العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد

العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد0%

العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد مؤلف:
الناشر: مؤسسة محبّين للطباعة والنشر
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 216

العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمّد علي يوسف الاشيقر
الناشر: مؤسسة محبّين للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 216
المشاهدات: 43023
تحميل: 7197

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43023 / تحميل: 7197
الحجم الحجم الحجم
العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد

العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد

مؤلف:
الناشر: مؤسسة محبّين للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حالتها الصحية.

ثمّ غادر الرجال الثلاثة المكان بعد أن أعطوا النساء رقم هاتف خاصّ؛ لغرض الاتصال بهم في حالة وفاة البنت، أو حدوث شيء آخر.

وفي فجر اليوم التالي، وعند فتح أبواب الحرم قمت وبمساعدة آخرين من خدم الروضة بنقل البنت، وهي نائمة في فراشها (وكانت لا تكاد تخرج عن أن تكون هيكلاً عظمياً، وأنّها لا تأكل ولا تشرب إلاّ قطرات من الماء، والسوائل التي تسكب في فمها بين فترة واُخرى) إلى داخل الحرم. نعم، تمّ نقلها إلى داخل الحرم، وقمت بدوري بربطها بالشباك بقطعة من القماش، والدعاء إلى الله تعالى في أن يعافيها من علّتها التي تشكو منها.

وهكذا استمر الحال على هذا المنوال (أي نقلها يومياً عند الصباح إلى الحرم وربطها بالشباك، وإعادتها في الليل وعند إغلاق الحرم إلى مكانها في الصحن) استمر الحال لمدّة (٧) أيام متتالية.

وفي اليوم السابع والأخير، وكالعادة - وعند فتح الحرم صباحاً - نقلنا البنت إلى الحرم، وتمّ ربطها إلى الشباك، وبعد ذلك قمت بأداء بعض الصلوات والنوافل.

وفيما كنت مشتغلاً في أداء هذه الصلوات وإذا بي أسمع أمّ الطفلة تنادي بصوت عالي داخل الحرم: « ي ا ابنتي! يا حبيبتي! » ولم أكن أعرف سبب صدور هذا الصياح أو حقيقته، إلاّ أنّي شعرت بأنّ هناك شيئاً جديداً ربّما قد حصل للبنت؛ لذا أسرعت في إنهاء الصلاة، وتوجّهت إثرها إلى المكان الذي ربطت فيه البنت بالشباك - والذي لا يبعد عن مكان صلاتي كثيراً -، وعند وصولي إلى هناك وجدت

١٦١

فراش البنت خالياً منها وليس للبنت أثر، ظننت أنّ هناك خلافات عشائرية بين قبيلة البنت وقبيلة أخرى قام إثرها شخص من القبيلة الأخيرة باختطافها - كما هو جار بين بعض القبائل -؛ لغرض إملاء شروط معينة، أو لردّ اعتبار، أو سوى ذلك.

وبسبب ذلك قد ارتبكت كثيراً؛ لأنّ مردود هذا الاختطاف - لو حصل فرضاً - سينعكس علينا كخدّام للروضة العباسية، حيث إنّها باتت في ذمّتنا منذ أن حطّت رحالها في روضة العباس (عليه السّلام)؛ لذا فقد قمت بالبحث عنها هنا وهناك، كما وكلّفت مَنْ كان موجوداً في الحرم من الخدم بالتفتيش والبحث عنها في أرجاء الصحن، أو عند أبوابه في الشوارع القريبة.

وبينما كنت أبحث عنها في أرجاء الحرم بما فيها رواقاته (أواوينه) - والشمس لم تشرق ب عد - وإذا بي أجد أمامي بنتاً في إحدى أروقة الحرم، وهو (الشمالي الشرقي)، وهي تمشي وتتعثّر في مشيتها، وحيث إنّي لم أكن أعرف شكلها جيداً؛ لذا فقد سألتها عمّن تكون، فأجابت: أنا الذي كنت نائمة بجوار شباك العباس (عليه السّلام) لمدّة (٧) أيام؛ حيث جاءني سيدي هذا اليوم وطلب منّي القيام فقمت وجئت معه إلى هنا، وقد قلت - والكلام لا زال للبنت - له: مَنْ أنت؟ فقال: أنا الذي جئتِ إليه منذ أسبوع.

وأضافت البنت في حديثها: أنّ سيدي كان واقفاً إلى جواري حين جئت إلى هنا، ولكن يظهر أنّك لم تشاهده.

وفي الحال ذهبت إلى أهلها في الخارج وناديتهم فجاؤوا إليها مسرعين، ولقد

١٦٢

اجتمع الناس وازدحموا حولها بأعداد كبيرة، وهم يصلّون على محمّد وعلى آل محمّد، كما أخذت النسوة بإطلاق الزغاريد والهلاهل، وأوشك هؤلاء المجتمعين أن يمزّقوا ثياب البنت للتبرّك والمراد - كما هي العادة في مثل هذه الحالة -؛ ممّا اضطررت لإدخالها ووضعها في إحدى حجرات (غرف) الحرم الداخلية الصغيرة، وتقع هذه في الجهة الشمالية الشرقية، والتي لها نافذة مطلّة على الصحن الشرقي للروضة.

