، وإن كان الجعل على كل وجود بنحو الانحلال بأن كان المراد تعدد الجعل بتعدد العمل استحق كل منهم جعل.

والحمد لله رب العالمين.

١٦٧

كتاب المضاربة

المضاربة عبارة عن معاملة خاصة بين صاحب المال وشخص آخر تبتني على اتجار ذلك الشخص بالمال على أن يكون له شيء من الربح.

(مسألة ١) : لابد في المضاربة من بقاء المال على ملك صاحبه وعدم تملك العامل له من المالك، فيكون العامل بمنزلة الوكيل على المال يبيع به ويشتري لصاحبه، بحيث يكون من شأن الربح أن يكون بتمامه لصاحب المال، لأنه ربح ماله، لو لا أن العامل بسبب عمله يستحق بعضه. وليس من المضاربة ما إذا دفع المالك المال للتاجر على أن يخرج عن ملكه ويصير للتاجر مع انشغال ذمته بمثله، وحينئذٍ يعمل التاجر به كما يعمل بماله يبيع ويشتري به لنفسه، ويربح لنفسه، غايته أنه يجعل لمن أخذ منه المال بعضاً من الربح لأنه انتفع بماله، بل المعاملة المذكورة قرض ربوي محرّم. ولا يكفي في جعلها مضاربة ـ مع خروج المال عن ملك الدافع ـ اشتراط تحمل دافع المال للخسارة، بل لابد مع ذلك من بقاء المال على ملك مالكه الأول وكون التاجر بمنزلة الوكيل، كما ذكرن.

وقد شاع في عصرنا دفع الإنسان ماله لمن يعمل به على أن يعطيه شيئاً من الربح باسم المضاربة، والظاهر رجوعه للقرض الربوي، وليس له من المضاربة إلا الاسم، غفلةً عن الضابط المتقدم للمعاملتين، فاللازم التنبه لذلك والحذر من التورط في الحرام.

(مسألة ٢) : المضاربة من العقود، فلابد فيها من الإيجاب والقبول، ولا

١٦٨

يعتبر فيها اللفظ، بل يكفي كل ما يدل على ذلك، ولو مثل دفع المال للشخص وأخذه له بعنوان المضاربة.

(مسألة ٣) : يعتبر في المتعاقدين ـ وهما صاحب المال والعامل ـ نفوذ التصرف وعدم الحجر لصغر أو جنون أو سفه، ولا تصح بدون ذلك إلا بإذن الولي. ولو وقع العقد بدون ذلك وعمل العامل، فإن كان المحجور عليه هو المالك كان له تمام الربح وليس للعامل شيء إن علم بالحال، وإن جهله أو جهل عدم نفوذ المضاربة حينئذٍ فلا يخلو الأمر عن إشكال، فالأحوط وجوباً التراضي بينهم. وإن كان المحجور عليه هو العامل كان له أجرة المثل.

(مسألة ٤) : لا يعتبر في مال المضاربة أن يكون من الدنانير والدراهم التي هي عبارة عن الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة، بل تصح بجميع النقود وإن كانت ورقية. بل تصح حتى بالأعيان إذا ابتنت المعاملة على حفظ رأس المال بمثله، كما لو دفع إليه ألف مثقال من الذهب مثلاً ليتجر بها بالبيع والشراء بنسبة من الربح على أن يحسب الربح بعد حفظ الألف مثقال من الذهب بمثله، بل تصح بالأعيان حتى لو ابتنت على أن يكون رأس المال هو الثمن الخاص لها أو ثمن بيعه، كما لو دفع إليه بضاعة خاصة واتفقا على أن ثمنها ألف دينار تكون هي رأس المال، أو على أنها تباع وما يحصل من ثمنها هو رأس المال.

(مسألة ٥) : الظاهر صحة المعاملة على المنفعة وإن لم تكن مضاربة بأن يجعل لها قسطاً من الربح، كما لو دفع لشخص شبكة ليصيد بها ويكون الصيد بينهم، أو سيارة لينقل بها ويكون الوارد بينهم. بل قد تكون المعاملة على المنفعة والمال مع، كما لو دفع شخص معملاً وآخر مالاً لشخص ثالث على أن يستغل المال لإنتاج المعمل ويكون الربح بينهم.

