موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ١

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ18%

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 311

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59943 / تحميل: 7771
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه ، وعلف الاُمّهات لا يسري إلى الأولاد.

ويبعد ما قيل في غنم مكّة ، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسِّمع المتولّد من الذئب والضبع(١) ، وكالبغال.

وقال الشافعي : لا تجب سواء كانت الاُمّهات من الظباء أو الغنم ، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

ولأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس ، والكلّ منفي هنا ، لاختصاص النصّ والإِجماع بالإِيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية وليست هذه داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها ولا معناها ، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ ، ولا يمكن القياس ، لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهما ، فإنه لا يجزئ في هدي ولا اُضحية ولا دية(٢) ، ولا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الاُمّهات أهليةً وجبت الزكاة وإلّا فلا ، لأنّ ولد البهيمة يتبع اُمّه في الاسم والملك فيتبعها في الزكاة ، كما لو كانت الفحول معلوفةً(٣) . ونمنع التبعيّة في الاسم.

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٣ : ١٢٣٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٠ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥.

٨١

الفصل الثالث

في زكاة الغنم‌

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإِسلام.

قالعليه‌السلام : ( كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلّما انقضى آخرها عاد أولها حتى يقضي الله بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )(١) .

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإِبل والبقر بالإِجماع ، نعم تختلف في مقادير النصب ، والضأن والمعز جنس واحد بإجماع العلماء ، والظباء مخالف للغنم إجماعاً.

مسألة ٥٢ : أول نصاب الغنم : أربعون ، فلا زكاة فيما دونها‌ ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون فلا شي‌ء في الزائد على الأربعين حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففيه شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، فلا زكاة في الزائد حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيه ثلاث شياه ، والكلّ بالإِجماع.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٢ / ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨١.

٨٢

وحكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة وإحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين واثنتين وأربعين ليكون مثلَي مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث شياه(١) .

والإِجماع على خلافه ، على أنّ الراوي لها الشعبي وهو لم يلق معاذاً(٢) .

الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيه روايتان : إحداهما : أنّه كالثالث ثلاث شياه ، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة ، وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٣) ، وهو قول أكثر الفقهاء ، والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه للسُّعاة : ( إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاةٌ إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت ففي كلّ مائةٍ شاة )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٢) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها ، مات بالشام سنة ١٨.

والشعبي هو : عامر بن شراحيل أبو عمرو ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين.

اُنظر : اُسد الغابة ٤ : ٣٧٨ ، الاستيعاب بهامش الإِصابة ٣ : ٣٥٥ - ٣٦٠ ، وتهذيب التهذيب ٥ : ٥٩ / ١١٠ و ١٠ : ١٧٠ / ٣٤٩.

(٣) المقنعة : ٣٩ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ١٢٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤١٧ - ٤١٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، اللباب ١ : ١٤٢ ، المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

٨٣

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة »(١) .

الثانية(٢) : أنّها إذا زادت على ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه ، ثم لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ خمسمائة ، وهو اختيار الشيخ -(٣) رحمه‌الله - وأحمد في الرواية الاُخرى ، وبه قال النخعي والحسن بن صالح بن حي(٤) .

لقول الباقرعليه‌السلام في الشاة : « في كلّ أربعين شاةً شاةٌ ، وليس فيما دون الأربعين شاةً شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زاد على عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة شاة »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له(٦) ؛

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٢) أي : الرواية الثانية.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢١ ، المسألة ١٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، وفيها عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

(٦) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٦.

٨٤

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه ، وفي خمسمائة خمس ، وهكذا بالغاً ما بلغت.

* * *

٨٥

الفصل الرابع

في الأشناق‌

الشّنق بفتح النون : ما بين الفرضين(١) ، والوقص قال الفقهاء : بسكون القاف(٢) .

وقال بعض أهل اللغة : بفتحه(٣) ، لأنّه يجمع على ( أوقاص ) و ( أفعال ) جمع ( فَعَلْ ) لا جمع ( فَعْلْ ) فإنّ ( فَعْلاً ) يجمع على ( أفْعُل ).

وقد جاء - كما قال الفقهاء - هول وأهوال ، وحوْل وأحوال ، وكبْر وأكبار ، وبالجملة فهو ما بين النصابين(٤) أيضاً.

قال الأصمعي : الشنق يختص بأوقاص الإِبل ، والوقص بالبقر والغنم(٥) .

وبعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضاً ، ويجعل ناقص الغنم والنقدين والغلّات عفواً ، وكلّ ذلك لفظي.

وقيل : الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر ،

____________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٣.

(٢) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

(٣ و ٤ ) الصحاح ٣ : ١٠٦١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

٨٦

والشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإِبل(١) .

مسألة ٥٣ : ما نقص عن النصاب الأول لا شي‌ء فيه‌ إجماعاً ، وكذا ما بين النصابين عند علمائنا ، وإنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - وبه قال الشافعي في كتبه القديمة والجديدة ، وأبو حنيفة ، والمزني(٢) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة ، فلا تتعلّق به كالأربع.

ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى يبلغ أربعين - إلى أن قالاعليهما‌السلام - وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء »(٣) .

وقال الشافعي في الإِملاء : تتعلّق الزكاة بالنصاب وبما زاد عليه من الوقص ، وبه قال محمد بن الحسن.

لقولهعليه‌السلام : ( فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض )(٤) .

ولأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به وبما زاد عليه إذا وجد معه ولم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(٥) .

والنصّ أقوى من المفهوم والقياس.

فعلى قولنا ، لو ملك خمسين من الغنم وتلفت العشرة الزائدة قبل‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩١ و ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧ - ٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٩ ، اللباب ١ : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ - ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٤ / ١٧٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩ و ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١١ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ و ٥٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨.

٨٧

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شي‌ء ، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به ، ولو تلف عشرون سقط ربع الشاة ، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب ، وإنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع :

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده وبعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض ، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن ، وإن تلف بعد الحول وقبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

وللشافعي قولان بناءً على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان ، فعلى الأول لا شي‌ء ، لنقصه قبل الوجوب(١) .

ب - لو كان معه تسع من الإِبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده وبعد الإِمكان وجبت الشاة(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن كان بعد الحول وقبل الإِمكان فكذلك عندنا.

وعند الشافعي كذلك على تقدير أن يكون الإِمكان شرطاً في الوجوب ، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له ، وعلى تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب والوقص ، وإن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(٤) .

وقال بعضهم - على هذا التقدير - : لا يسقط شي‌ء ، لأنّ الزيادة لمـّا لم تكن شرطاً في وجوب الشاة لم يسقط شي‌ء بتلفها وإن تعلّقت بها ، كما لو شهد ثمانية بالزنا ورجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شي‌ء ، ولو رجع خمسة وجب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) في نسخة « ط » : الزكاة.

