العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد

العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد0%

العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد مؤلف:
الناشر: مؤسسة محبّين للطباعة والنشر
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 216

العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمّد علي يوسف الاشيقر
الناشر: مؤسسة محبّين للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 216
المشاهدات: 42908
تحميل: 7183

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42908 / تحميل: 7183
الحجم الحجم الحجم
العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد

العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد

مؤلف:
الناشر: مؤسسة محبّين للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

العبّاس (عليه السلام)

رجل العقيدة والجهاد

تأليف:

السيد محمّد علي يوسف الاُشيقر

١

٢

العبّاس (عليه السلام)

رجل العقيدة والجهاد

تصحيح وتنقيح:

الشيخ محمّد صادق تاج

٣

( إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )

سورة النمل / ٣٠

٤

الإهداء

إلى:

حامل راية الحسين (عليه السّلام) في ملحمة عاشوراء..

بطل العلقمي، وساقي عطاشى كربلاء..

ذراع الحسين اليمنى، والذّاب عن حماه..

سيف الله الصارم، وقمر بني هاشم..

الشهيد وابن الشهيد وأخي الشهيد.. العبّاس بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام).

اُقدّم هذه الدراسة الموجزة راجياً التفضّل بالقبول والرضا.

كربلاء المقدسة

محمد علي يوسف الاُشيقر

٥

حكمة الكتاب

إنّي رأيت أنّه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلاّ قال في غده: لو غيّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدّم هذا لكان أفضل، ولو ترك ذاك لكان أجمل...

وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر...

العماد الأصفهاني

٦

تقريض

للعلاّمة البحّاثة الشيخ باقر شريف القرشي

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا تصفحنا في تاريخ الأمم والشعوب، وأمعنّا في سجلاّت العظماء والمصلحين فلن نجد مَنْ يضارع بطل الإسلام أبا الفضل العبّاس (عليه السّلام) في صفاته ونزعاته التي منها التفاني في الحقّ، ونكران الذّات، والتضحية في سبيل الله.

لقد وهب هذا العملاق العظيم حياته لله، وهام في طلب مرضاته، فكان الإيمان بالله تعالى من أهم عناصره ومقوّماته، وقد أعلن ذلك حينما قطع البغاة يمينه في صعيد كربلاء، وقال في رجزه:

واللهِ إن قطعتمُ يميني إنّي اُحامي أبداً عن ديني

وعن إمامٍ صادقٌ يقيني

أرأيتم أنّ اندفاعه في نصرة أخيه لم يكن بأيّ دافع مادي يؤول أمره إلى التراب، وإنّما كان دفاعاً عن أخيه إمام المسلمين.

لقد وقف أبو الفضل مع أخيه أبي الأحرار (عليه السّلام) في خندق واحد، رافعين كلمة الله تعالى التي تهوي الإنسان إلى قرار سحيق من مآتم هذه الحياة. فما أعظم عائدة أبي الفضل وأخيه أبي الأحرار (عليهما السّلام) على الإسلام والمسلمين!

٧

وإنّ من الواجب على ذوي المواهب الإشادة ببطل كربلاء، وإبراز قيمه الأصيلة ومثله العليا إلى المجتمع؛ لتتنوّر بصورة مستوفية وشاملة، وإنّا بدورنا نحيّيه وندعو له، ونكبر دراسته لأبي الفضل، سائلين المولى له التوفيق والسداد إنّه تعالى ولي ذلك والقادر عليه.

