منهاج الصالحين - المعاملات الجزء ٢

منهاج الصالحين - المعاملات0%

منهاج الصالحين - المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 344

منهاج الصالحين - المعاملات

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 344
المشاهدات: 71550
تحميل: 4933


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 344 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71550 / تحميل: 4933
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين - المعاملات

منهاج الصالحين - المعاملات الجزء 2

مؤلف:
العربية

الحاكم الشرعي الاشراف عليه، ومع تعذر إلزامه بتنفيذ الوصية فالحكم كما في المسألة السابقة.

(مسألة ١٢) : الوصي أمين لا يضمن إلا بأمرين:

الأول: التعدي عما يجب عليه والخروج عنه، سواءً كان ذلك بالخروج عما اُوصي إليه وتبديله ـ كما لو اُوصي بالحج بالمال ففرقه في الفقراء ـ أم بالخروج عما يجب عليه بعد تعذر ما اُوصي به ـ كما إذا نسي الوصي الامر الذي عينه الموصي ـ فإنه يتعيّن عليه إنفاقه في وجوه البر ـ كما يأتي إن شاء الله تعالى ـ فإذا أنفقه في غيرها كان ضامن.

الثاني: التفريط، سواءً كـان في الوصيـة ـ كما إذا أخر تنفيذها فتلف المال ـ أم في المال نفسه، كما إذا قصّر في حفظه فسُرق.

(مسألة ١٣) : إذا عيّن الموصي للوصي عملاً خاصاً وجب الاقتصار عليه، وإن أطلق فإن كان هناك انصراف إلى شيء معين بسبب عرف أو عادة تعين، وإلا كان التصرف موكولاً لنظر الوصي، وكان عليه اختيار ما فيه صلاح الميت، ومع تعدد وجوه الصلاح يختار ما هو الاصلح له مع تيسر فعله بالنحو المتعارف، وذلك يختلف باختلاف الاموات والاوقات. نعم لا إشكال في تقديم الواجبات التي انشغلت بها ذمة الميت على غيرها من وجوه البر.

(مسألة ١٤) : إذا قيّد الوصاية بجهة معينة اقتصر الوصي عليه، وإن أطلق ـ كما لو اقتصر على قوله: فلان وصيي ـ كان ظاهره في عرفنا قيام الوصي بإخراج الثلث، وصرفه في مصلحة الموصي، وأداء الحقوق التي عليه، والامانات المودعة عنده، ونحو ذلك. وفي شموله للقيمومة على القاصرين من أولاده إشكال، والأحوط وجوباً لمن يدير شؤونهم الاستئذان منه.

(مسألة ١٥) : لا يجوز للوصي تفويض الوصاية إلى غيره، بأن ينعزل هو

٣٢١

عن الوصاية ويكون ذلك الغير هو الوصي مستقلاً بالسلطنة، حتى لو كان ذلك الغير أعرف منه بنظره.

نعم له تفويض الامر في الوصية إلى الغير ممن يراه مثله أو أعرف منه في تنفيذها أو تنفيذ بعض فقراته، لكن مع بقائه هو على الوصاية، ويكون ذلك الغير وكيلاً عنه في إنفاذ الوصية مستمداً سلطنته من سلطنته.

ويترتب على ذلك أن تسقط سلطنة المفوَّض المذكور بموت الوصي أو نحوه مما يوجب بطلان توكيله، وحينئذٍ يجري ما تقدم في المسألة (١٠) من حكم موت الموصي.

نعم، إذا كان مراد الموصي من إيكال الامر للوصي ليس خصوص تنفيذه، بل ما يعم تعيين من يتولى تنفيذه لم تسقط سلطنة الشخص المذكور بموت الوصي، لانه ليس وكيلاً محض، بل متولياً من قبل الموصي بتوسط جعل الوصي.

وقد يفهم ذلك من الموصي بقرائن الاحوال، كما لعله كذلك في عصورنا حيث يتعارف عدم معرفة الوصي بمواقع الصرف وعدم توليه ذلك بنفسه، بل يتعارف إيكاله لمن يثق به من أهل العلم والمعرفة، فيكون قد أدى وظيفته بذلك وحمّل الشخص الموكل إليه المسؤولية، فإن التعارف المذكور قد يكون قرينة على عموم وصايته للتفويض بالنحو المذكور.

وكذا الحال إذا توفي الشخص الذي يوكل إليه الامر، فإنه لو كان وكيلاً محضاً على تفريغ ذمة الميت لزم بطلان وكالته بموته، فيلزم مراجعة دافع المال له، وصياً كان عن الميت أو متبرعاً بتفريغ ذمته أو بدفع الخيرات عنه، إلا أن يفهم من دفع المال له تفويض الامر إليه، بحيث له أن يوصي بتنفيذ ما كلّف به، كما لعله كذلك في عصورن، حيث تعارف تكدس الاموال عند مراجع الدين ونحوهم ممن يتصدى للاُمور العامة من أهل العلم، وبنحو يتوقع موتهم قبل

٣٢٢

تهيؤ صرف الاموال في مصارفه، مع بناء الدافع على قطع علاقته بالمال عند دفعه، فإن ذلك قد يكون قرينة عامة على عموم التفويض للايصاء بالمال، وإن كان الامر لا يخلو بعدُ عن الاشكال، فاللازم الاحتياط مهما أمكن.

