منهاج الصالحين - المعاملات الجزء ٣

منهاج الصالحين - المعاملات0%

منهاج الصالحين - المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 333

منهاج الصالحين - المعاملات

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 333
المشاهدات: 73387
تحميل: 4961


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73387 / تحميل: 4961
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين - المعاملات

منهاج الصالحين - المعاملات الجزء 3

مؤلف:
العربية

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه»،. وقال: «رحم الله والدين أعانا ولدهما على برهم».. إلى غير ذلك.

(مسألة ٢٥١): يجوز للولي تأديب الصبي وضربه بما يراه صلاحاً له. نعم لابد من الاقتصار على مقدار الحاجة والتدرج في ذلك مع كمال التروي والتعقل، وعدم الزيادة عن الحاجة تشفياً وانتقاماً أو استهواناً بأمر الصبي لضعفه. كما لابد من الحذر من اختلاط النظر لمصلحة الصبي بالانفعال النفسي منه، أو من المؤثرات الخارجية الاُخرى. وقد ورد في الاخبار الترخيص بخمس أو ست ضربات مع الحث على الرفق، فاللازم عدم الزيادة عليها إلا عند الحاجة والضرورة.

(مسألة ٢٥٢): لا يجوز لغير الولي ضرب الطفل بغير إذن الولي. ولو توقف دفع ضرره على ضربه وتعذر الرجوع للولي لزم الرجوع للحاكم الشرعي، ومع تعذر الرجوع إليه يتعين الاقتصار على ما لابد منه لدفع شره وضرره من دون إضرار به مهما أمكن.

(مسألة ٢٥٣): يجوز ضرب الصبي بإذن الولي وحينئذٍ إن كان الاذن مستفاداً من شاهد الحال - كوضع الصبي عند المعلم الظاهر في الاذن له بتأديبه بالوضع المتعارف - لزم الاقتصار عند الحاجة على ثلاث ضربات وعدم الزيادة على ذلك إلا بعد مراجعة الولي وشرح الحال له والتعاون معه. وإن كان الاذن مستفاداً بالتنصيص لزم الرجوع لما يقتضيه الاذن سعة وضيقاً مع عدم تعدي الولي عن مقتضى وظيفته المتقدمة.

(مسألة ٢٥٤): لابد من الحذر من الاضرار بالصبي عند تأديبه بمثل الجرح والكسر والعيب. ولو حصل شيء من ذلك كان مضموناً بالدية. وكذا الحال في الضرب من دون حاجة أو مع الزيادة عليه.

٦١

الفصل العاشر

في النفقات

ومحل الابتلاء منها أقسام..

الأول: نفقة الزوجة.

وهي تختص بالزوجة الدائمة وإن كانت أمة أو ذمية. ولا تجب للمتمتع به، ولو شرطت في العقد المنقطع فإن رجع الشرط إلى وجوب النفقة بنفس الزواج المنقطع بطل، بل الأحوط وجوباً حينئذٍ بطلان العقد أيض. وإن رجع إلى وجوبها بالشرط الذي تضمنه صح، ووجبت النفقة على حسب الشرط.

(مسألة ٢٥٥): تجب النفقة على الزوجة وإن كانت صغيرة، إلا إذا ابتنى الزواج بها على عدم الانفاق عليها ما دامت صغيرة غير قابلة للاستمتاع أو للوطء، بأن اُخذ ذلك شرطاً في العقد صريحاً أو ضمناً مستفاداً من شاهد الحال ولو بسبب تعارف ذلك.

(مسألة ٢٥٦): لا يشترط في وجوب نفقة الزوجة فقره، بل يجب الانفاق عليها وإن كانت غنية.

(مسألة ٢٥٧): يسقط وجوب النفقة على الزوجة بنشوزها على الزوج بأحد أمرين..

الأول: منعه عن حقوقه التي عليها من وجوه الاستمتاعات - غير الوطء في الدبر - والتزين الذي يريده منه، وعدم المنفرات له - ولو مثل سبه وشتمه والاعراض عنه وسوء معاشرته - مع حفظه في ماله وعرضه وعدم خيانته فيهم.

الثاني: الخروج من بيت زوجيتها بغير إذن الزوج، الذي تقدم في

٦٢

المسألة(١٨٨) حرمته عليه. نعم لو كان خروجها لضرورة مسوغة لم تسقط النفقة. وكذا لو كان خروجها بإذنه، إلا أن يبتني إذنه لها على عدم النفقة لها حين الخروج، كما يتعارف في الاذن لها بالذهاب إلى أهلها أو غيرهم لتكون في ضيافتهم ومنه ما يتعارف من رضاه ببقائها عند أهلها أو في بيتها من حين العقد عليها إلى حين زفافها له ومجيئها إلى بيته.

(مسألة ٢٥٨): المطلقة رجعياً بحكم الزوجة، فتجب لها النفقة على زوجها ما دامت في العدة، وكذا المطلقة بائناً إذا كانت حاملاً منه. ولا تجب لها النفقة إذا كان حملها من غيره، أو لم تكن حامل، كما لا تجب النفقة للمعتدة غير المطلقة على صاحب العدة وإن كانت حاملاً منه كالمتمتع بها والمنسوخ نكاحها والموطوءة شبهة والملاعنة.

(مسألة ٢٥٩): المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها من تركة زوجها وإن كانت حامل.

