موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ١

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ18%

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 311

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59995 / تحميل: 7774
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الفصل الثالث :

توطئة في أهل البيتعليهم‌السلام وفضائلهم

مقدمة الفصل :

نبدأ الفصل ببحث قيّم حول معنى (أهل البيت) والألفاظ المختلفة التي تطلق عليهم ، مثل : آل الرسول ـ عترة النبي ـ ذوو القربى. فهم بالمعنى الضيّق الخمسة أصحاب الكساء. وبالمعنى الموسّع المعصومون الأربعة عشر ؛ وهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة والأئمة الاثنا عشرعليهم‌السلام . وبالمعنى الأوسع كل أقرباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعشيرته الذين حرموا الصدقة من بعده.

ويلجئنا هذا إلى الحديث حول ثبوت إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام الذين أولهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهديعليه‌السلام .

وبعد هذه المقدمة نشرع في ذكر فضائل أهل البيتعليهم‌السلام مبتدئين بالإمام عليعليه‌السلام وزوجته فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ثم بفضائل الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام والذين من ضمنهم الفرقدان الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم بفضائل الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام . ومن أبرز هذه الفضائل توصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم وموالاتهم ونصرتهم والمحافظة عليهم. والفرق بين المحبة والمودة ، أن المحبة شيء قلبي ، بينما المودة فشيء تطبيقي ، يقول تعالى على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣].

١ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟

٣١ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

نستخدم عبارة (أهل البيت) كثيرا في كتاباتنا وخطبنا. كما نطلق عبارات أخرى على أهل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل (آل الرسول)و (عترة النبي).

و (ذوي القربى). فلنحدد مدلول هذه العبارات والمصطلحات ، التي يحتلّ الحسينعليه‌السلام ذروة سنام المجد منها.

١٢١

ولم أجد لهذه الغاية أفضل من فضل عقده محبّ أهل البيتعليهم‌السلام كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي في أول كتابه :

(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول)

هذا الكتاب الّذي فتّشت عنه كثيرا حتّى وجدت نسخة حجرية منه في مكتبة الأسد ، مطبوعة في ذيل كتاب لسبط ابن الجوزي هو :

(تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة)

وهي طبعة حجرية قديمة طبعت في إيران سنة ١٢٨٧ ه‍.

يقول ابن طلحة الشافعي في سبب تأليفه لكتابه الجليل (مطالب السّؤول) : كنت في شبابي ألّفت كتابا باسم (زبدة المقال في فضائل الآل) ثم وسّعته وألّفت كتاب (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول).

وفي مقدمة الكتاب (ص ٣ ـ ٥) يقولرحمه‌الله :

هناك أربعة ألفاظ يوصف بها (أهل النبي) وتطلق عليهم ، هي :

١ ـ آل الرسول

٢ ـ أهل البيت

٣ ـ العترة

٤ ـ ذوو القربى.

ثم يشرع في شرح مضمون هذه الألفاظ ، فيقول :

٣٢ ـ من هم آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ :

قد تعددت أقوال الناس في تفسير (الآل). فذهب قوم إلى أن آل الشخص أهل بيته. وقال آخرون : إن آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الذين حرّمت عليهم الزكاة ، وعوّضوا عنها خمس الخمس. وقال آخرون : آل الشخص من دان بدينه وتبعه فيه. فهذه الأقوال الثلاثة أشهر ما قيل.

واستدل من قال بالقول الأول بما أورده القاضي الحسين بن مسعود البغوي في كتابه الموسوم «بشرح سنة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأحاديث المتفق على صحتها «يرفعه بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي إليك هدية سمعتها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. فقلت : بلى ، فاهدها إليّ. فقال : سألنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟. قال : قولوا :«اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم ؛

١٢٢

وبارك على محمّد وآل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. إنك حميد مجيد». فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسّر أحدهما (أي الأهل والآل) بالآخر ، فالمفسّر والمفسّر به سواء في المعنى ، فقد بدّل لفظا بلفظ مع اتحاد المعنى ، فيكون آله أهل بيته ، وأهل بيته آله. فيتحدا به في المعنى على هذا القول. ويكشف حقيقة ذلك أن أصل (آل) أهل ، فأبدلت الهاء همزة. ويدل عليه أن الهاء ترد في التصغير ، فيقال في تصغير (آل) أهيل ، والتصغير يردّ الأسماء إلى أصولها.

واستدل من قال بالتفسير الثاني بما خرّجه الأئمة في أسانيدهم المتفق على صحتها : الإمام مسلم وأبو داود والنسائي ، يرفعه كل واحد منهم بسنده في صحيحه ، إلى عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ، قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ ، وإنها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمّد. وبما نقل إمام دار الهجرة مالك بن أنس في موطئه بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تحل الصدقة لآل محمّد ، إنما هي أوساخ الناس. فجعل حرمة الصدقات من خصائص آلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد قيل لزيد بن أرقم : من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين حرّمت عليهم الصدقات؟ قال : آل علي وآل جعفر وآل عباس وآل عقيل. وهذا التفسير قريب من الأول.

واستدل من قال بالتفسير الثالث بقوله تعالى :( إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ) (٥٩) [الحجر : ٥٩]. وأجمع المفسرون على أن المراد ب (آله) من آمن به وتبعه في دينه.

وإذا ظهر ما قيل في تفسير (الآل) ، فالمعاني كلها مجتمعة فيهمعليهم‌السلام :فهم أهل بيته ، وتحرم عليهم الزكاة ، وهم دائنون بدينه ومتّبعون منهاجه وسبيله ، فإطلاق اسم الآل عليهم حقيقة فيهم بالاتفاق.

٣٣ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

وأما اللفظة الثانية وهي (أهل البيت) فقد قيل هم من ناسبه إلى جده الأدنى ، وقيل من اجتمع معه في رحم ، وقيل من اتصل به بنسب أو سبب.

وهذه المعاني كلها موجودة فيهمعليهم‌السلام . فإنهم يرجعون بنسبهم إلى جده عبد المطلب ، ويجتمعون معه في رحم ، ويتصلون به بنسبهم وسببهم ، فهم أهل بيته حقيقة. فالآل وأهل البيت سواء ، اتحد معناهما على ما شرح أولا ، واختلف على ما ذكر ثانيا ، فحقيقتهما ثابتة لهمعليهم‌السلام .

١٢٣

وقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن حيان ، قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ؛ رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت خيرا كثيرا. حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال :يابن أخي لقد كبر سني وقدم عهدي ، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما أحدثكم فاقبلوه وما لا فلا تكلّفونيه.

ثم قال : قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وعظ وذكّر ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس إنما أنا بشر ، يوشك أن يأتيني رسول ربي (أي ملك الموت) فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثّقلين :أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي.

فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ، أليس نساؤه بأهل بيته؟. قال : لا ، أهل بيته من حرموا الصدقة بعده.

٣٤ ـ من هم العترة؟ :

وأما اللفظة الثالثة وهي (العترة) ، فقد قيل : العترة هي العشيرة ، وقيل العترة هم الذرية ، وقد وجد الأمران فيهم ؛ فإنهم عترته وذريته. وأما العشيرة فالأهل الأدنون ، وهم كذلك. وأما الذرية ، فإن أولاد بنت الرجل ذريته. ويدل عليه قوله تعالى عن إبراهيمعليه‌السلام :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥]. فجعل الله سبحانه وتعالى هؤلاء المذكورين ، من ذرية إبراهيم ، ومن جملتهم عيسىعليه‌السلام ، ولم يتصل بإبراهيم إلا من جهة أمه مريمعليها‌السلام .

قصة الشعبي مع الحجاج :

وقد نقل أن الشعبي كان يميل إلى عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان لا يذكرهم إلا ويقول : هم أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته. فنقل ذلك عنه إلى الحجاج بن يوسف الثقفي وتكرر ذلك ، وكثر نقله عنه إليه ، فأغضبه ذلك منه ونقمه عليه.

فاستدعاه الحجاج يوما إلى مجلسه ، وقد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة

١٢٤

والبصرة وعلماؤهما وقراؤهما. فلما دخل الشعبي عليه وسلّم ، فلم يبشّ به ، ولا وفّاه حقه من الرد عليه. فلما جلس قال له : يا شعبي ما أمر تبلّغني عنك يشهد عليك بجهلك؟. قال : ما هو يا أمير؟. قال : ألم تعلم أن أبناء الرجل من ينسبون إليه ، وأن الأنساب لا تكون إلا للآباء؟ فما بالك تقول عن أبناء علي أنهم أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته ، وهل لهم اتصال برسول الله إلا بأمهم فاطمةعليها‌السلام ؟ ، والنسب لا يكون بالبنات ، وإنما يكون بالآباء. فأطرق الشعبي ساعة ، حتّى بالغ الحجاج في الإنكار عليه ، وقرّع إنكاره مسامع الحاضرين ، والشعبي ساكت.

فلما رأى الحجاج سكوته أطمعه ذلك في زيادة تعنيفه. فرفع الشعبي صوته وقال : يا أمير ، ما أراك إلا متكلما كلام من يجهل كتاب الله وسنة رسوله ، ومن يعرض عنهما. فازداد الحجاج غيظا منه ، وقال : ألمثلي تقول هذا ، يا ويلك!. قال الشعبي : نعم ، هؤلاء قرّاء المصرين حملة الكتاب العزيز ، فكلّ منهم يعلم ما أقول.أليس قد قال الله تعالى حين خاطب عباده بأجمعهم بقوله( يا بَنِي آدَمَ ) [وقال( يا بَنِي إِسْرائِيلَ ) [المائدة : ٧٢]. وقال عن إبراهيم :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ) [الأنعام : ٨٤] إلى أن قال :( وَيَحْيى وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥] أفترى يا حجاج اتصال عيسى بآدم وباسرائيل الله.

(أي يعقوب) وبإبراهيم خليل الله ، بأي آبائه كان؟. أو بأي أجداد أبيه؟ هل كان إلا بأمه مريمعليها‌السلام . وقد صحّ النقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال للحسن : «إنّ ابني هذا سيّد ...».

فلما سمع الحجاج ذلك منه أطرق خجلا. ثم عاد يلطف بالشعبي ، واشتدّ حياؤه من الحاضرين.

وإذا وضح ذلك ، فالعترة الطاهرة هم ذريتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبناؤه وعشيرته ، فقد اجتمعت فيهم المعاني بأسرها.