(مسألة ١٦) : تعارف في عصورنا أن يجعل الموصي ناظراً على الوصي، فإن رجع ذلك إلى الوصية إليهما معاً بحيث يوكل إليهما معاً أمر تنفيذ الوصية مع تقديم أحدهما على الاخر عند الاختلاف فالظاهر نفوذه.

وإن رجع إلى قصر الوصاية على أحدهما بحيث يكون هو المتولي لتنفيذ الوصية، وليس للاخر إلا إعمال نظره ففي نفوذه إشكال، بل منع.

نعم يمكن للموصي تكليف الوصي باستشارة شخص ما والعمل برأيه في تنفيذ الوصية، لكن لا يجب على الشخص المذكور إبداء نظره حينئذٍ.

هذ، ولو مات المستشار في هذا الفرض أو تعذر الرجوع إليه فإن استفيد من الامر باستشارته مجرد الاهتمام بتكريمه استقل الوصي بالوصية، وإن استفيد منه الاهتمام برأيه توثقاً لحسن التصرف وعدم الاكتفاء برأي الوصي فالأحوط وجوباً مراجعة الحاكم الشرعي، لتعيين من يقوم مقامه في ذلك، وكذا الحال مع التردد بين الوجهين. ويجري ذلك في صورة اشراكه في الوصية، على ما يظهر مما تقدم في المسألة (٨).

(مسألة ١٧) : إذا تضمنت الوصية أن للوصي أخذ اُجرة المثل في مقابل قيامه بتنفيذ الوصية فذاك، أما إذا ابتنت على المجانية، أو تضمنت تعيين ما دون اُجرة المثل فلذلك صورتان..

الاُولى: أن لا يكون ذلك مجحفاً بالوصي، لعدم كون تنفيذ الوصية مقابلاً بالمال، أو كان مقابلاً بمال لا يكون عدم أخذه مجحفاً به، وحينئذٍ يجب على الوصي تنفيذ الوصية مجان.

٣٢٣

الثانية: أن يكون ذلك مجحفاً بالوصي ومنشأً للحرج المعتد به عليه، لكثرة المال بنحو معتد به، أو لكون الوصي محتاجاً للتفرغ لسدّ حاجاته المعاشية.

وحينئذٍ إن كان قد قبِل بالوصية ملتفتاً لذلك مقدماً عليه كان عليه تنفيذ الوصية مجاناً أيض، وإن لم يكن قد قبل بالوصية أو كان قد قبل بها بتخيل عدم لزوم الاجحاف والحرج منها كان له الامتناع عن تنفيذ الوصية، وحينئذٍ فالأحوط وجوباً الرجوع للورثة والحاكم الشرعي معاً من أجل تنفيذ الوصية، فإن وسعهم تنفيذها مجاناً أو باُجرة دون اُجرة المثل فذاك، وإلا كان عليهم بذل اُجرة المثل للوصي، فيجب على الوصي حينئذٍ تنفيذ الوصية.

الفصل الخامس

في الموصى به

تقدم في الفصل الأول أن الوصية تمليكية وعهدية. والموصى به في الوصية التمليكية هو كل مال له نفع محلل معتد به، سواءً كان عيناً موجودة أو معدومة متوقعة الحصول ـ كحمل الدابة وثمرة الشجرة ـ أم كان منفعة لعين موجودة أو معدومة متوقعة الوجود، أم كان حقاً من الحقوق القابلة للنقل، كحق التحجير، دون ما لا يقبله، كحق الشفعة.

أما في الوصية العهدية فالموصى به في التركة كل تصرف محلل، سواء كان خارجياً ـ كما لو أوصى بعلف حمام الحرم من حبّ مملوك له ـ أم اعتباري، كما لو أوصى بالصدقة بماله، أو باستئجار من يصلي عنه أو يحج عنه، أو غير ذلك من التصرفات الصحيحة شرع.

أما في غير التركة فقد سبق في أوائل الفصل الأول صحة الوصية بالولاية على أطفاله القاصرين، والاشكال في صحة الوصية بتجهيزه.

٣٢٤

(مسألة ١) : يصح لكل من الاب والجد للاب الوصية بالولاية على أولاده القاصرين، ولا يصح من غيرهم الوصية به.

(مسألة ٢) : لا يصح لكل من الاب والجد الوصية بالولاية على القاصرين مع وجود الاخر بنحو يساويه في الولاية ويزاحمه فيه. أما مع عدم المزاحمة كما لو أوصاه بالولاية عليهم على تقدير عجز الاخر أو موته فالظاهر جوازه، خصوصاً إذا كانت من الاب، وكذا إذا كانت الوصية من أحدهما حال عجز الاخر، لغيبة أو مرض أو نحوهم. وقد تقدم في كتاب البيع ما ينفع المقام.

(مسألة ٣) : لا تجوز ولا تنفذ الوصية بما تكون منفعته المقصوده منه نوعاً محرمة، كالخمر ونحوه، وكذا إذا لزم منها الحرام، كترويج الباطل والتشجيع على المنكر.

نعم، لا بأس بالوصية بالخمر القابلة للتخليل، والتي لها منفعة مقصودة نوعاً غير الشرب محللة، وكذا الحال في غيرها من المحرمات. ولا فرق في جميع ذلك بين الوصية التمليكية والعهدية.

