منهاج الصالحين - المعاملات الجزء ٣

منهاج الصالحين - المعاملات17%

منهاج الصالحين - المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76903 / تحميل: 5343
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين - المعاملات

منهاج الصالحين - المعاملات الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

تخصيص الفعل بالإيجاد في وقت دون آخر أو بإيقاعه على وجه دونَ وجه.

ويدلّ على ثبوت الإرادة له - تعالى - بالمعنى المطلق أنّ العالم حادث، فتخصيصُ إيجاده بوقتٍ دونَ ما قبله وما بعده، مع جوازهما، يفتقرُ إلى المخصّص، وليس القدرة، لتساوي نسبتها، ولا العلم لتبعيته، فهو الإرادةُ، ولأنّ تخصيص ما وجد بالإيجاد دونَ غيره من المقدورات يستدعي مخصّصاً هو الإرادةُ.

ويدلّ على إثبات إرادة الفعل منّا أمرُه بالطّاعة، ونهيه عن المعصية، وهما يستلزمان الإرادة والكراهة، خلافاً للأشعريّة الّذين أثبتوا الطلبَ مغايراً للإرادة، لعدم تعقّله، وإلزامُهم بتمهيد عذر السيّد الضّارب عبده للمخالفة إذا أمره مشتركٌ.

المطلب السّادس: في أنّه - تعالى - مُدرِكٌ

اتّفق المسلمون على أنّه - تعالى - سميع بصيرٌ، واختلفوا، فقال أبو الحسين والكعبيّ والأوائل: إنّ معناه علمه بالمسموعات والمبصرات، لاستحالة أن يكونَ هو الإحساسَ بالحواس ولا ما عداه غير العلم، لأنّه غيرُ معقول، وسيأتي أنّه - تعالى - عالم بكلّ معلوم، وللسّمع.

وأثبت الجُبائيّان والأشعريّ والسّيّد المرتضى والخوارزميّ أمراً زائداً على العلم، لأنّ إدراكنا زائدٌ على علمنا؛ للفرق بينَ العلم عندَ المشاهدة وبينه

١٤١

عندَ عدمها. والمقتضي لذلك كونُ المدرك حيّاً، والله - تعالى - حيٌّ، فإدراكه زائد، والمقدّماتُ ضعيفةٌ.

ثمّ استدلّوا على ثبوته بأنّه - تعالى - حيّ، فيصحُّ أن يتّصف بالسّمع والبصر، وكلّ من صحّ اتّصافه بصفة وجب أن يتّصف بها أو بضدّها، وضدّها نقصٌ، وهو على الله - تعالى - مُحال.

والحقّ استنادُ ذلك إلى النّقل، ولا يجبُ صحّةُ اتّصاف الحيّ بالسّمع والبصر، فإنّ أكثرَ الهوامّ والسّمك لا سمعَ لها، والعقربُ والخُلَدُ (1) لا بصرَ لهما. والدّيدان (2) وكثيرٌ من الهوامّ لا سمَ لها ولا بصرَ. فلو لم يمتنع اتّصاف تلك الأنواع بالسّمع والبصر لما خلا جميعُ أشخاصها منهما. (3)

وإذا جاز أن يكونَ بعضُ فصول الأنواع مزيلاً لتلك الصّحة بطلت الكليّة. ولا يجبُ اتّصاف الشّيء بأحد الضّدّين كالشّفاف. نعم يجبُ أن يتصف القابل للصّفة بها أو بعدمها، ونمنع كونَ ضدّهما نقصاً في حقّه تعالى.

والقياسُ باطلٌ، على أنّ حياته - تعالى - مخالفةٌ لحياتنا. ولا يجبُ العموميّةُ، لانتفاء القابليّة، كما أنّ حياتنا مصحّحةٌ للشهوة والنّفرة دونَ حياته تعالى.

____________________

(1) ج: الجراد.

(2) ج: الدّيران.

(3) ج: منها.

١٤٢

المطلب السّابع: في أنّه - تعالى - متكلّمٌ

اتّفق المسلمون على ذلك، لقوله تعالى، ( وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَى‏ تَكْلِيماً ) (1) ، ولا دورَ؛ لأنه إثباتٌ لكلامه - تعالى - بإخبار الرّسول المعلوم صدقه بالمعجزة، ولأنّه قادرٌ على كلّ مقدور.

واختلفوا، فعندَ المعتزلة، أنّه خلق في أجسام جماديّة أصواتاً دالّةً على معان مخصوصة، فهو متكلّمٌ بهذا المعنى.

والأشاعرة جوّزوا ذلك، لكن اثبتوا معنىً نفسانيّاً قائماً بذات المتكلّم مغايراً للعلم والإرادة. يدلُّ عليه هذه الحروف والأصواتُ وأنّه قديمٌ في حقّه - تعالى - واحدٌ ليس بأمر ولا نهي ولا خبر؛ لأنّه حيّ يصحّ اتّصافه بالكلام. فلو لم يكن موصوفاً به كان متّصفاً بضدّه، وهو نقصٌ.

ولأنّ أفعاله - تعالى - لمّا جاز عليها التّقدّم والتّأخّرُ أثبتنا الإرادةَ المخصّصةَ، (2) وأفعالُ العباد متردّدةٌ بينَ الحظر والإباحة وغيرهما من الأحكام فلابدّ من مخصّص غير الإرادة، لأنّه قد يأمر بما لا يريدُ وبالعكس، فهو الكلام الّذي هو الطلبُ النّفسانيّ، ولأنّه مَلِك مُطاعٌ، فله الأمرُ والنّهيُ.

اعترضت (3) المعتزلة: بأنّ الاستدلال على الإثبات (4) فرع تصوّر المستدل عليه. وما ذكرتموه غيرُ متصور ويمنع صحة اتّصافه تعالى به،

____________________

(1) النساء: 4/162.

(2) ج: اثبت إرادة مخصوصة.

(3) ألف: اعترض.

(4) ج: إتيان/ ب: إثبات ممنوع وما التزموه.

١٤٣

ويمنع وجوب الاتّصاف بأحدهما وكون الضّدّ نقصاً، بل ثبوته نقصٌ، إذ أمرُ المعدوم ونهيُه وإخباره سفهٌ. والأحكام عقليّةٌ لا سمعيّةٌ فالمُخصّص إمّا الصّفات أو الوجوه والاعتبارات الّتي تقع عليها الأفعال، ويقبح الأمر بما لا يريدُ.

وتمهيدُ العذر في قتل العبد بإيجاد صورةٍ، الأمر، وهو مشترك بين الطلب والإرادة. والمُطاعُ إن عنوا به نفوذَ قدرته في جميع الممكنات فهو حقٌّ، وإن عنوا ما طلبوه منعناه.

المطلب الثّامنُ: في أحكام هذه الصّفات وهي إحدى عشر بحثاً

ألف - ذهب جماعة من المعتزلة والأشاعرة إلى أنّ هذه الصّفات وجوديّةٌ وإلاّ لصحّ حملُها على المعدوم. والملازمةُ ممنوعةٌ، فإنّ كثيراً من العدميّات يمتنعُ حملهُ على المعدوم، وعندَ الأوائل وأبي الحسين أنّها ليست وجوديّةً. وإلاّ لزم تعدّدُ القدماء.

ب - هي نفسُ الذّات في الخارج وإن كانت زائدةً في التّعقّل، وهو اختيارُ الأوائل وأبي الحسين، لما تقدّم، ولأنّ الوجود لو كان زائداً كان ممكناً، لأنّه وصفٌ للماهيّة، فلا يكونُ واجباً، هذا خُلفٌ. ولأنّ مؤثّره إمّا الماهيّةُ لا بشرط الوجود، فالمعدومُ مؤثّر في الموجود أو بشرطه، (1) فيتسلسل (2) أو يدور أو غيرها، فيفتقر إلى الغير.

____________________

(1) ج: لشرطه.

(2) ألف: فتسلسل.

١٤٤

وعندَ جماعة من المعتزلة والأشاعرة أنّها زائدةٌ، للمغايرة بينَ قولنا: واجب الوجود موجودٌ، وبين قولنا: إنّه قادرٌ. وللاستفادة بكلّ منهما، بخلاف قولنا: واجبُ الوجود واجبُ الوجود؛ ولأنّا قد نعلمُ الذّات ونشكّ (1) في الصّفات، وكلّ ذلك يدلٌّ على المغايرة الذّهنيّة.

ج - هذه الصّفات أزليّةٌ وإلاّ لافتقرت إلى مؤثّر، فإن كان ذاته دار، وإن كان غيره افتقر إلى غيره، ولأنّ تأثيره في غيره يستلزم ثبوتها، فهي ثابتة قبل علّتها.

د - هذه الصّفات ذاتيّةٌ عندَ المعتزلة والأوائل، لامتناع استنادها إلى غير ذاته، لما تقدّم، وعندَ الأشعريّة أنّها معلّلةٌ بالمعاني، فهو قادرٌ بقدرة، عالمٌ بعلم، حيّ بحياة، إلى غير ذلك من الصّفات.

قال نفاةُ (الأحوال) منهم إنّ العلمَ نفس العالميّة، والقدرة نفس القادريّة، وهما صفتان زائدتان على الذات وقال مثبتوها: إنّ عالميّته - تعالى - صفةٌ معلّلةٌ بمعنى قائم به، وهو العلم.

هـ - إرادته إمّا نفسُ الدّاعي، كما تقدّم، أو أمرٌ زائدٌ عليه مستندٌ إلى ذاته، كاختيار النّجّار، (2) خلافاً للجمهور. وعند الجبّائيين أنّه مريدٌ بإرادةٍ حادثةٍ لا في محلّ؛ إذ لو كان مريداً لذاته لعمّت إرادته، كالعلم، فيريدُ الضّدّين، أو لإرادةٍ قديمةٍ لزم ثبوتُ القدماء، أو لإرادة حادثة في ذاته كان محلاًّ

____________________

(1) ألف: نشكّل.

