موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ١

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ18%

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 311

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59945 / تحميل: 7771
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

في هذا القِسم يخرج القارئ بحصيلة معرفيّة معطاءة عن أُولئك الرادة الذين تربّوا في كنَف عليّ، وتخرّجوا من مدرسته، وفى الوقت ذاته تتكشّف له معالم الحُكم العلَوي وما كان يعانيه من قلّة الطاقات الرياديّة الملتزمة الرشيدة، وما يكابده الحكم من نقص في القوى الفاعلة المطيعة المسؤولة. وهذا الواقع يُسهم إلى حدٍّ في الإفصاح عن السِرّ الكامن وراء بعض النواقص التي بدَت في الحُكم العلَوي، ويُعين القارئ على إدراك ذلك، كما تمنحه معطيات هذا القسم موقعاً أفضل للتوفّر على تحليل واقعي لحكومة الإمام.

من الجليّ أنّ أصحاب الإمام لم يكونوا على مستوىً واحد، كما لم يكن عمّاله كذلك. لقد كانت ضرورات الحكم ومتطلّبات الإدارة العامّة تُملي على الإمام أنْ يلجأ أحياناً إلى استعمال أُناس ثابتين في العقيدة بيدَ أنّهم غير منضبطين في العمل. لكن الإمام لم يكن يغفل لحظة عن تنبيه هؤلاء وتحذيرهم المرّة تِلْو الأُخرى، كما لم يُطق مطلقاً انحرافاتهم وما يصدر عنهم، واضطراب سلوكهم مع الناس.

إنّ عليّاً الذي أمضى عُمراً مديداً يضرب بسيفه دفاعاً عن الحقّ، وعليّاً الذي اختار الصمت سنَوات طويلة من أجل الحقّ ( وفي العين قذى، وفي الحلْق شجا)، عليٌّ هذا لا يُطيق المداهنة - وحاشاه - في تنفيذ الحقّ، ولا يعرف المجاملة في إحقاقه، ولا يتحمّل المساومة أبداً.

تتضاعف أهميّة هذا القسم من الموسوعة، وهو حريّ بالقراءة أكثر، ونحن نبصر - فيه - مواقف الإمام من الأصحاب والعمّال مملوءة دروساً

٤١

وعِبراً.

ومع القسم السادس عشر يشرف الكتاب على نهايته؛ ليكون القارئ قد خرج من الموسوعة بسَيلٍ متدفّق من المعرفة، وبفيض من التحاليل والرؤى والأفكار والأخبار، تستحوذ عليها جميعاً شخصيّة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

خصائص الموسوعة

انتهى للتوّ استعراض وجيز قدّمناه لأقسام (الموسوعة) الستّة عشر دون خوض لِما احتوَته فصولها من تفاصيل، وما ضمّته من مداخل صغيرة كانت أمْ كبيرة، وقد آنَ الأوان للحديث عمّا تحظى به من خصائص.

بَيد أنّا نعتقد أنّ السبيل إلى معرفة خصائص الموسوعة - وربّما ما تحمله من مزايا ونقاط بارزة - يُملي علينا أنْ نُلقي نظرة إلى ما كُتب عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى الآن؛ كي تتّضح من جهة ضرورات التعاطي مع هذه المجموعة، وتستبين من جهة أُخرى نقاط قوّتها، وما قد تكون حقّقته من مكاسب ومعطيات على هذا الصعيد.

غزارة المدوّنات وكثرتها عن الإمام

يحظى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بشخصيّة هي في المدى الأقصى من الجاذبيّة، ومن ثَمّ فتَملّي سيرة هذا العظيم، والتطلّع إلى حياته العبِقة الفوّاحة هو ممّا لا يختصّ باتّجاه دون آخر. فها هم الجميع من كافّة

٤٢

الاتّجاهات والأفكار يكتبون عن الإمام، وها هي ذي شخصيّته المتوهّجة تجذب كلّ المسالك والميول، وتستقطب لدائرتها كافّة القرائح والأقلام.

هكذا تمثّلت واحدة من خصائص عليّ بن أبي طالب بغزارة ما كُتب عنه، وكثافة التآليف التي أطلّت على حياته وسيرته، وتناولت بالبحث إمامته وخلافته، واندفعت تُعنى بحِكَمه وتعاليمه، وبآثاره ومآثره.

فتاريخ الإسلام بدون اسم عليّ بن أبي طالب ومن دون مآثره وبطولاته التي بلغت أعلى ذروة، هو تاريخ أجوف مشوّه، وكتلة هامدة بلا حراك ولا روح، وهو بعد ذلك لا يمتّ إلى حقيقة التاريخ الإسلامي بصِلة.

فها هي ذي قمَم تاريخ صدْر الإسلام تتضوّع باسم عليّ، وتفوح بذِكراه، وها هو ذا ظلُّه يمتدّ ويطول فلا يغيب عن واقعة قطّ.