(مسألة ٤) : ما كان المقصود منه نوعاً محرماً بهيئته، كآلات القمار والموسيقى وهياكل العبادة المبتدعة، إذا كان لمادته منفعة مقصودة محللة تجوز الوصية به بلحاظ مادته، لكنها لا تقتضي احترام هيئته فيجوز تغييره، بل قد يجب.

(مسألة ٥) : لا تصح الوصية بالمعصية، كترويج الباطل ومعونة الظالمين ومجالس الغناء وغير ذلك.

(مسألة ٦) : ليس للميت من تركته إلا الثلث، فله أن يوصي فيه بما شاء، وصية تمليكية أو عهدية. والافضل الاقتصار على الربع، وأفضل منه الاقتصار على الخمس.

(مسألة ٧) : إذا لم يكن للميت وارث من طبقات الميراث غير الامام فأوصى بماله كله في وجوه الخير نفذ في الثلث، والأحوط وجوباً في الثلثين

٣٢٥

الباقيين الجمع في مصرفهما بين ما أوصى به ومصرف ميراث من لا وارث له.

(مسألة ٨) : لافرق في نفوذ الوصية من الثلث بين الوصية بحصة مشاعة من التركة والوصية بعين خاصة، كالدار والفرس، والوصية بكلي كمائة دينار.

(مسألة ٩) : لايعتبر في نفوذ الوصية قصد الموصي أنها من الثلث الذي له الوصية به، فإذا غفل عن الثلث، أو جهل نفوذ الوصية فيه دون غيره فأوصى بشيء فصادف عدم تجاوزه الثلث نفذت الوصية به.

(مسألة ١٠) : المعيار في الثلث على الثلث حين وفاة الموصي، فإذا أوصى بشيء زائد على الثلث حين الوصية نفذ إذا صار ذلك الشيء حين الموت بقدر الثلث او دونه، إما لنزول قيمته، أو لارتفاع قيمة بقية أموال الموصي، أو لزيادة أمواله. وإذا أوصى بشيء لا يزيد على الثلث حين الوصية إلا أنه تجاوزه حين الموت لارتفاع سعره مثلاً لم تنفذ الوصية في الزائد على الثلث.

(مسألة ١١) : إذا تجدد بعد الموت مال تابع لعمل الميت لحقه حكم مال الميت، فتنفذ الوصية من ثلث المجموع، كما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته، أو فتح طريقاً للماء ليحوزه فصار الماء في حوزته بعد موته، فإن الصيد والماء المذكورين يكونان بحكم ماله.

(مسألة ١٢) : إذا قُتِل الموصي خطأ كانت ديته بحكم ماله، فتنفذ الوصية من ثلث المجموع، وكذا إذا قُتِل عمداً فصالح أولياؤه على الدية. وأما ديات الجروح ونحوه، فإن كانت قبل موته كانت له في حياته كسائر تركته، وإن كانت بعد موته فليست بحكم ماله في الميراث ونحوه، بل تنفق عنه في وجوه البر، وتوفى منها ديونه لانه أفضل البر له، ولا تخرج منها وصاياه إلا أن تكون من وجوه البر فيجوز إنفاذها منه.

(مسألة ١٣) : إنما يحسب الثلث بعد استثناء ما يخرج من أصل التركة، من

٣٢٦

مؤن التجهيز الواجب ـ على التفصيل المذكور في محله ـ والديون المالية، وما اُلحق به.

(مسألة ١٤) : إذا كان على الموصي دين فأبرأه الدائن بعد وفاته، أو تبرع شخص بأدائه لم يكن مستثنى من التركة وكان بمنزلة عدمه، وكذا إذا تبرع متبرع بمؤن التجهيز.

(مسألة ١٥) : إذا كان بعض التركة ضائعاً أو مغصوباً أو نحو ذلك مما لا يسلم للوارث كان المدار في الثلث على الباقي، لا بمعنى عدم تعلق الوصية بما لا يسلم للوارث، بل بمعنى عدم تنفيذ الوصية فعلاً إلا في ثلث ما يسلم للوارث، فإذا كانت التركة بمجموعها عشرة آلاف دينار ـ مثلاً ـ قد غصب منها أربعة آلاف وكان قد أوصى بما يساوي ثلاثة آلاف دينار وجب تنفيذ الوصية فعلاً في ألفي دينار، وبقي ألف منها معلقة في المغصوب، فإذا استوفى الورثة بعد ذلك ثلاثة آلاف من المغصوب وجب تنفيذ الوصية في ألف منه.

(مسألة ١٦) : إذا سلمت التركة للوارث بحيث صارت في قبضته، ثم طرأ عليها قبل القسمة وتنفيذ الوصية تلف أو سرقة أو نحوهم، فإن كانت الوصية في عين خارجية شخصية لا تزيد على ثلث المجموع فالتلف يختص بمورده، فإن كان مورده العين المذكورة لم يلحق الميراث نقص، وإن كان مورده غيرها لم يلحق الوصية نقص، بل تنفذ في تمام العين، وإن كانت الوصية في حصة مشاعة ـ كالثلث والربع ـ نقص من الوصية بنسبة التالف للتركة، فإن كان التالف ربع التركة نقص من الوصية الربع، وإن كان نصف التركة نقص من الوصية النصف، وهكذ. نعم إذا كان التالف مضموناً كان الضمان مشتركاً بين الوصية وحصة الورثة. وإن كان الوارث مفرطاً في عدم تنفيذ الوصية كان ضامناً للتلف الوارد عليه.