(٣ و ٤ ) المجموع ٥ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

٨٨

عليهم الضمان ، لنقص ما بقي من العدد المشترط(١) .

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة ، وإن كان بعده وقبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة ، وبه قال الشافعي على تقدير أنّ الإِمكان من شرائط الضمان وتعلّق الزكاة بالنصاب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الضمان وتعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(٢) .

د - لو كان معه خمس وعشرون وأوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - وبه قال الشافعي على تقدير كونه شرطاً في الضمان(٣) ، وأبو يوسف ومحمد(٤) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض ، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض ، بل كان التالف منه ومن المساكين.

وقال أبو حنيفة : تجب أربع شياه(٥) . فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ : لو كان معه ستّ وعشرون فهلك خمس قبل الإِمكان فقد هلك خُمس المال إلّا خُمس الخُمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها ، وعلى المساكين خُمس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها(٦) .

ه- حكم غير الإِبل حكمها في جميع ذلك ، فلو تلف من نصاب الغنم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٩٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٢) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨ - ٣٩.

(٤ و ٥ ) حلية العلماء ٣ : ٣٩.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤‌

٨٩

شي‌ء سقط من الفريضة بنسبته.

وهل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة؟

احتمالان(١) ، فعلى الأول لو تلف شي‌ء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف ، وعلى الثاني يوزّع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة ٥٤ : لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة‌ سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف ، بل يزكّى كلٌّ منهما زكاة الانفراد ، فإن كان نصيب كلّ منهما نصاباً وجب عليه زكاة بانفراده.

وإن كان المال مشتركاً كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب على كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

ولو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شي‌ء فيها )(٣) .

وقال : ( ليس على المرء في ما دون خمس ذود من الإِبل صدقة )(٤) ولم يفصّل.

وقالعليه‌السلام : « في أربعين شاةً شاةٌ »(٥) .

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية : احتمال. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٤ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥ ، و ١٠٠ بتفاوت يسير.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٤ و ١٠٧ و ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

٩٠

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

ولأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة ، كما لو كان منفرداً.

وقال الشافعي : الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزاً عن الآخر ، وإنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعى والمسرح - على ما يأتي(١) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون ، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاةً لكلّ منهم شاة ، وبه قال عطاء والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٣) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة وإن تفرّقت أماكنه ، وقوله : ( ولا يفرّق بين مجتمع ) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق ، ونحن نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب على الواحد وإن تفرّقت أمواله.

وقال مالك : تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصاباً(٤) .

____________________

(١) يأتي في المسألة اللاحقة (٥٥).

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٩ - ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦٠ - ٦١ ، الاُم ٢ : ١٤ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

٩١

وحكى بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر : أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(١) .

مسألة ٥٥ : قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها‌ - خلافاً للشافعي ومن تقدّم(٢) - فلا شرط عندنا وعند أبي حنيفة ، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أموراً :

الأول : أن يكون مجموع المالين نصاباً.

الثاني : أن يكون الخليطان معاً من أهل فرض الزكاة ، فلو كان أحدهما ذمّيّاً أو مكاتباً لم تؤثّر الخلطة ، وزكّى المسلم والحرّ كما في حالة الانفراد ، وهذان شرطان عامّان ، وفي اشتراط دوام الخلطة السنة؟ ما يأتي.

وتختصّ خلطة الجوار باُمور :

الأول : اتّحاد المسرح ، والمراد به المرعى.

الثاني : اتّحاد المراح ، وهو مأواها ليلاً.

الثالث : اتّحاد المشرع وهو أن يرد غنمهما ماءً واحداً من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

وإنّما شرط(٣) اجتماع المالين في هذه الاُمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [ الواحد ](٤) وليس المقصود أن لا يكون لها إلّا مسرح أو مرعى أو مراح واحد بالذات ، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح ومراح ، وماشية الآخر بمسرح ومراح.

الرابع : اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - على أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، المجموع ٥ : ٤٣٣.

(٢) تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (٥٤).

(٣) في نسختي « ن وف » : شرطوا.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٩٢

الخامس : اشتراكهما في الفحل ، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة ، وماشية الآخر باُخرى فلا خلطة - على أظهر الوجهين - عنده.

السادس : اشتراكهما في موضع الحلب ، فلو حلب هذا ماشيته في أهله ، والآخر في أهله فلا خلطة(١) .

وهل يشترط الاشتراك في الحالب والمحلب؟ أظهر الوجهين عنده عدمه ، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ وآلات الجزّ(٢) .

وإن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن؟ وجهان ، أصحهما عنده : المنع ، لأدائه إلى الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(٣) .

وقيل : لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم وإن اختلف أكلهم(٤) .

وربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلى طعامه فكان إباحةً ، بخلافه هنا.

وهل يشترط نيّة الخلطة؟ وجهان عندهم : الاشتراط ، لأنّه معنى يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفاً كالشاة في الثمانين ، ولو لا الخلطة لوجب شاتان ، وتغليظاً كالشاة في الأربعين ، ولولاها لم يجب شي‌ء فافتقر إلى النيّة ، ولا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه ، ولا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

والمنع ، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المؤونة باتّحاد المرافق وذلك لا يختلف‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٢ - ٣٩٤ ، الاُم ٢ : ١٣ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٨ - ٥٣٠.

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٧ - ٣٩٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٨ - ٣٩٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩.

٩٣

بالقصد وعدمه(١) .

وهل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة واتّفاق أوائل الأحوال؟

قولان(٢) .

وفي تأثير الخلطة في الثمار والزرع ثلاثة أقوال له : القديم : عدم التأثير ، وبه قال مالك وأحمد في رواية.

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي )(٣) وإنّما تتحقّق في المواشي.

والجديد : عدمه(٤) ، وتأثير خلطة الشيوع دون الجوار(٥) ، فعلى الجديد تؤثّر ، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل والناطور(٦) والنهر الذي تسقى منه.

وقال بعض أصحاب مالك : لا يشترط من هذه الشروط شي‌ء سوى الخلطة في المرعى ، وأضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضاً(٧) ، والكلّ عندنا باطل.

فروع على القول بشركة الخلطاء :

أ - إذا اختلطا خلطة جوار ولم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكُلٍّ عشرون ، أخذ الساعي شاةً من أيّهما كان ، فإن لم يجد الواجب إلّا في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٦ وفيهما : ( الراعي ) بدل ( الرعي ).

(٤) أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧١ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٣ ، بلغة السالك ١ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٤.

(٦) الناطور : حافظ الزرع والثمر والكرم. لسان العرب ٥ : ٢١٥ « نطر ».

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٧ و ١٣٨ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢.

٩٤

مال أحدهما أخذ منه.

