منهاج الصالحين - المعاملات الجزء ٣

منهاج الصالحين - المعاملات0%

منهاج الصالحين - المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 333

منهاج الصالحين - المعاملات

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 333
المشاهدات: 73385
تحميل: 4961


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73385 / تحميل: 4961
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين - المعاملات

منهاج الصالحين - المعاملات الجزء 3

مؤلف:
العربية

المبذول من المرأة أو غيره، وانحصر الامر بالطلاق المجرد عن العوض. نعم يمكن بذل العوض للزوج من المرأة أو غيرها وتمليكه له بشرط الطلاق، فإذا قبل الزوج بذلك وجب عليه الطلاق وفاء بالشرط، فلو لم يطلق كان عاصي، وكان للباذل الرجوع في البذل. وإن طلق جرى عليه حكم الطلاق بلا عوض، الذي قد يكون رجعي، كما لو كانت المرأة مدخولاً بها وفي سن من تحيض وكان هو الطلاق الاول أو الثاني. وحينئذٍ يكون للزوج الرجوع، إلا أن يشترط عليه عند البذل والتمليك عدم الرجوع حينئذٍ، فيلزمه الشرط ويحرم عليه الرجوع. لكن لو عصى ورجع ففي نفوذ رجوعه إشكال، واللازم الاحتياط.

نعم لا ينبغي سلوك هذا الطريق، إلا عند ضرورة تسوغ تقويض بيت الزوجية من دون أن يلزم حيف على المرأة، وإلا تحمل من يقوم بذلك مسؤولية جسيمة وإن كانت المعاملة صحيحة والشرط نافذ.

ومنه سبحانه نستمد التوفيق والتسديد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الفصل السادس

في الظهار

وهو تشبيه من يحل نكاحها بالفعل - من زوجة أو أمة - بإحدى المحارم بقصد تحريمها عليه، على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى.

وهو من مبتدعات الجاهلية، وقد استنكره الله تعالى لما فيه من تحريم ما أحلّ، قال عز من قائل: (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهن اُمهاتهم إن اُمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول وزور). وقد عاقب الله تعالى من أقدم عليه بإلزامه بما قال وتحريم من حرّمها على نفسه حتى يكفّر. فحريٌّ بالمؤمن أن يتجنب ذلك ويتثبت في أفعاله وأقواله، ويحفظ لسانه عن

١٠١

الخطل والباطل مهما كانت الظروف المحيطة به، مراعياً تعاليم الله تعالى ومتأدباً بأدبه، ولئلا يحرج نفسه ويضيق عليها وعلى أهله متكلفاً بذلك ومتعدي.

(مسألة ١٢٦): المُظاهِر هو الرجل، ولا يقع الظهار من المرأة لتحريم الرجل عليه.

(مسألة ١٢٧): يتحقق الظهار بأن يقول الرجل للمرأة بقصد تحريمها عليه: أنت عليّ كظهر اُمي. ويكفي كل ما يدل على المرأة التي يراد تحريمه، كفلانة، أو هي. كما يكفي كل ما يدل على التشبيه، مثل: أنت عليّ ظهر اُمي، أو: أنت مني كظهر اُمي، أو: أنت حرام عليّ كظهر اُمي، إلى غير ذلك.

(مسألة ١٢٨): يقوم مقام الاُم جميع المحرمات النسبية، كالاُخت وبنتها وبنت الاخ والعمة والخالة، بل مطلق المحرمات بالنسب والرضاع والمصاهرة.

(مسألة ١٢٩): الظاهر اختصاص الظهار بما إذا اُخذ في المشبَّه به العنوان المحرم، كالاُم والاُخت، دون شخص المرأة التي هي محرم، فإذا قال: أنت عليّ كظهر زينب، وكانت زينب اُمه أو اُخته لم يقع الظهار.

(مسألة ١٣٠): يقوم مقام الظهر كل عضو من أعضاء المحارم، كالرجل واليد والبطن والفرج وغيره. وكذا لو كان المشبَّه به هو المرأة المحرم نفسه، كما لو قال: أنت علي كاُمي أو كاُختي.

(مسألة ١٣١): لا يقع الظهار بالتحريم المجرد عن التشبيه بالمحارم، كما لو اقتصر على قوله: أنت عليّ حرام.

(مسألة ١٣٢): لا يقع الظهار موقتاً بزمان، كشهر أو سنة، بل لابد فيه من الاطلاق وعدم التوقيت.

(مسألة ١٣٣): لا يقع الظهار مؤجل، كما لو قال: أنت عليّ كظهر اُمي

١٠٢

من يوم الجمعة، أو عند خروج هذا الشهر.

(مسألة ١٣٤): لا يقع الظهار في يمين، وهو الذي يراد به الحمل على فعل أو الزجر عنه، كما لو قال: أنت عليّ كظهر اُمي إن تركت صلاة الليل، أو إن اغتبت مؤمن. وفي وقوعه مشروطاً بشيء من دون أن يراد به اليمين على تركه إشكال، والاظهر العدم.

