العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد

العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد0%

العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد مؤلف:
الناشر: مؤسسة محبّين للطباعة والنشر
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 216

العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمّد علي يوسف الاشيقر
الناشر: مؤسسة محبّين للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 216
المشاهدات: 42911
تحميل: 7184

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42911 / تحميل: 7184
الحجم الحجم الحجم
العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد

العباس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد

مؤلف:
الناشر: مؤسسة محبّين للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

في المنازلات وفي ميادين القتال؛ لكونه طويل الساق، حيث كان يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض(١) ؛ لأنّه (عليه السّلام) كان قد ورث شجاعتين: إحداهما هاشمية، وهي الأربى والأرقى، وقد جاءته هذه عن طريق والده الإمام علي (عليه السّلام)، والاُخرى قد ورثها عن طريق اُمّه فاطمة اُمّ البنين عبر آبائها من فرسان العرب وشجعان القوم.

وعن هذه الشجاعة يقول السيد جعفر الحلّي:

بطلٌ تورّثَ من أبيهِ شجاعةً فيها اُنوفُ بني الضلالةِ تُرغمُ

كما وظهرت عليه أيضاً صفات حميدة اُخرى؛ كالإباء والنجدة، والسؤدد والكرم، ودماثة الخلق والعطف على الفقراء والضعفاء، فضلاً عن أنّه كان من علماء الزهّاد ومن زهّاد العلماء، وهذه واحدة اُخرى من فضائله.

وعن هذه نظم أحد الشعراء يقول:

وفي العباسِ من كرمِ السجايا كثيرٌ ليس يحصرُ في مقالِ

وفاءٌ نجدةٌ زهدٌ وعلمٌ وإيثارٌ وصدقٌ في المقالِ

عفافٌ ظاهرٌ حلمٌ وجودٌ وبأسٌ صادقٌ عند النزالِ

كما وقال شاعر آخر حول الموضوع:

____________________

(١) كانت اُمّ البنين تخشى على العبّاس إزاء جماله وخصاله الاُخرى من أعين الحسّاد من أن يصيبه أذى أو مكروه، وكانت تردّد أمامه وخلفه هذه الأبيات:

اُعيذهُ بالواحدِ من عينِ كلِّ حاسدِ

قائمهم والقاعدِ مسلمهم والجاحدِ

صادرهم والواردِ مولودهم والوالدِ

٤١

لقد جمعَ العباسُ كلَّ فضيلة تزانُ بها عربُ المقاولِ والعجمُ

لهُ الجودُ والإقدامُ والحلمُ والتقى وقد زانهُ الإيمانُ والحكمُ والعلمُ

هذا، ولم يشتهر العبّاس (عليه السّلام) بلقب (قمر بني هاشم) فقط، بل اُطلق عليه عبر الأيام عدّة ألقاب حميدة ومجيدة اُخرى وإن ظلّ الوصف الأوّل هو المشهور والغالب.

ومن هذه الألقاب والأوصاف التي قُرنت بالعباس وغدت علماً عليه، هي:

١ - أبو الفضل

وسُمّي بذلك لأنّه رُزق بولد وقد وضع له اسماً وهو (الفضل)، فضلاً عن كونه صاحب فضل ومروءة وشهامة بحقّ وحقيقة.

وفي هذا يقول الشاعر السيد راضي السيد صالح القزويني:

أبا الفضلِ يا مَنْ أسسَ الفضلَ والإبا أبى الفضلُ إلاّ أن تكونَ لهُ أبا

كما ويقول شاعر ثانٍ هو الشيخ محسن أبو الحبّ الكبير في هذا المعنى:

أبو الفضلِ لا تُحصى مواقفُ فضلِهِ فمَنْ ذا يُحاربهُ ومَنْ ذا يُقاربُهْ

وحازَ عُلاً لو حازتِ الشمسُ بعضَهُ لما حجبتها يومَ دجنٍ سحائبُهْ

ويقول شاعر ثالث أيضاً حول الموضوع:

بذلتَ أبا الأفضالِ نفساً نفيسةً لنصرِ حسينٍ عزّ بالنصرِ من مثلِ

أبيتَ التذاذَ الماءِ قبلَ التذاذهُ فحسنُ فعالِ المرءِ فرعٌ من الأصلِ

فأنتَ أخو السبطينِ في يومِ مفخرٍ وفي يومِ بذلِ الماءِ أنتَ أبو الفضلِ

٢ - العبد الصالح

وسُمّي العبّاس بهذا اللقب والصفة، وهي نفس الصفة التي أطلقها وأضافها الله

٤٢

تعالى إلى أنبيائه، وناشري شريعته واُمنائه على وحيه؛ لأنّه كان من الصالحين الأبرار؛ علماً بأنّ أوّل مَنْ منح هذه الصفة للعباس هو الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام) (ت ١٤٨هـ)، وذلك في الزيارة المخصوصة التي خاطب بها عمّه العبّاس حين ابتدأها بهذه العبارة: (( السلام عليك أيّها العبد الصالح )).