النجف الأشرف

٢٠ / شعبان / ١٤١٨ هـ

باقر شريف القرشي

٨

كلمة حول الكتاب

للاُستاذ المحامي الأخ الحاج محمّد علي النصراوي

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد، فقد كان ولا يزال وسيبقى الكتاب خير جليس لطالب المعرفة؛ حيث سيظل الرافد الرئيس للكلمة الهادفة والمعلومة المبتغاة، لن تستطيع مزاحمته فضلاً عن الاستغناء عنه بقيةُ مصادر الثقافة الاُخرى؛ السمعية منها والبصرية، رغم تطوّرها الهائل وانتشارها السريع، سيما إذا كان ذلك الكتاب كالكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ، والذي تضمّن ترجمة لحياة بطل من أعظم أبطال التضحية والفداء في الإسلام، في ثاني معركة حاسمه بعد معركة بدر الكبرى، ألا وهي معركة الطفّ الخالدة التي استطاع فيها شهداؤها وعلى رأسهم سيّدهم وإمامهم سيّد الشهداء (عليه السّلام) أن يضعوا فيها حدّاً فاصلاً بين العقيدة والمنافع الذّاتية، وبين المبادئ الرساليّة والمصالح المادية.

وبتعبير آخر: بين الدين والدنيا كما تشير إلى ذلك بعض خطب الإمام الحسين (عليه السّلام) خلال مسيرته الاستشهادية الفريدة: (( الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محصّوا بالبلاء قلّ الديّانون )).

لقد كان أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) أحد الديّانين الذين احتفظوا بدور مميّز في تلك

٩

الملحمة؛ حيث كان رجل العقيدة والجهاد فيها، كما نقرأ ذلك في عنوان الكتاب الذي نتناوله في هذا العرض الموجز، وقف مدافعاً عن دينه مضحياً في سبيل الله بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتّى نال الدرجة التي يغبطه عليها جميع الشهداء والصديقين.

إنّني لست هنا بصدد التعريف بالكتاب أو المؤلِّف، فالكتاب واضح لك من عنوانه، والعباس بن علي (عليه السّلام) أعرف من [أن] يُعرّف، فهو كتاب قائم بذاته، ورحم الله أبا الطيب المتنبي إذ يقول:

وإذا استطالَ الشيءُ قامَ بنفسه وصفاتُ ضوءِ الشمسِ تذهبُ باطلا

أمّا بالنسبة لمؤلِّف الكتاب الاُستاذ الحاج محمّد علي يوسف الاُشيقر فغني عن التعريف كذلك، خاصّة لدى أوساط المثقفين الكربلائيِّين، فهو موسوعة ثقافية متجوّلة، يحتفظ بخلفية ثقافية دينية رصينة تؤهّله لإخراج مثل هذه الدراسات القيمة، وهو كربلائي صميم من أسرة علوية كريمة، يعمل جملة من أفرادها ضمن خدمة الروضتين الشريفتين، يجمع بين الثقافتين الدينية والعصرية، يقضي معظم أوقات فراغه - إن صح هذا التعبير - إمّا قارئاً لكتاب، أو مستمعاً لمجلس وعظ وإرشاد. [كان] أحد روّاد المجالس الحسينيّة الذين يرتادونها بصورة مستمرة ودون انقطاع، [وقد] زامل الكثير من قرّائها، وتعرّف على العديد من جهابذة خطبائها.

أضف إلى ذلك أنّه يمتلك مكتبة خاصّة تزخر باُمّهات الكتب التاريخية والتراثية، كلّ هذه العوامل والمؤهّلات مجتمعة هيّأت له إمكانية التحليق في هذا المجال الواسع والأفق الرحيب، ممّا ساعد على إخراج هذا الكتاب القيّم بهذا الاُسلوب الشيّق والمستوى الرفيع.

وإنّنا لنطمع بل نطمع إلى المزيد من النتاج الأدبي والعلمي في هذا المجال،

١٠

سيما إنّ هنالك شخصيات إسلاميّة عديدة ممّن صمدت في وجه الظلم والطغيان، وضحّت في سبيل العقيدة والإيمان بأعزّ ما تملك؛ لتسجيل موقفاً مشرفاً في إعلاء كلمة الحقّ، من أمثال: حجر بن عدي الكندي، واُويس القرني، ورشيد الهجري، وعبد الله بن عفيف الأزدي، وسليمان بن صرد الخزاعي، وإبراهيم بن مالك الأشتر النخعي، وغيرهم كثير ممّن لم تتناوله أيدي البحث والتنقيب والدراسة والتأليف، مع أنّهم جديرون بتسليط الضوء على مواقفهم وتعريف القرّاء بتراجمهم.