(مسألة ١٣٥): يشترط في المظاهر البلوغ والعقل والقصد إلى الظهار المعهود المبني على تحريم المرأة مع بقائها على الزوجية، فلو قصد به الكناية عن الطلاق لم يقع ظهاراً ولا طلاق.

(مسألة ١٣٦): يشترط في المظاهر الاختيار، فلا يقع الظهار مع الاكراه، ولو لأجل إرضاء الغير، كاُمه وزوجته تجنباً لبعض المشاكل.

(مسألة ١٣٧): لا يقع الظهار مع الغضب والانفعال تسرعاً من دون قصد سابق.

(مسألة ١٣٨): يقع الظهار بالزوجة دائمة كانت أو متمتعاً به، ولا يقع بالاجنبية، حتى لو علقه على الزواج به، بأن قال مثلاً: إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر اُمي.

(مسألة ١٣٩): لا يقع الظهار بالمرأة إلا بعد الدخول بها ولو دبر.

(مسألة ١٤٠): لابد في الظهار من أن تكون المرأة في طهر لم يواقعها فيه إذا كانت في سن الحيض، على التفصيل المتقدم في الطلاق. وفي جريان حكم الغائب هنا إشكال، فاللازم الاحتياط.

(مسألة ١٤١): لابد في الظهار من شهادة عادلين، على النحو المتقدم في الطلاق.

١٠٣

(مسألة ١٤٢): لا يقع الظهار في إضرار. والظاهر أن المراد بذلك ما إذا أوقعه بقصد الاضرار بالمرأة والايذاء له.

(مسألة ١٤٣): إذا تمّ الظهار حرم على المُظاهِر وطء المرأة المظاهَرة ما دامت زوجة له حتى يكفّر، ولا يحرم عليه غير الوطء من وجوه الاستمتاع، فإن كفّر حلّ الوطء، وإن وطأها قبل أن يكفر عصى ووجبت عليه كفارة اُخرى للوطء المذكور، وهكذا إذا كرر الوطء قبل التكفير اللازم بالظهار، فإن الكفارة تتعدد بتعدد الوطء.

(مسألة ١٤٤): إذا خرجت المرأة المُظاهَرة عن زوجية المُظاهِر بطلاق أو غيره سقط الظهار وسقطت معه الكفارة، فإن عادت له بتزويج جديد حلّ له وطؤها بلا كفارة. نعم لو طلقها طلاقاً رجعياً ورجع بها قبل خروجها عن العدة لم يسقط الظهار فلا يحل له وطؤها حتى يكفر، كما لو لم يطلقه.

(مسألة ١٤٥): إذا تعدد الظهار على المرأة الواحدة في مجلس واحد أجزأته كفارة واحدة في تحليل وطئه، أما مع تعدد المجلس فاللازم تعدد الكفارة بتعدد الظهار المتفرق. نعم لو وطأها قبل التكفير لزمته كفارة واحدة للوطء مهما تعدد الظهار.

(مسألة ١٤٦): إذا ظاهر من نساء متعددات كان لكل امرأة ظهاره، حتى لو كان ظهارهن جميعاً بكلام واحد، وحينئذٍ يحرم عليه وطء كل واحدة حتى يكفر له، ولا يجزئه كفارة واحدة لتحليلهن جميع.

(مسألة ١٤٧): كفارة الظهار عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكين. لكل مسكين مد، هذا في الحر، وأما العبد فكفارته صيام شهر واحد.

(مسألة ١٤٨): المراد بالتتابع هنا هو المراد بالتتابع في سائر الكفارات،

١٠٤

وهو أن يصوم شهراً تاماً ويوماً من الشهر الثاني، ثم له أن يفرق الصوم حتى يكمل الشهر الثاني. وقد تقدم في أواخر كتاب الصوم بعض فروع التتابع.

(مسألة ١٤٩): إذا لم يقدر على العتق وشرع في الصيام ثم وطأ المرأة المظاهَرة قبل إكمال الصوم لزمه كفارة الوطء قبل التكفير. ثم إن أخل الوطء بالتتابع - كما لو وطأها نهاراً قبل مضي شهر ويوم - وجب عليه استئناف صوم كفارة الظهار، وإن لم يخل به - كما لو وطأها ليلاً أو بعد مضي شهر ويوم - أجزأه إكمال صوم كفارة الظهار الذي شرع فيه ولم يجب استئنافه.

(مسألة ١٥٠): إذا عجز عن عتق الرقبة فشرع في الصوم ثم أيسر، فإن كان قد دخل في الشهر الثاني أجزأه إتمام الصوم، وإلا وجب عليه العتق. أما إذا عجز عن العتق والصوم فشرع في الاطعام ثم قدر على أحدهما قبل إكماله فإن الأحوط وجوباً التكفير بالعتق أوالصيام وعدم الاجتزاء بما أتى به من الاطعام إلا أن يستمر العجز حتى يكمله.

