منهاج الصالحين - المعاملات الجزء ٣

منهاج الصالحين - المعاملات17%

منهاج الصالحين - المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76908 / تحميل: 5343
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين - المعاملات

منهاج الصالحين - المعاملات الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

المبذول من المرأة أو غيره، وانحصر الامر بالطلاق المجرد عن العوض. نعم يمكن بذل العوض للزوج من المرأة أو غيرها وتمليكه له بشرط الطلاق، فإذا قبل الزوج بذلك وجب عليه الطلاق وفاء بالشرط، فلو لم يطلق كان عاصي، وكان للباذل الرجوع في البذل. وإن طلق جرى عليه حكم الطلاق بلا عوض، الذي قد يكون رجعي، كما لو كانت المرأة مدخولاً بها وفي سن من تحيض وكان هو الطلاق الاول أو الثاني. وحينئذٍ يكون للزوج الرجوع، إلا أن يشترط عليه عند البذل والتمليك عدم الرجوع حينئذٍ، فيلزمه الشرط ويحرم عليه الرجوع. لكن لو عصى ورجع ففي نفوذ رجوعه إشكال، واللازم الاحتياط.

نعم لا ينبغي سلوك هذا الطريق، إلا عند ضرورة تسوغ تقويض بيت الزوجية من دون أن يلزم حيف على المرأة، وإلا تحمل من يقوم بذلك مسؤولية جسيمة وإن كانت المعاملة صحيحة والشرط نافذ.

ومنه سبحانه نستمد التوفيق والتسديد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الفصل السادس

في الظهار

وهو تشبيه من يحل نكاحها بالفعل - من زوجة أو أمة - بإحدى المحارم بقصد تحريمها عليه، على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى.

وهو من مبتدعات الجاهلية، وقد استنكره الله تعالى لما فيه من تحريم ما أحلّ، قال عز من قائل: (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهن اُمهاتهم إن اُمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول وزور). وقد عاقب الله تعالى من أقدم عليه بإلزامه بما قال وتحريم من حرّمها على نفسه حتى يكفّر. فحريٌّ بالمؤمن أن يتجنب ذلك ويتثبت في أفعاله وأقواله، ويحفظ لسانه عن

١٠١

الخطل والباطل مهما كانت الظروف المحيطة به، مراعياً تعاليم الله تعالى ومتأدباً بأدبه، ولئلا يحرج نفسه ويضيق عليها وعلى أهله متكلفاً بذلك ومتعدي.

(مسألة ١٢٦): المُظاهِر هو الرجل، ولا يقع الظهار من المرأة لتحريم الرجل عليه.

(مسألة ١٢٧): يتحقق الظهار بأن يقول الرجل للمرأة بقصد تحريمها عليه: أنت عليّ كظهر اُمي. ويكفي كل ما يدل على المرأة التي يراد تحريمه، كفلانة، أو هي. كما يكفي كل ما يدل على التشبيه، مثل: أنت عليّ ظهر اُمي، أو: أنت مني كظهر اُمي، أو: أنت حرام عليّ كظهر اُمي، إلى غير ذلك.

(مسألة ١٢٨): يقوم مقام الاُم جميع المحرمات النسبية، كالاُخت وبنتها وبنت الاخ والعمة والخالة، بل مطلق المحرمات بالنسب والرضاع والمصاهرة.

(مسألة ١٢٩): الظاهر اختصاص الظهار بما إذا اُخذ في المشبَّه به العنوان المحرم، كالاُم والاُخت، دون شخص المرأة التي هي محرم، فإذا قال: أنت عليّ كظهر زينب، وكانت زينب اُمه أو اُخته لم يقع الظهار.

(مسألة ١٣٠): يقوم مقام الظهر كل عضو من أعضاء المحارم، كالرجل واليد والبطن والفرج وغيره. وكذا لو كان المشبَّه به هو المرأة المحرم نفسه، كما لو قال: أنت علي كاُمي أو كاُختي.

(مسألة ١٣١): لا يقع الظهار بالتحريم المجرد عن التشبيه بالمحارم، كما لو اقتصر على قوله: أنت عليّ حرام.

(مسألة ١٣٢): لا يقع الظهار موقتاً بزمان، كشهر أو سنة، بل لابد فيه من الاطلاق وعدم التوقيت.

(مسألة ١٣٣): لا يقع الظهار مؤجل، كما لو قال: أنت عليّ كظهر اُمي

١٠٢

من يوم الجمعة، أو عند خروج هذا الشهر.

(مسألة ١٣٤): لا يقع الظهار في يمين، وهو الذي يراد به الحمل على فعل أو الزجر عنه، كما لو قال: أنت عليّ كظهر اُمي إن تركت صلاة الليل، أو إن اغتبت مؤمن. وفي وقوعه مشروطاً بشيء من دون أن يراد به اليمين على تركه إشكال، والاظهر العدم.

(مسألة ١٣٥): يشترط في المظاهر البلوغ والعقل والقصد إلى الظهار المعهود المبني على تحريم المرأة مع بقائها على الزوجية، فلو قصد به الكناية عن الطلاق لم يقع ظهاراً ولا طلاق.

(مسألة ١٣٦): يشترط في المظاهر الاختيار، فلا يقع الظهار مع الاكراه، ولو لأجل إرضاء الغير، كاُمه وزوجته تجنباً لبعض المشاكل.

(مسألة ١٣٧): لا يقع الظهار مع الغضب والانفعال تسرعاً من دون قصد سابق.

(مسألة ١٣٨): يقع الظهار بالزوجة دائمة كانت أو متمتعاً به، ولا يقع بالاجنبية، حتى لو علقه على الزواج به، بأن قال مثلاً: إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر اُمي.

(مسألة ١٣٩): لا يقع الظهار بالمرأة إلا بعد الدخول بها ولو دبر.

(مسألة ١٤٠): لابد في الظهار من أن تكون المرأة في طهر لم يواقعها فيه إذا كانت في سن الحيض، على التفصيل المتقدم في الطلاق. وفي جريان حكم الغائب هنا إشكال، فاللازم الاحتياط.

(مسألة ١٤١): لابد في الظهار من شهادة عادلين، على النحو المتقدم في الطلاق.

١٠٣

(مسألة ١٤٢): لا يقع الظهار في إضرار. والظاهر أن المراد بذلك ما إذا أوقعه بقصد الاضرار بالمرأة والايذاء له.

(مسألة ١٤٣): إذا تمّ الظهار حرم على المُظاهِر وطء المرأة المظاهَرة ما دامت زوجة له حتى يكفّر، ولا يحرم عليه غير الوطء من وجوه الاستمتاع، فإن كفّر حلّ الوطء، وإن وطأها قبل أن يكفر عصى ووجبت عليه كفارة اُخرى للوطء المذكور، وهكذا إذا كرر الوطء قبل التكفير اللازم بالظهار، فإن الكفارة تتعدد بتعدد الوطء.

(مسألة ١٤٤): إذا خرجت المرأة المُظاهَرة عن زوجية المُظاهِر بطلاق أو غيره سقط الظهار وسقطت معه الكفارة، فإن عادت له بتزويج جديد حلّ له وطؤها بلا كفارة. نعم لو طلقها طلاقاً رجعياً ورجع بها قبل خروجها عن العدة لم يسقط الظهار فلا يحل له وطؤها حتى يكفر، كما لو لم يطلقه.

(مسألة ١٤٥): إذا تعدد الظهار على المرأة الواحدة في مجلس واحد أجزأته كفارة واحدة في تحليل وطئه، أما مع تعدد المجلس فاللازم تعدد الكفارة بتعدد الظهار المتفرق. نعم لو وطأها قبل التكفير لزمته كفارة واحدة للوطء مهما تعدد الظهار.

(مسألة ١٤٦): إذا ظاهر من نساء متعددات كان لكل امرأة ظهاره، حتى لو كان ظهارهن جميعاً بكلام واحد، وحينئذٍ يحرم عليه وطء كل واحدة حتى يكفر له، ولا يجزئه كفارة واحدة لتحليلهن جميع.

(مسألة ١٤٧): كفارة الظهار عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكين. لكل مسكين مد، هذا في الحر، وأما العبد فكفارته صيام شهر واحد.

(مسألة ١٤٨): المراد بالتتابع هنا هو المراد بالتتابع في سائر الكفارات،

١٠٤

وهو أن يصوم شهراً تاماً ويوماً من الشهر الثاني، ثم له أن يفرق الصوم حتى يكمل الشهر الثاني. وقد تقدم في أواخر كتاب الصوم بعض فروع التتابع.

(مسألة ١٤٩): إذا لم يقدر على العتق وشرع في الصيام ثم وطأ المرأة المظاهَرة قبل إكمال الصوم لزمه كفارة الوطء قبل التكفير. ثم إن أخل الوطء بالتتابع - كما لو وطأها نهاراً قبل مضي شهر ويوم - وجب عليه استئناف صوم كفارة الظهار، وإن لم يخل به - كما لو وطأها ليلاً أو بعد مضي شهر ويوم - أجزأه إكمال صوم كفارة الظهار الذي شرع فيه ولم يجب استئنافه.