٣ - الشهيد

وسُمّي بهذا اللقب؛ لأنّه سقط مضرّجاً بدمه على أرض كربلاء في يوم عاشوراء، حيث قدّم حياته رخيصة على طريق الحرية والعزّة والكرامة، حيث إنّ الجود بالنفس أقصى غاية الجود كما جاء في المثل المشهور.

٤ - ساقي عطاشى كربلاء، (السقّاء)، وبطل العلقمي (١)

ولقد أُطلق عليه هذا اللقب؛ لأنّه غامر بحياته، واقتحم جموع الأعداء بآلافهم

____________________

(١) نشير إلى أنّ العرب في الجاهليّة والإسلام كانت تفتخر بالسقاية، حيث جاء في الحديث النبوي الشريف: (( أفضل الأعمال عند الله إبراد الكبد الحرّى من بهيمة وغيرها )).

ويُنقل عن الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام) حول الموضوع قوله: (( مَنْ سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمَنْ أعتق رقبة، ومَنْ سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان كمَنْ أحيا نفساً، ومَنْ أحياها فكأنّما أحيا الناس أجمعين )).

وكان عبد المطلب يتولّى سقاية الحجيج، وكان يفتخر بهذه المهمّة، كما أنّ أبا طالب بعده قام هو الآخر بسقي الحاج في مكّة المكرّمة، وأنّ عيسى بن زيد بن علي كان طيلة فترة تستّره في الكوفة يسقي الماء على جمل، وأنّ القاسم بن موسى الكاظم (عليه السّلام) قد تولّى هذه المهمّة عند تستّره في العراق.

والسقاية هي من الاُمور السبعة التي تمنّى أمين الوحي جبرائيل ممارستها فيما لو طلب الله تعالى منه الإقامة في الأرض. أمّا البقية فهي: عيادة المرضى، السير خلف الجنائز، أداء صلاة الجماعة، إصلاح ذات البين... إلخ.

٤٣

المؤلّفة في أرض كربلاء للوصول إلى نهر العلقمي، وكان ذلك في الأيام الأخيرة للعشرة الأولى من المحرّم، ولعدّة مرات، وفي المرّة الأخيرة استشهد على ضفاف هذا النهر، ولُقّب بـ (بطل العلقمي).

أمّا عن علّة ذهابه إلى النهر فهو لجلب الماء ليروي عطش أخيه الحسين (عليه السّلام) وأهل بيته وأصحابه بعد أن منع جنود العدو الماء عنهم؛ لغرض إرغامهم على الاستسلام من دون قيد أو شرط.

علماً بأنّه لم يشرب من الماء شيئاً عندما كان على ضفاف النهر رغم عطشه الشديد، والذي لا يقلّ عن عطش الآخرين؛ لأنّه آثر أن يشرب أخوه الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السّلام) أوّلاً، ثم هو يشرب من بعدهم.

وفي هذا المعنى نظم الشاعر هذا الشعر الشعبي على لسان العبّاس نفسه، وهو:

شلون اشرب واخوي حسين عطشان وسكنه والحرم وأطفال رضعان

وأظن گلب العليل التهب نيران يا ريت الماي بعده لا حله ومر

كما ويقول شاعر آخر حول هذا المعنى:

أأبردُ قلبي بالزلالِ وبرده ويحرقُ من آلِ الرسولِ قلوبُ

فيا نفسُ موتي بالظما وتقطّعي وإن كان ماءُ الشط منك قريبُ

فواللهِ لا ذقتُ من الماءِ قطرةً إلى حيث سهمِ المنونِ يصيبُ(١)

ونظم شاعر شعبي ثانٍ هذا الشعر الشعبي، وأراده أن يكون على لسان السجّاد (عليه السّلام) أو العبّاس:

شلون أشرب لذيذ الماي حاشه وأهلي گضت كلّهم عطاشه

وحسين الرمل أمسه فراشه

____________________

(١) لا يخفى ما في البيت من خلل عروضي واضح. (موقع معهد الإمامين الحسَنَين)

٤٤

٥ - صاحب أو أبو القربة

لقد أُطلق على العبّاس (عليه السّلام) هذا الوصف؛ لأنّه استشهد على أرض كربلاء في العاشر من المحرّم وهو يحمل قربة مملوءة بالماء الذي جلبه من نهر العلقمي؛ لغرض إيصالها إلى مخيّم الحسين (عليه السّلام) لسقي مَنْ فيه من أهل البيت والأصحاب، إلاّ أنّه قد تعذّر عليه إيصال الماء بعد أن قُطعت ذراعاه في الطريق، وخلال الالتحام بالأعداء، فضلاً عن تسديد أحد شياطين الكوفة لسهم حاد إلى هذه القربة أدّى إلى إسالة مائها على الأرض.

٦ - حامل الراية (١)

وهو من أشرف الألقاب التي نسبت إلى العبّاس (عليه السّلام)؛ لكونه قد حمل راية الحسين (عليه السّلام) دون أيّ شخص آخر من أصحابه أو أهل بيته في ملحمة كربلاء، حيث قبضها بيد من حديد ولم تسقط من يده إلاّ حين قُطعت يداه، وهوى إثرها صريعاً عند ضفاف نهر العلقمي حيث مرقده الحالي.

