موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ١

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ6%

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 311

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 60499 / تحميل: 7942
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

فلمّا بلغ رسول الله أنّهم أجمعوا على أنْ يأتوه في الليلة التي اتّعدوا فيها خرَج رسول الله لمّا اختلط الظلام ومعه أبو بكر، وإنّ الله عزّ وجلّ أوحى في تلك الليلة إلى جبريل وميكائيل أنّي قضيت على أحدكما بالموت فأيّكما يواسي صاحبه؟ فاختار الحياة كلاهما، فأوحى الله إليهما: هلاّ كنتما كعليّ بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمّد، وجعلت عُمر أحدهما أكثر من الآخر، فاختار عليٌّ الموت، وآثر محمّداً بالبقاء، وقام في مضجعه؟! اهبطا فاحفظاه من عدوّه.

فهبط جبريل وميكائيل، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رِجْليه يحرسانه من عدوّه ويصرفان عنه الحجارة، وجبريل يقول: بخٍ بخٍ لك يا بن أبي طالب، مَن مثلك يباهي الله بك ملائكة سبع سماوات؟!.

وخلّف عليّاً على فراشه لردّ الودائع التي كانت عنده، وصار إلى الغار فكَمَن فيه، وأتت قريش فراشه فوجدوا عليّاً، فقالوا: أين ابن عمّك؟ قال: قلتم له: اخرج عنّا، فخرج عنكم. فطلبوا الأثر فلم يقعوا عليه (١) .

١١٨ - مجمع البيان - في ذِكر مبيت عليّ (عليه السلام) على فراش النبيّ (صلّى الله عليه وآله): روي أنّه لمّا نام على فراشه قام جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رِجْليه، وجبرائيل ينادي: بخٍ بخٍ مَن مثلك يا بن أبي طالب، يباهي الله بك الملائكة! (٢)

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٣٩، وراجع العمدة: ٢٤٠ / ٣٦٧، وتنبيه الخواطر: ١ / ١٧٣، والفضائل لابن شاذان: ٨١، والمناقب لابن شهر آشوب: ٢ / ٦٥، وأُسد الغابة: ٤ / ٩٨ / ٣٧٨٩، وإحياء علوم الدين: ٣٧٩٣.

(٢) مجمع البيان: ٢ / ٥٣٥، الأمالي للطوسي : ٤٦٩ / ١٠٣١، العمدة: ٢٣٩ / ٣٦٧، الفضائل لابن شاذان: ٨١، المناقب لابن شهر آشوب: ٢ / ٦٥، تأويل الآيات الظاهرة: ١ / ٨٩ / ٧٦، تذكرة الخواصّ: ٣٥، شواهد التنزيل: ١ / ١٢٣ / ١٣٣ كلّها نحوه.

١٦١

١١٩ - الأمالي للطوسي عن ابن عبّاس: اجتمع المشركون في دار الندوة؛ ليتشاوروا في أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فأتى جبرئيل (عليه السلام) رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأخبره الخبر، وأمره أنْ لا ينام في مضجعه تلك الليلة، فلمّا أراد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المبيت أمر عليّاً (عليه السلام) أنْ يبيت في مضجعه تلك الليلة، فبات عليّ (عليه السلام) وتغشّى ببُردٍ أخضر حضرمي كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ينام فيه، وجعل السيف إلى جنبه فلمّا اجتمع أُولئك النفر من قريش يطوفون ويرصدونه ويريدون قتْله، فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهُم جلوس على الباب، عددهم خمسة وعشرون رجُلاً، فأخذ حفْنة من البطحاء (١) ، ثمّ جعل يذرّها على رؤوسهم [و] (٢) هو يقرأ: ( يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) حتى بلغ ( فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) (٣) .

فقال لهم قائل: ما تنظرون قد والله خبتم وخسرتم، والله لقد مرّ بكم وما منكم رجُل إلاّ وقد جعل على رأسه تراباً. فقالوا: والله ما أبصرناه! قال: فأنزل الله عزّ وجلّ ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) (٤)(٥) .

١٢٠ - مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس - في قوله تعالى: ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ) : تشاورت قريش ليلةً بمكّة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق - يريدون النبيّ (صلّى الله عليه وآله) - وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه. فأطلع

____________________

(١) هو الحصى الصغار (لسان العرب: ٢ / ٤١٣).

(٢) ما بين المعقوفين زيادة منّا يقتضيها السياق.

(٣) يس: ١ و٢ و٩.

(٤) الأنفال: ٣٠.

(٥) الأمالي للطوسي : ٤٤٥ / ٩٩٥، بحار الأنوار: ١٩ / ٥٤ / ١١.

١٦٢

الله عزّ وجلّ نبيّه على ذلك، فبات عليّ على فراش النبيّ (صلّى الله عليه وآله) تلك الليلة، وخرج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) حتى لحِق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليّاً يحسبونه النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فلمّا أصبحوا ثابوا إليه، فلمّا رأوه عليّاً ردّ الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدرى! فاقتصّوا أثره، فلمّا بلغوا الجبل خلط عليهم فصعدوا في الجبل، فمرّوا بالغار، فرأوا على بابه نَسْج العنكبوت فقالوا: لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال (١) .

١٢١ - الإمام عليّ (عليه السلام): (إنّ قريشاً لم تزَل تخيّل الآراء وتعمل الحيَل في قتل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار - دار الندوة - وإبليس الملعون حاضر في صورة أعوَر ثقيف، فلم تزَل تضرب أمرها ظَهراً لبطن، حتى اجتمعت آراؤها على أنْ ينتدب من كلّ فَخِذ من قريش رجُل، ثمّ يأخذ كلّ رجل منهم سيفه ثمّ يأتي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهو نائم على فراشه فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربةَ رجلٍ واحد فيقتلوه، وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلّمها، فيمضي دمه هدراً.