(مسألة ١٥٠): إذا عجز عن عتق الرقبة فشرع في الصوم ثم أيسر، فإن كان قد دخل في الشهر الثاني أجزأه إتمام الصوم، وإلا وجب عليه العتق. أما إذا عجز عن العتق والصوم فشرع في الاطعام ثم قدر على أحدهما قبل إكماله فإن الأحوط وجوباً التكفير بالعتق أوالصيام وعدم الاجتزاء بما أتى به من الاطعام إلا أن يستمر العجز حتى يكمله.

(مسألة ١٥١): إذا عجز عن الخصال المتقدمة وآخرها إطعام ستين مسكيناً صام ثمانية عشر يوماً عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام. ولا يجب فيها التتابع، وإن كان أحوط استحباب.

(مسألة ١٥٢): إذا عجز حتى عن صوم الثمانية عشر يوماً ففي الاجتزاء بالاستغفار في تحليل الوطء - مع بقاء الكفارة في ذمته حتى يقدر عليها - إشكال، والأحوط بل الأظهر العدم، ويجري عليه حينئذٍ ما يأتي في المسألة الاتية.

(مسألة ١٥٣): إن كفّر المُظاهِر فلا إشكال، وإن لم يكفر فإن صبرت المرأة المظاهَر منها فذاك، وإلا انتُظِر بالرجل ثلاثة أشهر من حين الظهار ثم كان لها أن ترفع أمرها للحاكم الشرعي، فيلزمه بأحد الامرين من الكفارة أو الطلاق، ومع إبائه عن ذلك فإن أمكنه التضييق عليه حتى يطلق بنفسه فالأحوط وجوباً

١٠٥

ذلك، وإلا طلق عنه، وكان الطلاق بائناً أو رجعياً حسب اختلاف الموارد، فإن كان رجعياً كان له الرجوع في العدة، ووجب عليه التكفير، وإلا اُلزم مرة اُخرى بالطلاق، حتى ينتهي به إلى التكفير والوطء أو خروجها عن عصمته وبينونتها منه.

الفصل السابع

في الإيلاء

وهو الحلف على ترك وطء الزوجة على وجه مخصوص يأتي الكلام فيه، فإن خرج عن ذلك كان يمين، ولحقه حكم اليمين المحض في اللزوم وعدمه، على ما يأتي تفصيله في بحث اليمين إن شاء الله تعالى.

ولا ريب في كراهته من وجوه..

الأول: ما يأتي من كراهة اليمين إعظاماً لاسم لله تعالى أن يحلف به.

الثاني: ما يأتي أيضاً من كراهة أن يتعرض الانسان للحقوق ويجعلها على نفسه بنذر ونحوه.

الثالث: أنه يبتني على الاضرار بالمرأة والايذاء له. فينبغي للمؤمن تجنب ذلك والتحلي بالحلم والصبر وضبط النفس، ولا يندفع في مواقفه الانفعالية إلى ما قد يحرج نفسه ويؤذي أهله بما هو في غنىً عنه، وليبق لنفسه حرية الاختيار، التي جعلها الله تعالى له ولا يفرط به. والله سبحانه وتعالى وليّ التوفيق والتسديد.

(مسألة ١٥٤): لا يقع الايلاء إلا بالحلف بالله تعالى، كما هو الحال في سائر الايمان، على ما يأتي في بحث اليمين إن شاء الله تعالى.

(مسألة ١٥٥): لابد في الايلاء من أن يكون الحلف على ترك وطء الزوجة

١٠٦

بقصد الاضرار بها وإغضابها وهجره. فلو كان بداعي أمر آخر - من مرض أو مراعاة الولد أو غيرهما - لم يكن إيلاء، وجرى عليه حكم اليمين المحض.

(مسألة ١٥٦): الظاهر وقوع الايلاء معلقاً على شرط، كما لو قال: والله لا اُجامعك إن خرجت من الدار، أو إن طلعت الشمس.

(مسألة ١٥٧): يقع الايلاء مؤبد، كما لو قال: والله لا اُجامعك أبداً أو دائم. ويقع أيضاً مطلق، كما لو قال: والله لا اُجامعك، فيكون بحكم المؤبد. ويقع أيضاً مؤقت، كما لو قال: والله لا اُجامعك إلى سنة. نعم لابد حينئذٍ من أن يكون الامد أكثر من أربعة أشهر، وإلا لم ينعقد الايلاء، ولحقه حكم اليمين المحض.

(مسألة ١٥٨): لابد في الرجل المولي من أن يكون بالغاً عاقلاً قاصداً مختار، على نحو ما تقدم في الظهار، وأن يكون قادراً على جماع المرأة التي يؤلي منه، فلا يقع من المجبوب والعنين، ولا مع كون المرأة رتقاء أو نحوها ممن يتعذر وطؤه.

(مسألة ١٥٩): لابد في المرأة المؤلى منها من أن تكون زوجة دائمة مدخولاً به، ولا يقع الايلاء بدون شيء من ذلك، بل يكون يميناً محض.

(مسألة ١٦٠): إذا تمّ الايلاء وانعقد فلابد من الكفارة عند وطء الزوجة حتى لو كان الوطء المحلوف على تركه راجح. وبذلك يختلف الايلاء عن اليمين المحض، فإن اليمين لا ينعقد إذا كانت مخالفته راجحة - كما يأتي - ولا تجب بمخالفته الكفارة.

(مسألة ١٦١): كفارة الايلاء هي كفارة اليمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يستطع فصيام ثلاثة أيام، على ما يأتي في بحث اليمين إن شاء الله تعالى.

(مسألة ١٦٢): المشهور أن الكفارة في الايلاء تجب بعد الوطء كما في اليمين، لكن الظاهر أنها شرط في جواز الوطء، فلابد من تقديمها عليه ككفارة

١٠٧

الظهار. نعم لو وطأ قبل التكفير لم تجب كفارة اُخرى، بل يجزأ بكفارة واحدة للوطء اللاحق، ويكفي الاستغفار للوطء الاول، على خلاف ما تقدم في الظهار.

(مسألة ١٦٣): إذا آلى الرجل من امرأته، فإن صبرت فذاك، مهما طالت المدة، ولها أن ترفع أمرها للحاكم الشرعي من يوم آلى منها أو بعد ذلك، فيمهله الحاكم أربعة أشهر من حين رفع أمرها له يخيره فيها بين أن يفيء ويرجع - وذلك بأن يدفع الكفارة ويجامعها - وأن يطلق، فإذا مضت الاربعة أشهر ولم يفعل أحد الامرين أجبره على أحدهم، بأن يحبسه ويضيق عليه في المطعم والمشرب ونحو ذلك حتى يفعل أحدهم، فإن لم ينفع ذلك وأيس منه طلق الحاكم عنه وفرق بينهم.

(مسألة ١٦٤): لو حصل الطلاق كان بائناً أو رجعياً حسب اختلاف الموارد. فإن كان رجعياً ورجع اُلزم بأحد الامرين أيضاً على النهج السابق.

(مسألة ١٦٥): إذا طلقها وبانت منه ثم تزوجها لم يسقط حكم الايلاء ووجبت الكفارة بالوطء.

(مسألة ١٦٦): لا تتعدد الكفارة بتعدد الحلف مع اتحاد الزمان الذي وقع الحلف على ترك الوطء فيه، بل تجب كفارة واحدة.

١٠٨

الفصل الثامن

في اللعان

أكد الاسلام فيما أكد على تهذيب اللسان وعفته، وقد ورد الردع عن قذف غير المسلم بالفاحشة ما لم يطلع على ذلك منه، فعن الامام الصادق (عليه السلام) أنه نهى عن قذف من ليس على الاسلام إلا أن يطّلع على ذلك منهم. وقال: «أيسر ما يكون أن يكون قد كذب».

أما المسلم فقد أكد على عرضه وشدد فيه حتى قال تعالى: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم* يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون * يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين). وقد عدّ قذف المحصنة من الكبائر، بل من أكبر الكبائر، ومن الكبائر السبع الموجبات. ثم لم يكتف بذلك حتى جعل عليه حداً أو تعزيراً - على تفصيل مذكور في محله - يكونان عقوبة معجلة في الدنيا رادعة لمن لم يرتدع بعذاب الآخرة الموعود.

ولا يسقط ذلك إلا شهود أربعة يشهدون بالفاحشة عن حسّ ومعاينة لا عن حدس وتخمين، وبدون ذلك يعدّ القاذف عند الله تعالى كاذباً فاسقاً منتهكاً لحرماته مستحقاً للحد، ولا تقبل شهادته، بل يلزم على المؤمنين ردعه وتكذيبه وإن احتملوا صدقه أو ظنوا به.

ومع الاسف الشديد نرى تهاون الناس في ذلك، وتسرعهم في الطعن والقذف لاوهام وظنون واتهامات لا تغني من الحق شيئ، ولا تنهض حجة بين يدي الله تعالى، غافلين أو متهاونين بتعاليم الله تعالى، قال عز من قائل

١٠٩

حديث الافك بعد أن شدد في الانكار على من قام به: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين * لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فاُولئك عند الله هم الكاذبون * ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسَّكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين).

فعلى المؤمنين أن يتأدبوا بأدب الله تعالى، ويتورعوا عن محارمه، ويقفوا عند حدوده التي لم يجعلها إلا لصلاحهم وخيرهم.

