موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ١

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 311

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 311
المشاهدات: 56762
تحميل: 7138


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56762 / تحميل: 7138
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

موسوعة

الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)

في الكتاب والسُنّة والتاريخ

محمد الريشهري

بمساعدة

محمد كاظم الطباطبائي - محمود الطباطبائي

المجلّد الأوّل

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

الإهداء

يا بقيّة الله.. يا سليل رسول الله.. ويا حبيب فاطمة الزهراء وعليّ المرتضى.

سيّدي.. يا مَن ذِكرَك يجعل القلب يفيض بحبّ الجمال، ويشدو صوب المكرَمات، ويتطلّع إلى العدل والخير.

إيهٍ (يا شمس المغرب) ، ويا مَن التفكير بغاياتك الشاهقة النبيلة، مطالعَ نورٍ تتفجّر براكينَ حماسة وإيمان.

إيهٍ (يا مَن يملأ الأرض عدلاً)، ويا مَن ظهورك تتويجٌ لغايات النبيّين، وحضورك تأسيسٌ لـ (يوم الخلاص) الموعود.

يا آخِرَ أملٍ أنتَ، ويا أغلى هِبات السماء، يا مَن اسمك يملأ النفوس أمَلاً، وَذِكرك ينثر على العاشقين عِطراً روحيّاً فوّاحاً، يجذبهم صَوب الشمس.

بعد سنوات طويلة من الجُهد المثابر الخاضع الدؤوب، وحيث تمّت صفحات هذا الكتاب، وهي تتضوّع في كلّ جزءٍ جزء باسم علي بن أبي طالب رمْز العدالة الشاهق، ومثال الحقّ والإيمان النابض، ها أنا أرفع

٥

  بضاعتي المُزجاة، وأتطلّع إليك - يا أيّها العزيز - بكفٍّ ممدودة مِلؤها الرجاء.

أهتفُ وأقول، بخشوعٍ آسر ودمعٍ هَطول:

سيّدي.. أيّها اللواء المنشور

والعلَم المركوز

يا مَظهر الرحمة الفيّاضة، والحنان الكبير

يا مَلاذ أهل الضُرّ والبلوى، وصريخ المكروبين

يا سَطْعة نورٍ متفجّر في وهْدةِ الدَيجور

ويا شمساً طالعة في أُفقِ الوجود.

تقبّل - سيّدي - هذه الهديّة المتواضعة، وحفّها منك بنظرة رعايةٍ كريمة، واجعلنا من المشمولين بضراعاتك، وحقّق لنا أمل الوصال، وأذِقنا طعْم اللقاء.

٦

المدخل

٧

٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله، وصلّى الله على سيّد المرسلين، وخاتم الأنبياء محمّد، وأهل بيته الطيّبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجْس وطهّرهم تطهيراً.

قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله): (علي آيةُ الحقّ، وراية الهدي).

ماذا أقول في عليّ (عليه السلام) والحديث عنه صعبٌ شاقّ؟! ثمّ هو أصعب إذا ما رامَت الكلمات أنْ تتسلّق صَوب ذُراه الشاهقة، وتطمع أنْ تكون خليقة بتلك الشخصيّة المتألّقة.

النظر إلى شخصيّة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) محنةٌ للفِكر، وتملّي أبعاد هذا الرجُل الشاهق يتطلّب طاقة لا تحتمِلَها إلاّ الجبال الرواسي، أمّا الحديث عن بعض عظمته الباهرة، وما تحظى به هذه الشخصيّة المتوهِّجة في التاريخ الإنساني من جلالٍ وجمال، فهو خليقٌ بكلامٍ آخَر، ويحتاج

٩

إلى لغةٍ أُخرى؛ لُغة تتناهى في امتدادها حتى تبلغ (الوجود) سعةً، عساها - عندئذٍ - أنْ تُدرك شيئاً ضئيلاً من كلّ هذه الفضيلة التي تُحيط تلك الشخصيّة (العملاقة)، وما يحظى به من سمُوّ ومناقب لا نظير لها، ثمّ عساها أنْ تؤلّف كلاماً يرتقي إلى مدى هذا الإنسان الإلهي، ويكون جديراً به.