(مسألة ٦) : إذا كان المال ديناً في ذمة شخص لم يصح لمالكه المضاربة عليه معه قبل قبضه، ولو ضاربه عليه بطل العقد، فلو عمل به حينئذٍ كان الربح

١٦٩

بتمامه للعامل وبقي الدين في ذمته. نعم لو كان وكيلاً في تعيينه وعزله وقبضه عن المالك، ففعل ذلك ثم عمل به كان الربح بتمامه للمالك، وعليه للعامل أجرة المثل لعمله، وبرئ العامل من الدين. ولا تقع المضاربة إلا أن يوكله في إيقاع عقد المضاربة في المال بعد عزله وقبضه عنه، بأن يتولى طرفي العقد مع، فإنه لو فعل ذلك حينئذٍ صحت المضاربة وكان الربح بينهما على النحو الذي يتفقان عليه.

(مسألة ٧) : إذا كان المال ديناً في ذمة شخص فضارب الدائن به شخصاً آخر فالظاهر صحة المضاربة به معه وإن لم يقبض ممن عليه.

(مسألة ٨) : الأحوط وجوباً في مال المضاربة أن يكون معين، فلا يضارب بأحد مالين مردداً من دون تعيين. نعم لا يعتبر فيه أن يكون معلوماً حين العقد، فتصح المضاربة على المال المعين وإن كان مجهولاً جنساً أو قدر، نعم لابد من معرفة مقداره قبل الاسترباح به ليعلم مقدار الربح.

(مسألة ٩) : الظاهر توقف صدق المضاربة على المعاملة على ما إذا كان الربح بينهما بنحو الإشاعة بنسبة معينة كالنصف أو الثلث أو الربع. أما لو اشترط العامل مقداراً معيناً كألف دينار، فإن رجع إلى استحقاق ذلك على كل حال في ذمة المالك وإن لم يف الربح به صحت المعاملة بلا إشكال مع تعيين مدة العمل، لكن لا تكون مضاربة، بل إجارة على العمل بالمال وكالة عن المالك، وإن رجع إلى استحقاقه من الربح على تقدير وفائه به، بحيث لو لم يف به كان أجره دون ذلك أو لا أجر له، فالظاهر صحتها أيض، لكن لا تكون مضاربة ولا إجارة، بل معاملة خاصة خارجة عنهم. وأما لو اشترط المالك مقداراً معيناً فلا تصح مضاربة، بل إن رجع ذلك إلى استحقاقه المقدار المعين على كل حال وإن لم يف به الربح بطلت المعاملة، وحينئذٍ لو عمل العامل بالمال كان له على المالك أجرة المثل والربح بتمامه للمالك، وإن رجع إلى استحقاقه ذلك من الربح على تقدير وفائه به صحت المعاملة، ولم تكن مضاربة.

١٧٠

(مسألة ١٠) : لابد في صحة المضاربة من قدرة العامل على الاتجار بالوجه المجعول فيه، فلا تصح مع عجزه، ولو تجدد العجز بطلت.

(مسألة ١١) : يجوز في المضاربة الواحدة تعدد العامل على أن تكون الحصة بين العمال بالسوية أو بالتفاضل، كما يجوز فيها تعدد المالك، بأن يكون المال مشتركاً بين مالكين أو أكثر ويعمل فيه غيرهما بحصة من ربحه وللمالكين الباقي منه بالسوية أو بالتفاضل أيض.

(مسألة ١٢) : يجوز مع تعدد المضاربة ابتناء كل مضاربة على الشركة بين المالين، بأن يأخذ العامل المال من كل شخص على أن له أن يخلطه بالمال المأخوذ من الآخر، ويعمل فيهما معاً بنحو الشركة.

(مسألة ١٣) : مقتضى إطلاق عقد المضاربة دفع المال للعامل بحيث يكون تحت يده، لكن يمكن الخروج عن ذلك بأن يشترطا بقاء المال تحت يد المالك.