وبعد بزوع ا لشمس بفترة قصيرة، وانتشار خبر البنت، وسماع الناس في الخارج له، تجمهروا بأعداد كبيرة عند نافذة (شباك) الحجرة (الغرفة) المطلّة على الصحن، وتعالت منهم الصلوات على محمّد وآل محمّد، والهلاهل والزغاريد، وارتفعت الأصوات، حيث اختل ط الحابل بالنابل (كما يقول المثل).

ولقد تمّ الاتصال بالمتصرّف (المحافظ)، وكان حينذاك هو (السيد عبد الصاحب القرغولي - أبو زمن)، فجاء المحافظ في الحال، وطلب مخاطبة البنت بنفسه، حيث فتحت له باب الحجرة، وبالفعل تكلّم معها، واستفسر عن حالها ووضعها الراهن، فأجابت بمثل ما سبق ل ها أن أجابتني، ثمّ طلبت البنت منّي شيئاً من الطعام، فجلبت لها الفطور - وكان هذا على ما أتذكر هو (باجة على خبز منقوع) - فأكلته.

كما ووصل إ ثر ذلك سادن الروضة العباسية، وهو السيد بدر الدين ضياء الدين بعد أن أوصل الناس إليه الخبر، وتكلّم هو بدوره معها. وطلبت أنا هنا من المحافظ تأمين إخراج البنت من الحجرة إلى خارج الصحن؛

١٦٣

لأن الناس قد تضاعف عددهم، وسيمزّقون كلّ ثياب البنت (فيما لو خرجت من دون حماية) شرّ ممزّق؛ لغرض التبرك بها.

وأجابني المحافظ بأنّ هذا الأمر هو من صلاحية واختصاص خدمة الروضة والأوقاف، وليس من صلاحياتنا، ووعد بأنّه سيوعز إلى مدير الأوقاف للمجيء إلى هنا فوراً؛ للمساعدة في إخراج البنت إلى الخارج بسلام وأمان.

وبالفعل جاء السيد مدير الأوقاف، وكان يُدعى « ت ركي حسن - أبو غازي » إلى الروضة، وبمساعدة خدمة الروضة، ومَنْ يعتمد عليهم من الناس أمكن صنع زنجيل وجدار محكم من الأيدي استطعنا عبره من إخراج البنت من داخل الحجرة، والتي كانت تسير على قدميها داخل هذا الطوق المحكم، والمحاط من الخارج بالحشود الكبيرة من جماهير البلدة، والتي لا تُعدّ ولا تُحصى عدداً، والتي كانت تردد الصلوات على محمّد وآل محمّد والهلاهل والزغاريد.

نعم، أمكن إيصالها بسلام إلى السيارة التي كانت واقفة عند باب قبلة العباس (عليه السّلام)، والتي جاء بها أهلها إلى كرب ل اء بعد سماعهم بالخبر - باتصال هاتفي -، وانطلقت السيارة بها من أمام باب قبلة العباس بين الآلاف المؤلّفة من الناس إلى بلدهم في محافظة الدليم (الأنبار) »

٦ - كما وروى لنا الشيخ الحاج عباس الكيشوان أيضاً الكرامة الأخرى التالية، والتي تمّت تحت بصره وسمعه: « ب عد مضي فترة على الكرامة (المعجزة) السابقة، جاء رجل من أهالي بغداد إلى حرم العباس (عليه السّلام) برفقة طفل كان يحمله معه، وبعمر (٨) سنوات، وكان مشلولاً لا يتمكّن من السير والحركة؛

١٦٤

حيث أخذه أبوه إلى عدّة دول خارجية لعلاجه، ولكن من دون جدوى؛ لذا آثر هذا البغدادي أن يجلبه معه إلى حرم العبّاس (عليه السّلام) في كربلاء علّه يجد في كنفه العافية والشفاء.

وبالفعل [ يقول والد الطفل: ] ربطته بشباك العبّاس (عليه السّلام) ودعوت الله تعالى بمنزلة ومكانة العبّاس عنده أن يشافيه، وما هي إلاّ عدّة ساعات (ثلاث ساعات على وجه التحديد) وإذا بهذا الطفل يقف أمامنا صحيحاً معافىً من دون أيّة علّة أو عجز أو ما يشكو منه، وتعالت الصلوات والهلاهل إثر ذلك من كلّ الحاضرين في المكان.

٧ - وقصّ علينا الشيخ الحاج عباس الكيشوان أيضاً هذه الكرامة لأبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) وهي: في ليلة الجمعة، والذي يبقى فيها مفتوحاً حتّى الصباح، وعند منتصف الليل من أحد أيام عام ١٩٦٩ م جاء إلى حرم العبّاس (عليه السّلام) طبيب أعمى العينين (بصير)، وطلب منّي أن أتولّى زيارة للعباس (عليه السّلام) ودعاء له عند الله تعالى بمكانة العبّاس ومنزلته أن يعيد بصره إليه.

وبالفعل، وبعد فترة قصيرة من قيامي بما طلب منّي هذا الطبيب عمله، أبصر هذا الطبيب ورأى النور لأوّل مرّة أمامي وأمام كلّ مَنْ كان حاضراً في الحرم حينذاك، وقد تعالت إثر ذلك الصلوات على محمّد وآل محمّد، والزغاريد والهلاهل في المكان.

