موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ١

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ18%

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 311

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59947 / تحميل: 7772
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

موسوعة

الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)

في الكتاب والسُنّة والتاريخ

محمد الريشهري

بمساعدة

محمد كاظم الطباطبائي - محمود الطباطبائي

المجلّد الأوّل

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

الإهداء

يا بقيّة الله.. يا سليل رسول الله.. ويا حبيب فاطمة الزهراء وعليّ المرتضى.

سيّدي.. يا مَن ذِكرَك يجعل القلب يفيض بحبّ الجمال، ويشدو صوب المكرَمات، ويتطلّع إلى العدل والخير.

إيهٍ (يا شمس المغرب) ، ويا مَن التفكير بغاياتك الشاهقة النبيلة، مطالعَ نورٍ تتفجّر براكينَ حماسة وإيمان.

إيهٍ (يا مَن يملأ الأرض عدلاً)، ويا مَن ظهورك تتويجٌ لغايات النبيّين، وحضورك تأسيسٌ لـ (يوم الخلاص) الموعود.

يا آخِرَ أملٍ أنتَ، ويا أغلى هِبات السماء، يا مَن اسمك يملأ النفوس أمَلاً، وَذِكرك ينثر على العاشقين عِطراً روحيّاً فوّاحاً، يجذبهم صَوب الشمس.

بعد سنوات طويلة من الجُهد المثابر الخاضع الدؤوب، وحيث تمّت صفحات هذا الكتاب، وهي تتضوّع في كلّ جزءٍ جزء باسم علي بن أبي طالب رمْز العدالة الشاهق، ومثال الحقّ والإيمان النابض، ها أنا أرفع

٥

  بضاعتي المُزجاة، وأتطلّع إليك - يا أيّها العزيز - بكفٍّ ممدودة مِلؤها الرجاء.

أهتفُ وأقول، بخشوعٍ آسر ودمعٍ هَطول:

سيّدي.. أيّها اللواء المنشور

والعلَم المركوز

يا مَظهر الرحمة الفيّاضة، والحنان الكبير

يا مَلاذ أهل الضُرّ والبلوى، وصريخ المكروبين

يا سَطْعة نورٍ متفجّر في وهْدةِ الدَيجور

ويا شمساً طالعة في أُفقِ الوجود.

تقبّل - سيّدي - هذه الهديّة المتواضعة، وحفّها منك بنظرة رعايةٍ كريمة، واجعلنا من المشمولين بضراعاتك، وحقّق لنا أمل الوصال، وأذِقنا طعْم اللقاء.

٦

المدخل

٧

٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله، وصلّى الله على سيّد المرسلين، وخاتم الأنبياء محمّد، وأهل بيته الطيّبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجْس وطهّرهم تطهيراً.

قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله): (علي آيةُ الحقّ، وراية الهدي).

ماذا أقول في عليّ (عليه السلام) والحديث عنه صعبٌ شاقّ؟! ثمّ هو أصعب إذا ما رامَت الكلمات أنْ تتسلّق صَوب ذُراه الشاهقة، وتطمع أنْ تكون خليقة بتلك الشخصيّة المتألّقة.

النظر إلى شخصيّة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) محنةٌ للفِكر، وتملّي أبعاد هذا الرجُل الشاهق يتطلّب طاقة لا تحتمِلَها إلاّ الجبال الرواسي، أمّا الحديث عن بعض عظمته الباهرة، وما تحظى به هذه الشخصيّة المتوهِّجة في التاريخ الإنساني من جلالٍ وجمال، فهو خليقٌ بكلامٍ آخَر، ويحتاج

٩

إلى لغةٍ أُخرى؛ لُغة تتناهى في امتدادها حتى تبلغ (الوجود) سعةً، عساها - عندئذٍ - أنْ تُدرك شيئاً ضئيلاً من كلّ هذه الفضيلة التي تُحيط تلك الشخصيّة (العملاقة)، وما يحظى به من سمُوّ ومناقب لا نظير لها، ثمّ عساها أنْ تؤلّف كلاماً يرتقي إلى مدى هذا الإنسان الإلهي، ويكون جديراً به.

أمّا أُولئك الذين سلّحتهم بصيرتهم بفكرٍ نافذ عن الإمام، وأدركوا - إلى حدٍّ ما - أبعاده الوجوديّة، فما لبِثوا أنْ اضطرموا بمحنة العجْز وقد لاذوا بالصمت، ثمّ ما برحوا يجهرون أنّ هذا الصمت لم يكن إباءً عن إظهار فضائل الإمام بقدَر ما كان ينمّ عمّا اعتوَرهم من عجْز، وهو إلى ذلك يُنبئ عن حَيرةٍ استحوَذَت عليهم وهم لا يدرون كيف يصبّون كلّ هذه الفضائل العَليّة في حدود الكلمات، وكيف يعبّرون عن معانيها البليغة من خلال الألفاظ!.

أجَل، لم يكن قلّة أُولئك الذين أُشربوا في أعماق نفوسهم هذا المعنى الرفيع للمتنبّي، وهو يصدع:

وتركتُ مدْحي للوصيّ تعمُّداً

إذ كان نوراً مستطيلاً شاملا

وإذا استطال الشيء قام بنفسهِ

وصفاتُ ضوء الشمس تذهبُ باطلا

مَنْ يريد أنْ يتحدّث عن جلال عليّ وفضائله يستبدّ به العجز، وتطوّقه الحَيرة؛ فلا يدري ما يقول!.

هي محنةٌ كبيرة لا تستثني أحداً، أنْ ينطق الإنسان بكلامٍ يرتفع إلى مستوى هذه (الظاهرة الوجوديّة المذهلة)، وهو عجْزٌ كبير مدهش يعتري

١٠

الجميع مهما كانت القابليّة وبلَغ الاستعداد.

ولا ريب أنّ أبا إسحاق النظّام كان قد لبَث يفكِّر طويلاً، وطوى نفسه على تأمّل عميق مترامي الأطراف في أبعاد هذه الشخصيّة ومكوّناتها، قبل أنْ يقول: (عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) محنة على المتكلِّم؛ إن وفّاه حقّه غَلا، وإنْ بخَسَه حقّه أساء!).

عليٌّ (عليه السلام) في سُوح القتال اللاحِبة هو الأكثر جهاداً، والأمضى عَزماً، والأشدّ توثّباً. وهو في مضمار الحياة الوجهُ المفعم بالأُلفة؛ حيث لا يرتقي إليه إنسان بالخلُق الرفيع. وفي جوف الليل الأوّاب المتبتِّل، أعبَد المتبتِّلين، وأكثر القلوب ولَهَاً بربّه، وبإزاء خلْق الله هو أرفَق إنسان على هذه البسيطة بالإنسان، يفيض بالعطوفة واللِين. وهو الأصلب في ميدان إحقاق الحقّ في غير مداجاة، المنافح عنه في غير هروب.

أمّا في البلاغة والتوفّر علي بدائع الخطابة وضُروب الحِكمة وفنون الكلام، فليس له نظير، وهو فارس هذا الميدان، والأمكَن فيه من كلّ أحد. ولله دَرّ الشاعر العلَوي، وهو يقول في ذلك:

كم له شمسُ حِكمة تتمنّى

غرّةُ الشمس أنْ تكون سماها

تُري، هل يمكن لإنسان أنْ يُشرِف على منعرجات التاريخ، ولا تشدّه تلك القمّة الشاهقة في مضمار الكرامة والحريّة والإنسانيّة، وهي تسمو على كلّ ما سِواها!.