(2) ب: كاختيار المختار.

١٤٥

للحوادث، أو في غيره. فإن كان حيّاً رجع حكمها إليه، وإلاّ استحال حلولها فيه، ووجودُ إرادة لا في محلّ غيرُ معقول.

و - خبره - تعالى - صدقٌ، لقبح الكذب عقلاً، فلا يصدر عنه، ولأنّ الكذبَ إن كان قديماً استحال منه الصّدق، والتّالي باطل، للعلم بإمكان صدور الصّدق من العالم بالشّيء. والأخيرُ دليل الأشاعرة ولا يتمّ، لبنائه على أنّ الكلامَ القديمَ هو عين الخبر، وأنّه خبرٌ واحدٌ، ولعدم دلالته على صدق الألفاظ.

ز - قدرته - تعالى - تتعلّقُ بكلّ مقدور، للتّساوي في العلّة الّتي هي الإمكانُ. ومنع الأوائل من صدور اثنين عنه، لأنّه بسيط، ولا يتأتّى في القادر لو صح. ومنع الثّنويّةُ والمجوس من صدور الشّرّ عنه، وإلاّ كان (1) شرّيراً. فعند المجوس فاعلُ الخير يزدانُ وفاعل الشّرّ أهرمن. وعنوا بهما ملكاً وشيطاناً، واللهُ - منزّهٌ عن فعل الخير والشرّ. والمانويّةُ تسند ذلك (2) إلى النّور والظّلمة وكذا الدّيصانيّة.

وعند جميعهم أنّ الخيّر هو الّذي يكون جميع أفعاله خيراً، والشّرّيرَ هو الّذي يكون جميع أفعاله شرّاً. والخيرُ والشّرّ لا يكونان لذاتهما خيراً وشرّاً، بل بالإضافة إلى غيرهما. وإذا أمكن أن يكون شيء واحد بالقياس إلى واحد خيراً وبالقياس إلى غيره شرّاً أمكن أن يكونَ فاعل ذلك الشّيء واحداً.

____________________

(1) ج: لكان.

(2) ج: يستندونهما/ ب: يستند وكذا.

١٤٦

ومنع النّظامُ من قدرته على القبيح، لأنّه محالٌ، لدلالته على الجهل أو الحاجة. والاستحالة من جهة الدّاعي، لا من حيث القدرة.

ومنع عَبّاد من قدرته على ما علم وقوعه أو عدمه لوجوبه أو امتناعه وهو ينفي القدرة، والعلمُ تابعٌ.

ومنع البلخيُّ من قدرته على مثل مقدور العبد؛ لأنه إمّا طاعةٌ أو سفهٌ، وهما وصفان لا يقتضيان المخالفة الذّاتيّة.

ومنع الجُبائيّان من قدرته على عين مقدور العبد، لامتناع اجتماع قدرتين على مقدور واحد؛ لأنّه إن وقع بهما استغنى بكلّ منهما عن الآخر، وإن لم يقع بهما كان المانعُ هو وقوعه بالآخر، فيقع بهما حال ما لا يقعُ بهما وإن وقع بأحدهما لم يكن الآخر قادراً، والأخيرة ممنوعةٌ.

ح - علمُه - تعالى - متعلّقٌ بكلّ معلوم، لأنّه حيّ، فيصحّ أن يعلم كلّ معلوم. فلو اختصّ تعلقه بالبعض افتقر إلى مخصّص، وهو محال ولأنّه يصحُّ أن يعلم كلّ معلوم، فيجب، لأنّها صفةٌ نفسيّةٌ متى صحّت وجبت.

وبيانُ المقدّم، أنّه حيٌّ، وهو يصحّ أن يعلم كلّ معلوم، لأنّ الحيّ هو الّذي لا يستحيل أن يعلم. ونسبةُ الصّحّة إلى الكلّ واحدةٌ.

وبعض الأوائل منع من علمه بذاته، لأنّه إضافةٌ فيستدعي المغايرة. وينتقضُ بعلمنا بأنفسنا.

ومنهم من منع علمه بغيره، لاستحالة حلول صور في ذاته. ويُنتقضُ

١٤٧

بعلم الواحد بنفسه، ولأنّه إضافةٌ، لا صورةٌ، ولأنّ الصّدور (1) عنه أبلغ في الحصول من الصّورة المنتزعة الصّادرة عن العاقل لمشاركة المعقول، ثم تلك الصّورة تعلمُ بذاتها، فهنا أولى.

ومنهم من منع من علمه بالجزئيّات من حيث هي متغيّرةٌ إلاّ على وجه كلّيّ، فلا يعلم أنّ المتغيّر وقع أو سيقع؛ لأنّه عند عدمه إن بقى العلمُ لزم الجهل، وإلاّ كان متغيّراً.

وأجاب بعضهم بأنّ العلم بأنّ الشّيء سيوجد هو غير العلم بالوجود حينَ الوجود.

وهو غلطٌ، لاستدعاء العلم المطابقةَ، بل الحقُّ أنّ التّغيّرَ في الإضافات كتغيّر المقدور المستلزم تغيّر إضافة القدرة، لا القدرة.

ط - وجوبُ وجوده لذاته يقتضي امتناعَ عدمه في وقتٍ مّا. فهو قديمٌ أزليّ باقٍ سرمديٌّ. وبقاؤه لذاته لا لبقاء يقوم به، خلافاً للأشعريّ، وإلاّ افتقر في وجوده إلى غيره، هذا خُلفٌ. ولأنّ بقاءه باق فيتسلسل أو يدور إن بقى بالغير أو بالذّات، وإن بقى لذاته كان أولى بالذّاتيّة.

والتّحقيق أنّ البقاء يراد به امتناع خروج الذّات الثّابتة عن ثبوتها (2) ومفارقة الوجود لأكثر من زمان واحد بعدَ الزّمان الأوّل، والأوّل ثابتٌ في حقّه تعالى، لا زائدَ عليها. والثّاني منتفٍ، (3) لأنّه لا يعقلُ فيما لا يكونُ فانياً. (4)

____________________

(1) ج: المصدور.

(2) ج: ثباتها.

(3) ب: مفتقرٌ.

(4) ب، ج: زمانياً.

١٤٨

كما أنّ الحكم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء لا يمكن وقوعه في زمان أو في جميع الأزمنة، كما لا يقال إنّه واقعٌ في مكان أو في جميع الأمكنة. وهو بناءً على أنّ التّغيّر يستدعي الزّمان.

ي - قدرتُه، علمه؛ وإرادته كافيةٌ في الإيجاد، لوجوبه عند اجتماعهما، خلافاً لبعض الحنفيّة، حيث أثبتوا التّكوين صفة أزليّة لله تعالى. والمكوّن محدث، لقوله تعالى: ( إِنّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (1) فـ (كن) متقدّمٌ على (الكون)، وهو المسمّى بالأمر، والكلمة والتّكوين والاختراع والإيجاد والخلق، ولأنّ القدرة مؤثّرةٌ في صحّة وجود المقدور، والتّكوين مؤثّر في نفس وجوده.

وهو غلطٌ، لأنّ التّكوين إن كان قديماً لزم قدم الأثر، لأنّه نسبةٌ، وإن كان محدثاً تسلسل. وقوله (كن) لا يدلّ على إثبات صفة زائدة على القدرة، والقدرةُ لا تأثيرَ لها في صحّة الوجود، لأنّها ذاتيّةٌ للممكن.

يا - أثبت الأشعري (اليد) صفةً وراء القدرة، و(الوجه) صفةً وراء الوجود، و(الاستواء) صفةً أُخرى. وأثبت القاضي (2) إدراكَ الشّمّ والذّوق واللّمس ثلاثَ صفاتٍ. وأثبت عبد الله بن سعيد (القدم) صفةً مغايرةً للبقاء، و

____________________

(1) يس: 36/82.

(2) هو أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد المعروف بقاضي القضاة، من أئمة المعتزلة، له مصنّفات منها: شرح الأُصول الخمسة، تنزيه القرآن من المطاعن، المغني، مات سنة 415هـ. الأعلام: 3/273.

١٤٩

(الرّحمة) و(الكرم) و(الرّضا) صفاتٍ غيرَ الإرادة. ولا دليل على شيء من ذلك.

وجزم آخرون بنفي ما زاد على السّبعة، لأنّا كلّفنا بالمعرفة، وإنّما تحصل بمعرفة الصّفات، فلابُدّ من طريق، وليس إلاّ الاستدلال بالآثار والتّنزيه عن النّقصان، وإنّما يدلاّن على السّبعة، ونمنع من التّكليف بكمال المعرفة.

١٥٠

الفصل الثّاني

في الصّفات السّلبيّة

وفيه مطالبُ [اثنا عشر]:

[المطلب] الأوّل: في أنّه - تعالى - ليس بمتحيّز

اتّفق العقلاء عليه، خلافاً للمجسّمة، لأنّ كلّ متحيّز لا ينفكّ عن الحركة أو السّكون، فيكون مُحدَثاً، ولأنّه حينئذ إمّا جسمٌ فيكون مركّباً فيكون حادثاً أو جزءاً لا يتجزّأ، وهو غير معقول، لامتناع اتّصاف مثل ذلك بالقدرة والعلم غير المتناهيين، ولأنّه لو كان جسماً لكان مركّباً. فالعلمُ الحاصل لأحد الجزأين ليس هو الحاصل للآخر، فيتعدد الآلهةُ. والظواهر متأوّلةٌ، وعجزُ الوهم لا يعارضُ القطع العقليّ.