آملين أن يفاجئنا المؤلِّف في أحد مؤلّفاته القادمة بدراسة قيّمة لأحد هذه الشخصيات، أو غيرها ممّن يختاره لنا الاُستاذ أبو يوسف (حفظه الله وأبقاه).

سائلاً العلي القدير أن يمدّه بالعون والتأييد، والنشاط والتسديد، إنّه على كلّ شيء قدير، وهو نعم المولى ونعم النصير.

كربلاء

محمد علي مجيد النصراوي

١١

مقدّمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الدين محمّد (صلّى الله عليه وآله) وعلى آله الطيبين، وأصحابه المنتجبين، والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد، فقد سبق أن نوّهت في خاتمة بعض كتبي السابقة، وأظن أنّ منها: (الحسين... ثورة دائمة) و (الإمام علي... من الكعبة إلى الغري) إلى أنّي سوف لن أتناول أو أكتب أي بحث أو موضوع في المستقبل سبق لأقلام الكتّاب والمؤلِّفين أن طرقوه بإسهاب، وأشبعوه - من ثمّ - شرحاً وتحليلاً، ولم يدعو زيادة لمستزيد.

ولقد كان مرادي من درج هذه الملاحظة هو الحرص على تلافي تكرار كتابة المواضيع والأبحاث المتداولة، وغير البعيدة عن الأضواء وعن أذهان الناس، وتدرك الغالبية - ولو إجمالاً - أنّها تنام معهم وتستيقظ، واستبدال الحال بنشر وتعميم المواضيع والأبحاث التي لم يتطرّق إليها الكتّاب والباحثون سيكون لها مردود كبير، ومنفعة كثيرة للقرّاء والكتّاب على حدٍّ سواء؛ بوقوفهم واطّلاعهم على ما خضّ عليها من أبحاث ومواضيع، وربّما كان هؤلاء على وعي وعلم بها، إلاّ أنّ تعاقب الأيام، وامتداد الأعمار قد أنستهم شيئاً - قلّ أو كثر - ممّا كانوا يحفظونه أو يتذكّرونه عنها.

وعليه، فإنّ كلّ ما قمت بكتابته من مواضيع وأبحاث بعد درج هذه الملاحظة

١٢

الهامة كانت كلّها تدور في هذا الفلك والسياق، ومن المواضيع والأبحاث تلك الكتب التي تحمل أسماء (تاريخ المساجد في الإسلام) و (مختصر تاريخ التصوّف في الإسلام) و (عمّار بن ياسر - الصوت الذي لم يخمد، والسيف الذي لم يغمد) و (زيد والزيدية)... إلخ.

فرغم أهمية بعض مواضيع هذه الكتب، إلاّ أنّها - للأسف - لم تنل من أقلام الكتّاب ما فيه الكفاية، ولم تحظَ باهتمامهم كثيراً.

ومن هذا المنطلق كان موضوع هذه الدراسة، وكان البحث الذي نقدّمه الآن، ولقد كانت نقطة الصفر في ذلك حين طلب منّي أحد الأصدقاء، وهو الأخ طه الربيعي صاحب مكتبة الحكمة في كربلاء، إعداد دراسة موجزة عن سيرة حياة الشهيد العبّاس بن علي (عليه السّلام)، ودوره وجهاده في سبيل نصرة أخيه الحسين (عليه السّلام) في ملحمة كربلاء الخالدة؛ لقلّة ما كُتب عنه.

ولقد سارعت في البحث عن المصادر والمراجع التي تتناول حقيقة وواقع سيرة هذا البطل، وجهاده في سبيل إعلاء كلمة الله، وسنّة رسوله (صلّى الله عليه وآله)، وهداية أهل البيت (عليهم السّلام)، والتي كنت أظن سلفاً أنّها - المصادر - هي من الكثرة ما يسهل لنا إعداد هذا البحث، ومن دون عناء أو جهد يذكر.