٨ - قال لنا السيد عبد المطلب هاشم القصير آل نصر الله بحضور عدد من خدم الروضة العباسية، ومنهم كان السيد محمود أبو المعالي، وأمام باب العبّاس المسمّاة (باب الحسين) قال بالحرف: في عام ١٩٦٠م دخل شاب أخرس من أمامي إلى الحرم العباسي، وبعد

١٦٥

ساعتين - على وجه التحديد - من ذلك خرج هذا الشاب ومن أمامي أيضاً وهو ينطق، ويتكلّم بكلّ صراحة وبصورة صحيحة، وقد تعالت لذلك الصلوات على محمّد وعلى آل محمّد، والزغاريد والهلاهل والتكبير من قبل الجموع التي أحاطت به من كلّ جانب.

٩ - حدّثنا الأخ السيد حميد هاشم جلوخان وعند باب العبّاس الغربية المسمّاة (باب الحسن)، وبحضور السيد محمود أبو المعالي وغيره من خدم الروضة بالحرف: في منتصف الأربعينات كنّا نذهب عادة مع كثير من خدم الروضتين المقدّستين إلى محطّة القطار؛ لغرض استقبال زوار الحرمين واستصحابهم إلى البلدة؛ لغرض أداء الزيارة لهم في حرمي الحسين والعباس (عليهما السّلام)، وتقديم كلّ خدمة يحتاجونها.

وصادف مرّة أن وجدت في المحطة امرأة زائرة كانت تشكو من مرض عضال في رقبتها يعيق حركتها، وأعلمتني في الطريق إلى البلدة بأنّ لديها نذراً مقداره دينار واحد إلى العبّاس (عليه السّلام)، وعند استصحابها إلى حرم العبّاس لأداء الزيارة لها والدعاء لها، ومن ثمّ استلام مبلغ النذر منها كما هي العادة، قالت لي في حرم العبّاس: إنّي لن أدفع هذا النذر إليك إلاّ بعد شفائي ممّا أشكو منه. وطلبت أيضاً ربطها بالشباك والدعاء لها عند الله بالشفاء.

وبالفعل نفذّت طلبها؛ حيث ربطتها بالشباك ودعوت لها، حيث يئست من استلام النذر منها في الوقت؛ لاستحالة شفائها من دون معجزة سريعة.

وتركتها في داخل الحرم وذهبت إلى مكان تواجد خدم الروضة في الطارمة

١٦٦

الأماميّة، ولم تمض إلاّ ربع ساعة - على وجه التحديد - وإذا بأصوات الزغاريد والهلاهل والصلوات تملأ أرجاء الحرم، وعند دخولي إلى الحرم حيث تتواجد هذه المرأة، شاهدتها بأمّ عينيّ محاطة بالزوار من كلّ جانب وهي بكامل صحتها وعافيتها، وعلى الفور أقبلت إليّ وأعطتني الدينار الموعود رغم أنّي كنت قد يئست منه عند ربطها بالشباك.

١٠ - لقد روى لنا السيد سلمان السيد حسن ضياء الدين في داخل دكان (حانوت) أولاده عند باب قبلة الحسين (عليه السّلام)، بحضور أولاده وبعض الزوار السعوديين والإيرانيين الذين جاؤوا إلى الدكان لشراء ما يحتاجونه من الهدايا، كالسبح والخواتم والأكفان والترب... إلخ بالحرف:

في منتصف الخمسينات كنّا نحن خدم الروضتين المقدّستين نجلس عند أبواب البلدة لاستقبال الزوار القادمين إلى كربلاء، وفي أحد أيام الخميس (ليلة الجمعة) كنت أجلس مع كثير من الخدم عند باب طويريج (الهندية)، وفي صباح هذا اليوم قدمت امرأة محمولة - بالعبي - من قبل زوجها وبعض أقربائها من النساء والرجال، وقد سألني الزوج عن موقع كراج سيارات بغداد، وعند الاستفسار منه عن علّة ذلك أجاب: بأنّ زوجته هذه مريضة جداً ولا تتحرك، ويرغب في أن ينقلها إلى بغداد لإدخالها المستشفى هناك لمعالجتها.

وهنا قلت صراحة للجميع: بأنّ هذه الليلة هي ليلة الجمعة، والناس تأتي من كلّ الأطراف إلى كربلاء لزيارة الحسين والعباس (عليهما السّلام)، وأنتم في مثل هذا الوقت

١٦٧

تتركون كربلاء إلى بغداد، وحبّذت لهم البقاء في كربلاء هذه الليلة وربط المرأة بشباك العبّاس (عليه السّلام)؛ لعل الله تعالى يعافيها من مرضها، وأضفت أنّه يمكن في اليوم التالي (الجمعة) السفر إلى أية جهة يرغبونها.

ولقد أيّدت النسوة اقتراحي هذا فيما أصرّ الزوج على السفر فوراً إلى بغداد، إلاّ أنّ النتيجة كانت لصالح النسوة.

وبالفعل جئت بالمرأة مع أهلها إلى حرم العبّاس (عليه السّلام) وربطتها بالشباك، وقدّمت لها شيئاً من ماء الشفاء فشربت منه شيئاً، ومسحت بالباقي منه على جسمها، ومن ثمّ دعوت الله تعالى لها بالشفاء، وتركت الجميع عند شباك العبّاس (عليه السّلام).

