منهاج الصالحين - المعاملات الجزء ٢

منهاج الصالحين - المعاملات0%

منهاج الصالحين - المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 344

منهاج الصالحين - المعاملات

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 344
المشاهدات: 71577
تحميل: 4933


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 344 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71577 / تحميل: 4933
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين - المعاملات

منهاج الصالحين - المعاملات الجزء 2

مؤلف:
العربية

عقد الرهن أو في عقد آخر غير عقد الوكالة أن لا يعزله. نعم الأحوط وجوباً عدم اشتراط ذلك في عقد القرض.

(مسألة ٣٦) : إذا أفلس المرتهن أو مات مديناً ديناً لا تفي به تركته ففي تقديم حق المرتهن في العين المرهونة على بقية الغرماء إشكال، والأحوط وجوباً التراضي والتصالح معهم.

(مسألة ٣٧) : إذا مات الراهن ولم يكن للمرتهن بينة على دينه عليه، وخاف إن هو أقرّ بالمال المرهون أن يأخذه الورثة منه وينكروا دينه، جاز له أن يستوفي دينه من المال المرهون بنفسه ويُرجع ما زاد منه للورثة من دون أن يقر بالرهن.

(مسألة ٣٨) : إذا وجد المرتهن عنده رهناً على دين وجهل صاحبه كان له استيفاء دينه منه، فإن كان الدين بقدر الرهن فذاك، وإن كان أكثر من الرهن بقي الزائد من دينه في ذمة الراهن المجهول، وإن كان أقلّ من الرهن بقي الزائد من الرهن أمانة في يده للراهن المجهول، وجرى عليه حكم الامانة المجهول مالكه، وقد تقدّم في المسألة (١٦)من كتاب الاستيداع. وإن جهل مقدار الدين واحتمل كونه بقدر الرهن جاز له احتسابه بدينه ويكون له.

(مسألة ٣٩) : إذا تردّد الدين الذي عليه الرهن بين الاقلّ والاكثر بني على الاقل.

(مسألة ٤٠) : إذا كان عند شخص عين لاخر، وتردّد بين كونها رهناً على دين وكونها وديعة أو نحوها بني على عدم كونها رهن، سواءً علم بأن صاحب العين مدين للشخص الذي عنده العين، أم لم يعلم بذلك. نعم إذا اتّفقا على كونه مديناً له، وادّعى الدائن أن العين رهن على ذلك الدين وادّعى المدين أنها ليست برهن كان القول قول الدائن ما لم يقم المدين البينة على عدم كونها رهن، ويكفي أن يقيم البينة على أنه تسلّمها منه لا على وجه الرهينة، ولا يسمع مع ذلك دعوى الدائن أنه رهنها عنده بعد ذلك، إلا ببينة.

٢٤١

الفصل الثاني

في الكفالة

وهي نظير الرهن في كونها استيثاقاً للحق، لكن موضوعها النفس والغرض منها الحضور. فهي عبارة عن تعهّد شخص لاخر بحضور شخص ثالث، بحيث يلزمه أن يحضره لو لم يحضر. والأول الكفيل، والثاني المكفول له، والثالث المكفول. ومحلّ الكلام ما إذا وجب الحضور على المكفول، وكان المكفول له يستحق ذلك عليه. ويأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.

(مسألة ١) : لا إشكال في توقّف الكفالة على رضا الكفيل والمكفول له، والظاهر توقّفها على رضا المكفول أيض، فمع عدم رضاه بها لا سلطان للكفيل عليه، ولا يترتب أثرها بالنسبة إليه. نعم المفروض وجوب الحضور عليه على كل حال ولو مع عدم الكفالة، لكن ذلك لا يقتضي سلطنة الكفيل على إحضاره ولا لزوم متابعته للكفيل بالحضور ما لم يرض بالكفالة.

(مسألة ٢) : لابد من إنشاء مضمون الكفالة والتزام الاطراف المعنية به وإبراز الالتزام المذكور بكل ما يدل عليه من قول أو فعل، نظير ما سبق في بقية العقود.

(مسألة ٣) : يجوز اشتراط الكفالة على الكفيل ـ من قبل المكفول أو المكفول له أو شخص ثالث ـ في ضمن عقد لازم، فينفذ مع رضا المكفول والمكفول له. وهو على وجهين:

الأول: أن يشترط كونه كفيلاً لزيد مثلاً ومسؤولاً به.

الثاني: أن يشترط عليه أن يكفل زيد. وفي الأول يكون كفيلاً بمجرد الشرط، وفي الثاني لا يكون كفيلاً إلا بعد إنشاء الكفالة، ولا يكون فائدة الشرط

٢٤٢

إلا وجوب إنشائه.

(مسألة ٤) : لما كانت الكفالة متمحضة في التعهد من جانب الكفيل وحده فالأحوط وجوباً الاقتصار في نفوذها على ما إذا ابتنت على أن يترتب عليها شيء من جانب المكفول له، كما إذا كان قد اشترط الكفالة فيرجع قبوله بها للقبول بكونها وفاء بشرطه، أو كان مستحقاً الحضور على المكفول أو حابساً له فعلاً فيأذن بانصرافه أو يطلق سراحه اعتماداً على الكفالة، أو كان طالباً ـ من المكفول أو من غيره ممن يتعلق به ـ التوثق لحقه ساعياً لذلك، فيترك الطلب والسعي المذكورين اكتفاء بالكفالة أو نحو ذلك. أما إذا كانت مبتدأة من دون ذلك نظير الوعد المجرد فيشكل نفوذها إلا أن تكون مشروطة على الكفيل من قبل المكفول له في ضمن عقد آخر فتنفذ تبعاً لنفوذ العقد.