(مسألة ٢٦٠): النفقة الواجبة للزوجة هي الطعام - مطبوخاً إن احتاج للطبخ - والشراب، والكسوة - مخيطة إن احتاجت للخياطة - بالوجه المتعارف، والسكن حيث يسكن الزوج حسب قدرته وطاقته مفروشاً بالوجه المتعارف، كما يجب عليه أن يبذل لها فراش النوم في ليلته معه، بل مطلقاً على الأحوط وجوب.

وأما الزينة والتنظيف ونحوهما فإن طلبها الزوج كان عليه بذل مؤنتها وإن لم يطلبها لم يكلف به، إلا مؤنة غسل الجنابة المسببة عنه فإن الأحوط وجوباً له بذله، كما يجب عليه بذل مصاريف الحمل والولادة بالمقدار الذي يحفظ به الولد، ويدخل في نفقة الولد لا نفقة الزوجة. ولا يكلف بما زاد على ذلك له، إلا مع التوافق بينهما فيبذل لها ما تحتاج إليه، بل يوسع عليها ويزيد في رفاهه، وتقوم هي بما يحتاج إليه من خدمة البيت وإدارته ورعاية الاطفال وغير ذلك، وبذلك تتم سعادة العائلة ويصلح أمره.

٦٣

(مسألة ٢٦١): إذا توقف سد حاجاتها التي تتضرر بتركها على الخروج من البيت للعمل أو الاسترفاد كان لها ذلك، لكن تحاول - مهما أمكن - أن يكون الخروج بنحو لا ينافي حقه، وليس له منعها إلا أن يقوم بسد حاجاتها بنفسه لتستغني عن الخروج.

(مسألة ٢٦٢): إذا لم ينفق الزوج على زوجته - قصوراً أو تقصيراً - ففي بقاء النفقة ديناً عليه إشكال، والاظهر العدم، إلا أن تنفق على نفسها بقصد الرجوع عليه - على ما يأتي - وكذا إذا لم تستوف الزوجة نفقتها منه مع بذله لها تسامحاً منها أو لانفاقها على نفسها من مالها أو مما يبذله غير الزوج له، حتى لو لم يرجع ذلك منها إلى إسقاطها النفقة عن الزوج وإبراء ذمته منه، فإنه في جميع ذلك لا تبقى النفقة ديناً على الزوج، وهكذا الحال في نفقة الارحام.

(مسألة ٢٦٣): إذا كان للزوج مال وجب عليه الانفاق منه مع التمكن ولو بالاستدانة عليه. وإن لم يكن له مال، وجب عليه التكسب بتجارة أو عمل أو نحوهم.

(مسألة ٢٦٤): إذا لم يكن للزوج مال وتعذر عليه التكسب أو لزم منه الضرر أو الحرج فالأحوط وجوباً له الاستدانة إن علم بقدرته على الوفاء من مال يأتيه، وإن لم يعلم بذلك لم تجب الاستدانة حتى لو كان قادراً على الاسترفاد والاستيهاب، وطلب الحقوق والصدقات ونحوها مما يفي دينه.

(مسألة ٢٦٥): إذا لم ينفق الزوج على زوجته فإن أنفق عنه غيره عليها فذاك، وإلا كان لها أن ترفع أمرها للحاكم الشرعي مطالبة بأحد أمرين..

الأول: النفقة، فيلزمه بالانفاق عليه، فإن امتنع وكان له مال أنفق عليها منه.

الثاني: الطلاق، فيأمره بطلاقها فإن تعذر أمْرُه بذلك أو امتنع من طلاقها طلقها الحاكم وليس على الحاكم حينئذٍ إلزام الزوج بالانفاق، أو الانفاق عليه

٦٤

من ماله وإن أمكن ذلك. نعم إذا كان عدم إنفاق الزوج لمانع خارجي من مرض أو حبس أو نحوهما مع إمكان الانفاق عليها من ماله فالظاهر عدم مشروعية الطلاق، بل ينفق عليها من ماله حينئذٍ إن طلبت ذلك.

هذ، ويستثنى من ذلك المفقود، على ما يأتي في أول كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى.

الثاني: نفقة الارحام.

يجب الانفاق على الاولاد وإن نزلو. وعلى الابوين، بل الأحوط وجوباً الانفاق على آبائهما واُمهاتهم. ولا يجب الانفاق على غيرهم من الارحام، حتى الوارث الصغير، وإن كان أحوط استحباب. نعم تستحب النفقة عليه و على الارحام قاطبة.

(مسألة ٢٦٦): إنما تجب النفقة على الارحام مع فقرهم، ولا تجب مع غناهم ولو بقدرتهم على التكسب اللائق بهم. ولا يكفي قدرتهم على أخذ الحقوق - من الاخماس والزكوات - والصدقات والهبات، نعم مع بذل ذلك فعلاً من دون مهانة ولا حرج ففي وجوب الانفاق حينئذٍ إشكال، وإن كان أحوط وجوب.

(مسألة ٢٦٧): إنما تجب النفقة على الارحام مع القدرة، ولو بالقدرة على التكسب أوالاستدانة على مال موجود عنده، ولا تجب الاستدانة في غير ذلك، وإن كان قادراً على الوفاء من مال يأتيه، كما لا يجب الاسترفاد والتعرض لطلب الحقوق والصدقات ونحوه.