(مسألة ١٥١): إذا عجز عن الخصال المتقدمة وآخرها إطعام ستين مسكيناً صام ثمانية عشر يوماً عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام. ولا يجب فيها التتابع، وإن كان أحوط استحباب.

(مسألة ١٥٢): إذا عجز حتى عن صوم الثمانية عشر يوماً ففي الاجتزاء بالاستغفار في تحليل الوطء - مع بقاء الكفارة في ذمته حتى يقدر عليها - إشكال، والأحوط بل الأظهر العدم، ويجري عليه حينئذٍ ما يأتي في المسألة الاتية.

(مسألة ١٥٣): إن كفّر المُظاهِر فلا إشكال، وإن لم يكفر فإن صبرت المرأة المظاهَر منها فذاك، وإلا انتُظِر بالرجل ثلاثة أشهر من حين الظهار ثم كان لها أن ترفع أمرها للحاكم الشرعي، فيلزمه بأحد الامرين من الكفارة أو الطلاق، ومع إبائه عن ذلك فإن أمكنه التضييق عليه حتى يطلق بنفسه فالأحوط وجوباً

١٠٥

ذلك، وإلا طلق عنه، وكان الطلاق بائناً أو رجعياً حسب اختلاف الموارد، فإن كان رجعياً كان له الرجوع في العدة، ووجب عليه التكفير، وإلا اُلزم مرة اُخرى بالطلاق، حتى ينتهي به إلى التكفير والوطء أو خروجها عن عصمته وبينونتها منه.

الفصل السابع

في الإيلاء

وهو الحلف على ترك وطء الزوجة على وجه مخصوص يأتي الكلام فيه، فإن خرج عن ذلك كان يمين، ولحقه حكم اليمين المحض في اللزوم وعدمه، على ما يأتي تفصيله في بحث اليمين إن شاء الله تعالى.

ولا ريب في كراهته من وجوه..

الأول: ما يأتي من كراهة اليمين إعظاماً لاسم لله تعالى أن يحلف به.

الثاني: ما يأتي أيضاً من كراهة أن يتعرض الانسان للحقوق ويجعلها على نفسه بنذر ونحوه.

الثالث: أنه يبتني على الاضرار بالمرأة والايذاء له. فينبغي للمؤمن تجنب ذلك والتحلي بالحلم والصبر وضبط النفس، ولا يندفع في مواقفه الانفعالية إلى ما قد يحرج نفسه ويؤذي أهله بما هو في غنىً عنه، وليبق لنفسه حرية الاختيار، التي جعلها الله تعالى له ولا يفرط به. والله سبحانه وتعالى وليّ التوفيق والتسديد.

(مسألة ١٥٤): لا يقع الايلاء إلا بالحلف بالله تعالى، كما هو الحال في سائر الايمان، على ما يأتي في بحث اليمين إن شاء الله تعالى.

(مسألة ١٥٥): لابد في الايلاء من أن يكون الحلف على ترك وطء الزوجة

١٠٦

بقصد الاضرار بها وإغضابها وهجره. فلو كان بداعي أمر آخر - من مرض أو مراعاة الولد أو غيرهما - لم يكن إيلاء، وجرى عليه حكم اليمين المحض.

(مسألة ١٥٦): الظاهر وقوع الايلاء معلقاً على شرط، كما لو قال: والله لا اُجامعك إن خرجت من الدار، أو إن طلعت الشمس.

(مسألة ١٥٧): يقع الايلاء مؤبد، كما لو قال: والله لا اُجامعك أبداً أو دائم. ويقع أيضاً مطلق، كما لو قال: والله لا اُجامعك، فيكون بحكم المؤبد. ويقع أيضاً مؤقت، كما لو قال: والله لا اُجامعك إلى سنة. نعم لابد حينئذٍ من أن يكون الامد أكثر من أربعة أشهر، وإلا لم ينعقد الايلاء، ولحقه حكم اليمين المحض.

(مسألة ١٥٨): لابد في الرجل المولي من أن يكون بالغاً عاقلاً قاصداً مختار، على نحو ما تقدم في الظهار، وأن يكون قادراً على جماع المرأة التي يؤلي منه، فلا يقع من المجبوب والعنين، ولا مع كون المرأة رتقاء أو نحوها ممن يتعذر وطؤه.

(مسألة ١٥٩): لابد في المرأة المؤلى منها من أن تكون زوجة دائمة مدخولاً به، ولا يقع الايلاء بدون شيء من ذلك، بل يكون يميناً محض.

(مسألة ١٦٠): إذا تمّ الايلاء وانعقد فلابد من الكفارة عند وطء الزوجة حتى لو كان الوطء المحلوف على تركه راجح. وبذلك يختلف الايلاء عن اليمين المحض، فإن اليمين لا ينعقد إذا كانت مخالفته راجحة - كما يأتي - ولا تجب بمخالفته الكفارة.

(مسألة ١٦١): كفارة الايلاء هي كفارة اليمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يستطع فصيام ثلاثة أيام، على ما يأتي في بحث اليمين إن شاء الله تعالى.