(مسألة ٥) : يعتبر في الكفيل أن يكون قابلاً لان يلزم بإحضار المكفول على ما تقتضيه الكفالة لكماله بالبلوغ والعقل، فإذا كان مقتضى الكفالة إحضار المكفول بعد شهر من العقد ـ مثلاً ـ لزم كمال الكفيل حينئذٍ ولا يجب كماله حين إجراء العقد، بل يمكن قيام وليه مقامه في إجراء العقد إن كانت الكفالة صلاحاً له. أما المكفول والمكفول له فلا يعتبر كمالهم، فيمكن كفالة الصبي والمجنون والكفالة لهما إذا رضي بها وليهما بدلاً عنهم.

(مسألة ٦) : لا يعتبر قدرة الكفيل على إحضار المكفول واقع، بل يكفي زعمه القدرة على ذلك، فإذا كفله بالزعم المذكور ثم تبين عجزه لم ينكشف بطلان الكفالة. وليس المراد بالقدرة على إحضاره القدرة على مباشرة الاحضار بنفسه بحيث يأتي به معه، بل المراد ما يعم استجابة المكفول للكفيل لو أمره بالحضور.

(مسألة ٧) : تشرع الكفالة سواءً كان طلب حضور المكفول لتعلق حق مالي به ـ كدين أو كفالة أو تسليم مبيع أو نحوها ـ من أجل أن يستوفى منه

٢٤٣

ذلك الحق، أم كان لامر آخر، كحضوره لمرافعة أو لاداء شهادة أو دخول سجن بحق أو ليقتص منه أو غير ذلك. ويعتبر في القسم الأول أن لا يكون الكفيل والمكفول له محجوراً عليهما بسفه أو فلس. ولا يعتبر ذلك في المكفول لثبوت الحق عليه على كل حال.

(مسألة ٨) : تصح الكفالة في الماليات، سواءً كان الحق ثابتاً فعل، كما لو كان المكفول مديناً للمكفول له، أم لم يكن ثابتاً فعلاً مع وجود سببه، كالجعل في عقد الجعالة والعوض في عقد السبق والرماية، بل تصح مع عدم وجود السبب فعل، كثمن أو أجر في بيع أو إجارة متوقعي الحصول، كما لو قال: بعه الدارأو آجره الدكان وأنا كفيل باحضاره ليؤدي الثمن أو الاُجرة.

(مسألة ٩) : مع إطلاق الكفالة في الماليات يجب على الكفيل إحضار المكفول، ومع تعذر ذلك يجب عليه دفع المال الذي عليه. أما لو صرح في عقد الكفالة باقتصاره على إحضار المكفول فلا يجب عليه مع تعذر الاحضار دفع المال. نعم لو دفع المال انحلت الكفالة، لما يأتي من انحلالها ببراءة ذمة المكفول من الحق.

(مسألة ١٠) : يمكن في الكفالة مطلقاً جعل شرط جزائي على تقدير عدم إحضار المكفول، لكن لابد في نفوذه من تقديم الشرط، فإذا قال الكفيل: علىّ كذا إن لم اُحضره، لزمه الشرط. وإذا قال: إن لم اُحضره فعلي كذ، لم يلزمه الشرط ولم يكلف إلا بإحضاره.

(مسألة ١١) : في الكفالة في الماليات إذا دفع الكفيل المال، فإن كان بإذن المكفول أو بطلب منه كان للكفيل الرجوع عليه بما دفع، وإن لم يكن باذنه لم يرجع عليه، إلا إذا كان آذناً في الكفالة المطلقة التي سبق ظهورها في دفع الحق عند تعذر الاحضار، فإن له الرجوع حينئذٍ إذا كان قد دفع المال مع تعذر الاحضار.

(مسألة ١٢) : مع إطلاق الكفالة يلزم الكفيل إحضار المكفول في بلد عقد

٢٤٤

الكفالة، ولا يكفي إحضاره في غيره إلا مع القرينة الصارفة عن مقتضى الاطلاق.

(مسألة ١٣) : يجب على المكفول الاستجابة للكفيل والحضور معه، فإن امتنع جاز له إجباره ولو بالاستعانة بالظالم. نعم نفقة الاحضار على الكفيل ولا يتحملها المكفول إلا مع الشرط، وإن كان ضمنياً مستفاداً من شاهد الحال عند إذن المكفول في الكفالة.

(مسألة ١٤) : يجوز أن يكفل الكفيلَ شخص ثان، يكون ملزماً باحضاره ليقوم بمقتضى كفالته، كما يجوز أن يكفل الثاني شخص ثالث، وهكذا تترامى الكفالات.

(مسألة ١٥) : إذا أمسك صاحبُ الحق من عليه الحق لاستيفاء حقه منه من دون تعد عليه فجاء آخر فخلصه منه كان عليه تسليمه أو أداء الحق الذي عليه. وإذا كان قاتلاً عمداً لزمه إحضاره ليقتص منه أولياء المقتول، ولهم حبسه لذلك، إلا أن يرضوا منه بالدية فيدفعها لهم. وكذا إذا مات القاتل فيجب على من خلصه من أيدي أولياء المقتول دفع الدية لهم.