(مسألة ٢٦٨): الواجب من النفقة للارحام هو الطعام والشراب واللباس والاسكان والدواء وسائر ما يحتاجون إليه لمعاشهم، ولا يجب عليه ما عدا ذلك من حوائجهم، كوفاء الديون التي عليهم لله تعالى أو للناس وكتزويجهم.

٦٥

(مسألة ٢٦٩): يختص الاب بالنفقة على الولد مع قدرته، دون الاُم، ودون الجد والجدة للاب والاُم. ومع فقده أو عجزه أو امتناعه - بحيث يتعذر الانفاق من ماله - ففي وجوب الانفاق عليهم كفايةً أو توزيع النفقة عليهم أو الترتيب بينهم إشكال، واللازم الاحتياط. نعم مع عدم الانفاق من بعضهم وتعذر الانفاق من ماله يتعين الانفاق على الباقين، ولا يبقى الولد بلا نفقة.

(مسألة ٢٧٠): إذا كان لمن يحتاج النفقة أب وولد ففي وجوب الانفاق عليه على أبيه أو عليهما معاً كفايةً أو بنحو التوزيع إشكال، واللازم الاحتياط، ومع عدم الانفاق عليه من أحدهما يتعين على الآخر الانفاق عليه ولا يبقى بلا نفقة، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة ٢٧١): إذا امتنع المكلف بالنفقة من الانفاق كان لمن تجب النفقة له - من الارحام أو الزوجة - أولوليه المطالبة بالانفاق عليه وإجباره على ذلك، والأحوط وجوباً رفع أمره للحاكم الشرعي ليجبره على الانفاق، وإن تعذر إجباره على الانفاق وكان له مال اُنفق عليه منه، وإن تعذر ذلك أيضاً جاز الانفاق عليه بقصد الرجوع على من تجب عليه النفقة إن كان له مال ويكون ذلك حينئذٍ ديناً عليه. وإن تعذر الرجوع للحاكم جاز لمن له النفقة أولوليه تولي ذلك كله ولو بالاستعانة بالغير.

ويجري ذلك كله في حق غير الممتنع ممن يكلف بالنفقة ولا ينفق، كالمسافر والمسجون والغائب إذا تعذرت مراجعتهم.

(مسألة ٢٧٢): نفقة النفس مقدمة على نفقة الغير، إلا أن يكون واجب النفقة على غيره ولم يكن الغير ممتنعاً عنها فالأحوط وجوباً حينئذٍ له أن ينفق على من تجب عليه نفقته ويأخذ هو نفقته ممن تجب عليه.

(مسألة ٢٧٣): نفقة الزوجة مقدمة على نفقة الاقارب، ونفقة الاقرب

٦٦

منهم مقدمة على نفقة الابعد، فالولد مقدم على ولد الولد، فإن تساووا وعجز عن الانفاق عليهم نفقةً تامة تخير بين أن ينفق على بعضهم نفقة تامة ويترك الآخر وأن ينفق عليهم جميعاً بعض النفقة الواجبة بنحو التوزيع، إلا أن لا ينتفع بعضهم بالتوزيع فيتعين الاول. وإذا كان بعضهم واجب النفقة على غيره أيضاً ولم يكن الغير ممتنعاً عنها فالأحوط وجوباً إيكاله لذلك الغير والانفاق على الآخر.

الثالث: نفقة المملوك.

تجب النفقة للانسان المملوك، لكن لما لم كن مورداً للابتلاء غالباً في زماننا فلا نطيل الكلام ببيان فروعه. كما تجب النفقة على الحيوان المملوك، ولو بتركه يرعى بنفسه، ومع تعذر ذلك فالأحوط وجوباً بيعه أو ذبحه.

(مسألة ٢٧٤): نفقة الزوجة تقبل الاسقاط تبرعاً أو بالمصالحة عن شيء من الزوج يقوم به له، من دون فرق بين نفقة اليوم وما زاد عليه. أما نفقة الاقارب والمملوك فلا تقبل الاسقاط.

(مسألة ٢٧٥): تستحب النفقة على الارحام غير من تقدم. وفي الحديث عن الامام الصادق (عليه السلام): «من عال ابنتين أو اُختين أو عمتين أو خالتين حجبتاه من النار بإذن الله».

(مسألة ٢٧٦): يستحب التوسعة على العيال، وقد ورد الحث والتأكيد على ذلك عن المعصومين (عليهم السلام) ، ففي صحيح أبي حمزة عن الامام السجاد (عليه السلام): «أرضاركم عند الله أسبغكم[أوسعكم]على عياله»، وفي حديث مسعدة: «قال لي أبو الحسن (عليه السلام): إن عيال الرجل اُسراؤه، فمن أنعم الله عليه بنعمة فليوسع على اُسرائه، فإن لم يفعل أوشك أن تزول النعمة». نعم ينبغي ملاحظة اُمور..

الأول: عدم الافراط في ذلك، بنحو يؤدي للترف والبطر، فعن الامام زين العابدين (عليه السلام): «لينفق الرجل بالقسط وبلغة الكفاف، ويقدم منه الفضل

٦٧

لآخرته، فإن ذلك أبقى للنعمة وأقرب إلى المزيد من الله وأنفع في العاقبة»، على أن عواقب ذلك وخيمة عليهم في سلوكهم وخلقهم وتكوين شخصيتهم ومستقبل حياتهم.