وفي صباح اليوم التالي (الجمعة) وعند دخول روضة العبّاس من باب القبلة رأيت امرأة تقع (تنزل) على أقدامي، وتتوسّل إليّ وتدعو لي بالخير والتوفيق، وقد سألتها عمّن تكن وماذا جرى، فأجابت بأنّها المرأة التي ربطتها بشباك العبّاس في صباح الأمس، وأنّ الله تعالى قد شافاها في المساء، وأنّها كانت تبحث عنّي منذ ذلك الوقت إلى الآن، وقد وجدتني الآن.

وبدلاً من أن يذهب بها أهلها إلى بغداد لإدخالها إلى المستشفى هناك عادت هي معهم سليمة وصحيحة إلى بلدها، والذي يقع في محافظة المثنى (السماوة) بعد أن منحوني ما هو مقسوم من النذر.

١٦٨

ما يُنسب إلى العبّاس

يحتل القادة والمجاهدون والمناضلون في سبيل الحقّ والعدل والحرية مكانة مميّزة ومرموقة في نفوس مواطنيهم؛ لما قدّموه لهم من جهود وتضحيات جسام في سبيل تقدّمهم ونهضتهم وسعادتهم، وهي مكانة ومنزلة خاصّة لا تضاهيها أيّة مكانة اُخرى.

وفي سبيل تقريب أسماء ورموز هؤلاء القادة إلى نفوس الجماهير، وجعلهم على تماس واتصال دائم ومستمر معهم بعد رحيلهم عن وجه الأرض؛ لغرض الاقتداء بهديهم، والاسترشاد بسلوكهم وسيرتهم الحافلة في خضمّ الحياة الدنيا.

قام هؤلاء بالاحتفاظ بكلّ ما خلّفه هؤلاء من آثار ومخلّفات ورسوم خاصّة بهم؛ مخافة أن تودي بها عوادي الدهر، فضلاً عن مساعيهم في إحياء أيامهم والإشادة بذكراهم في كلّ مناسبة ووقت متاح.

وهذه الحالة لا تنسحب فقط على رسل الله تعالى وأنبيائه، وبمَنْ تعلّق بهؤلاء الرسل من أهل بيت وعشيرة وأصحاب، وإنّما تمتد إلى سواهم من الناس ممّن لهم جهود ونضال في استقلال بلدانهم، ودرء العدوان عنها، وازدهار مواطنيها، رغم بعد بعض هؤلاء عن المحيط السماوي والفلك الإلهي والدعم الربّاني.

ففي تايلند وسريلانكا القادم إليهما عن كثب تماثيل بوذا بمختلف أحجامها، ويشاهد متاحفه المختلفة ووصاياه، وقد خُطّت على لوحات، ووضعت أو رفعت على جدران هذه المتاحف، أو في الشوارع العامّة والساحات، وأطراف الحدائق

١٦٩

والمتنزهات والمحلاّت العامّة.

وفي الهند نجد نفس الشيء بالنسبة إلى « راما، سيتا، لكشمي، هانومان »، وهم قادة الهندوس الروحيين قديماً.

وفي العالم الاشتراكي نرى آثار ومخلّفات قادته معروضة في متاحف خاصة، إضافة لتحنيط البعض منهم؛ ليتسنى للجميع مشاهدتهم عن كثب، فضلاً عن تعميم وصاياهم، وخطبهم في كتب ودراسات، وكراسات يتداولها الناس ويقرؤونها باستمرار، ويستشهدون بها في كلّ مناسبة.

وفي العالم الرأسمالي، وفي الدول النامية نجد الحال نفسه، حيث تتواجد المتاحف التي تضمّ مخلّفات زعمائهم وقادتهم، فضلاً عن نشر أقوالهم وخطبهم في الكتب، أو خطّها في لوحات كبيرة داخل المتاحف، أو إيداعها شاخصة في أماكن بارزة في الساحات العامة والشوارع والحدائق والمنتزهات.

أمّا في المحيط الإسلامي، فإنّ آثار الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام وأصحابه العظام لا تكاد تخلو منها المتاحف الإسلاميّة في هذا القطر أو ذاك؛ لغرض التبرّك بها والاعتبار منها.

ففي دلهي بالهند، وفي زاوية خاصّة من جامعها الكبير (جامع سجود) نجد متحفاً يضمّ بعض المخلّفات الخاصّة بالرسول (صلّى الله عليه وآله) مثل بعض الشعرات من رأسه محفوظة داخل وعاء زجاجي أمين ومحكم، فضلاً عن تواجد قميص يُنسب إليه (صلّى الله عليه وآله)، وقرآن خطّي يُنسب إلى الإمام علي (عليه السّلام)، وعباءة تُنسب إلى فاطمة الزهراء (عليها السّلام)، ونعل يُنسب إلى الحسن (عليه السّلام)، وعمامة تُنسب إلى الحسين (عليه السّلام)، وأسنان تُنسب إلى أويس القرني... إلخ.

١٧٠

ومثل هذه الأشياء وسواها نجدها في ركن خاص في مسجد لاهور المركزي (بادشاهي مسجد) في الباكستان ومدن باكستانية قليلة اُخرى.

وفي اسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية نجد في متحفها الإسلامي الكبير من هذه المخلّفات التي تُنسب إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله)، أو أهل بيته وأصحابه، أو التابعين لهم بإحسان.