(مسألة ١٦) : الكفالة عقد لازم لا يجوز فسخه من طرف الكفيل، إلا مع الخيار، أو بالتقايل منه ومن المكفول له. نعم ينحل باُمور..

الأول: القيام بمؤداه وهو إحضار المكفول.

الثاني: براءة ذمة المكفول من الحق الذي عليه بأدائه، أو بارتفاع موضوعه، كما إذا كان كافلاً لشخص فبطلت كفالته له.

الثالث: انتقال الحق من المكفول له لشخص آخر، ببيع أو صلح أو حوالة أو غيره، فإن الشخص الاخر لا يقوم مقام المكفول له في استحقاق الكفالة، بل تنحلّ الكفالة. نعم إذا كان الانتقال بالارث قام الوارث مقام المورِّث في استحقاق الكفالة ولم تنحل.

٢٤٥

الرابع: موت المدين أو سقوطه عن قابلية الاحضار لاستيفاء الحق بجنون أو نحوه. نعم إذا ابتنت الكفالة على أداء الكفيل للحق عند تعذر الاحضار فلا تبطل الكفالة حينئذٍ، بل يجب عليه أداء الحق إن تعذر أداؤه من ماله أو تركته.

الخامس: إسقاط المكفول له حقه من الكفالة.

(مسألة ١٧) : لا تصح الكفالة إذا لم يجب الحضور على المكفول مع قطع النظر عنه، كالمحبوس ظلم، والشاهد في الترافع عند الظالم، والملزم ظلماً بدفع مال، ونحو ذلك، فلو وقعت الكفالة لم يحل للمكفول له إلزام الكفيل بإحضار المكفول، ولم يجب على الكفيل إحضاره.

نعم يمكن نفوذ الكفالة حينئذٍ في حق المكفول بالاضافة إلى الكفيل إذا ابتنى رضاه بالكفالة على تعهده بالاستجابة له في الحضور إن كفله، دفعاً للضرر الوارد على الكفيل لو لم يحضر، فالمسجون بظلم مثلاً قد يرضى الظالم بخروجه من السجن موقتاً إذا كفله شخص وتعهد برجوعه بعد الوقت، كما قد يتعارف في زمانن، وحينئذٍ إذا طلب من شخص أن يكفله عند الظالم متعهداً له بالرجوع للسجن بعد الوقت لئلا يقع الكفيل في الضرر فكفله ذلك الشخص بناء على التعهد المذكور وجب عليه الحضور، وجاز للكفيل إحضاره وإجباره على الحضور بمقتضى نفوذ التعهد المذكور، وإن لم يستحق المكفول له حضوره، بل كان ظالماً في ذلك، إلا أن يكون الحضور محرماً فيشكل الامر، كما إذا كان يتعرض في رجوعه للسجن للهلكة أو لضرر يحرم تحمله.

٢٤٦

تتميم:

المعروف من الكفالة هي كفالة النفس التي تبتني على التعهد بحضور المكفول لاستيفاء الحق منه، وهي التي سبق الكلام فيه. والظاهر مشروعية الكفالة المتمحضة في المال، المتعارفة في زماننا هذ، وهي تعهد الكفيل للمكفول له بأداء حقه الثابت له على المكفول، لا بمعنى جعل الحق المذكور في ذمة الكفيل وبراءة المكفول منه ـ كما يأتي في الضمان ـ بل بمعنى تعهد الكفيل للمكفول له بحصوله على حقه بأن يؤديه له المكفول، فإن لم يفعل أداه هو عنه، من دون أن تقتضي الكفالة المذكورة براءة ذمة المكفول من الحق. والظاهر عدم اشتراط إذن المكفول في هذاالقسم من الكفالة، بل يكفي اتفاق الكفيل والمكفول له عليها ورضاهما به.

(مسألة ١٨) : كما تجري هذه الكفالة في الاُمور الذمية تجري في الاعيان الخارجية، كما لو قال: لا تتعقب السارق وأنا كفيل بما أخذ، أو لا تخاصم الغاصب وأنا كفيل بما غصب، على معنى أنه مسؤول بإرجاع عين المال ومع تعذره فهو مسؤول ببدله، من دون أن تبرأ ذمة صاحب اليد مما أخذ.

(مسألة ١٩) : لا يعتبر في هذه الكفالة ثبوت الحق وانشغال ذمة المكفول فعل، بل يكفي تحقق سبب ثبوته وانشغال الذمة به وإن لم تنشغل بعد، كما لو قال: بع زيداً أو آجره وأنا كفيل بالثمن أو الاجر، أو أدخله بيتك وأنا كفيل بما أتلف، أو أعره المتاع وأنا كفيل به، أو لا تغلـق باب المنزل وأنا كفيل بما يسرق منه.

نعم، لابدّ في جميع ذلك من أن تبتني على أن يترتب عليها شيء من جانب المكفول له على النحو المتقدم في المسألة (٤) فلا تنفذ بدون ذلك، كما لو أيس المسروق من الظفر بما له فقال له: أنا كفيل بما سرق منك، أو أحكم الشخص غلق أبوابه أو قام بأقصى جهده في التحفظ على ماله فقال له: إن سرق منك شيء

٢٤٧

فأنا كفيل به، ونحو ذلك.