إلاّ أنّي أدركت بعد ذلك أنّ نصيب هذا البطل المغوار والرمز من الكتابة والبيان كان يسيراً وقليلاً، بل وأقلّ من القليل، رغم مكانته المميّزة والخاصة بين المجاهدين، وكونه يأتي في الأهمية بعد أخيه الحسين (عليه السّلام) في ملحمة الطفّ بكربلاء، ومتقدّماً على جميع أصحاب الحسين وأهل بيته المكرمين على مسرح عمليات يوم عاشوراء والمنازلة الكبرى فيها؛ ممّا دعا الحسين (عليه السّلام) لتأخير السماح له باقتحام المعركة ومنازلة الأعداء إلاّ بعد أن سقط جميع أصحابه وسائر أقربائه

١٣

مضرّجين بدمائهم على أرض المعركة؛ لأنّ وجوده حالياً إلى جواره كان يشعره بالقوّة والمنعة، ويدع عمليات الحرب رغم المنازلة حيّة ومستمرة.

نعم، لم أجد من الكتّاب القدامى أو المعاصرين مَنْ أفرده بالدراسة الشاملة القائمة على التمحيص والتحليل العلمي، كما ولم أجد كتباً مستقلة تضمّ بين طياتها مسيرة هذا المناضل الباسل إلاّ القليل، وقد أعدّت هذه قبل عدّة عقود، في حين كان الأجدر أن تؤلّف عن حياته كتب كثيرة ودراسات عديدة؛ لِما كان يختصّ به (عليه السّلام) من شجاعة فائقة، وعلم غزير، وعبادة عميقة، ومنزلة خاصّة عند والده الإمام علي وأخويه الحسن والحسين (عليهم السّلام)(١) .

لذا فقد قمت ببذل المجهود والعناء من أجل طرق هذا الباب، والكتابة عن هذا العلم الكبير رغم قلّة ما وجدته من مصادر في هذا السبيل. وأظنّ أنّ كلّ ما أمكن درجة في هذه الدراسة قد جاء ناقصاً وغير متكامل ولا تام، رغم حرصي الكامل على أن لا أكون قد جافيت الواقع، أو ابتعدت عن الحقيقة في كلّ ما دوّنته؛ وذلك لتشعّب الموضوع وقلّة مصادره، إلاّ أنّ شفيعي في كلّ ذلك كان المثل الصيني الشائع الذي يقول: (أفضل ألف مرّة أن تضيء شمعة بدل أن تقضي وقتك في لعن الظلام).

مع أملي الكبير، ورجائي المتواصل من كلّ هؤلاء أن يشعروني عن كلّ سهو وقصور أو خطأ قد وقعت فيه، والذي هو في الحقيقة والحقّ قد جاء من دون قصد

____________________

(١) عند صدور الطبعة الاُولى للكتاب اُتيحت لي الفرصة لزيارة بلاد الشام العزيزة، حيث وجدت أمامي وفي مكتباتها العامرة بعض الكتب الحديثة - والمطبوعة في لبنان - التي أُلّفت عن العبّاس (عليه السّلام)، حيث استعنت بها عند إعادة طبع هذا الكتاب في طبعته الثانية هذه.

١٤

أو تعمّد؛ وذلك ليتسنّى تلافيه وتحاشيه في الطبعات اللاحقة لهذه الدراسة فيما لو قدّر لها أن ترى النور لمرة ثانية.

علماً بأنّي عند إعدادي لهذه الدراسة أو سواها من الكتب التسعة السابقة كنت أضع أمامي وعلى الدوام مقولة أحد الحكماء الراحلين التي تفيد: الذي يكتب يجب أن يتوخّى الحقيقة كما حدثت، لا كما يريدها هو، أو كما يريدها الآخرون؛ لأنّ الحقيقة تظهر في المستقبل، وتجلب اللوم على مَنْ أخفاها وغيّرها.