وهل يسوغ لإنسان أنْ يمدّ بَصَره إلى صحراء الحياة، ثمّ لا يرفرف

١١

قلْبُه صوب هذا المظهر المتألِّق بالحبّ والعبادة، المملوء بالجهاد والمروءة، أو لا يُبصر هذا المثال المترَع بالصدق والإيثار، وبالإيمان والجلال!.

ثمّ هل يمكن لكاتب أنْ يخطّ صفحات بقلَمه، ولا يهوي فؤاده أنْ يُعطّر بضاعته بعبيرٍ يتضوّع بذِكر عليّ، ويخلط كلماته بشَذىً يفوح بنسائم حياته التي يغمرها التوثّب، ويحيط بها الإقدام من كلّ حَدَب، ويجلّلها الجهاد والإيثار من كلّ صَوب؟!.

في ظنّي أنّ جميع أُولئك الذين فكّروا وتأمّلوا، ثمّ استذاقوا طعْم هذه الظاهرة الوجوديّة المذهلة، إنّما يخامرهم اعتقاد يفيد: وأنّى للقطرة الوحيدة التائهة أنْ تُثني على البحر! وأنّى للذرّة العالقة أنْ تنشد المديح بالشمس!.

وأمّا كاتب هذه السطور:

فلم يكن يدُر بخلَدِه قطّ أنْ يخطّ يوماً كلاماً جديراً في وصف تلك الشمس الساطعة، كما لم يخطر بِبالِه أبداً أنْ يكون له حظّ في حمْل قبضة من قبَس كتلة الحقّ المتوهِّجة تلك، أو أنْ يكون له نصيب في بثّ شيء من أَريج بحر فضائلها الزخّار، وأنْ يُسهِم في نشر أثارة من مناقبها المتضوّعة بعبيرٍ فوّاح.

هكذا دالت الحال ومرّت الأيّام بانتظار موعد في ضمير الغيب مرتقب!.

فقد قُدِّر لي وأنا أشتغل بتدوين (ميزان الحكمة) أنْ أُلْقي نظرةً من بعيد

١٢

على هذا البحر الزخّار، بحُكم ضرورة أمْلَتها هيكليّة الكتاب، وساقت منهجيّاً إلى مدخل بعنوان: (الإمامة).

أجل، لم يسمح (المدخل) بأكثر من نظرةٍ من بعيد إلى البحر اللُجّي، أطلّت على شخصيّة الإمام الأخّاذة عِبر الكلام الإلهي والنبَوي، قد سمحت بتثبيت ومْضات من سيرة ذلك العظيم على أساس ما تحكيه روايات المعصومين (عليهم السلام).

مرّة أُخرى شاء التقدير الإلهي أنْ تتّسع موسوعة (ميزان الحِكمة) (التي تجدَّد طبْعها - بفضْل الله - مرّات، وراحت تتخطّى الحدود وتصل إلى أقصى النقاط، وهي تستجيب بقدَرها لتطلّعات الباحثين عن المعرفة الدينيّة) وتمتدّ فصولها وتزداد.

بعد تأمّل طويل انطلقَت بكاتب هذه السطور همّتُه، وتبدّل العزْم إلى قرار بالعمل يقضي بإضافة هذا الجزء.

كانت الرحلة بعيدة المدى، وبدا الطريق طويلاً وأنا حديث العهد به، لولا أنْ تداركتني رعاية خاصّة من الإمام، ولا غَروَ وهو كهف السائرين على الحقّ ومَلاذهم، ثمّ اكتنفَتْني هِمَمٌ كبيرة برَزت من فُضلاءَ كرام.

وبين هذا وذاك أينَع ذلك الجهد وأثمَر بعد سنوات حصيلةً تحمِلُ عنوان: (موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب في الكتاب والسُنّة والتاريخ) هي ذي التي بين أيديكم.

ثمّ شاءت المقادير مرّة أُخرى أنْ يقترن طبع الموسوعة في السنة التي

١٣

توشّحت باسم مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث راحت هذه المناسبة تستقطب إليها أُلوف الجهود والهِمَم (١) .

وها أنا ذا أتوجّه إلى الله سُبحانه شاكراً أنعُمَه من أعماق وجودي وقد حالَفني توفيقه في المُضيّ قُدُماً لإنجاز هذا المشروع المهمّ؛ حيث هوّن العقَبات، وذلّل الصِعاب، ويسَّر العسير.

إنّ (موسوعة الإمام) لهي إلى هذا العاشق الولِه بذِكر عليّ (عليه السلام) أعذب شيء في حياته وأحلاه، وأدعى حصيلة تبعث على الفخر في سِنيّ عُمره، حيث بلغت نهايتها بفضل الله سبحانه، ومعونة خالصة أسداها عدد من الفضلاء.

أجل، إنّ (موسوعة الإمام علي بن أبي طالب) تجسِّد من الأُمنيات في حياتي ما هو أرفعها وأسماها، وتستجيب من تطلّعاتي إلى ما هو أبعدها مدىً.

وما كان ذلك يتحقّق لولا فضل الله وتوفيقه، فله حمْدي، وعليه ثنائي أُزجيه خاشعاً بكلّ وجودي.

وما كان ليتمّ لولا رعاية خاصّة كنفَني بها المولى أمير المؤمنين، فله شكري، وعليه سلامي، فلولا ما فاء به من رعاية وتسديد، ولولا مدَده

____________________

(١) أطلق قائد الثورة الإسلاميّة آية الله السيّد الخامنئي - حفظه الله تعالى - على العام الإيراني الحالي (١٣٧٩ هـ. ش) (عام الإمام علي (عليه السلام)) و (عام الولاية)؛ وذلك لحلول عيد الغدير فيه مرّتين؛ فبداية العام الحالي في ١٣ ذي الحجّة ١٤٢١ هـ. ق، ونهايته في ٢٤ ذي الحجّة ١٤٢٢ هـ. ق، فيكون يوم الغدير (١٨ ذي الحجّة) قد حلّ في الشهرين الأوّل والأخير من هذا العام.

١٤

الذي أسداه في تذليل العقبات الكؤود وتيسيرها؛ لَما رسَت (الموسوعة) على هذا الشكل.

وحسبُ هذه الكلمات أنّها رسالة اعتذار تومئ إلى تقصير صاحبها، ثمّ حسْبها ما تُبديه من ثَناء عاطر مقرون بالخشوع والجلال لكلّ هذه الرعاية الحافلة من أجل بلوغ المقصد.

إنّ (موسوعة الإمام) هي إطلالة على حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما هي نافذة تُشرف على السيرة العلَويّة، وتتطلّع إلى تاريخ حياة أكمل إنسان، وأعظم المؤمنين وأبرز شخصيّة في تاريخ الإسلام بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وتهدف (موسوعة الإمام) أنْ تترسّم السبيل إلى أعظم تعاليم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأبلغها عِظة وتذكيراً. كما توفّرت على بيان أجزاء من حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيرته البيضاء الوضّاءة.

وتسعى (موسوعة الإمام) من خلال استجلاء المعالم الملكوتيّة لإمام الإنسانيّة، وتتطلّع عِبر تدوين الخصائص العلميّة والأخلاقيّة والعمليّة لحياته التي تفيض بالتوثّب والإيمان، وتصبو عِبر تبيين ما بذَله (صوت العدالة الإنسانيّة) من جهود مذهلة؛ لبَسْط العدل وإرساء حاكميّة الحقّ، إلى الجواب عمليّاً على السؤال التالي: لماذا جَعَل الكتابُ الإلهي عليّ بن أبي طالب شاهداً إلى جوار الله على الرسالة؟.