أمّا أُولئك الذين سلّحتهم بصيرتهم بفكرٍ نافذ عن الإمام، وأدركوا - إلى حدٍّ ما - أبعاده الوجوديّة، فما لبِثوا أنْ اضطرموا بمحنة العجْز وقد لاذوا بالصمت، ثمّ ما برحوا يجهرون أنّ هذا الصمت لم يكن إباءً عن إظهار فضائل الإمام بقدَر ما كان ينمّ عمّا اعتوَرهم من عجْز، وهو إلى ذلك يُنبئ عن حَيرةٍ استحوَذَت عليهم وهم لا يدرون كيف يصبّون كلّ هذه الفضائل العَليّة في حدود الكلمات، وكيف يعبّرون عن معانيها البليغة من خلال الألفاظ!.

أجَل، لم يكن قلّة أُولئك الذين أُشربوا في أعماق نفوسهم هذا المعنى الرفيع للمتنبّي، وهو يصدع:

وتركتُ مدْحي للوصيّ تعمُّداً

إذ كان نوراً مستطيلاً شاملا

وإذا استطال الشيء قام بنفسهِ

وصفاتُ ضوء الشمس تذهبُ باطلا

مَنْ يريد أنْ يتحدّث عن جلال عليّ وفضائله يستبدّ به العجز، وتطوّقه الحَيرة؛ فلا يدري ما يقول!.

هي محنةٌ كبيرة لا تستثني أحداً، أنْ ينطق الإنسان بكلامٍ يرتفع إلى مستوى هذه (الظاهرة الوجوديّة المذهلة)، وهو عجْزٌ كبير مدهش يعتري

١٠

الجميع مهما كانت القابليّة وبلَغ الاستعداد.

ولا ريب أنّ أبا إسحاق النظّام كان قد لبَث يفكِّر طويلاً، وطوى نفسه على تأمّل عميق مترامي الأطراف في أبعاد هذه الشخصيّة ومكوّناتها، قبل أنْ يقول: (عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) محنة على المتكلِّم؛ إن وفّاه حقّه غَلا، وإنْ بخَسَه حقّه أساء!).

عليٌّ (عليه السلام) في سُوح القتال اللاحِبة هو الأكثر جهاداً، والأمضى عَزماً، والأشدّ توثّباً. وهو في مضمار الحياة الوجهُ المفعم بالأُلفة؛ حيث لا يرتقي إليه إنسان بالخلُق الرفيع. وفي جوف الليل الأوّاب المتبتِّل، أعبَد المتبتِّلين، وأكثر القلوب ولَهَاً بربّه، وبإزاء خلْق الله هو أرفَق إنسان على هذه البسيطة بالإنسان، يفيض بالعطوفة واللِين. وهو الأصلب في ميدان إحقاق الحقّ في غير مداجاة، المنافح عنه في غير هروب.

أمّا في البلاغة والتوفّر علي بدائع الخطابة وضُروب الحِكمة وفنون الكلام، فليس له نظير، وهو فارس هذا الميدان، والأمكَن فيه من كلّ أحد. ولله دَرّ الشاعر العلَوي، وهو يقول في ذلك:

كم له شمسُ حِكمة تتمنّى

غرّةُ الشمس أنْ تكون سماها

تُري، هل يمكن لإنسان أنْ يُشرِف على منعرجات التاريخ، ولا تشدّه تلك القمّة الشاهقة في مضمار الكرامة والحريّة والإنسانيّة، وهي تسمو على كلّ ما سِواها!.

وهل يسوغ لإنسان أنْ يمدّ بَصَره إلى صحراء الحياة، ثمّ لا يرفرف

١١

قلْبُه صوب هذا المظهر المتألِّق بالحبّ والعبادة، المملوء بالجهاد والمروءة، أو لا يُبصر هذا المثال المترَع بالصدق والإيثار، وبالإيمان والجلال!.

ثمّ هل يمكن لكاتب أنْ يخطّ صفحات بقلَمه، ولا يهوي فؤاده أنْ يُعطّر بضاعته بعبيرٍ يتضوّع بذِكر عليّ، ويخلط كلماته بشَذىً يفوح بنسائم حياته التي يغمرها التوثّب، ويحيط بها الإقدام من كلّ حَدَب، ويجلّلها الجهاد والإيثار من كلّ صَوب؟!.