هذا، وإنّ الذي أوردناه آنفاً يُنسب أيضاً إلى العبّاس بن علي (عليه السّلام) موضوع هذا البحث، حيث نشير هنا إلى أنّ هناك حاجات ومواقع كثيرة تُنسب إليه، وإنّما احتُفظت هذه إلى هذا الوقت؛ وذلك تثميناً وجزاء وفاقاً لما قدّمه هذا الفارس المغوار من جهود وتضحيات في سبيل نصرة كلمة الحقّ والعدل، وسحق نوازع الظلم والعدوان، والتي توّجها بتقديم نفسه وروحه رخيصة على هذا الطريق.

ومن هذه الأشياء والمواقع التي تُنسب إليه (عليه السّلام)، ولا زالت بارزة وصامدة إلى الآن، ولم يعف عليها الزمن هي:

١ - يوم العبّاس (سابوعاه)

وهو اليوم السابع من شهر محرّم الحرام لعام ٦١هـ، حيث إنّ العبّاس (عليه السّلام) في مثل هذا اليوم كانت قد اُنيطت به مع بعض خاصّة أصحاب الحسين (عليه السّلام) مهمّة اقتحام نهر الفرات (العلقمي) عنوة، وإزاحة جموع الأعداء منه، ومن ثمّ جلب الماء إلى الحسين (عليه السّلام) وأهل بيته وأصحابه المتواجدين داخل المخيّم، وفي (٢٠) قربة مملوءة منه لإرواء عطشهم الذي أخذ منهم كلّ مأخذ.

لذا يحتفل المسلمون بمثل هذا اليوم من كلّ عام، ويعدّونه يوم العبّاس كما يعدّون يوم الثامن من المحرّم يوم علي الأكبر؛ حيث يشيدون ويجدّدون فيه

١٧١

نضاله (عليه السّلام)، وهمّته وجهوده في جلب الماء من النهر رغم ما تعرّض له من مخاطر عند الذهاب والإياب، فضلاً عن مساعيه الاُخرى في الدفاع عن الحسين (عليه السّلام) وعن المبادئ السامية التي كان يحملها معه عند قدومه إلى كربلاء، والتي يجدها القارئ الكريم مبسوطة في سطور هذا الكتاب.

٢ - مقام كفّ العبّاس اليمنى

ويقع هذا المقام في الجهة الشمالية الشرقية من روضة العبّاس المطهّرة، وعلى بعد ما يُقرب من (٧٠) متراً من جدار هذه الروضة، وفي هذا المكان بالذات كان العبّاس في العاشر من المحرّم يحمل لوحده الماء إلى مخيّم الحسين (عليه السّلام) بعد أن اقتحم المشرعة وحده، وملأ القربة التي كان يحملها بالماء منها، حيث تصدّى له في طريق عودته، وفي هذا المكان بالتحديد أحد مرتزقة جيش ابن سعد وضربه على كفّه اليمنى وقطعها، حيث هوت هنا إلى الأرض.

وحينها نقل العبّاس (عليه السّلام) السيف من يده اليمنى التي قُطعت كفّها إلى اليد اليُسرى؛ لغرض حماية الماء الذي يحمله، وإيصاله بسلام إلى مخيّم الحسين (عليه السّلام) لإرواء عطش مَنْ يُقيم فيه من النساء والأطفال والمرضى.

هذا وقد تمّ إعادة تشييد المقام، وغُطّي بالكاشي والذي يضمّ آيات قرآنية مختلفة، فضلاً عن صورة لكفّي العبّاس، وأبيات من الشعر، ومنها ما نظمه السيد جعفر الحلّي حول الموضوع، وهي:

فمشى لمصرعهِ الحسينُ وطرفُه بينَ الخيامِ وبينه متقسّمُ

قد رامَ يلثمهُ فلم يرَ موضعاً لم يدمهِ عضُّ السلاحِ فيلثمُ

١٧٢

٣ - مقام كفّ العبّاس اليُسرى

وفي هذا المكان بالذات والقريب من الأوّل، ضرب مرتزق آخر، ضرب العبّاس (عليه السّلام) على يده اليُسرى فقطعها وهوت إلى الأرض.

ويقع هذا المقام حالياً إلى الجنوب الشرقي من الروضة المقدّسة، وعلى بعد حوالي (٥٠) م من جدار الروضة.

وبسبب التطوّر الكبير الذي جرى أخيراً على الشوارع والأزقّة المحيطة والقريبة من الروضة المقدّسة، ووقع المقام القديم في وسط الشارع المحيط بالروضة؛ لذا فقد نُقل هذا المقام إلى مكان قريب آخر يجاور المكان السابق، وبالتحديد في وسط زقاق عريض يمتدّ من الشارع المحيط إلى محلّة باب الخان، حيث شيد على هذا المكان بناء حديث اسطواني الشكل مغطّى بالشبابيك والكاشي الكربلائي البديع، وهو يتناسب وذكرى صاحبه الشهيد الباسل.

هذا، وإنّ تشييد المقامين « كان من وحي العقيدة التي لا تفتأ، تدفع بمحبّي أهل البيت (عليهم السّلام) تشييد المقامات والرموز؛ إذ يرون في عملهم هذا متمّماً لما عليهم من واجب التقديس والحبّ »(١) .

وفي أعلى المقام القديم الذي هدّم بعد وقوعه في وسط الشارع، واستبدله بالمقام الحديث القريب منه كانت هناك لوحة من الكاشي كانت قد سجّلت عليها الأبيات التالية، وهي من نظم الشاعر الشيخ محمّد السراج الكربلائي:

____________________

(١) مدينة الحسين - محمّد حسن مصطفى الكليدار.