وختاماً سنمضي إلى الله تعالى بالعباس نقدّمه بين يديّ مسيرتنا المقدّسة، ومردّدين ما نظمه الخطيب الراحل الشيخ محمّد علي اليعقوبي وهو:

أبا الفضل ما لي مغيثٌ سواكْ إذا الدهرُ في صرفهِ جعجا

وكيف يردّ دعائي الإلهْ وقد جئتُ فيكَ مستشفعا

لأنّ مَنْ تقدّم إلى الله تعالى بهذا الشهيد فلن يخيب له ظنّ في يوم ما أكثر ما يخيب فيه الخائبون... والحمد لله ربّ العالمين حمداً لا يزال يبدأ، وبدء لا ينتهي.

كربلاء المقدسة

١٩٩٩م - ١٤٢٠ هـ

محمد علي يوسف الاُشيقر

١٥

من مكّة إلى دار الهجرة

عندما هاجر الرسول (صلّى الله عليه وآله) من مكة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة عام (١٣) من البعثة النبويّة الشريفة، ترك الإمام علي (عليه السّلام) في فراشه؛ للتمويه على المحاولة الآثمة التي حاكها القرشيون في الظلمات لاغتياله، والإجهاز عليه في عقر داره(١) ، فضلاً عن تكليفه لعلي (عليه السّلام) لردّ ما تجمّع عند الرسول (صلّى الله عليه وآله) من ودائع وأمانات تخص أفراد الناس من قريش وسواها.

حيث أعادها الإمام علي (عليه السّلام) كاملة إلى أهلها، ولحق رفقه كلّ مَنْ تبقى من أهل البيت (عليهم السّلام) بما فيهم الفواطم في مكة بالنبي (صلّى الله عليه وآله) في المدينة، ولم يتعرّض أحد للإمام بسوء؛ سواء في مكة أو في الطريق إلى المدينة؛ لأنّه كان محسوباً من الشجعان، وكان الناس عادة - ولا زالوا - تبتعد وتتحاشى التحرّش أو الاصطدام مع مثل هؤلاء.

وهكذا فقد حفظ الله تعالى محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بعلي (عليه السّلام)، وحفظ علياً (عليه السّلام) لمحمد (صلّى الله عليه وآله)؛ ينصره ويؤيّده ويذود عنه في الشدّة والرخاء.

وفي المدينة المنوّرة عاش الإمام علي (عليه السّلام) مع أخيه وابن عمّه الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) حياة كفاح ونضال؛ من أجل نشر أفكار ومبادئ الدين الجديد، وصدّ كلّ

____________________

(١) إذا كان الإمام علي (عليه السّلام) قد انتدب لينام في فراش الرسول (صلّى الله عليه وآله) ليلة الهجرة فقبل ذلك بصدر رحب مع احتمال أن يُقتل أو لا يُقتل دون الرسول (صلّى الله عليه وآله)، فالعباس (عليه السّلام) قد قدّر له أن يذود عن حياض ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في يوم عاشوراء مع يقينه بأنّه سيُقتل دون الحسين (عليه السّلام)، وهكذا الابن هو على سرّ أبيه.

١٦

عدوان أو اعتداء موجّه ضدّ المسلمين للنيل منهم، أو القضاء على دينهم وعقيدتهم، وبالتالي إيقاف مسيرتهما العظيمة في الأرض؛ من أجل إنقاذ الناس من حياة الذلّ والعبودية، وبعث الحياة السعيدة والكريمة لهم.

لقد خاض الرسول (صلّى الله عليه وآله) منذ وصوله إلى المدينة وحتى رحيله إلى جوار ربّه (٢١) غزوة وواقعة، وقيل أكثر من ذلك. وكان موقع الإمام (عليه السّلام) في كلّ هذه الغزوات والسرايا عند رأس النفيضة، وملازماً للنبي (صلّى الله عليه وآله) كظله، أو مرافقه الخاص وحاميه الأوّل، إلاّ في غزوة واحدة، وواحدة فقط وهي واقعة تبوك التي جرت عام (٩هـ)؛ حيث آثر الرسول (صلّى الله عليه وآله) هنا أن يدع أخاه وابن عمّه كممثّل عنه، ونائب خاصّ له في المدينة؛ لغرض تمشية شؤونها واُمورها، ومن دون أن يصحبه معه إلى هذه الواقعة.