المطلب الثّاني: في أنّه - تعالى - لا يحلّ في غيره

المعقول من الحلول قيامُ موجود بموجود آخر على سبيل التّبعيّة بشرط امتناع قيامه بذاته. وهو محالٌ في حقّ واجب الوجود، ولقضاء العقل بأنّ الغنيّ عن المحلّ يستحيلُ حلوله فيه. فإن كان حالاًّ في الأزل لزم قدم المحلّ، وإن لم يكن تجدّدت الحاجة، ولأنّ حلول الشّيء في غيره إنّما

١٥١

يتصوّر لو كان الحالُّ إنّما يتعيّنُ بواسطة المحلّ، وواجب الوجود لا يتعيّنُ بغيره.

وعندَ بعض النّصارى، أنّه - تعالى - حالٌّ في المسيح. وعند الصّوفيّة أنّه - تعالى - حالٌّ في (1) العارفين. والكلّ محالٌّ، فهو إذن ليس بعرض ولا صورة، لافتقارهما إلى المحلّ.

المطلب الثّالث: في أنّه - تعالى - مخالفٌ لغيره لذاته

ذهب أبو هاشم إلى أنّ ذاته - تعالى - مساويةٌ لسائر الذّوات في الذّاتيّة، ويخالفها بحالة توجبُ الأحوال الأربعة، أعني الحييّة والعالميّة والقادريّة والموجوديّة. وهي الحالة الإلهيّة لأنّ مفهومَ الذّات هو ما يصحّ أن يعلم ويُخبر عنه. وهو غلطٌ؛ لأنّ هذا المفهوم (2) أمرٌ اعتباريٌّ ليس نفسَ الحقائق الثّابتة في الأعيان، بل من المعقولات الثّانية.

ولا يمكن تساوي كلّ الذّوات، لأنّ اختصاصَ بعضها بما يوجب المخالفة إن لم يكن لمرجّح كان ترجيحاً لأحد طرفي الممكن، لا لمرجّح، وإلاّ تسلسل.

____________________

(1) ج: حالٌّ في الأبدان العارفين.

(2) ج: هذا المفهوم ليس أمر اعتباري.

١٥٢

المطلب الرّابع: في أنّه - تعالى - غيرُ مركّب

كلُّ مركّب ممكنٌ، لأنّه يفتقرُ (1) إلى جزئه، وجزؤه غيره، وكلّ مفتقرٍ ممكنٌ، وواجبُ الوجود ليس بممكن، فليس له أجزاءُ ماهيّة، أعني المادّة والصّورة، ولا عقليّة، أعني الجنس والفصل، ولا مقداريّة؛ ولا يتركّب عنه غيره، فليس جنساً ولا فصلاً ولا نوعاً يندرج تحته أفرادٌ، ولا يتركّب عنه غيره، إذ يستحيل أن ينفعل عن غيره.

المطلب الخامس: في أنّه - تعالى - لا يتحدُ بغيره

اتفق العقلاء من المتكلّمين والحكماء إلى (2) امتناع الاتّحاد، إلاّ فرفوريوس والرّئيس في بعض كتبه، لأنّ الشّيئين بعدَ الاتّحاد إن بقيا موجودين فهما اثنان لا واحدٌ، وإن عُدما فلا اتّحادَ، بل حدث ثالثٌ، وإن عُدم أحدهما لم يتّحد المعدوم بالموجود. وهذا حكمٌ عامٌّ في كلّ الماهيّات. نعم قد يقال: الاتّحادُ بالمجاز على صيرورة شيء شيئاً آخر بأن يخلعُ صورته ويلبس الأخرى، كما يقال: صار الماء هواءً؛ أو بأن يحدث للأجزاء مزاج (3) وهيئة زائدة على الآخر كما يقال: صار العفصُ والزّاجُ حِبراً، وهو منفيٌّ (4) عن واجب الوجود - تعالى -؛ لاستحالة خروجه عن

____________________

(1) ج: مفتقر.

(2) ج: على.

(3) ب، ج: امتزاجاً.

(4) ج: منتفٍ.

١٥٣

حقيقته وعدم أمر زائد عليها وامتناع تركّبه من غيره أو معه.

وقالت النّصارى باتّحاد الأقانيم الثّلاثة: الأب والابن وروح القدس، واتّحد ناسوتُ المسيح باللاّهوت.

والصّوفيّةُ قالوا: أنّه - تعالى - يتّحدُ بالعارفين. والكلُّ غيرُ معقول.

المطلب السادس: في أنّه - تعالى - ليس في جهة

اتفق العقلاء عليه إلاّ المجسّمة والكرّاميّة، لأنّه ليس بمتحيّز ولا حالّ في المتحيّز، فلا يكون في جهة بالضّرورة، ولأنّ الكائن في الجهة لا ينفكّ عن الأكوان بالضّرورة، فيكون مُحدَثاً، وواجبُ الوجود ليس بمُحدَث؛ ولأنّ مكانه مساو لسائر الأمكنة، فاختصاصه به ترجيحٌ عن غير مرجّح، ويلزمُ قِدَم المكان أو حلول المجرّد في مكان بعدَ إن لم يكن. وهو غير معقول.

وأصحابُ أبي عبد الله ابن الكرّام ذهب بعضهم إلى أنّه في جهةٍ فوق العرش لا نهاية لها، والبُعد بينه وبينَ العرش غيرُ متناه أيضاً. وقال بعضهم متناهٍ. والكلّ خطأٌ، لما تقدّم، ولأنّ العالم كرةٌ.

المطلب السابع: في استحالة الألم واللذّة عليه تعالى

اتفق العقلاء على استحالة الألم عليه، لأنّه إدراك منافٍ، ولا منافي له تعالى. أمّا اللذّةُ فقد اتفق المسلمون على استحالتها عليه، لأنّ اللذة والألمَ

١٥٤

من توابع اعتدال المزاج وتنافره، ولا مزاجَ له - تعالى -، ولأنّ اللّذّة إن كانت قديمةً وهي داعيةٌ إلى فعل الملتذّ به وجب وجوده قبل وجوده لوجود الدّاعي وانتفاء المانع، وإن كانت حادثةً كان محلاًّ للحوادث. وفيه نظرٌ، لجواز اتّحاد داعي اللذّة والإيجاد.

والأوائل أثبتوا له لذّةً عقليّةً لا بفعله، بل باعتبار علمه بكماله، فإنّ كلّ من تصوّر في نفسه كمالاً ابتهج، كما أنّ من تصوّر نقصاناً في نفسه تألّمَ. ولمّا كان كماله - تعالى - أعظمَ الكمالات، وعلمه بكماله أتمّ العلوم استلزم ذلك أعظمَ اللّذات.

والصّغرى ممنوعةٌ والقياسُ على الشّاهد ضعيفٌ، والإجماع ينفيه.

تذنيبٌ

يستحيل اتّصافه بكلّ كيفيّة مشروطة بالوضع، كالألوان والطّعوم والرّوائح وغيرها في (1) الأعراض، لامتناع انفعاله تعالى.

المطلب الثّامن: في أنّه - تعالى - ليس محلاًّ للحوادث

اتّفق الأكثرُ عليه، خلافاً للكرّاميّة، لامتناع انفعاله في ذاته، فيمتنع التّغيّرُ عليه، ولأنّ الحادث إن كان صفةَ كمال استحال خلوّه عنها أزلاً، (2) وإلاّ

____________________

(1) ج، ب: من.

(2) ب: أوّلاً.

١٥٥

استحال اتّصافُه بها، ولأنّه لو صحّ اتّصافُه به كانت تلك الصّحّةُ لازمةً لذاته، لاستحالة عروضها، (1) وإلاّ تسلسل، فتكونُ أزليّةً. وصحّةُ الاتّصاف بالحادث تستدعي صحّة وجود الحادث أزلاً، (2) وهو محالٌ.

المطلب التاسع: في أنّه - تعالى - غنيُّ

هذا من أظهر المطالب، لأنّه واجب من جميع الجهات، وكلّ ما عداه ممكنٌ محتاجٌ إليه، فلا يُعقل احتياجُه - تعالى - إلى غيره، ولأنّ ذاتَه واجبةٌ، وصفاته نفسُ حقيقته، فيستغني في ذاته وصفاته، ولأنّه - تعالى - ليس محلاًّ للحوادث، وغيره حادثٌ، والإضافات ليست وجوديّةً.

المطلب العاشر: في أنّه غيرُ معلوم للبشر

هذا مذهبُ ضرار والغزاليّ (3) وجميع الأوائل، لأنّ المعلوم منه - تعالى - ليس إلاّ السّلوبَ، مثلُ أنّه ليس بجسم ولا عرض، أو الإضافات مثل أنّه قادرٌ عالمٌ خالقٌ رازقٌ. والحقيقةُ مغايرةٌ لذلك بالضّرورة. وعندَ جماهير المعتزلة والأشاعرة، أنّه - تعالى - معلومٌ، لأنّ وجوده معلوم، وهو نفس حقيقته، ونمنع الصّغرى.

____________________

(1) ج: عدمها.

(2) ب: أوّلاً.

(3) هو أبو حامد محمد بن محمد المعروف بالغزالي، المتوفّى 505هـ.

١٥٦

المطلب الحادي عشر: في استحالة الرّؤية عليه تعالى

الأشاعرة خالفوا جميعَ الفرق في ذلك.

أمّا المعتزلةُ والفلاسفة فظاهرٌ.

وأمّا المجسّمة، فلأنّه لو كان مجرّداً لاستحال رؤيته عندهم.

واتفق العقلاء إلاّ المجسّمة على انتفاء الرّؤية، بسبب الانطباع أو الشّعاع، عنه - تعالى -.