١٧٣

سل إذا ما شئت واسمع واعلمِ ثمّ خذ منّي جوابَ المفهمِ

إنّ في هذا المقامِ انقطعتْ يسرةُ العبّاسِ بحرِ الكرمِ

ها هنا يا صاح طاحت بعدما طاحت اليمنى بجنبِ العلقمي

اجرِ دمعَ العينِ وابكيه أسىً حقّ أن يُبكى بدمعٍ من دمِ

٤ - خيمة العبّاس

وهذه الخيمة أو مكانها يقع عند مدخل المخيّم الحالي، وبالتحديد بين الباب الرئيسية المطلّة على الشارع العام ونهاية الدرجات الست التي تعقبها، حيث شيّدتْ على هذا المكان قبّة من الكاشي يعلوها علم يكون عادة بلون أحمر على مدار السنة، حيث يستبدل بآخر وبلون أسود في شهر محرّم وصفر فقط من كلّ عام، وكما هو حال علمي قبّتي الحسين والعباس (عليهما السّلام).

ويُقال: إنّ هذا المكان هو الموضع الحقيقي الذي نصب عليه العبّاس (عليه السّلام) خيمته عند وصول ركب الحسين وأهل بيته إلى كربلاء، واستقراره في هذه المنطقة من طفّ كربلاء(١) .

وإنّما نصب العبّاس (عليه السّلام) خيمته عند مدخل المخيّم؛ بسبب أنّ مهمّته التي كلّف بها كانت الحفاظ على المخيّم، ومَنْ يضمّ في أركانه من النساء والأطفال وسواهم، فضلاً عن المحافظة عليهم منذ مغادرتهم للمدينة المنورة وحتّى وصولهم أرض

____________________

(١) يرى البعض أنّ المخيّم الحالي ليس هو مخيّم الحسين (عليه السّلام) الحقيقي، وعندهم أنّ مكانه الحقيقي يقع في منطقة المستشفى القديم (خلف حي البلدية)، أو على طريق الحرّ (خلف حي السعدية والجمعية). ونرى أنّ المخيّم الحالي هو الذي استقرّ عليه الحال عبر مئات السنين، فضلاً عن أنّ موقعه بقرب الحرمين كان ملائماً لخروج المقاتلين منه في معركة الطفّ، إضافة لمشاهدة وقائع النزال بين الطرفين من مدخله.

١٧٤

كربلاء في الثاني من المحرّم لعام (٦١هـ).

٥ - بئر العبّاس

وتقع هذه البئر وسط المخيّم، وإلى الشمال الشرقي من محراب الحسين (عليه السّلام) داخل المخيّم، وعلى بعد عدّة أمتار منه، وقد تمّ حفر هذه البئر مع اثنين آخرين - أو أكثر من ذلك - من قبل العبّاس، وبأمر من الحسين (عليه السّلام) في يوم (٧) محرّم حين ألمّ العطش بمَنْ كان يقيم في المخيّم؛ وذلك بسبب تعذّر الوصول إلى نهر الفرات (العلقمي) بسهولة، إلاّ أنّه مع الأسف لم يعثر على الماء في كلّ الآبار التي حُفرت نظراً لارتفاع سطح الأرض في المنطقة التي يتواجد عليها المخيّم.

ويظهر أنّ الآبار التي حُفرت قد اندرست لكونها - كما نرى - كانت في أطراف المخيّم، عدا هذه البئر الواقعة في قلب المخيّم وعند محراب الحسين (عليه السّلام)، حيث ظلّت على حاله وهي الآن بعمق مترين، ومغطاة بشباك من الحديد بطول وعرض ٧٠ × ٧٠ سم لتلافي سقوط أحد فيها.

هذا وبسبب تعذّر الحصول على الماء في كلّ الآبار التي حُفرت اضطر العبّاس في يوم (٧) محرّم مع جماعة من أنصاره لاقتحام النهر عنوة بعد أن كشف مَنْ كان يتولّى حمايته من فرسان العدو، وجلب الماء منه إلى سكان المخيّم لإرواء ظمأهم.

٦ - راية (علم) العبّاس (علمدار)

نشير إلى كون العبّاس (عليه السّلام) هو الحامل لراية الحسين (عليه السّلام) في ملحمة كربلاء؛ لذا فقد ارتبطت كلّ الرايات والأعلام التي تُنصب في المناسبات الدينية، والمتعلّقة بواقعة الطفّ، ارتبطت باسم العبّاس (عليه السّلام).

فلا عجب أن نجد عند كلّ حسينية، أو في كثير من الدور في باكستان وأقطار

١٧٥

اُخرى أعلاماً تعلو لعشرات الأمتار، وقد أُعدت كذكرى للعباس (عليه السّلام) في موقفه المشرف، ومن واقعة كربلاء ودوره الفعّال في الدفاع عن المثل العليا التي قامت عليها.

كما ولا عجب أن نرى شوارع وحدائق تحمل اسم صاحب هذه الراية (ويسمى بالأوردية والفارسية علمدار)؛ حيث نجد في كويته عاصمة إقليم بلوجستان في باكستان شارعاً مهمّاً باسم (علمدار رود)، وهو يبدأ من مركز البلدة (ميزان چوك) ليخترق شرق المدينة، وينتهي عند حافة الجبال المطلّة على البلدة من الشرق، فضلاً عن شوارع وأزقة اُخرى بهذا الاسم، وفي هذا البلد أو ذاك.