الثاني: عدم الاستهوان بالمال بتضييعه هدراً أو صرفه بمصارف تافهة، فعن الامام الصادق (عليه السلام): «إن القصد أمر يحبه الله عزوجل، وإن السرف أمر يبغضه الله عزوجل، حتى طرحك النواة فإنها تصلح لشيء، وحتى صبك فضل شرابك»، وفي حديث إسحاق بن عمار: «قلت لابي عبد الله (عليه السلام): يكون للمؤمن عشرة أقمصة؟ قال: نعم. قلت: عشرون؟ قال: نعم. قلت: ثلاثون؟ قال: نعم، ليس هذا من السرف، إنما السرف أن تجعل ثوب صونك ثوب بذلتك».

الثالث: الموازنة بين الدخل والمصروف، فعن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «رب فقير هو أسرف من الغني، إن الغني ينفق مما اُوتي، والفقير ينفق من غير ما اُوتي».

وعلى المؤمن أن يكون حكيماً في ذلك وفي جميع اُموره، فالحكمة فوق كل شيء. ومنه سبحانه نستمد التوفيق والتسديد.

والحمد لله رب العالمين

٦٨

كتاب الطلاق

وما اُلحق به

الطلاق أمر شرعه الله تعالى رأفة بالناس وحلاً لمشاكلهم، على بغض منه تعالى له، لما فيه من تقويض بيت الزوجية - الذي هو أحب شيء إليه تعالى - وهدم كيان العائلة وتشتيت شمله، فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «ما من شيء أحب إلى الله عزوجل من بيت يعمر بالنكاح، وما من شيء أبغض إلى الله عزوجل من بيت يخرب في الاسلام بالفرقة»، وعن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «ما من شيء مما أحله الله أبغض إليه من الطلاق».

فينبغي للمؤمنين أعزهم الله تعالى أن يتجنبوه ما وسعهم ذلك بالصبر والاناة والحكمة ومحاولة حل المشاكل أواستيعابها وتخفيفه، حتى إذا بقيت عقدة الزواج سبباً لانتهاك حدود الله تعالى وتعدي أحد الزوجين على الآخر وعيش العائلة وسط جحيم الشقاق والمشاكل المعقدة فليلجؤوا حينئذٍ لابغض الحلال الذي منَّ الله تعالى به عليهم لحل مشكلتهم، قال تعالى:(وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته) وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «خمس لا يستجاب لهم: رجل جعل بيده طلاق امرأته وهي تؤذيه وعنده ما يعطيها ولم يخل سبيله...».

والكلام في الطلاق وما اُلحق به في ضمن فصول..

٦٩

الفصل الاول

في حقيقة الطلاق وصيغته ومالكه

الطلاق إيقاع يتضمن فرقة بعد النكاح الدائم دون غيره من أقسام النكاح، فيكفي فيه الايجاب ممن يملكه، ولا يحتاج إلى قبول من أحد. وهو بيد الزوج وأمره إليه ينفرد به، ولا يشاركه فيه غيره، وله أن يطلق متى شاء حتى لو كانت الزوجة موافقة، وإن كان ذلك مكروهاً كراهة شديدة.

نعم يقوم مقام الزوج غيره في موارد..

الأول: ما إذا لم ينفق الزوج على الزوجة، كما تقدم تفصيل الكلام فيه في فصل النفقات من كتاب النكاح.

الثاني: ما إذا ظاهر الزوج على ما يأتي في فصل الظهار.

الثالث: ما إذا فقد الزوج، فإنها إن صبرت بقيت على الزوجية حتى يعلم موته أو طلاقه، وكذا إذا كان للزوج مال فأنفق منه وليه عليه، أو أنفق الولي عليها من ماله، فإنه يجب عليها الصبر حينئذٍ. وإن لم يكن له مال ولم ينفق الولي عليها كان لها رفع أمرها للحاكم الشرعي، فيؤجلها إلى مضي أربع سنين من غيبته، ولابد من الفحص عنه هذه المدة في البلاد التي علم ذهابه لها وفقد فيه. وإن لم يعلم له بلد خاص فقد فيه فحص عنه في جميع البلاد التي يحتمل وجوده فيه، فإن علم حياته صبرت، وإن علم موته اعتدت عدة الوفاة من حين يبلغها الخبر، كما يأتي في مباحث العدد، وإن جهل خبره أمر الحاكم وليّه - وهو أقرب الناس إليه ممن يقوم مقامه ويتولى اُموره - أن يطلقه، فإن أبى أو لم يكن له ولي

٧٠

طلقها الحاكم، ثم اعتدت بقدر عدة الوفاة من حين طلاقه، فإذا انقضت عدتها كان لها أن تتزوج.

(مسألة ١): الطلاق المذكور رجعي ولا يجب فيه الحداد، فإذا قدم الزوج في أثناء العدة المذكورة كان له الرجوع به، وإن قدم بعد انقضائها فقد بانت منه وليس له عليها رجعة.

(مسألة ٢): في عموم المفقود لمن فقد في بلده واحتمل عدم خروجه منه إشكال، والظاهر عدم جريان الحكم المتقدم عليه، بل يتعين على زوجته حينئذٍ الانتظار حتى يبلغها عنه موت أو طلاق.

(مسألة ٣): الظاهر الاجتزاء بالفحص قبل أن ترفع أمرها للحاكم، سواءً كان منها أم من غيره، فإن الحاكم يجتزئ به إذا علم باستيعابه وأنه لا يتيسر له الفحص زائداً عنه. وكذا الحال لو كان الفحص من الحاكم نفسه، كما لو كان للمفقود أكثر من زوجة فرفعت إحداهن أمرها له ففحص عنه، فإن الظاهر اجتزاؤه به لباقي زوجاته عند رفع أمره، ولا يحتاج إلى تكرار الفحص.