(مسألة ١٤) : مقتضى إطلاق المضاربة جواز فسخ كل من المالك والعامل لها متى شاء، وحينئذٍ تبطل بموت أحدهم، وبطروء ما يمنع من استقلاله بالتصرف كالجنون والسفه.

(مسألة ١٥) : إذا حددت المضاربة بأجل خاص، فإن كان المراد بذلك مجرد عدم جواز الاتجار بالمال بعد الأجل بقي لكل منهما حق الفسخ قبل الأجل، وإن كان المراد به ـ زائداً على ذلك ـ لزوم البقاء عليها في الأجل المذكور لزمت في ذلك الأجل، ولم يكن لأحدهما أن يستقل بالفسخ قبله، إلا أن يتفقا معاً عليه، من دون فرق بين التصريح بالأجل، وابتناء المضاربة عليه ضمناً لقرينة حالية من عرف أو عادة أو غيرهم، حيث كثيراً ما يتعارف إرادة موسم خاص أو سوق خاص، وإن لم ينضبط مدة بالشهور والأيام، وحينئذٍ لا تبطل بموت المالك ولا بطروء ما يمنع من استقلاله بالتصرف قبل الأجل، وتبطل بموت العامل

١٧١

وبطروء ما يمنع من استقلاله بالتصرف إذا أوجب عجزه عن الاتجار بالمال.

(مسألة ١٦) : يجب على العامل أن يقتصر على التصرف المأذون فيه، فإذا عين المالك نوعاً من البضاعة أو وقتاً للعمل أو مكاناً خاصاً أو سعراً معيناً أو نحو ذلك لزم العمل به، فإن خالف ضمن رأس المال، وإن كانت المعاملة الواقعة منه صحيحة ويكون الربح بينهم.

(مسألة ١٧) : الظاهر من إطلاق المضاربة إيكال التصرف فيها لنظر العامل، من حيثية السفر بالمال وعدمه، والبيع بالنقد والنسيئة، وكيفية حفظ المال، وكيفية الاسترباح به، وغير ذلك. فاللازم عليه تحري الأقرب لحفظ المال وحصول الربح بالنحو المتعارف، وإلا كان مفرطاً معتدياً ضامن، كما يأتي.

(مسألة ١٨) : الظاهر أنه ليس للمالك بعد تمامية عقد المضاربة أن يشترط شيئاً خارجاً عن مقتضى العقد، إلا أن يرجع إلى فسخ العقد وتجديده على طبق الشرط فيتوقف على أن يكون له الفسخ.

(مسألة ١٩) : مقتضى ظاهر إطلاق المضاربة أن جميع النفقات التي يحتاج إليها لحفظ المال وصلاحه وللاسترباح به على مال المضاربة، ولا يتحمله العامل ولا المالك من غير مال المضاربة. نعم لو اشترط خلاف ذلك كان العمل على الشرط.

(مسألة ٢٠) : إذا احتاجت المضاربة لسفر العامل كانت نفقته من رأس المال. وإذا فسخت المضاربة في أثناء السفر، فمع اشتراطهما ولو ضمناً وقوع نفقة الرجوع على مال المضاربة أو عدمه يعمل بالشرط، ومع عدم الشرط ففي التحمل وعدمه إشكال، فالأحوط وجوباً التراضي بين الطرفين.

(مسألة ٢١) : لا إشكال في انجبار الخسارة بالربح الحاصل في المضاربة، فلا يثبت للعامل شيء من الربح إلا بعد تدارك الخسارة، سواء كانت سابقة على الربح أم لاحقة له، فإذا خسرت المضاربة في بعض المعاملات مائة، وربحت

١٧٢

في اُخرى مائتين فحصة العامل تثبت في خصوص مائة من الربح المذكور، لا في تمامه. كما أن الظاهر جبر الربح للتلف الحاصل في مال المضاربة بعد دورانه في التجارة إذا كان من توابع التجارة وشؤونها ـ كخطأ الحساب وعدم وفاء بعض الغرماء وتلف البضاعة بسبب النقل ونحو ذلك ـ وعدم جبره للتلف ونحوه إذا كان قبل الشروع في التجارة ولم يكن من شؤونها وتوابعه، كما إذا سرق بعض المال أو عطب. وأما إذا وقع التلف المذكور بعد الشروع في التجارة ففي جبر الربح له إشكال، فالأحوط وجوباً التراضي بينهم. نعم لو اشترط أحد الأمرين صريحاً أو ضمناً كان العمل عليه.