أمّا بصدد اسم العبّاس (عليه السّلام) فهناك العشرات من المدارس والمستشفيات، والمستوصفات والصيدليات، والفنادق والمساجد، والمخافر والأحياء السكنية، وكلّ ذلك تيمّناً بصاحب هذا الاسم؛ لمكانته المتقدّمة في الإسلام، ودوره المميّز في إعلاء كلمة الحقّ والعدل والحرية.

٧ - زيارة العبّاس في كلّ يوم سبت

تستأثر المشاهد المقدّسة في كافة أنحاء العالم الإسلامي بل وفي العالم الإسلامي باهتمام محبّيها ومريديها، حيث يحرص هؤلاء على زيارة هذه المشاهد بانتظام، وخصوصاً في المناسبات المقرّرة لهذه الزيارة، والتي تكون في الغالب عند ذكرى المولد والوفاة، أو الأعياد أو سوى ذلك.

وبقدر تعلّق الأمر بالمشاهد المقدّسة في قطر العراق، أو بمشهد العبّاس (عليه السّلام) موضوع هذا البحث؛ فإنّ لكثير من هذه المشاهد مناسبات مخصوصة ومنصوصة من قبل أئمّة الهدى أو القادة الروحانيِّين السابقين، حيث يلتزم بأوقاتها ومواعيدها

١٧٦

المقرّرة هذه الجميع من دون استثناء.

وحيث إنّ كلّ مناسبة من هذه ترد مرّة كلّ سنة، وإنّها - من ثمّ - في مجموعها بالنسبة للمشهد الواحد لا تتعدّى عن أصابع اليد الواحدة في غضون السنة، ممّا يدع فترة طويلة تفصل بين كلّ مناسبة والاُخرى التي تعقبها؛ لذا فقد تداعى واتّفق رواد وأنصار هذه المشاهد وزوّارها على تعيين وترتيب أياماً معيّنة من كلّ أسبوع لزيارة هذه المشاهد؛ ليكون حضور الزوّار وعن مختلف الأطراف والجهات يتكرر إليها كلّ أسبوع من دونما توقّف أو انقطاع.

لذا فقد استقر الأمر والقرار على اعتبار يوم الأحد من كلّ أسبوع موعداً خاصّاً لزيارة مرقد الإمام علي (عليه السّلام) في النجف الأشرف - إضافة لزيارته المخصوصة كلّ سنة -، واعتبار يوم الأربعاء وقتاً مقرّراً لزيارة الإمامين الجوادين (الكاظمين) في مدينة الكاظمية، وليلة الجمعة ويومها موعداً ووقتاً مخصوصاً لزيارة الإمام الحسين (عليه السّلام) - إضافة لزياراته المخصوصة في السنّة والتي تزيد في العدد على عدد زيارات أيّ مشهد آخر -، وحدّد مساء الثلاثاء (ليلة الأربعاء) من كلّ أسبوع كوقت مقرّر لزيارة مسجد الكوفة والسهلة فضلاً عن مشهدي مسلم بن عقيل وهاني بن عروة الذين يقعان إلى جوار المسجد الأوّل.

أمّا بالنسبة لمشهد أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) فقد وضع له، أو استقر الأمر على أن يكون يوم السبت من كلّ اُسبوع موعداً لزيارته.

والعجيب هنا: أنّ النساء قد التزمن بهذا الموعد بشكل يثير الانتباه دون الرجال، وبعد تحرّينا الدقيق عن علّة ومردّ اختيار يوم السبت بالذات كوقت مخصوص لزيارة العبّاس (عليه السّلام)، وتقيّد النسوة به

١٧٧

بصورة منتظمة دون الرجال.

نعم، بعد تحرّينا عن خلفيات وأوليات وضع هذا اليوم دون سواه، ومن جماهير الكبار والمسنّين من ذوي العلم والمعرفة، ومن الجنسين الرجال والنساء، وفي هذا المكان أو ذاك، ظهر لنا - من كلّ ذلك - أنّه كانت منذ عدّة عقود قد تمتد إلى قرن من الزمن، كانت هناك امرأة كردية (فيليّة النسب) من أهالي محافظة ديالى قد بلغت سنّ المراهقة، ولكن لم يخطبها أو يتقدّم إليها رجل، وقد استمرت في التقدم بالعمر ولكن من دون أن يتقدّم إليها أحد ليطلب يدها؛ لذا فقد آثرت هذه المرأة الكردية أو قرّرت من تلقاء نفسها أن تأتي كلّ يوم سبت إلى كربلاء لزيارة مرقد العبّاس (عليه السّلام)؛ لعل الله يحقّق لها مرادها بواسطة وجاه ومنزلة العبّاس (عليه السّلام)، وهو أن تجد لها زوجاً مناسباً، ومن ثمّ يرزقها منه ذرّيّة صالحة قبل أن تودّع هذه الحياة الدنيا الوداع الأخير.

وأخذت هذه المرأة تلتزم بانتظام بزيارة العبّاس (عليه السّلام) في كلّ يوم سبت من كل أسبوع، وحين بلغ تردّدها سبعة أسابيع وإذا بخاطب يتقدّم إلى دارها ليطلب يدها من ذويها، حيث اعتبرت ذلك من كرامات العبّاس (عليه السّلام) ومآثره، وجلبت معها بعد خطبتها لحرم العبّاس (عليه السّلام) الخبز والفاكهة لتوزيعها على زوّار هذا الحرم.