(مسألة ٤): إذا تعذر الفحص عن المفقود لم يشرع الطلاق ووجب على المرأة الانتظار.

(مسألة ٥): إذا علم بعدم وجوده في البلاد التي فقد فيها ولم يعلم موته فيها أو خروجه منها لغيرها لم يجب الفحص عنه لا في البلاد التي فقد فيها ولا في غيره.

الثالث: ما إذا كان الزوج معتوهاً ناقص العقل، فإنه يطلق عنه وليه مع حاجته لذلك، وكذا المجنون المطبق الذي لا يتوقع زوال جنونه. أما الادواري أومن يتوقع زوال جنونه فلا يطلق الولي عنه، بل ينتظر دور إفاقته وزوال جنونه، إلا مع الضرورة الملحة للتعجيل بحيث يعلم برضا الشارع الاقدس

٧١

بالطلاق لو فرض تحقق ذلك. وكذا الحال في الصبي، فإنه ينتظر بلوغه إلا مع الضرورة بالوجه المذكور فيطلق عنه وليه، والأحوط وجوباً مراجعة الحاكم الشرعي حينئذٍ، فلا يطلق الولي إلا بإذنه.

(مسألة ٦): يجوز لمن يملك الطلاق أن يأذن لغيره في إيقاعه عنه، أو يوكله في ذلك، فينفذ طلاقه حينئذٍ، وإن كانا معاً حاضرين في مجلس الطلاق.

(مسألة ٧): إذا ادّعى غير الزوج الوكالة على الطلاق أو الولاية عليه لم يقبل منه، ولو أوقع الطلاق لم يترتب عليه الاثر ظاهر، إلا أن يثبت بعد ذلك سلطنته عليه، ولو بأن يصدق من له الولاية على الطلاق الوكيل في دعوى الوكالة.

(مسألة ٨): يجوز توكيل الزوجة على طلاق نفسها وينفذ طلاقها حينئذٍ، بل لها أن تشترط في عقد النكاح الوكالة في الطلاق، كما تقدم في آخر الفصل السادس من كتاب النكاح.

(مسألة ٩): لا يصح طلاق الفضولي، وهو الذي ليس له السلطنة على الطلاق، ولا يصححه بعد وقوعه إجازة من له السلطنة عليه.

(مسألة ١٠): صيغة الطلاق أن يقول: فلانة طالق، أو أنت طالق، أو زوجتي طالق، أو نحو ذلك مما يتضمن تعيين الزوجة المطلَّقة مع المحافظة على الهيئة المذكورة. ولا تجزئ مادة الطلاق مع اختلاف الهيئة، كما لو قال: طلقتك، أو أنت مطلقة، أو نحو ذلك.

(مسألة ١١): إذا قال: أنت طالق ثلاث، أو اثنتين فلا يقع العدد المذكور. وفي حصول طلقة واحدة به إشكال.

(مسألة ١٢): لا يقع الطلاق بالكنايات من دون أن تشتمل على مادة الطلاق، مثل: أنت حرام، أو بائنة، أو خليّة. وفي وقوعه بقوله: اعتدّي، إذا نوى به إنشاء الطلاق إشكال، والأحوط وجوباً العدم.

٧٢

(مسألة ١٣): إذا قيل للزوج: هل طلقت زوجتك؟ فقال: نعم، لم يقع بذلك طلاق، سواءً قصد بقوله: (نعم) إنشاء الطلاق أم الاخبار عنه. غاية الامر أنه إذا قصد الاخبار كان إقراراً بالطلاق فيلحقه حكم الاقرار.

(مسألة ١٤): لا يقع الطلاق بغير العربية إلا مع تعذر العربية على المطلِّق، فيطلق بلغة اُخرى، ولا يحتاج للتوكيل.

(مسألة ١٥): لا يقع الطلاق بالكتابة، ولا بالإشارة إلا مع تعذر النطق على المطلق لخرس أو نحوه، فيجزئه الطلاق بالكتابة، بأن يكتب بقصد إنشاء الطلاق ويُشهِد على ذلك مع مراعاة شروط الطلاق الاُخرى، ومع عجزه عن الكتابة يكتفي بالإشارة المُفهمة بقصد إنشاء الطلاق أيض، مثل أن يضع ثوباً على رأسها كأنها صارت أجنبية عنه.

(مسألة ١٦): لا أثر لتخيير الزوج زوجته، حتى لو كان بقصد إنشاء الطلاق، كما لا أثر لاختيارها نفسها بعد التخيير المذكور. نعم إذا رجع التخيير المذكور إلى الاذن لها في طلاق نفسها فطلقت نفسها على النحو المأذون فيه صح طلاقه. ولابد حينئذٍ من حصول شروط الطلاق حال طلاقها لنفسه، لا حال تخيير الزوج له.

الفصل الثاني

في شروط الطلاق

وهي اُمور..

الأول: البلوغ، فلا يصح طلاق الصبي، وإن بلغ عشر سنين وطلق للسنة.

الثاني: العقل، فلا يصح طلاق المجنون والسكران ونحوهم.

الثالث: الرشد، فلا يصح طلاق المعتوه ونحوه.