٧ - حامي الظعينة

وأُطلق عليه هذا الوصف؛ وذلك لقيامه بحماية وحراسة وخدمة نساء أهل البيت (عليهم السّلام) طيلة مدّة انتقالهنّ من المدينة إلى كربلاء عن طريق مكة المكرّمة، حيث كان هو الذي يتولّى إنزالهنّ وترحيلهنّ من وإلى المحامل، فضلاً عن مسؤوليته الكاملة في حماية مخيّمات هؤلاء النساء في كربلاء من أن يصيبها أيّ سوء أو مكروه.

وفي هذا يقول الشاعر السيد جعفر الحلّي:

حامي الظعينةِ أين منهُ ربيعةٌ أم أين من عليا أبيهِ مكدّمُ

____________________

(١) يدعى هذا الوصف في إيران وأفغانستان وباكستان والهند وبنغلادش باسم (علمدار).

٤٥

كما ونظم الخطيب الشيخ محمّد علي اليعقوبي حول هذا المعنى يقول:

حميتَ الظعينةَ من يثربِ وأنزلتها الجانبَ الأمنعا

٨ - باب الحوائج

ولقد اشتهر العبّاس بن علي (عليه السّلام) فيما بعد بين عامّة المسلمين بهذا اللّقب؛ وذلك لكثرت ما بدرت منه من كرامات وقضاء الحاجات السائلين، حيث ما قصده ذو حاجة بنيّة خالصة إلاّ قضى الله تعالى حاجته، ولا سأله بحرمته سائل إلاّ وتيسّر عليه مطلوبة، ذلك لأنّ من سنن الله تعالى الجارية في أوليائه وأحبائه إكرامهم بإظهار ما لهم من الكرامات.

إضافة لما ادّخره سبحانه لهم من الدرجات الرفيعة والعالية في الحياة الآخرة؛ تقديراً لنضالهم وسعيهم في الحياة الدنيا بالطاعة له، والذود عن الحقّ ونصرة المظلومين والمستضعفين... إلخ.

وعن هذه الكرامات نظم أحد الشعراء يقول:

فكم لأبي الفضل الأبي كراماتٌ لها تُليت عندَ البريةِ آياتٌ

وشاراته كالشمسِ في الاُفقِ شوهدتْ لها من بناتِ المجدِ أومت إشاراتٌ

كما ونظم الشيخ كاظم الأزري حول الموضوع يقول:

بابُ الحوائجِ ما دعتهُ مروعةٌ في حاجةٍ إلاّ ويقضي حاجها

علماً بأنّ الإمام السابع (عند الشيعة الإماميّة) موسى بن جعفر الكاظم (ت ١٨٢هـ) يوصف هو الآخر بأنّه أيضاً (باب الحوائج)؛ لذا يرتاد الكثير من ذوي الحاجات مرقده الشريف في مدينة الكاظمية للدعاء والاستجارة بالله تعالى في حلّ مشاكلهم، وقضاء حاجاتهم، وتيسير اُمورهم ومعضلاتهم التي تلفّهم وتحيط بهم، حيث يجدون من الله سبحانه ببركة الإمام (عليه السّلام) الاستجابة السريعة لكلّ

٤٦

هذه المطاليب والمشاكل والمعضلات.

وعن هذه الحالة نظم أحد الشعراء يقول:

لِذ إن دهتكَ الرزايا والدهرُ عيشكَ نكّدْ

بكاظمِ الغيظِ موسى وبالجوادِ محمّدْ

٩ - كبش الكتيبة

ولقد أطلق الحسين (عليه السّلام) هذا اللقب على العبّاس حين طلب الأخير منه الإذن باقتحام ميدان المعركة، والهجوم على جيش ابن سعد بعد أن نفذ صبره، حيث لم يعطه الحسين (عليه السّلام) الإذن، وقال له: (( أنت كبش كتيبتي )). وانشد (عليه السّلام):

عباسُ كبشُ كتيبتي وكنانتي وسريّ قومي بل أعزّ حصوني

لمَنْ اللوا اُعطي ومَنْ هو جامعٌ شملي وفي ضنكِ الزحامِ يقيني

١٠ - أسد آل محمّد

ولقد نال العبّاس (عليه السّلام) هذا اللقب لشجاعته وشدّة بأسه، وصلب عزيمته وقوّة إيمانه، كما وهناك ألقاب اُخرى للعباس منه قمر العشيرة، وأخو زينب، والضيغم، والغضنفر، والعميد، والطيار، والغر المحجّل، وأبو الشارة... إلخ.

هذا وكان العبّاس (عليه السّلام) إضافة لما اشتهر به من ألقاب وصفات عبر الزمن كان ومنذ نعومة أظفاره ذكيّاً فطناً، فضلاً عن إيمانه العميق بالله تعالى والانقياد التامّ لكلّ أوامره ونواهيه.

وينقل عن ذكائه وإيمانه هذا هو أنّه عندما كان في الخامسة من عمره، أي في سنة (٣١هـ)، دعاه مرّة أبوه (عليه السّلام) وأجلسه في حجره، وأخذ يداعبه مداعبة الآباء لأطفالهم،

٤٧

وقال له: (( قل: واحد )).