وهكذا الحال إذا كانت الوصية كلياً في التركة ـ كألف دينار ـ وهي لاتزيد

٣٢٧

على الثلث، فإنها وإن نفذت بموت الوصي إلا أن النقص يلحقها كما يلحق حصة الوارث، ويتعلق بالتالف، فإن كان التالف مضموناً لحق الوصية نصيبها من الضمان.

(مسألة ١٧) : إذا أوصى بثلث ماله أو ربعه أو نصفه أو نحوها فالظاهر منه إرادة التركـة التـي تنفذ منها الوصية، وهي التي سبق تحديده، إلا أن تقوم القرينة على إرادة معنىً آخر، كالمال الموجود حال الوصية، أو النقود، أو ما يقابل الدين الذي له على الناس، أو مجموع التركة من غير إخراج المستثنيات المتقدمة، أو غير ذلك، وحينئذٍ لا تنفذ الوصية المذكورة إلا في مقدار ثلث التركة بالمعنى الذي سبق تحديده.

(مسألة ١٨) : الواجبات المالية التي تخرج من الاصل هي الاموال التي اشتغلت بها الذمة، كالمال المقترض، والمبيع الذي باعه سلف، وثمن ما اشتراه نسيئة، وعوض المضمونات، واُروش الجنايات، والعمل الذي اشتغلت به ذمته بإجارة أو نحوه، والشرط الذي جعل عليه في ضمن العقد إذا لم تعتبر فيه مباشرته بنفسه.

(مسألة ١٩) : من جملة الواجبات المالية الحقوق الشرعية التي في ذمته، كالزكاة والخمس، إلا أن الظاهر عدم وجوب أداء الخمس من تركته إذا لم يكن بانياً على أدائه، سواءً كان متعلقاً بعين التركة، أم لم يكن بل انشغلت ذمته به.

نعم، يبقى مطالباً به في الاخرة، فإذا أراد الوارث تفريغ ذمته وتفريج كربته والتخفيف عنه أدّاه. كما أنه إذا كان قد أوصى بمال يصرف في مصالحه على نحو الاطلاق كان إخراج الخمس من أظهر مصاديق ذلك.

أما إذا كان بانياً على أدائه فالأحوط وجوباً إخراجه من أصل التركة، على ما تقدم في كتاب الخمس. وحينئذٍ يلزم مراعاة الاحتياط في حق القاصرين، فيخرج الخمس من غير حصتهم. نعم لو تسامح الوارث في أداء الخمس حينئذٍ

٣٢٨

جاز لغيره التصرف بإذنه في عين التركة التي ورثه. والأحوط وجوباً ضمان الوارث للخمس حينئذٍ.

(مسألة ٢٠) : من جملة الواجبات المالية الديون التي لا يعلم صاحبها ولا يقدر عليه. وقيل: يجب التصدق بمقدار تلك الديون عن صاحبه، وهو المعروف في عصورنا برد المظالم، ويترتب على ذلك لزوم إخراجه بعد وفاة المدين من أصل التركة والتصدق به. لكن الظاهر عدم وجوب التصدق به على المدين، ولا على وارثه، ولا يجزي ذلك في وفاء الدين. بل يكفي المدين ووارثه أن يعلم الله تعالى منهما نية الوفاء لو قدر عليه، من دون أن يمنع الوارث من التصرف في التركة، كما لا يمنع من تنفيذ الوصية منه.

نعم يحسن الاحتياط بالتصدق المذكور لاحتمال تفريغ الذمة به من أموال الورثة أومن الثلث مع إطلاق مصرفه، فينوى به التصدق عمن انشغلت ذمة الميت له إن كان مجزئاً في تفريغ ذمة الميت من الدين وإلاّ فعن الميت نفسه برّاً به.

(مسألة ٢١) : يجب التصدق في كثير من الموارد، كفدية إفطار شهر رمضان، وجملة من كفارات الاحرام، وغيره. وفي كونها من الواجبات المالية التي تخرج من أصل التركة إشكال، والاظهر العدم. وأظهر منها في ذلك الكفارات المخيرة بين الصدقة وغيرها كالعتق والصيام.

(مسألة ٢٢) : في كون النذور التي لم تؤخذ فيها المباشرة من الواجبات المالية التي تخرج من أصل التركة إشكال، والاظهر العدم. وأما بقية الواجبات التي تنشغل بها ذمة الميت ويشرع أداؤها عنه ـ كالصلاة والصيام ـ فالظاهر عدم إخراجها من الاصل، عدا حجة الإسلام فإنها من الواجبات المالية التي تخرج من أصل التركة، بل هي مقدمة على بقية الديون التي لله تعالى ـ كالزكاة ـ والتي للناس، إلا أن يوصي بإخراجها من الثلث فتخرج منه حينئذٍ.

٣٢٩

(مسألة ٢٣) : إذا طرأ على شيء من التركة تلف أو سرقة أو نحوهما لم يدخل النقص على الواجبات المالية، بل يجب قضاؤها من الباقي، ويقع النقص على الوصية والميراث.