فهبط جبرئيل (عليه السلام) على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فأنبأه بذلك وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار، فأخبرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالخبر، وأمرني أنْ أضطجع في مضجعه وأقِيَه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسي بأنْ أُقتل دونه، فمضى (عليه السلام) لوجهه، واضطجعت في مضجعه، وأقبَلَت رجالات قريش موقِنة في أنفسها أنْ

____________________

(١) مسند ابن حنبل: ١ / ٧٤٤ / ٣٢٥١، المصنّف لعبد الرزّاق: ٥ / ٣٨٩ / ٩٧٤٣، المعجم الكبير: ١١ / ٣٢٢ / ١٢١٥٥، الدُرّ المنثور: ٤ / ٥٠، مجمع البيان: ٤ / ٨٢٦.

١٦٣

تقتل النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فلمّا استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي، فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس) (١) .

١٢٢ - الطبقات الكبرى عن عائشة وابن عبّاس وعائشة بنت قدامة وعليّ (عليه السلام) وسراقة بن جعشم - دخل حديث بعضهم في حديث بعض -: أتى جبريل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فأخبره الخبر [أي اجتماع قريش على قتل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ] وأمَره أنْ لا ينام في مضجعه تلك الليلة... وأمَر عليّاً أنْ يبيت في مضجعه تلك الليلة، فبات فيه عليّ وتغشّى بُرداً أحمَر حضرَميّاً كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ينام فيه، واجتمع أُولئك النفَر من قريش يتطلّعون من صِيْر (٢) الباب ويرصدونه يريدون ثيابه ويأتمرون أيّهم يحمل على المضطجِع صاحب الفراش، فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهُم جلوس على الباب، فأخذ حفنة من البَطحْاء فجعل يذرّها على رؤوسهم ويتلو:

( يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) (٣) حتى بلغ: ( وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (٤) ومضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

فقال قائل لهم: ما تنتظرون؟ قالوا: محمّداً، قال: خبتم وخسرتم، قد والله مرّ بكم وذرّ على رؤوسكم التراب، قالوا: والله ما أبصرناه! وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، وهم: أبو جهل والحكَم بن أبي العاص وعقبة بن أبي مُعَيط والنضر ابن الحارث وأُميّة بن خلف وابن الغيطلة وزمعة بن الأسود، وطعيمة بن عديّ، وأبو لهب وأُبيّ بن خلَف ونبيه ومُنبه ابنا الحجّاج، فلمّا أصبحوا قام عليّ عن

____________________

(١) الخصال: ٣٦٦ / ٥٨ عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام).

(٢) الصِيْر: شِقّ الباب (النهاية: ٣ / ٦٦).

(٣) يس: ١ و٢.

(٤) يس: ١٠.

١٦٤

الفراش، فسألوه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: (لا عِلم لي به) (١) .

١٢٣ - المستدرك على الصحيحين عن ابن عبّاس: شرى عليّ نفسه ولبس ثوب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ثمّ نام مكانه. قال: وكان المشركون يرمون رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ألبسه بُردةً، وكانت قريش تريد أنْ تقتل النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فجعلوا يرمون عليّاً ويرونه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقد لبس بُردة، وجعل عليّ (رضيَ الله عنه) يتضَوّر (٢) ، فإذا هو عليّ فقالوا: إنّك للئيم؛ إنّك لتتضوّر وكان صاحبك لا يتضوّر، ولقد استنكرناه منك (٣) .

١٢٤ - مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس: شرى عليّ نفسه؛ لبِس ثوب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ثمّ نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فجاء أبو بكر وعليّ نائم، قال: وأبو بكر يحسب أنّه نبيّ الله، فقال: يا نبيّ الله، قال: فقال له عليّ: (إنّ نبيّ الله (صلّى الله عليه وآله) قد انطلق نحو بئر ميمون فأدرِكه)، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار)، قال: وجعل عليّ يُرمى بالحجارة - كما كان يُرمى نبيّ الله - وهو يتضوّر، قد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه، حتى أصبح، ثمّ كشف عن رأسه، فقالوا: إنّك لَلئيم؛ كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر، وقد استنكرنا ذلك (٤) .

١٢٥ - تاريخ الطبري: أصبح الرهط الذين كانوا يرصدون رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فدخلوا الدار، وقام عليّ (عليه السلام) عن فراشه، فلمّا دنوا منه عرفوه، فقالوا له: أين صاحبك؟.

____________________

(١) الطبقات الكبرى: ١ / ٢٢٧ و٢٢٨.

(٢) التضَوُّر: الصياح والتلوّي عند الضرب أو الجوع (مجمع البحرين: ٢ / ١٠٨٨).

(٣) المستدرك على الصحيحين: ٣ / ٥ / ٤٢٦٣، تاريخ دمشق: ٤٢ / ٦٨، تفسير الحبري: ٢٤٢ / ٩ وفيهما (لنائم) بدل (للئيم)، تفسير فرات: ٦٦ / ٣٣ كلّها نحوه.

(٤) مسند ابن حنبل: ١ / ٧٠٩ / ٣٠٦٢، فضائل الصحابة لابن حنبل: ٢ / ٦٨٤ / ١١٦٨، المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٤٣ / ٤٦٥٢ وص ٥ / ٤٢٦٣ نحوه، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٧٢ / ٢٣، تفسير العيّاشي: ١ / ١٠١ / ٢٩٣.