حيث قال (صلّى الله عليه وآله) له عندما ودّعه على أبواب المدينة، وهو على رأس جيش المسلمين المتّجه إلى الجبهة، قال له بالحرف: (( يا علي، أما ترضى بأنّك وزيري ووصيِّي، وخليفتي وقاضي ديني، ومنجز وعدي، لحمك لحمي، ودمك دمي، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي )).

فقال علي (عليه السّلام): (( رضيت )).

وهكذا ظل الإمام علي (عليه السّلام) مع النبي (صلّى الله عليه وآله) يدافع عن الإسلام، ويذود عن حياضه، وينشر معالمه بالغالي والنفيس، وفي كلّ وقت وحتى النهاية.

وهذه الحالة تؤكّد العبارة ن أو الجملة المتألّقة والمشهورة عبر التاريخ، ويحفظها الكبير والصغير والتي تفيد بالحرف: إنّ الإسلام لم يقم أو يستقم إلاّ بجهاد النبي (صلّى الله عليه وآله)، وأموال خديجة (عليها السّلام)، وسيف علي (عليه السّلام).

١٧

كما وأشار إليها عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي حين نظم:

ولولا أبو طالب وابنُهُ لما مثل الدين شخصاً فقاما

فذاك بمكّة آوى وحامى وهذا بيثرب خاضَ الحماما

هذا وبعد أن استتب حال المسلمين في المدينة وانتظم شملهم، فكّر الإمام علي (عليه السّلام) في أن تكون له عائلة يركن إليها، وأن ينجب منها الأبناء والذرّية أسوة بكلّ أبناء البشر، ويليهم هؤلاء الأبناء في بناء ودعم الدولة الفتية التي أقامها الرسول (صلّى الله عليه وآله) في المدينة، والذود عن حماها ودفعها إلى الإمام، خصوصاً وإنّه (عليه السّلام) كان بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) أوّل مَنْ وضع اللبنة الأولى في كيانها، والمحرّك الأوّل لماكنتها، والحارس الأمين لحماها.

كانت السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هي أوّل امرأة تُزف إلى الإمام ويقترن بها؛ ولفضل هذه المرأة الطاهرة، ومكانتها المميّزة عند الرسول (صلّى الله عليه وآله) وفي عالم الإسلام أيضاً، فقد خطبها حشد كبير من كبار الصحابة، وطلب يدها من والدها (صلّى الله عليه وآله) أيضاً الكثير من أبناء الصحابة؛ لِما في مصاهرة الرسول (صلّى الله عليه وآله) من مكرمة لا تضاهيها أية مكرمة؛ لأنّ الله سبحانه كان قد رفع وأعلى شأنها، وأعزّها فجعلها في مقام مريم بنت عمران واُمّ موسى (عليها السّلام)، واعتبرها خيرة وسيدة نساء العالمين.

وعن هذه المكانة والمنزلة الخاصّة بالزهراء (عليها السّلام) نظم شاعر باكستان محمّد إقبال(١) يقول:

هي بنتُ مَنْ هي زوج مَنْ هي اُمّ مَنْ مَنْ ذا يُداني في الفخارِ أباها

هي ومضةٌ من نورِ عينِ المصطفى هادي الشعوب إذا ترومُ هُداها

____________________

(١) لقد تمّت الإشارة إلى سيرة الشاعر، فضلاً عن أعلام الهند وباكستان الآخرين، في كتابنا (أضواء على شبه القارة الهنديّة).