(مسألة ٢٠) : تصح كفالة درك الثمن لو ظهر المبيع مغصوباً أو غير ذلك مما يوجب بطلان البيع، فإذا باع شخص شيئاً بثمن معين، وخشي المشتري أن يكون المبيع مغصوباً كان له طلب الكفيل بالثمن الذي دفعه، فإذا كفله شخص كان له الرجوع عليه بالثمن الذي دفعه لو ظهر بطلان البيع لكون المبيع مغصوب. كما تصح كفالة الثمن على تقدير فسخ البيع بخيار، أو بطلانه لتلف المبيع قبل القبض، أو نحو ذلك.

(مسألة ٢١) : إذا لم تكن هذه الكفالة بإذن المكفول لم يكن للكفيل الرجوع عليه بما أدى عنه، وإن كانت بإذنه كان للكفيل الرجوع عليه بما أدى عنه من الحق في وقته على حسب مقتضى الكفالة، إلا أن يبتني إذنه له في الكفالة على عدم ضمانه له لو أدى عنه، وهو يحتاج إلى عناية وقرينة خاصة.

(مسألة ٢٢) : يجوز ترامي هذه الكفالة، نظير ما تقدم في كفالة النفس.

(مسألة ٢٣) : تجوز هذه الكفالة مع عدم ثبوت الحق على المكفول شرع، بل كان مؤاخذاً به ظلم، فإنها وإن لم تنفذ في حق المكفول له لكونه ظالم، إلا أنها تنفذ في حق المكفول إذا أذن بها أو طلبه، فيجب عليه أداء المال للكفيل لو أداه عنه بمقتضى الكفالة، نظير ما تقدم في المسألة الاخيرة من كفالة النفس.

٢٤٨

الفصل الثالث

في الضمان

وهو عبارة عن تحمل شخص ديناً في ذمة آخر، بحيث تنشغل ذمته بالدين وتفرغ منه ذمة المدين. والمتحمل هو الضامن، والمدين الأول هو المضمون عنه، وصاحب الدين هو المضمون له. ويكفي في إنشائه كل ما يدل على الالتزام بالمضمون المذكور من قول أو فعل، كما تقدم في غيره من العقود.

(مسألة ١) : الضمان عقد بين الضامن والمضمون له، فلابدّ من صدوره عن اختيارهم، ولا يقع مع الاكراه كسائر العقود، كما لابد فيه من كونهما بالغين عاقلين غير محجور عليهما بسفه. وأما عدم الحجر بالفلس فالظاهر اشتراطه في المضمون له إذا كان نفوذ الضمان منافياً لمقتضى الحجر، ولا يعتبر في الضامن، غايته أن المضمون له لا يشارك الغرماء في أمواله التي هي مورد الحجر، ويأتي التعرض لذلك في كتاب الحجر إن شاء الله تعالى.أما المضمون عنه فلا يعتبر رضاه، كما لا يعتبر فيه ما سبق، بل يصح الضمان عنه وإن كان ميت.

(مسألة ٢) : إذا كان الضامن والمضمون له قاصرين لصغر أو جنون قام وليهما مقامهم، كما يقوم وكيلهما مقامهما لو كانا كاملين.

(مسألة ٣) : لابد في الضمان من ثبوت الدين في ذمة المدين، سواءً كان لازماً ـ كالقرض ـ أم متزلزلاً ـ كثمن المبيع في زمن الخيار ـ فمع عدم ثبوته لا يصح ضمانه، سواءً تحقق سببه، كالجعل في الجعالة قبل العمل، أم لم يتحقق، كثمن المبيع قبل البيع. كما لابدّ في الضمان أيضاً من كون الحق ذمي، ولا يجري في الاعيان المضمونة كالمغصوب. نعم تصح الكفالة في جميع ذلك من دون أن تبر

٢٤٩

بها ذمة من عليه الحق، كما تقدم.

(مسألة ٤) : إذا لم يكن الضمان بإذن المضمون عنه لم يكن للضامن الرجوع عليه بما أدى من الحق، أما إذا كان بإذنه فله الرجوع عليه بما أدى، ولا يجوز الرجوع عليه بما لم يؤده لعجز أو إبراء، وكذا لو صالح على الدين بما هو دونه، فإنه ليس له الرجوع إلا بما صالح به.

(مسألة ٥) : الضمان من العقود اللازمة، فلا يجوز الرجوع فيه للضامن ولا للمضمون له، بل لا يمكن حلّه حتى بالتقايل منهم، ولا يصح شرط الخيار فيه، كما لا يثبت فيه خيار تخلف الشرط أو الوصف، فإذا رضي المضمون له بالضمان بشرط أن يفعل الضامن شيئاً أو بشرط أن يكون موسر، فلم يفعل الضامن ذلك الشيء أو بان إعساره حين الضمان لم يكن للمضمون له الفسخ، سواءً كان الشرط صريحاً أم ضمني. نعم إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه فالظاهر صحة شرط الخيار فيه، وثبوت خيار تخلف الشرط أو الوصف فيه إذا كان الاشتراط بإذنه أيض. كما أن الظاهر إمكان التقايل فيه بإذن المضمون عنه، بحيث يرضى الثلاثة بحلّه ورفع اليد عنه.