(مسألة ٢٤) : إذا امتنع بعض الورثة من وفاء الواجبات المالية ـ عصياناً أو لعدم ثبوت الدين عنده ـ وجب على الباقين وفاؤهاولا يجوز لهم التصرف في حصتهم قبل ذلك. وحينئذٍ إن كان للميت وصي وأمكن استئذانه في الوفاء تعيّن استئذانه، ليستحق بذلك المؤدي للدين الرجوعَ على من لم يؤده من تمام التركة، ولا يستحق الرجوع عليه مع عدم استئذانه، وإن لم يكن للميت وصي أو لم يمكن استئذانه كان عليه استئذان الحاكم الشرعي فإن تعذر كان له الاستقلال بالوفاء، ويستحق الرجوع على الورثة في بقية التركة، إلا أن يؤديه بنيّة التبرع فلا يستحق حينئذٍ.

(مسألة ٢٥) : إذا أوصى بأكثر من الثلث ـ بالمعنى المتقدم ـ نفذت الوصية في الثلث، وتوقف نفوذها في الزائد على إجازة الوارث في حياة الموصي أو بعد وفاته. وإذا أجاز بعضهم دون بعض نفذت الوصية في حصة المجيز خاصة، كما أنهم إذا أجازوا بعض الوصية دون بعض نفذ ما أجازوه خاصة.

(مسألة ٢٦) : لابد في إجازة الوارث للوصية الزائدة على الثلث من إنشاء إمضاء الوصية، ولو بفعل ما يظهر في الامضاء كالعمل بالوصية. بل يكفي السكوت بعد العلم إذا كان ملازماً عرفاً لاقرار الوصية، كما لو ترك الوصي يعمل بالوصية وينفذها وهو قادر على الرد. نعم لا يكفي الرضا النفساني المجرد عن ذلك.

(مسألة ٢٧) : ليس للمجيز الرجوع عن إجازته حال حياة الموصي ولا بعد وفاته. كما أن الرد لايمنع من تعقب الاجازة ونفوذه.

٣٣٠

(مسألة ٢٨) : إذا تضمنت الوصية حرمان بعض الورثة أو جميعهم من الميراث فذلك يقع على أحد وجهين..

الأول: أن يتمحض في الوصية بحصة ذلك الوارث لغيره لغناه عن المال، أو لحاجة ذلك الغير، أو لحاجة الموصي للوصية المذكورة، لكونها من وجوه البر التي تنفعه بعد موته إلى غير ذلك مما لا يرجع إلى حرمان الوارث من الميراث، بل إلى التعدي على ميراثه. وحينئذٍ إن أجاز الوارث ذلك نفذت الوصية بتمامها وإن لم يجز نفذت في الثلث خاصة.

الثاني: أن يرجع إلى حرمان الوارث من الميراث تشكيكاً في نسبه، أو عقوبة له على سىّء فعله معه، أو نحو ذلك. والظاهر هنا عدم صحة الوصية وعدم نفوذها حتى في الثلث، أجاز ذلك الوارث أم لم يجز. نعم لو أوصى مع ذلك بحصة ذلك الوارث لجهة خاصة ـ كما إذا قال: لا تورثوا ولدي فلاناً وادفعوا ميراثه للفقراء ـ فإن أجاز الوارث نفذت وصيته بتمامه، وإن لم يجز نفذت في الثلث خاصة.

(مسألة ٢٩) : إذا قال: لا تورثوا ولدي فلاناً وادفعوا الميراث لباقي الورثة، أو: لا تورثوا ولدي وادفعوا الميراث لاخوتي، ونحو ذلك مما كان مفاد الوصية الثانية فيه مطابقاً لحرمانه من الميراث، فإن قصد بالوصية الثانية تأكيد حرمانه من الميراث ـ كما لعله الظاهر ـ بطلت الوصية مطلق، وإن قصد بها أمراً زائداً على حرمانه من الميراث، وهو الوصية بدفع الحصة المذكورة لبقية الورثة، نظير وصيته بدفعها للفقراء نفذت بإجازة الوارث أو في الثلث.

(مسألة ٣٠) : من زنى باُم ولد أبيه أو امرأة أبيه فأوصى أبوه بإخراجه من الميراث ففي بطلان الوصية إشكال، واللازم الاحتياط.

(مسألة ٣١) : إذا عيّن الموصي ثلثه في عين مخصوصة تعيّن، وإذا فوض

٣٣١

التعيين إلى الوصي فعيّنه في عين مخصوصة تعين أيضاً بلا حاجة إلى رضا الوارث.ويكفي في التفويض ظهور حال الموصي في ذلك، كما إذا ابتنت وصيته في الثلث على عزله وبقائه مدة، مثلما لو أوصى بالاتجار بثلثه مدة من الزمن وإنفاق ربحه في وجوه البر، فإن الظاهر من إطلاقه ذلك إيكال عزل الثلث للوصي.

أما في غير ذلك ـ كما إذا أوصى بإنفاق ثلثه ـ فالظاهر عدم ولاية الوصي ولا غيره على عزل الثلث وتعيينه في عين مخصوصة، بل يبقى الثلث مشاعاً في التركة، فإن زادت في الاستنماء ونحوه زاد الثلث، وإن نقصت لتلف ونحوه نقص الثلث.

(مسألة ٣٢) : إذا أوصى بجزء من ماله أو من ثلثه أو غيرهم، أو بسهم منه، أو بشيء منه، فإن كان هناك قرينة على إرادة مقدار معين عمل عليه، ومع عدمها يحمل إطلاق الجزء على العُشر، وإطلاق السهم على الثُمن، وإطلاق الشيء على السُدس، بمعنى عدم النقص عن هذه المقادير. أما في غير ذلك من العناوين المطلقة كالقسم والمقدار ونحوهما فالعمل على الاطلاق، فيكفي ما يصدق عليه عرف.