(مسألة ٢٢) : يملك العامل الحصة بظهور الربح، ولا يتوقف على إنضاض البضاعة الذي هو عبارة عن بيعها بالنقد، وحينئذٍ يملك العامل من تمام الموجود من البضاعة والنقد بالنسبة، لكن الملك المذكور لا يستقر، إلا مع عدم تجدد الخسارة أو التلف، وإلا كان الربح جابراً لهم، على ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة ٢٣) : الربح وإن كان جابراً للخسارة كما سبق، إلا أن أمد الانجبار تابع لما يتفقان عليه حين العقد صريحاً أو ضمناً ولو بسبب عرف أو عادة، فإذا اتفقا على تمييز حق كل منهما كل سنة مثلاً كان الانجبار مختصاً بما يقع في السنة الواحدة، وإذا اتفقا على تمييز حق كل منهما لكل بضاعة كان الانجبار مختصاً بما يقع فيه. وإذا أغفلا هذه الجهة كان ظاهرهما الانجبار في تمام مدة بقاء المضاربة، فمع عدم تحديد أمدها يجوز لكل منهما فسخها في أي وقت شاء ـ كما سبق ـ فيستقر الربح بفسخه، ومع أخذ أجل خاص فيها لا يستقر الربح إلا بمضي الأجل، إلا أن يتفقا معاً بعد ذلك على الفسخ قبله فيستقر الربح بذلك.

(مسألة ٢٤) : لا يضمن العامل تلف مال المضاربة ولا يتحمل الخسارة الطارئة عليه، إلا أن يخالف ما عينه له المالك، أو يكون معتدياً خارجاً عن

١٧٣

مقتضى وظيفته المتقدمة في المسألة (١٧) إذا كان التلف والخسارة مسببين عن مخالفة المالك أو عن التعدي، وأما إذا لم يكونا مسببين عنهما فالظاهر عدم الضمان مع التعدي. وفي الضمان مع المخالفة إشكال، فالأحوط وجوباً التراضي بينهم.

(مسألة ٢٥) : ليس للمالك أن يشترط على العامل المضارب الضمان عند تلف رأس المال أو طروء الخسارة عليه من دون تفريط، ولو اشترط ذلك كانت المضاربة بحكم القرض، فليس له إلا رأس ماله ولا يستحق من الربح شيئ، بل يختص به العامل، من دون فرق بين اشتراط الضمان رأساً واشتراط تدارك الخسارة إن حصلت.

(مسألة ٢٦) : إذا أخذ العامل مال المضاربة ولم يتجر به تسامحاً وخروجاً عن مقتضى وظيفته كان ضامناً له إن تلف، إلا أن يكون ذلك بإذن المالك. نعم إذا لم يبتن الاتفاق بينهما على إلزام العامل بالعمل، بل على مجرد جعل الحصة من الربح له على تقدير العمل إن أراده لم يكن مفرطاً بترك العمل، والظاهر خروج ذلك عن المضاربة ودخوله في الجعالة، لكنه يشارك المضاربة في حكم اشتراط الضمان المتقدم في المسألة السابقة.

(مسألة ٢٧) : لا يصح للمالك أن يشتري من مال المضاربة، لأن بعضه أو تمامه ملك له، ولا يشتري الإنسان من نفسه، إلا أن يريد بالشراء محض تبديل مال المضاربة بالثمن، ليكون الثمن مالاً للمضاربة بدلاً عنه، فيصح حينئذٍ، ويترتب على الثمن آثار مال المضاربة.

(مسألة ٢٨) : إذا مات العامل قبل تسليم مال المضاربة فهنا صور..