(مسألة ٦) : يجوز ضمان الدين الحالّ مؤجل، بحيث لا يستحق المضمون له المطالبة إلا بعد الاجل، كما يجوز العكس، وهو ضمان الدين المؤجل حال.

(مسألة ٧) : إذا أمر شخص صاحب المال بإتلاف ماله، فإن كان الاتلاف محرماً ـ لكونه تبذيراً ـ وعلم صاحب المال بذلك لم يكن عليه ضمانه، حتى لو تعهد بضمانه على تقدير الاتلاف، كما لو قال: أحرق ثوبك وعلىّ قيمته، وإن لم يكن محرماً ـ لوجود غرض عقلائي مخرج له عن التبذير ـ أو كان محرّماً ولم يعلم صاحب المال بذلك، فإن فهم صاحب المال إرادة الامر المجانية فلا ضمان أيض. وكذا إذا وجب الاتلاف على صاحب المال وكان الامر به من باب الامر

٢٥٠

بالمعروف. وفي غير ذلك يتعين الضمان، سواءً صرح الامر بالضمان أم ل، لكن ذلك ليس من الضمان الذي هو محل الكلام، بل هو نظير الضمان بالاستيفاء الذي تقدم في المبحث الأول من خاتمة كتاب الإجارة.

الفصل الرابع

في الحوالة

والمراد بها تحويل المدين للدائن بدينه على غيره، بحيث تبرأ ذمة المدين من الدين وتنشغل به ذمة ذلك الغير. والمدين الأول هو المحيل، والدائن هو المحال، وقد يسمى بالمحتال، والذي يحوّل عليه الدين هو المحال عليه. ويكفي في إنشائها كل ما دل على الالتزام بالمضمون المذكور من قول أو فعل.

(مسألة ١) : لابدّ في الحوالة من رضا المحيل والمحال، أما المحال عليه فلابدّ من رضاه أيضاً إذا كان بريئاً غير مدين للمحيل، وكذا إذا كان مديناً له وكانت الحوالة بغير الجنس، كما إذا كان مديناً له بدراهم فأحال عليه بدنانير، وأما إذا كان مديناً وكانت الحوالة بنفس الجنس، فإن اُريد بالحوالة عليه الحوالة على ذمته ابتداءً ـ ولو لتخيل كونه بريئاً ـ فلابدّ من رضاه أيض، وإن اُريد بها الحوالة على الدين الثابت في ذمته فلا يعتبر رضاه.

(مسألة ٢) : لابدّ في المحيل والمحال من البلوغ والعقل وعدم الاكراه، كما يجب ذلك في المحال عليه في المورد الذي يعتبر فيه رضاه.

(مسألة ٣) : يعتبر عدم الحجر بسفه أو فلس في المحال والمحال عليه في كل مورد يكون نفوذ الحوالة منافياً لمقتضى الحجر. ولا يسعنا تفصيل ذلك، بل قد يظهر بالتأمل وبملاحظة ما يأتي في كتاب الحجر.

(مسألة ٤) : تجوز الحوالة على البرئ ـ غير المدين للمحيل ـ بإذنه، كم

٢٥١

أشرنا إليه، فإن ابتنت الحوالة على رجوعه على المحيل بما أحال عليه انشغلت ذمة المحيل له بمثل الذي أحال به، وإن ابتنت على تبرع المحال عليه فلا تنشغل ذمة المحيل له بشيء.

(مسألة ٥) : إذا تمّ عقد الحوالة بشروطه برئت ذمة المحيل من الدين الذي أحال به للمحال، وبرئت ذمة المحال عليه إذا كان مديناً للمحيل من مقدار الدين الذي أحال به عليه، وانشغلت ذمة المحيل للمحال عليه بمثل الدين الذي أحال به إذا كان المحال عليه بريئاً وكان مبنى الحوالة على رجوعه على المحيل بما أحال عليه، ولا يتوقف شيء من ذلك على أداء المحال عليه للمحال الدين الذي اُحيل به.

(مسألة ٦) : لابدّ في الحوالة من ثبوت الدين في ذمة المحيل حينه، ولا يكفي حصول سببه ـ كالجعل في الجعالة قبل العمل ـ فضلاً عن توقع ثبوته من دون ذلك، كثمن المبيع قبل البيع.

(مسألة ٧) : الحوالة كالضمان في اللزوم، وعدم إمكان شرط الخيار وغيره إلا إذا كانت بإذن المحال عليه، فيمكن فيها شرط الخيار وغيره والتقايل، نظير ما تقدم في الضمان. نعم إذا كان المحال عليه معسراً حين الحوالة ولم يعلم المحال بإعساره كان له الخيار إذا علم بعد ذلك.

وإذا زال إعساره قبل الفسخ ففي بقاء الخيار إشكال، كالاشكال في ثبوت الخيار إذا كان بناء المحال عليه على الاقتراض أو الاستيهاب أو نحوهما وكان يمكنه ذلك، بل الاظهر هنا عدم الخيار.

تتميم

الحوالة المصطلحة للفقهاء والتي دلّت عليها النصوص هي الحوالة بالمعنى المتقدم المبتني على نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. أم

٢٥٢

الحوالة المعروفة في زماننا هذا فهي عبارة عن طلب المحيل من المحال عليه دفع المال عنه للمحال من دون أن تنشغل ذمة المحال عليه للمحال بشيء. ويترتب على ذلك اُمور..