(مسألة ١٦٢): المشهور أن الكفارة في الايلاء تجب بعد الوطء كما في اليمين، لكن الظاهر أنها شرط في جواز الوطء، فلابد من تقديمها عليه ككفارة

١٠٧

الظهار. نعم لو وطأ قبل التكفير لم تجب كفارة اُخرى، بل يجزأ بكفارة واحدة للوطء اللاحق، ويكفي الاستغفار للوطء الاول، على خلاف ما تقدم في الظهار.

(مسألة ١٦٣): إذا آلى الرجل من امرأته، فإن صبرت فذاك، مهما طالت المدة، ولها أن ترفع أمرها للحاكم الشرعي من يوم آلى منها أو بعد ذلك، فيمهله الحاكم أربعة أشهر من حين رفع أمرها له يخيره فيها بين أن يفيء ويرجع - وذلك بأن يدفع الكفارة ويجامعها - وأن يطلق، فإذا مضت الاربعة أشهر ولم يفعل أحد الامرين أجبره على أحدهم، بأن يحبسه ويضيق عليه في المطعم والمشرب ونحو ذلك حتى يفعل أحدهم، فإن لم ينفع ذلك وأيس منه طلق الحاكم عنه وفرق بينهم.

(مسألة ١٦٤): لو حصل الطلاق كان بائناً أو رجعياً حسب اختلاف الموارد. فإن كان رجعياً ورجع اُلزم بأحد الامرين أيضاً على النهج السابق.

(مسألة ١٦٥): إذا طلقها وبانت منه ثم تزوجها لم يسقط حكم الايلاء ووجبت الكفارة بالوطء.

(مسألة ١٦٦): لا تتعدد الكفارة بتعدد الحلف مع اتحاد الزمان الذي وقع الحلف على ترك الوطء فيه، بل تجب كفارة واحدة.

١٠٨

الفصل الثامن

في اللعان

أكد الاسلام فيما أكد على تهذيب اللسان وعفته، وقد ورد الردع عن قذف غير المسلم بالفاحشة ما لم يطلع على ذلك منه، فعن الامام الصادق (عليه السلام) أنه نهى عن قذف من ليس على الاسلام إلا أن يطّلع على ذلك منهم. وقال: «أيسر ما يكون أن يكون قد كذب».

أما المسلم فقد أكد على عرضه وشدد فيه حتى قال تعالى: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم* يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون * يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين). وقد عدّ قذف المحصنة من الكبائر، بل من أكبر الكبائر، ومن الكبائر السبع الموجبات. ثم لم يكتف بذلك حتى جعل عليه حداً أو تعزيراً - على تفصيل مذكور في محله - يكونان عقوبة معجلة في الدنيا رادعة لمن لم يرتدع بعذاب الآخرة الموعود.

ولا يسقط ذلك إلا شهود أربعة يشهدون بالفاحشة عن حسّ ومعاينة لا عن حدس وتخمين، وبدون ذلك يعدّ القاذف عند الله تعالى كاذباً فاسقاً منتهكاً لحرماته مستحقاً للحد، ولا تقبل شهادته، بل يلزم على المؤمنين ردعه وتكذيبه وإن احتملوا صدقه أو ظنوا به.

ومع الاسف الشديد نرى تهاون الناس في ذلك، وتسرعهم في الطعن والقذف لاوهام وظنون واتهامات لا تغني من الحق شيئ، ولا تنهض حجة بين يدي الله تعالى، غافلين أو متهاونين بتعاليم الله تعالى، قال عز من قائل

١٠٩

حديث الافك بعد أن شدد في الانكار على من قام به: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين * لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فاُولئك عند الله هم الكاذبون * ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسَّكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين).

فعلى المؤمنين أن يتأدبوا بأدب الله تعالى، ويتورعوا عن محارمه، ويقفوا عند حدوده التي لم يجعلها إلا لصلاحهم وخيرهم.

وقد استثنى الله تعالى من ذلك الزوج مع زوجته لأن قيامها بالفاحشة خيانة عظيمة له، وقد توجب إلحاق ولد غيره به، وكثيراً ما لا يتيسر له إقامة الشهود، فاكتفى منه عند رمي زوجته باللعان بشروط مشددة، وتكون نتيجته الحرمة المؤبدة بينهما والفراق الدائم. من دون أن يسوغ لغيره التعويل عليه في رمي المرأة وقذفها وانتهاك حرمته، فإذا لاعن الرجل زوجته وفارقها حرم على غيره قذفها بالزنى.

وقد عقدنا هذا الفصل للنظر في شروط اللعان وكيفيته وأحكامه.

(مسألة ١٦٧): إنما يشرع اللعان بقذف الزوج زوجته إذا لم يشهد بزناها أربعة شهود مقبولي الشهادة يثبت زناها شرعاً بشهادتهم، أما مع ذلك فلا لعان، بل تكفي شهادتهم في ثبوت الحد عليها وسقوط حد القذف عن الزوج. ولابد من إقامتهم الشهادة، أما بدون ذلك فيشرع اللعان حتى لو كانوا مستعدين لاقامة الشهادة لو دعوا إليه.