الصورةالاُولى: أن يعلم بعدم وجود مال المضاربة، فإن علم بضمانه له ـ لتعديه عليه ـ كان المالك كسائر الغرماء يضرب معهم بحيث لو قصرت التركة لحقه النقص مثلهم، ويكون مثلهم مقدماً على الورثة، وإن لم يعلم بضمان العامل فلا شيء للمالك.

١٧٤

الصورةالثانية: أن يعلم بوجود مال المضاربة، وحينئذٍ..

تارة: يعلم بوجوده في ضمن التركة الظاهرة التي تصل إليها يد الوارث.

واُخرى: يعلم بخروجه عنه.

وثالثة: يشك في وجوده فيها أو خروجه عنه.

ففي الاُولى يستحق المالك عين المال مع تميزه، وأما مع عدم تميزه ففي استحقاقه تمام مقدار المال من التركة مقدماً على الغرماء، أو كونه كبقية الغرماء وجهان، فالأحوط وجوباً التراضي بينه وبينهم. وفي الثانية إن علم بضمان العامل للمال ـ لتفريطه فيه، ولو بعدم إخباره عنه ـ يكون المالك أسوة الغرماء، وإن علم بعدم ضمان العامل للمال فلا شيء للمالك، بل تكون التركة بتمامها للورثة بعد وفاء الديون، وإن شك في ضمانه له ففي كونه أسوة الغرماء في التركة أو عدم استحقاقه شيئاً وجهان، فالأحوط وجوباً التراضي بينه وبين الورثة والغرماء. وفي الثالثة إن علم بضمان العامل للمال كان المالك أسوة للغرماء، وإن لم يعلم بضمان العامل ففي عدم استحقاق المالك شيئ، أو كونه أسوة الغرماء وجهان، والأحوط وجوباً التراضي بينه وبين الغرماء والورثة.

الصورةالثالثة: أن يشك في وجود مال المضاربة، فحكمها حكم الفرض الثالث من الصورة الثانية.

(مسألة ٢٩) : يكره مضاربة الذمي، بل مطلق الكافر.

١٧٥

كتاب المزارعة والمساقاة

والكلام فيه في ضمن مباحث..

المبحث الأول

في المزارعة

وهي معاملة خاصة بين صاحب الارض وشخص آخر تبتني على قيام ذلك الشخص بزراعة الارض في مقابل حصة من حاصله.

ويعتبر فيها اُمور..

الأول: أن يكون الحاصل بينهما ولا يختص به أحدهم.

(مسألة ١) : لو اتفقا على أن يكون الحاصل بتمامه لاحدهما صح العقد ولم يقع مزارعة، كما إذا كان غرض مالك الارض أن يزرع أرضه بنوع من الزرع لسحب أملاحها مثلاً لا من أجل أن ينتفع بحاصلها فلم يجد من يرضى بذلك إلا بتمام الحاصل مع كون البذر منه أو من مالك الارض، أو كان غرض العامل أن يتمرن على الزراعة فلم يجد من يأذن له في العمل في أرضه إلا مجاناً على أن لا يترك العمل قبل بلوغ الزرع.

الثاني: أن تكون شركتهما في تمام الحاصل بنحو الاشاعة، كما إذا كانت

١٧٦

حصة العامل الربع أو النصف أو الثلث أو نحو ذلك، والباقي للمالك. فلو اشترط أحدهما مقداراً معيناً ـ كعشرة أطنان ـ والباقي للاخر لم يصح العقد مزارعة ولا غيره. وكذا إذا اشترط لاحدهما نوع من النماء وللاخر نوع آخر، كما لو زارعه على أن له الحنطة وللعامل الشعير، أو على أن له حاصل بعض معين من الارض وللعامل حاصل بعض آخر منه.

نعم لا بأس بإجارة العامل الارض بشيء معلوم من النقد أو غيره، لكن تقدم في مسألة (١٢) من الفصل الثاني من كتاب الإجارة أنه لا يجوز إجارتها بشيء من حاصلها على تفصيل وكلام، فراجع.

(مسألة ٢) : يجوز أن يشترط أحدهما على الاخر شيئاً معيناً من النقد وغيره حتى الثمر. نعم يشكل اشتراط مقدار معين من الحاصل الذي تقع المزارعة عليه، فالأحوط وجوباً عدم اشتراطه.