فقال العبّاس: الله واحد.

فقال الإمام (عليه السّلام): (( قل: اثنين )).

فامتنع العبّاس أن يقول اثنين، وقال لوالده: إنّي استحي أن أقول اثنين بلسان قلت به للتو واحد.

إنّه لأمر غريب وعجيب حقّاً أن يصدر مثل هذا القول من طفل معصوم يافع لم يتجاوز الخامسة من عمره، وهو يشهد فيه بالوحدانية لله تعالى، والإيمان العميق والراسخ به.

ولقد كانت العقيلة زينب، وبطلة كربلاء - وهي لا زالت صغيرة - إلى جوارهما وهي تسمع ما يقول أخوها العبّاس لوالدها حول توحيد الله، فقالت لأبيها: أتحبّنا؟

فقال الإمام: (( نعم )).

فقالت: يا أبي، لا يجتمع حبّان في قلب مؤمن؛ حبّ الله وحبّ أولاده، وإن كان ولا بدّ فالحبّ هو لله تعالى، والشفقة للأولاد.

فأُعجب الإمام من كلامها الذي يحدّد علاقة القلب وارتباطه بالله تعالى، كما وأُعجب أيضاً قبل دقائق من جواب ولده العبّاس - على صغر سنِّ الاثنين - بذلك كثيراً، وضمّ الاثنين إلى حجره، وتضاعف حبّه وهيامه بهما، كما ودعا لهما بالتوفيق والخير والعافية(١) .

علماً بأنّ هذا القول ليس بمستبعد على هذا الفتى رغم ما قاله والده (عليه السّلام) في حقّه:

____________________

(١) يبدو أنّ المولِّف (حفظه الله) اختلطت عليه بعض الأوراق حينما نقل هذه الرواية؛ حيث لم تكن زينب (عليها السّلام) صغيرة في ذلك الحين، بل كان عمرها الشريف في سنة (٣١) للهجرة - كما أشار المؤلِّف في صدر الرواية - ما يقرب من السادسة والعشرين سنة، بل كانت متزوّجة من ابن عمّها عبد الله بن جعفر آنذاك، اللهمَّ إلاّ أن يقال بصدور هذا الكلام منها في صباها - كما هو المشهور عند المؤرّخين - فاختلطت على الراوي أو المولِّف الحادثتان واعتبرهما ضمن حادثة واحدة رغم الفاصل الزمني الكبير ما بين العقيلة زينب وأخيها العبّاس (عليهما السّلام). (موقع معهد الإمامين الحسَنَين)

٤٨

(( إنّ العبّاس زُقّ العلم زقّاً )). ولا مستبعداً أيضاً على تلك الفتاة بسبب أنّهما يعيشان في أحضان اُمّهما (اُمّ البنين)، والتي كانت لا تفتأ تلقّنهما وتربّيهما وبقية أبنائها في البيت كلّ مبادئ التوحيد وأحكام الإسلام، وسبل العبادة والتقوى، فضلاً عن غرس وبث روح الشجاعة والفداء والإقدام في نفوسهم للدفاع عن كلّ هذه المفاهيم والأفكار.

ناهيك عن متابعة الإمام علي (عليه السّلام) لهم باستمرار، والذي ليس هو أباً ومربياً ومرشداً فقط لكلّ هؤلاء الأبناء والبنات في البيت؛ يعلّمهم ويرشدهم إلى كلّ معالم الخير ومبادئ الصلاح، بل هو في الحقيقة أب واقعي للأمّة [جمعاء]؛ وفقاً لما قال له الرسول (صلّى الله عليه وآله) مرّة: (( يا علي، أنا وأنت أبوا هذه الأمّة )). وقوله (صلّى الله عليه وآله) أيضاً: (( كلّكم راع، وكلّكم مسؤول عن رعيته )).

ولكن للأسف هنالك في هذه الأمّة مَنْ لا يتقبّل هذه المعالم والمبادئ، بل يسعى ويجهد لهدمها وقبرها، وهي التي أدّت بالمسلمين للسير إلى الوراء والامتثال فيما بينهم، وما أدّى إليه هذا الأمر من تعثّر نشر رسالة الإسلام في بقاع الأرض كافة في وقت كان الطريق ممهّداً ومفتوحاً أمام هذه الرسالة لتسود وتعمّ كلَّ بقعة في العالم، ويستظلّ بفيئها كلّ إنسان في العالم أيضاً.