(مسألة ١٦٨): يكفي في الشهود الاربعة أن يكون أحدهم الزوج، ول

١١٠

يجب أن يكونوا غيره.

(مسألة ١٦٩): إنما يشرع اللعان بقذف الزوجة إذا ادعى الزوج أنه عاينها تزني، أما إذا لم يدّع المعاينة فإنه يجري عليه حكم القاذف.

(مسألة ١٧٠): تقدم في أحكام الاولاد الضابط في إلحاق الولد بالرجل ظاهر، وأنه لا يحل للرجل نفي الولد عنه، بل لا يقبل منه النفي مع اعترافه بتحقق الضابط المذكور. أما مع عدم اعترافه بتحققه فيقبل منه نفي الولد عنه مع كون المرأة موطوءة بالملك أو متمتعاً بها أو زوجة دائمة لم يدخل به. أما إذا كانت زوجة دائمة مدخولاً بها فلا يقبل من الزوج نفي الولد إلا باللعان، أو بإقامة البينة على ما يمنع من تولد الولد منه.

وحينئذٍ نقول: إن رجع نفي الولد إلى قذف اُمه بالزنى توقف انتفاء الولد وسقوط حد القذف عن الزوج على اللعان، لكن لا يشترط حينئذٍ أن يدعي معاينة الزنى منه، بل يكفي فيه أن يدعي عليها أنها حملت به من الزنى.

وإن لم يرجع إلى قذف الاُم بالزنى - لاحتمال وطئها من قبل الغير شبهة أو مكرهة، أو إدخال مني الاجنبي في فرجها من دون أن يطأها - انحصر نفي الولد بإقامة البينة على ما يمنع من تولد الولد منه، فإن لم يتيسر له ذلك تعين لحوق الولد به ظاهراً وإلزامه به، نعم له وعليه فيما بينه وبين الله تعالى أن لا يجري عليه أحكام ولده لو علم بعدم تولده منه، كما لو علم من نفسه أنه كان عقيماً أو أنه لم يطأ المرأة وطءً يقتضي إلحاق الولد به أو غير ذلك.

(مسألة ١٧١): قذف الزوجة بالزنى بمجرده لا يقتضي نفي الولد، سواءً أشهد على زناها أم أقرت به أم تلاعن، بل يلحق الولد به لانه صاحب الفراش، ويتوقف انتفاء الولد منه على أن يدعي أنها حملت بالولد من الزنى، ويلاعنها على ذلك.

١١١

(مسألة ١٧٢): يشترط في المتلاعنين البلوغ، والعقل، وأن يكونا زوجين زواجاً دائماً مع الدخول، كما يشترط في الزوجة الملاعَنة أن لا تكون خرساء أو نحوها ممن لا تستطيع الكلام، وقد تقدم في السبب الرابع من أسباب تحريم النكاح أن قذف الخرساء ونحوها موجب لتحريمها وإن لم تلاعن.

(مسألة ١٧٣): صورة اللعان أن يشهد الزوج القاذف أربع شهادات بالله تعالى أنه صادق فيما رماها به، فيقول مثلاً: أشهد بالله أني صادق فيما رميتها به، ثم في الخامسة يجعل لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فيقول مثلاً: لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به، ثم تشهد الزوجة المقذوفة أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به، فتقول مثلاً: أشهد بالله أنه كاذب فيما رماني به، ثم في الخامسة تجعل غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فتقول مثلاً: غضب الله عليّ إن كان صادقاً فيما رماني به.

(مسألة ١٧٤): يجب التلفظ بالشهادات من الزوج، إلا في الأخرس ونحوه ممن يتعذر في حقه النطق، فإنه تكفيه الإشارة المفهمة صريحاً حسب ما يعلم من حاله. أما الزوجة فلا يشرع اللعان معها إذا كانت خرساء كما تقدم.

(مسألة ١٧٥): يجب النطق بالشهادات بالعربية مع الامكان، ومع تعذرها يجزئ غيره.

(مسألة ١٧٦): يجب القيام عند الشهادة، بل الأحوط وجوباً قيامهما معاً في تمام الملاعنة، فتقوم المرأة مع الرجل عند بدئه بالشهادة، ويبقى الرجل قائماً معها حتى تكمل هي الشهادة.

(مسألة ١٧٧): يستحب جلوس الحاكم مستدبر القبلة، ووقوف الرجل عن يمينه والمرأة - والصبي المنفي إن كان - عن يساره مستقبلين القبلة. كما يستحب أن يعظ الحاكم كلاً منهما بعد أن يشهد الشهادات الاربع قبل الخامسة، ففي الصحيح - بعد ذكر الشهادات الاربع من الرجل ـ: «ثم قال رسول

١١٢

الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أمسك، ووعظه، ثم قال: اتق الله فإن لعنة الله شديدة»، وبعد ذكر الشهادات الاربع للمرأة: «ثم قال لها:أمسكي، فوعظها ثم قال لها: اتقي الله فإن غضب الله شديد». قيل: ويستحب حضور جماعة من الاعيان والصلحاء يسمعون اللعان، لكن لو تم ذلك فقد ورد الامر بالتباعد عن المتلاعنين، وحينئذٍ يحضرون بنحو يسمعون التلاعن مع بعدهم عن مجلس الملاعنة.