٣٥ ـ من هم ذوو القربى؟ :

وأما اللفظة الرابعة وهي (ذوو القربى) فمستندها ما رواه الإمام أبو الحسن علي ابن أحمد الواحدي في تفسيره ، يرفعه بسنده إلى ابن عباس ، قال :

لما نزل قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣] قالوا :يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بمودتهم؟. قال : علي وفاطمة وأبناؤهماعليهم‌السلام .

١٢٥

٢ ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الأئمة الاثنا عشر

ثم يخصص ابن طلحة الشافعي القسم الثاني من مقدمته الرائقة (ص ٥) لذكر المعاني التي ذكر اختصاصهم بها ، وهي الإمامة الثابتة لكل واحد منهم ، وكون عددهم منحصرا في اثني عشر إماما.

٣٦ ـ ثبوت الإمامة لأئمة أهل البيتعليهم‌السلام :

يقول ابن طلحة الشافعي في (مطالب السّؤول) ص ٥ :

أما ثبوت الإمامة لكل واحد منهم ، فإنه حصل ذلك لكل واحد بمن قبله.فحصلت للحسن النقي من أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام . وحصلت بعده لأخيه الحسين الزكي منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الحسين لابنه زين العابدين منهعليه‌السلام .وحصلت بعد زين العابدين لولده محمّد الباقر منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الباقر لولده جعفر الصادق منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الصادق لولده موسى الكاظم منهعليه‌السلام .وحصلت بعد الكاظم لولده علي الرضا منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الرضا لولده محمّد القانع منهعليه‌السلام . وحصلت بعد القانع لولده علي المتوكل منهعليه‌السلام .وحصلت بعد المتوكل لولده الحسن الخالص منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الخالص لولده محمّد الحجة المهدي منهعليه‌السلام .

وأما ثبوتها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فمستقصى على أكمل الوجوه في كتب الأصول. انتهى كلامه.

٣٧ ـ الخلفاء بعدي اثنا عشر :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)

أخرج ابن حنبل في مسنده عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في حجة الوداع : لا يزال هذا الدين ظاهرا على من ناواه ، ولا يضرّه مخالف ولا مطارق ، حتّى يمضي من أمتي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش.

وذكر القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة) باب ٧٧ ، عن كتاب (مودة القربى) بسنده عن جابر بن سمرة ، قال : كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «بعدي اثنا عشر خليفة». ثم أخفى صوته. فقلت لأبي : ما الّذي أخفى صوته؟.(قال) قال :«كلهم من بني هاشم».

١٢٦

وروى أيضا في ينابيعه عن جابر (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا سيد النبيين ، وعليّ سيد الوصيين ، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أولهم علي وآخرهم المهدي».

٣٨ ـ من هم الاثنا عشر خليفة غير أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)

وروي عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود ، أنه عهد إلينا نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة ، بعدد نقباء بني إسرائيل.

وقال القندوزي في (ينابيع المودة) أيضا : ذكر يحيى بن الحسن في كتاب

(العمدة) من عشرين طريقا ، أن الخلفاء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ؛ في البخاري من ثلاثة طرق ، وفي مسلم من تسعة طرق ، وفي أبي داود من ثلاثة طرق

ثم قال : ذكر بعض المحققين أن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر ، قد اشتهرت من طرق كثيرة. فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان ، علم أن مراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديثه هذا ، الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن حمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم ، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كلهم من بني هاشم». وفي رواية عبد الملك عن جابر ، وإخفاء صوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا القول ، يرجّح هذه الرواية ، لأنهم لا يحبون خلافة بني هاشم. ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم عن العدد المذكور ، ولقلة رعايتهم للقربى.

٣٩ ـ إمامة أهل البيتعليهم‌السلام منصوصة في كتب السنّة :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٩)

يقول الفاضل الدربندي : فيا ليتهم قد تأملوا في الأخبار المتكاثرة المتضافرة المتواترة المفيدة القطع واليقين ، والمروية عن طرقهم عن سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في باب أن الخلفاء والأئمة من قريش ، بعد تأملهم في قصة يوم الطف ، وما جرى على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يزيد الطاغي الكافر الزنديق وجنوده. فلو كانوا متأملين في ذلك لعلموا أن إمامة أهل بيت العصمة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منصوصة في طرقهم ، بالنصوص المتضافرة المتواترة. فإنكار قطعيات الشرع وضرورياته كفر ، وحمل

١٢٧

ما في تلك الأخبار المتضافرة على غير آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفر وجهل ، واستيقنتها أنفسهم ، وعتوا عتوّا كبيرا.

وبيان ذلك أنه قد روى البخاري ومسلم والترمذي والنّسائي وابن ماجة وابو داود والسجستاني في صحاحهم الستة ، ومالك في موطّئه ، وصاحب المصابيح ، وصاحب المشكاة ، وصاحب كتاب الفردوس ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، والفقيه ابن المغازلي في مناقبه ، والحافظ أبو نعيم في حليته ، وغيرهم من حذقة الحديث من العامة ، بأسانيدهم المصححة عندهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن الخلفاء والأئمة بعده اثنا عشر ، لا يزال الدين بهم مستقيما إلى أن تقوم الساعة.

ففي صحيح مسلم مسندا إلى عامر بن سعيد بن أبي العاص ، قال : كتبت إلى ابن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فكتب إليّ :سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم جمعة ـ عشية رجم الأسلمي ـ يقول : «لا يزال هذا الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة».

وفي (مصباح البغوي) عن الصحاح عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم من قريش».

وأورد شيخ العامة جلال الدين السيوطي في (جامعه الصغير) في حرف الهمزة :إن عدة الخلفاء بعدي عدد نقباء موسىعليه‌السلام .

ثم يقول الفاضل الدربندي : ولا يخفى عليك أن علماء العامة لا بدّ أن يتدبروا ويتبصروا ويعطوا الإنصاف من أنفسهم. لأنهم لو حملوا هذه الأخبار المتضافرة على ما عندهم ، من كون أول السلسلة في باب الخلافة والإمامة ، الخلفاء الأربعة وهكذا ، لزم أن يكون يزيد الطاغي الكافر الزنديق هو سابع الخلفاء عندهم والأئمة المنصوصين بنصّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأي مسلم يرضى من نفسه أن ينسب أبغض خلق الله تعالى إلى الله وملائكته ورسله ، وأكفر الناس وأشرّهم ، إلى كونه منصوصا بالخلافة والإمامة ، متّصفا بالأوصاف الحسنة الموجودة في هذه الأخبار.

إذن فما عليه العامة من حمل هذه الأخبار ، لا يمكن أن يستصحّ بوجه من الوجوه. فإذا وجب بحكم الضرورة العقلية طرح هذا الحمل ، لزم حملها على ما عليها الإمامية الاثني عشرية ، مما قد استفاضت به كتب العامة.

١٢٨

٤٠ ـ الأئمة هم أهل البيتعليهم‌السلام :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : ومن أعجب العجاب غفلتهم وذهولهم وطيّهم الكشح عن الأخبار المستفيضة في طرقهم ، المفسرة لهذه الأخبار ، المذكورة بغاية التفسير والبيان.

فقد روى فخر خوارزم في مقتله بإسناده (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها أمناء ربي ؛ حبل ممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلفّ عنه هوى».

٤١ ـ رواية حذيفة بن اليمان :

(المصدر السابق)

ومن رواية حذيفة بن اليمان ، قال : صلى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أقبل بوجهه الكريم علينا ، فقال : معاشر أصحابي أوصيكم بتقوى الله كأني أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، من تمسّك بعترتي بعدي كان من الفائزين ، ومن تخلّف عنهم كان من الهالكين.

فقلت : يا رسول الله على من تخلّفنا؟. قال : على من خلّف موسى بن عمران قومه. قلت : على وصيّه يوشع؟. قال : وصيي وخليفتي من بعدي علي ابن أبي طالب ، قائد البررة ، قاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله.

قلت : يا رسول الله ، كم تكون الأئمة من بعدك؟. قال : عدد نقباء بني إسرائيل (أي اثنا عشر) ، التسعة من صلب الحسينعليه‌السلام ، أعطاهم الله تعالى علمي وفهمي ، خزّان علم الله ومعادن وحيه. قلت : يا رسول الله ، فما لأولاد الحسن؟قال : إن الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام وذلك قولهعزوجل :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) [الزخرف : ٢٨].

٤٢ ـ رواية سلمان الفارسي :

(المصدر السابق ، ص ٣٠)

ومن رواية سلمان الفارسي ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : معاشر الناس ،

١٢٩

إني راحل عن قريب ، ومنطلق إلى الغيب. أوصيكم في عترتي خيرا ، وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها في النار.

معاشر الناس ، من افتقد الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، فإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزّهر بعدي.

قال : فلم يزل حتّى دخل بيت عائشة ، فدخلت إليه. فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، سمعتك تقول : إذا فقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر فما الشمس وما القمر ، وما الفرقدان ، وما النجوم الزهر؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشمس ، وعلي القمر ، فإذا فقدتموني فتمسّكوا به بعدي. وأما الفرقدان فالحسن والحسينعليهما‌السلام ، فإذا فقدتم القمر فتمسكوا بهما. وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسينعليه‌السلام والتاسع مهديّهم.

ثم يقول الفاضل الدربندي : وبالجملة فإن روايات التنصيص على الأئمة الاثنا عشر وتسميتهم بأسمائهم ، وذكر أن أولهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهدي (عج) يصلي خلفه المسيح بن مريمعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متواترة. وحديث جابر ابن عبد الله الأنصاري في ذلك مستفيض مشهور ، وكذلك غيره من الأحاديث.

(أقول) : وإليك رواية أخرى ، ذكرها الخوارزمي في مقتله ، فيها شفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين.

٤٣ ـ رؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام حين أسري به :

(مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ، ج ١ ص ٩٤)

ذكر ابن شاذان عن أبي سلمى ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ليلة أسري بي إلى السماء ، قال لي الجليل جلّ وعلا :( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) ، قلت :( وَالْمُؤْمِنُونَ ) [البقرة : ٢٨٥]. قال : صدقت يا محمّد. ومن خلّفت في أمّتك؟. قلت : خيرها. قال : علي بن أبي طالب؟. قلت : نعم يا ربّ.

قال : يا محمّد ، إني اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها ، فشققت لك اسما من أسمائي ، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم اطّلعت الثانية فاخترت عليا ، وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا الأعلى وهو عليعليه‌السلام . يا محمّد ، إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن

١٣٠

والحسين والأئمة من ولدهعليهم‌السلام من سنخ نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل الأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمّد ، لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشّنّ (أي الجلد اليابس المتجعد) البالي ، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ، ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم.