هذا ونشير إلى أنّه لا يعرف إلاّ القليل من الناس عن شؤون العبّاس (عليه السّلام) الشخصية، لا سيما وأنّه استشهد ولم يتجاوز ذريّة(١) . وهل كان لهؤلاء الذريّة أحفاد ملأت سطح الأرض كما ملأت ذرّية وأبناء أخويه الحسن والحسين (عليهما السّلام) أرجاء العالم بما ليس له نظير؟

____________________

(١) هكذا وردت العبارة في الأصل، ولا معنى لها إلاّ مع ما يُكملها من الكلام الذي يبدو أنه سقط سهواً كما هو واضح. (موقع معهد الإمامين الحسَنَين)

٤٩

ولمَنْ لا يعرف ذلك وسواهم نشير ونقول لهم: إنّ العبّاس بن علي (عليه السّلام) كان قد تزوّج من إحدى قريباته الهاشميات، وتدعى هذه (لبابة بنت عبيد الله بن العبّاس بن عبد المطلب)، وقد رزقه الله تعالى منها عدّة أبناء، وهم بالتسلسل:

١ - عبيد الله

وقد وضع له هذا الاسم تيمّناً باسم جدّه لأمّه، وكان هذا يُعدّ من كبار العلماء، وموصوفاً بالجمال والكمال والمروءة، ولقد تزوّج من ثلاث زوجات، وكانت له منزلة مشهودة ومميّزة عند الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السّلام)؛ وذلك كرامة لموقف والده العبّاس من أبيه في ملحمة كربلاء، وكان كلّما رأى عبيد الله رقّ واستعبر باكياً، وحينما سُئل عن علّة ذلك أجاب: (( لأنّه يذكّرني بموقف أبيه يوم الطفِّ )).

ولقد رحل إلى جوار ربّه عام (١٥٥هـ).

٢ - الفضل

ولقد كُنّي العبّاس (عليه السّلام) بهذا الولد وأصبح اسمه (أبو الفضل) رغم أنّه الثاني في التسلسل.

ولقد كان متكلّماً معظّماً، حريصاً على الدين، وذا شجاعة وبسالة كوالده العبّاس. وكان يُقال له ويلقّب بـ (ابن الهاشمية)، وقد خلّف ثلاثة أولاد، هم: جعفر، عباس الأكبر، محمّد.

٣ - الحسن: وهو من دون عقب.

٤ - محمّد: وهو من دون عقب.

٥ - القاسم: وهو من دون عقب.

٦ - بنت واحدة.

٥٠

وفي أدناه شجرة مختصرة للعباس بن علي (عليه السّلام) منقولة من عدّة مصادر موثوقة، ولا يصلها الشك أو الارتياب من قريب أو بعيد.

٥١

هذا ولقد انتشر أبناء وأحفاد وذريّة عبيد الله في المدن المختلفة، والمشرق والمغرب حتّى باتوا في عهد معين أعداداً ليست بقليلة وإن كانوا دون أعداد أبناء ذريّة الحسن والحسين ومحمد بن الحنفيّة (عليهم السّلام).

ويؤيّد هذا القول: هو أنّه قد قيل مرّة للإمام السادس جعفر بن محمّد الصادق (عليه السّلام) عن الكيفية التي تمّت بموجبها قسمة أرض فدك بعد أن تمّ إعادتها من قبل الخليفة عمر بن عبد العزيز (ت ١٠١هـ) إلى أصحابها من أهل البيت (عليهم السّلام)، حيث أجاب بالقول: (( لقد اُعطي الربع منها إلى أولاد العبّاس، والبقية لنا... )).

إنّ غالبية ذريّة العبّاس بن علي قد جاؤوا عبر نجله البكر عبيد الله؛ حيث أعقب هذا ولداً باسم الحسن، وهذا الأخير يُعدّ أكثر عقباً من أبناء عمّه الفضل، وربّما كانت غالبية ذريّة العبّاس (عليه السّلام) - وقيل: كلّهم في رواية اُخرى - ترد عن طريقه.

ومن أعقاب الحسن هذا جاء بعض الأشراف الموجودين حالياً في العراق والشام، ومصر واليمن، وإيران وشبه القارة الهندية. ومن أعقاب الحسن هو عبيد الله الثاني، ويُعرف بالأمير؛ لتوليه إمارة الحرمين بمكة والمدينة عند بداية العصر العباسي، فضلاً عن كونه قاضي للحرمين الشريفين.

ولعبيد الله الثاني (الأمير) ولد يُدعى حمزة، وكان عالماً يُشار إليه بالبنان، وقد عاصر هذا الخليفة العباسي المأمون (ت ٢١٨هـ)، ولقد أضاف المأمون على عطائه المقرّر بمئة ألف درهم بسب نسبه وعلمه الغزير.

وللحمزة هذا ولد يُدعى (محمد)، وكان مشهوداً ومشهوراً بالشجاعة والبطولة،

٥٢

إلاّ أنّه قد استشهد غدراً في عهد القرامطة، ولا يزال بعض أعقابه يقطنون الآن في الأردن وسورية، ويعرفون هناك بأبناء الشهيد أو (بني الشهيد).

وللحسن بن عبيد الله بن العبّاس عقب آخر هو (الحمزة)، ويُكنى: أبا القاسم الأكبر، وهو جدّ والد الحمزة الغربي صاحب المزار المشهور الواقع في قضاء المدحتية بمحافظة بابل، ويُعرف بالحمزة الغربي و(أبو علي).