وإن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [ واحد ](١) منهما لو انفرد فوجهان : أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع ، وأن يأخذ من عرض المال ما يتّفق ، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد ، والمأخوذ زكاة جميع المال(٢) .

فعلى هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما ، فإذا أخذ من هذا شاةً ، ومن هذا اُخرى رجع كلٌّ منهما على صاحبه بنصف قيمة ما اُخذ منه.

ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما ، وثلاثون للآخر ، فالتبيع والمسنّة واجبان على الشيوع ، على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما ، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما وبالعكس.

ولو أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الآخر ، والآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة على الأول.

وإن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين والتبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة على الآخر ، والآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع ، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع على حسب ملكهما ، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإِبل فعليهما ستّ حقاق ولا تراجع.

ولو كان لأحدهما ثلاثمائة وللآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة ، وهذا‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الوجهان للشافعية ، راجع فتح العزيز ٥ : ٤٠٨.

٩٥

يأتي على مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعاً وأداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة ، وكذا لو ملك كلٌّ منهما دون النصاب ثم خلطا وبلغ النصاب(١) .

ولو انعقد الحول على مال كلّ منهما منفرداً ثم طرأت الخلطة ، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم وخلطا غرّة صفر ، ففي الجديد : لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاُولى - وبه قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد ، والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد على الانفراد ، وتجب على كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(٢) .

وفي القديم - وبه قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظراً إلى آخر الحول ، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ، فيجب على كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(٣) .

ولو اختلف الحولان ، فملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر وخلطا غرّة ربيع ، فعلى الجديد ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني شاة.

وعلى القديم ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول نصف شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين ، فعلى الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة ، وعلى الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك ، وبه قال مالك وأحمد(٤) .

وقال ابن سريج : إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال ، بل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٤٤١.

(٢ و ٣ ) المجموع ٥ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٣ - ٤٤٦ ، المغني ٢ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٤٧ - ٤٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٠ - ٤٤١.

٩٦

يزكّيان زكاة الانفراد أبداً(١) .

ولو انعقد الحول على الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر ، وكما ملك خلطا ، فإذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة في الجديد ، ونصف شاة في القديم(٢) .

وأمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - وفي الجديد ، وجهان : شاة ، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول ، وأظهرهما : نصف شاة ، لأنّه كان خليطاً في جميع الحول ، وفي سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين إلّا عند ابن سريج(٣) .

ولو طرأت خلطة الشيوع على الانفراد كما لو ملك أربعين شاة ، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعاً ، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع ، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك ، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلى البائع نصف شاة ولا شي‌ء على المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك ، لنقصان النصاب.

وإن أخرجها من غيره ، وقلنا : الزكاة في الذمة ، فعليه أيضاً نصف شاة عند تمام حوله ، وإن قلنا : تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان : أرجحهما : الانقطاع ، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(٤) .

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة ، واُخرى من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره وله أربعون ينفرد [ بها ](٥) ففيما يخرجان الزكاة؟ قولان مبنيّان على أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة في‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٨٣ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٩ - ٤٦٢.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٩٧

كلّ ما في ملكه ؛ لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد ، ومال الواحد يضمّ بعضه إلى بعض وإن تفرّقت أماكنه ، فعلى هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين ، فعليه ثلاثة أرباع شاة ، وعلى الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها على عين المخلوط ، لأنّ خفّة المؤونة إنّما تحصل في القدر المخلوط وهو السبب في تأثير الخلطة ، فعلى صاحب العشرين نصف شاة ، لأنّ جميع ماله خليط عشرين ، وفي أربعين شاة ، فحصّة العشرين نصفها(١) .

وفي صاحب الستّين وجوه : أصحّها عنده : أنه يلزمه شاة ، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فغلّب حكم الانفراد ، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين ، وفيها شاة.

والثاني : يلزمه ثلاثة أرباع شاة ، لأنّ جميع ماله ستّون ، وبعضه مختلط حقيقةً ، وملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي ، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين ، وواجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث : يلزمه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ وهو شاة حصّة الأربعين ثُلثا شاة ، وفي العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ وهي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون ، وواجبها شاة.

الرابع : أنّ عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة ، كما أنّه واجب خليطه في ماله ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة وذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس : أنّ عليه شاة في الأربعين ونصف شاة في العشرين ، كما لو‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

٩٨

كانا لمالكين(١) .

ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكلّ منهما أربعون منفردة ، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة ، لأنّ الكلّ مائة وعشرون

وإن قلنا بخلطة العين فوجوه : أصحها : أنّ على كلّ منهما شاة.

الثاني : ثلاثة أرباع ، لأنّ كلّاً منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ ، والكلّ ثمانون ، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث : على كلّ منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين الاعتبارين ، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين ، وفيها شاة ، فحصّة الأربعين منها ثُلثا شاة ، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين والمبلغ ثمانون ، وفيها شاة ، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

وقيل : على كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطاً وهو مائة وعشرون وواجبها شاة ، فحصة العشرين سدس شاة وفي الأربعين ثُلثا شاة(٢) .

الرابع : على كلّ منهما شاة وسدس شاة ، نصف شاة في العشرين المختلطة قصراً لِحكم الخلطة على الأربعين ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس : على كلّ واحد شاة ونصف شاة ، شاة للأربعين المنفردة ، ونصف للعشرين المختلطة(٣) .

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحداً وببعضه آخر ولم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، الوجيز ١ : ٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧١ - ٤٧٣.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٥.

٩٩

وعشرين بعشرين لآخر كذلك ، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة ، لأنّه خليطهما ومبلغ الأموال ثمانون ، وحصّة الأربعين منها النصف ، وكلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلى جميع مال صاحب الأربعين.

وهل يضمّه إلى مال الآخر؟ وجهان : الضمّ ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين ، فعلى كلّ واحد منهما ربع شاة.

والعدم ، لأنّ كلّاً منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلِّ واحد منهما ، فعلى كلّ واحد ثُلث شاة.

وإن قلنا بخلطة العين فعلى كلّ من الآخَرَين نصف شاة ، لأنّ مبلغ ماله وما خالط ماله أربعون(١) .

وفي صاحب الأربعين وجوه :

أحدها : تلزمه شاة تغليباً للانفراد وإن لم يكن منفرداً حقيقةً لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطى حكم الانفراد ، ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضاً ، وكذا بالإِضافة إلى الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحداً.

الثاني : يلزمه نصف شاة ، تغليباً للخلطة ، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقةً ، واتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلى الآخر ، فكلّ المال ثمانون ، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث : يلزمه ثُلثا شاة جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، بأن يقال : لو كان جميع ماله مع [ مال ](٢) زيد لكان المبلغ ستّين وواجبها شاة ، حصّة العشرين الثُلث ، وكذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثُلثان(٣) .