لقد انطلقت (الموسوعة) من خلال الاستناد إلى عرضٍ جديد، وهيكليّة مبتكرة، ومنهج مستحدَث فاعل، لتقسيم السيرة العلويّة إلى ستّةَ

١٥

عشَر قِسماً، تضعها بين يدي الباحثين والمتطلِّعين إلى المعارف العلويّة، وتُقدّمها إلى الولِهين بحبّ عليّ (عليه السلام)، وإلى طلاّب الحقّ والحقيقة.

وفيما يلي نقدِّم استعراضاً عامّاً لمحتويات هذه الأقسام:

القسم الأوّل: أُسرة الإمام عليّ

توفّر هذا القسم على بيان منحدر الإمام عليّ (عليه السلام) وأُسرته، كما تناول المحيط الذي ترعرع به وحياته الخاصّة، ودار الحديث فيه أيضاً عن شخصيّة والدَيه، وعن أسماء الإمام وكُناه وألقابه وشمائله وأوصافه وزواجه وزوجاته وأولاده.

لقد اتّضح من هذا القسم أنّ الإمام نشأ في أُسرة كريمة، وترعرع في محيط طاهر زكي؛ فأسلافه الكرام من الآباء والأجداد موحِّدون بأجمعهم، طاهرون لم تخالطهم أدناس الجاهليّة، مضَوا وكلُّهُم ثبات في سبيل الله.

كما كشف هذا القسم عن أُصول كريمة تكتنف هذا الموحِّد العظيم في تاريخ الإسلام، فلم يلوِّث الشِرك أحداً من أسلافه قطّ، ولم يكن لمواضعات البيئة وتلوّثاتها الفكريّة والعقيديّة نصيب في حياتهم. فهذا هو الإمام، وقد انبثق من حضن والدٍ مؤمن جَلِدٍ قويّ الشكيمة منافح عن الحقّ، ووالدة كريمةِ المَحتَد صافية الفطرة مؤمنة بالمعاد.

ثمّ مضت حياته مع زوجةٍ هي أتقى وأطهر امرأة في نساء عصره، وهي سيّدة نساء العالَمين، وقد كان زواجاً بدأ بأمر الله سُبحانه وحفّته هالة من

١٦

القداسة والخشوع، فانشقّ عن ذرّيّةٍ كريمة كان لها اليد الطولى في صُنع التاريخ، وهي إلى ذلك المصداق الأسمى لـ (الكوثر).

أمّا كُناه وألقابه فقد اختارها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) غالباً، وهي جميعاً تومئ إلى فضائله الرفيعة التي تتألّق عظمة، وإلى موضعه المنيف الشاهق في الإسلام والتاريخ.

حياة لم تهبط عن مستوى العظمة لحظة، ولم تتعثّر بصاحبها قطّ.

القِسم الثاني: الإمام عليّ مع النبيّ

يوم قَرع صوت السماء فؤاد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهبط إليه أمْر الرسالة، ثمّ أعلن دعوته التاريخيّة، كانت الجزيرة العربيّة تغطّ في ظلام دامس، ويحيطها الجهل من كلّ حدَبٍ وصَوب.

لقد واجه القوم بِعثة نبيّ الحرّيّة والكرامة بالرفْض والتكذيب، ثمّ اشتدّت عليه سفاهات القوم وتكالب الطُغاة.

وها هو ذا عليّ اختار موقفه إلى جوار النبيّ منذ الأيّام الأُولى لهذه النهضة الربّانيّة. وقد صَحِب أمير المؤمنين (عليه السلام) رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولم ينفصل عنه لحظة، بل راح ينافح ويتفانى في الدفاع عنه دون تعب أو كلَل.

وما توفّر عليه هذا القِسم هو بيان الموقع الرفيع الذي تبوّأه الإمام في إرساء النهضة الإسلاميّة، والدَور البنّاء الذي اضطلع به في دوام هذه الحركة الربّانيّة على عصر رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

١٧

يكشف هذا القسم أنّ عليّاً (عليه السلام) كان إلى جوار النبيّ لم يفارقه منذ البِعثة حتى الوفاة، باذلاً نفسه وأقصى ما يستطيع في سبيل تحقيق حاكميّة الإسلام في المجتمع، فهو مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله ) في المشاهد جميعاً وعند المنعطفات الخطرة، وهو السبّاق الذي يثِب مبادراً في المواطن الصعبة كلّها وعند العقبات الكؤود التي تعتري حركة الإسلام.

يُسفر هذا القِسم عن أنّ عليّاً (عليه السلام) لم يوفِّر من جهده الدؤوب لحظة، ولم يدّخر من تفانيه المخلص شيئاً، إلاّ وقد بذَله دفاعاً عن هذا الدين، وذَوداً عن نبيّه الكريم (صلّى الله عليه وآله )، وصَوناً لهذه الدعوة الربّانيّة الفتيّة؛ من أجْل أنْ يمتدّ الإسلام وتبلغ هذه الحركة الإلهيّة مَداها.

القِسم الثالث: جهود النبيّ لقيادة الإمام عليّ

الإسلام خاتم الأديان، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) خاتم النبيّين، والقرآن الحلقة الأخيرة في الكتُب السماويّة.

والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) مبلِّغ لدينٍ اكتسى لون الأبديّة، ولنْ يقوى الزمان على طيّ سِجلِّ حياته، فماذا فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لتأمين مستقبل هذا الدين، وضمان مستقبل أُمّته؟ وما هو التدبير الإلهي في هذا المضمار؟.

أوضحَ هذا القسم الرؤية المستقبليّة التي انطوى عليها الدين الإلهي، وموقع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في المخطّط الربّاني الذي حملَته السماء في هذا المجال.

بكلامٍ آخر، ما عنيَ به هذا الفصل هو الولاية العلَويّة، وإمامة عليّ بن

١٨

أبي طالب (عليه السلام)، التي جاءت في إطار جهود رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في رسم مستقبل الأُمّة.

وفي هذا الاتّجاه استفاض هذا القسم في حَشْد مجموعة الأدلّة العقليّة والنقليّة؛ لإثبات أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يدَع الأُمّة بعده هُملاً دون راع، ولم يعلّق مستقبلها على فراغ من دون برنامج محدّد للقيادة من بعده، بل حدّد مسار المستقبل بدقّة وجلاء من خلال جهدٍ مثابر بذَله طوال ثلاث وعشرين سنة، وعِبر تهيئة الأجواء المناسبة لتعاليم مكثّفة أدْلى بها على نحوِ الإشارة مَرّة، وعلى نحوٍ صريح أغلب المرّات.

كما بيَّن هذا القسم صراحة أنّ (الغدير) لم يكن إلاّ نقطة الذرْوَة على خطّ هذا الجهد المتواصل الطويل، ثمّ عاد يؤكِّد بوضوح أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لم يتوانَ بعد ذلك عن هذا الأمر الخطير، بل دأَب على العناية به والتركيز عليه حتى آخِر لحظات عُمره المبارك.

ومع أنّ الحلقات الأخيرة في التدبير النبويّ؛ كمَيلِه (صلّى الله عليه وآله) إلى تدوين ما كان قد ركّز على ذِكره مرّات خلال السنوات الطويلة الماضية في إطار وصيّةٍ مكتوبة، لم يأتِ بالنتيجة المطلوبة إثْر الفضاء المخرّب الذي أُثير من حوله.