الثالث: تعيين المدة بالنحو المناسب لتعيين الزرع المستحَق، سواءً كان بالشهور والاعوام، أم بالفصول، أم بدفعات الزرع، إلى غير ذلك مما يرتفع معه إبهام الزرع المستحَق.

الرابع: تعيين الارض بالنحو الرافع للابهام، ويكفي تعيين مقدار خاص من كلي أو خارجي، كما إذا قال: زارعتك على عشرين دونماً من أرض صفتها كذ، أو من هذه الارض. ولا يجوز المزارعة على إحدى أرضين من دون تعيين له، نعم لو ابتنى على الرجوع في تعيينها لاختيار أحدهما المعين أو اختيار ثالث كفى.

الخامس: تعيين ما على كل منهما من البذر والالات والعوامل وحفر النهر وغير ذلك، إما صريح، أو ضمناً لقرينة خاصة، أو عامة كالتعارف.

السادس: إمكان الزرع، لكون الارض صالحة له، مع القدرة على مقدماته الاُخرى. وإذا كان المانع موجوداً في بعض الارض بطلت المزارعة فيه

١٧٧

خاصة، وكان لكل منهما خيار تبعض الصفقة في الباقي إن ابتنت المزارعة على المجموعية والارتباطية.

(مسألة ٣) : لا يعتبر في المزارعة أن يكون المزارع مالكاً للارض، بل يكفي أن يكون مالكاً للمنفعة، كالمستأجر والموقوف عليه إذا كان مقتضى الوقف ملكية المنفعة. بل يكفي اختصاص المنفعة بجهة معينة، كما في الارض الموقوفة للجهات العامة، أو على اُناس خاصين على أن تكون لهم ثمرتها لا منفعته، فإنه يجوز لوليها إجراء عقد المزارعة عليه. وكذا الحال في أرض الخراج التي هي مختصة بالمسلمين. وأما المزارعة ممن له حق الاختصاص بالارض من دون أن يختص بمنفعتها ـ مثل من حجّر أرضاً أو سبق إليها من دون أن ينوي حيازتها له ـ فلا يخلو عن إشكال، والأحوط وجوباً عدم صحته.

(مسألة ٤) : الظاهر جواز استعارة الارض للمزارعة عليه، ومرجع ذلك إلى إذن المالك في المزارعة بنحو يكون أجر الارض للمستعير، نظير إذن المالك لغيره في بيع ما يملكه على أن يكون الثمن للمأذون لا للمالك، فقد تقدم في أول كتاب البيع أنه يمكن البيع مع كون الثمن لثالث وأنه يرجع إلى عقد بين ثلاثة أطراف البايع والمشتري والثالث الذي يكون الثمن له، وكذا إذن المالك في إجارة العين على أن يكون الثمن للمأذون لا لمالك العين، حيث لا مانع من صحة هذه المعاملات، نعم لابد من شمول الاذن في العارية لايقاع المزارعة، وهو يحتاج إلى عناية، لا تقتضيها العارية بطبعه.

(مسألة ٥) : يجوز للعامل أن يباشر الزرع بنفسه وأن يستنيب غيره في تمام العمل أو في بعضه، إلا أن تشترط المباشرة في ضمن عقد المزارعة.

(مسألة ٦) : إذا اتفقا في العقد على زرع خاص، أو زمان خاص، أو حال خاص، أو غير ذلك من شؤون العمل تعيّن، ولا يجوز الخروج عنه إلا برض

١٧٨

الاخر، وليس للمالك أو العامل فرض شيء بعد العقد.

(مسألة ٧) : إذا خرج الزارع عما اتفقا عليه في العقد فيما هو قوام العقد ـ كما لو زرع أرضاً اُخرى، أو نوعاً آخر من الزرع ـ فإن كان البذر من المالك كان الحاصل بتمامه له وليس للعامل شيء، وعليه ضمان النقص الحاصل في الارض أو البذر أو غيرهما مما يعود للمالك. وإن كان البذر من العامل فإن كان متعمداً كان متعدياً وكان للمالك قلعه، وله القبول ببقائه مع اُجرة الارض، ويكون الحاصل للعامل، وإن لم يكن متعمداً كان على المالك القبول ببقائه ولو باُجرة ما لم يتضرر، ويكون الحاصل للعامل.