الأول: أنه لا يعتبر في المال المحال به أن يكون ديناً ثابتاً فعلاً في ذمة المحيل، بل كما يكون كذلك يكون ثمناً في بيع حين الحوالة، كما إذا اشترى المحيل شيئاً بثمن يأخذه المشتري من المحال عليه، أو يكون ديناً آيلاً إلى الثبوت، كالجعل في الجعالة قبل العمل، وثمن المبيع قبل البيع، بل يمكن أن يكون مالاً متبرعاً به.

الثاني: أنه لا يعتبر رضا المحال إلا حيث يكون له الامتناع عن أخذ المال المحال به، كما إذا كان ثمناً في بيع، حيث يجوز له الامتناع عن إطلاق الثمن بحيث يشمل المال المحال به، بخلاف ما إذا كان ديناً في ذمة المحيل، فإنه حيث يكون تعيين الوفاء تابعاً للمدين فإذا كان إطلاق الدين يشمل المال المحال به وعيّن المدين الوفاء به لم يكن للدائن الامتناع عن قبضه.

وأما المحال عليه فقد يكون ملزماً بقبول الحوالة، كما إذا كان وكيلاً للمحيل، أو كان بينهما عقد ملزم بالدفع عند التحويل.

الثالث: إذا دفع رجل إلى آخر مالاً في بلد ليأخذ بدله في بلد آخر، فإن اختلف المالان في الجنس فلا إشكال، كما لو دفع في العراق ديناراً عراقياً ليأخذ بدله في خارج العراق عملة اُخرى، لرجوعه إلى بيع إحدى العملتين بالاُخرى. وإن اتفقا في الجنس، فله صور ثلاث..

الاُولى: أن يكون المدفوع أولاً أقل من المأخوذ بدلاً عنه، كما لو دفع في العراق ألف دولار على أن يأخذ في الخارج ألفاً وخمسين دولار، وحينئذٍ إن كان الدفع بعنوان القرض كانت الزيادة ربا محرم، وإن كان بعنوان البيع، بأن يبيعه ألف دولار في العراق بألف وخمسين دولاراً في الخارج كان حلال، لعدم حرمة

٢٥٣

الزيادة في العوضين في المعدود. نعم الأحوط وجوباً عدم الزيادة المذكورة مع انحصار الفرق بالزمن، كما لو باعه ألف دولار معجلة بألف وخمسين دولاراً مؤجلة إلى شهر مثلاً من دون فارق من جهة اُخرى كالمكان.

الثانية: أن يكونا متساويين، والظاهر جريان التفصيل المتقدم بين القرض والبيع، فيحل في البيع والقرض، لان شرط اختلاف المكان لايحرم بالقرض كما تقدم.

الثالثة: أن يكون المدفوع أولاً أكثر من المأخوذ بدلاً عنه، كما لو دفع في العراق ألف دولار على أن يأخذ في الخارج تسعمائه وخمسين دولار، والظاهر جواز ذلك مطلق، سواءً كان بعنوان البيع أم بعنوان القرض، لان أخذ الزيادة إنما تحرم على الدائن لا على المدين.

والحمد لله رب العالمين

٢٥٤

كتاب الحجر

وهو منع الإنسان من التصرف في نفسه أو ماله لقصور في سلطنته، وأسبابه كثيرة، إلا أن بعضها يختص ببعض الموارد، كالرهن المانع للراهن من التصرف في المال المرهون، والتحبيس المانع للمحبّس من التصرف في العين المحبسة، والدين والوصية المانعين للوارث من التصرف في تركة المدين وان كانت ملكاً له، والشرط المانع من التصرف على خلاف مقتضاه، وغير ذلك مما يذكر في كتب الفقه المتفرقة، وقد استغني بذكره هناك عن ذكره هن.

وقد خص الفقهاء (رضوان الله عليهم) الكلام هنا باُمور ستة: الصغر، والجنون، والسفه، والفلس، والرق، والمرض. وحيث لم يكن الرق في عصورنا مورداً للابتلاء بوجه معتد به، وكان التحجير بالمرض مبنياً على القول بمنع الإنسان في مرض الموت من التصرف فيما زاد على الثلث، وهو ضعيف عندن، انحصر الكلام في الاربعة الاُول.

الأول: الصغر، فلا يستقل الصغير بالتصرف وإن كان مميزاً إلا مع البلوغ، ويستثنى من ذلك بعض التصرفات، كالوصية على ما يذكر في محله.

(مسألة ١) : يصح تصرف الصبي في ماله ونفسه بإذن الولي، كما يصح تصرفه في مال غيره ونفسه بإذن من له التصرف أو باذن وليه وإن لم يأذن ولي الصبي. ولابد في الحالين من تمييز الصبي للتصرف الذي يوقعه وإدراكه لمعناه وقصده له، أما إذا لم يكن كذلك فلا يصح منه التصرف. نعم يمكن أن

٢٥٥

يكون واسطة في إعلام الطرف الاخر للمعاملة بإذن الولي فيه، فيتولى الطرف المذكور الايجاب والقبول مع، كما لو أرسل معه الثمن لصاحب المحل التجاري لاعلامه بأن المرسل يطلب من صاحب المحل بيع البضاعة عليه بالثمن المذكور وإرسالها معه.