وكذلك انتهت إلى المآل نفسه حلَقةٌ أُخرى على هذا الخطّ تمثّلت بإنفاذ بَعْث أُسامة. إلاّ أنّ ما يُلحَظ أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يُهمِل هاتين الواقعتين، بل راح يُدلي بكلمات وإشارات ومواضع تُزيل السِتار عن سِرّ هذه الحقيقة ورمْزها.

وهذا أيضاً ممّا اضطلع به هذا القِسم مشيراً إلى نتائج مهمّة استندت إلى

١٩

وثائق ثابتة عند الفريقين.

القِسم الرابع: الإمام عليّ بعد النبيّ

أسَفاً أنْ لا يكون قد تحقّق ما ارتجاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وما اختطّه لمستقبل الأمّة، وقد ارتدى سرابيل الخلافة آخَر هو غير مَن اختُصّ به الأمر الإلهي.

أمّا وقد أسفَر المشهد عن هذا، فها هو ذا عليّ يواجه واقعاً كاذباً مريراً مدمِّراً قَلَبَ الحقيقة، وها هو مباشرة أمام لوازم الدين الجديد ومصالحه، وبإزاء أُناس حديثي عهد بالإسلام، فماذا ينبغي له أنْ يفعل؟ وما هو تكليفه الإلهي؟ ما الذي يقتضيه واقع ذلك العصر بما يكتنفه مِن أوضاع خاصّة على المستوَيَين الداخلي والخارجي؟.

لقد نهض هذا القسم بالجواب على هذه الأسئلة وغيرها، ممّا حفَّ السيرة العلَويّة في الفترة التي امتدّت بين وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى تسنّم الإمام لأزِمَّة الحُكم. كما سَلّط أضواءً كاشفة على عوامل إهمال تعاليم النبيّ حيال مستقبل الأمّة، وأسباب الإغضاء عن توجيهاته (صلّى الله عليه وآله) حول قيادة عليّ (عليه السلام).

وفي إطار متابعة الحوادث التي عصفَت بالحياة الإسلاميّة بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) حتى خلافة عثمان وقيام الناس ضدّه، تكفّل هذا القِسم أيضاً ببيان الأجواء التي أحاطت بالمواقف الحكيمة لإمام الحكماء، وتفصيل ملابَسات ذلك.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وكذا السدر والكافور والماء وقيمة الأرض التي يدفن فيها ، وأجرة حمل الميت وأجرة حفر القبر إلى غير ذلك مما يصرف في أي عمل من واجبات الميت ، فان كل ذلك يخرج من أصل التركة وان كان الميت مديوناً أو كانت له وصية ، هذا فيما إذا لم يوجد من يتبرع بشيء من ذلك وإلاّ لم يخرج من التركة ، وأما ما يصرف فيما زاد على القدر الواجب وما يلحق به فلا يجوز اخراجه من الأصل ، وكذا الحال في قيمة المقدار الواجب وما يلحقه فانه لا يجوز ان يخرج من الأصل الا ما هو المتعارف بحسب القيمة ، فلو كان الدفن في بعض المواضع اللائقة بحال الميت لا يحتاج إلى بذل مال ، وفي البعض الآخر يحتاج اليه قدم الأوّل ، نعم يجوز اخراج الزائد على القدر المذكور من الثلث مع وصية الميت به ، أو وصيته بالثلث من دون تعيين مصرف له كلاً أو بعضاً ، كما يجوز اخراجه من حصص الورثة الكبار منهم برضاهم دون القاصرين ، الا مع اذن الولي على تقدير وجود مصلحة تسوغ له ذلك.

( مسألة 109 ) : كفن الزوجة على زوجها حتى مع يسارها أو كونها منقطعة او ناشزة ، هذا إذا لم يتبرع غير الزوج بالكفن والا سقط عنه ، وكذلك إذا اوصت به من مالها وعمل بالوصية ، أو تقارن موتها مع موته ، أو كان البذل حرجياً على الزوج ، فلو توقف على الاستقراض ، أو فك ماله من الرهن ولم يكن فيه حرج عليه تعين ذلك ، والا لم يجب.

( مسألة 110 ) : يجوز التكفين بما كتب عليه القرآن الكريم أو بعض الأدعية المباركة كالجوشن الكبير أو الصغير ، ولكن يلزم ان يكون ذلك بنحو لا يتنجس موضع الكتابة بالدم ، أو غيره من النجاسات كان يكتب في حاشية الازار من طرف رأس الميت ، ويجوز ان يكتب على قطعة من القماش وتوضع على رأسه أو صدره.

٦١

( شروط الكفن )

يعتبر في الكفن أمور :

(1) الاباحة.

(2) الطهارة بان لا يكون نجساً ولا متنجساً.

(3) ان لا يكون من الحرير الخالص ، ولا بأس بما يكون ممزوجاً به بشرط ان يكون حريره أقل من خليطه ـ والأحوط وجوباً ـ ان لا يكون الكفن مُذهَّباً ، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، ولا من جلد الميتة وان كان طاهراً ، ولا بأس ان يكون مصنوعاً من وبر أو شعر مأكول اللحم ، بل لا بأس ان يكون من جلده مع صدق الثوب عليه عرفاً ، وكل هذه الشروط ـ غير الاباحة ـ يختص بحال الإختيار ويسقط في حال الضرورة ، فلو انحصر الكفن في الحرام دفن عارياً ، ولو انحصر في غيره من الانواع التي لا يجوز التكفين بها اختياراً كفن به ، فاذا انحصر في واحد منها تعين ، واذا تعدد ودار الأمر بين تكفينه بالمتنجس وتكفينه بالنجس قدم الأوّل ، وإذا دار الأمر بين النجس أو المتنجس ، وبين الحرير قدم الثاني ، ولو دار الأمر بين أحد الثلاثة وبين غيرها قدم الغير ، ومع دوران الأمر بين التكفين بالمُذهَّب والتكفين بأجزاء مالا يؤكل لحمه تخيّر بينهما ، وان كان الاحتياط بالجمع حسناً.

( مسألة 111 ) : الشهيد لا يكفّن بل يدفن بثيابه الا إذا كان بدنه عارياً فيجب تكفينه.

( مسألة 112 ) : يستحب وضع جريدتين خضراوين مع الميت ، وينبغي ان تكونا من النخل ، فان لم يتيسر فمن السدر ، أو الرمان وان

٦٢

لم يتيسرا فمن الخلاف ( الصفصاف ) ، والأولى في كيفيته جعل احداهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة بالبدن ، والأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والازار.

( الحنوط )

يجب تحنيط الميت المسلم وهو ( إمساس مواضع السجود السبعة بالكافور المسحوق غير الزائلة رائحته ) ويكفي فيه وضع المسمى ، ويشترط فيه اباحته فيسقط وجوب التحنيط عند عدم التمكن من الكافور المباح ، كما يعتبر طهارته وإن لم يوجب تنجس بدن الميت على ـ الأحوط وجوباً ـ والأفضل ان يكون الكافور المستخدم في التحنيط بمقدار سبعة مثاقيل ويستحب خلطه بقليل من التربة الحسينية ، ولكن لا يمسح به المواضع المنافية للاحترام.

( مسألة 113 ) : ـ الأحوط الأولى ـ ان يكون الامساس بالكف وان يبتدأ من الجبهة ، ولا ترتيب في سائر الأعضاء ، ويجوز ان يباشر التحنيط الصبي المميز بل وغيره أيضاً.

( مسألة 114 ) : يسقط التحنيط فيما إذا مات الميت في احرام العمرة أو الحج فَيُجنَّب من الكافور بل من مطلق الطيب ، نعم اذا مات الحاج بعد الفراغ من المناسك التي يحل له الطيب بعدها وجب تحنيطه كغيره من الأموات.