٧٣

الرابع: عدم الاكراه، فلا يصح طلاق المكرَه وإن رضي بعد ذلك.

(مسألة ١٧): يكفي في الاكراه وقوع الطلاق من دون رضىً به، بل مداراة للغير كالابوين والزوجة ونحوهم. أما إذا أوقع الطلاق راضياً به لتجنب مشاكل الآخرين فليس ذلك من الاكراه ويصح الطلاق حينئذٍ.

الخامس: القصد إلى إنشاء الطلاق بالصيغة، فلا يصح طلاق الغالط والساهي والهازل ونحوهم، كما لا يقع الطلاق إذا تلفظ بالصيغة لا بقصد إنشاء الطلاق، بل لمجرد إرضاء الغير مثل. وكذا إذا تلفظ بها بنية الاخبار عن الطلاق لا إنشائه. غايته أنه يكون إقراراً بالطلاق فيلحقه حكم الاقرار.

السادس: أن يكون منجَّز، فلا يصح الطلاق المعلَّق، سواءً علّقه على التزويج، كما لو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أم على أمر آخر، كما لو قال: إن خرجت من بيتها فهي طالق، أو نحو ذلك. والأحوط وجوباً عموم ذلك لما إذا علّقه على أمر معلوم الحصول، أو محتمل الحصول، مقوِّماً لصحة الطلاق، كما لو قال: إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق، أو إن كانت زوجتي طاهراً فهي طالق.

السابع: تعيين المطلقة ولو إجمال، كما لو قال: أكبر نسائي طالق، بخلاف ما لو كانت مردَّدة من كل وجه، كما لو قال: إحدى نسائي طالق، فإنه لا يقع حينئذٍ.

الثامن: أن يقع حال كون المرأة المطلقة في طهر لم يجامعها فيه، فلا يصح طلاقها حال الحيض أو النفاس، ولا في طهر قد جامعها فيه. بل الظاهر عدم صحة طلاقها في النقاء المتخلل بين الدمين في الحيض الواحد وإن كان بحكم الطهر.

(مسألة ١٨): لو طلق جاهلاً بحالها لم يقع الطلاق ظاهر، إلا أن ينكشف كونها في طهر لم يواقعها فيه، فينكشف صحته.

(مسألة ١٩): إذا شك في الحيض بعد العلم بالطهر بني على عدم الحيض، وإذا علم بدخولها في الحيض وشك في طهرها منه بني على بقائه

٧٤

في الحيض. لكن إذا أخبرت بأنها حائض صدّقت، وكذا إذا أخبرت بأنها قد دخلت في الطهر الذي لم يجامعها فيه.

نعم إذا أخبرت بأنها دخلت في طهر لم يجامعها فيه فطلقها ثم أخبرت بأنها كانت كاذبة في خبرها لم يقبل منه، وحكم بصحة الطلاق، إلا أن يعلم بصدقها في خبرها الثاني أو تقوم به البينة.

(مسألة ٢٠): الغائب عنها زوجها إن عَلِم حالَها فهو كالحاضر يجري عليه الحكم السابق، وكذا إن جَهله وتيسر له الفحص عنه. أما إذا صعب عليه الفحص فيجوز له طلاقه، لكن الافضل أن ينتظر شهراً من سفره. بل لو كان سفره حال حيضها فليكن مبدأ الشهر بعد مضي مدة حيضها الذي فارقها عليه. والافضل للغائب أن ينتظرها ثلاثة أشهر، بل خمسة أو ستة.

(مسألة ٢١): المسترابة إذا كانت مدخولاً بها لا يطلقها زوجها إلا بعد مضي ثلاثة أشهر قمرية من آخر مرة واقعها فيه، من دون فرق في ذلك بين الحاضر والغائب. والمراد بالمسترابة من لا تحيض وهي في سن من تحيض، سواءً كان ذلك لعارض اتفاقي لها من مرض أو نحوه، أم بوجه يتعارف في أمثاله، كما لو كانت في أول بلوغها أو قاربت سن اليأس، أو كانت مرضعة.

(مسألة ٢٢): الحاضر إذا تعذر عليه معرفة حيض زوجته من طهرها - لتعذر الوصول إليها أو لامتناعها من الاخبار عن حالها أو لغير ذلك - فإن علم بأنها مستقيمة الحيض جرى عليه حكم الغائب، وإن احتمل كونها مسترابة لا تحيض أجرى عليها حكم المسترابة المتقدم.

(مسألة ٢٣): لا يشترط وقوع الطلاق في طهر لم يجامعها فيه في موارد..

الأول: أن تكون صغيرة لم تبلغ سن الحيض، بأن كانت دون التسع سنين قمرية، وإن كان قد جامعه.

٧٥

الثاني: أن تكون قد بلغت سن اليأس، وهو في القرشية ستون سنة قمرية، وفي غيرها خمسون.

الثالث: الحامل المستبين حمله، بل مطلقاً على الاظهر، فإذا طلق الرجل زوجته في طهر قد جامعها فيه أو في حال الحيض - عمداً أو جهلاً - ثم تبين أنها حامل حين الطلاق انكشف صحة طلاقه له.

الرابع: غير المدخول بها قبلاً أو دبر، فإنه يصح طلاقها وإن كانت حائض.

(مسألة ٢٤): إذا جامع الرجل زوجته حال الحيض - عمداً أو جهلاً - صح منه طلاقها بعد طهرها من الحيض، ولا يشترط دخولها في طهر آخر.