وقد استثنى الله تعالى من ذلك الزوج مع زوجته لأن قيامها بالفاحشة خيانة عظيمة له، وقد توجب إلحاق ولد غيره به، وكثيراً ما لا يتيسر له إقامة الشهود، فاكتفى منه عند رمي زوجته باللعان بشروط مشددة، وتكون نتيجته الحرمة المؤبدة بينهما والفراق الدائم. من دون أن يسوغ لغيره التعويل عليه في رمي المرأة وقذفها وانتهاك حرمته، فإذا لاعن الرجل زوجته وفارقها حرم على غيره قذفها بالزنى.

وقد عقدنا هذا الفصل للنظر في شروط اللعان وكيفيته وأحكامه.

(مسألة ١٦٧): إنما يشرع اللعان بقذف الزوج زوجته إذا لم يشهد بزناها أربعة شهود مقبولي الشهادة يثبت زناها شرعاً بشهادتهم، أما مع ذلك فلا لعان، بل تكفي شهادتهم في ثبوت الحد عليها وسقوط حد القذف عن الزوج. ولابد من إقامتهم الشهادة، أما بدون ذلك فيشرع اللعان حتى لو كانوا مستعدين لاقامة الشهادة لو دعوا إليه.

(مسألة ١٦٨): يكفي في الشهود الاربعة أن يكون أحدهم الزوج، ول

١١٠

يجب أن يكونوا غيره.

(مسألة ١٦٩): إنما يشرع اللعان بقذف الزوجة إذا ادعى الزوج أنه عاينها تزني، أما إذا لم يدّع المعاينة فإنه يجري عليه حكم القاذف.

(مسألة ١٧٠): تقدم في أحكام الاولاد الضابط في إلحاق الولد بالرجل ظاهر، وأنه لا يحل للرجل نفي الولد عنه، بل لا يقبل منه النفي مع اعترافه بتحقق الضابط المذكور. أما مع عدم اعترافه بتحققه فيقبل منه نفي الولد عنه مع كون المرأة موطوءة بالملك أو متمتعاً بها أو زوجة دائمة لم يدخل به. أما إذا كانت زوجة دائمة مدخولاً بها فلا يقبل من الزوج نفي الولد إلا باللعان، أو بإقامة البينة على ما يمنع من تولد الولد منه.

وحينئذٍ نقول: إن رجع نفي الولد إلى قذف اُمه بالزنى توقف انتفاء الولد وسقوط حد القذف عن الزوج على اللعان، لكن لا يشترط حينئذٍ أن يدعي معاينة الزنى منه، بل يكفي فيه أن يدعي عليها أنها حملت به من الزنى.

وإن لم يرجع إلى قذف الاُم بالزنى - لاحتمال وطئها من قبل الغير شبهة أو مكرهة، أو إدخال مني الاجنبي في فرجها من دون أن يطأها - انحصر نفي الولد بإقامة البينة على ما يمنع من تولد الولد منه، فإن لم يتيسر له ذلك تعين لحوق الولد به ظاهراً وإلزامه به، نعم له وعليه فيما بينه وبين الله تعالى أن لا يجري عليه أحكام ولده لو علم بعدم تولده منه، كما لو علم من نفسه أنه كان عقيماً أو أنه لم يطأ المرأة وطءً يقتضي إلحاق الولد به أو غير ذلك.

(مسألة ١٧١): قذف الزوجة بالزنى بمجرده لا يقتضي نفي الولد، سواءً أشهد على زناها أم أقرت به أم تلاعن، بل يلحق الولد به لانه صاحب الفراش، ويتوقف انتفاء الولد منه على أن يدعي أنها حملت بالولد من الزنى، ويلاعنها على ذلك.

١١١

(مسألة ١٧٢): يشترط في المتلاعنين البلوغ، والعقل، وأن يكونا زوجين زواجاً دائماً مع الدخول، كما يشترط في الزوجة الملاعَنة أن لا تكون خرساء أو نحوها ممن لا تستطيع الكلام، وقد تقدم في السبب الرابع من أسباب تحريم النكاح أن قذف الخرساء ونحوها موجب لتحريمها وإن لم تلاعن.

(مسألة ١٧٣): صورة اللعان أن يشهد الزوج القاذف أربع شهادات بالله تعالى أنه صادق فيما رماها به، فيقول مثلاً: أشهد بالله أني صادق فيما رميتها به، ثم في الخامسة يجعل لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فيقول مثلاً: لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به، ثم تشهد الزوجة المقذوفة أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به، فتقول مثلاً: أشهد بالله أنه كاذب فيما رماني به، ثم في الخامسة تجعل غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فتقول مثلاً: غضب الله عليّ إن كان صادقاً فيما رماني به.

(مسألة ١٧٤): يجب التلفظ بالشهادات من الزوج، إلا في الأخرس ونحوه ممن يتعذر في حقه النطق، فإنه تكفيه الإشارة المفهمة صريحاً حسب ما يعلم من حاله. أما الزوجة فلا يشرع اللعان معها إذا كانت خرساء كما تقدم.

(مسألة ١٧٥): يجب النطق بالشهادات بالعربية مع الامكان، ومع تعذرها يجزئ غيره.

(مسألة ١٧٦): يجب القيام عند الشهادة، بل الأحوط وجوباً قيامهما معاً في تمام الملاعنة، فتقوم المرأة مع الرجل عند بدئه بالشهادة، ويبقى الرجل قائماً معها حتى تكمل هي الشهادة.

(مسألة ١٧٧): يستحب جلوس الحاكم مستدبر القبلة، ووقوف الرجل عن يمينه والمرأة - والصبي المنفي إن كان - عن يساره مستقبلين القبلة. كما يستحب أن يعظ الحاكم كلاً منهما بعد أن يشهد الشهادات الاربع قبل الخامسة، ففي الصحيح - بعد ذكر الشهادات الاربع من الرجل ـ: «ثم قال رسول

١١٢

الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أمسك، ووعظه، ثم قال: اتق الله فإن لعنة الله شديدة»، وبعد ذكر الشهادات الاربع للمرأة: «ثم قال لها:أمسكي، فوعظها ثم قال لها: اتقي الله فإن غضب الله شديد». قيل: ويستحب حضور جماعة من الاعيان والصلحاء يسمعون اللعان، لكن لو تم ذلك فقد ورد الامر بالتباعد عن المتلاعنين، وحينئذٍ يحضرون بنحو يسمعون التلاعن مع بعدهم عن مجلس الملاعنة.

(مسألة ١٧٨): إذا قذف الرجل المرأة ولم يكن له شهود عرض عليه الحاكم اللعان، فإن أبى حدَّه حدَّ القاذف، وكذا إذا أكذب نفسه. وإن لاعن وأتى بالشهادات الخمس سقط عنه الحد، ثم يعرض الحاكم على المرأة اللعان، فإن أبت أو صدقته ثبت عليها حد الزنى، وإن لاعنت وأتت بالشهادات الخمس سقط عنها الحد، وحرمت عليه مؤبد، كما تقدم في فصل أسباب تحريم النكاح.

(مسألة ١٧٩): إذا لاعن لنفي الولد وتم اللعان انتفى الولد منه واُلحق باُمه، ولا يحكم عليه أنه ابن زنى، بل من نسبه لذلك لزمه حد القذف، وحينئذٍ لا يرث الولد من الملاعِن ولا ممن يتقرب به، ولا يرثونه، بل يكون التوارث بينه وبين اُمه ومن يتقرب بها لا غير.

(مسألة ١٨٠): مع اختلال شروط اللعان المتقدمة وعدم مشروعيته لا تترتب أحكامه المتقدمة، بل يترتب حكم القذف على الزوج لا غير. نعم إذا كانت المرأة خرساء تحرم مؤبداً بمجرد القذف وإن لم يشرع اللعان كما تقدم، وفي انتفاء الولد بذلك إشكال.

(مسألة ١٨١): إذا أقر بالولد قبل أن يقذف اُمه اُلزم به، ولا يقبل منه نفيه حتى باللعان.

(مسألة ١٨٢): إذا أقر الملاعِن بالولد بعد أن ينفيه منه باللعان اُلحق به، فيرث الولد منه ومن قرابته، لكنهم لا يرثونه، بل يبقى ميراثه لاُمه ومن يتقرب به.

(مسألة ١٨٣): إذا أكذب أحدهما نفسه بعد حصول اللعان منهما لم يرتفع

١١٣

التحريم بينهم، ولو كان الذي أكذب نفسه هو الرجل لم يجب عليه حد القذف.

(مسألة ١٨٤): إذا ادعت الزوجة أو المطلقة الحمل من الزوج فأنكر الدخول بها فالقول قوله، وله نفي الولد بلا لعان. نعم إذا أقامت بينة على أنه اختلى بها خلوة يمكن معها الدخول عادة حكم به واُلحق به الولد، وتوقف نفيه على اللعان، أو على إقامة البينة على ما يمنع من تولد الولد منه.