( مسألة 115 ) : وجوب التحنيط كوجوب التغسيل ، وقد مضى تفصيله في المسألة (91).

٦٣

( الصلاة على الميت )

تجب الصلاة على كل مسلم ميت وان كان فاسقاً ، ووجوبها كوجوب التغسيل ، وقد مر في المسألة (91).

( مسألة 116 ) : لا تجب الصلاة على اطفال المسلمين الا من عقل منهم الصلاة ، ومع الشك في ذلك فالعبرة ببلوغه ست سنين ، وفي استحباب الصلاة على من لم يعقل الصلاة اشكال ـ والأحوط وجوباً ـ عدم الاتيان بها الا رجاءً.

( مسألة 117 ) : تصح الصلاة على الميت من الصبي المميز ، ويجزي عن البالغين.

( مسألة 118 ) : يجب تقديم الصلاة على الدفن ، الا انه إذا دفن قبل ان يصلى عليه عصياناً أو لعذر فلا يجوز ان ينبش قبره للصلاة عليه ، ولم تثبت مشروعية الصلاة عليه وهو في القبر ـ فالأحوط وجوباً ـ الاتيان بها رجاءً.

( كيفية صلاة الميت )

يجب في الصلاة على الميت خمس تكبيرات والدعاء للميت عقيب احدى التكبيرات الأربع الأوّل ، وأما الثلاثة الباقية فيتخير فيها بين الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشهادتين ، والدعاء للمؤمنين والتمجيد لله تعالى ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان يكبّر أولاً ويقول ( أشْهَدُ اَنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وَأنَّ مُحمّداً رَسولُ الله ) ثم يكبر ثانياً ، ويصلي على النبي وآله ، ثم يكبر ثالثاً ، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ثم يكبر رابعاً ، ويدعو للميت ، ثم يكبّر خامساً

٦٤

وينصرف.

والأفضل أن يقول بعد التكبيرة الأولى : ( أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ).

وبعد التكبيرة الثانية : ( اللهم صلِّ على محمّد وآل محمد ، وارحم محمداً وآل محمّد ، كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، انك حميد مجيد وصل على جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين وجميع عباد الله الصالحين ).

وبعد التكبيرة الثالثة : ( اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، تابع اللّهم بيننا وبينهم بالخيرات انك مجيب الدعوات انك على كل شيء قدير ).

وبعد الرابعة : ( اللّهم ان هذا المسجّى قدامنا عبدك وابن عبدك وابن امتك نزل بك وانت خير منزول به ، اللّهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيراً وانت اعلم به منا ، اللّهم ان كان محسناً فزد في احسانه ، وان كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته واغفر له ، اللّهم اجعله عندك في أعلى عليين واخلف على اهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا ارحم الراحمين ) ثم يكبّر ، وبها تتم الصلاة.

ولابُدّ من رعاية تذكير الضمائر وتأنيثها حسب اختلاف جنس الميت ، وتختص هذه الكيفية بما إذا كان الميت مؤمناً بالغاً ، وفي الصلاة على اطفال المؤمنين يقول بعد التكبيرة الرابعة : اللّهم اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً.

( مسألة 119 ) : يعتبر في صلاة الميت أمور :

٦٥

(1) ان تكون بعد الغسل والتحنيط والتكفين ، والا بطلت ولابُدّ من اعادتها ، واذا تعذر غسل الميت أو التيمم بدلاً عنه ، وكذلك التكفين والتحنيط لم تسقط الصلاة عليه.

(2) النية بان يقصد بها القربة ، مع تعيين الميت على نحو يرفع الابهام.

(3) القيام مع القدرة عليه.

(4) أن يكون رأس الميت على يمين المصلي.

(5) أن يوضع على قفاه عند الصلاة عليه.

(6) استقبال المصلي للقبلة حال الاختيار.

(7) أن يكون الميت أمام المصلي.

(8) أن لا يكون حائل بينهما من ستر أو جدار على نحو لا يصدق الوقوف عليه ، ولا يضر الستر بمثل النعش أو ميت آخر.

(9) الموالاة بين التكبيرات والأذكار ، بان لا يفصل بينها بمقدار تنمحي به صورة الصلاة.

(10) أن لا يكون بين الميت والمصلي بعد مفرط الا مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة ، أو مع تعدد الجنائز في الصلاة عليها دفعة واحدة.

(11) أن لا يكون احدهما اعلى من الآخر علواً مفرطاً.

(12) أن يكون الميت مستور العورة ـ اذا تعذر الكفن ـ ولو بحجر أو لبنة.

٦٦

( دفن الميت )

يجب دفن الميت المسلم ومن بحكمه ووجوبه كوجوب التغسيل وقد مر في المسألة (91) ، وكيفية الدفن ان يوارى في حفيرة في الارض ، فلا يجزي البناء عليه ولا وضعه في بناء أو تابوت مع القدرة على المواراة في الأرض ، وتكفي مواراته في الحفيرة بحيث يؤمّن على جسده من السباع وايذاء رائحته للناس ولو لعدم وجود السباع أو من تؤذيه رائحته من الناس أو بسبب البناء على قبره بعد مواراته ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان تكون الحفيرة بنفسها على كيفية تمنع من انتشار رائحة الميت ووصول السباع إلى جسده ، ويجب ان يوضع في قبره على طرفه الأيمن موجهاً وجهه الى القبلة.

( مسألة 120 ) : يجب دفن الجزء المبان من الميت ، وإن كان شعراً أو سناً أو ظفراً على ـ الأحوط وجوباً ـ نعم لو عثر عليها قبل دفنه يجب جعلها في كفنه.

( مسألة 121 ) : من مات في السفينة ، ولم يمكن دفنه في البر ، ولو بتأخيره لخوف فساده أو غير ذلك يغسّل ويكفن ويحنط ويُصلى عليه ثم يوضع في خابية ونحوها ويشد رأسها باستحكام ، أو يشد برجله ما يثقله من حجر ، أو حديد ثم يلقى في البحر ـ والأحوط استحباباً ـ اختيار الوجه الأوّل مع الإمكان ، وكذلك الحال في ميت خيف عليه من ان يخرجه العدو من قبره ويحرقه أو يمثّل به.

( مسألة 122 ) : لا يجوز دفن الميت في مكان يستلزم هتك حرمته كالبالوعة والمواضع القذرة ، كما لا يجوز دفنه في مقابر الكفار ، ولا يجوز

٦٧

دفن الكافر في مقبرة المسلمين.

( مسألة 123 ) : يعتبر في موضع الدفن الاباحة ، فلا يجوز الدفن في مكان مغصوب ، أو فيما وقف لجهة خاصة كالمدارس والحسينيات ونحوهما وان لم يكن مضراً بالوقف أو مزاحماً لجهته على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 124 ) : إذا دفن الميت في مكان لا يجوز دفنه فيه وجب نبش قبره واخراجه ودفنه في موضع يجوز دفنه فيه ، إلاّ في بعض الموارد المذكورة في ( العروة الوثقى ) وتعليقتنا عليها.

( مسألة 125 ) : إذا دفن الميت بلا غسل أو كفن ، أو حنوط مع التمكن منها وجب اخراجه مع القدرة لإجراء الواجب عليه ودفنه ثانياً بشرط ان لا يستلزم ذلك هتكاً لحرمته ، والا ففيه اشكال.