١٦٥

قال: (لا أدرى، أوَ رقيباً كنتُ عليه؟! أمرتموه بالخروج فخرج). فانتهروه وضربوه وأخرجوه إلى المسجد، فحبسوه ساعة ثمّ تركوه (١) .

١٢٦ - الأمالي للطوسي عن هند بن هالة وأبي رافع وعمّار بن ياسر - في ذِكر اجتماع قريش على قتل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعزمه على الهجرة إلى المدينة: دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام) وقال له: (يا عليّ، إنّ الروح هبَط عليَّ بهذه الآية آنفاً، يخبرني أنّ قريشاً اجتمعوا على المكر بي وقتلي، وأنّه أوحى إليّ ربّي عزّ وجلّ أنْ أهجر دار قومي، وأنْ أنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي، وأنّه أمرني أنْ آمرك بالمبيت على ضجاعي - أو قال: مضجعي - ليخفى بمبيتك عليهم أثري، فما أنت قائل وما صانع؟).

فقال عليّ (عليه السلام): (أ وَتسلم بمبيتي هناك يا نبيّ الله؟) قال: نعم، فتبسّم عليّ (عليه السلام) ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً شكراً بما أنبأه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من سلامته، وكان عليّ صلوات الله عليه أوّل من سجَد لله شكراً، وأوّل من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلمّا رفع رأسه قال له: (امضِ لِما أُمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومُرني بما شئت أكن فيه كمسرّتك، وأقع منه بحيث مرادك، وإنْ توفيقي إلاّ بالله....)

فلمّا غلق الليل أبوابه وأسدل أستاره وانقطع الأثر، أقبل القوم على عليّ صلوات الله عليه يقذفونه بالحجارة والحَلَم (٢) ، ولا يشكّون أنّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى إذا برق الفجر وأشفقوا أنْ يفضحهم الصبح، هجموا على عليّ صلوات الله عليه،

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٢ / ٣٧٤، الكامل في التاريخ: ١ / ٥١٦ نحوه.

(٢) جمع حَلَمة: نبات ينبت بنجد في الرمل، لها زهر، وورقها أُخيشن، عليه شوك (لسان العرب: ١٢ / ١٤٨ و١٤٩).

١٦٦

وكانت دُور مكّة يومئذٍ سوائب لا أبواب لها، فلمّا بصر بهم عليّ (عليه السلام) قد انتضَوا السيوف وأقبلوا عليه بها، وكان يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة، وثَب له عليّ (عليه السلام) فختله وهَمَز يده (١) ، فجعل خالد يقمِص (٢) قِماص البَكْر (٣) ، ويرغو رغاء الجَمَل، ويذعر ويصيح، وهم في عرَج الدار من خلْفِه، وشدّ عليهم عليّ (عليه السلام) بسيفه - يعني سيف خالد - فأجفلوا (٤) أمامه إجفال النَعَم إلى ظاهر الدار، فتبصّروه فإذا هو عليّ (عليه السلام)، فقالوا: إنّك لعليّ؟.

قال: (أنا عليّ)، قالوا: فإنّا لم نُردْك، فما فعل صاحبك؟ قال: (لا عِلم لي به) وقد كان عَلِم - يعني عليّاً (عليه السلام) - أنّ الله تعالى قد أنجى نبيّه (صلّى الله عليه وآله) بما كان أخبره من مُضيّه إلى الغار واختبائه فيه، فأذكت قريش عليه العيون، وركبت في طلبه الصعب والذلول، وأمهل عليّ صلوات الله عليه حتى إذا أعْتَم (٥) من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخَلا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الغار، فأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هنداً أنْ يبتاع له ولصاحبه بعيرَين، فقال أبو بكر: قد كنت أعددت لي ولك يا نبيّ الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب.

فقال: (إنّي لا آخذهما ولا أحدهما إلاّ بالثمن). قال: فهي لك بذلك. فأمر (صلّى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام) فأقبضه الثمن، ثمّ أوصاه بحِفْظ ذمّته وأداء أمانته.

وكانت قريش تدعو محمّداً (صلّى الله عليه وآله) في الجاهليّة الأمين، وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها، وكذلك من يقدِم مكّة من العرب في الموسم، وجاءته النبوّة والرسالة والأمر كذلك، فأمر عليّاً (عليه السلام) أنْ يقيم صارخاً يهتف

____________________

(١) خَتَلَهُ: أي داورَه وطلبه من حيث لا يشعر (النهاية: ٢ / ١٠)، والهمْز: العصر (لسان العرب: ٥ / ٤٢٦).

(٢) القِماص: هو أنْ لا يستقرّ في موضع، تراه يقمِص فيَثب من مكانه من غير صبر (لسان العرب: ٧ / ٨٢).

(٣) البَكْر: الفَتيُّ من الإبل، بمنزلة الغلام من الناس (النهاية: ١ / ١٤٩).

(٤) جَفَلَ: إذا أسرع وذهب في الأرض (مجمع البحرين: ١ / ٣٠٠).

(٥) أعْتَمَ الرجل: صار في العَتَمة، وهي ثلُث الليل الأوّل بعد غيبوبة الشَّفَق (لسان العرب: ١٢ / ٣٨١).

١٦٧

بالأبطح غدوةً وعشيّاً: (ألا مَن كان له قِبَل محمّد أمانة أو وديعة فليأت فلتؤدَّ إليه أمانته).