يا محمّد أتريد أن تراهم؟. قلت : نعم يا رب. فقال لي : التفت عن يمين العرش ، فالتفتّ فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وعلي بن الحسين (زين العابدين) ومحمد بن علي (الباقر) وجعفر بن محمّد (الصادق) وموسى بن جعفر (الكاظم) وعلي بن موسى (الرضا) ومحمد بن علي (الجواد) وعلي بن محمّد (الهادي) والحسن بن علي (العسكري) والمهديعليهم‌السلام ، في ضحضاح من نور ، قياما يصلّون ، وهو وسطهم (يعني المهدي) كأنه كوكب درّي. قال : يا محمّد هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك. وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي ، والمنتقم من أعدائي.

٤٤ ـ الإمام عليعليه‌السلام يؤكد كون الأئمة من بني هاشم :

وجاء عليعليه‌السلام يفسر حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوضح إبهامه في نهج البلاغة ، فقال : إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم (نهج البلاغة ، الخطبة ١٤٢).

٤٥ ـ الإنجيل يتنبّأ بالأئمة الاثني عشر :

جاء في الإصحاح الحادي عشر عن تنبؤات يوحنا اللاهوتي ما نصه :

«وظهرت آية عظيمة في السماء ، امرأة متسربلة بالشمس ، وتحت رجليها القمر ، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا».

فكأنه يتكلم عن مولاتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام وقد تسربلت بالشمس يعني أبيها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتزوجت بالقمر وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعلى رأسها إكليل من أبنائها المعصومين الاثني عشر ، الذين أولهم الحسن والحسين وآخرهم المهديعليه‌السلام . وليس هناك فيما تنبّأ به يوحنا اللاهوتي فيما سيحصل من أمور ، شيء شبيه بالذي ذكر ، غير فاطمة وأبيها وبعلها وبنيهاعليهم‌السلام .

١٣١

٤٦ ـ الحجة المهديعليه‌السلام هو الإمام الثاني عشر :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٤١)

قال الشيخ محمّد الصبان : يكون ظهور المهديعليه‌السلام في يوم عاشوراء. وقال سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) : المهديعليه‌السلام من ولد الإمام الحسن العسكري ، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه‍ ، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريمعليه‌السلام .

وقال الشيخ محيي الدين بن العربي في (الفتوحات المكية) : اعلموا أنه لا بدّ من خروج المهديعليه‌السلام ، لكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جورا وظلما ، فيملؤها قسطا وعدلا. وهو من عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ولد فاطمةعليها‌السلام ، جده الحسين بن عليعليهم‌السلام ووالده الإمام حسن العسكري ابن الإمام علي النقي ، ابن الإمام محمّد التقي ، ابن الإمام علي الرضا ، ابن الإمام جعفر الصادق يواطئ اسمه اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . يبايعه المسلمون بين الركن والمقام ، يشبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلق ، وينزل عنه في الخلق ، إذ لا يكون أحد مثل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أخلاقه.

٣ ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الخمسة أصحاب الكساء

٤٧ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام المقصودون في آية التطهير؟ :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١٠)

يقول الشيخ مؤمن الشبلنجي : اختلف في المراد من (أهل البيت) فقيل :

١) ـ هم نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهن في بيته.

٢) ـ هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

٣) ـ هم من تحرم عليهم الصدقة بعده ، وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.

وقال الفخر الرازي : والأولى أن يقال : هم أولاده وأزواجه ، والحسن والحسين. وعليعليهم‌السلام منهم ، لأنه كان من أهل بيته ، لمعاشرته فاطمة بنته وملازمته له.

١٣٢

تعليق المؤلف :

إن تعبير (أهل البيت) كما شرحنا سابقا يطلق على عدة أشياء ، فيقصد به الخمسة الذين ضمهم الكساء ، وقد يقصد به الأئمة الاثنا عشر ، وقد يقصد به ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم السادة الأشراف. وقد يقصد به نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . لكن إذا كنا نبحث بالمقصود بهم في آية التطهير ، وهي قوله تعالى :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] فهم حصرا الخمسة أصحاب الكساء ، الذين نزلت فيهم الآية على وجه الخصوص كما سترى. أما الزوجات فهن مختلفات في الفضل فيما بينهن ، لكنهن لا يرقين إلى درجة هؤلاء الخمسة الذين طهّرهم الله وعصمهم من كل رجس ، منذ ولادتهم وحتى وفاتهم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ثم يقول الشبلنجي : هذا ويشهد للقول بأن (أهل البيت) هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام عدة آيات ودلالات ، منها : حديث الكساء ، وآية المباهلة ، وآية المودة.

٤٨ ـ حديث الكساء :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١١)

ثم يقول الشبلنجي : وروي من طرق عديدة صحيحة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء ومعه علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، ثم أخذ كلّ واحد منهما على فخذه ، ثم لفّ عليهم كساء ، ثم تلا هذه الآية :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

(وفي رواية) : الله م هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، كما جعلتها على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد.

١٣٣

(وفي رواية أم سلمة) قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يدي. فقلت : وأنا معكم يا رسول الله. فقال : إنك من أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خير.

وروى أحمد بن حنبل والطبراني عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنزلت هذه الآية في خمسة : فيّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمةعليهم‌السلام .

وروى سبط ابن الجوزي الحنفي المذهب في كتابه (تذكرة الخواص ، ص ٦٥٤ ط نجف) حديث الكساء بسنده عن واثلة بن الأسقع قال : أتيت فاطمة أسألها عن عليعليه‌السلام فقالت : توجّه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجلست أنتظره ، فإذا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أقبل ومعه علي والحسن والحسين قد أخذ بيد كل واحد منهم ، حتّى دخل الحجرة ، فأجلس الحسن على فخذه اليمنى ، والحسين على فخذه اليسرى ، وأجلس عليا وفاطمة بين يديه ، ثم لفّ عليهم كساه (أي ثوبه) ، ثم قرأ :( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). ثم قال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي حقا».

وقد أخرج العلامة الفقيه محب الدين الطبري الشافعي في كتابه (ذخائر العقبى ، ص ٢١ ـ ٢٤) أحاديث متعددة في قصة الكساء. منها حديث عن عائشة قالت :خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات غداة وعليه مرط (كساء) مرجّل من شعر. فجاء الحسن بن علي فأدخله فيه ، ثم جاء الحسين فأدخله فيه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها فيه ، ثم جاء عليعليه‌السلام فأدخله فيه ، ثم قال :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). أخرجه مسلم. وأخرج أحمد معناه عن واثلة ، وزاد في آخره : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي أحقّ».

ومنها حديث عن أم سلمة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة : ائتني بزوجك وابنيك. فجاءت بهم ، وأكفأ عليهم كساء فدكيا ، ثم وضع يده عليهم ، ثم قال :«اللهم إن هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، إنك حميد مجيد».

قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال :«إنك على خير».(أخرجه الدولابي في كتاب الذرية الطاهرة).

١٣٤

وروى ابن شيبة وأحمد والترمذي وحسّنه ، وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصحّحه ، عن أنس ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول هذه الآية (كما في رواية الترمذي) كان يمرّ ببيت فاطمةعليها‌السلام إذا خرج إلى صلاة الفجر ، ويقول :الصلاة أهل البيت( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وفي رواية ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء أربعين صباحا إلى دار فاطمة ، يقول : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة رحمكم الله( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وفي رواية له عن ابن عباس : سبعة أشهر. وفي رواية لابن جرير وابن المنذر والطبراني : ثمانية أشهر.

وذكر ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) آية التطهير ، ثم قال : ذكر الترمذي في صحيحه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من وقت نزول هذه الآية إلى قريب من ستة أشهر إذا خرج إلى الصلاة يمر بباب فاطمة ، ثم يقول :( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وذكر ابن حجر أحاديث غير ما تقدم ، وقال : وأشار المحب الطبري إلى أن هذا الفعل (أي وضع الكساء عليهم) تكرر منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أم سلمة وبيت فاطمة وغيرهما. وهذا يفسّر لنا تعدد الروايات بأشكال مختلفة ، في هيئة اجتماعهم وما جللهم به وما دعا به لهم.

وقال الشيخ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي الشامي في كتابه (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول ، ص ٨ ط إيران) بعد أن ذكر حديث الكساء : فهؤلاء أهل بيته المرتقون بتطهيرهم إلى ذروة أوج الكمال ، المستحقون لتوقيرهم مراتب الإعظام والإجلال ، الموفّقون لتأييدهم لانتهاج مناهج الاستقامة والاعتدال ، المستبقون لتسديدهم إلى مدارج الفضائل والافضال.

٤٩ ـ حديث المباهلة يؤيد حديث الكساء :

(محمّد وعلي وبنوه الأوصياء للشريف العسكري ، ص ٣٢٣ ـ ٣٢٦)

ومما يؤكد أن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الخمسة على وجه التحديد دون غيرهم ، ما وقع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أراد المباهلة مع وفد نجران.

١٣٥

خرّج جماعة من علماء الجمهور حديث المباهلة بعبارات مختلفة في أحاديث مختلفة. وقصة المباهلة المشهورة حدثت في السنة العاشرة للهجرة. وهي أن وفدا من آل نجران وهم من النصارى ، جاؤوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجادلونه في المسيحعليه‌السلام ، فلما تعنّتوا في غلوائهم ، دعاهم الرسول إلى المباهلة ، وهي أن يجتمع فريق من كل طرف ، فيدعو الواحد على الآخر ، فتكون الغلبة لمن يستجيب الله دعاءه. فطلبوا منه الإنظار إلى صبيحة الغد. فقال لهم الأسقف : انظروا محمدا في غد ، فإن جاء بولده وأهله فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه ، فإنه على غير شيء. فلما جاء الغد جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بيد علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين بين يديه ، وفاطمة خلفه. وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم ، فلما رآهم قال الأسقف : يا معشر النصارى ، إني لأرى وجوها لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها ، فلا تباهلوهم فتهلكوا. فامتنعوا عن المباهلة وفي ذلك نزلت الآية :( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١)[آل عمران : ٥٩ ـ ٦١].

ذكر الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه (ينابيع المودة ، ص ٥٢) حديث المباهلة وقال : أخرج صاحب المناقب عن جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه عن جده علي بن الحسينعليهم‌السلام ، أن الحسن بن عليعليهما‌السلام قال في خطبته : قال الله تعالى لجديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين جحده كفرة أهل نجران وحاجّوه :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. فأخرج جديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه من الأنفس أبي ، ومن البنين أنا وأخي ، ومن النساء فاطمة أمي. فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ، ونحن منه وهو منا.