مسألة ٥٦ : قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة وإن تعدّدت‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٧ - ٤٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

٢٢٠ - مشارق أنوار اليقين: في ذلك اليوم لمّا سأله عُمَر فقال: يا أبا الحسن، لقد اقتلعتَ منيعاً ولك ثلاثة أيّام خميصاً (١) ، فهل قلعتَها بقوّة بشريّة؟ فقال: (ما قلعتُها بقوّة بشريّة، ولكن قلعتها بقوّة إلهيّة، ونفْسٍ بلقاء ربّها مطمئنّة رضيّة) (٢) .

٢٢١ - تفسير الفخر الرازي: إنّ كلّ مَن كان أكثر عِلماً بأحوال عالَم الغيب كان أقوى قلْباً وأقلّ ضعفاً؛ ولهذا قال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: (والله ما قلعت باب خيبر بقوّة جسدانيّة، ولكنّ بقوّة ربّانيّة)؛ ذلك لأنّ عليّاً كرّم الله وجهه في ذلك الوقت انقطع نظره عن عالم الأجساد، وأشرقت الملائكة بأنوار عالَم الكبرياء، فتقوى روحه، وتشبّه بجواهر الأرواح الملكيّة، وتلألأت فيه أضواء عالَم القدس والعظمة، فلا جرَم (٣) حصل له من القدرة ما قدَر بها على ما لَم يقدر عليه غيره.

وكذلك العبد إذا واظب على الطاعات بلغ إلى المقام الذي يقول الله: كنت له سمعاً وبصراً. فإذا صار نور جلال الله سمعاً له، سمع القريب والبعيد. وإذا صار ذلك النور بصراً له، رأى القريب والبعيد. وإذا صار ذلك النور يداً له، قدر على التصرّف في الصعب والسهل والبعيد والقريب (٤) .

٢٢٢ - الإرشاد: لمّا فتح أمير المؤمنين (عليه السلام) الحِصن وقتل مَرحباً، وأغنم الله المسلمين أموالهم، استأذن حسّان بن ثابت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنْ يقول شِعراً: فقال

____________________

(١) يقال: رجُل خميص: إذا كان ضامر البطن (النهاية: ٢ / ٨٠).

(٢) مشارق أنوار اليقين: ١١٠، بحار الأنوار: ٢١ / ٤٠ / ٣٧.

(٣) لا جرم: أي لا بدّ، ولا محالة، وقيل: معناه: حقّاً (لسان العرب:١٢ / ٩٣).

(٤) تفسير الفخر الرازي: ٢١ / ٩٢.

٢٤١

له: قُل. فأنشأ يقول:

وكان عليّ أرمَد العين يبتغي

دواء فلمّا لم يحسّ مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلةٍ

فبورك مَرقيّاً وبورك راقيا

وقال سأُعطي الراية اليوم صارماً

كُميّاً (١) محبّاً للرسول مُواليا

يحبّ إلهي والإله يحبّهُ

به يفتح الله الحصون الأوابيا (٢)

فأصفى بها دون البريّة كلّها

عليّاً وسمّاه الوزير المؤاخيا (٣)

٢٢٣ - تذكرة الخواصّ: ذكر أحمد في الفضائل أنّهم سمعوا تكبيراً من السماء في ذلك اليوم وقائلا يقول:

(لا سيف إلاّ ذو الفقا

رِ ولا فتى إلاّ عليّ)

فاستأذن حسّان بن ثابت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنْ ينشد شعراً فأذن له، فقال:

جبريل نادى مُعلناً

والنقع ليس بمنجلي

والمسلمون قد احدقوا

حول النبيّ المرسلِ

لا سيف إلاّ ذو الفقا

رِ ولا فتى إلاّ عليّ

فإنْ قيل: قد ضعّفوا لفظة لا سيف إلاّ ذو الفقار، قلنا: الذي ذكروه أنّ الواقعة كانت في يوم أُحد، ونحن نقول: إنّها كانت في يوم خيبر، وكذا ذكر أحمد بن حنبل في الفضائل ولا كلام في يوم أُحد؛ فإنّ ابن عبّاس قال: لمّا قتَل عليّ (عليه السلام)

____________________

(١) الكُمي: اللابسُ السلاح وقيل هو الشجاع المُقدِمُ الجري (لسان العرب:١٥ / ٢٣٢).

(٢) من الإباء، وهو أشدّ الامتناع (لسان العرب: ١٤ / ٤).

(٣) الإرشاد: ١ / ١٢٨، روضة الواعظين: ١٤٦ وفيه (و الرسول يحبّه) بدل (و الإله يحبّه)، المناقب للكوفي: ٢ / ٤٩٩ / ١٠٠١ وفيه (النبيّ) بدل (إلهي)، المناقب لابن شهر آشوب: ٣ / ١٣٠ عن خزيمة بن ثابت، المناقب لابن المغازلي: ١٨٥ / ٢٢٠ وفي كلّها الأبيات فقط.

٢٤٢

طلحة بن أبي طلحة حامل لواء المشركين صاح صائح من السماء: لا سيف إلاّ ذو الفقار.

قالوا: في إسناد هذه الرواية عيسى بن مهران، تكلّم فيه، وقالوا: كان شيعيّاً.

أمّا يوم خيبر فلم يطعن فيه أحد من العلماء. وقيل: إنّ ذلك كان يوم بدر. والأوّل أصحّ (١) .

راجع: القسم التاسع / عليّ عن لسان النبيّ / الكمالات المعنويّة / الله ورسوله وجبرئيل عنه راضون

/ عليٌّ عن لسان النبيّ / لا يعرف حقّ معرفته / لولا مخافة الغلوّ.

/ علىٌّ عن لسان أصحاب النبيّ / سعد بن أبي وقّاص.

القسم الرابع عشر / محبوبيّته عند الله ورسوله وملائكته.

____________________

(١) تذكرة الخواصّ: ٢٦، الصراط المستقيم: ١ / ٢٥٨ نحوه.

٢٤٣

٢٤٤

الفصل التاسع

  النشاطات في فتْح مكّة

تمّ الاتّفاق في صُلح الحديبيّة على أنْ يكفّ كلّ من الطرفين عن شنّ الحرب، وألاّ يحرّضا حلفاءهما على ذلك، وألاّ يدعماهم في حرب من الحروب. لكنّ قريش نكثَت مقرّرات ذلك الصلح بتجهيز بني بكر - حلفائهم - على قبيلة خزاعة حليفة المسلمين، أو بالاشتراك ليلاً في قتال ضدّها (١).

وتناهى إلى أسماع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) استشهاد عدد من المسلمين مظلومين، واستنجاد عمرو بن سالم - رئيس قبيلة خزاعة - بأبيات مؤثّرة، فأنجده.