( مسألة 126 ) : لا يجوز نبش قبر المسلم إلاّ في موارد خاصة تقدم بعضها ، ومنها ما لو اوصى الميت بنقله الى المشاهد المشرفة فدفن عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في غيرها ، فانه يجب النبش والنقل ما لم يفسد بدنه ولم يوجب النقل أيضاً فساد بدنه ولا محذوراً آخر ، وأما لو اوصى بنبش قبره ونقله بعد مدة الى الأماكن المشرفة ففي صحة وصيته اشكال.

( مسألة 127 ) : إذا كان الموجود من الميت يصدق عليه عرفاً انه ( بدن الميت ) كما لو كان مقطوع الأطراف ـ الرأس واليدين والرجلين ـ كلاً أو بعضاً ، أو كان الموجود جميع عظامه مجردة عن اللحم ، أو معظمها بشرط ان تكون من ضمنها عظام صدره ، ففي مثل ذلك تجب الصلاة عليه وكذا ما يتقدمها من التغسيل والتحنيط ـ ان وجد بعض مساجده ـ والتكفين بالازار والقميص بل وبالمئزر أيضاً ان وجد بعض ما يجب ستره به.

واذا كان الموجود من الميت لا يصدق عليه انه بدنه بل بعض بدنه ،

٦٨

فلو كان هو القسم الفوقاني من البدن أي الصدر وما يوازيه من الظهر سواء كان معه غيره أم لا وجبت الصلاة عليه ، وكذا التغسيل والتكفين بالازار والقميص وبالمئزر ان كان محله موجوداً ـ ولو بعضاً ـ على ـ الأحوط وجوباً ـ ولو كان معه بعض مساجده وجب تحنيطه على ـ الأحوط وجوباً ـ ويلحق بهذا في الحكم ما إذا وجد جميع عظام هذا القسم أو معظمها على ـ الأحوط وجوباً ـ وإذا لم يوجد القسم الفوقاني من بدن الميت كأن وجدت اطرافه كلاً أو بعضاً مجردة عن اللحم أو معه ، أو وجد بعض عظامه ولو كان فيها بعض عظام الصدر فلا يجب الصلاة عليه ، بل ولا تغسيله ولا تكفينه ولا تحنيطه ، وان وجد منه شيء لا يشتمل على العظم ولو كان فيه القلب فالظاهر انه لا يجب فيه أيضاً شيء مما تقدم عدا الدفن ـ والأحوط وجوباً ـ ان يكون ذلك بعد اللف بخرقة.

( صلاة ليلة الدفن )

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : لا يأتي على الميت أشدّ من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة ، فان لم تجدوا فليصّل احدكم ركعتين له ، يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي ، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات ، فيقول بعد السلام : اللّهم صل على محمّد وآل محمّد وابعث ثوابها الى قبر فلان ، ويسمي الميت ورويت لهذه الصلاة كيفية اخرى أيضاً.

( غسل مسِّ الميت )

يجب الغسل على من مسّ الميت بعد برده وقبل اتمام غسله ، ولا فرق بين ان يكون المسّ مع الرطوبة أو بدونها ، كما لا فرق في الممسوس والماس بين ان يكون مما تحله الحياة وما لا تحله كالسن

٦٩

والظفر ، نعم لا يبعد عدم العبرة بالشعر ، سواء كان ماساً أم ممسوساً ، ولا يختص الوجوب بما إذا كان الميت مسلماً ، فيجب في مسّ الميت الكافر أيضاً ، بل ولا فرق في المسلم بين من يجب تغسيله ومن لا يجب كالمقتول في المعركة في جهاد ، أو دفاع عن الاسلام أو المقتول بقصاص أو رجم بعد الاغتسال على ـ الأحوط وجوباً ـ فيهما.

( مسألة 128 ) : يجوز لمن عليه غسل المس دخول المساجد والمشاهد والمكث فيها وقراءة العزائم ، نعم لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ونحوها مما لا يجوز للمحدث ، ولا يصح له كل عمل مشروط بالطهارة كالصلاة الا بالغسل ـ والأحوط استحباباً ـ ضم الوضوء اليه إذا كان محدثاً بالأصغر.

( مسألة 129 ) : لا يجب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الميت أو الحي وإن كانت مشتملة على العظم واللحم معاً وان كان الغسل ـ أحوط استحباباً ـ.

( مسألة 130 ) : إذا يمّم الميت بدلاً عن تغسيله لعذر فالظاهر وجوب الغسل بمسّه.

٧٠

( الأغسال المستحبة )

قد ذكر الفقهاء ( قدس الله اسرارهم ) كثيراً من الأغسال المستحبة ولكنه لم يثبت استحباب جملة منها ، والثابت منها ما يلي :

(1) غسل الجمعة : وهو من المستحبات المؤكدة ، ووقته من طلوع الفجر إلى الغروب ، والأفضل الاتيان به قبل الزوال ـ والأحوط الأولى ـ ان يؤتى به فيما بين الزوال إلى الغروب من دون قصد الأداء والقضاء ، ويجوز قضاؤه إلى غروب يوم السبت ، ويجوز تقديمه يوم الخميس رجاءً إذا خيف اعواز الماء يوم الجمعة ، وتستحب اعادته إذا وجد الماء فيه.

(2 ـ 7) غسل الليلة الأولى ، والليلة السابعة عشرة ، والتاسعة عشرة والحادية والعشرين ، والثالثة والعشرين ، والرابعة والعشرين ، من شهر رمضان المبارك.

(8 ـ 9) غسل يوم العيدين الفطر والأضحى ، ووقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس على الأظهر ، والأفضل ان يؤتى به قبل صلاة العيد.

(10 ـ 11) غسل اليوم الثامن والتاسع من ذي الحجة الحرام ، والأفضل في اليوم التاسع ان يؤتى به عند الزوال.

(12) غسل الاحرام.

(13) غسل دخول الحرم المكي.

(14) غسل دخول مكة.

(15) غسل زيارة الكعبة المشرفة.

(16) غسل دخول الكعبة المشرفة.

(17) غسل النحر والذبح.

٧١

(18) غسل الحلق.

(19) غسل دخول حرم المدينة المنورة.

(20) غسل دخول المدينة المنورة.

(21) غسل دخول مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(22) الغسل لوداع قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(23) غسل المباهلة مع الخصم.

(24) غسل الاستخارة.

(25) غسل الاستسقاء.

(26) غسل من مسّ الميت بعد تغسيله.

والأظهر ان هذه الاغسال تجزي عن الوضوء ، وأما غيرها فيؤتى بها رجاءً ، ولابُدّ معها من الوضوء فنذكر جملة منها :

(1) الغسل في ليالي الافراد من شهر رمضان المبارك وتمام ليالي العشرة الأخيرة.

(2) غسل آخر في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك قريباً من الفجر.

(3) غسل الرابع والعشرين من ذي الحجة الحرام.

(4) غسل يوم النيروز ( اول أيام الربيع ).

(5) غسل يوم النصف من شعبان.

(6) الغسل في أول رجب وآخره ونصفه ، ويوم المبعث وهو السابع والعشرون منه.

(7) الغسل لزيارة كل واحد من المعصومينعليهم‌السلام من قريب أو بعيد.

(8) غسل اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.

٧٢

( الجبائر )

الجبيرة هي : ( ما يوضع على العضو من الألواح أو الخرق ونحوها إذا حدث فيه كسر ، أو جرح ، أو قرح ) وفي ذلك صورتان :

(1) ان يكون شيء من ذلك في مواضع الغَسل كالوجه واليدين.