قال: وقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (إنّهم لنْ يصلوا من الآن إليك يا عليّ بأمر تكرهه حتى تقدم عليَّ، فأدِّ أمانتي على أعين الناس ظاهراً، ثمّ إنّي مستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربّي عليكما ومستحفظه فيكما)، وأمَره أنْ يبتاع رواحل له وللفواطم، ومَن أزمع (١) للهجرة معه من بني هاشم....

وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعليّ وهو يوصيه: (وإذا أبرمت ما أمرتك فكن على أُهبة الهجرة إلى الله ورسوله، وسِر إليّ لقدوم كتابي إليك، ولا تلبث بعده....).

ولمّا ورد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقُباء، فأراده أبو بكر على دخوله المدينة وألاصَهُ (٢) في ذلك، فقال (صلّى الله عليه وآله): (ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمّي وابنتي)، يعني عليّاً وفاطمة (عليهما السلام)...

ثمّ كتب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) كتاباً يأمره فيه بالمسير إليه وقلّة التلوّم (٣) ، وكان الرسول إليه أبا واقد الليثي، فلمّا أتاه كتاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تهيّأ للخروج والهجرة، فآذن مَن كان معه من ضعفاء المؤمنين، فأمرهم أنْ يتسلّلوا ويتخفّفوا إذا ملأ الليل بطن كلّ وادٍ إلى ذي طوى، وخرج عليّ (عليه السلام) بفاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب - وقد قيل هي ضُباعة - وتبعهم أيمَن ابن أُمّ أيمن مولى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأبو واقد رسول رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهم.

____________________

(١) أي أجمعَ الرأي وعزمَ عليه (مجمع البحرين: ٢ / ٧٨١).

(٢) أي أدارهُ وراودهُ (النهاية: ٤ / ٢٧٦).

(٣) التَلَوُّم: الانتظار والتلبّث (لسان العرب: ١٢ / ٥٥٧).

١٦٨

فقال عليّ صلوات الله عليه: (ارفِق بالنسوة يا أبا واقد؛ إنّهنّ من الضعائف). قال: إنّي أخاف أنْ يدركنا الطالب - أو قال: الطلَب - فقال عليّ (عليه السلام): (ارْبَعْ (١) عليك؛ فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال لي: يا عليّ، إنّهم لن يصلوا من الآن إليك بما تكرهه)، ثمّ جعل - يعني عليّاً (عليه السلام) - يسوق بهنّ سوقاً رفيقاً وهو يرتجز ويقول:

ليس إلاّ الله فارفع ظنّكا

يكفيك ربّ الناس ما أهمّكا

وسار فلمّا شارف ضَجَنان (٢) أدركه الطلب، وعددهم سبعة فوارس من قريش مستلئمين (٣) ، وثامنهم مولى لحرب بن أُميّة يدعى جناحاً، فأقبل عليّ (عليه السلام) على أيمَن وأبي واقد، وقد تراءى القوم، فقال لهما: (أنيخا الإبِل واعقِلاها)، وتقدّم حتى أنزل النسوة، ودنا القوم فاستقبلهم (عليه السلام) منتضياً سيفه، فأقبلوا عليه فقالوا: أظننت أنّك يا غُدَرُ (٤) ناجٍ بالنسوة؟! ارجع لا أبا لك.

قال: (فإنْ لم أفعل؟) قالوا: لترجعنّ راغماً، أو لنرجعنّ بأكثرك شعراً وأهوِن بك من هالك، ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوّروها، فحال عليّ (عليه السلام) بينهم وبينها، فأهوى له جناح بسيفه، فراغ (٥) عليّ (عليه السلام) عن ضربته وتختّله عليّ (عليه السلام) فضربه على عاتقه، فأسرع السيف مضيّاً فيه حتى مسّ كاثبة (٦) فرَسِه، فكان (عليه السلام) يشدّ على قدَمِه شدّ الفرَس، أو الفارس على فرسه، فشدّ عليهم بسيفه وهو يقول:

____________________

(١) أي ارفق بنفسك وكُفّ (الصحاح: ٣ / ١٢١٢).

(٢) جبل بناحية تهامة على بريد من مكّة، وهناك الغميم، في أسفله مسجد صلّى فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (معجم البلدان: ٣ / ٤٥٣).

(٣) استلأم الرجل: إذا لبِس ما عنده من عُدّة، رمح وبيضة ومِغفَر وسيف ونَبل (لسان العرب: ١٢ / ٥٣٢).

(٤) غُدَر: معدول عن غادر للمبالغة (النهاية: ٣ / ٣٤٥).

(٥) أي حادَ (لسان العرب: ٨ / ٤٣١).

(٦) هي من الفرَس مُجتمع كتفَيه قُدّام السرْج (النهاية: ٤ / ١٥٢).

١٦٩

(خلّوا سبيل الجاهد المجاهدِ

آليت لا أعبد غير الواحدِ)

فتصدّع عنه القوم وقالوا له: اغنِ عنّا نفسك يا بن أبي طالب. قال: (فإنّي منطلق إلى ابن عمّى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بيثرب، فمَن سرّه أنْ أُفري لحمه وأُريق دمه فَليَتعقّبني أو فَليَدنُ منّي).

ثمّ أقبل على صاحبيه أيمَن وأبي واقد فقال لهما: (أطلِقا مطاياكما).

ثمّ سار ظاهراً قاهراً حتى نزل ضَجْنان، فتلوّم بها قدر يومه وليلته، ولحِق به نفَر من المستضعفين من المؤمنين وفيهم أُمّ أيمَن مولاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فظلّ ليلته تلك هو والفواطم - أُمّه فاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وفاطمة بنت الزبير - طوراً يصلّون وطوراً يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلّى (عليه السلام) بهم صلاة الفجر، ثمّ سار لوجهه يجوب منزلاً بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله، والفواطم كذلك وغيرهم ممّن صحِبَه حتى قدِموا المدينة (١) .