حيث إنّ الحمزة هذا (صاحب المزار، ويُلقّب أبا علي) هو ابن القاسم بن علي بن الحمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس بن علي، والذي ورد على باب مزاره قول الشاعر:

لا تلمني على الوقوفِ ببابٍ تتمنّى الأملاكُ لثمَ ثراها

هي بابٌ لحمزةَ الفضلِ راخ جابرُ الكسرِ بالخلودِ بناها

علماً بأنّ غالبية ذريّة العبّاس، وربّما كلّهم، قد جاؤوا عن طريق ولده عبيد الله، والقليل جدّاً عن طريق ولده الآخر الفضل، أمّا بقيّة أبنائه (الحسن، محمّد، القاسم) فقد كانوا من دون عقب.

هذا، رغم أنّ البعض يرى بأنّه ليس للعباس ذريّة على وجه الأرض بتاتاً(١) .

____________________

(١) يذهب البعض إلى نفي وجود ذريّة وأحفاد للعباس (عليه السّلام)، وأنّ أبناءه - إن وجدوا - قد رحلوا من دون عقب يذكر. أمّا نحن فنرى عكس ذلك تماماً؛ حيث إنّ للعباس (عليه السّلام) أولاداً، وإنّ ذرّيّته في غالبيتها من عبيد الله، والقليل من الفضل، والبقية، وهم: الحسن ومحمد والقاسم فلا عقب لهم.

(٢) ويؤيد تواجد الذريّة هو أنّه لمّا سُئل الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام) عن طريقة قسمة أرض فدك عند استردادها، أجاب (عليه السّلام): (( اُعطي الربع لأولاد العبّاس، والبقية لنا )).

كما أنّ الناعي حين عزّى اُمّ البنين في المدينة بمصرع العبّاس (عليه السّلام) أضطربت، وسقط حفيدها الذي كانت تحمله، كما وكانت تحمل هذا الحفيد (عبيد الله) إلى البقيع لرثاء أولادها الأربعة.

٥٣

وأخيراً - وليس آخراً - لقد بلغ العبّاس بن علي (عليه السّلام) عنفوان الشباب واستعد للدخول إلى التاريخ من أوسع أبوابه؛ لِما اتّصف به من جمال وخلق وتقوى وشجاعة، وكلّ هذه الخصال أهّلته بحقّ ليكون من أهل البيت، بل من قادة هذا البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

وفي هذا يقول الشاعر السيد نوري علي العامري:

لكَ الفخرُ بالعليا لكَ السعد راتبُ لكَ العزُّ والإقبالُ والنصرُ غالبُ

لكَ المجدُ والإجلالُ والجودُ والعطا لكَ الفضلُ والنعما لكَ الشكرُ واجبُ

سموتَ على هامِ المجرّةِ رفعةً ودارت على قطبي عُلاكَ الكواكبُ

ولقد زاد البعض من الناس عند الإشارة بمنزلة العبّاس ومكانته في القول: إنّ هذه المنزلة والمكانة تؤهّله لأن يكون من المعصومين، بل وعدّه منهم فعلاً وإن لم يدخل رسمياً في سلسلة الأئمّة المعصومين الاثني عشر (عند الشيعة الإماميّة).

ولقد نظم أحد الشعراء، وهو محمّد علي الأوردبادي، قصيدة أشار إلى هذه النقطة حين قال:

أجل عباسُ الكتابُ والهدى والعلمُ والدينُ وأصحابُ العبا

عن أن يطيشَ سهمهُ فينثني والإثمُ قد أثقلَ منهُ منكبا

لم نشترط في ابن النبي عصمةً ولا نقولُ إنّه قد أذنبا

ولا أقولُ غيرَ ما قال بهِ (لهُ الإمامُ) في الرجالِ النجبا

فالفعلُ منهُ حجّةٌ كقوله في الكلِّ يروي عن ذويهِ النقبا

كما ويستأنس من العبّاس (عليه السّلام) العصمة ما جاء على لسان الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السّلام) (ت ٩٥هـ) في رثائه ومدحه لعمّه العبّاس حين قال: (( وإنّ لعمّي العبّاس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة )).

٥٤

حيث إذا لم يكن معصوماً حقيقة فكيف يغبطه المعصوم على ما أُعطي من درجة ومكانة عالية ورفعة؛ لأنّ المعصوم لا يغبط غيره أو مَنْ كان دونه على وجه الخصوص، وإلاّ لمارس وزاول ما قام به المغبوط من أعمال وأفعال.

وكذلك ما جاء على لسان الإمام الصادق (عليه السّلام) (ت ١٤٨هـ) في زيارته للعباس (عليه السّلام): (( لعن الله أمّة استحلّت منك المحارم، وانتهكت في قتلك حرمة الإسلام ))؛ حيث إنّ حرمة الإسلام لا تُنتهك بقتل أيّ مسلم مهما كان عظيماً، ومهما كان أثره في الإسلام مميّزاً ومشكوراً إلاّ أن يكون هو الإمام المعصوم.

فلا بدّ إذاً أن تكون للعباس هنا مرتبة من العصمة، ومنزلة سامية أُعدّت لجميع الشهداء من غير الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام)، وهذا مقام فوق العصمة المرجوّة له.