وحينئذٍ إن كان موضوع الوصية المذكورة الثلث الموصى به كان المرجع في تعيين المقدار من له القيام بتنفيذ الوصية من وصي أو وارث أو غيرهم، وإن كان موضوعها مال الميت لزم الاقتصار على أقل أفراد الاطلاق العرفية، إلا أن يرضى الوارث بالزيادة.

(مسألة ٣٣) : إذا أوصى لجماعة حُمل على التوزيع بالسوية. نعم إذا أوصى بمال لاعمامه وأخواله كان لاعمامه الثلثان يوزع عليهم بالسوية ولاخواله الثلث يوزع عليهم بالسوية.

٣٣٢

الفصل السادس

في أحكام الوصية

(مسألة ١) : للموصي الرجوع عن وصيته ما دام حيّ، ويتحقق الرجوع بكل ما دل عليه من قول أو فعل.

(مسألة ٢) : يجوز الرجوع عن بعض الوصية، فتبطل في خصوص ذلك البعض، ويجب العمل عليها في الباقي.

(مسألة ٣) : إنكار الوصية ليس رجوعاً عنه، سواءً كان عن نسيان له، أم مع الالتفات إليه. نعم إذا ورد لبيان عدم الرضا بالعمل بها كان رجوعاً عنه، من دون فرق أيضاً بين نسيانها وعدمه.

(مسألة ٤) : إذا أوصى بوصية ثمّ أوصى بما يضادها كان ذلك رجوعاً عن الاُولى وعملاً بالثانية، كما إذا أوصى بشيء لزيد ثم أوصى به لعمرو. ولو كان التضاد في بعض الاُولى كان رجوعاً في ذلك البعض لاغير، كما إذا أوصى بداره لزيد ثم أوصى بنصفها لعمرو، من دون فرق في جميع ذلك بين نسيان الوصية الاُولى وعدمه.

(مسألة ٥) : إذا أوصى بوصية ثمّ أوصى بوصية اُخرى لا تضاده، بل تجتمع معها لم يكن رجوعاً عن الاُولى، بل يجب العمل بهما معاً إذا وسعهما المال، كما إذا أوصى بحجة ثم أوصى بأن يخرج عنه عشر سنين صلاة.

نعم إذا ظهر منه حين الوصية الثانية أنها هي تمام وصيته التي يعمل عليها كان ذلك رجوعاً عن الاُولى ووجب العمل بالثانية لا غير.

٣٣٣

(مسألة ٦) : إذا اختلفت الوصيتان بالاطلاق والتقييد مع اتحاد موضوعهما كانتا متضادتين، ووجب العمل بالثانية لانها تكون رجوعاً عن الاُولى، كما إذا أوصى بصرف ثلثه في الحج والعمرة وأوصى بصرفه في وجوه البر.

(مسألة ٧) : إذا أوصى بوصايا متعددة لا تضادَّ بينها إلا أنها متزاحمة ـ بأن لايسعها المال الذي تنفذ فيه الوصية ـ وكان فيها واجب قدم الواجب على غيره، سواءً كان الواجب مالياً كالحج أم بدنياً كالصلاة، وسواء كانت الوصية بالكل دفعة، أم بنحو الترتيب، مع تقدم الواجب في الذكر أو تأخره.

نعم لابد في الترجيح المذكور من كون الوصية بالواجب لوجوبه ولو ظاهر، أما إذا كان لمجرد الاحتياط غير اللازم فلا مجال لترجيحه، بل يكون كالوصايا التبرعية.

(مسألة ٨) : إذا أوصى بوصايا متعددة لا تضادَّ بينه، كلُّها واجبات، أو ليس فيها واجب، وكانت متزاحمة ـ بأن لايسعها المال الذي تنفذ فيه الوصية ـ فإن كانت الوصية بها جملة واحدة من دون ترتيب بينها دخل النقص على الجميع بالنسبة، كما إذا قال: أدّوا عني ما علي من العبادات الواجبة، وكان عليه صوم وصلاة، أو قال: زوروا عني الائمة: في مشاهدهم المشرفة كل إمام عشر زيارات.

وإن كانت الوصية بها على نحو الترتيب بدىء بالاسبق فالاسبق ووقع النقص على اللاحق، كما إذا قال: أدّوا عني ما فاتني من الصوم وما فاتني من الصلاة، أو قال: زوروا عني أمير المؤمنين (عليه السلام) مرتين والحسين (عليه السلام) مرتين وتصدقوا عني بمائة دينار وادفعوا لزيد مائة دينار وأخرجوا عني عشر ختمات للقرآن الكريم.

(مسألة ٩) : إذا أوصى بإخراج الواجب المالي من الثلث اُخرج منه إلا أن يقصر عنه، فيتمم من أصل التركة. وكذا إذا أوصى بإخراج جملة اُمور من ثلثه، منها واجب مالي، ولم يف الثلث بها جميع، فوقع النقص عليها جميعاً أو

٣٣٤

على الواجب المالي، فإن الواجب المالي يتمم من أصل التركة، ويبقى النقص على غيره بلا تدارك.