(مسألة ٨) : إذا خالف الزارع شرط المالك غير المقوِّم للعقد كان للمالك الفسخ، فإن كان البذر منه كان تمام الحاصل له وعليه اُجرة المثل لعمل العامل، وإن كان البذر من العامل كان تمام الحاصل له وعليه اُجرة المثل للارض.

(مسألة ٩) : مقتضى إطلاق العقد تحمل المالك لضريبة الدولة التي تجعلها على الارض، وخروج ضريبة الدولة التي تجعلها على الحاصل من المجموع قبل القسمة، وكذا الخراج الذي كان يضعه السلطان على الارض في العصور السابقة، لانه مجعول على حاصلها حقيقة، وإذا اشترط خلاف ذلك كان العمل على الشرط.

(مسألة ١٠) : يجوز لكل من صاحب الارض والزارع أن يخرص الزرع على الاخر بعد إدراكه بمقدار معين، فإذا تراضيا نفذ ذلك عليهم، وليس لهما الرجوع بعد ذلك لو ظهرت الزيادة أو النقيصة.

(مسألة ١١) : إذا تلف شيء من الزرع بعد تراضيهما بالخرص كان التلف منهما معاً ولحق من خُرص عليه من حقه بنسبة التالف للمجموع، فإذا تراضيا بخرص مجموع الزرع بعشرة أطنان مثلاً ورضي المالك بخمسة أطنان عن حصته وكان الزرع في الواقع اثني عشر طن، فتلف نصفه ـ وهو ستة

١٧٩

أطنان ـ كان التلف الذي على المالك طنين ونصف، والذي على الزارع ثلاثة أطنان ونصف، من دون فرق في ذلك كله بين أن يكون التلف بوجه مضمِّن وأن لا يكون كذلك. نعم إذا كان التلف بوجه مضمِّن كان على الضامن لكل منهما بمقدار ما وقع عليه من التلف.

(مسألة ١٢) : إذا ظهر أن الارض مغصوبة ففي المقام صور..

الاُولى: أن يعلما بذلك قبل العمل، واللازم عليهما هنا التوقف عن التصرف فيها ومراجعة المالك، فإن استمرا في عملهما جرى عليهما ما يأتي في حكم الصور الاتية.

الثانية: أن يعلما بذلك بعد إكمال العمل مع كون البذر للمزارع الغاصب للارض، وحينئذٍ إن أجاز المالك سلمت للعامل حصته، وكانت حصة المزارع بين المالك والغاصب بنسبة قيمة منفعة الارض لمنفعة البذر، فإذا كان المتعارف أن يجعل للبذر الثلث وللارض الثلث وللعمل الثلث مثلاً كان للمزارع نصف الحصة المجعولة له بالعقد، وللمالك نصفه، نعم لمالك البذر حينئذٍ خيار تبعض الصفقة فله الفسخ، فيكون كما لو لم يجز المالك على ما يأتي.

وإن لم يجز المالك كان الزرع كله للمزارع الغاصب واستحق مالك الارض على المباشر للعمل اُجرة المثل لمنفعة الارض التي استوفاه، فإن كان مغروراً من قبل الغاصب أو غيره كان له الرجوع على من غرّه، وله أيضاً الرجوع على الغاصب باُجرة المثل لعمله في بذره حتى أنتج، أما إذا كان عالماُ بالحال فلا رجوع له عليه بشيء، أما ما دفعه للمالك فلعدم الغرور، وأما عمله في البذر حتى أنتج فلحرمته ولا اُجرة لحرام.

الثالثة: أن يعلما بذلك بعد إكمال العمل مع كون البذر للعامل الزارع، وحينئذٍ إن أجاز لمالك سلمت للعامل حصته وكان الباقي لمالك الارض، وليس للمزارع الغاصب شيء، وإن لم يجز كان الزرع بتمامه للزارع وعليه اُجرة

١٨٠