والحمد لله رب العالمين

١١٤

كتاب اليمين والنذر والعهد

جعل الله سبحانه وتعالى على الانسان مجموعة من التكاليف لم يجعلها عليه إلا استصلاحاً له ولمجتمعه، وكثيراً ما لا يقوم الانسان بامتثالها استثقالاً لها أو استهواناً به. لكنه مع ذلك قد لا يكتفي بما جعله الله عليه حتى يجعل على نفسه - بيمين ونحوه - ما لم يجعله الله تعالى عليه ويتكلف ما لم يكلفه به، أملاً في تيسير عسر ضاق به ذرعاً أو تفريج كرب جزع له قلبه هلعاً أو لغير ذلك من الدواعي، مستسهلاً ما جعله على نفسه من أجل ذلك، لقصر نظره وعدم تدبره لعواقب الاُمور، حتى إذا تيسر عسره وانفرج كربه، ووجب عليه ما جعله على نفسه ثقل عليه القيام به. وكان بوسعه أن يتجنب ذلك من أول الامر ويتدبر العاقبة قبل أن يورط نفسه، وكم رأينا من ورط نفسه في نذور وأيمان يعجز عنها لا يدري كيف يخرج منه، ولذا ورد عن أئمتنا (عليهم السلام) كراهة ذلك، فعن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إني لاكره الايجاب، أن يوجب الرجل على نفسه».

وكثيراً ما يتسامح الانسان بعد تحصيل مراده في القيام بما جعله على نفسه ويسوف فيه بنحو قد ينتهي للاهمال والتضييع، مع ما شدد الله تعالى في ذلك. قال عز من قائل: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيل)، وقال سبحانه وتعالى: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً اُولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)، وقال عزوجل:

١١٥

(يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطير).. إلى غير ذلك من الايات الكثيرة، وفي الحديث عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «لا تتعرضوا للحقوق، فإذا لزمتكم فاصبروا له».

إذا عرفت هذ، فجعل الانسان على نفسه لا يلزم إلا باليمين والنذر والعهد. والكلام فيها يكون في ضمن مقدمة وفصول..

مقدّمة

اليمين على قسمين..

القسمالأول: ما يريد به الحالف تأكيد دعواه وما يخبر عنه، كالحلف على وقوع أمر سابق، كأن يقول: والله لقد مطرت السماء أمس، أو: والله قتل زيد عمر. أو تحقق أمر في المستقبل، كأن يقول: والله تمطر السماء غد، أو: والله يموت زيد. أو حصول أمر حالي، كأن يقول: والله هذا بيتي، أو: والله زيد عادل.

(مسألة ١): يجوز من هذا القسم اليمين الصادقة، إلا أن يلزم منها محذور شرعي كالاضرار بمؤمن، فتحرم لذلك.

(مسألة ٢): تكره اليمين بالله تعالى، وإن كان الحالف صادق، بل يستحب ترك طلب الحق إذا توقف على اليمين المذكورة، ففي الحديث: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أجلّ الله أن يحلف به أعطاه الله خيراً مما ذهب منه». ويتأكد ذلك في المال القليل، وفي بعض النصوص أنه ثلاثون درهماً فما دون، وهي تساوي تسعة وثمانين غراماً من الفضة تقريب.

(مسألة ٣): اليمين التي يثبت بها الحق شرعاً عند الخصومة والتداعي وتسقط بها الدعوى هي اليمين بالله تعالى دون غيره كالقرآن الشريف والكعبة المعظمة والانبياء والائمة صلوات الله عليهم والاولياء، فلا تجب الاجابة إلى

١١٦

غيرها لو طلبها الخصم. ولابد في ترتب الاثر عليها وسقوط الدعوى بها من أن تقع بطلب من الحاكم الشرعي عند التخاصم إليه. نعم إذا تصالح الخصمان على سقوط حق الدعوى من أحدهما بيمين الآخر كانت اليمين مسقطة للدعوى وإن لم تكن بالله تعالى، ولا بحضور الحاكم الشرعي، بل على النحو الذي يتفقان عليه.

(مسألة ٤): تحرم اليمين الكاذبة بالله تعالى، وهي اليمين على أمر مخالف للواقع، وعن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «من حلف على يمين وهو يعلم أنه كاذب فقد بارز الله»، وقد ورد عنهم (عليهم السلام) أنها تقطع النسل وتذر الديار من أهلها بلاقع. بل تحرم اليمين على أمر مشكوك الحصول. كما يحرم الاخبار بأمر مخالف للواقع وبأمر مشكوك الحصول حتى من دون يمين، ومع اليمين يتأكد التحريم، وكلما كان المحلوف به أجلّ كان التحريم آكد. نعم لا كفارة في جميع ذلك، بل ليس على فاعله إلا التوبة. وقد تقدم جميع ذلك في مسألة حرمة الكذب من كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(مسألة ٥): يلحق باليمين الكاذبة قول: (الله يعلم) أو: (علم الله) ونحو ذلك. ففي الحديث عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «من قال: الله يعلم فيما لا يعلم اهتز لذلك عرشه إعظاماً له»، وفي حديث آخر عنه (عليه السلام) أنه قال: «إذا قال العبد: علم الله، وكان كاذباً قال الله عزوجل: أما وجدت أحداً تكذب عليه غيري!».

(مسألة ٦): تجوز اليمين الكاذبة لدفع مظلمة عن النفس وعن المؤمن. بل قد تجب اليمين حينئذٍ، كما إذا كان الضرر اللازم من تركها مهماً يجب دفعه، كما تجب لدفع الحرام إذا اُكره عليه لولا اليمين، كما لو طلب الظالم منه الغناء فيحلف له أنه لا يحسنه، أو طلب منه أن يدفع له مال شخص فيحلف له أنه ليس عنده.

(مسألة ٧): تحرم اليمين بالبراءة من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة (عليهم السلام) صادقاً أو كاذب، بل الأحوط وجوباً عموم الحرمة للبراءة من دين الاسلام، أو

١١٧

أن يقول: أنا يهودي أو نصراني أو نحوهما إن كان كذ.

القسم الثاني من اليمين: ما يقصد به الحالف تأكيد ما يلتزمه على نفسه ويتعهد به من فعل أو ترك، فلابد في متعلقه..

أولاً: من كونه فعلاً اختيارياً للحالف، دون ما هو خارج عن اختياره، كأفعاله السابقة، أو أفعال غيره، أو الحوادث الكونية - كطلوع الشمس ونزول المطر - سابقة كانت أو لاحقة، لامتناع تعهد الحالف بذلك على نفسه، بل اليمين في ذلك كله من القسم الاول.

وثانياً: من ابتناء إخباره به على التزامه به وتعهده بتحقيقه، فلو تجرد عن ذلك، بل كان قصده محض الاخبار عنه لم تكن اليمين عليه من هذا القسم، بل من القسم الاول أيض، كما لو حلف على أنه يأكل هذا اليوم نوعاً من الطعام لتخيل أن أهله قد هيؤوه له، أو على أنه لا يسافر، لتخيل عدم حصول الداعي له للسفر.

ولا تكون اليمين من هذا القسم إلا إذا ابتنى إخبار الحالف بمتعلقها على تعهده والتزامه به على نفسه مؤكداً ذلك باليمين، وهذا القسم من اليمين هو الذي يكون من سنخ النذر والعهد، التي هي محل الكلام، والتي يكون انعقادها سبباً لوجوب متعلقه، ويكون الخروج عنها محرماً موجباً للحنث والكفارة. والكلام في الفصول الاتية إنما هو في شروط الانعقاد وأحكامه.

١١٨

الفصل الاول

في الحالف والناذر والمعاهد

(مسألة ٨): يشترط في الحالف والناذر والمعاهد البلوغ والعقل والقصد بالنحو الذي يعتد به عند العقلاء، فلا تنعقد من الصبي والمجنون والنائم والساهي والسكران والغالط ونحوهم.

(مسألة ٩): لا ينعقد اليمين والنذر من الغضبان إذا أوقعهما في سورة غضبه، من دون تروٍّ وهدوء أعصاب، وإن كان قاصداً لهما في الجملة. بخلاف العهد، فإنه ينعقد حينئذٍ مع تحقق القصد بنحو معتد به عند العقلاء.

(مسألة ١٠): لا تنعقد اليمين إذا صدرت اندفاعاً بسبب عادة، كما يشيع عند كثير من الناس. بخلاف النذر والعهد، فإنهما ينعقدان حينئذٍ مع تحقق القصد بنحو معتد به عند العقلاء.

(مسألة ١١): لابد في انعقاد هذه الاُمور من الاختيار التام، فلا تنعقد مع الاكراه، كما إذا طلبه إليه من يوعده بفعل ما يضره مع قدرته على تنفيذ ما أوعد به بنحو يخاف تحققه. بل لا تنعقد اليمين إذا وقعت من الحالف لارضاء من يهمه إرضاؤه - كالاب والاُم والزوجة - إذا طلب منه ذلك، بخلاف النذر والعهد، فإنهما ينعقدان مع ذلك إذا لم يبلغا حد الاكراه.

(مسألة ١٢): لابد في انعقاد اليمين من الولد من إذن والده، وفي انعقادها من الزوجة من إذن زوجه، وفي انعقادها من العبد من إذن مولاه، فلو لم يسبق منهم الاذن لم تنعقد، وإن لم تكن منافية لحقوقهم، لا أنها تنعقد ولهم حلّه، وإن كان هو الأحوط استحباب. وأحوط منه أنها لا تنحل حتى بحلّهم، إلا أن

١١٩

للحالف مخالفتها إذا طلبوا منه المخالفة إذا لم يكن متعلقها واجباً بنفسه، فإن خالفها بأمرهم انحلت، وإن لم يخالفها حتى مات الاب واُعتق العبد وطلقت المرأة أو مات زوجها بقيت على الانعقاد، وحرم على الحالف مخالفته، ووجبت بها الكفارة. كل ذلك مقتضى الاحتياط الاستحبابي. والظاهر ما ذكرناه أولاً من عدم الانعقاد إلا مع الاذن.