(مسألة ١٧٨): إذا قذف الرجل المرأة ولم يكن له شهود عرض عليه الحاكم اللعان، فإن أبى حدَّه حدَّ القاذف، وكذا إذا أكذب نفسه. وإن لاعن وأتى بالشهادات الخمس سقط عنه الحد، ثم يعرض الحاكم على المرأة اللعان، فإن أبت أو صدقته ثبت عليها حد الزنى، وإن لاعنت وأتت بالشهادات الخمس سقط عنها الحد، وحرمت عليه مؤبد، كما تقدم في فصل أسباب تحريم النكاح.

(مسألة ١٧٩): إذا لاعن لنفي الولد وتم اللعان انتفى الولد منه واُلحق باُمه، ولا يحكم عليه أنه ابن زنى، بل من نسبه لذلك لزمه حد القذف، وحينئذٍ لا يرث الولد من الملاعِن ولا ممن يتقرب به، ولا يرثونه، بل يكون التوارث بينه وبين اُمه ومن يتقرب بها لا غير.

(مسألة ١٨٠): مع اختلال شروط اللعان المتقدمة وعدم مشروعيته لا تترتب أحكامه المتقدمة، بل يترتب حكم القذف على الزوج لا غير. نعم إذا كانت المرأة خرساء تحرم مؤبداً بمجرد القذف وإن لم يشرع اللعان كما تقدم، وفي انتفاء الولد بذلك إشكال.

(مسألة ١٨١): إذا أقر بالولد قبل أن يقذف اُمه اُلزم به، ولا يقبل منه نفيه حتى باللعان.

(مسألة ١٨٢): إذا أقر الملاعِن بالولد بعد أن ينفيه منه باللعان اُلحق به، فيرث الولد منه ومن قرابته، لكنهم لا يرثونه، بل يبقى ميراثه لاُمه ومن يتقرب به.

(مسألة ١٨٣): إذا أكذب أحدهما نفسه بعد حصول اللعان منهما لم يرتفع

١١٣

التحريم بينهم، ولو كان الذي أكذب نفسه هو الرجل لم يجب عليه حد القذف.

(مسألة ١٨٤): إذا ادعت الزوجة أو المطلقة الحمل من الزوج فأنكر الدخول بها فالقول قوله، وله نفي الولد بلا لعان. نعم إذا أقامت بينة على أنه اختلى بها خلوة يمكن معها الدخول عادة حكم به واُلحق به الولد، وتوقف نفيه على اللعان، أو على إقامة البينة على ما يمنع من تولد الولد منه.

والحمد لله رب العالمين

١١٤

كتاب اليمين والنذر والعهد

جعل الله سبحانه وتعالى على الانسان مجموعة من التكاليف لم يجعلها عليه إلا استصلاحاً له ولمجتمعه، وكثيراً ما لا يقوم الانسان بامتثالها استثقالاً لها أو استهواناً به. لكنه مع ذلك قد لا يكتفي بما جعله الله عليه حتى يجعل على نفسه - بيمين ونحوه - ما لم يجعله الله تعالى عليه ويتكلف ما لم يكلفه به، أملاً في تيسير عسر ضاق به ذرعاً أو تفريج كرب جزع له قلبه هلعاً أو لغير ذلك من الدواعي، مستسهلاً ما جعله على نفسه من أجل ذلك، لقصر نظره وعدم تدبره لعواقب الاُمور، حتى إذا تيسر عسره وانفرج كربه، ووجب عليه ما جعله على نفسه ثقل عليه القيام به. وكان بوسعه أن يتجنب ذلك من أول الامر ويتدبر العاقبة قبل أن يورط نفسه، وكم رأينا من ورط نفسه في نذور وأيمان يعجز عنها لا يدري كيف يخرج منه، ولذا ورد عن أئمتنا (عليهم السلام) كراهة ذلك، فعن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إني لاكره الايجاب، أن يوجب الرجل على نفسه».

وكثيراً ما يتسامح الانسان بعد تحصيل مراده في القيام بما جعله على نفسه ويسوف فيه بنحو قد ينتهي للاهمال والتضييع، مع ما شدد الله تعالى في ذلك. قال عز من قائل: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيل)، وقال سبحانه وتعالى: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً اُولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)، وقال عزوجل:

١١٥

(يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطير).. إلى غير ذلك من الايات الكثيرة، وفي الحديث عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «لا تتعرضوا للحقوق، فإذا لزمتكم فاصبروا له».

إذا عرفت هذ، فجعل الانسان على نفسه لا يلزم إلا باليمين والنذر والعهد. والكلام فيها يكون في ضمن مقدمة وفصول..

مقدّمة

اليمين على قسمين..