(مسألة ٢٥): إذا شك في البلوغ بنى على عدمه، وكذا إذا شك في اليأس، أو في الحمل، أو في الدخول، ويجوز ترتيب الاثر على ذلك ظاهراً في الجميع، لكن لو ظهر الخطأ فالحكم تابع للواقع.

التاسع: الاشهاد، وذلك بأن يشهد الطلاق رجلان عادلان، بحيث يسمعانه إذا كان باللفظ، ويريانه إن كان بالإشارة ونحوها من الأخرس ونحوه.

(مسألة ٢٦): يشترط عدالة الشاهدين حين الطلاق ولا يبطله خروجهما عن العدالة بعده، كما لا يكفي عدالتهما بعد الطلاق إذا لم يكونا عادلين حينه.

(مسألة ٢٧): إذا أحرز من يتولى الطلاق - مباشراً كان أو موكَّلاً مفوضاً - عدالة الشاهدين حين الطلاق فطلق ثم ظهر منهما ما ينافي العدالة فإن كشف عن عدم عدالتهما حين إيقاع الطلاق انكشف بطلان الطلاق، وإن لم يكشف عن ذلك بل احتمل خروجهما عن العدالة بعد اتصافهما به، بني على صحة الطلاق. بخلاف ما إذا لم يحرز عدالتهما حين الطلاق، وأوقع الطلاق متردداً في حالهما وفي صحة الطلاق، فإنه لا يجوز البناء على صحة الطلاق حتى يعلم سبق العدالة منهما ووقوع الطلاق حينه.

٧٦

(مسألة ٢٨): لا يكفي إحراز عدالة الشاهدين من قبل الوكيل على إجراء الصيغة فقط، بل لابد من إحراز عدالتهما من قبل موكله. نعم يكفي إحرازها من قبل الوكيل إذا كان مفوضاً إليه أمر الطلاق.

(مسألة ٢٩): تقدم في فصل شروط إمام الجماعة تحديد العدالة، والتعرض لكيفية إحرازه.

(مسألة ٣٠): لا يشترط في الشاهدين أن يعرفا الرجل المطلِّق أو المرأة المطلَّقة بعد أن كانت معينة في نفسه.

(مسألة ٣١): لا يشترط في الاشهاد أن يُطلَب من الشاهدين تحمل الشهادة، فلو فاجأهما بصيغة الطلاق كفى. نعم لابد من معرفتهما مراده بالصيغة أو بالإشارة التي تقوم مقامها من الأخرس ونحوه.

(مسألة ٣٢): لابد من أن يشهد الشاهدان إنشاء الطلاق، ولا يكفي أن يشهدا إقرار الزوج به إذا كان قد أوقعه من دون إشهاد. بل لابد من إنشائه مجدداً بشروطه المقررة أمامهم. ويترتب الاثر من حين الانشاء الذي وقع أمامهم.

(مسألة ٣٣): لا يشترط في شهادة الشاهدين حضور مجلس الطلاق، فلو سمعا الصيغة من بعيد صح الطلاق. وعلى ذلك يصح الطلاق لو سمعه الشاهدان بالهاتف أو المذياع إذا كانا يسمعان صوت المطلق بنفسه، أما إذا كانا يسمعان الصدى ففيه إشكال، وكذا إذا كانا يريان الإشارة - من الأخرس ونحوه - في الصورة التلفزيونية وإن كان البث مباشر. بل لا إشكال في عدم الصحة مع سماعه من التسجيل، أو رؤيته في الصور التلفزيونية إذا لم يكن البث مباشر.

(مسألة ٣٤): إذا طلقها وكيل الزوج فلابد من شاهدين غير الوكيل. وفي الاكتفاء بكون أحدهما الزوج الموكِّل أو وليه - إذا كان قد حضر وكان عادلاً - إشكال، والأحوط وجوباً العدم.

٧٧

(مسألة ٣٥): لا يشترط في صحة الطلاق حضور المرأة المطلقة في مجلس الطلاق، ولا علمها به حين وقوعه، فضلاً عن رضاها به أو إذنها فيه.

(مسألة ٣٦): لابد من إحراز الشروط المتقدمة بالوجه المقرر شرعاً من قبل الزوج الموقع للطلاق أو وليه أو وكيلهما المفوض فيه، أما الوكيل على إجراء الصيغة فقط فلا يشترط إحرازه له، بل يكفي إحراز الموكِّل، ومع إحرازها يصح الطلاق ظاهراً ويعمل عليه. لكن لو انكشف الخطأ انكشف بطلان الطلاق وعدم ترتب الاثر عليه، وبقاء المرأة على الزوجية.

(مسألة ٣٧): إذا اُوقع الطلاق من دون إحراز للشروط من قبل المتولي له - المباشر أو الموكَّل على إجراء الصيغة فقط - لم يصح ظاهراً ولا يجوز ترتيب الاثر عليه، إلا أن يثبت بعد ذلك بالوجه الشرعي تحقق الشروط حين الطلاق.

هذا إذا كان المتولي للطلاق متردداً في صحة الطلاق حين إيقاعه بسبب عدم إحراز الشروط. أما إذا أوقعه جازماً بصحته غفلة عن لزوم إحراز الشروط، ثم احتمل تحقق الشروط وصحة الطلاق فالظاهر البناء على الصحة. لكن يحسن جداً الاحتياط حينئذٍ.