وهكذا عزم على فتح مكّة، ومحْو معالم الشِرك من مركز التوحيد؛ إذ لا مانع يحول دون ذلك حينئذ. فسيطر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على مكّة عِبر خطّة عسكريّة

____________________

(١) الطبقات الكبرى: ٢ / ١٣٤، تاريخ الطبرى: ٣ / ٤٤، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٥٢١، الكامل في التاريخ: ١ / ٦٠٩، السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٣٦، أنساب الأشراف: ١ / ٤٤٩.

٢٤٥

عجيبة، وفتحها بلا إراقة دم، ومعه أكثر من عشرة آلاف مقاتل (١) .

وشهد الإمام عليّ (عليه السلام) هذا النصر، وكان حضوره فيه لافتاً للنظر من وجوه:

١ - كان حاطب بن أبي بلتَعة قد كتب إلى قريش كتاباً يخبرهم فيه بعزم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) على فتح مكّة، وأرسله مع إحدى النساء. فاستدعى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام)، وبعثه مع اثنين للقبْض على تلك المرأة. ولمّا لقوها وطلبوا منها دفْع الكتاب إليهم أنكرت ذلك أشدّ إنكار، ففتّشوها عدّة مرّات فلم يجدوا عندها شيئاً، ودلّ تفتيشهم على صحّة ما تدّعيه. فقال لها الإمام (عليه السلام): (والله ما كَذَبَنا رسولُ الله صلوات الله عليه... والله لتُظهرنّ الكتاب أو لأردنّ رأسك إلى رسول الله!) فاستسلمت المرأة وأخرجته من ضفيرتها، ودفعته إليه (٢) .

٢ - كان سعد بن عبادة يحمل راية الإسلام، وينادى: اليوم يوم الملحمة....

فنادى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نداء الرحمة والرأفة، وقال: (اليوم يوم المرحمة..) (٣) ، ثمّ دعا عليّاً (عليه السلام) وأمره أنْ يرفع الراية مكان سعد (٤) .

____________________

(١) الطبقات الكبرى: ٢ / ١٣٥ وص ١٣٩، تاريخ الطبري: ٣ / ٥٠، السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٤٢، الكامل في التاريخ: ١ / ٦١٢.

(٢) صحيح البخاري: ٤ / ١٥٥٧ / ٤٠٢٥، صحيح مسلم: ٤ / ١٩٤١ / ١٦١، مسند ابن حنبل: ١ / ١٧٣ / ٦٠٠، المستدرك على الصحيحين: ٣ / ٣٤١ / ٥٣٠٩، الطبقات الكبرى: ٢ / ١٣٤، تاريخ الطبري: ٣ / ٤٨، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٥٢٥، الكامل في التاريخ: ١ / ٦١١، السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٤٠، تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٥٨.

(٣) أُسد الغابة: ٢ / ٤٤٢ / ٢٠١٢، كنز العمّال: ١٠ / ٥١٣ / ٣٠١٧٣ نقلاً عن ابن عساكر.

(٤) تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٥٣٢، تاريخ الطبري: ٣ / ٥٦، السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٤٩، الكامل في التاريخ: ١ / ٦١٤، الإرشاد: ١ / ١٣٥، شرح الأخبار: ١ / ٣٠٥، إعلام الورى: ١ / ٣٨٥، المناقب لابن شهر آشوب: ١ / ٢٠٧ و٢٠٨.

٢٤٦

٣ - أعطى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الأمان للجميع بعد فتح مكّة إلاّ شرذمة من سود الضمائر المعاندين فقد أهدر دمهم، منهم الحويرث - الذي كان يؤذيه كثيراً يوم كان في مكّة - وامرأة مغنّية كانت تهجوه (صلّى الله عليه وآله)، فقتلهما الإمام (عليه السلام) (١) .

٢٢٤ - تاريخ الطبري عن عروة بن الزبير وغيره: لمّا أجمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المسير إلى مكّة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الأمر في السَير إليهم، ثمّ أعطاه امرأة... وجعل لها جُعلاً على أنْ تبلّغه قريشاً، فجعلته في رأسها، ثمّ فتلت عليه قرونها، ثمّ خرجت به. وأتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث عليّ بن أبي طالب والزبير ابن العوّام، فقال: أدرِكا امرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش، يحذّرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم.

فخرجا حتى أدركاها بالحليفة - حليفة ابن أبي أحمد - فاستنزلاها، فالتمسا في رحْلِها، فلم يجدا شيئاً، فقال لها عليّ بن أبي طالب: (إنّي أحلِف ما كَذَب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولا كَذَبَنا، ولتخرِجِنّ إليّ هذا الكتاب أو لنكشفنّكِ). فلمّا رأت الجدّ منه قالت: أعرض عنّي. فأعرَض عنها، فحلّت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منه، فدفعته إليه، فجاء به إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (٢) .

____________________

(١) أنساب الأشراف: ١ / ٤٥٦ و٤٥٧، الإرشاد: ١ / ١٣٦.

(٢) تاريخ الطبري: ٣ / ٤٨، السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٤٠ وفيه (خليقة) بدل (حليفة)، وراجع المستدرك على الصحيحين: ٣ / ٣٤١ / ٥٣٠٩، والكامل في التاريخ: ١ / ٦١١.

٢٤٧

٢٢٥ - صحيح البخاري عن عبيد الله بن أبي رافع: سمعت عليّاً (رضي الله عنه) يقول: بعثني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنا والزبير والمقداد، فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ (١) ، فإنّ بها ظعينة (٢) معها كتاب، فخذوه منها. فانطلقنا تَعادَى بنا خَيلُنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب. قالت: ما معي كتاب! فقلنا: لتُخرِجِنّ الكتاب أو لنُلقينّ الثياب. فأخرجته من عقاصها (٣) . فأتينا به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (٤) .

٢٢٦ - تاريخ الطبري عن عبد الله بن أبي نجيح: إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) حين فرّق جيشه من ذي طوى، أمر الزبير أنْ يدخل في بعض الناس من كدىً (٥) ، وكان الزبير على المجنِّبة (٦) اليسرى، فأمر سعد بن عبادة أنْ يدخل في بعض الناس من كداء (٧) . فزعم بعض أهل العِلم أنّ سعداً قال حين وُجّه داخلاً: (اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحلّ الحُرُمة) فسمعها رجلٌ من المهاجرين، فقال: يا رسول الله، اسمع ما قال سعد بن عبادة! وما نأمن أنْ تكون له في قريش صولة!! فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعليّ

____________________

(١) روضة خاخ: موضع بين الحرَمين بقُرب حمراء الأسد من المدينة (معجم البلدان: ٢ / ٣٣٥).

(٢) الظعينة: المرأة في الهودَج (لسان العرب: ١٣ / ٢٧١).