والأشاعرةُ قالوا، إنّا نفرقُ بينَ علمنا حالةَ فتح العين وتغميضها، وليس بالانطباع ولا الشّعاع، فهو راجعٌ إلى حالةٍ أُخرى ثابتةٍ في حقّه تعالى.

والضّرورةُ قاضيةٌ ببطلانه، لانتفاء الجهة، وكلّ مرئيّ (1) مقابلٌ أو في حكمه، ولأنّه لو كان مرئيّاً لرأيناه الآن، لانتفاء الموانع ووجود الشّرائط، إذ ليست هنا إلاّ صحّة كونه مرئيّاً وسلامة الحاسّة، ولقوله تعالى: ( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ) (2) تمدّح به، لتخلّله بين مدحين، فإثباته نقصٌ، وهو مُحالٌ عليه تعالى، ولقوله: ( لَنْ تَرَانِي ) (3) و(لن) لنفي الأبد، وإذا انتفت في حقّ موسى (عليه السلام) فكذا غيره.

____________________

(1) ألف: كل مراى.

(2) الأنعام: 6/103.

(3) الأعراف: 7/143.

١٥٧

احتجّوا بأنّ الجوهرَ والعرضَ مرئيّان، والحكمَ المشترك لابُدّ له من علّة مشتركة، وليس إلاّ الوجود والحدوث، والأخير لا يصلحُ للعلّيّة، لأنّ جزءه عدميّ، ولقوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نّاضِرَةٌ * إِلَى‏ رَبّهَا نَاظِرَةٌ ) (1) ولأنّه - تعالى - علّقها على استقرار الجبل الممكن، لأنّه جسمٌ ولأنّ موسى (عليه السلام) سألها.

والجوابُ: وجودُه - تعالى - حقيقته، وهو مخالفٌ لوجودنا، فلا يجب تساويهما في الأحكام. ونمنعُ احتياج صحّة الرّؤية إلى علّة، إذ لو وجب تعليل كلّ حكمٍ تسلسل، ولأنّها عدميّةٌ، ونمنعُ تساوي صحّة رؤية الجوهر وصحّة رؤية العرض، ويجوز تعليل المشترك بعلّتين مختلفتين، ونمنع الحصرَ بوجود الإمكان، فيجوزُ أن يكونَ علّةً لإمكان الرؤية وإن كان عدميّاً.

والحدوث هو الوجودُ المسبوق، ولا يلزمُ من وجود العلّة وجود المعلول، لجواز التّوقّف على شرط أو حصول مانع. و(إلى) واحدُ (الآلاء)، أو أنّ فيها إضماراً، تقديره: (إلى نِعَم ربّها) والتّعليق على الاستقرار حالةَ الحركة، وهو محال، والسّؤالُ وقع لقوم موسى، لقوله تعالى: ( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى‏ أَكْبَرَ مِن ذلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً ) (2) .

____________________

(1) القيامة: 75/22 - 23.

(2) النساء: 4/53.

١٥٨

المطلب الثاني عشر: في أنّه - تعالى - واحدٌ

لو كان في الوجود واجبا الوجودِ لكانا مشتركين في هذا المعنى، فإمّا أن يكونَ ذاتياً لهما، أو لأحدهما، أو عارضاً لهما. والأوّلُ يستلزم تركّبَ كلّ منهما، فيكون ممكناً. والثّاني والثالث يستلزم كلّ منهما أن لا يكونَ معروضه في ذاته واجباً.

ولا يجوز أن يكونَ الواجبُ لذاته هو المعنى المشترك خاصّةً، إذ لا وجودَ له في الخارج إلاّ مخصّصاً.

ولا يجوز أن يكونَ المخصّص سلبيّاً، فإنّ سلبَ الغير لا يتحصّلُ إلاّ بعدَ حصول الغير؛ ولأنّ المخالفةَ ممكنةٌ، لأنّ كلّ واحد منهما قادرٌ على جميع المقدورات، فيصحّ أن يقصد أحدهما إلى ضدّ ما قصد (1) الآخرُ، فإن حصل المُرادان، اجتمع الضّدّان، وهو محال، وان عدما كان المانع من مُراد كلّ منهما وجودَ مراد الآخر، فيلزمُ وجودهما وإن وُجِدَ أحدهما فهو الإله؛ وللسّمع.

وقالت الثّنويّةُ بقدم النّور والظلمة وكلّ خير في العالم فمن النّور، وكلّ شر فمن الظلمة، وكلٌّ منهما لا نهايةَ له في الجهات الخمس. والنّورُ حيٌّ عالمٌ والظلمةُ حيّةٌ جاهلةٌ. وسببُ حدوث العالم اختلاط أجزاء من النّور

____________________

(1) ب، ج: قصده.

١٥٩

بأجزاء من الظلمة. وأراد النّورُ الأعظم استخلاصَ تلك الأجزاء من الظلمة. فلم يمكنه إلاّ بخلق هذا العالم وخلق الأجسام النّيّرة فيه، بحيث تستخلصُ بنورها تلك الأجزاء النّورانيّة من الظلمة. فإذا خلصت فنى (1) العالم.

وهذا الكلامُ كلّه خطأ، فإنّ النّورَ عرضٌ لا يقومُ بذاته، والظلمةَ عدميّةٌ، وعدمُ التّناهي مُحالٌ، لما تقدّم.

وقال المجوسُ: إنّ للعالم صانعاً قادراً عالماً حيّاً حكيماً، سمّوه يزدان، وكلّ خير في العالم منه، وأنّه أفكر (2) لو كان لي ضدٌّ في الملك كيف تكونُ حالي معه، فحدث الشّيطانُ من تلك الفكرة، وكلّ شرّ في العالم منه، واسمه اهرمن. وبعضهم قال بقدم الشّيطان وهو ظاهر الفساد أيضاً.

وقالت النّصارى: الباري - تعالى - جوهرٌ واحدٌ ثلاثة أقانيم، أقنوم الأب وهو وجوده، وأُقنومُ الابن وهو علمه، واقنومُ روح القدس، وهو حياته.

فإن أرادوا الصّفات فلا منازعةَ إلاّ في اللّفظ، وإلاّ فهو خطأ، لما تقدّم.

____________________

(1) ج: نفى.

(2) ج: فكر.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

له في التعريف بها وإجراء أحكامه، فلا تبرأ الذمة إلا بقيامه بذلك، كما هو الحال في سائر الوكلاء.

(مسألة ٤٨): إذا حصل للقطة نماء في مدة التعريف كان للمالك تبعاً للعين فيأخذه معها إذا عثر عليه بالتعريف، وكذا إذا لم يعثر عليه وبقيت العين والنماء عند الملتقط بانتظار العثور على المالك. أما إذا أراد الملتقط تملكها فله تملك النماء معها إذا كان متصلاً به، كالسمن والصوف قبل جزه. أما إذا كان منفصلاً ففي جواز تملكه معها إشكال، والأحوط وجوباً إجراء حكم مجهول المالك عليه، فيقتصر على الصدقة.

(مسألة ٤٩): إذا مات الملتقط بعد تملك اللقطة انتقلت لوارثه مع بقاء عينه، فإن جاء المالك لزم الوارث إرجاعها له مع وجوده، وضمانها من أصل التركة إذا كانت قد تلفت في حياة الملتقط، وكذا إذا كانت قد تلفت بعد وفاته بغير تفريط من الوارث. أما إذا تلفت بتفريط منه فإنه يضمنها من ماله لا من التركة.

هذ، وأما إذا مات الملتقط قبل تملكه للقطة فالأحوط وجوباً أن لا يتملكها الوارث، بل يتم تعريفها إن كان لم يتم، ثم يحفظها للمالك أو يتصدق به، فإن جاء المالك ولم يرض بالصدقة ضمنه.

(مسألة ٥٠): يجري على التقاط الصبي والمجنون ما تقدم في الضالة.

(مسألة ٥١): إذا كانت اللقطة مما يفسد بالبقاء - كالخضر والفواكه والطعام المطبوخ - وجب على الملتقط تقويمها بالثمن على نفسه، ثم يتصرف فيها ثم يعرفها ويقوم الثمن مقامها في الاحكام المتقدمة بعد التعريف.

وأما بيعها على غيره فهو إنما يجوز بثمن المثل فما زاد، وإذا لم يجد من يشتريها بثمن المثل كان النقص عليه. نعم إذا كان الالتقاط بطلب من الحاكم الشرعي لمصلحة المالك بمقتضى ولايته كان له الاتفاق معه على مقدار الثمن

١٨١

الذي يقومها به على نفسه أو يبيعها به على غيره.

ويجري ذلك فيما إذا طرأ عليها ما يمنع من البقاء بعد الالتقاط قبل إكمال التعريف أو بعده.

(مسألة ٥٢): نظير فساد اللقطة بالبقاء العملة إذا تعرضت للسقوط المالية بسبب إلغاء الدولة له. والاعيان التي يتوقع عليها السرقة في ظروف طارئة ونحو ذلك.

(مسألة ٥٣): المال الموجود في الدار العامرة يراجع فيه أهله، فإن أدعو ملكيتهم له أو ملكية غيرهم أو نفوه عنهم أو عن غيرهم صدّقو. وإن جهلوا الامر فإن كانت الدار لايدخلها غيرهم حكم بأنه لهم، وكذا إذا وجد في مكان منها يختص بهم، ولا يدخله غيرهم. وإن كانت الدار يدخلها غيرهم ووجد في مكان منها لايختص بهم، فإن كان الذي يدخلها محصوراً في أشخاص معينين لزم مراجعتهم في المال فإن علم أنه لاحدهم فذاك، وإن تردد بين أكثر من واحد فالأحوط وجوباً التصالح بينهم، وإن كان الذي يدخلها كثير غير محصورين جرى عليه حكم اللقطة في التعريف وغيره.