(وفيه أيضا ، ص ٥٣) : قال الإمام الرضا رضي الله عنه (في تفسير آية المباهلة) : عنى الله تعالى من( أَنْفُسَنا ) نفس عليعليه‌السلام . ومما يدل على ذلك قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوفد ثقيف : «لتنتهنّ بني وليعة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلا كنفسي «يعني علي بن أبي طالب. فهذه خصوصية لا يلحقه فيها بشر.

(وفي ينابيع المودة أيضا ، ص ٢٦٦) قال : أخرج الدارقطني بسنده عن واثلة

١٣٦

(قال) قال الإمام عليعليه‌السلام يوم الشورى : والله لأحتجّنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيّهم ولا عربيّهم ولا عجميّهم ردّه. ثم قال لهم خصالا صدّقوها.

(إلى أن قالعليه‌السلام ) : أنشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني؟. وهل فيكم من جعل الله نفس نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، وأبناءه أبناءه ، ونساءه نساءه ، غيري؟. قالوا : لا. قال : فأنشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أبو ولدي ، غيري؟. قالوا : لا.

٥٠ ـ آية المودّة :

ويقول الشبلنجي في (نور الأبصار) : ما قدّمناه من أن أهل البيتعليهم‌السلام هم :علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام هو ما جنح إليه الفخر الرازي في تفسيره والزمخشري في كشافه. وعبارته عند تفسير قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) : روي أنها لما نزلت ، قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟. قال : علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام . وسوف نتناول تفسير هذه الآية فيما بعد ، عند حديثنا عن محبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم.

٥١ ـ آية السلام :

قال الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في مناقبه : ومن الآيات التي نزلت في أهل البيتعليهم‌السلام ، آية السلام ، وهي قوله تعالى :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (١٣٠) [الصافات : ١٣٠]. وقد عدّ ابن حجر في صواعقه هذه الآية من الآيات النازلة بحقهم.ونقل أن جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس أنه قال : المراد بها السلام على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إلى أن قال :

(وذكر الفخر الرازي) أن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يساوونه في خمسة أشياء :

في السلام ، قال تعالى (السلام عليك أيها النبي) ، وقال :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (١٣٠). وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد في الصلاة. وفي الطهارة ، قال تعالى( طه ) (١) [طه : ١] أي يا طاهر ، وقال :( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). وفي تحريم الصدقة. وفي المحبّة ، قال تعالى( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) [آل عمران : ٣١] ، وقال :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) . ا ه.

٥٢ ـ الصلاة على محمّد وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وقد أخرج البخاري في كتاب تفسير القرآن ، من الجزء الثالث من صحيحه ، في

١٣٧

تفسير قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٥٦) [الأحزاب : ٥٦]. فقال الصحابة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله ، أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك؟. فقال :

«قولوا : اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد». وقد أخرج هذا الحديث مسلم في باب الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتاب الصلاة ، في الجزء الأول من صحيحه ، وأخرجه سائر المحدّثين فعلم أن الصلاة على آل محمّد جزء من الصلاة المأمور بها في هذه الآية. ولذا عدّها العلماء من الآيات النازلة بحقهم ، حتّى عدّها ابن حجر في صواعقه من آياتهم الخاصةعليهم‌السلام .

وحسبنا في إيثارهم على من سواهم ، إيثار اللهعزوجل إياهم ، حتّى جعل الصلاة عليهم جزءا من الصلاة المفروضة على جميع عباده ، فلا تصحّ بدونها صلاة أحد من العالمين أيا كان شأنه. بل لابدّ لكل من امتثل أمر الله بفرائضه ، أن يمتثل أمره في أثنائها بالصلاة عليهم ، كما يمتثل أمره بالشهادتين. ولذلك أثر عن جابر أنه كان يقول : لو صلّيت صلاة لم أصلّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ، ما رأيت أنها تقبل. وهذه منزلة عنت لها وجوه الأمة ، وخشعت أمامها أبصار العلماء الأئمة ، لذلك قال الشافعي إمام المذهب :

يا آل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنّكم

من لا يصلّي عليكم لا صلاة له

٤ ـ فضائل أهل البيتعليهم‌السلام

٥٣ ـ منزلة أهل البيتعليهم‌السلام :

(الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٥٨)

قال بعض أهل العلم : إن آل البيتعليهم‌السلام حازوا الفضائل كلها ؛ علما وحلما ، وفصاحة وصباحة ، وذكاء وبديهة ، وجودا وشجاعة. فعلومهم لا تتوقف على تكرار درس ، ولا يزيد يومهم فيها على ما كان بالأمس ، بل هي مواهب من مولاهم ، من أنكرها وأراد سترها كان كمن أراد ستر وجه الشمس. فما سألهم في العلوم مستفيد ووقفوا ، ولا جرى معهم في مضمار الفضل قوم إلا عجزوا وتخلّفوا.

٥٤ ـ بعض فضائل أهل البيتعليهم‌السلام :

وحسب أئمة العترة الطاهرة أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة الكتاب الكريم ، لا

١٣٨

يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهم أعدال القرآن ، وشجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعدن العلم ، وأهل بيت الوحي.

فيهم نزلت آية التطهير في قوله تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] وفيهم نزلت آية الرحمة والبركة في قوله تعالى :( رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) (٧٣) [هود : ٧٣].

وفيهم نزلت آية المباهلة في قوله تعالى :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. وفيهم نزلت آية الإطعام في قوله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨)إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ) (٩) [الإنسان : ٨ ـ ٩]. وفيهم نزلت آية المودة في قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (٣٣) [الشورى : ٢٣]. وفيهم نزلت آية النور في قوله تعالى:( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ) (٣٥) [النور : ٣٥]. وفيهم نزلت آية الهداية في قوله تعالى :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٨٢) [طه : ٨٢]. وفيهم نزلت آية الولاية في قوله تعالى :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٥٥) [المائدة : ٥٥]. وفيهم نزلت آية الطاعة في قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [النساء : ٥٩]. وفيهم نزلت آية النعمة في قوله جلّ من قائل :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) [المائدة : ٣]. وفيهم نزلت آية الميثاق في قوله :( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ) [المائدة : ٧]. يشير تعالى في هذه الآية إلى حادثة الغدير في حجة الوداع.

بعض فضائل الإمام عليعليه‌السلام

٥٥ ـ فضائل الإمام عليعليه‌السلام لا تحصى :

فضائل الإمام عليعليه‌السلام جمّة لا تحصى ، فهي بعدد ذرات الثرى. وكما قال ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدمة شرحه لنهج البلاغة (ج ١ ص ١٧ ط مصر ، تحقيق أبي الفضل إبراهيم) :

وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جحد مناقبه ، ولا كتمان فضائله. فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق

١٣٩

الأرض وغربها ، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتحريض عليه ، ووضع المعائب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعّدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة ، أو يرفع له ذكرا ، حتّى حظّروا أن يسمى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا ، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه ، وكلما كتم تضوّع نشره ، وكالشمس لا تستر بالراح ، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة ، أدركته عيون كثيرة.

وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة ، وتنتهي إليه كل فرقة ، وتتجاذبه كل طائفة ؛ فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عذرها ، وسابق مضمارها ، ومجليّ حلبتها ، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى. اه.

(أقول) : وإنما أحببت أن أسوق في هذه الموسوعة بعض مناقبه وفضائلهعليه‌السلام للتبرك بذكره وتعطير الكتاب بأريج عطره.

٥٦ ـ بعض الروايات في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٣ ط نجف)

عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي إن الله قد غفر لك ولأهلك وشيعتك ، ومحبّي شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر فإنك الأنزع البطين ؛ منزوع من الشرك ، بطين من العلم.

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام عن آبائه عن الحسينعليه‌السلام قال :سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربي ، فليتولّ علي بن أبي طالب وذريته ، فإنهم لن يخرجوك من باب الهدى إلى باب الضلالة.

وروى الحمويني في (فرائد السمطين) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من أحبّ أن يتمسّك بديني ، ويركب سفينة النجاة بعدي ، فليقتد بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وليعاد عدوّه ، وليوال وليّه ، فإنه وصيي وخليفتي على أمتي ، في حياتي وبعد وفاتي ، وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي. قوله قولي وأمره أمري ونهيه نهيي ، وتابعه تابعي وناصره ناصري وخاذله خاذلي.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ سيّد العرب. فقيل : ألست سيد العرب؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أنا سيد العالمين (فضائل الخمسة ، ج ٢ ص ٩٧).

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الفصل السابع

  الشجاعة والأدب في الحديبيّة

عزم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على التوجّه إلى مكّة في السنّة السادسة من الهجرة قاصداً العُمرة، فسار حتى الحديبيّة، فعلِمت قريش بمسيره، فخرجت من مكّة. وأُخبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّ قريش عازمة على صدّه ومنعْه من دخول مكّة.

وبعثت قريش ممثّلاً عنها للتفاوض مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، كما بعث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ممثلاً عنه أيضاً، فقرّروا أنْ يرجع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) تلك السنة ولا يدخل مكّة (١). وعقدوا على ذلك صُلحاً بينهم، فكتب الإمام عليّ (عليه السلام) نصّ الصُلح بيده (٢) .

١٩٣ - الإرشاد عن فايد مولى عبد الله بن سالم: لمّا خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في عمرة الحديبيّة نزل الجحفة فلم يجد بها ماءً، فبعث سعد بن مالك بالروايا، حتى إذا كان

____________________

(١) الطبقات الكبرى: ٢/٩٥، تاريخ الطبري: ٢/٦٢٠، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢/٣٦٣، السيرة النبويّة لابن هشام: ٣ / ٣٢١، الكامل في التاريخ: ١ / ٥٨٢، المغازي: ٢ / ٥٧١، تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٥٤.

(٢) الطبقات الكبرى: ٢ / ٩٧، تاريخ الطبري: ٢ / ٦٣٤، السيرة النبويّة لابن هشام: ٣ / ٣٣١، الكامل في التاريخ: ١ / ٥٨٥، المغازي: ٢ / ٦١٠، تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٥٤.

٢٢١

غير بعيد رجَع سعد بالروايا فقال: يا رسول الله، ما أستطيع أنْ أمضي! لقد وقَفَت قدماي رُعباً من القوم!! فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (اجلس).

ثمّ بعث رجُلاً آخر، فخرج بالروايا حتى إذا كان بالمكان الذي انتهى إليه الأوّل رجع، فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (لِمَ رجعت؟!) فقال: والذي بعثك بالحقّ ما استطعت أنْ أمضي رُعباً!!.

فدعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهما، فأرسله بالروايا، وخرج السُقاة وهم لا يشكّون في رجوعه؛ لِما رأَوا من رجوع مَن تقدّمه، فخرج عليّ (عليه السلام) بالروايا، حتى ورَد الحِرار (١) فاستقى، ثمّ أقبل بها إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولها زجَل (٢) ، فكبّر النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ودعا له بخير (٣) .

١٩٤ - صحيح البخاري عن البراء بن عازب: لمّا صالح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أهل الحديبيّة، كتب عليّ بينهم كتاباً، فكتب: محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال المشركون: لا تكتب (محمّد رسول الله)؛ لو كنت رسولاً لم نقاتلْك!! فقال لعليّ: (امحُه). فقال عليّ: (ما أنا بالذي أمحاه)، فمحاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بيده (٤) .

١٩٥ - الإمام عليّ (عليه السلام): (إنّي كنت كاتب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم الحديبيّة، فكتبت: هذا

____________________

(١) حِرار: جمع حَرّة - وهي كثيرة في بلاد العرب؛ كحرّة أوطاس وحرّة تبوك - وهي أرض ذات حجارة سود نخرة كأنّها أُحرقت بالنار (تقويم البلدان: ٢ / ٢٣٤ و٢٤٥).

(٢) الزَّجَل: الصوت (المحيط في اللغة: ٧ / ٢٣).

(٣) الإرشاد: ١ / ١٢١، وراجع الإصابة: ٥ / ٢٦٩ / ٦٩٧٢.

(٤) صحيح البخاري: ٢ / ٩٦٠ / ٢٥٥١، صحيح مسلم: ٣ / ١٤٠٩ / ٩٠، مسند ابن حنبل: ٦/٤٢٠/١٨٥٩١، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٣٣٤ / ١٩١، السنن الكبرى: ٥/١١١/٩١٨٩ نحوه، وراجع صحيح البخاري: ٣ / ١١٦٣ / ٣٠١٣، وسنن الدارمي: ٢ / ٦٨٧ / ٢٤١٢، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٣٣٦ / ١٩٢.

٢٢٢

ما صالح عليه محمّد رسول الله وسُهَيل بن عمرو. فقال سهيل: لو علِمنا أنّه رسول الله ما قاتلناه! امحُها. قلت: هو والله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وإنْ رغم أنفك، لا والله لا أمحوها! فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أرِنيه، فأريته، فمحاها) (١) .

راجع: القسم العاشر / الخصائص العقائديّة / امتحن الله قلبه للإيمان.

القسم السادس / وقعة صِفّين / تعيين الحكَم / وثيقة التحكيم.

____________________

(١) خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٣٣٣ / ١٩٠ عن علقمة بن قيس.

٢٢٣

٢٢٤

الفصل الثامن

  الدَور المصيري في فتْح خيبر

تحظى وقعة خيبر بشأنٍ خاصّ بين وقائع النبيّ (صلّى الله عليه وآله)؛ ففيها هزَم (صلّى الله عليه وآله) يهود خيبر، وقوّض مركز التآمر على دينه وحكومته الجديدة. فكانت حصون اليهود في منطقةٍ خصبة شمال غربيّ المدينة تبعد عنها حوالي (٢٠٠) كيلومتر، تُدعى خيبر (١).

وكان اليهود القاطنون في هذه الحصون يُضمرون حقْداً للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) والمؤمنين والدولة الإسلاميّة منذ الأيّام الأُولى لاتّساع الرسالة، ولم يدّخروا وسْعاً للكيد بهم، بل إنّ حرب الأحزاب شُنَّت على الإسلام بدعْمهم العسكري والمالي؛ وبهذا يتّضح أنّهم كانوا أعداءً لُدّاً ومتآمرين يتحرّقون حنَقاً على الرسالة ونبيّها الكريم (صلّى الله عليه وآله) (٢) .

____________________

(١) معجم البلدان: ٢ / ٤٠٩، الطبقات الكبرى: ٢ / ١٠٦.

(٢) تاريخ الطبري: ٢ / ٥٦٥، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٢٨٤، المغازي: ٢ / ٤٤١.

٢٢٥

وحين اطمأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من قريش بعد صُلح الحديبيّة، توجّه نحو خيبر؛ لفتح حصونها، والقضاء على وكْر التآمر (١) .

ووجود عشرة آلاف مقاتل، وحصون حصينة منيعة لا تُقهر، وقدرات ومعدّات كثيرة داخلها، وأضغان راسخة في قلوب اليهود المتواجدين داخل الحِصن شدّت من عزائمهم لمحاربة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)؛ شكّل دلالة على الأهمّيّة الخاصّة لوقعة خيبر.

وكان للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فيها مظهر عجيب، وله في فتْحها العظيم دَور لا يُضاهى ولا يُبارى يتمثّل فيما يلي:

١ - كانت راية الإسلام في هذه المعركة بيد الإمام عليّ (عليه السلام) المقتدرة كما في غيرها من الحروب والغزوات (٢) .

٢ - لمّا فُتِحت كلّ الحصون، واستعصى حصن (الوطيح) و(السلالم) - إذ كانا من أحكَم الحصون، وزحَف المسلمون نحوهما مرّتين: الأُولى بقيادة أبي بكر، والأخرى بقيادة عُمَر، لكنّهما أخفَقا في فتحهما - انتدب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام)، وكان مريضاً لا يقدر على القتال فدعا النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فشُفي، وفتَح الله على يديه، وتمكّن الجيش الإسلامي العظيم من فتْح ذَينك الحِصنَين اللذَين كان فتْحهما لا يصدّق ولا يخطر ببال أحد (٣).

____________________

(١) المغازي: ٢ / ٦٣٧.

(٢) الطبقات الكبرى: ٢ / ١٠٦، السيرة النبويّة لابن هشام: ٣ / ٣٤٢، المغازي: ٢ / ٦٤٩ وص ٦٥٥، الإرشاد: ١ / ١٢٦.

(٣) المستدرك على الصحيحين: ٣ / ٣٩ - ٤١، المصنّف لابن أبي شيبة: ٧ / ٤٩٧ / ١٧، خصائص أمير المؤمنين للنسائي (عليه السلام): ٥٦ / ١٤، تاريخ الطبري: ٣ / ١١ - ١٣، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٤١٠ - ٤١٢، الكامل في التاريخ: ١ / ٥٩٦، السيرة النبويّة لابن هشام: ٣ / ٣٤٩، تاريخ دمشق: ٤٢ / ٩٣، دلائل النبوّة للبيهقي: ٤ / ٢١٠.

٢٢٦

٣ - جندَل الإمامُ (عليه السلام) الحارثَ - المقاتل اليهوديّ المغرور، الذي كانت الأبدان ترتجف من صيحاته عند القتال - بضربة قاصمة، كما قدّ مَرحَب - الذي لم يجرؤ أحد على مواجهته - نِصفين (١) .

٤ - لمّا أخفَق المسلمون في فتح الحِصنين المذكورَين وأوشك الرعب أنْ يسيطر على القلوب، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عبارته العظيمة الرائعة المشهورة: (لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يُحبّ اللهَ ورسولَه ويحبّه اللهُ ورسولُه) (٢) ، والأخرى: (كرّاراً غير فرّار) (٣) ، يريد بذلك عليّاً صلوات الله عليه، فأحيى الأمل في النفوس بالنصر.

٥ - قلَع الإمام (عليه السلام) باب قلعة قموص وحده، وكان لا يحرّكه إلاّ أربعون رجُلاً! (٤)

____________________

(١) مسند ابن حنبل: ٩ / ٢٨ / ٢٣٠٩٣، السنن الكبرى: ٩ / ٢٢٢ / ١٨٣٤٦، فضائل الصحابة لابن حنبل: ٢ / ٦٠٤ / ١٠٣٤، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٥٩ / ١٥، تاريخ الطبري: ٣ / ١٣، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٤١١، الكامل في التاريخ: ١ / ٥٩٦ و٥٩٧، المغازي: ٢ / ٦٥٤، الطبقات الكبرى: ٢ / ١١٢.

(٢) السيرة النبويّة لابن هشام: ٣ / ٣٤٩، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٦٠ / ١٦، المصنّف لابن أبي شيبة: ٧ / ٤٩٧ / ١٧، تاريخ بغداد: ٨ / ٥ / ٤٠٣٦، الطبقات الكبرى: ٢ / ١١١، تاريخ الطبري: ٣ / ١٢، تاريخ دمشق: ٤٢ / ٨٥ / ٨٤٢٨، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٤٠٨ وص ٤١٠، الخصال: ٣١١ / ٨٧، علل الشرائع: ١٦٢ / ١، الأمالي للطوسي: ١٧١ / ٢٨٧.

(٣) الكافي: ٨ / ٣٥١ / ٥٤٨، الإرشاد: ١ / ٦٤، تُحف العقول: ٤٥٩، الأمالي للمفيد: ٥٦ / ١، تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٥٦، الخرائج والجرائح: ١ / ١٥٩ / ٢٤٩، المناقب للخوارزمي: ١٧٠ / ٢٠٣، كنز العمّال: ١٣ / ١٢٣ / ٣٦٣٩٣.

(٤) المصنّف لابن أبي شيبة: ٧ / ٥٠٧ / ٧٦، دلائل النبوّة للبيهقي: ٤ / ٢١٢، تاريخ بغداد: ١١ / ٣٢٤ / ٦١٤٢، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٤١٢، المناقب للخوارزمي: ١٧٢ / ٢٠٧، الأمالي للصدوق: ٦٠٤ / ٨٣٩.

٢٢٧

١٩٦ - رسول الله (صلّى الله عليه وآله) - في يوم فتح خيبر: (لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، كرّاراً غير فرّار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه) (١) .

١٩٧ - الإمام عليّ (عليه السلام) - في فتح خيبر: (إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعث أبا بكر، فسار بالناس، فانهزم حتى رجع إليه. وبعث عُمًر، فانهزم بالناس حتى انتهى إليه. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لأُعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، يفتح الله له، ليس بفرّار. فأرسل إليّ فدعاني، فأتيته وأنا أرمَد لا أُبصر شيئاً، فتفَل في عيني وقال: اللهمّ اكفِه الحرّ والبرد). قال: (فما آذاني بعدُ حرٌّ ولا بَرْد) (٢) .