١٢٧ - تاريخ دمشق عن أبي رافع: إنّ عليّاً كان يجهّز النبيّ (صلّى الله عليه وآله) حين كان بالغار ويأتيه بالطعام، واستأجر له ثلاث رواحل، للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولأبي بكر ودليلهم ابن أُريقط، وخلّفه النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فخرج إليه أهله، فخرج، وأمره أنْ يؤدّى عنه أمانته ووصايا مَن كان يوصي إليه، وما كان يؤتمَن عليه مِن مال، فأدّى أمانته كلّها.

وأمَره أنْ يضطجع على فراشه ليلة خرج، وقال: (إنّ قريشاً لنْ يفقدوني ما رأوك)، فاضطجع عليّ على فراشه، فكانت قريش تنظر إلى فراش النبيّ (صلّى الله عليه وآله)

____________________

(١) الأمالي للطوسي: ٤٦٥ - ٤٦٩ / ١٠٣١، وراجع المناقب لابن شهر آشوب: ١ / ١٨٢ - ١٨٤، وكشف الغمّة: ٢ / ٣٠ - ٣٢.

١٧٠

فيرَون عليه رجُلاً يظنّونه النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، حتى إذا أصبحوا رأوا عليه عليّاً، فقالوا: لو خرج محمّد خرج بعليٍّ معه، فحبسهم الله عزّ وجلّ بذلك عن طلب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) حين رأوا عليّاً ولم يفقدوا النبيّ (صلّى الله عليه وآله).

وأمَر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عليّاً أنْ يلحقه بالمدينة، فخرَج عليّ في طلبه بعدما أخرج إليه أهله، يمشي من الليل ويكمُن من النهار حتى قدم المدينة، فلمّا بلغ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قدومه قال: (ادعوا لي عليّاً). قيل: يا رسول الله، لا يقدر أنْ يمشي ، فأتاه النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فلمّا رآه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) اعتنقه وبكى رحمةً لما بقدَمَيه من الورَم، وكانتا تقطران دماً، فتفل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في يديه ثمّ مسح بهما رِجْليه، ودعا له بالعافية، فلم يشتكهما عليّ حتى استُشهد (١) .

١٢٨ - الإمام عليّ (عليه السلام): (لمّا خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى المدينة في الهجرة أمَرني أنْ أُقيم بعده حتى أُؤدّي ودائع كانت عنده للناس؛ ولذا كان يسمّى الأمين، فأقمت ثلاثاً فكنت أظهَر، ما تغيّبت يوماً واحداً، ثمّ خرَجتُ فجعلت أتّبع طريق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى قدمت بني عمرو بن عوف ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) مقيمٌ، فنزلت على كلثوم بن الهدم وهنالك منزل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)) (٢) .

١٢٩ - الأمالي للطوسي عن مجاهد: فخرَت عائشة بأبيها ومكانه مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الغار، فقال عبد الله بن شدّاد بن الهاد: وأين أنتِ من عليّ بن

____________________

(١) تاريخ دمشق: ٤٢ / ٦٨ / ٨٤١٦، أُسد الغابة: ٤ / ٩٢ / ٣٧٨٩ نحوه وفيه من (وخلّفه النبيّ (صلّى الله عليه وآله))، المناقب للكوفي: ١ / ٣٦٤ / ٢٩٢، إعلام الورى: ١ / ٣٧٤.

(٢) الطبقات الكبرى: ٣ / ٢٢ عن عبيد الله بن أبي رافع، تاريخ دمشق: ٤٢ / ٦٩، وراجع السنن الكبرى: ٦ / ٤٧٢ / ١٢٦٩٧، وأنساب الأشراف: ١ / ٣٠٩، وتاريخ الطبري: ٢ / ٣٨٢، والسيرة النبويّة لابن هشام: ٢ / ١٢٩.

١٧١

أبي طالب حيث نام في مكانه وهو يرى أنّه يُقتل؟! فسكتت ولم تُحِرْ جواباً (١) .

١٣٠ - الطبقات الكبرى عن محمّد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت: قدِم عليّ للنصف من شهر ربيع الأوّل ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) بقُباء لم يَرِمْ (٢) بعدُ (٣) .

١٣١ - الأمالي للطوسي عن أُمّ هانئ بنت أبي طالب: لمّا أمَر الله تعالى نبيّه (صلّى الله عليه وآله) بالهجرة وأنام عليّاً (عليه السلام) في فراشه ووشّحه ببُردٍ له حضرمي، ثمّ خرج فإذا وجوه قريش على بابه، فأخذ حفْنة من تراب فذرّها على رؤوسهم، فلم يشعر به أحد منهم، ودخل علَيَّ بيتي، فلمّا أصبح أقبل علَيّ وقال: (أبشري يا أُمّ هانئ؛ فهذا جبرئيل (عليه السلام) يخبرني أنّ الله عزّ وجلّ قد أنجى عليّاً من عدوّه).

قالت: وخرَج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع جناح الصبح إلى غار ثور، وكان فيه ثلاثاً، حتى سكن عنه الطلب، ثمّ أرسل إلى عليّ (عليه السلام) وأمَره بأمره وأداء أمانته (٤) .

راجع: القسم العاشر / الخصائص الأخلاقيّة / كمال الإيثار.

____________________

(١) الأمالي للطوسي: ٤٤٧ / ٩٩٩، المناقب لابن شهر آشوب: ٢ / ٥٧.