(مسألة ٢) : إذا أقدم الصبي المميز على إيقاع المعاملة لنفسه وشك في كونه مأذوناً من الولي حكم ظاهراً بتحقق الاذن وصحة المعاملة التي أقدم عليه، خصوصاً إذا ادّعى صريحاً الاذن له.

نعم إذا أنكر الولي بعد ذلك صدور الاذن منه فالقول قوله. وكذا الحال إذا كان تحت يده مال لغيره فأقدم على التصرف فيه بالبيع أو الشراء أو غيرهم.

أما إذا لم يكن تحت يده مال للغير وأراد التعامل عنه في ذمته فلا مجال للبناء على صدور الاذن من ذلك الغير ما لم يثبت بوجه شرعي، وهكذا الحال في البالغ.

وأما إذا لم يكن الصبي مميزاً لكن احتمل كونه واسطة في إيصال الثمن مثلاً للاعلام بإذن الولي في إيقاع المعاملة من قبل الطرف الاخر فلا مجال للبناء على ذلك ما لم يثبت بوجه شرعي.

هذا وقد تقدم في كتاب البيع الكلام في أولياء العقد.

(مسألة ٣) : يثبت البلوغ بالعلم وبالبينة، وبإخبار الشخص عن نفسه إذا لم يكن متّهم.

الثاني: الجنون، وهو في الشدة والضعف على مراتب. ويكفي في الحجر عليه كونه بمرتبة من ضعف العقل ونقص الادراك بحيث لا يميز الصلاح من الفساد والضرر من النفع، ولا يحسن الاختيار بالوجه العقلائي، وحينئذٍ إن كان يدرك معنى المعاملة ويتحقق منه القصد إليها من دون أن يحسن الاختيار جرى عليه

٢٥٦

حكم الصبي المميز، وإن كان فاقداً لذلك أيضاً جرى عليه حكم الصبي غير المميز.

(مسألة ٤) : إذا لم تظهر أمارات الجنون على الشخص يبنى على عدم جنونه، إلا أن يعلم بأنه كان فيما مضى مجنوناً فلا يبنى حينئذٍ على ارتفاع جنونه إلا بالعلم أو البينة.

الثالث: السفه، والظاهر أنه صفة نفسية ترجع إلى قصور الإنسان عن أن يدرك ـ ولو بالتعلم ـ ما يحفظ ماله من التلف والفساد والنقص، بحيث يقدم بسبب قصوره على ما يعرضه لذلك، كإهمال التحرز عليه من السرقة، وترك إطعامه وسقيه إن كان محتاجاً لهم، وكبذله مجان، وكإيقاع المعاملات الغبنية بالمقدار الفاحش عليه.

أما لو لم يكن إقدامه على ذلك مسبباً عن قصور في إدراكه، بل عن دواع اُخر ـ وإن لم تكن مناسبة للحكمة ـ فالظاهر عدم صدق السفه به، كمن بذل ماله لمحبوب مشغوف به، أو إغراقاً في مفاخرة أو ترف أو شهوة محللة أو محرمة، أو غير ذلك من الدواعي المقبولة شرعاً أو عرفا أو المستهجنة. نعم إذا كانت الاستجابة للداعي المذكور مسببة عرفاً عن النقص في الادراك تحقق السفه أيض.

(مسألة ٥) : إذا لم تظهر أمارات السفه بني على عدمه. نعم لا يجوز لولي الصغير تمكينه من ماله إذا كبر حتى يتبين له رشده بالاختبار أو غيره، كما أنه إذا علم بأن الشخص كان سفيهاً فيما مضى فلابدّ في التعامل معه من ثبوت رشده بالعلم، أو البينة، أو بالاعتماد على معاملة الولي له معاملة الرشيد برفع يده عن ماله وتسليمه له.

(مسألة ٦) : من اتصل سفهه بصغره بقي تحت ولاية وليه حال الصغر، ومن تجدد له السفه بعد أن بلغ رشيداً فالأحوط وجوباً اشتراك الولاية عليه بين أقرب الناس إليه ـ وهم ورثته ـ والحاكم الشرعي. نعم لو ظهر للحاكم الشرعي عدم أهليتهم للولاية لعجزهم عن رعاية أمواله أو لخيانتهم استقل هو بالولاية.

٢٥٧

(مسألة ٧) : لا يحتاج ثبوت السفه أو ثبوت ارتفاعه إلى حكم الحاكم، بل لكل شخص أن يعمل على مقتضى الوظيفة السابقة. نعم مع التشاح والتنازع لابدّ من الرجوع للحاكم في ثبوته وعدمه، كما لو ادعى الولي على الشخص حال صغره أنه بلغ سفيهاً فوضع يده على ماله وادعى المولّى عليه أنه ليس بسفيه أو ادعى تجدد الرشد له بعد البلوغ بمدة، وكما لو أوقع الشخص معاملة مع شخص ثم ادعى أنه كان سفيهاً عند إيقاع المعاملة وادعى طرف المعاملة أنه لم يكن سفيه، وكذا لو ادعى أهل الشخص أنه سفيه توصلاً لابطال المعاملة التي أوقعها وادعى هو أو طرف المعاملة أنه ليس بسفيه توصلاً لتصحيحه، أو ادعوا سفهه لطلب الحجر عليه فأنكر هو ذلك...إلى غير ذلك.