١٩٨ - مجمع الزوائد عن ابن عبّاس: بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى خيبر - أحسبه قال:

____________________

(١) الكافي: ٨ / ٣٥١ / ٥٤٨ عن عدّة من أبناء المهاجرين والأنصار، الإرشاد: ١ / ٦٤، الإفصاح: ٣٤ وص ١٣٢، الأمالي للطوسي: ٣٨٠ / ٨١٧ عن أبي هريرة، الاحتجاج: ٢ / ٢٥ / ١٥٠ عن الإمام الحسن (عليه السلام) عنه (صلّى الله عليه وآله)، شرح الأخبار: ١ / ١٤٨ / ٨٦ عن بريدة وفيه (يفتح خيبر عنوة) بدل (لا يرجع...)، عوالي اللآلي: ٤ / ٨٨ / ١١١، إعلام الورى: ١ / ٢٠٧ عن الواقدي، الفضائل لابن شاذان: ١٢٨، المناقب للخوارزمي: ١٧٠ / ٢٠٣ كلاهما عن عُمَر.

(٢) المصنّف لابن أبي شيبة: ٧ / ٤٩٧ / ١٧، مسند البزّار: ٢ / ١٣٦ / ٤٩٦، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٥٤ / ١٣ كلّها عن أبي ليلى، السيرة النبويّة لابن هشام: ٣ / ٣٤٩، البداية والنهاية: ٧ / ٣٣٧ وج ٤ / ١٨٦، تاريخ دمشق: ٤٢ / ٨٩ والأربعة الأخيرة عن سلمة بن عمرو بن الأكوع، المناقب لابن المغازلي: ١٨١ / ٢١٧ عن أبي هريرة والخمسة الأخيرة من دون إسناد إليه (عليه السلام)، الخصال: ٥٥٥ / ٣١ عن عامر بن واثلة، الأمالي للطوسي: ٥٤٦ / ١٦٨ عن أبي ذرّ، شرح الأخبار: ١ / ٣٠٢ / ٢٨٣ والثمانية الأخيرة نحوه، إعلام الورى: ١ / ٣٦٤ عن أبي ليلى، وراجع مسند ابن حنبل: ٩ / ١٩ / ٢٣٠٥٤.

٢٢٨

أبا بكر - فرجع منهزماً ومَن معه، فلمّا كان من الغد بعث عُمَر، فرجع منهزماً يُجَبِّن أصحابه ويُجبِّنه أصحابُه. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح الله عليه).

فثار الناس، فقال: (أين عليّ؟) فإذا هو يشتكي عينيه، فتفل في عينيه، ثمّ دفع إليه الراية، فهزّها، ففتح الله عليه (١) .

١٩٩ - مسند ابن حنبل عن أبي سعيد الخدريّ: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أخذ الراية فهزّها، ثمّ قال: (مَن يأخذها بحقّها؟) فجاء فلان فقال: أنا، قال: أمِط. ثمّ جاء رجل فقال: أمِط، ثمّ قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (والذي كرّم وجه محمّد، لأُعطينّها رجلاً لا يفرّ، هاك يا عليّ). فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدَك، وجاء بعَجوتهما (٢) وقَديدهما (٣) (٤) .

٢٠٠ - الطبقات الكبرى: سريّة عليّ بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفَدَك (٥)

____________________

(١) مجمع الزوائد: ٩ / ١٦٥ / ١٤٧١٧، وراجع الإفصاح: ٨٦، والمناقب للكوفي: ٢ / ٤٩٨ / ١٠٠١، والخرائج والجرائح: ١ / ١٥٩ / ٢٤٩.

(٢) العَجْوة: ضرْب من أجود التمر بالمدينة (لسان العرب: ١٥ / ٣١).

(٣) القديد: اللحم المملوح المجفّف في الشمس (النهاية:٤ / ٢٢ ).

(٤) مسند ابن حنبل: ٤ / ٣٤ / ١١١٢٢، فضائل الصحابة لابن حنبل: ٢ / ٥٨٣ / ٩٨٧ وليس فيه (وفدك)، مسند أبي يعلى: ٢ / ١١٧ / ١٣٤١، تاريخ دمشق: ٤٢ / ١٠٤ / ٨٤٦١، البداية والنهاية: ٧ / ٣٣٩، شرح الأخبار: ١ / ٣٢١ / ٢٨٦، المناقب للكوفي: ٢ / ٤٩٥ / ٩٩٥ وفيهما (فجاء الزبير) بدل (فجاء فلان) وكلاهما نحوه.

(٥) قرية من قُرى اليهود بينها وبين المدينة يومان، وكانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ لأنّه فتحها هو وأمير المؤمنين (عليه السلام) فزال عنها حكم الفيء ولزِمها اسم الأنفال، فلمّا نزل: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ ) أي اعطِ فاطمة (عليها السلام) فدَكاً، أعطاها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إيّاها، وكانت في يد فاطمة (عليها السلام) إلى أنْ توفّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأُخذت من فاطمة بالقهْر والغلَبة (مجمع البحرين:٣ / ١٣٧٠).

٢٢٩

في شعبان سنة ستّ من مُهاجَر رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

قالوا: بلغ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّ لهم جَمعاً يريدون أنْ يُمِدّوا يهود خيبر، فبعث إليهم عليّ بن أبي طالب في مِئة رجُل، فسار الليل وكَمَن النهار حتى انتهى إلى الهَمَج، وهو ماء بين خيبر وفدَك، وبين فدك والمدينة ستّ ليال، فوجدوا به رجلاً، فسألوه عن القوم فقال: أُخبركم على أنّكم تؤمنوني، فآمَنوه فدلّهم، فأغاروا عليهم، فأخذوا خمسمِئة بعير وألفَي شاة، وهربت بنو سعد بالظُعُن (١) ، ورأسُهم وَبَر بن عُليم.

فعزل عليّ صفيّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، لَقوحاً (٢) تدعى الحفذة، ثمّ عزَل الخُمس، وقسّم سائر الغنائم على أصحابه، وقدِم المدينة ولم يلقَ كيداً (٣) .

٢٠١ - المغازي عن يعقوب بن عتبة: بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام) في مِئة رجل إلى حيّ سعد بفدَك، وبلغ رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله) أنّ لهم جَمعاً يريدون أنْ يُمدّوا يهودَ خيبر، فسار الليل وكمَنَ النهار حتى انتهى إلى الهَمَج، فأصاب عيناً فقال: (ما أنت؟ هل لك عِلم بما وراءك من جَمع بني سعد؟) قال: لا عِلم لي به.

فشدّوا عليه فأقرّ أنّه عينٌ لهم بعثوه إلى خيبر يعرُض على يهود خيبر نصْرهم على أنْ يجعلوا لهم من تمْرِهم، كما جعلوا لغيرهم ويقدمون عليهم، فقالوا له: فأين القوم؟ قال: تركتهم وقد تجمّع منهم مِئتا رجُل، ورأسُهم وَبَر بن عُليم. قالوا: فسِر بنا حتى تدلّنا. قال: على أنْ تؤمِّنوني. قالوا: إنْ دللتنا عليهم وعلى

____________________

(١) الظُعُن: النساء، وأصل الظَّعِينة: الراحلة التي يُرحل ويُسار عليها (النهاية: ٣ / ١٥٧).

(٢) ناقة لَقُوح: إذا كانت غزيرة اللبن (النهاية: ٤ / ٢٦٢).

(٣) الطبقات الكبرى: ٢ / ٨٩، وراجع تاريخ الطبري: ٢ / ٦٤٢، والكامل في التاريخ: ١ / ٥٨٩، وتاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٣٥٥، وتاريخ اليعقوبي: ٢ / ٧٣.

٢٣٠

سَرْحهم (١) أمَّنّاك، وإلاّ فلا أمان لك. قال: فذاك.

فخرج بهم دليلاً لهم حتى ساءَ ظنُّهم به، وأوفى بهم على فَدافِد وآكام (٢) ، ثمّ أفضى بهم إلى سهولةٍ فإذا نَعَمٌ كثيرٌ وشاءٌ، فقال: هذا نَعَمهم وشاؤهم. فأَغاروا عليه فضمّوا النَعَمَ والشاءَ. قال: أرسلوني. قالوا: لا، حتى نأمَن الطلَب.

ونَذَر بهم الراعي رِعاءَ (٣) الغنم والشاء، فهربوا إلى جَمعهم فحذَّروهم، فتفرّقوا وهربوا، فقال الدليل: عَلامَ تحبسني؟ قد تفرّقت الأعراب وأنذَرهم الرِعاء. قال عليّ (عليه السلام): لم نبلغ معسكرهم. فانتهى بهم إليه فلم يَرَ أحداً، فأرسلوه وساقوا النَعَم والشاء: النَّعَم خمسمِئة بعير، وألفا شاة (٤) .

٢٠٢ - المستدرك على الصحيحين عن جابر بن عبد الله: لمّا كان يوم خيبر بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رجلاً فجَبُن، فجاء محمّد بن مسلمة فقال: يا رسول الله، لم أرَ كاليوم قطّ!...

ثمّ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لأبعثنّ غداً رجلاً يُحبّ الله ورسوله، ويحبّانِه لا يولّي الدُّبُر، يفتح الله على يديه)، فتشرّف لها الناس وعليّ (رضي الله عنه) يومئذٍ أرمَد، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (سِر). فقال: (يا رسول الله، ما أُبْصر موضعاً). فتفل في عينيه، وعقد له، ودفع إليه الراية (٥) .

____________________

(١) السرح: الماشية (النهاية: ٢ / ٣٥٨).

(٢) فَدافِد: جمع فَدْفَد، الموضع الذي فيه غلظ وارتفاع. وآكام جمع أكَم، وهي جمع إكام، وهي جمع أكَمة، وهي الرابية (النهاية: ٣ / ٤٢٠ وج ١ / ٥٩).

(٣) الرِّعاءُ: جمع راعى الغنم (النهاية: ٢ / ٢٣٥).

(٤) المغازي: ٢ / ٥٦٢.

(٥) المستدرك على الصحيحين: ٣ / ٤٠ / ٤٣٤٢، المعجم الصغير: ٢ / ١٠.

٢٣١

٢٠٣ - السيرة النبويّة لابن هشام: عن سفيان بن فروة الأسلمي عن سلَمة بن عمرو بن الأكوَع: بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أبا بكر الصدّيق برايته - وكانت بيضاء، فيما قال ابن هشام - إلى بعض حصون خَيْبر، فقاتل، فرجع ولم يكُ فَتْحٌ، وقد جهد، ثمّ بعث الغدَ عُمَر بن الخطّاب، فقاتل، ثمّ رجع ولم يكُ فتْح، وقد جهد؛ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يُحبّ الله ورسوله، يفتَح الله على يدَيه، ليس بفَرّار).