في ظنّي أنّ جميع أُولئك الذين فكّروا وتأمّلوا، ثمّ استذاقوا طعْم هذه الظاهرة الوجوديّة المذهلة، إنّما يخامرهم اعتقاد يفيد: وأنّى للقطرة الوحيدة التائهة أنْ تُثني على البحر! وأنّى للذرّة العالقة أنْ تنشد المديح بالشمس!.

وأمّا كاتب هذه السطور:

فلم يكن يدُر بخلَدِه قطّ أنْ يخطّ يوماً كلاماً جديراً في وصف تلك الشمس الساطعة، كما لم يخطر بِبالِه أبداً أنْ يكون له حظّ في حمْل قبضة من قبَس كتلة الحقّ المتوهِّجة تلك، أو أنْ يكون له نصيب في بثّ شيء من أَريج بحر فضائلها الزخّار، وأنْ يُسهِم في نشر أثارة من مناقبها المتضوّعة بعبيرٍ فوّاح.

هكذا دالت الحال ومرّت الأيّام بانتظار موعد في ضمير الغيب مرتقب!.

فقد قُدِّر لي وأنا أشتغل بتدوين (ميزان الحكمة) أنْ أُلْقي نظرةً من بعيد

١٢

على هذا البحر الزخّار، بحُكم ضرورة أمْلَتها هيكليّة الكتاب، وساقت منهجيّاً إلى مدخل بعنوان: (الإمامة).

أجل، لم يسمح (المدخل) بأكثر من نظرةٍ من بعيد إلى البحر اللُجّي، أطلّت على شخصيّة الإمام الأخّاذة عِبر الكلام الإلهي والنبَوي، قد سمحت بتثبيت ومْضات من سيرة ذلك العظيم على أساس ما تحكيه روايات المعصومين (عليهم السلام).

مرّة أُخرى شاء التقدير الإلهي أنْ تتّسع موسوعة (ميزان الحِكمة) (التي تجدَّد طبْعها - بفضْل الله - مرّات، وراحت تتخطّى الحدود وتصل إلى أقصى النقاط، وهي تستجيب بقدَرها لتطلّعات الباحثين عن المعرفة الدينيّة) وتمتدّ فصولها وتزداد.

بعد تأمّل طويل انطلقَت بكاتب هذه السطور همّتُه، وتبدّل العزْم إلى قرار بالعمل يقضي بإضافة هذا الجزء.

كانت الرحلة بعيدة المدى، وبدا الطريق طويلاً وأنا حديث العهد به، لولا أنْ تداركتني رعاية خاصّة من الإمام، ولا غَروَ وهو كهف السائرين على الحقّ ومَلاذهم، ثمّ اكتنفَتْني هِمَمٌ كبيرة برَزت من فُضلاءَ كرام.

وبين هذا وذاك أينَع ذلك الجهد وأثمَر بعد سنوات حصيلةً تحمِلُ عنوان: (موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب في الكتاب والسُنّة والتاريخ) هي ذي التي بين أيديكم.

ثمّ شاءت المقادير مرّة أُخرى أنْ يقترن طبع الموسوعة في السنة التي

١٣

توشّحت باسم مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث راحت هذه المناسبة تستقطب إليها أُلوف الجهود والهِمَم (1) .

وها أنا ذا أتوجّه إلى الله سُبحانه شاكراً أنعُمَه من أعماق وجودي وقد حالَفني توفيقه في المُضيّ قُدُماً لإنجاز هذا المشروع المهمّ؛ حيث هوّن العقَبات، وذلّل الصِعاب، ويسَّر العسير.

إنّ (موسوعة الإمام) لهي إلى هذا العاشق الولِه بذِكر عليّ (عليه السلام) أعذب شيء في حياته وأحلاه، وأدعى حصيلة تبعث على الفخر في سِنيّ عُمره، حيث بلغت نهايتها بفضل الله سبحانه، ومعونة خالصة أسداها عدد من الفضلاء.