(مسألة ٥٤): المال الموجود في الدار الخربة التي هجرها أهلها وتركوها إن احتمل العثور على صاحبه بالتعريف عرف به، فإن لم يوجد له صاحب فهو لواجده، ولا ينتظر به سنة. وكذا إذا كان ميؤوساً من العثور على صاحبه بالتعريف. نعم لو هجر الخربة أهلها ولم يتركوها بل بقيت محجوبة لهم يتعاهدونها فهي بحكم الدار العامرة. هذا كله إذا لم يكن مدفون، أما المدفون فقد تقدم حكمه في مسائل الكنز من كتاب الخمس.

(مسألة ٥٥): إذا كان للانسان صندوق أو نحوه محجوب معد لحرز المال وحفظه فوجد فيه مالاً وشك في أنه له أو ل. فإن كان الصندوق مختص

١٨٢

به لا يودع فيه غيره إلا وكالة عنه حكم بأن المال له، ولا يعتني باحتمال كونه لغيره أمانة عنده أو أنه قد سقط من وكيله بلا قصد أو نحو ذلك. وإن كان مشتركاً بينه وبين غيره عرفه ذلك الغير، فإن عرفه فذاك، وإن نفاه عنه وكان الامر منحصراً بينهما صار لصاحب الصندوق، وإن شك ذلك الغير بحيث تردد الامر بينهم، فالأحوط وجوباً التصالح بينهم. أما لو لم يكن الصندوق محجوباً ولم يعد لحرز المال - بل يوضع فيه المال كما يوضع في سائر الامكنة - فإن اختص بأهل الدار فالمال مردد بينهم وإن كان عاماً جرى عليه حكم ما يوجد في الدار التي يدخلها كل أحد. لكنه فرض لا يوجد غالب.

(مسألة ٥٦): إذا غرقت السفينة فما طاف على الماء أو قذف به الماء على الساحل فهو لاهله، فإن عرفوا دفع لهم، ومع الجهل بهم لو أخذه غيرهم جرى عليهم حكم اللقطة، وأما ما بقي في أعماق الماء فإن صار أهله في مقام استخراجه لم يحل لأحد سبقهم إليه، وما تركوه - ولو لعجزهم عن استخراجه - فهو لمن استخرجه بالغوص أو نحوه.

(مسألة ٥٧): إذا تبدل متاع الانسان بمتاع غيره من حذاء أو لباس أو غيرهم، كما يتعارف كثيراً في المواضع العامة. فإن علم أن الذي بدَّله قد تعمَّد ذلك واعتدى عليه جاز للآخر أخذ البدل من باب المقاصة، التي تقدم الكلام فيها في آخر كتاب الدين. فإن كان البدل الباقي أكثر قيمة من متاعه الذي أخذه المتعدي بقي الزائد ملكاً له، فإن عرفه أوصله له، وإن جهله جرى على الزائد حكم مجهول المالك. إلا أن يعلم أن المتعدي تركه ليؤخذ بدلاً عما أخذه فيجوز أخذه بتمامه وإن كان أكثر قيمة.

وإن احتمل غفلته عن ذلك وعدم تعمده جرى على البدل حكم مجهول المالك، فلا يجوز التصرف فيه إلا أن يحرز رضا صاحبه لو علم بالحال. كما يجب الفحص عن المالك، ومع اليأس عن معرفته أو عن الوصول إليه - بعد

١٨٣

الفحص أو بدونه - يستأذن الحاكم الشرعي في أن يستوفي منه قيمة ما أخذه، ويتصدق بالزائد.

تتميم: وفيه أمران..

الأول: لابد في كون الشيء لقطة من أخذ الشخص له حال ضياعه من صاحبه. ولا تصدق في غير ذلك من موارد الجهل بالمالك، كالامانة والمقبوض بالعقد الفاسد والمغصوب والمأخوذ خطأ إذا ضاع أصحابها ولم يعرفو، وكما إذا نسي الشخص متاعه في مكان لغيره أو إذا دفع المشتري للبائع أكثر من مقدار الثمن أو دفع البائع للمشتري أكثر من المقدار الذي اشتراه إلى غير ذلك من موارد وقوع المال بيد غير مالكه. وفي جميع ذلك يجب الفحص عن المالك مع احتمال العثور بالفحص عليه احتمالاً معتداً به، ولا يكتفى بالسنة حتى في المأخوذ من السارق على الأحوط وجوب، ومع تعذر الفحص أو اليأس من العثور على المالك بسببه إن احتمل بوجه معتد به العثور على المالك من دون فحص أو مجيئه بنفسه لطلب ماله وجب انتظاره، ومع اليأس عن معرفة المالك لا يجوز لمن عنده المال تملكه، بل له أن يتصدق به عن المالك لا غير. فإن عثر على المالك بعد التصدق بالمال فالأحوط وجوباً مراجعته فإن رضي بالتصدق كان له أجره، وإن لم يرض ضمن له المتصدق المال وكان أجر الصدقة للمتصدق.

(مسألة ٥٨): يجوز مباشرة من عنده المال للتصدق بنفسه، كما يجوز له التوكيل فيه.

(مسألة ٥٩): لا يجب استئذان الحاكم الشرعي في التصدق بمجهول المالك، كما لا يجزئ الدفع إليه. نعم لو دفع المال إليه - على أنه وكيل عنه في التصدق أو لانه الاعرف بمواقع الصدقة أو لغير ذلك - فتصدق به أجز.

١٨٤

(مسألة ٦٠): يجوز الصدقة بعين المال، كما يجوز الصدقة بثمنه بعد تقويمه على نفسه أو بيعه من غيره. لكن لابد في الابدال بالثمن من وجود مرجح لذلك، كعدم انتفاع الفقير بالعين أو نحو ذلك. كما أن الأحوط وجوباً حينئذٍ استئذان الحاكم الشرعي. وإذا تيسر التصدق بعين المال على الفقير ثم شراؤه منه بما يتفقان عليه كان أولى.

(مسألة ٦١): إذا خشي من بيده المال عليه التلف أو النقص أو نحوهما قبل اليأس من المالك وكانت المصلحة في إبداله بالمثل أو القيمة جاز له ذلك. والأحوط وجوباً حينئذٍ مراجعة الحاكم الشرعي واستئذانه في ذلك مع الامكان.

(مسألة ٦٢): إذا تصرف من بيده المال في المسألتين السابقتين من دون إذن الحاكم الشرعي ثم راجعه فأمضى التصرف نفذ وهكذا الحال في جميع موارد مراجعة الحاكم الشرعي.

(مسألة ٦٣): إذا تعددت الايدي على مجهول المالك كان الكل مسؤولاً به، فإن تصدق به أحدهم أجزأ عن الباقين، وكان للمالك الرجوع على أي منهم شاء، بناء على الاحتياط السابق من الضمان له لو لم يرض بالصدقة. نعم إذا تولى أحدهم التصدق وكالة عمن سبقه فلا ضمان عليه، بل الضمان على الموكل الذي كان المال عنده قبله.

(مسألة ٦٤): إذا أراد من عنده المال المجهول المالك الصدقة به فلا بد من أن يتصدق به على فقير غيره، ولا يجزئ أخذه له على أنه صدقة على نفسه حتى لو كان هو فقيراً ومصرفاً للصدقة. نعم لا بأس بأن يدفعه إلى غيره من أجل أن يتصدق به عليه، لما سبق من أن التصدق وظيفة كل من يكون المال تحت يده. لكن لابد من وقوع التصدق منه استقلال، لا وكالة عمن كان عنده.

(مسألة ٦٥): لا يجري حكم مجهول المالك على الدين المجهول المالك،

١٨٥

كما تقدم في فروع المال المختلط بالحرام من كتاب الخمس، وفي المسألة الثانية والخمسين من كتاب الدين.

الثاني: إذا أعرض المالك عن ملكه جاز لغيره أخذه وتملكه. لكن الاعراض على نحوين..

أحدهما: راجع إلى الاذن في تملك المال الذي يعرض عنه، مثل ما يلقيه أهل الدار في المزابل، وما يلقيه أهل العمل من الالات المستهلكة (السكراب) وما يتركه صاحب القماش عند الخياط من قطع القماش الصغيرة التي لا ينتفع هو بها ونحو ذلك. وحينئذٍ يترتب على ذلك حكم الهبة فيجوز الرجوع فيه ما لم يتصرف الاخذ في العين تصرفاً مغيراً له.

ثانيهما: راجع إلى الاعراض عن المال تخلصاً من كلفته، كترك الحيوان للتخلص من الانفاق عليه وترك المال الذي يغرق بعدم تيسر الغوص له وإخراجه كما تقدم التعرض له آنف، وترك الحيوان في الطريق إذا جهد وأعيى عن السير الذي تقدم التعرض له في الفصل الثاني، وترك الحيوان الوحشي إذا أفلت وفرّ في البيداء ونحو ذلك. والظاهر جواز تملك المال حينئذٍ لمن تكلف تحصيله وأخذه، ولا يحق لصاحبه الاول المطالبة حتى مع بقاء المال على حاله. نعم لابد من إحراز إعراض المالك عنه وعدم سعيه لتحصيله، ولو من ظاهر الحال. أما لو اهتم بتحصيله والبحث عنه فيجب على غيره أن يدفعه له لو تكلف تحصيله، وليس له الامتناع من ذلك ولا المطالبة بما أنفقه في سبيل تحصيله حينئذٍ.