(٣) العَقْص: ضربٌ من الضَّفر، وهو أنْ يلوى الشَعر على الرأس؛ ولهذا تقول النساء: لها عِقْصة، وجمعها عِقَص وعِقاص وعقائص، ويقال: هي التي تتّخِذ من شَعرها مثل الرمّانة (لسان العرب: ٧ / ٥٦).

(٤) صحيح البخاري: ٤ / ١٥٥٧ / ٤٠٢٥، صحيح مسلم: ٤ / ١٩٤١ / ١٦١، مسند ابن حنبل: ١ / ١٧٣ / ٦٠٠، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٥٢٥.

(٥) كُدا - بالضمّ والقصر: الثنية السفلى ممّا يلي باب العمرة (لسان العرب: ١٥ / ٢١٨).

(٦) المُجنِّبتان من الجيش: الميمنة والميسرة (لسان العرب: ١ / ٢٧٦).

(٧) كَداء - بالفتح والمَد: الثنية العليا بمكّة ممّا يلي المقابر، وهو المعلى (لسان العرب: ١٥ / ٢١٨).

٢٤٨

ابن أبي طالب: (أدركه فخُذ الراية، فكُن أنت الذي تدخل بها) (١) .

٢٢٧ - أنساب الأشراف: أمّا الحويرث بن نقيذ، فكان يُعظم القول في رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وينشد الهجاء فيه، ويُكثِر أذاه، وهو بمكّة. فلمّا كان يوم الفتح هرب من بيته، فلقِيَه عليّ بن أبي طالب فقتله (٢) .

راجع: القسم العاشر / الخصائص العقائديّة / امتحن الله قلْبه للإيمان

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٣ / ٥٦، السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٤٨، الكامل في التاريخ: ١ / ٦١٤، وراجع المغازي: ٢ / ٨٢١، والإرشاد: ١ / ١٣٤، وشرح الأخبار: ١ / ٣٠٥، وإعلام الوري: ١ / ٣٨٥، والمناقب لابن شهر آشوب: ١ / ٢٠٧.

(٢) أنساب الأشراف: ١ / ٤٥٦، الكامل في التاريخ: ١ / ٦١٦، وراجع المغازي: ٢ / ٨٥٧.

٢٤٩

٢٥٠

الفصل العاشر

  المقاومة الرائعة في غزوة حُنَين

ألقى فتح مكّة الرعب في قلوب المشركين، والذُعر والفزع في نفوسهم؛ فتشاورت قبيلتا الطائف المهمّتان هوازن وثقيف مع بعض القبائل الأخرى، فعزمَتا على المسارعة إلى مواجهة جيش الإسلام قبل أنْ يُقبِل عليهم، وجمعَتا جيشاً ضخماً بقيادة شابّ باسل شجاع يدعى: مالك بن عوف النصري، وسار الجيش نحو المسلمين (١).

وبادر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى مواجهتهم على رأس جيش عظيم يتألّف من اثني عشر ألفاً، عشرة آلاف من يثرب، وألفين من المسلمين الجُدُد، وبلغت عظمة الجيش درجةً جعلت البعض يُصاب بغرورٍ زائف حتى قال: لا نُغلَب اليوم من قِلّة (٢) .

____________________

(١) السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٨٠، الطبقات الكبرى: ٢ / ١٤٩، تاريخ الطبرى: ٣ / ٧٠، الكامل في التاريخ: ١ / ٦٢٤.

(٢) الطبقات الكبرى: ٢ / ١٥٠، السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٨٣ وص ٨٧، الكامل في التاريخ: ١ / ٦٢٥، تاريخ الطبري: ٣ / ٧٣، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٥٧٤، تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٦٢، الإرشاد: ١ / ١٤٠.

٢٥١

وأمَر مالك جيشه بالاختباء خلْف الأحجار والصخور وشِعاب الجبال، والنقاط المرتفعة في آخِر الوادي الذي كان ممرّاً إلى منطقة حُنَين. ولمّا وصل الجيش الإسلامي هناك رُشِق بالسهام والحجارة، فمُني بالهزيمة والانكسار، وحدث ما حدث، وفَرّ كثير من جيش رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (١) ، حتى قال أبو سفيان مستهزئاً: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر (٢) .

وفي ساعة العُسرة هذه لم يبقَ مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلاّ قليل؛ قرابة عشرة، فاستماتوا في الدفاع عنه، وفيهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان لا يفتأ يحوم حوله مدافعاً، وهزَم مَن كان يريد قتل النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وأجبرهم على الفرار (٣) .

وصاح النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بصوتٍ عالٍ في خِضَمّ تلك الشدائد والنوازل قائلا: (يا أنصار الله وأنصار رسوله، أنا عبد الله ورسوله!)، ثمّ ساق بغْلَته نحو العدوّ ومعه عدد من الصحابة، وأمَر عمّه العبّاس أنْ ينادي المسلمين بصوته الجهوريّ ويدعوهم إلى نُصرته. وهكذا انتظم أمْر الجيش مرّة أخرى (٤) .

إنّ ثبات عليّ (عليه السلام) وقتاله بلا هوادة في هذه المعركة لافِتان للنظر أيضاً، فقد قتَل

____________________

(١) الطبقات الكبرى : ٢ / ١٥١، تاريخ الطبري: ٣ / ٧٤، السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٨٥، الكامل في التاريخ: ١ / ٦٢٥.

(٢) تاريخ الطبري: ٣ / ٧٤، الكامل في التاريخ: ١ / ٦٢٦، تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٥٧٦.

(٣) الطبقات الكبرى : ٢ / ١٥١، تاريخ الطبري: ٣ / ٧٤، السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٨٥، الكامل في التاريخ: ١ / ٦٢٥.

(٤) تاريخ الطبري: ٣ / ٧٥، الطبقات الكبرى : ٢ / ١٥١، السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٨٧، الإرشاد: ١ / ١٤٢.

٢٥٢

أربعين من هوازن (١) ، وفيهم أبو جرول، وهو أحد شجعانهم، وكان هلاكه بدايةً لانهيار جيشهم (٢) .

ولاحَقَ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الفارّين، وحاصر قَلْعتهم بالطائف. وفي هذا الحصار اشتبك الإمام (عليه السلام) مع نافع بن غيلان فقتَله، فولّى جمعٌ من المشركين مُدبرين، وأسلم آخرون (٣) .

يضاف إلى هذا أنّ الإمام (عليه السلام) كُلِّف عند الحصار بكسْر الأصنام التي كانت حول الطائف، وقد أنجز هذه المهمّة بأحسن ما يكون (٤) .

قال الشيخ المفيد رضوان الله عليه في حضور الإمام (عليه السلام) هذه الغزوة: (فانظر الآن إلى مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الغزاة وتأمّلها وفكّر في معانيها تجده قد تولّى كلّ فضل كان فيها، واختصّ من ذلك بما لم يشرِكه فيه أحد من الأمّة) (٥) .