(٢) رامَ يَرِيْمُ إذا برح (لسان العرب: ١٢ / ٢٥٩): أي والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) بقُباء لم يغادرها بعدُ.

(٣) الطبقات الكبرى: ٣ / ٢٢، أُسد الغابة: ٣ / ٣٩ / ٢٥٣٨ عن أبي زكريّا بن يزيد بن إياس وفيه (النصف من ربيع الأوّل).

(٤) الأمالي للطوسي: ٤٤٧ / ١٠٠٠.

١٧٢

نقلٌ ونَقْد

ذكرنا مراراً عند نقلِنا للأحاديث المرتبطة بالفضائل العلويّة، أنّ إنكار فضائل الإمام (عليه السلام) والسعي لمحوها من صفَحَات التاريخ وأذهان الناس - لِبَواعِث مختلفة وأسباب متنوّعة - دأْبُ أعداء الحقّ على مَرّ التاريخ. وقد كان عمرو بن بحر الجاحظ (م ٢٥٥ هـ) ممّن عزَف على وتَر هذه النغمة اللاموزونة - بشأن هذه الفضيلة العظيمة - وحاول أنْ يُنكِر فضيلة المبيت على فراش النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ويسعى إلى تقليل وهَجِها الباهر المتألّق بزعمه وظنّه الباطل، فقد قال في رسالته الصغيرة المسمّاة بالعثمانيّة:

لم يكن له في ذلك كبير طاعة؛ لأنّ الناقلين نقلوا أنّه (صلّى الله عليه وآله) قال له: (نَم؛ فلن يخلص إليك شيءٌ تكرهه) (١) .

ومنهم ابن تيميّة الذي لم يألُ جُهداً، ولم يدّخر وسْعاً في تقليل شأن فضائل الإمام (عليه السلام) وآلِ الله، فعطَف على ما سبق قوله:

وأيضاً فإنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قد قال: (اتّشحْ ببُردي هذا الأخضر، فنَم فيه؛ فإنّه لنْ يخلص إليك منهم رجل بشيءٍ تكرهه) فوعده - وهو الصادق - أنّه لا يخلص إليه

____________________

(١) شرح نهج البلاغة: ١٣ / ٢٦٢.

١٧٣

مكروه، وكان طمأنينته بوعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) (١).

ولنا عليهما:

١ - إنّ الآية الكريمة: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي... ) كما ذكرنا مصادرها الكثيرة في تضاعيف كتابنا نزلت في عليّ (عليه السلام) (٢) ؛ لتدلّ على عظَمة هذه الحادثة، وهذا ما لا يدَع مجالاً للشكّ والترديد. وهكذا أطلق الله تعالى على عمل الإمام (عليه السلام) تعبير (شراء النفس)، ودعا الملائكة لملاحظة هذا الإيثار الرائع، بَيْد أنّ الجاحظ، وابن تيميّة اجتهدا في مقابل النصّ، ولم يُعِدّا ذلك (شراء نفس)، وأنكرا كونه فضيلةً؛ بذريعةٍ واهية تتلخّص في أنّه (عليه السلام) كان يعلم أنّه لا يصل إليه مكروه.

٢ - إنّ الكلام الذي تشبّث به هذان الشخصان وهو قوله: (إنّهم لنْ يصلوا إليك بشيءٍ تكرهه) لم يرد في معظم المصادر التاريخيّة المهمّة التي يُشار إليها بالبَنان، كما لم يَرِد في المصادر الشيعيّة. وسنذكر أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال له هذا القول بعد المبيت، وبعدما أوصاه بأداء الأمانات في الغار. وهكذا يستقيم كلام الإسكافي المعتزلي ويصمد شامخاً؛ إذ قال في نقد كلام الجاحظ:

(هذا هو الكذِب الصراح، والتحريف والإدخال في الرواية ما ليس منها...) (٣) .

٣ - ذكرنا سابقاً أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال هذا الكلام، وأمر عليّاً (عليه السلام) بأداء الأمانات في إحدى ليالي إقامته في الغار، بعد حادثة المبيت، ونقل الشيخ الطوسي

____________________

(١) منهاج السنّة: ٧ / ١١٦.

(٢) راجع: القسم التاسع / عليّ عن لسان القرآن / الذي يشري نفسه ابتغاء مرضات الله.

(٣) شرح نهج البلاغة: ١٣ / ٢٦٣.

١٧٤

رضوان الله عليه هذا القسم من الحادثة بالشكل الآتي:

فأمر (صلّى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام)، فأقبضه الثمن، ثمّ أوصاه بحفظ ذمّته وأداء أمانته... وقال: (... إنّهم لنْ يصلوا من الآن إليك يا عليّ بأمرٍ تكرهه..) (١) .

٤ - في ضوء بعض المعلومات التاريخيّة: لمّا هجم المشركون على الدار صباحاً، ورأوا عليّاً (عليه السلام) في الفراش، ويأسوا من مؤامرتهم المشؤومة، اصطدموا بالإمام (عليه السلام)، وقبل ذلك رموه بالحجارة غير مرّة. قال الإسكافي:

ولو كان هذا صحيحاً لم يصل إليه منهم مكروه، وقد وقَع الاتّفاق على أنّه ضُرب ورُمي بالحجارة قبل أنْ يعلموا مَن هو حتى تضوَّر، وأنّهم قالوا له: رأينا تضوّرك؛ فإنّا كنّا نرمي محمّداً ولا يتضوّر (٢) .

وقال الطبري: فانتهروه وضربوه وأخرجوه إلى المسجد فحبسوه ساعةً ثمّ تركوه (٣) .