القسمالأول: ما يريد به الحالف تأكيد دعواه وما يخبر عنه، كالحلف على وقوع أمر سابق، كأن يقول: والله لقد مطرت السماء أمس، أو: والله قتل زيد عمر. أو تحقق أمر في المستقبل، كأن يقول: والله تمطر السماء غد، أو: والله يموت زيد. أو حصول أمر حالي، كأن يقول: والله هذا بيتي، أو: والله زيد عادل.

(مسألة ١): يجوز من هذا القسم اليمين الصادقة، إلا أن يلزم منها محذور شرعي كالاضرار بمؤمن، فتحرم لذلك.

(مسألة ٢): تكره اليمين بالله تعالى، وإن كان الحالف صادق، بل يستحب ترك طلب الحق إذا توقف على اليمين المذكورة، ففي الحديث: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أجلّ الله أن يحلف به أعطاه الله خيراً مما ذهب منه». ويتأكد ذلك في المال القليل، وفي بعض النصوص أنه ثلاثون درهماً فما دون، وهي تساوي تسعة وثمانين غراماً من الفضة تقريب.

(مسألة ٣): اليمين التي يثبت بها الحق شرعاً عند الخصومة والتداعي وتسقط بها الدعوى هي اليمين بالله تعالى دون غيره كالقرآن الشريف والكعبة المعظمة والانبياء والائمة صلوات الله عليهم والاولياء، فلا تجب الاجابة إلى

١١٦

غيرها لو طلبها الخصم. ولابد في ترتب الاثر عليها وسقوط الدعوى بها من أن تقع بطلب من الحاكم الشرعي عند التخاصم إليه. نعم إذا تصالح الخصمان على سقوط حق الدعوى من أحدهما بيمين الآخر كانت اليمين مسقطة للدعوى وإن لم تكن بالله تعالى، ولا بحضور الحاكم الشرعي، بل على النحو الذي يتفقان عليه.

(مسألة ٤): تحرم اليمين الكاذبة بالله تعالى، وهي اليمين على أمر مخالف للواقع، وعن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «من حلف على يمين وهو يعلم أنه كاذب فقد بارز الله»، وقد ورد عنهم (عليهم السلام) أنها تقطع النسل وتذر الديار من أهلها بلاقع. بل تحرم اليمين على أمر مشكوك الحصول. كما يحرم الاخبار بأمر مخالف للواقع وبأمر مشكوك الحصول حتى من دون يمين، ومع اليمين يتأكد التحريم، وكلما كان المحلوف به أجلّ كان التحريم آكد. نعم لا كفارة في جميع ذلك، بل ليس على فاعله إلا التوبة. وقد تقدم جميع ذلك في مسألة حرمة الكذب من كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(مسألة ٥): يلحق باليمين الكاذبة قول: (الله يعلم) أو: (علم الله) ونحو ذلك. ففي الحديث عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «من قال: الله يعلم فيما لا يعلم اهتز لذلك عرشه إعظاماً له»، وفي حديث آخر عنه (عليه السلام) أنه قال: «إذا قال العبد: علم الله، وكان كاذباً قال الله عزوجل: أما وجدت أحداً تكذب عليه غيري!».

(مسألة ٦): تجوز اليمين الكاذبة لدفع مظلمة عن النفس وعن المؤمن. بل قد تجب اليمين حينئذٍ، كما إذا كان الضرر اللازم من تركها مهماً يجب دفعه، كما تجب لدفع الحرام إذا اُكره عليه لولا اليمين، كما لو طلب الظالم منه الغناء فيحلف له أنه لا يحسنه، أو طلب منه أن يدفع له مال شخص فيحلف له أنه ليس عنده.

(مسألة ٧): تحرم اليمين بالبراءة من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة (عليهم السلام) صادقاً أو كاذب، بل الأحوط وجوباً عموم الحرمة للبراءة من دين الاسلام، أو

١١٧

أن يقول: أنا يهودي أو نصراني أو نحوهما إن كان كذ.

القسم الثاني من اليمين: ما يقصد به الحالف تأكيد ما يلتزمه على نفسه ويتعهد به من فعل أو ترك، فلابد في متعلقه..

أولاً: من كونه فعلاً اختيارياً للحالف، دون ما هو خارج عن اختياره، كأفعاله السابقة، أو أفعال غيره، أو الحوادث الكونية - كطلوع الشمس ونزول المطر - سابقة كانت أو لاحقة، لامتناع تعهد الحالف بذلك على نفسه، بل اليمين في ذلك كله من القسم الاول.

وثانياً: من ابتناء إخباره به على التزامه به وتعهده بتحقيقه، فلو تجرد عن ذلك، بل كان قصده محض الاخبار عنه لم تكن اليمين عليه من هذا القسم، بل من القسم الاول أيض، كما لو حلف على أنه يأكل هذا اليوم نوعاً من الطعام لتخيل أن أهله قد هيؤوه له، أو على أنه لا يسافر، لتخيل عدم حصول الداعي له للسفر.