(2) ان يكون في مواضع المسح كالرأس والرجلين ، وعلى التقديرين فان لم يكن في غَسل الموضع أو مسحه ضرر أو حرج وجب غسل ما يجب غسله ومسح ما يجب مسحه ، واما إذا استلزم شيئاً من ذلك ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، ولم تكن في الموضع جبيرة بان كان مكشوفاً ، ففي هذه الصورة يجب غسل ما حول الجرح والقرح ـ والأحوط الأولى ـ مع ذلك ان يضع خرقة على الموضع ويمسح عليها وان يمسح على نفس الموضع أيضاً إذا تمكن من ذلك ، وأما الكسر المكشوف من غير أن تكون فيه جراحة فالمتعين فيه التيمم.

( الثانية ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، وكانت عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يغسل ما حوله ـ والأحوط وجوباً ـ ان يمسح على الجبيرة ولا يجزي غسل الجبيرة عن مسحها.

( الثالثة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح وكانت

٧٣

عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يتعين المسح على الجبيرة.

( الرابعة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح ولم تكن عليه جبيرة ، وفي هذه الصورة يتعين التيمم.

( مسألة 131 ) : يعتبر في الجبيرة أمران :

(1) طهارة ظاهرها ، فإذا كانت الجبيرة نجسة لم يصلح ان يمسح عليها فان امكن تطهيرها أو تبديلها ولو بوضع خرقة طاهرة عليها بنحو تعد جزءاً منها وجب ذلك فيمسح عليها ويغسل اطرافها ، وان لم يمكن اكتفى بغسل أطرافها ، هذا إذا لم تزد الجبيرة على الجرح بأزيد من المقدار المتعارف ، وأما لو زادت عليه فإن أمكن رفعها رفعها وغسل المقدار الصحيح ثم وضع عليها الجبيرة الطاهرة ، أو طهّرها ومسح عليها ، وإن لم يمكن ذلك لايجابه ضرراً على الجرح مسح على الجبيرة ، وإن كان لأمر آخر كالاضرار بالمقدار الصحيح وجب عليه التيمم إن لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم ، وإلاّ ـ فالأحوط لزوماً ـ الجمع بين الوضوء والتيمم.

(2) إباحتها ، فلا يجوز المسح عليها إذا لم تكن مباحة ، ولو مسح لم يصح وضوؤه على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 132 ) : يعتبر في جواز المسح على الجبيرة أمور :

( الأوّل ) : ان يكون في العضو كسر أو جرح أو قرح ، فإذا لم يتمكن من غسله أو مسحه لأمر آخر ، كنجاسته مع تعذر ازالتها ، أو لزوم الضرر من استعمال الماء أو لصوق شيء ـ كالقير ـ بالعضو ولم يتمكن من ازالته بغير حرج ففي جميع ذلك لا يجري حكم الجبيرة بل يجب التيمم ، نعم إذا كان اللاصق بالعضو دواءً يجري عليه حكم الجبيرة ، ولو كان اللاصق غيره وكان

٧٤

في مواضع التيمم تعين الجمع بينه وبين الوضوء.

( الثاني ) : ان لا تزيد الجبيرة على المقدار المتعارف ، والا وجب رفع المقدار الزائد وغسل الموضع السليم تحته إذا كان مما يغسل ومسحه إذا كان مما يمسح ، وان لم يتمكن من رفعه ، أو كان فيه حرج ، أو ضرر على الموضع السليم نفسه سقط الوضوء ووجب التيمم إذا لم تكن الجبيرة في مواضعه ، وإلاّ ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بينه وبين الوضوء ، ولو كان رفعه وغسل الموضع السليم ، أو مسحه يستلزم ضرراً على نفس الموضع المصاب لم يسقط الوضوء فيمسح على الجبيرة.

( الثالث ) : ان يكون الجرح أو نحوه في نفس مواضع الوضوء فلو كان في غيرها وكان مما يضر به الوضوء تعين عليه التيمم ، وكذلك الحال فيما إذا كان الجرح أو نحوه في جزء من اعضاء الوضوء وكان مما يضر به غسل جزء آخر اتفاقاً ، كما إذا كان الجرح في اصبعه واتفق انه يتضرر بغسل الذراع ، فانه يتعين التيمم في مثل ذلك أيضاً.

( مسألة 133 ) : إذا كانت الجبيرة مستوعبة للعضو ، كما إذا كان تمام الوجه أو احدى اليدين أو الرجلين مجبَّراً جرى عليها حكم الجبيرة غير المستوعبة على الأظهر ، وأما مع استيعاب الجبيرة لتمام الأعضاء ، أو معظمها ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بين الوضوء مع المسح على الجبيرة وبين التيمم.

( مسألة 134 ) : إذا كانت الجبيرة في الكف مستوعبة لها ومسح المتوضئ عليها بدلاً عن غسل العضو ، فاللازم ان يمسح رأسه ورجليه بهذه الرطوبة لا برطوبة خارجية ـ والأحوط الأولى ـ فيما إذا لم تكن مستوعبة لها ان يمسح بغير موضع الجبيرة.

٧٥

( مسألة 135 ) : إذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت اجزأه وضوؤه سواء برئ في اثناء الوضوء ام بعده ، قبل الصلاة أو في اثنائها أو بعدها ، ولاتجب عليه اعادته لغير ذات الوقت كالصلوات الآتية في الموارد التي كان تكليفه فيها الوضوء جبيرة واما في الموارد التي جمع فيها بين الجبيرة والتيمم فلابُدّ من اعادة الوضوء للاعمال الآتية ، وهكذا الحكم فيما لو برئ في سعة الوقت بعد اتمام الوضوء ، وأما إذا برئ في اثنائه فلابُدّ من استيناف الوضوء ، أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها ان لم تفت الموالاة.

( مسألة 136 ) : إذا اعتقد الضرر من غسل العضو الذي فيه جرح أو نحوه فمسح على الجبيرة ثم تبين عدم الضرر فالظاهر صحة وضوئه ، وإذا اعتقد عدم الضرر فغسل ثم تبين انه كان مضراً وكانت وظيفته الجبيرة ـ فالأحوط وجوباً ـ الإعادة ، وكذا إذا اعتقد الضرر ولكن ترك الجبيرة وتوضأ ثم تبين عدم الضرر وان وظيفته غسل البشرة ، وأما إذا اعتقد الضرر في غسل العضو لاعتقاده ان فيه قرحاً أو جرحاً أو كسراً فعمل بالجبيرة ثم تبين سلامة العضو فالظاهر بطلان وضوئه.

( مسألة 137 ) : يجري حكم الجبيرة في الأغسال ـ غير غسل الميت ـ كما كان يجري في الوضوء ولكنه يختلف عنه في الجملة ، فان المانع عن الغسل إذا كان قرحاً أو جرحاً ـ سواء كان المحل مجبوراً أم مكشوفاً ـ تخير المكلف بين الغسل والتيمم ، واذا اختار الغسل وكان المحل مكشوفاً فله الاجتزاء بغسل اطرافه وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ ان يضع خرقة على موضع القرح ، أو الجرح ويمسح عليها ، وأما إذا كان المانع كسراً فان كان محل الكسر مجبوراً تعين عليه الاغتسال مع المسح على الجبيرة ، وأما إذا كان مكشوفاً ، أو لم يتمكن من المسح على الجبيرة تعين عليه التيمم.