(مسألة ١٠) : إذا أوصى بوصايا متعددة لا تضادَّ بينها إلا أنها متزاحمة وظهر منه أن بعضها ليس من الثلث الذي له كان النقص على ذلك البعض وإن كان مقدماً في الذكر، كما إذا كان مجموع تركته ثلاثين ألف دينار فقال: ادفعوا لولدي الصغير مائة دينار وأخرجوا ثلثي وهو عشرة آلاف دينار وانفقوه في وجوه البر عني، فإن النقص يقع على المائة دينار التي أوصى بها لولده الصغير، فلا تنفذ الوصية بها إلا بإجازة الورثة. كما أنه لو ظهر منه أن بعض وصاياه يخرج من أصل التركة فإنه لا ينفذ من تلك الوصية إلا ثلثه، ويحتاج نفوذ باقيها لاذن الورثة، كما إذا قال: ادفعوا لزيد مائة دينار وأخرجوا ثلثي من الباقي فانفقوه عني في وجوه البر.

نعم إذا صادف أن لم يوص بالثلث نفذت الوصية بذلك الشيء ما لم يزد على الثلث، كما لو قال: ادفعوا لولدي الصغير مائة دينار أما ثلثي من الباقي أو من مجموع التركة فإني سوف اوصي به فيما اُريد، وصادف أن مات قبل أن يوصي بالثلث المذكور، فإن الوصية المذكورة بالمائة دينار تنفذ ما لم تتجاوز ثلث التركة فيتوقف نفوذها في الزائد على إجازة الورثة.

(مسألة ١١) : إذا أوصى بشيء فلم يكف المال الذي تنفذ منه الوصية لذلك الشيء، فإن كان قابلاً للتبعيض تعيّن، كما إذا أوصى بأن يتصدق بعشرة دنانير وكان المال خمسة، وإن لم يكن قابلاً له تعيّن صرف المال في وجوه البر، كما إذا أوصى بأن يحج عنه فلم يكف المال للحج حتى من الميقات، سواءً كان نقص المال عن ذلك الشيء ابتدائي، أم كان بسبب تزاحم الوصايا ووقوع النقص على ذلك الامر الموصى به.

٣٣٥

(مسألة ١٢) : حيث تقدم أنه مع تعدد الوصايا وتضادها يعمل على اللاحقة، ومع تزاحمها من دون تضاد يعمل على السابقة، فلو اشتبه السابق واللاحق في المقامين، فإن كان الاختلاف بينهما بالاطلاق والتقييد وجب العمل على المقيد، كما إذا أوصى بصرف ثلثه في الصدقة وأوصى أيضاً بصرفه في وجوه البر، أو أوصى بصرف مائة دينار في الصدقة وصرف مائة اُخرى في وجوه البر، وظهر أن الثلث مائة دينار لاغير. أما إذا كان الاختلاف بينهما بالتباين فاللازم الرجوع للقرعة.

(مسألة ١٣) : إذا نسي الوصي أو غيره ممن يوكل إليه التنفيذ بعض مصارف الوصية، وعجز عن معرفته فإن تردد بين المطلق والمقيد اقتصر على المقيد، وإن تردد بين اُمور متباينة محصورة فالمرجع القرعة، وإن تردد بين اُمور غير محصورة تعيّن صرف المال في وجوه البر.

(مسألة ١٤) : إذا ترددت الوصية بين الاقل والاكثر اقتصر على الاقل، كما لو تردد المال الموصى به بين ألف دينار وألفين. أما إذا كان التردد بين مالين معينين متباينين أحدهما أقل من الاخرفالمرجع القرعة.

(مسألة ١٥) : حيث تقدم عدم جواز الوصية في وجوه الحرام، فالظاهر أن الوصية بها لا تبطل رأس، بحيث يكون المال ميراث، بل يجب على الوصي أو غيره ممن يقوم بتنفيذ الوصية صرف المال في سبل الخير.

٣٣٦

الفصل السابع

فيما تثبت به الوصية

إذا شك في الوصية من دون حجة عليها بني على عدمه، وإذا علم بالوصية وشك في العدول عنها من دون حجة عليه بني على عدمه، ووجب إنفاذ الوصية.

(مسألة ١) : تثبت الوصية بالعلم، وبإقرار الموصي، وبالبينة، وهي شهادة رجلين مؤمنين عادلين. ومع عدمها يكتفى بشهادة رجلين من أهل الكتاب، وفي اشتراط كونهما ذميين إشكال. وإذا ارتاب بهما الوارث كان له أن يطلب من الحاكم الشرعي إحلافهم، فيحلفهما بعد الصلاة على صحة شهادتهم.

(مسألة ٢) : تثبت الوصية التمليكية بشهادة رجل واحد عادل وامرأتين عادلتين. وكذا تثبت بشهادة رجل واحد عادل أو امرأتين عادلتين، لكن مع يمين صاحب الحق. ولا تثبت بذلك الوصية العهدية.

(مسألة ٣) : تثبت الوصية التمليكية بتمامها بشهادة أربع نساء عادلات، وثلاثة أرباعها بشهادة ثلاث نساء عادلات، ونصفها بشهادة امرأتين عادلتين، وربعها بشهادة امرأة واحدة عادلة. وكذا الوصية العهدية إذا كانت تقبل التبعيض، كالوصية بالمال، دون مثل القيمومة على الاطفال القاصرين.