(مسألة ١٣): لا يقوم الجد للاب مقام الاب في حكم المسألة السابقة.

(مسألة ١٤): لا يشترط في نذر الولد وعهده إذن أبيه، وإن نذر أو عاهد بدون إذنه لم يكن له حله ولا أمره بالمخالفة. نعم إذا نهاه قبل النذر والعهد عن أمر نهياً يوجب كونه مرجوحاً في حقه - بأن كان الاب في حاجة لترك ذلك الامر مثلاً - لم ينعقد منه نذره ولا العهد عليه، كما أنه لو نهاه بعد النذر والعهد عنه نهياً يوجب كونه مرجوحاً في حقه بطل النذر والعهد.

(مسألة ١٥): يشترط في نذر الزوجة وعهدها إذن الزوج إذا كانا منافيين لحقه وكان مطالباً بالحق، أما إذا لم ينافيا حقه - ولو لعدم مطالبته به - فالظاهر عدم اشتراط إذنه، فيصح منها النذر والعهد حينئذٍ وليس له حلهما ولا أمرها بمخالفتهم.

(مسألة ١٦): إذا حلفت المرأة أو نذرت أو عاهدت ثم تزوجت، لم يبطل يمينها ولا نذرها ولا عهده، حتى لو كانت منافية لحق الزوج، بل ليس له المطالبة بالحق حينئذٍ. نعم تبطل الاُمور المذكورة إذا كانت مطالبة الزوج موجبة لكون مخالفتها خيراً من العمل عليه، لما يأتي. وكذا إذا كان النفوذ حرجياً في حقها بنحو معتد به، لاستلزامه تعطيلها عن الزواج - لعدم إقدام أحد عليها مع نفوذ ما جعلته عليها - وكانت محتاجة للزواج، ولم تكن قد أقدمت على تحمل الحرج المذكور بيمينها أو نذرها أو عهده، لغفلتها عن ذلك أو لتخيلها عدمه.

١٢٠

يؤكّد كون الرواية لم تنقل كاملة ـ بل سقطت منها الكلمة التي هي على خلاف أهداف وأهواء القوم ـ ما أخرجه القندوزي الحنفي عن جابر بن سمرة قال : ( كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول: ( بعدي أثنا عشر خليفة ) ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي ما الذي أخفى صوته ؟ قال : قال : ( كلهم من بني هاشم ) ، وعن سماك بن حرب مثله )(١) ، ومن ذلك يتضح أنّ كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) كانت موجودة في الحديث ، ولعلّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( كلّهم من قريش من بني هاشم ) ، وهذا ما استشعره بعض علماء السنّة كابن الجوزي ، حيث قال في ( كشف المشكل ) : ( قد أطلت البحث عن معني هذا الحديث ، وتطلّبت مظانه ، سألت عنه ، فلم أقع على المقصود به ؛ لأنّ ألفاظه مختلفه ، ولا أشك أنّ التخليط فيها من الرواة )(٢) ، ويدعم هذا القول ما ذهب إليه ابن العربي ، بعد عجزه عن تفسير حديث الاثني عشر ، تفسيراً واقعياً ، قال : ( ولعلّه بعض حديث )(٣) ، ممّا يؤكّد سقوط كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) من الحديث .

٧ – الاثنا عشر خليفة أمان لأهل الأرض ، إذا ذهبوا ماجت الأرض بأهلها ، وإذا مضوا لا يبقى الدين قائماً ، ويفقد المسلمون منعتهم وصلاحهم ، وهذه المعاني التي جاءت في حديث الاثني عشر تلتقي وتلائم تمام الملائمة مع الروايات التي نقلها الفريقان بحق أهل البيت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقوله :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ٣١٥ ح ٩٠٨ .

(٢) نقلاً عن فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٣ .

(٣) شرح صحيح الترمذي : ج ٩ ص ٦٨ .

١٢١

أهل الأرض ) (١) .

٨ ـ قد افترضت نصوص الاثني عشر أنّ أولئك الخلفاء ( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) ، كما فهم هذا المعنى أيضاً ابن كثير في تفسيره عندما قال : ( ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ، ويعدل فيهم )(٢) ، ولا يجد المتتبّع تفسيراً واحداً من التفاسير لهذا الحديث ، يجمع فيه اثني عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، خصوصاً مع ما ذكرناه من وجوب كون أولئك الخلفاء سلسلة متكاملة ، ومتناسقة ومتوالية زماناً ، وهذا ما يثبت لنا عدم مصداقية أي تطبيق واقعي للحديث ، سوى أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين جعلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هداة مهديين من بعده ، وأمر بالتمسّك بهديهم ، وجعلهم عِدلاً للقرآن الكريم لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض .

٩ ـ من الخصائص المهمّة التي تضمّنتها أحاديث الاثني عشر قيموميّة أولئك الخلفاء على الدين والأمة ( اثنا عشر قيماً ) ، ولا شك أنّ القيموميّة تستدعي الرقابة والوصاية على الدين ، وعلى الأمّة الإسلامية ، وهذا المعنى لم يُدّع لأحد ، ولا ادّعاه غير أهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا هو مقتضى كونهم عِدلاً للقرآن الكريم ، وأيضاً مقتضى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( في كل خلوف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ؛ ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ ؛ انظر : المستدرك : الحاكم : ج ٢ ص ٤٤٨ ؛ قال فيه : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٠ ص ٢٠ ؛ النزاع والتخاصم : المقريزي : ص ١٣٢ ؛ وغيرها .

(٢) تفسير ابن كثير : ج ٢ ص ٣٤ .

١٢٢

توفدون ) (١) .

١٠ ـ إنّ الصخب ، واللغط ، والضجّة المفتعلة ، وقيام القوم وقعودهم ، وتصميتهم لجابر والحاضرين يثير الانتباه ، ويستدعي الريب ، ويكشف أنّ في الأمر شيئاً ، لا يريد القوم وصوله إلى مسامع الحاضرين ، ولم تكن هذه الحادثة فريدة نوعها ، بل فعل ذلك القوم أيضاً عندما ضجّوا ، وتنازعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما قال :( ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً ) ، فوقعت حينها الضجّة المفتعلة ، حتى قال بعضهم : إنّ النبي ليهجر ، وليس ذلك إلاّ للحرص على الخلافة ، وطمعاً بالملك والسلطان والإمارة وهو الذي قد أخبر عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مخاطبته لأصحابه بقوله :( إنّكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ) (٢) .

١١ ـ حديث ابن مسعود المتقدّم ، يكشف عن أنّ الصحابة هم الذين سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخلفاء من بعده ، وهذا يلفت النظر إلى نقطتين :

الأُولى : أنّه ليس من المنطقي أن يسأل الصحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأُمراء الذين يتسلّطون على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، وهو ذلك الرسول العظيم الذي ختم الرسالات فلا نبي بعده .

إذن لابد أن يكون السؤال عن الخلفاء الذين نصّبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، وهم أهل بيتهعليهم‌السلام بنص حديث الغدير وحديث الثقلين وغيرهما ، وهذا ديدن وطريقة اعتادها الصحابة آنذلك ، فقد سألوا أبا بكر وعمر عن الذي يلي الأمر من بعدهما .

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣١ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٤ ص ٣٥٥ ح ٧١٤٨ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٠ ص ٣٣٤ ؛ وغيرهما من المصادر الكثيرة .

١٢٣

الثانية : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من الإمرة والخلافة من يكون مؤهّلاً ومستحقّاً لها ، فلا معنى لحمل الحديث على أمثال معاوية ويزيد ومروان والوليد وأمثالهم ، الذين عاثوا في الأرض فساداً ، ولعبوا بمقدّرات الأمة الإسلامية بما شاءوا ورغبوا ، فالمراد من الخليفة هو مَن يستمد سلطته من الشارع الأقدس ، ومن أجل ذلك ذكر شارح سنن أبي داود في شرحه ( عون المعبود ) أنّ : ( السبيل في هذا الحديث ، وما يتعقّبه في هذا المعنى أن يحمل على المقسطين منهم ، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة )(١) .

١٢ ـ بعد أن صدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع بذكر الخلفاء من بعده ، وأنّهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ومن بني هاشم ، وكلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، لم يكتف بذلك ـ ولعلّه لما حصل من الضجّة واللغط المفتعل ـ بل قام خطيباً ، بعد رجوعه من حجّة الوداع في طريقه إلى المدينة في غدير خم ، ونصّب عليّاً خليفة من بعده ، فعيّن أوّل خليفة من الخلفاء الاثني عشر ، وبادر بعد ذلك قائلاً : ( إنّي تارك فيكم الخليفتين من بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) (٢) ، حينها عرف الناس مَن هم الخلفاء بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتمّ بذلك الحجّة على الخلق ، لكي يسدّ بذلك منافذ الريب والتشكيك ، ولئلاّ يقول أحد : إنّي لم أسمع ، أو خفي علي ، أو صمّنيها ، أو صمّتنيها الناس !! .

ـــــــــــــ

(١) عون المعبود : ج ١١ ص ٢٤٥ .