قال: يقول سلَمة: فدعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّاً رضوان الله عليه، وهو أرمَد، فتفل في عينِه، ثمّ قال: (خُذ هذه الراية، فامضِ بها حتى يفتَح الله عليك).

قال: يقول سلمة: فخرج والله بها يأنِح (١) ، يُهروِل هَرولة، وإنّا لخلْفه نتبع أثره، حتى ركَز رايته في رَضْم (٢) من حجارة تحت الحِصْن، فاطّلع إليه يهوديّ من رأس الحِصْن، فقال: مَن أنت؟ قال: (أنا عليّ بن أبي طالب). قال: يقول اليهودي: عَلَوتُم، وما أُنزل على موسى، أو كما قال. قال: فما رجع حتى فتح الله على يَدَيه (٣) .

٢٠٤ - الكامل في التاريخ عن بريدة الأسلمي: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ربّما أخذَته الشقيقة (٤) فيلبث اليوم اليومين لا يخرج، فلمّا نزل خيبر أخذَته فلم يخرج إلى

____________________

(١) مِن الأُنوح؛ وهو صوت يسمع من الجوف معه نَفَس وبُهْر ونهيج يعتري السَّمين من الرجال (النهاية: ١ / ٧٤).

(٢) الرَضْم: هي دون الهضاب، وقيل: صخور بعضُها على بعض (النهاية: ٢ / ٢٣١).

(٣) السيرة النبويّة لابن هشام: ٣ / ٣٤٩، تاريخ دمشق: ٤٢ / ٩٠ / ٨٤٣٤، دلائل النبوّة للبيهقي: ٢٠٩٤، شرح الأخبار: ١ / ٣٠٢ / ٢٨٣، وراجع خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٥٦ / ١٤.

(٤) الشَّقيقةُ: نوع من صداع يعرض في مقدّم الرأس وإلى أحد جانبيه (النهاية: ٢ / ٤٩٢).

٢٣٢

الناس، فأخذ أبو بكر الراية من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ نهض فقاتل قتالاً شديداً، ثمّ رجع فأخذها عُمَر فقاتل قتالاً شديداً هو أشدّ من القتال الأوّل، ثمّ رجع فأخبر بذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

فقال: (أما والله لأُعطينّها غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، يأخذها عَنْوَة) (١) . وليس ثَمَّ عليّ؛ كان قد تخلّف بالمدينة لرمَدِ لَحِقه، فلمّا قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مقالته هذه تطاولت لها قريش، فأصبح فجاء عليّ على بعيرٍ له حتى أناخ قريباً من خباء رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو أرمَد قد عصب عينيه.

فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (ما لك؟) قال: (رمدتُ بعدك)، فقال له: (ادنُ منّي). فدنا منه، فتفل في عينيه، فما شكا وجَعاً حتى مضى لسبيله. ثمّ أعطاه الراية، فنهض بها وعليه حلّة حمراء، فأتى خيبر، فأشرف عليه رجل من اليهود فقال: مَن أنت؟ قال: (أنا عليّ بن أبي طالب)، فقال اليهوديّ: غُلِبتم يا معشر يهود!!.

وخرَج مَرحَب صاحب الحِصن وعليه مِغْفَر (٢) يمانيّ قد نقّبه مثل البيضة على رأسه وهو يقول:

قد علِمَت خيبر أنّي مرحبُ

شاكي السلاح بطَل مجرَّبُ

فقال عليّ:

أنا الذي سمّتني أُمّي حيدرة

أكيلكم بالسيف كَيل السَّنْدَرة (٣)

ليثٌ بغابات شديد قسوَرة

____________________

(١) العَنْوَة: القهر، وأُخِذت البلاد عنوةً بالقَهْر والإذلال (لسان العرب: ١٥ / ١٠١).

(٢) زَرَد [أي حَلِق] ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة (لسان العرب: ٥ / ٢٦).

(٣) السَّنْدرة: ضرب من الكَيل غرّاف جرّاف واسع، يقول: أُقاتلكم بالعَجَلة، وأُبادركم قبل الفِرار (تاج العروس: ٦/ ٥٤٧).

٢٣٣

فاختلفا ضربتين، فبدَره عليّ فضربه فقدّ الحَجَفة (١) والمِغْفَر ورأسه حتى وقع في الأرض. وأخذ المدينة (٢) .

٢٠٥ - صحيح البخاري عن سهل بن سعد: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال يوم خيبر: (لأُعطينّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله).

قال: فبات الناس يدوكون (٣) ليلتهم أيّهم يُعطاها، فلمّا أصبح الناس غدواً على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كلّهم يرجو أنْ يُعطاها، فقال: (أين عليّ بن أبي طالب؟) فقيل: هو يا رسول الله، يشتكي عينيه، قال: (فأرسِلوا إليه)، فأُتيَ به، فبصق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في عينيه ودعا له، فبرأ حتى كأنْ لم يكن به وجَع، فأعطاه الراية، فقال عليّ: (يا رسول الله، أُقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟) فقال: (انفذ على رسلِك حتى تنزل بساحتهم، ثمّ ادعُهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه، فو الله لأنْ يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أنْ يكون لك حُمْرُ النَعَم) (٤) .

٢٠٦ - صحيح مسلم عن أبي هريرة: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال يوم خيبر: (لأُعطينّ

____________________

(١) الحَجَفة: التُرْس (النهاية: ١ / ٣٤٥). وهو صفحة من الفولاذ تُحمل للوقاية من السيف وغيره.

(٢) الكامل في التاريخ: ١ / ٥٩٦، تاريخ الطبري: ٣ / ١٢، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٤١٠، دلائل النبوّة للبيهقي: ٤ / ٢١١ كلّها نحوه وفيها (الأضراس) بدل (الأرض)، وراجع خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٥٨ / ١٥.

(٣) أي يخوضون ويموجون فيمن يدفعها إليه. يقال: وقع الناس في دَوْكة: أي في خوض واختلاط (النهاية: ٢/١٤٠).

(٤) صحيح البخاري: ٤ / ١٥٤٢ / ٣٩٧٣، صحيح مسلم: ٤ / ١٨٧٢ / ٢٤٠٦، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٦٠ / ١٦، تاريخ دمشق: ٤٢ / ٨٥ / ٨٤٢٨، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٤٠٦، دلائل النبوّة للبيهقي: ٤ / ٢٠٥.

٢٣٤

هذه الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله على يديه). قال عُمر بن الخطّاب: ما أحببت الإمارة إلاّ يومئذ. قال: فتساورتُ لها (١) رجاء أنْ أُدعى لها. قال: فدعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب فأعطاه إيّاها، وقال: (امشِ ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك). قال: فسار عليّ شيئاً ثمّ وقف ولم يلتفت، فصرخ: (يا رسول الله! على ماذا أُقاتل الناس؟) قال: (قاتلهم حتى يشهدوا أنْ لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد مَنَعوا منك دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها، وحسابهم على الله) (٢) .

٢٠٧ - صحيح البخاري عن سلمة: كان عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) تخلّف عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في خيبر، وكان رمداً، فقال: أنا أتخلّف عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله)؟! فلحِق به، فلمّا بتنا الليلة التي فتحت قال:

(لأُعطينّ الراية غداً - أو: ليأخذنّ الراية غداً - رجلٌ يحبّه الله ورسوله، يفتح الله عليه). فنحن نرجوها، فقيل: هذا عليّ، فأعطاه، ففُتح عليه (٣) .

٢٠٨ - صحيح مسلم عن سلمة: أرسلني [النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ] إلى عليّ وهو أرمَد فقال: (لأُعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، أو يحبّه الله ورسوله) (٤) . قال: فأتيت عليّاً

____________________

(١) تساورتُ لها: أي رفعتُ لها شخصي (النهاية: ٢ / ٤٢٠).

(٢) صحيح مسلم: ٤ / ١٨٧١ / ٣٣، مسند ابن حنبل: ٣ / ٣٣١ / ٩٠٠٠، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٦٤ / ١٩، الطبقات الكبرى: ٢ / ١١٠ وزاد فيه (و يحبّه الله ورسوله)، تاريخ الإسلام للذهبي: ٤٠٧٢، دلائل النبوّة للبيهقي: ٤ / ٢٠٦، تاريخ دمشق: ٤٢ / ٨٢ / ٨٤٢٣.

(٣) صحيح البخاري:٤ / ١٥٤٢ / ٣٩٧٢ وج ٣ / ١٠٨٦ / ٢٨١٢، صحيح مسلم: ٤ / ١٨٧٢ / ٣٥، دلائل النبوّة للبيهقي ٤ / ٢٠٦.

(٤) كذا في المصدر، والمناسب: (و يحبّه) كما ورد في السنن الكبرى، والطبقات والمناقب.

٢٣٥

فجئت به أقوده وهو أرمَد. حتى أتيت به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فبسق (١) في عينيه فبرأ، وأعطاه الراية. وخرج مَرحَب فقال:

قد علِمت خيبر أنّي مرحبُ

شاكي السلاح بطلٌ مُجرّبُ

إذا الحروبُ أقبلت تلهّبُ

فقال عليّ:

أنا الذي سمّتني أُمّي حيدرة

كليثِ غابات كريه المنظرة

أُوفيهم بالصاع كيلَ السَّنْدَرة

قال: فضرب رأس مرحَب فقتله. ثمّ كان الفتح على يديه (٢) .

٢٠٩ - الاستيعاب: روى سعد بن أبي وقّاص وسهل بن سعد وأبو هريرة وبريدة الأسلمي وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمَر وعمران بن الحصين وسلمة بن الأكوَع، كلّهم بمعنى واحد، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال يوم خيبر:

(لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يُحبّ الله ورسوله، ويُحبّهُ الله ورسوله، ليس بفرّار، يفتح الله على يديه)، ثمّ دعا بعليّ وهو أرمَد، فتفل في عينيه وأعطاه الراية، ففتح الله عليه. وهذه كلّها آثارٌ ثابتة (٣) .

٢١٠ - الإرشاد عن عبد الملك بن هشام ومحمّد بن إسحاق وغيرهم من أصحاب

____________________

(١) لُغة في بَزَق، وبَصَق (النهاية: ١ / ١٢٨).

(٢) صحيح مسلم: ٣ / ١٤٤١ / ١٣٢، مسند ابن حنبل: ٥ / ٥٥٧ / ١٦٥٣٨، السنن الكبرى: ٩ / ٢٢٢ / ١٨٣٤٦، المصنّف لابن أبي شيبة: ٨ / ٥٢٠ / ٢، الطبقات الكبرى: ٢ / ١١١، المستدرك على الصحيحين: ٣ / ٤١ / ٤٣٤٣ نحوه، المناقب للكوفى: ٢ / ٥٠٠ / ١٠٠٢ وفيه (أكيلكم بالسيف) بدل (أُوفيهم بالصاع).