إنّ هذه المكانة السامية للعباس (عليه السّلام) ودرجته العالية دعت بعض العارفين من العلماء والأعلام لأن يقدّم زيارة العبّاس على زيارة أخيه الحسين (عليه السّلام)؛ لأنّه بابه في الحوائج، أي إنّ هؤلاء يبدؤون بزيارة العبّاس أوّلاً، ثمّ يتوجّهون بعد ذلك مباشرة إلى زيارة الحسين (عليه السّلام).

وفي هذا المعنى نظم الشاعر السيد مهدي الأعرجي يقول:

قصدتكُ قبلَ ابن النبي محمّدٍ وأدمعُ عيني كالحيا في انسكابِها

لأنّكَ في كلِّ الحوائجِ بابُه وهل يقصدونَ الدارَ من غير بابِها

وهذا تشريف آخر، ووسام ثمين يُضاف إلى الأوسمة العديدة التي تطرّز صدر العبّاس (عليه السّلام)، والتي نالها باستحقاق وجدارة منذ نعومة أظفاره وإلى وقت استشهاده في طفّ كربلاء بل وإلى ما وراء هذا الوقت.

٥٥

إخوة العبّاس (عليه السّلام) وأخواته

لقد قلنا في فصل سابق أنّ فاطمة الزهراء (عليها السّلام) بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كانت أوّل زوجة تُزفّ إلى الإمام علي (عليه السّلام) ويقترن بها، ثمّ أعقبها بعد رحيلها إلى جوار ربّها زوجات عديدة، ربّما جاءت البعض منهنّ بعد رحيل مَنْ سبقتها أو بدون ذلك؛ حيث أحلّ الله تعالى للرجال جمع عدّة زوجات إلى بعض في عصمته وبوقت واحد، ولكن بشرط عدم تجاوز الأربع، وإقامة العدل والمساواة فيما بينهنّ.

علماً بأنّ العهد والوقت الذي عاش فيه الإمام علي (عليه السّلام) كانت عادة (التعددية الزوجية) هي السائدة والسارية بين الناس، حتّى جاء الإسلام ووضع الشروط القاسية لتداولها التي أدّت بمرور الوقت إلى زوالها أو التقليل من غلوائها، إلاّ عند الضرورة والحاجة، وكلّ واحدة من هذه تقدّر بقدرها.

لقد كانت زوجات الإمام علي (عليه السّلام) عديدة، ولكلّ واحدة منهنّ حديث خاص ومستقل بها أدّى إلى التحاقها بركب الإمام، وإنّنا في هذا الموجز لم نشر إلى أيّ حديث أو تفصيل عن أيّ منهنّ، إلاّ ذاك الذي يخصّ (اُمّ البنين فاطمة بنت حزام)؛ لأنّ هذا البحث قد أُعدّ لاستكشاف كُنهها، فضلاً عن ابنها العبّاس (عليه السّلام)، وربّما كان لزوجات الإمام الاُخرى في المستقبل، وخصوصاً عن فاطمة الزهراء (عليها السّلام) بحث مستقل آخر فيه شيء من التفصيل والإيضاح.

إنّ زوجات الإمام علي (عليه السّلام) في غضون عمره المديد هي (١٠) زوجات كما تشير إلى ذلك وثائق التاريخ المعبرة وإن ذهب البعض إلى أنّها (٩) فقط. ومن

٥٦

هذه الزوجات الكريمات العفيفات أنجب الإمام (عليه السّلام) العديد من الأولاد والبنات؛ لأنّه كان وافر الحظّ من الذريّة»(١) ، وأنّه قد «سمّى أبناءه بأسماء الأنبياء والخلفاء، ومنهم محمّد بن الحنفيّة، وأبو بكر، وعمر، وعثمان(٢) .

وقد ملأت هذه الذريّة آفاق الأرض بما ليس لها نظير، وباسم السادة والأشراف والهاشميِّين في البلاد العربية، والسيد وشاه في كثير من الأقطار غير العربية.

أمّا عن أسماء إخوة العبّاس وأخواته الذين أنجبهم الإمام (عليه السّلام) من زوجاته كافة، فهي:

الإخوة والأخوات

١ - الحسن والحسين (عليهما السّلام)، وزينب الكبرى، وزينب الصغرى (اُمّ كلثوم)، واُمّهم فاطمة الزهراء (عليها السّلام).

٢ - محمّد الأوسط، واُمّه أُمامة بنت أبي العاص، واُمّها زينب بنت الرسول (صلّى الله عليه وآله).

٣ - محمّد الأكبر (ابن الحنفيّة)، واُمّه خولة بنت جعفر الحنفيّة.

٤ - العبّاس، عثمان، جعفر، عبد الله، واُمّهم فاطمة (اُمّ البنين).

٥ - عبد الله، أبو بكر، محمّد الأصغر، واُمّهم ليلى بنت مسعود الدارمية.

٦ - محمّد الأصغر، واُمّه أمّ ولد.

٧ - يحيى، عون، واُمّهم أسماء بنت عميس الخثعمية.

٨ - عمر الأكبر، رقية، واُمّهم الصهباء بنت ربيعة التغلبية.

٩ - أمّ الحسن، رملة الكبرى، واُمّهما أمّ مسعود بنت عروة بن مسعود الثقفي.