٧٦

( التيمم )

يصح التيمم بدلاً عن الغسل ، أو الوضوء في سبعة مواضع :

( الأوّل ) : ما إذا لم يجد من الماء مقدار ما يفي بوظيفته الأولية من غسل أو وضوء ولو لكون الموجود منه فاقداً لبعض الشرائط المعتبرة فيه ، ويجب الفحص عنه على الحاضر إلى حين حصول اليأس منه ، وكذلك السعي اليه ما لم يكن بعيداً عنه بحيث يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ولا يسوغ للمسافر ان يتيمم بمجرد عدم علمه بوجود الماء لديه ، بل لابُدّ له من احراز عدمه بالفحص عنه في مظانه إلى ان يحصل له الاطمينان بالعدم ، فلو احتمل وجود الماء في رحله ، أو في القافلة ، أو عند بعض المارة وجب عليه الفحص عنه ، ولو كان في فلاة وجب عليه الفحص فيما يقرب من مكانه وفي الطريق ، ـ والأحوط وجوباً ـ الفحص في المساحة التي حوله على نحو الدائرة غلوة سهم في الأرض الحزنة ( الوعرة ) وغلوة سهمين في الأرض السهلة ، ولا يجب الفحص أكثر من ذلك الا اذا اطمأن بوجوده خارج الحد المذكور بحيث لا يبعد عنه بمقدار يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ويسقط وجوب الفحص عند تضيق الوقت بمقدار ما يتضيق منه وكذا إذا خاف على نفسه ، أو ماله المعتد به من لصّ ونحوه ، أو كان في الفحص حرج لا يتحمل عادة.

( مسألة 138 ) : إذا تيمم من غير فحص ـ فيما يلزم فيه الفحص ـ ثم

٧٧

صلى في سعة الوقت برجاء المشروعية لم يصح تيممه وصلاته وان تبين عدم الماء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 139 ) : إذا انحصر الماء الموجود عنده بما يحرم التصرف فيه كما إذا كان مغصوباً لم يجب الوضوء ووجب التيمم ، والماء الموجود حينئذٍ بحكم المعدوم.

( الثاني ) : عدم تيسر الوصول إلى الماء الموجود إما للعجز عنه تكويناً لكبر ونحوه ، أو لتوقفه على ارتكاب عمل محرم كالتصرف في الإناء المغصوب ، أو لخوفه على نفسه ، أو عرضه ، أو ماله المعتد به من سبع ، أو عدو أو لص ، أو ضياع أو غير ذلك ، ولو انحصر الماء المباح بما كان في أواني الذهب والفضة ـ حيث يحرم استعمالها في الطهارة عن الحدث والخبث على الأحوط كما تقدم في المسألة (30) ـ فان امكن تخليصه منها بما لا يعد استعمالاً في العرف وجب الوضوء ، وإلاّ ففي سقوط الوضوء ووجوب التيمم اشكال.

( الثالث ) : كون استعمال الماء مضراً به ، كما إذا خاف حدوث مرض أو امتداده أو شدته ، وانما يشرع التيمم في هذه الصورة إذا لم تكن وظيفته الطهارة المائية مع المسح على الجبيرة والا وجبت ، وقد مر تفصيل ذلك.

( الرابع ) : خوف العطش على نفسه ، أو على غيره ممن يرتبط به ويكون من شأنه التحفظ عليه والاهتمام بشأنه ولو من غير النفوس المحترمة انساناً كان أو حيواناً ، ولو خاف العطش على غيره ممن لا يهمه أمره ولكن يجب عليه حفظه شرعاً ، أو يقع في الحرج بهلاكه عطشاً اندرج ذلك في غيره من المسوّغات.

( الخامس ) : استلزام الحرج والمشقة إلى حد يصعب تحمله عليه ، سواء كان في تحصيل الماء ، كما إذا توقف على الاستيهاب الموجب لذلّه

٧٨

وهوانه ، أو على شرائه بثمن يضر بحاله ـ والا وجب الشراء وان كان باضعاف قيمته ـ أم في نفس استعماله لشدة برودته ، أو لتغيره بما يتنفر طبعه منه أم فيما يلازم استعماله كما لو كان قليلاً لا يكفي للجمع بين استعماله في الوضوء وبين تبليل الرأس به مع فرض حاجته اليه لشدة حرارة الجو مثلاً بحيث يقع لولاه في الحرج والمشقة.

( السادس ) : ما إذا استلزم تحصيل الماء أو استعماله وقوع الصلاة أو بعضها خارج الوقت.

( السابع ) : ان يكون مكلفاً بواجب أهم أو مساوٍ يستدعي صرف الماء الموجود فيه كازالة الخبث عن المسجد فانه يجب عليه التيمم وصرف الماء في تطهيره ، وكذا إذا كان بدنه أو لباسه متنجساً ولم يكف الماء الموجود عنده للطهارة الحدثية والخبثية معاً فانه يتعين صرفه في ازالة الخبث وان كان الأولى فيه ان يصرف الماء في ازالة الخبث أولاً ، ثم يتيمم بعد ذلك.

( ما يصح به التيمم )

يجوز عند تعذر الطهارة المائية التيمم بمطلق وجه الارض من تراب أو رمل ، أو حجر أو مدر ، ومن ذلك ارض الجص والنورة وهكذا الجص المطبوخ ، والآجر والخزف ، ـ والأحوط الأولى ـ تقديم التراب على غيره مع الإمكان ، ويجوز التيمم بالغبار المجتمع على الثوب ونحوه إذا عدّ تراباً دقيقاً بان كان له جرم بنظر العرف وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ تقديم غيره عليه ، واذا تعذر التيمم بالأرض وما يلحق بها تيمم بالوحل وهو الطين الذي يلصق باليد ـ والأحوط وجوباً ـ عدم ازالة شيء منه الا ما يتوقف على ازالته صدق المسح باليد ، واذا تعذر التيمم بالوحل أيضاً تعين التيمم بالشيء المغبر ـ أي ما يكون الغبار كامناً فيه ـ أو لا يكون له جرم بحيث يصدق

٧٩

عليه التراب الدقيق ـ كما تقدم ـ واذا عجز عنه أيضاً كان فاقداً للطهور وحينئذٍ تسقط عنه الصلاة في الوقت ويلزمه القضاء خارجه.

( مسألة 140 ) : إذا كان طين وتمكن من تجفيفه وجب ذلك ولا تصل معه النوبة ، إلى التيمم بالطين أو الشيء المغبر ، ولا بأس بالتيمم بالأرض الندية وان كان الأولى ان يتيمم باليابسة مع التمكن.

( مسألة 141 ) : ـ الأحوط وجوباً ـ اعتبار علوق شيء مما يُتيمم به باليد فلا يجزي التيمم على مثل الحجر الاملس الذي لا غبار عليه.

( مسألة 142 ) : لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وان كان اصله منها كالنباتات ، وبعض المعادن كالذهب والفضة ، ورماد غير الأرض ونحوها ، واذا اشتبه ما يصح به التيمم بشيء من ذلك لزم تكرار التيمم ليتيقن معه الامتثال.

( كيفية التيمم وشرائطه )

( مسألة 143 ) : يجب في التيمم أمور :

(1) ضرب باطن اليدين على الأرض ، ويكفي وضعهما عليها أيضاً ، ـ والأحوط وجوباً ـ ان يفعل ذلك دفعة واحدة.

(2) مسح الجبهة ، وكذا الجبينين ـ على الأحوط وجوباً ـ باليدين من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى والى الحاجبين ـ والأحوط الأولى ـ مسحهما أيضاً.

(3) المسح بباطن اليد اليسرى تمام ظاهر اليد اليمنى من الزند إلى اطراف الاصابع ، والمسح بباطن اليمنى تمام ظاهر اليسرى ـ والأحوط وجوباً ـ رعاية الترتيب بين مسح اليمنى واليسرى.

ويجتزئ في التيمم سواء كان بدلاً عن الوضوء ، أم الغسل بضرب

 

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311