أجل، إنّ (موسوعة الإمام علي بن أبي طالب) تجسِّد من الأُمنيات في حياتي ما هو أرفعها وأسماها، وتستجيب من تطلّعاتي إلى ما هو أبعدها مدىً.

وما كان ذلك يتحقّق لولا فضل الله وتوفيقه، فله حمْدي، وعليه ثنائي أُزجيه خاشعاً بكلّ وجودي.

وما كان ليتمّ لولا رعاية خاصّة كنفَني بها المولى أمير المؤمنين، فله شكري، وعليه سلامي، فلولا ما فاء به من رعاية وتسديد، ولولا مدَده

____________________

(1) أطلق قائد الثورة الإسلاميّة آية الله السيّد الخامنئي - حفظه الله تعالى - على العام الإيراني الحالي (1379 هـ. ش) (عام الإمام علي (عليه السلام)) و (عام الولاية)؛ وذلك لحلول عيد الغدير فيه مرّتين؛ فبداية العام الحالي في 13 ذي الحجّة 1421 هـ. ق، ونهايته في 24 ذي الحجّة 1422 هـ. ق، فيكون يوم الغدير (18 ذي الحجّة) قد حلّ في الشهرين الأوّل والأخير من هذا العام.

١٤

الذي أسداه في تذليل العقبات الكؤود وتيسيرها؛ لَما رسَت (الموسوعة) على هذا الشكل.

وحسبُ هذه الكلمات أنّها رسالة اعتذار تومئ إلى تقصير صاحبها، ثمّ حسْبها ما تُبديه من ثَناء عاطر مقرون بالخشوع والجلال لكلّ هذه الرعاية الحافلة من أجل بلوغ المقصد.

إنّ (موسوعة الإمام) هي إطلالة على حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما هي نافذة تُشرف على السيرة العلَويّة، وتتطلّع إلى تاريخ حياة أكمل إنسان، وأعظم المؤمنين وأبرز شخصيّة في تاريخ الإسلام بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وتهدف (موسوعة الإمام) أنْ تترسّم السبيل إلى أعظم تعاليم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأبلغها عِظة وتذكيراً. كما توفّرت على بيان أجزاء من حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيرته البيضاء الوضّاءة.

وتسعى (موسوعة الإمام) من خلال استجلاء المعالم الملكوتيّة لإمام الإنسانيّة، وتتطلّع عِبر تدوين الخصائص العلميّة والأخلاقيّة والعمليّة لحياته التي تفيض بالتوثّب والإيمان، وتصبو عِبر تبيين ما بذَله (صوت العدالة الإنسانيّة) من جهود مذهلة؛ لبَسْط العدل وإرساء حاكميّة الحقّ، إلى الجواب عمليّاً على السؤال التالي: لماذا جَعَل الكتابُ الإلهي عليّ بن أبي طالب شاهداً إلى جوار الله على الرسالة؟.

لقد انطلقت (الموسوعة) من خلال الاستناد إلى عرضٍ جديد، وهيكليّة مبتكرة، ومنهج مستحدَث فاعل، لتقسيم السيرة العلويّة إلى ستّةَ

١٥

عشَر قِسماً، تضعها بين يدي الباحثين والمتطلِّعين إلى المعارف العلويّة، وتُقدّمها إلى الولِهين بحبّ عليّ (عليه السلام)، وإلى طلاّب الحقّ والحقيقة.

وفيما يلي نقدِّم استعراضاً عامّاً لمحتويات هذه الأقسام:

القسم الأوّل: أُسرة الإمام عليّ

توفّر هذا القسم على بيان منحدر الإمام عليّ (عليه السلام) وأُسرته، كما تناول المحيط الذي ترعرع به وحياته الخاصّة، ودار الحديث فيه أيضاً عن شخصيّة والدَيه، وعن أسماء الإمام وكُناه وألقابه وشمائله وأوصافه وزواجه وزوجاته وأولاده.

لقد اتّضح من هذا القسم أنّ الإمام نشأ في أُسرة كريمة، وترعرع في محيط طاهر زكي؛ فأسلافه الكرام من الآباء والأجداد موحِّدون بأجمعهم، طاهرون لم تخالطهم أدناس الجاهليّة، مضَوا وكلُّهُم ثبات في سبيل الله.