والحمد لله رب العالمين

١٨٦

كتاب الصيد والذباحة

يحرم أكل الميتة كما يأتي، وهي أيضاً نجسة إذا كانت لحيوان ذي نفس سائلة، كما تقدم في محله. والمراد بالميتة في محل الكلام كل حيوان مات من دون تذكية. والكلام هنا فيما تتحقق به التذكية، وهو الصيد والذباحة، فيقع الكلام في بابين..

الباب الاول

في الصيد

وفيه فصلان..

الفصل الاول

في صيد ما له نفس سائلة

ويختص بالحيوان الوحشي الممتنع كأكثر الطيور والبقر والحمار الوحشيين والظبي والأيل ونحوه. دون الحيوانات الاهلية كالابل والبقر والغنم والدجاج ونحوه. وإذا توحش الحيوان الاهلي وامتنع حل بالصيد كالوحشي، وإذا تأهل الوحشي لم يحل بالصيد كالاهلي وكذا إذا لم يمتنع لكونه في قبضة الانسان، كالغزال يصاد ويربط أو يحبس في الحظيرة. وفرخ الحيوان

١٨٧

الوحشي قبل أن يمتنع ويقوى على الفرار فإنه لا يحل بالصيد كالاهلي، وكذا فرخ الطير قبل أن يملك جناحيه ويمتنع بالطيران.

إذا عرفت هذ، فآلة الصيد أمران..

الأول: الحيوان. ويختص بالكلب ولا يحل صيد غيره من سباع الطير والبر، كالصقر والبازي والعقاب والفهد والنمر والذئب والاسد وغيره، إلا إذا اُدركت ذكاته.

(مسألة ١): لا فرق في الكلب بين السلوقي وغيره. نعم الأحوط وجوباً عدم التذكية بالكلب الاسود البهيم، وهو الشديد السواد الذي لا يخالط سواده لون آخر.

(مسألة ٢): يشترط في الكلب الذي يصطاد أن يكون معلم، بأن يتدرب على الصيد لصاحبه ويتعلمه بالتعليم. وهو أمر عرفي يدركه أهله. قيل: وذلك بأن يسترسل إذا اُرسل وينزجر إذا زجر. والظاهر أن ذلك من لوازم التعليم في الجملة. وليس هو تمام معناه.

(مسألة ٣): لابد في حل الصيد بالكلب من أن يسترسل الكلب بإرسال الصائد وتهييجه، بحيث ينسب الصيد للمرسل، ويكون الكلب كالالة له، فلو هاج الكلب بنفسه أو أفلت من صاحبه مع زجره له لم يحل صيده.

(مسألة ٤): لو هاج الكلب بنفسه نحو الصيد فأغراه صاحبه به فأسرع بسبب ذلك إليه فصاده ففي حل الصيد بذلك إشكال. نعم لو كان هياجه بانتظار أمر صاحبه، بحيث لو زجره فانزجر فأغراه صاحبه فاسترسل وصاد حل صيده. وأظهر منه ما إذا زجره فوقف، ثم أرسله فاسترسل وصاد.

(مسألة ٥): إذا أرسله لغرض غير الصيد - كتعليمه على الصيد أو طرد عدو أو مهاجمة سبع - فاصطاد حيواناً لم يحل ما صاده. بل لو أرسله لصيد

١٨٨

حيوان خاص فصاد غيره ففي حل ما صاده إشكال والأحوط وجوباً العدم.

(مسألة ٦): إذا أرسله للصيد من دون أن يرى المرسل صيد، بل برجاء أن يرى الكلب صيد، فصادف أن رآه فصاده حل. وكذا إذا أرسله على شبح برجاء أن يكون حيواناً يصاد، فصادف ذلك وصاده.

(مسألة ٧): لا فرق في المرسل بين أن يكون واحداً ومتعدد، وكذا الحال في الكلب وفي الصيد، فإذا أرسل شخص واحد أو أكثر كلباً معلماً واحداً أو أكثر على حيوان واحد أو أكثر حل الصيد في الجميع. نعم لابد من تمامية الشروط فيها جميع، ولا يحل مع عدم تماميتها في بعضه، كما لو كان غير معلم أو قد هاج بنفسه أو قد أرسله كافر، أو تعمد من أرسله عدم التسمية. نعم إذا علم باستناد موت الصيد لواجد الشرط دون فاقده حل الصيد.

الثاني من آلتي الصيد: السلاح، سواءً كان قاطع، كالسيف والسكين والخنجر، أم شائكاً كالرمح والسهم والحربة ونحوه.

(مسألة ٨): ما كان من السلاح من الحديد ونحوه من الفلزات الصلبة - كالصفر والذهب - أو مشتملاً على نصل من ذلك يحل الصيد به إذا قتله وإن لم يخرق اللحم. نعم الأحوط وجوباً المبادرة لآخراج الدم بالنحو المتعارف وعدم أكل الصيد إذا بقي دمه فيه. وأما ما لا يشتمل على ذلك كالخشب المحدد فلا يحل الصيد به إلا أن يخرق لحمه.

(مسألة ٩): في جواز الصيد بالالات القاطعة والشائكة مما لا يعد سلاحاً إشكال، والأحوط وجوباً العدم، وذلك كالمنجل والمنشار والمزرف والدرنفيس والمخيَط والفالة. إلا أن يتخذ سلاحاً ولو في خصوص مكان، فيحل الصيد به.

(مسألة ١٠): يحل الصيد بالطلقات النارية المتعارفة في زماننا إذا كانت محددة الطرف شائكة. وأما الكروية الشكل ففي الصيد بها إشكال والأحوط

١٨٩

وجوباً العدم. وأشكل منها الطلقات الحارقة إذا لم تكن محددة الطرف وتنفذ في البدن.

(مسألة ١١): لا يحلّ الصيد المقتول بالحجارة والعمود والشرك والحبالة، وكذا بالضرب معترضاً بمثل المسحاة ونحو ذلك مما يصاد به ولا يكون قاطعاً ولا شائك.

(مسألة ١٢): يشترط في حلّ الصيد بالآلة قصد الصائد الصيد به، فلو رمى لا بقصد الصيد فأصاب حيواناً فقتله لم يحل وإن سمى بعد ما رماه. نعم لو رمى وسمى من دون أن يرى صيداً بل برجاء أن يصيب صيداً فأصابه وقتله حل، نظير ما تقدم في الصيد بالكلب.

(مسألة ١٣): إذا رمى صيداً فوصلت الرمية للصيد بمعونة الريح فقتلته، بحيث لولا الريح لما وصلت إليه حل الصيد وكذا إذا اصطدمت بالارض ثم وثبت للصيد فقتلته.

(مسألة ١٤): إذا رمى صيداً فأخطأه وأصاب غيره فقتله حلّ.

(مسألة ١٥): لا فرق في الرامي بين أن يكون واحداً أو متعدداً وكذا الحال في الصيد في الآلة التي يصاد بها نظير ما تقدم في الصيد في الكلب. بل لو اشترك في الصيد الكلب والآلة حل إذا جمعا الشرائط، نظير ما تقدم أيض.

(مسألة ١٦): يشترط في حلّ الصيد إسلام الشخص الذي يتولاه، وهو المرسل للكلب والرامي بالآلة فيحل صيد المسلم مؤمناً كان أو مخالف، كبيراً أو صغيراً مميزاً يتحقق منه القصد للصيد. ولا يحل صيد الكافر، ذمياً كان أو حربي، كتابياً كان أو غيره. ويأتي في الذباحة ما ينفع في المقام.

(مسألة ١٧): يشترط في حلّ الصيد التسمية من الصائد عند إرسال الكلب أو رمي الآلة، أو بعد ذلك قبل إصابتهما للحيوان، فإن تعمد تركها حرم

١٩٠

الصيد حتى لو كان جاهلاً باشتراطه. نعم لو كان من شأنه الإتيان بها لكنه تركها نسياناً حل الصيد سواءً كان يرى اشتراطها أم ل، بل يأتي بها تبركاً أو لبنائه على استحبابه.

(مسألة ١٨): لابد من التسمية من نفس مرسل الصيد، ولا يكفي من غيره عند إرساله الكلب أو رميه بالآلة.

(مسألة ١٩): يكفي في التسمية ذكر الله تعالى في ضمن جملة تتضمن التعظيم، مثل: بسم الله، و: الله أكبر، و: الحمد لله. ويشكل الاكتفاء بذكر الاسم الشريف مجرد، أو مع وصف يتضمن التعظيم من دون أن تتم به جملة، كما لو قال: الله العظيم. وكذا الاكتفاء بالنداء بمثل: يا الله.

(مسألة ٢٠): الأحوط وجوباً الاقتصار في اسمه تعالى على لفظ الجلالة، وعدم الاجتزاء بترجمته بغير العربية من اللغات لاهل تلك اللغة.

(مسألة ٢١): يجوز صيد الأخرس وتسميته بتحريك لسانه وإشارته بتحريك إصبعه.

(مسألة ٢٢): الظاهر لزوم الإتيان بالتسمية بعنوان كونها على الصيد ومن أجله ولا تجزئ التسمية حين الصيد بداع آخر.

(مسألة ٢٣): يشترط في حل الصيد استناد موت الحيوان للسبب المحلل، كجرح الكلب وعقره والاصابة بالسلاح أما إذا استند إلى سبب آخركصدمة أو تردّ من شاهق أو غرق في ماء أو غير ذلك - فلا يحل سواء استند الموت للسبب الآخر وحده أم لهما مع. ولو شك في ذلك حرم ظاهر. إلا مع عدم ظهور السبب الآخر وعدم المثير عرفاً لاحتماله، بحيث يطمأن نوعاً باستناد الموت للسبب المحلل.