فإذا كان عدم وصول المكروه إليه بوعد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قبل مبيته في فراش النبيّ (صلّى الله عليه وآله)؛ لكان ينبغي عدم وصول شيء من الضرر والأذى إليه أصلاً!.

وأشار الإمام (عليه السلام) في كلام له إلى هذا الاصطدام وقال: (و أمرني أنْ أضطجع في مضجعه وأقِيه بنفسي، فأسرعتُ إلى ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسي بأنْ أُقتل دونه) (٤).

____________________

(١) الأمالي للطوسي: ٤٦٧ و٤٦٨ / ١٠٣١.

(٢) شرح نهج البلاغة: ١٣ / ٢٦٣.

(٣) تاريخ الطبري: ٢ / ٣٧٤، الكامل في التاريخ: ١ / ٥١٦، تاريخ الخميس: ١ / ٣٢٥، بحار الأنوار: ١٩ / ٣٩ / ٦، الصحيح من سيرة النبيّ: ٤ / ٣٨.

(٤) الخصال: ٢ / ١٤، بحار الأنوار: ١٩ / ٤٦ / ٧.

١٧٥

وأوضح من ذلك كلّه شِعر لطيف للإمام (عليه السلام) نفسه في وصف هذه الفضيلة الرفيعة:

وقيتُ بنفسي خيرَ من وطئ الحصا

ومَن طافَ بالبيتِ العتيق وبالحِجْرِ

رسولَ إله خاف أنْ يمكروا بهِ

فنجّاهُ ذو الطَّول الإله من المـَكْرِ

وباتَ رسولُ اللهِ في الغارِ آمناً

موقّىً وفي حِفْظ الإله وفي ستْرِ

وبتُّ أُراعيهم ولم يتّهمونني

وقد وطّنتْ نفسي على القتل والأسْرِ (١)

نلحظ الإمام (عليه السلام) في هذه الأبيات يصرّح بمبيته في فراش النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، واستعداده للقتل، والأسر، وتفانيه في سبيل المحافظة على حياته (صلّى الله عليه وآله).

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين: ٣ / ٥ / ٤٢٦٤، تذكرة الخواصّ: ٣٥، الغدير: ٢ / ٤٨.

١٧٦

الفصل الرابع

غاية الفُتوّة في غزوة بَدْر

٤ / ١

غزوة بَدْر

تُعدّ غزوة بدر من أشدّ الغزوات التي خاضها النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأعظمها من حيث الظروف الزمنيّة، وميزان القوى، ومستوى المعدّات الحربيّة التي كانت عند المسلمين. ذلك أنّ الهدف الأوّل من التحرّك - وهو التحرّش بقافلة قريش والسيطرة عليها - وما تلاه من حرب غير متكافئة؛ يدلاّن على أهميّة المعركة ودَورها المصيرىّ الحاسم.

من هنا كانت للبدريّين في التاريخ منزلة رفيعة خاصّة، وكان حضورهم في حوادث التاريخ الإسلامي - لا سيّما بعد وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) - حيثما وُجِدوا يُشعر بشأنٍ خاصّ. ووقَعت هذه المعركة ببدر - منطقة قريبة من المدينة - في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة (١) .

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٢ / ٤١٨ وص ٤٤٦، الكامل في التاريخ: ١ / ٥٢٤، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٥٧، المغازي: ١ / ٥١، تاريخ إليعقوبي: ٢ / ٤٥.

١٧٧

وشهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه المعركة التي كانت أُولى معارك النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وأُولى المشاهد البطوليّة للإمام (عليه السلام) الذي ظهَر فيها بمظهر حقيق بالمشاهدة، والثناء، والإعجاب، إذ:

١ - كان يحمل الراية المظفّرة للجيش الإسلامي (١) .

٢ - أُنيطت به مهمّة التعرّف على قوّة العدوّ ومعه عدد من الصحابة، وذلك قبل حدوث المواجهة وفي مرحلة حسّاسة من الاستطلاع والاستكشاف والتقصّي الخفيّ، فحقّق نجاحاً باهراً (٢) .

٣ - وحين طلب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الماء في منتصف ليلة القتال الحالكة المروّعة، قام (عليه السلام)، وسار نحو بدْر بخطىً ثابتة راسخة، ونزح الماء من بئرها العميقة المظلمة، فروّى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (٣) .

٤ - إنّه وفي أوّل مواجهة فرديّة سقى الوليد بن عُتبة كأس المنون (٤) ، وأعان رفيقه على قتل أبيه عتبة (٥) . وذكر سلام الله عليه هذه الملحمة العظيمة في أحَد

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٢٠ / ٤٥٨٣، فضائل الصحابة لابن حنبل: ٢ / ٦٥٠ / ١١٠٦، الطبقات الكبرى: ٣ / ٢٣، تاريخ الطبري: ٢ / ٤٣١، السيرة النبويّة لابن هشام: ٢ / ٢٦٤، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٥١، تاريخ دمشق: ٤٢ / ٧٢ وص ٧٤، الكامل في التاريخ: ١ / ٥٢٧.

(٢) تاريخ الطبري: ٢ / ٤٣٦، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٥٢، السيرة النبويّة لابن هشام: ٢ / ٢٦٨، الكامل في التاريخ: ١ / ٥٢٧، المغازي: ١ / ٥١.

(٣) فضائل الصحابة لابن حنبل: ٢ / ٦١٣ / ١٠٤٩، المغازي: ١ / ٥٧، تفسير العيّاشي: ٢ / ٦٥ / ٧٠.