١٨

هي رحمةٌ للعالمينَ وكعبةُ ال آمالِ في الدنيا وأخراها

ولزوجِ فاطمةٍ بسورةِ هل أتى تاجٌ يفوقُ الشمسَ عند ضحاها

في روضِ فاطمةٍ نما غصنانِ لم ينجبهما في النيّراتِ سواها

ولقد آثر الله تعالى أن تكون هذه المرأة العفيفة من نصيب الإمام علي (عليه السّلام)؛ لأنّه سبحانه وتعالى كان قد أعدّها إعداداً تامّاً وكاملاً لتكون قرينةً وزوجةً لأوّل إنسان ولد في الكعبة المشرّفة، ولأوّل مَنْ صلّى مع رسوله الكريم في دنيا الإسلام، ولأوّل مَنْ آزر النبي (صلّى الله عليه وآله) ودعمه، ولأوّل مَنْ جمع القلم إلى السيف، والبلاغة إلى الرمح، وللأوّل في العلوم والشجاعة والسخاء، وللأوّل في الحلم والصفح والفصاحة، وللأوّل في الزهد والتقشّف، وللأوّل في الطاعة والعبادة، وللأوّل في التدبّر والسياسة... وباختصار للأوّل في كلّ فضيلة ومكرمة ومأثرة.

نعم، آثرها الله تعالى لتكون حليلة للأوّل في كلّ ما تقدّم بيانه، وللأوّل أيضاً في كلّ الأعمال المحمودة والفعال الحسنة الاُخرى؛ فكان كما أراد الله سبحانه، وكما أحبّ الرسول (صلّى الله عليه وآله). ولقد تمّت هذه الإرادة، وتحقّقت هذه المحبّة في عام (٢هـ)؛ حيث زُفّت الزهراء (عليها السّلام) في المدينة إلى علي (عليه السّلام)، وعاد علي إلى الزهراء (عليهما السّلام).

ولقد كانت للزهراء (عليها السّلام) منزلة خاصّة في قلب الرسول (صلّى الله عليه وآله)، حيث أعزّها وأكرمها بشكل ليس له نظير، كما أنّ إجلال الإمام علي (عليه السّلام) وإكرامه للزهراء (عليها السّلام) لم يكن أبداً بأقلّ ممّا كان عليه الرسول (صلّى الله عليه وآله).

لذا نرى أنّ الإمام علي (عليه السّلام) لم يتزوّج على الزهراء (عليها السّلام) أيّة امرأة اُخرى طيلة مدّة حياتها؛ كرامة لها. وهي نفس الحالة التي كان قد مارسها الرسول (صلّى الله عليه وآله) من قبل إزاء اُمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد (عليها السّلام) (ت عام ٩ بعد البعثة)، حيث لم يتزوّج عليها أيّة

١٩

امرأة حين كانت على قيد الحياة - حيّة ترزق - رغم أنّ التعدّدية كانت سائدة ومتعارفة حينذاك.

ولقد نظم أحد الشعراء في الإشادة، وفي مدح صهر النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول:

أخوهُ إذا عُدّ الفخارُ وصهرُهُ فلا مثلهُ أخٌ ولا مثلهُ صهرُ

وشُدَّ بهِ أزرَ النبي محمدٍ كما شُدَّ من موسى بهارونهِ الأزرُ

كما ونظم الشاعر عبد الباقي العمري الفاروقي في هذا المعنى يقول:

يا أبا الأوصياءِ أنتَ لطه صهرُهُ وابنُ عمّهِ وأخوهُ

إنّ لله في معاليكَ سرّاً أكثرُ العالمينَ ما علموهُ

أنتَ ثاني الآباءِ في منتهى ال دورِ وآباؤهُ تُعدّ بنوهُ

خلقَ اللهُ آدماً من ترابٍ فهو ابنٌ لهُ وأنتَ أبوهُ

هذا، ومن صلب علي وفاطمة، ومن بقية زوجاته الطاهرات الاُخرى جاء النسب العلوي والذريّة الهاشميّة الطيّبة التي ملأت أطراف الأرض، والذي قال (صلّى الله عليه وآله) عن ذلك: (( إنّ كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي )).

وقال (صلّى الله عليه وآله) كذلك: (( ولولا علي ما كانت لي ذريّة )).

كما ودعا الرسول (صلّى الله عليه وآله) لذريّة علي وفاطمة (عليهما السّلام) بقوله: (( اللّهمّ اخرج منهما الكثير الطيّب ))(١) .

فكان كما قال الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وكان كما دعا.

____________________

(١) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) - توفيق أبو علم، أهل البيت - توفيق أبو علم.

٢٠