ويتسنّى لنا الآن - بناءً على ما ذكرنا وما جاء في الوقائع التاريخيّة - أنْ نسجّل دَور الإمام (عليه السلام) في النقاط الآتية:

١ - حمْله راية المهاجرين.

٢ - حضوره المهيب في احتدام القتال وهجوم العدوّ بلا هوادة، ودفْعه الخطر

____________________

(١) الكافي: ٨ / ٣٧٦ / ٥٦٦، الإرشاد: ١ / ١٤٤ وص ١٥٠.

(٢) الإرشاد: ١ / ١٤٣ وص ١٥٠، وراجع مسند أبي يعلى: ٢ / ٣٤٤ / ١٨٥٨، وتاريخ الطبري: ٣ / ٧٦، والسيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٨٨.

(٣) الإرشاد: ١ / ١٥٣.

(٤) الإرشاد: ١ / ١٥٢، تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٦٤.

(٥) الإرشاد: ١ / ١٤٩.

٢٥٣

عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في أحرَج اللحظات التي فَرّ فيها الكثيرون.

٣ - قتلُه أبا جرول والذي استتبع انهيار جيش هوازن.

٤ - قتْله أربعين من مقاتلي هوازن.

٥ - قيادته لكتيبةٍ كانت قد تعبّأت من أجل إزالة الأصنام.

٦ - مبارزة شهاب - من قبيلة خثعم - الذي لم يجرؤ أحد من المسلمين على مبارزته، فهبّ الإمام (عليه السلام) إليه وقضى عليه.

٧ - قتْله نافعاً، الذي أدّى إلى إسلام الكثيرين.

٢٢٨ - تاريخ اليعقوبي: بلغ رسول الله وهو بمكّة أنّ هوازن قد جمَعَت بحُنين جمعاً كثيراً، ورئيسهم مالك بن عوف النصري، ومعهم دريد بن الصمّة من بني جشم، شيخ كبير يتبرّكون برأيه، وساق مالك مع هوازن أموالهم وحُرَمِهم. فخرج إليهم رسول الله في جيشٍ عظيم عدّتهم اثنا عشر ألفاً، عشرة آلاف أصحابه الذين فتح بهم مكّة، وألفان من أهل مكّة ممّن أسلم طوعاً وكرهاً، وأخذ من صفوان بن أُميّة مِئة دِرع وقال: (عارية مضمونة). فأعجبت المسلمين كثرتُهم، وقال بعضهم: ما نؤتى من قِلّة. فكَرِه رسول الله ذلك من قولهم.

وكانت هوازن قد كمَنَت في الوادي، فخرجوا على المسلمين، وكان يوماً عظيم الخَطْب، وانهزم المسلمون عن رسول الله، حتى بقيَ في عشرة من بني هاشم، وقيل تسعة، وهم: عليّ بن أبي طالب، والعبّاس بن عبد المطّلب، وأبو سفيان بن الحارث، ونوفل بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وعتبة ومعتّب ابنا أبي لهب، والفضل بن العبّاس، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطّلب، وقيل:

٢٥٤

أيمن بن أُمّ أيمن. قال الله عزّ وجلّ: ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ) (١) (٢) .

٢٢٩ - تاريخ الإسلام عن الواقدي: سار رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من مكّة لستٍّ خلونَ من شوّال في اثني عشر ألفاً، فقال أبو بكر: لا نُغلَب اليوم من قِلّة. فانتهوا إلى حُنَين لعشرٍ خلونَ من شوّال. وأمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أصحابه بالتعبئة، ووضع الألْوية والرايات في أهلها، وركب بغْلته، ولبس دِرعين والمِغفر والبيضة. فاستقبلهم من هوازن شيءٌ لم يرَوا مثله من السواد والكثرة، وذلك في غبش الصبح. وخرجت الكتائب من مضيق الوادي وشُعَبِه، فحملوا حملةً واحدة، فانكشفت خيل بني سليم مُولّيةً، وتبعهم أهل مكّة، وتبعهم الناس (٣) .

٢٣٠ - السيرة النبويّة عن جابر بن عبد الله: لمّا استقبلْنا وادي حُنَين انحدرنا في وادٍ من أودية تهامة أجوف حَطُوط (٤) ، إنّما ننحدر فيه انحداراً، - قال: - وفي عَماية الصبح (٥) . وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي، فكمَنوا لنا في شِعابه وأحْنائه ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيّؤوا وأعدّوا. فو الله ما راعَنا ونحن منحطّون إلاّ الكتائب قد شدُّوا علينا شَدّة رجُلٍ واحد، وانشمر الناس راجعين لا يلوي أحدٌ على أحدٍ، وانحاز رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات اليمين، ثمّ قال: (أين!! أيّها الناس هلمُّوا

____________________

(١) التوبة: ٢٥ و٢٦.

(٢) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٦٢، الإرشاد: ١ / ١٤٠ نحوه.

(٣) تاريخ الإسلام للذهبي: ٢ / ٥٧٤، وراجع المغازي: ٣ / ٨٩٠.

(٤) أجوف: واسع الجوف والحَطُوط: الأكَمَة الصعبة الانحدار (لسان العرب: ٩ / ٣٥ وج ٧ / ٢٧٤).

(٥) عَماية الصبح: بقيّة ظلمة الليل (لسان العرب: ١٥ / ٩٨).

٢٥٥

إليّ! أنا رسول الله، أنا محمّد بن عبد الله). قال: فلا شيء، حمَلت الإبل بعضها على بعض، فانطلق الناس، إلاّ أنّه قد بقيَ مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته. وفيمَن ثبت معه... من أهل بيته عليّ بن أبي طالب (١) .

٢٣١ - مسند أبي يعلى عن جابر: كان أيّام هوازن رجلٌ جسيم، على جَمَل أحمر، في يده راية سوداء، إذا أدرك طعن بها، وإذا فاته شيءٌ من بين يديه دفعها من خلفه فأبعده. فعمد له عليّ بن أبي طالب ورجلٌ من الأنصار كلاهما يريده - قال: - فضربه عليّ على عرقوبَي الجَمَل، فوقع على عجْزِه، - قال: - وضرَب الأنصاري ساقه - قال: - فطرح قدمه بنصف ساقه، فوقع، واقتتل الناس (٢) .

٢٣٢ - الإرشاد: أقبل رجلٌ من هوازن على جَمَل له أحمر، بيده راية سوداء في رأس رمحٍ طويل أمام القوم، إذا أدرك ظفراً من المسلمين أكبّ عليهم، وإذا فاته الناس رفعه لمَن وراءه من المشركين فاتّبعوه، وهو يرتجز ويقول:

أنا أبو جرول لا بَراحُ (٣)

حتى نُبيحَ القومَ أو نُباحُ

فصمد له أمير المؤمنين (عليه السلام)، فضرب عَجْز بعيره فصرعه، ثمّ ضربه فقطره، ثمّ قال:

قد عَلم القومُ لدَى الصباحِ

أنّي في الهيجاء ذو نصاحِ

فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول لعنه الله (٤) .