(مسألة ٣٨): إذا اُحرزت الشروط حين الطلاق ممن يجب عليه إحرازها ثم شك في صحة الطلاق لاحتمال الخطأ في إحراز الشروط بني على صحة الطلاق.

(مسألة ٣٩): إذا عُلم بإيقاع الطلاق ممن له السلطنة عليه وشك في صحته وفساده بني على الصحة.

(مسألة ٤٠): إذا أخبر من له السلطنة على الطلاق بإيقاع الطلاق قُبِل منه حتى لو كان بعد مضي زمان العدة، بأن ادعى أنه طلق قبل مدة تزيد على زمان العدة. وإذا شك حينئذٍ في صحته بني على الصحة. وكذا إذا عُلم بوقوع الطلاق وشك في صحته، ولا يجب الفحص والسؤال. نعم إذا علم بكذبه في إخباره أو

٧٨

علم ببطلان الطلاق فلا مجال لترتيب الاثر عليه.

(مسألة ٤١): إذا وقع الطلاق بوجه صحيح عند بعض فقهائنا باطل عند آخر صح ظاهراً عند من يرى صحته من الفقهاء ومقلديهم، وبطل ظاهراً عند من يرى بطلانه من الفقهاء ومقلديهم، ولا يلزم الكل أحد الوجهين بعينه. وكذا الحال لو كان الاختلاف للاختلاف في الموضوع، كما لو كان الشاهدان عادلين عند بعض فاسقين عند آخر.

(مسألة ٤٢): إذا أوقع المتولي للطلاق الطلاق بوجه لا تراه المرأة صحيحاً لم يجز لها ترتيب الأثر عليه، وكان لها مطالبته بحقوق الزوجية، فإن امتنع رفعت أمرها للحاكم الشرعي، فينفذ عليهما حكم الحاكم ظاهر، فإن كان مطابقاً لما تراه المرأة كان للزوج التخلص بتجديد الطلاق، وإن كان مخالفاً له كان للحاكم تخليصها من مشكلتها بإلزامه بالنفقة، فإن أبى ألزمه بطلاقه، فإن أبى طلقها عنه. وكذا الحال إذا أخبر بالطلاق واعتقدت المرأة كذبه.

أما إذا انعكس الأمر بأن كان الطلاق ثابتاً أو صحيحاً عند المرأة وخالفها الرجل في ذلك، فإن ترافعا للحاكم فحَكَم للمرأة واعتقد الرجل بقاء الزوجية فليس عليه من حقوق الزوجية شيء لعدم مطالبتها بها وعدم تمكينها من نفسه. لكن ليس له ترتيب الاثر على عدم الزوجية - فلا يتزوج الخامسة مثلاً - إلا أن يطلق.

وإن حكم الحاكم للرجل نفذ الحكم على المرأة ووجب عليها التمكين مع المطالبة وحرم عليها ما زاد على ذلك. وينبغي لهما حينئذٍ حل مشكلتهما بما يناسب وضعهما معاً بتجديد العقد أو الطلاق، والبعد عن التعنت والمضارة أوالخروج عن الميزان الشرعي الثابت في حق كل منهم.

ويجري نظير ذلك لو اختلفا في حصول النكاح أو في صحته، كما يظهر بالتأمل.

٧٩

(مسألة ٤٣): إذا طلق المخالف طلاقاً يصح في مذهبه ولا يصح عندنا لم يصح طلاقه واقع، فيجوز لزوجته المؤمنة أن تمكنه من نفسها لو لم يرتب هو الاثر على ذلك الطلاق. لكن لنا إلزامه بصحته، فيجور لزوجته إن كانت مؤمنة أن تتزوج من غيره بعد الخروج من العدة، ويصح زواجها حينئذٍ، كما يجوز للمؤمن أن يتزوج زوجته التي طلقها مؤمنة كانت أو مخالفة. وإن استبصر بعد أن تزوجت زوجته التي طلقها فلا سبيل له عليه، وإن استبصر قبل أن تتزوج فلا ينفذ الطلاق عليه، بل تبقى المرأة زوجة له على النحو الثابت عندن. أما المؤمن فإنه إذا طلق على مذهب المخالفين مخالفاً لما عندنا لم ينفذ طلاقه لا في حقه ولا في حقنا ولا يجوز إلزامه به.

(مسألة ٤٤): إذا طلق الكافر من غير أهل القبلة زوجته طلاقاً صحيحاً في دينه باطلاً عندنا فطلاقه نافذ عليه وعلى غيره مطلق، سواء بقي على دينه أم أسلم، وقد تزوجت المرأة أو لم تتزوج.

الفصل الثالث

في أحكام الطلاق

(مسألة ٤٥): الطلاق الفاقد للشرائط المتقدمة باطل لا يترتب عليه الاثر. وهو المعروف عند المسلمين بالطلاق البدعي.

(مسألة ٤٦): الطلاق الصحيح قسمان..

الأول: البائن، وهو الذي تخرج به المطلقة عن عصمة الزوج، فلا يشرع له الرجوع بها حتى لو كانت ذات عدة. وهو طلاق المرأة بعد بلوغها سن اليأس المتقدم، وطلاق الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين قمرية، وطلاق المرأة التي لم يدخل بها الزوج قبلاً ولا دبر. وطلاق الخلع والمباراة، على تفصيل يأتي

٨٠