(مسألة ٢٤): يحرم الصيد على المحرم ولو في غير الحرم، كما يحرم الصيد

١٩١

في الحرم ولو لغير المحرم. ولا يحل الحيوان حينئذٍ حتى على المحل على ما ذكر في كتاب الحج مفصل.

(مسألة ٢٥): إنما يحل الصيد بالسبب المحلل - من جرح الكلب والاصابة بالسلاح - إذا لم يدرك الصائد ذكاته بالذبح، إما بأن يدركه ميتاً أو حياً في زمن لا يسع الذكاة، وكذا إذا اشتغل بمقدمات التذكية القريبة كسل السكين والاستقبال به فمات. أما إذا أدرك ذكاته فلم يذكه حتى مات فإنه لا يحل، حتى لو كان لعدم وجود آلة التذكية عنده. نعم إذا كان صيده بالكلب ولم يكن له ما يذكيه به كان له أن يغري الكلب به حتى يجهز عليه، ويحل بذلك حينئذٍ.

(مسألة ٢٦): لا يجب مبادرة الصائد للصيد - ليدرك ذكاته - ما دام الصيد ممتنع، فإذا حبسه الكلب أو أقعده أو أثخنه الرمي حتى وقف، فإن علم بأنه لو بادر إليه لم يدرك ذكاته لم يجب عليه المبادرة إليه ويحل بقتل الكلب له أو بنزف دمه حتى يموت، وإن احتمل أنه يدرك ذكاته لو بادر إليه فالأحوط وجوباً المبادرة إليه ليدرك ذكاته فلو لم يبادر إليه حينئذٍ لم يحل، إلا أن يعلم بعد ذلك أنه لو كان قد بادر إليه لم يدرك ذكاته.

نعم لا يضر عدم المبادرة للانشغال بغيره من الصيد فيما لو تعدد الصيد، أو للانشغال بحفظ متاعه من السرقة، أو بإمساك الحيوان الذي يركبه من الشرود ونحو ذلك. وإنما الاشكال في عدم المبادرة اعتباطاً وتسامحاً بانتظار موته بنزف دمه ونحوه.

(مسألة ٢٧): إذا فقد الصيد بعض الشروط المتقدمة فمات حرم، وإن أدرك الصائد أو غيره ذكاته فذكَّاه حلَّ، إلا الصيد في الحرم أو من الحرم فإنه لا يحل على ما يذكر في كتاب الحج.

(مسألة ٢٨): يكفي في إدراك تذكية الحيوان - في المسائل المتقدمة - أن

١٩٢

يدركه حيَّ. ولو شك في ذلك كفى أن يحرك عينه أو يده أو اُذنه أو ذَنَبَه.

(مسألة ٢٩): الصيد إنما يوجب حلية الحيوان من حيثية التذكية، مع حرمته من حيثية نجاسة موضع الدم وموضع عضة الكلب ونحوهم، فلا يحل إلا بعد تطهيره.

(مسألة ٣٠): إذا قطع رأس الصيد فمات حل جميعه، وإن أدركه الصائد وفيه بقية من الحياة ففي وجوب تذكيته من موضع التذكية إن لم يقطع منه إشكال، وإن كان أحوط وجوب. هذا إذا كان الصيد واجداً للشرائط، وإن كان فاقداً لها حرم حتى إذا كان فيه بقية من حياة فذكى في موضع التذكية على الأحوط وجوب.

(مسألة ٣١): إذا قطع عضواً من الصيد غير الرأس كاليد والرجل والذنب أو قطعة منه صغيرة حرم المقطوع وحده وحل ما بقي من الحيوان مع تحقق شروط الصيد أو تذكيته بعد إدراكه حي.

(مسألة ٣٢): إذا قطع الحيوان قطعتين فإن كانتا متقاربتين في المقدار حلتا جميعاً مع تمامية شروط الصيد، والأحوط وجوباً تذكية ما فيه الرأس مع إدراك ذكاته. وإن لم تتم شروط الصيد حرمتا جميعاً حتى ما فيه الرأس وإن أدركه حياً فذبحه بالوجه الشرعي على الأحوط وجوب. وإن اختلفتا قدراً بوجه ظاهر حلت الكبرى إن كانت في جانب الرأس والأحوط وجوباً تذكيتها مع إدراك ذكاته. وفي حلية ما عداها إشكال. هذا مع تمامية شروط الصيد، ومع عدم تماميتها حرم الجميع حتى الكبرى إذا كانت في جانب الرأس مع إدراكها حية وذبحها بالوجه الشرعي على الأحوط وجوب. إلا أن يصدق عليها أنها حيوان ناقص، كما لو قطعت الرجل مع بعض المؤخر فإن الباقي يحل بالتذكية.

(مسألة ٣٣): الصيد بالآلة كما يذكي ما يحل أكل لحمه يذكي ما يحرم أكل

١٩٣

لحمه، فينتفع بجلده. نعم لابد أن يكون الحيوان في نفسه قابلاً للتذكية، ويأتي بيان ذلك في الذباحة. أما الصيد بالكلب فهو يذكي ما يحل أكل لحمه، ولا يذكي ما يحرم أكل لحمه.

(مسألة ٣٤): يملك الانسان الحيوان المباح بالاصل بأخذه له، كما إذا قبض على يده أو رجله أو رماه بانشوطة بنحو يحبسه بذلك، وكذا إذا دخل حجرته فأغلق عليه بابه وحبسه. وكذا إذا نصب شبكة أو شركاً أو نحوهما مما يحبس الحيوان بقصد صيده وأخذه، فإنه يملكه إذا وقع فيها وانحبس. وكذا إذا أرسل عليه الكلب ليصيده به فاستولى عليه وحبسه. وأما إذا رماه فقتله أو أقعده فصيّره غير ممتنع - كما إذا كسر جناحه فمنعه من الطيران أو كسر رجله أو جرحه بنحو يمنعه من العدو - ففي تملكه بمجرد ذلك من دون أن يأخذه ويصير في حوزته إشكال، وكذا إذا عقره الكلب من دون أن يحبسه. فيلزم الاحتياط في ذلك في حق الفاعل بعدم ترتيبه أثر الملكية إلا بعد أخذه له، وفي حق غيره بعدم التصرف فيه ولا التملك إلا بإذنه.

(مسألة ٣٥): إذا توحل الحيوان في أرضه أو انحبس الطائر في بيته أو وثبت السمكة في سفينته لم يملك شيئاً من ذلك، إلا أن يصدر منه ما يحقق أخذه له ناوياً ذلك، كما إذا أغلق الباب على الحيوان أو الطائر أو ساق السفينة والسمكة فيه. أما إذا أعد شيئاً من ذلك ليأخذ به الحيوان - كما إذا أجرى الماء في أرضه فأوحلها وفتح المضيق في بيته لينحبس فيهما الحيوان والطائر، أو وضع سفينته في مكان ليثب فيها السمك - فإنه يملكه حينئذٍ بذلك.

(مسألة ٣٦): أخذ الحيوان في المسألة السابقة إنما يوجب تملك الآخذ له إذا كان بنية تملكه له، كما هو الحال في سائر المباحات الاصلية، أما إذا لم يكن بنية التملك فهو لا يوجب الملك، كما إذا أخذه ليعرف مدى قوته، نظير ما إذا أخذ

١٩٤

حجراً ليرمي به ويعرف مدى رميته.

(مسألة ٣٧): إذا أخذ الحيوان في المسألة السابقة بأحد الوجوه المتقدمة ثم أفلت منه، فإن كان ذلك قبل استحكام الحبس، بحيث لا يصدق معه الاخذ للحيوان وحيازته فالحيوان باق على إباحته الاصلية ولم يملكه الاخذ، بخلاف ما إذا كان بعد استحكام الحبس وصدق الاخذ، كما إذا قبض عليه حتى تعب فضعف عن إمساكه وأفلت، وكما إذا أغلق عليه الباب ثم فتحها شخص ففر الحيوان، أو توحل حتى إذا جف الوحل قوي الحيوان على التخلص منه ونحو ذلك. وحينئذٍ يبقى الحيوان في ملك الاخذ، ولا يجوز لغيره صيده أو قتله إلا أن يأذن في ذلك، أو يتحقق منه الاعراض عن الحيوان - ولو بسبب الافلات - الذي تقدم الكلام فيه في آخر كتاب اللقطة.

(مسألة ٣٨): إذا شك في سبق وضع اليد على الحيوان بني على عدمه، أما إذا علم بذلك فإن عرف صاحب اليد عليه وجب تسليمه له، وإن جهل جرى على الحيوان حكم اللقطة المتقدم. نعم إذا ملك الطائر جناحيه فأخذه شخص ولم يعرف صاحبه جاز له تملكه، كما تقدم في آخر الفصل الثاني من كتاب اللقطة.

(مسألة ٣٩): إذا تبع حيواناً فركض الحيوان حتى أعيى ووقف لم يملكه الذي تبعه حتى يأخذه، فإن سبقه غيره وأخذه ملكه الاخذ، دون الذي تبعه.

(مسألة ٤٠): الصيد بالكلب والالة المغصوبين يحرم من حيثية التصرف بالمغصوب، ويترتب عليه التذكية، كالصيد بالمملوك والمباح. كما أنه لو تحقق به الاخذ - الذي سبق أنه سبب الملك - كان المالك هو الغاصب الاخذ لا صاحب الكلب أو الالة المغصوب منه. نعم يستحق المغصوب منه على الغاصب اُجرة العين المغصوبة التي يتحقق بها الصيد والاخذ.

١٩٥

الفصل الثاني

في صيد ما ليس له نفس سائلة

لما كانت ميتة ما ليس له نفس سائلة طاهرة فلا أثر لتذكيته إلا حل أكله. وحيث يختص ما يحل أكله من غير ذي النفس بالسمك والجراد، فالكلام في المقام إنما هو في تذكيتهما من أجل حل أكلهما فعل.