(٢) المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٦ ص ٣٠٩ ، كتاب السنّة ، عمرو بن أبي عاصم: ص ٣٣٧ ح ٧٥٤ ص ٦٢٩ ح ١٥٤٩ ؛ مسند أحمد : ج ٥ ص ١٨٢ ؛ المعجم الكبير: ج ٥ ص ١٥٣ ح ٤٩٢١ ص ١٥٤ ح ٤٩٢٢ ؛ مجمع الزوائد : ج ١ ص ١٧٠ قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله ثقات ) ، وكذا في ج ٩ ص ١٦٢ ، وقال في ص ١٦٣ : ( رواه أحمد وإسناده جيّد ) ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٤٠٢ ح ٢٦٣١ ؛ الدر المنثور : ج ٢ ص ٢٨٥ .

١٢٤

١٣ ـ ما ورد من الأحاديث المتضافرة التي نصّت على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ، والتي تناولت الأئمّة الاثني عشر بذكر أسمائهم على نحو التفصيل ، وهي كثيرة جدّاً نكتفي بذكر بعضها :

١ ـ ما جاء في فرائد السمطين للحمويني المصري(١) : ( عن مجاهد عن ابن عباس قال : قدم يهودي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال له : نعثل ، فقال : يا محمد إنّي أسألك عن أشياء ـ إلى أن قال ـ : فأخبرني عن وصيّك مَن هو ؟ ، فما من نبي إلاّ وله وصي ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، فقال :نعم ، إنّ وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وبعده سبطاي : الحسن ثم الحسين ، يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار ، قال : يا محمد فسمّهم لي ؟

قال :نعم ، إذا مضى الحسين فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحجّة ابن الحسن ، أئمّة عدد نقباء بني اسرائيل ، فهذه اثنا عشر )(٢) .

٢ ـ ونقل الحمويني أيضاً في فرائده : عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أيّها الناس

ـــــــــــــ

(١) أطرى عليه الذهبي ت / ٧٤٨ هـ في تذكرة الحفاظ قال : الإمام المحدث الأوحد الأكمل فخر الإسلام صدر الدين ، إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الخراساني الجويني شيخ الصوفية كان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الاجزاء ، حسن القراءة مليح الشكل مهيباً ديّناً صالحاً مات سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة تذكرة الحفّاظ ، الذهبي : ج ٤ ص ١٥٠٦ .

(٢) فرائد السمطين ، الحمويني : ج ٢ ص ١٣٣ ص ١٣٤ ح ٤٣١ ، وبنفس الألفاظ ما جاء في ينابيع المودة للقندوزي ، ج ٣ ص ٢٨٢.

١٢٥

إنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي ولكن أوصيائي منهم : أوّلهم أخي ، ووزيري ، ووارثي ، وخليفتي في أُمّتي ، وولي كل مؤمن بعدي ، هو أوّلهم ثم ابني الحسن ، ثم ابني الحسين ، ثم التسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض ) (١) ـ وهكذا ينقل الحمويني ذلك في مواطن عديدة ، وروايات عديدة وبطرق مختلفة ؛ فراجع .

٣ ـ الحافظ أبو محمد بن أبي الفوارس في كتابه ( الأربعين )(٢) .

كذلك أخرج ذكر الخلفاء من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسمائهم .

٤ ـ العلاّمة أبو مؤيد موفق بن أحمد المتوفّى (سنة ٥٦٨) في كتابه ( مقتل الحسين ) : ذكر الخلفاء أيضاً بأسمائهم المتقدّمة(٣) .

٥ ـ العلاّمة فاضل الدين محمد بن محمد بن إسحاق الحمويني الخراساني في ( منهاج الفاضلين )(٤) .

٦ ـ كذلك الحمويني في ( درر السمطين )(٥) .

٧ ـ العلاّمة الشيخ إبراهيم بن سليمان في كتاب ( المحجّة على ما في

ـــــــــــــ

(١) فرائد السمطين ، الحمويني ، السمط الأول : ج ١ ص ٣١٥ ـ ٣١٨ ح ٢٥٠ .

(٢) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٥٩ ؛ نقلاً عن كتاب الأربعين ، ابن أبي الفوارس : ص ٣٨ .

(٣) مقتل الحسين ، الخوارزمي : ص ١٤٦ ـ ١٤٧ .

(٤) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٦٨ ؛ نقلاً عن كتاب منهاج الفاضلين ، الحمويني : ص ٢٣٩ .

(٥) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ٤ ص ٩٣ ـ ٩٤ ؛ نقلاً عن كتاب درر السمطين ، الحمويني : ص ٧٢٢ .

١٢٦

ينابيع المودّة )(١) ، أيضاً ذكرهم بأسمائهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨ ـ العلاّمة المولى محمد صالح الكشفي الحنفي الترمذي ، في كتابه ( المناقب الرضوية )(٢) .

إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي تؤكّد هذا المعنى .

وعلى ضوء ما سلف ، يتحصّل أنّ العترة الطاهرة يمثّلون امتداداً طبيعياً لحركة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أبعاد الحياة ، وقد فرضوا شخصيّتهم رغم أنف الأعداء ، وقد أجمعت الأمة على أعلميّتهم وأهليّتهم للخلافة ، وأنّهم الأسوة الحسنة ، ويعد ذلك من أفضل الأدلة لإثبات أحقيّتهم ، وأهليّتهم للإمامة والقيادة ، وعصمتهم ؛ لأنّهمعليهم‌السلام جسّدوا النظرية الإسلامية على الواقع العملي ، فعندما نرصد حياة الأئمّةعليهم‌السلام ، وكيف كانوا إسلاماً متحركاً على الأرض ، وقرآناً ناطقاً يعيش بين الناس ؛ نستنتج مباشرة أن هذا المستوى الرفيع من الأسوة والقدوة لا يمكن أن تعكسه إلاّ شخصيات معصومة ، استجمعت فيها الصفات التي تؤهّلها لأن تكون منبع الهداية للبشرية ؛ لذا أجمعت الأمة على أنّ هؤلاء العترة لهم من الخصائص والمميزات ما لم تكن لغيرهم ، رغم ما عانوه من ظلم واضطهاد ، فهم الذين تنطبق عليهم خصوصيات الاثني عشر ، التي بيّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحاديث الأثني عشر المتقدمة ، ولكن أصحاب المطامع آلوا على أنفسهم إلاّ أن يُقصوا وينحّوا أهل البيتعليهم‌السلام عن مناصبهم ومراتبهم التي رتّبهم الله فيها ، ولم يكتفوا بذلك بل تمادوا في تعريض أهل البيتعليهم‌السلام لألوان الظلم والاضطهاد ، والمعاملة السيّئة الفظّة الغليظة ، التي يندى لها الجبين ، وتعتصر منها القلوب ألماً ومرارة ، ولم يكن لهم ذنب سوى أنّهم كانوا الامتداد الإلهي لخط الرسالة ، وكانوا أمناءها ، والرقباء عليها ، فهم الثقل الموازي للقرآن الكريم .

ـــــــــــــ

(١) المحجّة على ما في ينابيع المودّة ، الشيخ هاشم بن سليمان : ص ٤٢٧ .

(٢) المناقب المرتضوية ، محمد صالح الترمذي : ص ١٢٧ .

١٢٧

إذن ، ينبغي علينا كمسلمين أن نستنير بنور هؤلاء الهداة الميامين ، ونكون بذلك ممتثلين لأوامر الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وممّا تقدّم اتضحت الإجابة بخصوص ما قد يقال : من أنّ وصف عزّة الإسلام بأولئك الخلفاء الاثني عشر لا ينطبق على أئمّة الشيعة ، حيث الموقع السامي والريادي والمكانة العظيمة التي يمتلكها أهل البيتعليهم‌السلام في نفوس الأمة الإسلامية ، وهو ما أكّده علماء السنّة في أغلب كتبهم ، وبالإضافة إلى ذلك نقول :

إنّ عزة الإسلام وصلاحه وبقائه إلى قيام الساعة ، من المهام ، والوظائف الأساسية ، التي أناط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسؤوليتها ، وتحقيقها بأهل البيتعليهم‌السلام ، كما يكشف عن ذلك حديث الثقلين وحديث الغدير ، وأنّهم عِدل القرآن ، وأنّ النجاة والأمان والعزّة عند الله لا تنال إلاّ بالاعتصام والتمسّك بهم ، ومَن يتبعهم يكون عزيزاً بعزّة الله ، مرضيّاً عنده تعالى .

كما أخرج ذلك الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأُمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (١) ، ثم علّق عليه قائلاً : هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٤٩ .

١٢٨

وبنفس المضمون ما ورد في عدّة كثيرة من المصادر عن عمر : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( في كل خلوف من أُمّتي عدول أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن توفدون ) (١) .

وعن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن ، غرسها ربّي ، فليوال عليّاً ، وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ) (٢) .

وعن عمار بن ياسر ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أوصي مَن آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب ، مَن تولاّه فقد تولاّني ، ومَن تولاّني فقد تولّى الله عزّ وجلّ ، ومَن أحبّه فقد أحبّني ، ومَن أحبّني فقد أحبّ الله تعالى ، ومَن أبغضه فقد أبغضني ، ومَن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجلّ ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد : ( رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا )(٣) .

وقد أخرجها ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق بطرق كثيرة(٤) .