____________________

(١) السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٨٥، تاريخ الطبري: ٣ / ٧٤.

(٢) مسند أبي يعلى: ٢ / ٣٤٤ / ١٨٥٨، تاريخ الطبري: ٣ / ٧٦، السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٨٨ كلاهما نحوه.

(٣) البراح: الظهور والبيان (لسان العرب: ٢ / ٤٠٩).

(٤) الإرشاد: ١ / ١٤٢، كشف الغمّة: ١ / ٢٢٢.

٢٥٦

٢٣٣ - الإرشاد: لمّا قتَل أمير المؤمنين (عليه السلام) أبا جروَل وخُذِل القوم لقتله، وضع المسلمون سيوفهم فيهم، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يقدمهم حتى قتل أربعين رجلاً من القوم، ثمّ كانت الهزيمة والأسْر حينئذ (١) .

٢٣٤ - مسند أبي يعلى عن أنَس: كان عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) يومئذ [أي يوم حُنين ] أشدّ الناس قتالاً بين يديه [ (صلّى الله عليه وآله) ] (٢) .

٢٣٥ - الإمام الصادق (عليه السلام): (قتَل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بيده يوم حُنَين أربعين) (٣) .

٢٣٦ - الإرشاد - في ذِكر وقايع بعد غزوة حنين - ثمّ سار بنفسه إلى الطائف فحاصرهم أيّاماً... -: ثمّ خرج من حِصن الطائف نافع بن غيلان بن معتب في خيلٍ من ثقيف، فلَقيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ببطن وَجٍّ (٤) فقتله، وانهزم المشركون، ولحِق القوم الرعب، فنزل منهم جماعة إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فأسلموا. وكان حصار النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الطائفَ بضعة عشر يوماً (٥) .

____________________

(١) الإرشاد: ١ / ١٤٤، كشف الغمّة: ١ / ٢٢٣، إعلام الورى: ١ / ٣٨٧، كشف اليقين: ١٧٥ نحوه.

(٢) مسند أبي يعلى: ٣ / ٤٤٣ / ٣٥٩٤، المعجم الأوسط: ٣ / ١٤٨ / ٢٧٥٨ وفيه (مِن أشدّ) بدل (أشدّ).

(٣) الكافي: ٨ / ٣٧٦ / ٥٦٦ عن عجلان، كشف الغمّة: ٢ / ٨٣ من دون إسناد إلى معصوم.

(٤) وَجٌّ: الطائف (معجم البلدان: ٥ / ٣٦١).

(٥) الإرشاد: ١ / ١٥٣، المناقب لابن شهر آشوب: ٣ / ١٤٥، إعلام الورى: ١ / ٢٣٣ وليس فيهما من (و لحِقَ القوم...).

٢٥٧

٢٥٨

الفصل الحادي عشر

  استخلاف النبيّ في غزوة تبوك

تبوك هي أقصى منطقة توجّه إليها النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في حروبه. وبدأت تحرّكات المنافقين في المدينة في وقتٍ راح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يُعِدّ جيشه للانطلاق إلى تبوك. والحوادث التي وقعت تدلّ بوضوح على أنّ المنافقين في المدينة كانوا يتحيّنون الفرصة؛ لتوجيه ضربتهم للحكومة النبويّة الجديدة. وكانت هذه الغيبة الطويلة للنبيّ فرصة مناسبة لهم. من هنا، نلحظ أنّه (صلّى الله عليه وآله) استخلف في البداية محمّد بن مسلمة على المدينة، ثمّ جعل عليّاً (عليه السلام) عليها، وقال:

(أنا لا بدّ من أنْ أُقيم أو تُقيم) (١).

وقال:

(إنّ المدينة لا تصلُح إلاّ بي أو بك) (٢) .

____________________

(١) المعجم الكبير: ٥ / ٢٠٣ / ٥٠٩٤، الطبقات الكبرى: ٣ / ٢٤.

(٢) الإرشاد: ١ / ١٥٥، كمال الدين: ٢٧٨ / ٢٥، الاحتجاج: ١ / ٣٤٦ / ٥٦، كنز الفوائد: ٢ / ١٨١، المستدرك على الصحيحين: ٢ / ٣٦٨ / ٣٢٩٤.

٢٥٩

وهكذا أخفقَت المؤامرة، فإنّ وجود عليّ (عليه السلام) ألقى الرعب في قلوب المنافقين والمتآمرين، وآيسهم من القيام بأيّ تحرّك في المدينة، فراحوا يعزفون على وتَرٍ آخر؛ فإنّ غزوة تبوك كانت الغزوة الوحيدة التي لم يشهدها أمير المؤمنين (عليه السلام) بقرار النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ولِما طرأ من أحداث في المدينة (١) ، فأرجَفوا أنّ عليّاً تخلّى عن الحرب وخذل النبيّ ولم يرافقْه مع رغبة النبيّ في حضوره معه. فما كان من الإمام (عليه السلام) إلاّ أنْ هرَع إليه (صلّى الله عليه وآله) قبل مغادرته، وأخبره بأراجيفهم، فنطق النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عندئذ كلمته الخالدة العظيمة في حقّه: (أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي) (٢) .

وهكذا أُحبطت هذه المؤامرة في مهْدها، وسجّل التاريخ لعليٍّ (عليه السلام) أسطع المناقب أمام أنظار الناس.

٢٣٧ - الطبقات الكبرى عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم: لمّا كان عند غزوة جيش العُسرة وهي تبوك، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعليّ بن أبي طالب: إنّه لابدّ من أنْ أُقيم أو تُقيم، فخلّفه، فلمّا فصل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) غازياً قال ناس: ما خلّف عليّاً إلاّ لشيءٍ كرهه منه.

فبلغ ذلك عليّاً، فاتّبع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى انتهى إليه، فقال له: (ما جاء بك يا عليّ؟!) قال: (لا يا رسول الله، إلاّ أنّي سمِعت ناساً يزعمون أنّك إنّما خلّفتني لشيءٍ كرهته منّي!!) فتضاحك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال: (يا عليّ، أما ترضى أنْ تكون منّي كهارون من موسى غير أنّك لست بنبيّ؟!) قال: (بلى يا رسول الله)، قال: (فإنّه

____________________

(١) الطبقات الكبرى: ٣ / ٢٣، أُسد الغابة: ٤ / ٩٢ / ٣٧٨٩.

(٢) خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ١٠٧ / ٤٥، المصنّف لابن أبي شيبة: ٨ / ٥٦٢ / ٤، تاريخ الطبري: ٣ / ١٠٤، أنساب الأشراف: ٢ / ٣٤٨، الاستيعاب: ٣ / ٢٠١ / ١٨٧٥.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311