(٣) الاستيعاب: ٣ / ٢٠٣ / ١٨٧٥.

٢٣٦

الآثار: حاصر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خيبر بضعاً وعشرين ليلة، وكانت الراية يومئذٍ لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فلحِقه رمَد أعجَزه عن الحرب، وكان المسلمون يناوشون اليهود من بين أيدي حصونهم وجنباتها. فلمّا كان ذات يوم فتحوا الباب وقد كانوا خندقوا على أنفسهم، وخرج مرحَب برِجْله يتعرّض للحرب.

فدعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أبا بكر فقال له: خُذ الراية، فأخذها - في جمْع من المهاجرين - فاجتهد ولم يُغنِ شيئاً، فعاد يؤنّب القوم الذين اتّبعوه ويؤنّبونه!.

فلمّا كان من الغد تعرّض لها عُمَر، فسار بها غير بعيد، ثمّ رجَع يُجبِّن أصحابه ويجبّنونه!.

فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (ليست هذه الراية لِمَن حمَلها، جيؤوني بعليّ بن أبي طالب). فقيل له: إنّه أرمَد. قال: (أرونيه تُروني رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، يأخذها بحقّها ليس بفرّار).

فجاؤوا بعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يقودونه إليه، فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (ما تشتكي يا عليّ؟) قال: (رمَدٌ ما أُبصر معه، وصُداع برأسي). فقال له: (اجلس وضَعْ رأسك على فخِذي). ففعل عليّ (عليه السلام) ذلك، فدعا له النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وتفل في يده فمسحها على عينيه ورأسه، فانفتحت عيناه وسكن ما كان يجده من الصداع. وقال في دعائه له: (اللهمّ قِهِ الحرّ والبرد).

وأعطاه الراية - وكانت راية بيضاء - وقال له: (خُذ الراية وامضِ بها، فجبرئيل معك، والنصر أمامك، والرعب مبثوثٌ في صدور القوم، واعلم - يا عليّ - أنّهم يجدون في كتابهم: إنّ الذي يُدمّر عليهم اسمه آلِيا، فإذا لقيتهم فقل: أنا عليّ، فإنّهم يُخذَلون إنْ شاء الله....)

وجاء في الحديث: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا قال: أنا عليّ بن أبي طالب، قال حَبْر من أحبار القوم: غُلبتم وما أُنزل على موسى. فدخل قلوبهم من الرعب ما لم

٢٣٧

يمكنهم معه الاستيطان به (١) .

٢١١ - المغازي: كان أوّل من خرج إليهم الحارث أخو مرحَب في عادِيَته (٢) ، فانكشف المسلمون وثبَت عليّ (عليه السلام)، فاضطربا ضربات، فقتله عليّ (عليه السلام)، ورجع أصحاب الحارث إلى الحِصن، فدخلوه وأغلقوا عليهم، فرجع المسلمون إلى موضعهم (٣) .

٢١٢ - المغازي: برَز عامر وكان رجُلاً طويلاً جسيماً، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حين طلع عامر: (أترونه خمسة أذرع؟ وهو يدعو إلى البراز، يخطر بسيفه وعليه دِرعان، يقنّع في الحديد يصيح: مَن يبارز؟) فأحجم الناس عنه، فبرز إليه عليّ (عليه السلام) فضربه ضربات، كلّ ذلك لا يصنع شيئاً، حتى ضرب ساقيه فبرَك، ثمّ ذفّف عليه فأخذ سلاحه (٤) .

٢١٣ - الإرشاد: لمّا قتَل أمير المؤمنين (عليه السلام) مرحباً رجَع من كان معه وأغلقوا باب الحِصن عليهم دونه، فصار أمير المؤمنين (عليه السلام) إليه فعالَجه حتى فتحه، وأكثر الناس من جانب الخندق لم يعبروا معه، فأخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) باب الحِصن فجعله على الخندق جسراً لهم حتى عبَروا وظفروا بالحِصن ونالوا الغنائم. فلمّا انصرفوا من الحصون أخذه أمير المؤمنين بيُمناه فدَحا به أذرُعاً من الأرض، وكان الباب يُغلقه عشرون رجلاً منهم (٥) .

____________________

(١) الإرشاد: ١ / ١٢٥ وراجع تاريخ دمشق: ٤٢ / ١٠٧.

(٢) العادِية: الخيل تعدو وقد تكون العادية الرجال يعدون (النهاية: ٣ / ١٩٤).

(٣) المغازي: ٢ / ٦٥٤.

(٤) المغازي: ٢ / ٦٥٧.

(٥) الإرشاد: ١ / ١٢٧، كشف اليقين: ١٧٠ / ١٧٧، كشف الغمّة: ١ / ٢١٥.

٢٣٨

٢١٤ - المصنّف عن جابر بن عبد الله: إنّ عليّاً حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون ففتحوها، وأنّه جُرّب فلم يحمله إلاّ أربعون رجلاً (١) .

٢١٥ - مسند ابن حنبل عن أبي رافع مولى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) - في معركة خيبر: خرجنا مع عليّ حين بعثه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) برايته، فلمّا دنا من الحِصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجلٌ من اليهود فطرح تُرْسَه من يده، فتناول عليّ باباً كان عند الحِصن فترّس به نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثمّ ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفرٍ معي سبعة أنا ثامنهم نَجْهدُ على أنْ نقلب ذلك الباب فما نقْلِبه (٢) !

٢١٦ - الأمالي للصدوق عن عبد الله بن عمرو بن العاص: إنّه لمّا دنا من القَمُوص (٣) أقبل أعداء الله من اليهود يرمونه بالنبل والحجارة، فحمل عليهم عليّ (عليه السلام) حتى دنا من الباب، فثنى رِجْله ثمّ نزل مغضِباً إلى أصل عتبة الباب فاقتلعه، ثمّ رمى به خلْف ظهْرِه أربعين ذراعاً!.

____________________

(١) المصنّف لابن أبي شيبة: ٧ / ٥٠٧ / ٧٦، تاريخ بغداد: ١١ / ٣٢٤ / ٦١٤٢، دلائل النبوّة للبيهقي: ٤ / ٢١٢، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٤١٢، البداية والنهاية: ٧ / ٢٢٥ وج ٤ / ١٩٠، المناقب للخوارزمي: ١٧٢ / ٢٠٧، مجمع البيان: ٩ / ١٨٣ وليس فيه (إلاّ) وكلّها عن ليث بن أبي سليم عن الإمام الباقر (عليه السلام) عنه، روضة الواعظين: ١٤٢، المناقب لابن شهر آشوب: ٢ / ٢٩٤، وراجع الإرشاد: ١ / ١٢٩ وص ٣٣٣.

(٢) مسند ابن حنبل: ٩ / ٢٢٨ / ٢٣٩١٩، تاريخ الطبري: ٣ / ١٣، السيرة النبويّة لابن هشام: ٣ / ٣٤٩، تاريخ دمشق: ٤٢ / ١١٠، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٤١١، الكامل في التاريخ: ١ / ٥٩٧، دلائل النبوّة للبيهقي: ٤ / ٢١٢، المغازى: ٢ / ٦٥٥ وليس فيه (ثمّ ألقاه من يده...)، البداية والنهاية: ١٨٩٤، المناقب للخوارزمي: ١٧٢ / ٢٠٦، مجمع البيان: ٩ / ١٨٢ عن رافع، شرح الأخبار: ١ / ٣٠٢ / ٢٨٣.

(٣) القَمُوص: وهو جبل بخيبر عليه حِصن أبي الحُقَيق اليهوديّ (معجم البلدان: ٤ / ٣٩٨).

٢٣٩

قال ابن عمرو: وما عجبنا من فتْح اللهِ خيبَر على يدي عليّ (عليه السلام)، ولكنّا عجبنا مِن قَلعِه الباب ورميه خلْفه أربعين ذراعاً، ولقد تكلّف حمْله أربعون رجلاً فما أطاقوه! فأُخبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بذلك فقال: والذي نفسي بيده لقد أعانه عليه أربعون ملَكاً (١) .

٢١٧ - الإرشاد عن أبي عبد الله الجدلي: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (لمّا عالَجت باب خيبر جعلته مِجَنّاً (٢) لي وقاتلت القوم، فلمّا أخزاهم الله وضعت الباب على حِصنهم طريقاً، ثمّ رميت به في خندقهم)، فقال له رجل: لقد حمَلت منه ثِقلاً! فقال: ما كان إلاّ مثل جُنّتي التي في يدي في غير ذلك المقام (٣) .

٢١٨ - الإمام عليّ (عليه السلام): (والله ما قلعتُ باب خيبر، ودكدكتُ حِصن اليهود بقوةٍ جسمانيّة، بل بقوّة إلهيّة) (٤) .

٢١٩ - عنه (عليه السلام) - في رسالته إلي سهل بن حنيف -: (والله ما قلعتُ باب خيبر ورميت بها خلف ظَهري أربعين ذراعاً بقوّة جسديّة ولا حركة غذائيّة، لكنّي أُيّدت بقوّة ملَكوتيّة، ونفْسٍ بنور ربّها مُضيّة) (٥) .

____________________

(١) الأمالي للصدوق: ٦٠٤ / ٨٣٩، روضة الواعظين: ١٤٢، الدعوات: ٦٤ / ١٦٠ نحوه، كلاهما عن عبد الله بن عمَر.

(٢) المِجَنّ: التُرس، والميم زائدة؛ لأنّه من الجُنّة: السُّترة (النهاية: ٤ / ٣٠١).

(٣) الإرشاد: ١ / ١٢٨، الثاقب في المناقب: ٢٥٨ / ٢٢٤.

(٤) شرح نهج البلاغة: ٢٠ / ٣١٦ / ٦٢٦ وج ٥ / ٧، الطرائف: ٥١٩ وليس فيهما (دكدكت حِصن يهود).

(٥) الأمالي للصدوق: ٦٠٤ / ٨٤٠ عن يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام)، بشارة المصطفى: ١٩١، عيون المعجزات: ١٦ عن إبراهيم عن الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه عنه (عليهم السلام) وفيه (غريزيّة بشريّة) بدل (غذائيّة)، روضة الواعظين: ١٤٢، الخرائج والجرائح: ٢ / ٥٤٢ / ٢، المناقب لابن شهر آشوب: ٢ / ٢٣٩ وليس في الثلاثة الأخيرة من (و رميت) إلى (ذراعاً)، بحار الأنوار: ٤٠ / ٣١٨ / ٢.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311