وعن وهب بن حمزة قال : ( صحبت عليّاً إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره ، فقلت لأن رجعت لأشكونّك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قدمت لقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــ

(١) ذخائر العقبى ، محي الدين الطبري : ص ١٧ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٥٢ ؛ رشفة الصادي ، أبو بكر الحضرمي : ص ١٧ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١١٤ .

(٢) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٢٤٠ ؛ حلية الأولياء ، الحافظ أبي نعيم الأصفهاني : ج ١ ص ٨٦ .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٨ ، ١٠٩ .

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٢ ص ٢٣٩ وما بعدها .

١٢٩

فقلت : رأيت من علي كذا وكذا ، فقال :لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي )(١) .

وعن زيد بن أرقم قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن أحبّ أن يحيا حياتي ويموت موتتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فإنّ ربّي عزّ وجلّ غرس قصباتها بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، فإنّه لن يخرجكم من هديي ولن يدخلكم في ضلالة ) (٢) ، قد أخرجه الحاكم في المستدرك وقال عنه : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

إلى غير ذلك من المصادر الكثيرة ، والروايات المتواترة معنىً ومضموناً ، مع صحّتها وصراحتها ، وأدنى ما نجيب عمّن أراد التشكيك بها : أنّها تفيد القطع واليقين ؛ لتعدّد ألفاظها ، وكثرة طرقها ، والمصادر التي نقلتها ، فهي أحاديث نبويّة يقوّي بعضها بعضاً لإثبات مضمونها بالقطع واليقين ، وهو وجوب التمسّك بولاية أهل البيتعليهم‌السلام واتّباع هديهم .

إذن بأهل البيتعليهم‌السلام وباتباعهم تتحقق عزّة الإسلام ، والحفاظ على وجوده الحقيقي وقيمه ومبادئه الأصيلة ، من التقوى والإخلاص والاستقامة والصلاح وغيرها من المعارف الروحية والقيم الأخلاقية ، وليست عزّة الإسلام بالتظاهر بالإسلام ، واتخاذه شعاراً للتسلّط على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، ومن هنا نجد أنّ الحكم الإسلامي على يد الظلمة تحوّل إلى ما كان عليه قبل الإسلام من كونه ملكاً عضوضاً لا يحمل من قيم الإسلام شيئاً .

إذن عزّة الإسلام لا تتحقق إلاّ في حفظ الإسلام الحقيقي ، الذي لا يتحقق إلاّ باتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢٢ ص ١٣٥ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٠٩ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٤ ص ٤٧٠ ـ ٤٧١ .

(٢) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ١٩٤ .

(٣) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٣٠ .

١٣٠

الأُمّة لم تجتمع على أهل البيتعليهم‌السلام

وأمّا عبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) ، وأنّ أهل البيتعليهم‌السلام ما أجتمعت عليهم الأُمّة فجوابها :

١ ـ إنّ رواية الاثني عشر خليفة المتضمّنة لعبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) لم ترد في الكتب الحديثية ، والمصادر السنّية ، إلاّ في سنن أبي داود ومسند البزار ، ولم يخرجاها إلاّ بسند واحد ضعيف ، كما ذكر ذلك الألباني ، في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، حيث قال : ( وأخرجه أبو داود ( ٢ / ٢٠٧) من طريق إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه ، عن جابر بلفظ : لا يزال هذا الدين قائماً ، حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة ، كلّهم من قريش ، وأخرجه البزار (١٥٨٤ ـ كشف) عن أبي جحيفة نحوه ، وهذا سند ضعيف ، رجاله كلهم ثقات ، غير أبي خالد هذا ، وهو الأحمسي ، وقد تفرّد بهذه الجملة ( كلهم تجتمع عليه الأمة ) ، فهي منكرة )(١) ، والتضعيف ذاته ذكره أيضاً في تعليقته على سنن أبي داود ، حيث قال بعد أن أورد الحديث : ( صحيح : دون قوله ( تجتمع عليه الأمة ) )(٢) .

٢ ـ من الشواهد التي تؤكّد عدم صحّة صدور هذه العبارة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عدم انطباقها على الواقع أصلاً ، حيث لم نجد شخصاً اجتمعت عليه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل البعض ممّن ادعي كونه من الخلفاء الاثني عشر ، لم يجتمع عليه أغلب الأمة ، فضلاً عن جميعها .

ـــــــــــــ

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : مج ١ ، ق ٢ ، ص ٧٢٠ ح ٣٧٦ .

(٢) صحيح سنن أبي داود الألباني : ج ٣ ص ١٩ ح ٤٢٧٩ .

١٣١

ولذا قال ابن كثير في البداية والنهاية ( فإن قال : أنا لا اعتبر إلاّ مَن اجتمعت الأمة عليه ، لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولا ابنه ؛ لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما ؛ وذلك أنّ أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما ، ولم يقيّد بأيام مروان ، ولا ابن الزبير كأنّ الأمّة لم تجتمع على واحد منهما )(١) .

وهذا ما اعترف به ابن حجر العسقلاني أيضاً في فتح الباري(٢) .

٣ ـ إن أكثر مَن أدعي اجتماع الأمة عليه ، كيزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، والوليد ، و مروان الحمار ، وغيرهم لم يكن متوفّراً على خصائص الخلفاء الاثني عشر ، من كونهم يعملون بالهدى ودين الحق ، وأنّهم قيّمون على الدين ، والدين قائم بهم ، وغير ذلك من الصفات السامية ، التي تقدّم ذكر بعضها .

الخلاصة

١ ـ إنّ حديث الاثني عشر ، حقيقة صادرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تواترت الروايات من الفريقين بنقلها بألسن مختلفة ، كلّها تشير إلى مضمون واحد ، ومن هذه الروايات قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٦ ص ٢٨٠ .

(٢) فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٢ .

(٣) مسند أحمد : ج ٥ ص ٩٧ ص ١٠٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ٦١٨ ؛ انظر : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٩٠ وقد صحّحه .

١٣٢

٢ ـ إنّ أهل السنّة لم يتمكّنوا أن يقدّموا تفسيراً واقعيّاً لحقيقة الاثني عشر خليفة ، وإنّ تفسيراتهم المضطربة والمتناقضة فيما بينها خير شاهد على عجزهم عن فهمها وتفسيرها ، على الرغم ممّا ارتكبوه من تكلّف ظاهر على حدّ تعبير بعضهم ، لا سيّما وأنّ البعض(١) قد أوكل تفسير حديث الاثني عشر إلى الله تعالى بعد أن عجز عن تفسيره تفسيراً صحيحاً .

٣ ـ إنّ الخصائص والمميزات التي تحملها أحاديث الاثني عشر ، لا تنطبق في الواقع الخارجي إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام ، فمثل صفة ( صلاح أمر الأُمّة والناس بهم ) و( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) و( إذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) ، ونحوها ، لا تنسجم ولا تنطبق إلاّ على عترة أهل البيتعليهم‌السلام ، فضلاً عمّا يحمله أهل البيتعليهم‌السلام من خصائص ومميّزات استثنائية ، وما يحملونه من مؤهّلات علمية وعملية بإجماع أهل العلم ، وعلى جميع المستويات الفكرية والروحية ونحوها ، كل هذا يؤكّد ويدعم كون حديث الاثني عشر لا يمكن انطباقه إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٢ ص ٢٠٣ .

١٣٣

الفصل الثالث: غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف)

الشبهة :

١ ـ ما الفائدة من وجود إمام غائب ؟

٢ ـ إنّ الحجّة عند الشيعة لا تقوم إلاّ بإمام ، فكيف يترك الإمامة ويغيب ؟

الجواب :

قبل البدء ينبغي ذكر تمهيد مختصر له مدخليّة في الإجابة .

تمهيد :

إنّ الشريعة التي جاء بها الدين الإسلامي ما هي ـ في مجملها ، وحقيقتها ، وبكل جوانبها ـ إلاّ خطّة إلهيّة أُعدّت بإحكام ، ووُضعت من أجل ترشيد المجتمع البشري نحو الأصلح والأقوم ، وبلوغ السعادة في الدارين .

وقد وعد الله تعالى البشرية ـ التي عانت طوال حياتها من الظلم ، والجور ـ أن يسودها العدل والأمان في الأرض .

قال تعالى :( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ ) (١) .

وقال تعالى أيضاً :( وَنُرِيدُ أَن نمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٢) .

إلاّ أنّ تحقق هذا الهدف على أرض الواقع يتوقّف على توفّر شرائطه ، التي شاء الله عزّ وجلّ بحكمته أن تكون من طرقها الطبيعية ، وضمن ما هو المألوف ، لا بشكل إعجازي وخارق لما هو المعتاد .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٣٣ .

(٢) القصص : ٥ .