(مسألة ٤) : تثبت الوصية التمليكية والوصية العهدية بالمال بإقرار الورثة بأجمعهم إذا كانوا عقلاء بالغين وإن لم يكونوا عدول، وإذا أقرّ بعضهم دون بعض ثبتت بالنسبة إلى حصة المقرّ دون المنكر. وكما يثبت بإقرارهم أصل الوصية بالمال يثبت به ولاية الوصي عليه لو أقروا بوصايته أيض. وإذا كان المقر

٣٣٧

منهم عدلاً جرى على إقراره حكم الشهادة المتقدم في المسائل السابقة.

(مسألة ٥) : يثبت الرجوع عن الوصية بالعلم، وبإقرار الموصي، وبالبينة، وهي شهادة رجلين عادلين. كما يثبت الرجوع عن الوصية السابقة بالشهادة على الوصية اللاحقة بالوجه المتقدم في المسائل السابقة.

نعم لا يثبت بإقرار الورثة أو بعضهم بالوصية اللاحقة إذا لم يكونوا عدول. أما إذا كانوا عدولاً فيجري على إقرارهم حكم الشهادة، كما تقدم.

(مسألة ٦) : إذا دفع إنسان مالاً لاخر وأوصاه بإنفاقه في وجه من الوجوه بعد وفاته وجب على آخذ المال انفاقه فيما أوصاه به إن احتمل صحة الوصية المذكورة منه، لكون المال دون الثلث، أو لكون الوجه المذكور من الواجبات المالية التي تخرج من الأصل، أو لعدم ملك الدافع للمال، بل هو مال معيّن للمصرف الذي ذكره، أما إذا علم بعدم صحتها فيجب عليه مراجعة الورثة إن احتمل كونه ملكاً للدافع، وإن علم بعدم ملكيته له جرى عليه حكم مجهول المالك.

خاتمة: في التصرفات المنجزة

للإنسان أن يتصرف في ماله ما دام حي، تصرفاً منجزاً بما يشاء، سواءً أضر بالورثة ـ كما في الابراء من الدين، وفي التمليك المجاني، والمعاوضي المبني على المحاباة، ونحوها ـ أم ل، وسواءً كان مريضاً مرض الموت أو غيره أم صحيح.

(مسألة ١) : لا يكفي في التصرف المنجز التسجيل الرسمي في دائرة الطابو ونحوه، بل لابد فيه من تحقق التمليك المعاوضي أو المجاني بشروطه، بحيث لو أراد الثاني أن يستقل بالمال ويمنع الأول منه لم يكن ظالماً له. نعم لو

٣٣٨

شك في أن التمليك الرسمي تابع أو مقارن لتمليك شرعي حقيقي أو ل، بل هو تمليك صوري لزم البناء ظاهراً على تحقق التمليك الحقيقي، ويبقى الحكم الواقعي فيما بينه وبين الله تعالى تابعاً لحصول التمليك واقع. أما لو علم بأنه حين وقع لم يكن هناك تمليك حقيقي، لكن احتمل إيقاع التمليك الحقيقي بعد ذلك فاللازم البناء ظاهراً على عدمه ما لم يثبت بطريق شرعي.

(مسألة ٢) : إذا أقر الإنسان بدين أو عين لوارث أو لغيره نفذ عليه في حياته مطلق، فللمُقَر له مطالبته به. كما ينفذ بعد موته في حق وارثه إذا كان المُقِر مأموناً مرضي، وإن لم يكن مأموناً لم ينفذ إلا من الثلث، ويقدم على الوصية.

هذا إذا كان مبنى الاقرار على الوصية بدفع الدين بعد موته، لصدوره حال حضور الموت أو حال المرض أو في مقام الوصية، أما إذا لم يكن كذلك، بل حصل اعتباطاً فالظاهر نفوذه مطلق، وإن لم يكن مأمون.

(مسألة ٣) : ليس للإنسان التصرف في ماله تصرفاً معلقاً على موته إلا في الوصية والعتق، وهو المسمى بالتدبير، ولا يصح غير ذلك من التصرفات، كالوقف والصدقة وإبراء المدين من الدين وغيره. بل ليس له إلا إيقاعها منجزة فيكون ملزماً بها في حياته، أو الوصية بها فتنفذ بشروط الوصية، فلو أوقع شيئاً من ذلك معلقاً على موته بطل، ولم ينفذ حتى من الثلث، كما لا ينفع في نفوذه إجازة الورثة.

نعم، في الابراء إذا رجعت إجازة الورثة إلى إبرائهم المدين بأنفسهم صح إبراؤهم له، أما إذا لم ترجع لذلك، بل الى مجرد إمضائهم لابراء مورثهم له فلا يترتب الاثر على إجازتهم، ولا سيما إذا صدرت منهم الاجازة بعد تحقق الوفاء من المدين، حيث لا موضوع معه لابرائهم له بأنفسهم، وإن كان موضوعه متحققاً حين إبراء مورثهم. والله سبحانه وتعالى العالم.

والحمد لله رب العالمين

٣٣٩

انتهى الكلام في كتاب الوصية ضحى الثلاثاء الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول عام ألف وأربعمائة وستة عشر للهجرة النبوية على صاحبها وآله أفضل الصلوات وأزكى التحيات، في النجف الأشرف، ببركة المشهد المشرف على مشرفه الصلاة والسلام، وبه ختام الجزء الثاني من رسالتنا (منهاج الصالحين) المشتمل على القسم الأول من أحكام المعاملات.

ونسأل الله تعالى العون والتوفيق والتأييد والتسديد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

٣٤٠