(٤) تاريخ الطبري: ٢ / ٤٤٥، المغازي: ١ / ٦٩، الكامل في التاريخ: ١ / ٥٣١، السيرة النبويّة لابن هشام: ٢ / ٢٧٧، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٥٧.

(٥) تاريخ الطبري: ٢ / ٤٤٥، الكامل في التاريخ: ١ / ٥٣١، السيرة النبويّة لابن هشام: ٢ / ٢٧٧، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٥٧.

١٧٨

كُتُبِه إلى معاوية، فقال:

(فأنا أبو حسن قاتل جدّك وأخيك وخالك شَدْخاً (١) يوم بدر، وذلك السيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوّى) (٢) .

٥ - وصرع (عليه السلام) العاص بن سعيد فارس قريش المقتدر (٣) ، ونوفل بن خويلد العدوّ الشرور الحاقد على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (٤) .

٦ - ولمّا صدَر الأمر بالهجوم الشامل، وتشابكت القوى المتحاربة، وحمِيَ وطيس القتال، هجَم (عليه السلام) على العدوّ كالليث الغاضب، وخَلْخَل استعداداته العسكريّة، وصنَع من قتلاه تلاًّ؛ فقد نقل المؤرّخون أنّ (٣٥) من قتلى المشركين البالغ عددهم (٧٠) قُتِلوا بسيفه (عليه السلام) (٥) .

٧ - وهو الذي كان في عنفوان شبابه يومئذ، ونال الوسام الخالد:

(لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ عليّ) بفضل تلك الشهامة، والشجاعة، والاستبسال الذي أبداه آنذاك (٦) .

١٣٢ - المستدرك على الصحيحين عن ابن عبّاس: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دفع الراية

____________________

(١) الشدخ: كَسْرك الشيء الأجوف كالرأس ونحوه (لسان العرب: ٣ / ٢٨).

(٢) نهج البلاغة: الكتاب ١٠ وراجع الكتاب ٦٤.

(٣) الإرشاد: ١ / ٧٠، المغازي: ١ / ٩٢ وص ١٤٨، السيرة النبويّة لابن هشام: ٢ / ٣٦٦.

(٤) الإرشاد: ١ / ٧٠، المغازي: ١ / ٩٢ وص ١٤٩.

(٥) الإرشاد: ١ / ٧٢.

(٦) تاريخ دمشق: ٤٢ / ٧١، المناقب لابن المغازلي: ١٩٩ / ٢٣٥، المناقب للخوارزمي: ١٦٧ / ٢٠٠، البداية والنهاية: ٧ / ٣٣٦.

١٧٩

إلى عليّ (رضي الله عنه) يوم بدر وهو ابن عشرين سنة (١) .

١٣٣ - الطبقات الكبرى عن قتادة: إنّ عليّ بن أبي طالب كان صاحب لواء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم بدر وفي كلّ مشهد (٢) .

١٣٤ - تاريخ الطبري عن ابن عبّاس - في ذِكر يوم بدر: كان صاحب راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة (٣) .

١٣٥ - المستدرك على الصحيحين عن عبد الله: كنّا يوم بدر كلّ ثلاثة على بعير، قال: وكان عليّ وأبو لبابة زَميلَي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، قال: وكان إذا كانت عُقْبَته (٤) قلنا اركب حتى نمشي، فيقول: (ما أنتما بأقوى منّي وما أنا بأغنى عن الأجر منكم) (٥) .

١٣٦ - السيرة النبويّة عن ابن إسحاق - في ذكر يوم بدر: كانت إبِل أصحاب

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٢٠ / ٤٥٨٣، السنن الكبرى: ٦ / ٣٤٠ / ١٢١٦٥، المعجم الكبير: ١ / ١٠٦ / ١٧٤، الاستيعاب: ٣ / ٢٠١ / ١٨٧٥، تاريخ دمشق: ٤٢ / ٧١ و٧٢، المناقب لابن المغازلي: ٣٦٦ / ٤١٣، المناقب للخوارزمي: ١٦٧ / ١٩٩، البداية والنهاية: ٧ / ٢٢٤.

(٢) الطبقات الكبرى: ٣ / ٢٣، تاريخ دمشق: ٤٢ / ٧٤ وص ٧٢ عن الحكم، فضائل الصحابة لابن حنبل: ٢ / ٦٥٠ / ١١٠٦ عن ابن عبّاس والحكَم.

(٣) تاريخ الطبري: ٢ / ٤٣١، وراجع السيرة النبويّة لابن هشام: ٢ / ٢٦٤، وتاريخ الإسلام للذهبي: ٥١٢، والكامل في التاريخ: ١ / ٥٢٧.

(٤) دارتْ عُقْبَة فلان، أي جاءت نَوبته ووقت ركوبه (النهاية: ٣ / ٢٦٨).

(٥) المستدرك على الصحيحين: ٣/٢٣/٤٢٩٩ وج ٢/١٠٠/٢٤٥٣، مسند ابن حنبل: ٢ / ٨٢ / ٣٩٠١ وفيه (و كانت عقبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: فقالا: نحن نمشي عنك) بدل (وكان إذا كانت عُقْبَته قلنا: اركب حتى نمشي)، السنن الكبرى: ٥ / ٤٢٣ / ١٠٣٥٧ وفيه (كنّا يوم بدر اثنين على بعير وثلاثة على بعير وكان زَميلَي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّ وأبو لبابة الأنصاري، وكانت إذا حانت عقبتهما قال: يا رسول الله، اركب...)، عيون الأخبار لابن قتيبة: ١ / ١٤١ وفيه (فكان إذا دارت عقبتهما قالا).

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311