(مسألة ٨) : السفيه إنما يحجر عليه في التصرفات المالية، مجانية كانت ـ كالهبة والصدقة ـ أو معاوضية ـ كالبيع والإجارة ـ بل يمنع حتى عن اليمين والنذر والعهد المقتضية لصرف المال فلا تنفذ، دون التصرفات غير المالية كالطلاق والظهار، نعم الظاهر منعه عن النكاح لابتنائه على استحقاق المهر وإن لم يكن مقوماً له.

(مسألة ٩) : كما يمنع السفيه من التصرفات المالية كذلك لا يقبل إقراره بها وبكل ما يرجع للمال كالاتلاف والسرقة. ولو أقر بنسب يستتبع الانفاق من ماله فالظاهر ثبوته وعدم وجوب الانفاق. نعم الظاهر قبول قوله من باب الشهادة لو كان عادل، فيترتب عليه حكم الشاهد الواحد، دون حكم الاقرار.

(مسألة ١٠) : لا يلغى إنشاء السفيه في الاُمور المالية، بل يصح بإذن الولي، كما يصح تصرفه في مال غيره بإذنه، ولو أوقع العقد لنفسه من دون إذن الولي كان فضولياً موقوف، فإذا أجازه الولي نفذ، وكذا إذا أوقع العقد على مال

٢٥٨

غيره من دون إذنه، ثم أجازه صاحب المال، فهو كالصبي المميز في ذلك.

الرابع: الفلس، وهو أن تقصر أموال المدين عن ديونه التي عليه. والمعروف بين الاصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يحجر على المفلس بشروط ثلاثة: ثبوت ديونه عند الحاكم الشرعي بالمقدار الزائد على أمواله، وحلوله، ومطالبة الغرماء بالتحجير عليه. فإن تمت الشروط المذكورة وجب على الحاكم التحجير عليه، فإن حجر عليه منع من التصرف في أمواله، وثبت حق الغرماء فيه، وكان على الحاكم أن يتولى وفاء ديونهم منه.

لكن الامر لا يخلو عن إشكال، والذي تقتضيه الادلة أنه مع امتناع المدين عن وفاء الدين ورفع الامر للحاكم الشرعي فإن الحاكم الشرعي يأمره بالوفاء إذا كان ذا مال، فإن امتنع تولّى الحاكم وفاء ديونهم من ماله، عدا مستثنيات الدين المتقدمة، فإن قصر المال عن الديون وقع النقص عليها جميعاً بالنسبة، وكذا إذا لم يمتنع وكان ماله قاصراً عنه. وإن طالب الغرماء باستسعائه في وفاء دينه كان لهم ذلك إذا كان لائقاً به.

ومقتضى ذلك أنه بأمر الحاكم له بالوفاء تسلب سلطنته على ماله في خصوص التصرفات المانعة من وفاء ديونه به أو الموجبة لقصوره عن ذلك، وكذا عن المال الحاصل له بالاستسعاء حتى يتم الوفاء، ولا حجر عليه فيما عدا ذلك.

(مسألة ١١) : إذا قصرت أموال الشخص عن ديونه، فمن وجد من أصحاب الديون ماله الذي اشتراه منه المدين بعينه كان له أخذه بدل دينه، ولا يقسم مع بقية أمواله على الغرماء بالنسبة. وهناك فروع كثرة تبتني على مذهب المشهور لا يسعنا التعرض له.

والحمد لله رب العالمين

٢٥٩

كتاب الصلح

وهو عقد يحتاج اليه عند قصور العقود المعهودة عن تحقيق المطلوب للمتعاقدين أو حل مشكلتهم، ويجب فيه ما يجب في سائر العقود من أهلية المتعاقدين، واختيارهم، وعدم الحجر عليهم، وإنشاء المضمون المتفق عليه بكل ما يدل عليه من قول أو فعل. نعم لا يصح إذا تضمن تحليل حرام أو تحريم حلال ومخالفة حكم شرعي، نظير ما تقدم في الشروط.

(مسألة ١) : الصلح من العقود اللازمة، إلا أن يشترط فيه الخيار، فيصح فسخه لمن له الخيار، كما يصح فسخه من أحدهم، بتخلف الشرط أو الوصف أو بظهور العيب، على النحو المتقدم في البيع، كما يصح فسخه بالتقايل من الطرفين مع.

(مسألة ٢) : يصح الصلح عند التخاصم والتنازع أو عند خوف ذلك على تبعيض الحق المتنازع عليه بين الطرفين، أو اختصاصه بأحدهما في قبال شيء للاخر، أو غير ذلك مما يرفع به التنازع، أو يمنع من تحققه، وإن كان الحق في الواقع بتمامه لاحدهم، بل وإن كان كل منهما عالماً بالامر على حقيقته إلا أنه يملك ما يمكنه من التخاصم فيه، ولو كان هو رفع صاحبه للحاكم، بل وإن لم يملك ذلك ـ لسبق إقرار منه أو نحوه ـ إلا أنه يستطيع الشكوى من صاحبه والتشنيع عليه حتى لو كان ظالماً له في ذلك، وحينئذٍ يسقط حق الدعوى بالصلح المذكور ويحل المال المأخوذ به في الواقع، حتى لو انكشف بعد ذلك الامر على حقيقته بإقرار أو نحوه.

٢٦٠