١٣٤

وحيث إنّ الله تعالى ـ لحكمته ولطفه بعباده ـ قد نصّب أولياء هداة معصومين ، يمثّلون امتداداً طبيعياً للرسالة المحمّديّة ، فهم أُمناء الوحي والرسالة ، وحجّة الله على العباد ، وهم الأئمّة الاثنا عشرعليهم‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوّلهم الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وآخرهم الإمام المهديعليه‌السلام ، وقد ثبت ذلك مسبقاً ، بمقتضى عدد وافر من الآيات القرآنية ، كآية الولاية ، وآية أُولي الأمر ، وآية التطهير ، وآيات البلاغ في الغدير ، وآية المودّة في القربى(١) وغيرها ، مضافاً إلى عدد كبير جداً من الأحاديث النبويّة التي رواها أصحاب الصحاح من أهل السنّة ، كحديث الثقلين المتواتر الذي مفاده أنّ أهل البيتعليهم‌السلام لن يفترقوا عن القرآن حتى يردوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض(٢) ، فكما أنّ القرآن باقٍ إلى يوم القيامة كذلك أهل البيتعليهم‌السلام ، وكحديث الخلفاء الاثني عشر (كلّهم من قريش)(٣) ، وحديث السفينة(٤) ، وأهل بيتيعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض(٥) وأتاهم ما يوعدون ، وغير ذلك من الأحاديث الدالّة على بقاء الإمامة الإلهية ، واستمرارها في الأرض .

ـــــــــــــ

(١) الآيات : المائدة : ٥٥ ، النساء : ٥٩ ، الأحزاب : ٣٣ ، المائدة : ٦٧ .

(٢) السنن الكبرى ، النسائي : ج ٥ ص ٤٥ ص ١٣٠ ؛ خصائص أمير المؤمنين : النسائي : ص ٩٣ ؛ المعجم الصغير ، الطبراني : ج ١ ص ١٣١ ص ١٣٥ .

(٣) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ٨٧ ـ ٨٨ .

(٤) مجمع الزوائد : الهيثمي ، ج ٩ ص ١٦٨ ، المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٨٥ .

(٥) شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ .

١٣٥

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ خلفائي ، وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي ، الاثنا عشر ، أوّلهم عليّ ، وآخرهم ولدي المهدي ) (١) .

وشاءت الإرادة الإلهية أن يكون الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ـ الذي يمثّل الحلقة الأخيرة من سلسلة الأئمّة الهداة ـ مصلحاً للبشرية ، ومحققاً للهدف النهائي ، والثمرة الكبيرة والمرجوّة من رسالات السماء وبعث الأنبياء ، قال تعالى :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنّ اللهَ قَوِيّ عَزِيزٌ ) (٢) .

إذن فلابدّ ـ بحسب التخطيط الإلهي ـ من إقامة العدل ، والسلام في العالم ، بعد انتشار الظلم والجور والفساد في ربوع الأرض وأرجائها ، وهو ما نشاهده ونراه بالحس والعيان في كل حدب وصوب ، وهذا ما يتطابق مع ما تنبّأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( تملأ الأرض ظلماً وجوراً ، ثم يخرج رجل من عترتي ، يملك سبعاً أو تسعاً ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ) (٣) ، فكما أنّ الأرض مُلئت وستُملأ بالجور والفساد والظلم ، لابدّ لها من يوم تُملأ فيه عدلاً وقسطاً ، على يد الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٢٩٥ .

(٢) الحديد : ٢٥ .

(٣) سنن أبي داود ، السجستاني : ج ٤ ص ٧١٢ ح ٤٢٧٦ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٣ ص ٢٨ ص ٣٦ ص ٧٠ ؛ المستدرك الحاكم : ج ٤ ص ٥٥٧ ؛ وانظر مجمع الزوائد : الهيثمي : ج ٧ ص ٣١٤ ، وقال فيه : ( رواه الترمذي وغيره باختصار ، رواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلى باختصار ، ورجالهما ثقات ) ؛ وانظر : المصنف : الصنعاني : ج ١١ ص ٣٧٢ ـ ٣٧٣ .

١٣٦

إلاّ أنّ النقطة الجديرة بالذكر هي أنّ تحقق هذا الهدف ، وهو إقامة العدل والقسط في الأرض ، يتوقّف على توفّر شرائطه التي أراد الله تعالى بحكمته أن تكون من الطريق الطبيعي لا الإعجازي ، وهذا ما جرت عليه السنن الإلهية في هذا العالم ، فقد قال تبارك وتعالى :( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ ) (١) ، وقال تعالى أيضاً :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقال تعالى :( وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلُِيمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ ) (٣) ، وقال :( وَتِلْكَ الأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ * وَلِيُمَحّصَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ ) (٤) ، وغير ذلك من الآيات المباركة ، التي تكشف عن أنّ التخطيط الإلهي لجريان السنن في هذا العالم مبنيّ على السير الطبيعي للبشرية ، إلاّ في الظروف الخاصّة والاستثنائية ، التي تقتضي فيها الحكمة الإلهية إنجاز الهدف والوصول إليه عن طريق الإعجاز وخرق المعتاد ، وذلك كإثبات أصل نبوّة الأنبياء مثلاً .

وإقامة العدل على هذه الأرض جاء ضمن ذلك الإطار ، فلكي يتحقق على أرض الواقع ويحين أجله ، لابد من اكتمال جميع شرائطه ، وعلى ضوء ذلك كانت غيبة إمامنا المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) جزءاً من هذا التخطيط والحكمة الإلهية ، من أجل أن تكتمل باقي الشرائط لظهور الحق وإقامة العدل ، تلك الشرائط التي يتحقق معظمها في أحضان الغيبة ، وهذا ما أخبر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في روايات عديدة من كتب الفريقين :

ـــــــــــــ

(١) الأنفال : ٣٧ .

(٢) الأنفال : ٤٢ .

(٣) آل عمران : ١٥٤ .

(٤) آل عمران : ١٤٠ ـ ١٤٢ .

١٣٧

منها : ما أخرجه الإربلي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لمّا أنزل الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمَن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هم خلفائي من بعدي يا جابر ، وأئمة الهدى بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه عنّي السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم سميّي وكنيّي ، وحجّة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده محمد بن الحسن بن عليّ ، ذلك الذي يفتح الله عزّ وجلّ على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الذي يغيب عن شيعته ، وأوليائه ، غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان ) ، فقال جابر : فقلت : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أي والذي بعثني بالحق ، إنّهم ليستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سر الله ، ومخزون علم الله ، فاكتمه إلاّ عن أهله ) (٢) .

وعن علي بن علي الهلالي ، عن أبيه قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه قال : فبكت حتى ارتفع صوتها ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إليها فقال :حبيبتي فاطمة ،

ـــــــــــــ

(١) النساء : ٥٩ .

(٢) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٣ ص ٣٩٩ .

١٣٨

ما الذي يبكيك ، فقالت :أخشى الضيعة بعدك ، فقال :يا حبيبتي ، أما علمت أن الله ـ عزّ وجلّ ـ اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته ، ثم أطلع إلى الأرض اطلاعه فاختار منها بعلك ، وأوحى إليّ أن أنكحك إيّاه ، يا فاطمة ، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تُعط لأحد قبلنا ولا تُعطى أحداً بعدنا : أنا خاتم النبيّين ، وأكرم النبيّين على الله ، وأحب المخلوقين إلى الله عزّ وجلّ وأنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو عمّك حمزة بن عبد المطلب ، وعمّ بعلك ، ومنّا مَن له جناحان أخضران يطير مع الملائكة في الجنّة حيث شاء ، وهو ابن عم أبيك ، وأخو بعلك ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة ، وهما ابناك الحسن والحسين ، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما ـ والذي بعثني بالحق ـ خير منهما يا فاطمة ـ والذي بعثني بالحق ـ إنّ منهما مهدي هذه الأُمّة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن ، وتقطّعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً ، فيبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منهما مَن يفتح حصون الضلالة ، وقلوباً غلفاً يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ، ويملأ الدنيا عدلاً كما مُلئت جوراً ، يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي ، فإنّ الله عزّ وجلّ أرحم بك وأرأف عليك منّي ؛ وذلك لمكانك من قلبي ، وزوّجك الله زوجاً ، وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً ، وأرحمهم بالرعيّة ، وأعدلهم بالسوية ، وأبصرهم بالقضية ، وقد سألت ربّي عزّ وجلّ أن تكوني أوّل مَن يلحقني من أهل بيتي ، قال علي رضي الله عنه :فلمّا قُبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تبق فاطمة رضي الله عنهابعده إلاّ خمسة

١٣٩

وسبعين يوماً حتى ألحقها الله عزّوجلّ به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه : الهيثم بن حبيب ، قال أبو حاتم : منكر الحديث وهو متهم بهذا الحديث(١) .

أقول : ولم يجدوا في الهيثم بن حبيب مطعناً سوى روايته لهذا الحديث في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، وله نظائر كثيرة !!

وعن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة :نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة ، ومنّا مَن له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث شاء وهو ابن عمّ أبيك جعفر ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة الحسن والحسين وهما ابناك ومنّا المهدي .

رواه الطبراني في الصغير وفيه قيس بن الربيع وهو ضعيف وقد وثق ، وبقيّة رجاله ثقات(٢) .

ومنها : ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري أيضاً : قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة ، تضل فيها الأُمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها عدلاً كما مُلئت جوراً ) (٣)

وغير ذلك من الروايات ، الدالة على ضرورة الغيبة ، من أجل اكتمال شرائط الظهور ، وإقامة العدل والقسط ؛ وذلك من خلال تخطّي البشرية لمراحل عديدة من التمحيص والفتن والحيرة ، والابتلاء .

ـــــــــــــ

(١) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٦٥ ـ ١٦٦ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٩ ص ١٦٦ .

(٣) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٣٨٦ .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333