كما كشف هذا القسم عن أُصول كريمة تكتنف هذا الموحِّد العظيم في تاريخ الإسلام، فلم يلوِّث الشِرك أحداً من أسلافه قطّ، ولم يكن لمواضعات البيئة وتلوّثاتها الفكريّة والعقيديّة نصيب في حياتهم. فهذا هو الإمام، وقد انبثق من حضن والدٍ مؤمن جَلِدٍ قويّ الشكيمة منافح عن الحقّ، ووالدة كريمةِ المَحتَد صافية الفطرة مؤمنة بالمعاد.

ثمّ مضت حياته مع زوجةٍ هي أتقى وأطهر امرأة في نساء عصره، وهي سيّدة نساء العالَمين، وقد كان زواجاً بدأ بأمر الله سُبحانه وحفّته هالة من

١٦

القداسة والخشوع، فانشقّ عن ذرّيّةٍ كريمة كان لها اليد الطولى في صُنع التاريخ، وهي إلى ذلك المصداق الأسمى لـ (الكوثر).

أمّا كُناه وألقابه فقد اختارها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) غالباً، وهي جميعاً تومئ إلى فضائله الرفيعة التي تتألّق عظمة، وإلى موضعه المنيف الشاهق في الإسلام والتاريخ.

حياة لم تهبط عن مستوى العظمة لحظة، ولم تتعثّر بصاحبها قطّ.

القِسم الثاني: الإمام عليّ مع النبيّ

يوم قَرع صوت السماء فؤاد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهبط إليه أمْر الرسالة، ثمّ أعلن دعوته التاريخيّة، كانت الجزيرة العربيّة تغطّ في ظلام دامس، ويحيطها الجهل من كلّ حدَبٍ وصَوب.

لقد واجه القوم بِعثة نبيّ الحرّيّة والكرامة بالرفْض والتكذيب، ثمّ اشتدّت عليه سفاهات القوم وتكالب الطُغاة.

وها هو ذا عليّ اختار موقفه إلى جوار النبيّ منذ الأيّام الأُولى لهذه النهضة الربّانيّة. وقد صَحِب أمير المؤمنين (عليه السلام) رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولم ينفصل عنه لحظة، بل راح ينافح ويتفانى في الدفاع عنه دون تعب أو كلَل.

وما توفّر عليه هذا القِسم هو بيان الموقع الرفيع الذي تبوّأه الإمام في إرساء النهضة الإسلاميّة، والدَور البنّاء الذي اضطلع به في دوام هذه الحركة الربّانيّة على عصر رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

١٧

يكشف هذا القسم أنّ عليّاً (عليه السلام) كان إلى جوار النبيّ لم يفارقه منذ البِعثة حتى الوفاة، باذلاً نفسه وأقصى ما يستطيع في سبيل تحقيق حاكميّة الإسلام في المجتمع، فهو مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله ) في المشاهد جميعاً وعند المنعطفات الخطرة، وهو السبّاق الذي يثِب مبادراً في المواطن الصعبة كلّها وعند العقبات الكؤود التي تعتري حركة الإسلام.

يُسفر هذا القِسم عن أنّ عليّاً (عليه السلام) لم يوفِّر من جهده الدؤوب لحظة، ولم يدّخر من تفانيه المخلص شيئاً، إلاّ وقد بذَله دفاعاً عن هذا الدين، وذَوداً عن نبيّه الكريم (صلّى الله عليه وآله )، وصَوناً لهذه الدعوة الربّانيّة الفتيّة؛ من أجْل أنْ يمتدّ الإسلام وتبلغ هذه الحركة الإلهيّة مَداها.

القِسم الثالث: جهود النبيّ لقيادة الإمام عليّ

الإسلام خاتم الأديان، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) خاتم النبيّين، والقرآن الحلقة الأخيرة في الكتُب السماويّة.

والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) مبلِّغ لدينٍ اكتسى لون الأبديّة، ولنْ يقوى الزمان على طيّ سِجلِّ حياته، فماذا فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لتأمين مستقبل هذا الدين، وضمان مستقبل أُمّته؟ وما هو التدبير الإلهي في هذا المضمار؟.