ويشاهد هنا أنّ البعض من النسوة القادمات للزيارة في أيام السبت قد يجلبن معهنّ كميات كبيرة من لفّات الخبز والصمون، وفي داخلها شيئاً من الخضرة والجبن، وتدعى هذه بـ «السفرة» أو «سفرة العباس»؛ لغرض توزيعها على الزوّار المتواجدين في داخل الحرم.

ومردّ جلب هذه السفرة فهو إمّا لأنّ مراد هؤلاء قد تحقّق، أو لغرض السرعة في تلبية هذا المراد من الله تعالى ببركة العبّاس (عليه السّلام) إن لم يكن قد تحقّق بعد؛ وذلك تأسياً بما قامت به المرأة الكردية من قبل بعد تحقّق طلبها ومرادها.

١٧٨

تاريخ الروضة العباسيّة

لقد مرّت عمليات بناء وصيانة وتعميرات كثيرة على الروضة العباسيّة قبل أن تستقر بشكلها ووضعها الحالي، ولقد أسهم في هذا البناء والتعمير بعض الخلفاء العباسيِّين والعثمانيِّين، والصفويِّين والقاجاريِّين، وبعض أمراء ونواب بعض الإمارات الهندية، فضلاً عن عدد كثير من المحسنين وأهل الخير من المسلمين في هذا القطر أو ذاك.

فبعد قيام قبيلة بني أسد بمواراة أجساد شهداء كربلاء الأبرار بعد (٣) أيام من استشهادهم على أرض كربلاء عام (٦١هـ)، وفقاً للترتيبات والمواضع التي حدّدها لهم الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام)، قام بعد ذلك الكثير من رجالات المسلمين - وعلى مرّ الزمن - بإبراز وتشييد مراقد هؤلاء الشهداء الكرام؛ لتكون حجّة ومثابة ومقصداً لزيارة كلّ الأحرار والمحبّين في طول العالم الإسلامي وعرضه؛ وفقاً أو استجابة لمقولة السيدة زينب بنت علي (عليه السّلام) لعلي بن الحسين زين العابدين (عليه السّلام) وهي: ينصبون علماً لقبر أبيك الحسين لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدنّ َأئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً، وأمره إلاّ علوّاً(١) .

____________________

(١) في إحصائية رسمية أعلنتها محافظة كربلاء عن عدد الزائرين الوافدين لمدينة كربلاء لزيارة مرقدي الإمام الحسين (عليه السّلام) وأخيه العبّاس (عليه السّلام) في يوم زيارة الأربعين (٢٠ صفر ١٤١٦هـ)، ظهر أنّ =

١٧٩

هذا، ولقد حرص الطغاة ومنذ الساعات الأولى لشهادة الحسين والعباس (عليهما السّلام) على طمس آثارهما، عن طريق انتداب عشرة من الخيالة لكي يسحقوا أجساد الشهداء الأبرار؛ حتّى لا تصبح لهم قبور فتتحوّل بمرور الأيام إلى مزارات يحجّ إليها الناس من كلّ مكان.

إلاّ أنّ الله تعالى قد خيّب ظنون اُولئك الطغاة، فأمسى لشهداء كربلاء مشاهد سامية يرتادها الزوّار على مدار السنة... وعُفي بالمقابل كلّ أثر أو رسم أو ذكر

____________________

= عددهم قد قدّر في هذه الإحصائية بـ (٥) ملايين نسمة، بينما قدّرت أوساط شعبية اُخرى العدد بـ (٧) ملايين نسمة.

وطبيعي أنّ أيّ من الرقمين الآنفين لم يصله أيّ تجمّع ديني أو غير ديني آخر في أيّة بقعة من العالم، وفي أيّ مناسبة مرّت. وهذا الأمر هو الذي أدركته السيدة زينب (عليها السّلام) بظهر الغيب وجاء عبر خطابها مع ابن أخيها علي زين العابدين (عليه السّلام).

هذا ما يخصّ زوّار قبر الحسين والعباس (عليهما السّلام)، أمّا ما يتعلّق بالروضة الشريفة فيقول الشاعر محمّد مهدي الجواهري:

تعاليتَ من مفزعٍ للحتوف وبوركَ قبركَ من مفزعِ

تلوذُ الدهورُ فمن سجّدٍ على جانبيهِ ومن ركّعِ

ويقول الشاعر الشيخ عبد الكريم النايف الكربلائي:

هذه روضةُ قدسٍ بحسينِ الطهرِ تسطعْ

تهبطُ الأملاكُ فيها وعلى الأعتابِ تخضعْ

في بيوتٍ أذنَ الل ه بأن للعرشِ ترفعْ

ونظم الشاعر حسن الأسدي:

لكَ مرقدٌ سامي الكواكبِ رفعةً كلّ تمنّى أنّه لكَ مرقدُ

كم مأتمٍ لكَ في السماءِ ومثله في الأرضِ وهو بكلِّ يومٍ يعقدُ

ونظم الشيخ علي حيدر يقول:

جعلَ اللهُ بين قبرِ حسينٍ وأخيه مسعىً على التحقيقِ

فهو بيتٌ والناسُ تأتي إليه كلّ عامٍ من كلّ فجٍّ عميقِ

١٨٠