(مسألة ٤١): ذكاة السمك صيده بأخذه والاستيلاء عليه مع خروجه من الماء حياً سواء كان أخذه قبل خروجه من الماء أم كان خروجه من الماء قبل أخذه. فالاول كما إذا ألقى الصائد شبكة فدخلها السمك ثم أخرجه بها أو نصب شبكة أو صنع حظيرة فدخلها السمك ثم نضب الماء عنه وهو حي. والثاني كما إذا نضب الماء عن السمك من دون صيد أو وثب السمك خارج الماء ثم أخذه شخص قبل أن يموت.

(مسألة ٤٢): إذا نضب الماء عن السمك من دون أن يستولي عليه أحد وهو في الماء فاضطرب خارج الماء إلى أن مات لم يحل حتى لو كان عنده من ينظر إليه، إلا أن يأخذه أو يستولي عليه قبل أن يموت. وكذا إذا وثبت السمكة من الماء إلى الشط أو السفينة، فإنها لا تحل إلا أن تؤخذ وهي حية، ولو بأن يسير بالسفينة ناوياً الاستيلاء على السمك الذي وقع فيه. نعم لو جعلت السفينة في مكان من أجل أن يثب فيها السمك كان وثوبه فيها حينئذٍ أخذاً له، نظير دخوله في الحظيرة التي تجعل لصيد السمك.

(مسألة ٤٣): إذا صيد السمك وهو في الماء بالشبكة أو الحظيرة أو نحوهم، ثم نضب عنه الماء أو اُخرج منه، وقد مات بعضه في الماء حرم الميت منه، وحل الباقي. ومع الشك في أن موته كان وهو في الماء أو بعد خروجه منه،

١٩٦

فإن علم زمان خروجه من الماء وشك في زمان موته حل ظاهر، وإلا حرم.

(مسألة ٤٤): إذا اُخرج السمك من الماء حي، ثم اُرجع إليه فمات فيه حرم، فإذا اضطر صاحبه لارجاعه للماء فليكن ذلك بعد موته ولو بأن يقتله هو بضرب أو غيره. أما إذا مات بعد ذلك خارج الماء فهو حلال وإن لم يخرجه بل خرج بنفسه أو نضب الماء عنه، لانه يكفي في تذكية إخراجه في المرة الاُولى.

(مسألة ٤٥): يجوز صيد السمك بإلقاء السم له - المعروف عندنا بالزهر - في الماء. لكن لا يحل السمك به حتى يخرجه الانسان من الماء حي، سواء كان المخرج له هو الذي ألقى السم أم غيره. ولا يكون السمك ملكاً لملقي السم، بل لمن استولى على السمك وأخذه.

(مسألة ٤٦): لا يشترط في حلّ السمك إذا ذكي بإخراجه من الماء حياً أن يموت بنفسه خارج الماء، فلو مات بالتقطيع أو بشق بطنه أو بضربه على رأسه أو غير ذلك حلّ أيض. بل الظاهر جواز أكله حي، كما إذا ابتلع السمك الصغار وهي أحياء.

(مسألة ٤٧): إذا قطعت السمكة قبل أن تذكى، فإن صدق على القطعة أنها سمكة ناقصة، كما لو قطع ذيلها وحده أو مع قسم قليل من أسفل بدنه، حلت بالتذكية بالنحو المتقدم، وإلا لم تحل كالرأس وحده أو مع قليل من البدن، وكأسفل البدن. وفي البدن بتمامه من دون رأس إشكال، والأحوط وجوباً اجتنابه. أما إذا ذكيت تامة ثم قطعت واُرجعت إلى الماء فما لم يمت منها في الماء حلال، وما مات منها في الماء حرام، حتى لو لم يصدق عليه أنه سمكة ناقصة على الأحوط وجوب.

(مسألة ٤٨): إذا ابتلعت السمكة سمكة اُخرى فصيدت بالوجه المتقدم حلت هي والسمكة التي في جوفه.

(مسألة ٤٩): الظاهر أن تذكية السمك بالوجه المتقدم لا تختص بما

١٩٧

يحل أكله، بل تجري فيما يحرم أكله. نعم في جريانها في غير السمك من حيوان الماء إشكال، خصوصاً ما كان منه يعيش في البر أيضاً كالسلحفاة والسرطان والضفدع. بل الظاهر عدم تذكيته بذلك.

(مسألة ٥٠): صيد الجراد وتذكيته بأخذه حي، فإن مات قبل ذلك فهو ميتة حرام الاكل.

(مسألة ٥١): لا يحلّ الدب، وهو الجراد قبل أن يستقل بالطيران.

(مسألة ٥٢): إذا اشتعلت نار أو اُشعلت في موضع فيه جراد فاحترق لم يحل أكله، وكذا إذا أوجبت هيجان الجراد من موضع آخر وسقوطه فيها فاحترق، سواءً كان القصد من أشعالها مجيء الجراد المذكور، أم كان الغرض منه أمراً آخر فصادف مجيء الجراد لها واحتراقه به.

(مسألة ٥٣): يجوز أن يشوى الجراد والسمك بعد صيدهما وتذكيتهما قبل أن يموت، ولا يحرمان بذلك.

(مسألة ٥٤): لا يشترط في تذكية السمك والجراد وصيدهما التسمية.

(مسألة ٥٥): لا يشترط في تذكية السمك والجراد وصيدهما إسلام الآخذ لهم، فيصح صيد الكافر لهما بأقسامه ذمياً كان أو حربي، كتابياً أو غيره.

(مسألة ٥٦): لا بأس بصيد الصبي والمجنون للسمك والجراد إذا تحقق منهما قصد الاخذ والاستيلاء على ما يصيدانه.

(مسألة ٥٧): لا يحكم بتذكية ما يؤخذ من يد الكافر من السمك والجراد إذا شك في تذكيته حتى إذا أخبر بتذكيته ولم يكن متّهماً إذا لم يوجب خبره العلم. نعم إذا أخبر بأخذه له من المسلم صدق في خبره إذا لم يكن متّهم، وحكم بتذكية ما يؤخذ منه لسبق يد المسلم عليه. وهكذا الحال في جميع ما يؤخذ من الكافر مما لا يحل إلا بالتذكية، وقد تقدم في مبحث نجاسة الميتة الفروع المناسبة للمقام. فراجع.

١٩٨

الباب الثاني

في الذبح

ومحل الكلام هو الذبح الموجب للتذكية الذي يترتب عليه طهارة الحيوان وجواز أكله وبيعه وغير ذلك. والكلام فيه يقع في ضمن فصول..

الفصل الأول

فيما يقبل التذكية

(مسألة ٥٨): كل حيوان محلل الاكل قابل للتذكية. فإن كان له نفس سائلة كان قابلاً للتذكية بالذبح، وبعضه يقبل التذكية بالصيد، كما سبق. وإن لم يكن له نفس سائلة - وهو السمك والجراد - فلا يقبل التذكية بالذبح، بل بالصيد لا غير كما تقدم.

(مسألة ٥٩): ما ليس له نفس سائلة إذا كان محرم الاكل فإن كان سمكاً فقد سبق تذكيته بالصيد، وإن لم يكن سمكاً - كالضفدع والوزغ - فهو لا يقبل التذكية لا بالذبح ولا بالصيد. لكن بعد حرمة أكل الحيوان على كل حال، والاحتياط الوجوبي بعدم استصحاب أجزائه في الصلاة إذا كان له لحم، وطهارة ميتته لا يظهر الاثر لعدم تذكيته إلا في وجوب الاحتياط بعدم بيعه.

(مسألة ٦٠): لا تقع التذكية على نجس العين.

(مسألة ٦١): تقع التذكية بالذبح على ما لا يؤكل لحمه من ذي النفس

١٩٩

سواءً كان له جلد يمكن الانتفاع به بلبس وفرش ونحوهما أم ل، وسواءً كان من السباع أم من الطير أم من الحشرات التي تسكن باطن الارض - كالضب وابن عرس - أم من غيرها كالارنب. فيطهر بالذبح لحمها وجلدها ويجوز بيعه.

الفصل الثاني

في الذابح

(مسألة ٦٢): يشترط في الذابح الاسلام، فلا تصح ذبيحة الكافر وإن كان ذمي، حتى إذا علم أنه قد سمى على ذبيحته.

(مسألة ٦٣): تحل ذبيحة المخالف إلا أن يكون محكوماً بالكفر. نعم هي مكروهة.

(مسألة ٦٤): تحل ذبيحة الصبي إذا كان مميزاً يحسن التذكية. نعم لابد من أن يكون معلناً للاسلام، أو يكون محكوماً بأنه مسلم لكون أحد أبويه مسلم. نعم إذا كان معلناً بالكفر فالظاهر عدم حل ذبيحته وإن كان أحد أبويه مسلم.

(مسألة ٦٥): تحل ذبيحة ولد الزنا إذا كان معلناً للاسلام وإن كان صبي. بل الظاهر كفاية كون أحد أبويه مسلماً في الحكم بإسلامه وإن كان صبياً لم يعلن الاسلام، وكذا إذا كان تابعاً لمسلم. على ما تقدم في مطهرية التبعية من كتاب الطهارة.

(مسألة ٦٦): تحلّ ذبيحة المرأة والاعمى والأغلف والخصي والجنب والحائض والفاسق.

(مسألة ٦٧): تحل ذبيحة ناقص العقل إذا كان مميزاً يتأتى منه قصد الذبح المشروع، أما إذا لم يتحقق منه ذلك - كما في المجنون الصّرف - فلا يصح. وكذا الحال في السكران، فإن سكره قد لا يمنع من تمييزه وقصده الذبح الشرعي

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333