أوضحَ هذا القسم الرؤية المستقبليّة التي انطوى عليها الدين الإلهي، وموقع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في المخطّط الربّاني الذي حملَته السماء في هذا المجال.

بكلامٍ آخر، ما عنيَ به هذا الفصل هو الولاية العلَويّة، وإمامة عليّ بن

١٨

أبي طالب (عليه السلام)، التي جاءت في إطار جهود رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في رسم مستقبل الأُمّة.

وفي هذا الاتّجاه استفاض هذا القسم في حَشْد مجموعة الأدلّة العقليّة والنقليّة؛ لإثبات أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يدَع الأُمّة بعده هُملاً دون راع، ولم يعلّق مستقبلها على فراغ من دون برنامج محدّد للقيادة من بعده، بل حدّد مسار المستقبل بدقّة وجلاء من خلال جهدٍ مثابر بذَله طوال ثلاث وعشرين سنة، وعِبر تهيئة الأجواء المناسبة لتعاليم مكثّفة أدْلى بها على نحوِ الإشارة مَرّة، وعلى نحوٍ صريح أغلب المرّات.

كما بيَّن هذا القسم صراحة أنّ (الغدير) لم يكن إلاّ نقطة الذرْوَة على خطّ هذا الجهد المتواصل الطويل، ثمّ عاد يؤكِّد بوضوح أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لم يتوانَ بعد ذلك عن هذا الأمر الخطير، بل دأَب على العناية به والتركيز عليه حتى آخِر لحظات عُمره المبارك.

ومع أنّ الحلقات الأخيرة في التدبير النبويّ؛ كمَيلِه (صلّى الله عليه وآله) إلى تدوين ما كان قد ركّز على ذِكره مرّات خلال السنوات الطويلة الماضية في إطار وصيّةٍ مكتوبة، لم يأتِ بالنتيجة المطلوبة إثْر الفضاء المخرّب الذي أُثير من حوله.

وكذلك انتهت إلى المآل نفسه حلَقةٌ أُخرى على هذا الخطّ تمثّلت بإنفاذ بَعْث أُسامة. إلاّ أنّ ما يُلحَظ أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يُهمِل هاتين الواقعتين، بل راح يُدلي بكلمات وإشارات ومواضع تُزيل السِتار عن سِرّ هذه الحقيقة ورمْزها.

وهذا أيضاً ممّا اضطلع به هذا القِسم مشيراً إلى نتائج مهمّة استندت إلى

١٩

وثائق ثابتة عند الفريقين.

القِسم الرابع: الإمام عليّ بعد النبيّ

أسَفاً أنْ لا يكون قد تحقّق ما ارتجاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وما اختطّه لمستقبل الأمّة، وقد ارتدى سرابيل الخلافة آخَر هو غير مَن اختُصّ به الأمر الإلهي.

أمّا وقد أسفَر المشهد عن هذا، فها هو ذا عليّ يواجه واقعاً كاذباً مريراً مدمِّراً قَلَبَ الحقيقة، وها هو مباشرة أمام لوازم الدين الجديد ومصالحه، وبإزاء أُناس حديثي عهد بالإسلام، فماذا ينبغي له أنْ يفعل؟ وما هو تكليفه الإلهي؟ ما الذي يقتضيه واقع ذلك العصر بما يكتنفه مِن أوضاع خاصّة على المستوَيَين الداخلي والخارجي؟.

لقد نهض هذا القسم بالجواب على هذه الأسئلة وغيرها، ممّا حفَّ السيرة العلَويّة في الفترة التي امتدّت بين وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى تسنّم الإمام لأزِمَّة الحُكم. كما سَلّط أضواءً كاشفة على عوامل إهمال تعاليم النبيّ حيال مستقبل الأمّة، وأسباب الإغضاء عن توجيهاته (صلّى الله عليه وآله) حول قيادة عليّ (عليه السلام).

وفي إطار متابعة الحوادث التي عصفَت بالحياة الإسلاميّة بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) حتى خلافة عثمان وقيام الناس ضدّه، تكفّل هذا القِسم أيضاً ببيان الأجواء التي أحاطت بالمواقف الحكيمة لإمام الحكماء، وتفصيل ملابَسات ذلك.

٢٠