١٠ - أمّ هاني، ميمونة، زينب الصغرى، أُمامة، رملة الصغرى، اُمّ كلثوم الصغرى،

____________________

(١) عبقرية الإمام - عباس محمود العقاد.

(٢) عظمة الإمام علي (عليه السّلام) - عرفات العصيبي السعيد.

٥٧

فاطمة، خديجة، اُمّ الكرام، اُمّ سلمة، اُمّ جعفر، جُمانة، نفيسة، ابنة لم تسمَ، واُمّهم محياة بنت امرئ القيس.

لذا فمجموع أولاد الإمام علي (عليه السّلام) من صلبه هو (٣٣) فرداً؛ منهم (١٤) ولداً، و (١٩) بنتاً وفقاً لما جاء في طبقات ابن سعد(١) .

____________________

(١) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) - محمّد رضا، تذكرة الخواصّ - سبط ابن الجوزي.

٥٨

العبّاس (عليه السّلام) في رفقة والده

نشير إلى أنّ نسبة كبيرة من الناس في العالم تعرّف عن العبّاس بن علي من خلال دوره المميّز والبارز في ملحمة كربلاء التي جرت هناك في محرّم من عام (٦١هـ)، والتي اشتهر بها وأصبح دوره فيها يضاهي دور أخيه الحسين (عليه السّلام) فيها.

ولكنّهم - للأسف - لا يعرفون عن مواقفه الشجاعة الخالدة، وتضحياته العظام الاُخرى في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى، ونشر دينه ومعالمه في الأرض قبل ذلك التاريخ، وفي أرض الحجاز، أو الشام، أو العراق.

إنّ العبّاس (عليه السّلام) كما قلنا من قبل قد كان منذ شبابه باسلاً وشجاعاً ومقداماً، تهابه الناس وتحترمه، وقد أبلى بلاءً حسناً في محاربة الكفر والكفار هنا وهناك. فبعد أن بايع المسلمون أباه للخلافة في المدينة عام (٣٥هـ)، ومن ثمّ انتقال الوالد من المدينة [إلى] الكوفة؛ ليكون قريباً من المناطق المضطربة، والقوات والتحركات المعادية، كان للعباس كالحسن والحسين ومحمد بن الحنفيّة رفقته في الحضر، ورفقته في الحرب كما كانوا معه أيام السلم.

حيث اشترك هؤلاء الأبناء النجباء جميعاً مع والدهم في كلّ المعارك والمنازلات التي قامت بينه وبين خصومه من الناكثين والقاسطين والمارقين، حيث كان هؤلاء الإخوة ذراع الأب اليمنى، بل عينيه اللتين يبصر بهما؛ وذلك لأنّه ليس من اللائق أن يبعد ويجنّب الإمام (عليه السّلام) أولاده عن ميادين وساحات الحرب ويدع سواد الناس لخوضها والاكتواء بنيرانها ولهيبها؛

٥٩

لذا كان (عليه السّلام) يتقدّم هو وأبناؤه في اقتحام صفوف الأعداء، [إلاّ أنّ الناس] من فرط حبّهم وتعلّقهم بالإمام وأبنائه (عليهم السّلام) كانوا لا يسمحون لهم باقتحام صفوف الأعداء ومنازلة خصومهم، حيث كانوا يؤثرون أن يكونوا هم من الأوائل الذين يندفعون في الحرب، ويتقدّمون في المنازلة دونهم؛ حفاظاً عليهم من أن يمسّهم أحد بسوء أو مكروه وهم أحياء ينظرون إليهم عن كثب.

لقد اشترك العبّاس قمر بني هاشم وفخر عدنان مع أبيه عليٍّ (عليه السّلام) في جميع حروبه ومعاركه، وكان يحارب فيها شجعان العرب ويجندلهم على الأرض كالأسد الضاري.

وهكذا فكما كان علي (عليه السّلام) معجزة الرسول (صلّى الله عليه وآله) فقد كان العبّاس (عليه السّلام) معجزة علي، وكما تكرّر النبي (صلّى الله عليه وآله) في علي وفي سبطيه فقد تكرّر علي في العبّاس.

هذا وفي كلّ معركة لم يكن الإمام ليأذن لولده العبّاس بالنزال، إمّا حبّاً له لصغر سنه بالنسبة إلى أعمار سواد الجيش، أو صوناً من أن تصيبه عيون الأعداء، رغم أنّه كان يلحّ في طلب النزال، وينتهز الفرص المواتية لمقابلة الأعداء وحربهم عند تطلب الحال، وربّما مقنّعاً من دون إجازة.

كما وكان الإمام علي (عليه السّلام) أيضاً لا يكلّف ولديه الحسن والحسين (عليهما السّلام) منازلةَ الأعداء كثيراً، وإنّما كان يكلّف ولده الآخر محمّد بن الحنفيّة بأكثر منهما ومن سواهما، وعندما سُئل ابن الحنفيّة مرّة عن علّة ذلك أجاب: إنّ الحسن والحسين هما عينا والدي، وأنا ذراعه، وإنّ الذراع هي التي تحمي العينين.

كما وقال الإمام علي (عليه السّلام) عن هذه الحالة بأحرف:

٦٠