ولا تكون اليمين من هذا القسم إلا إذا ابتنى إخبار الحالف بمتعلقها على تعهده والتزامه به على نفسه مؤكداً ذلك باليمين، وهذا القسم من اليمين هو الذي يكون من سنخ النذر والعهد، التي هي محل الكلام، والتي يكون انعقادها سبباً لوجوب متعلقه، ويكون الخروج عنها محرماً موجباً للحنث والكفارة. والكلام في الفصول الاتية إنما هو في شروط الانعقاد وأحكامه.

١١٨

الفصل الاول

في الحالف والناذر والمعاهد

(مسألة ٨): يشترط في الحالف والناذر والمعاهد البلوغ والعقل والقصد بالنحو الذي يعتد به عند العقلاء، فلا تنعقد من الصبي والمجنون والنائم والساهي والسكران والغالط ونحوهم.

(مسألة ٩): لا ينعقد اليمين والنذر من الغضبان إذا أوقعهما في سورة غضبه، من دون تروٍّ وهدوء أعصاب، وإن كان قاصداً لهما في الجملة. بخلاف العهد، فإنه ينعقد حينئذٍ مع تحقق القصد بنحو معتد به عند العقلاء.

(مسألة ١٠): لا تنعقد اليمين إذا صدرت اندفاعاً بسبب عادة، كما يشيع عند كثير من الناس. بخلاف النذر والعهد، فإنهما ينعقدان حينئذٍ مع تحقق القصد بنحو معتد به عند العقلاء.

(مسألة ١١): لابد في انعقاد هذه الاُمور من الاختيار التام، فلا تنعقد مع الاكراه، كما إذا طلبه إليه من يوعده بفعل ما يضره مع قدرته على تنفيذ ما أوعد به بنحو يخاف تحققه. بل لا تنعقد اليمين إذا وقعت من الحالف لارضاء من يهمه إرضاؤه - كالاب والاُم والزوجة - إذا طلب منه ذلك، بخلاف النذر والعهد، فإنهما ينعقدان مع ذلك إذا لم يبلغا حد الاكراه.

(مسألة ١٢): لابد في انعقاد اليمين من الولد من إذن والده، وفي انعقادها من الزوجة من إذن زوجه، وفي انعقادها من العبد من إذن مولاه، فلو لم يسبق منهم الاذن لم تنعقد، وإن لم تكن منافية لحقوقهم، لا أنها تنعقد ولهم حلّه، وإن كان هو الأحوط استحباب. وأحوط منه أنها لا تنحل حتى بحلّهم، إلا أن

١١٩

للحالف مخالفتها إذا طلبوا منه المخالفة إذا لم يكن متعلقها واجباً بنفسه، فإن خالفها بأمرهم انحلت، وإن لم يخالفها حتى مات الاب واُعتق العبد وطلقت المرأة أو مات زوجها بقيت على الانعقاد، وحرم على الحالف مخالفته، ووجبت بها الكفارة. كل ذلك مقتضى الاحتياط الاستحبابي. والظاهر ما ذكرناه أولاً من عدم الانعقاد إلا مع الاذن.

(مسألة ١٣): لا يقوم الجد للاب مقام الاب في حكم المسألة السابقة.

(مسألة ١٤): لا يشترط في نذر الولد وعهده إذن أبيه، وإن نذر أو عاهد بدون إذنه لم يكن له حله ولا أمره بالمخالفة. نعم إذا نهاه قبل النذر والعهد عن أمر نهياً يوجب كونه مرجوحاً في حقه - بأن كان الاب في حاجة لترك ذلك الامر مثلاً - لم ينعقد منه نذره ولا العهد عليه، كما أنه لو نهاه بعد النذر والعهد عنه نهياً يوجب كونه مرجوحاً في حقه بطل النذر والعهد.

(مسألة ١٥): يشترط في نذر الزوجة وعهدها إذن الزوج إذا كانا منافيين لحقه وكان مطالباً بالحق، أما إذا لم ينافيا حقه - ولو لعدم مطالبته به - فالظاهر عدم اشتراط إذنه، فيصح منها النذر والعهد حينئذٍ وليس له حلهما ولا أمرها بمخالفتهم.

(مسألة ١٦): إذا حلفت المرأة أو نذرت أو عاهدت ثم تزوجت، لم يبطل يمينها ولا نذرها ولا عهده، حتى لو كانت منافية لحق الزوج، بل ليس له المطالبة بالحق حينئذٍ. نعم تبطل الاُمور المذكورة إذا كانت مطالبة الزوج موجبة لكون مخالفتها خيراً من العمل عليه، لما يأتي. وكذا إذا كان النفوذ حرجياً في حقها بنحو معتد به، لاستلزامه تعطيلها عن الزواج - لعدم إقدام أحد عليها مع نفوذ ما جعلته عليها - وكانت محتاجة للزواج، ولم تكن قد أقدمت على تحمل الحرج المذكور بيمينها أو نذرها أو عهده، لغفلتها عن ذلك أو لتخيلها عدمه.

١٢٠