وما خطّته الأقلام عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يفوق الحصر عَدّاً، فهذا رصْدٌ واحد قدّم خمسة آلاف عنوان كتاب بعضها في عدّة مجلّدات، دون أنْ يستوفي الجميع.

تصنيف الكتابات

ما جادت به القرائح والأقلام عن عليّ بن أبي طالب يقع في جهات متعدّدة، ويمتدّ محتواه على مواضيع مختلفة. مع ذلك يمكن تصنيف الحصيلة في رؤوس العناوين التالية:

أ - تاريخ حياة الإمام.

٤٣

ب - خلافة الإمام.

ج - خصائص الإمام وفضائله.

د - مواضيع لها صلة بالإمام أو تدور حوله مثل الغدير، وآية التطهير، والولاية، وما إلى ذلك.

هـ - تفسير الآيات النازلة بشأن الإمام.

و - أقضية الإمام.

ز - أدعية الإمام.

ح - الأحاديث والنصوص النبويّة عن الإمام.

ط - كلام الإمام، ولهذا صِيَغ مختلفة كالأحاديث ذات الصيغة البلاغيّة، والأخرى رُتّبت على أساس الحروف الهجائيّة.

ى - الشروح: وتشمل شرح خطبة واحدة، أو كتاب واحد أو رسالة واحدة، وإلى غير ذلك من الصيَغ.

ك - ما جادت به القرائح والأقلام نَظْماً ونثراً عن فضائل الإمام ومناقبه ومراثيه.

ل - كرامات الإمام ومعاجزه في حياته وبعد استشهاده.

يفصح هذا التصنيف بموضوعاته المختلفة أنّ الأقلام قد تبارت متحدّثة عن الإمام عليّ (عليه السلام) من زوايا مختلفة، كلّ واحد يعزف على حياته وآثار عظمته من بُعده الخاص.

٤٤

أمّا وقد اتّضح ذلك على وجه الإجمال، تعالوا ننعطف إلى خصائص هذه (الموسوعة) وما قد تحظى به من مزايا، نُجملها من خلال العناوين التالية:

١ - الشمول ومبدأ الانتخاب

في الوقت الذي حرصت (الموسوعة) على تجنّب التكرار (١) ، والإحالة إلى النصوص المتشابهة، فقد سعَت إلى الجمع بين الشمول والاختصار معاً، متحاشية الزوائد والفضول، من خلال التأكيد على مبدأ الانتخاب.

لقد انطلقت (الموسوعة) تجمع النصوص والأحاديث والنقول من مصادر الفريقين، مع التركيز على ما له مساس بالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).

هكذا تطمئنّ نفس الباحث الذي يراجع هذه المجموعة إلى أنّه قد اطّلع على حصيلة ما جادت به الأقلام حيال الإمام عليّ (عليه السلام)، كما ينفتح أمامه الطريق ممهّداً لاختيار الموضوع أو المواضيع التي يصبو إلى دراستها، عِبر الكثافة المعلوماتيّة التي يوفّرها له حشد كبير من المصادر والهوامش والإيضاحات التي جاء ذكرها في الهوامش.

٢ - الاستناد الواسع إلي مصادر الفريقَين

حقّقت (الموسوعة) لأوّل مرّة أوسع عمليّة استعراض لمصادر الفريقين

____________________

(١) باستثناء النصوص التي يقع بينها اختلاف أساسي، أو أنْ يكون النصّ المكرّر حاوياً لنقطة مهمّة، أو متضمّناً فكرة جديرة بالذكر.

٤٥

التاريخيّة والحديثيّة، حيث استنطقت ما حوَته صفحاتها من ذِكر لمختلف جوانب شخصيّة الإمام عليّ (عليه السلام).

بِلُغة الأرقام، لم تبلغ هذه (الموسوعة) نهايتها، ولم تكتسب هذه الصيغة إلاّ بعد مراجعة ما ينوف على الأربعمِئة وخمسين كتاباً أربَت مجلّداتها على الألفَين، منها مئتا كتاب من مصادر الشيعة، ومئتان وخمسون كتاباً من مصادر أهل السنّة.

ثمّ لكي ترتاد بالباحثين صوب آفاق معرفيّة ممتدّة، وحتى تفتح لهم السبيل واسعاً للدراسة والتحليل، فقد أحالت في هوامشها إلى ما يناهز الثلاثين ألف موضع من مصادر الفريقين، ويكفي هذا وحده للكشف عن المدى الأقصى الذي بلَغَه البحث.

٣ - وثاقة المصادر

في تدوين هذه الموسوعة عمَدْنا في البدء إلى جمع المعطيات على جذاذات (بطاقات) مستقلّة من المصادر مباشرة، مع الاستعانة بأنظمة الحاسوب الآلي وأقراص الخزن باللُغَتين الفارسيّة والعربيّة على قدر ما تسمح به الإمكانات، ثمّ جمعنا النصوص المتشابهة حيال الموضوع الواحد، وسعَينا بعدئذ إلى انتخاب أكثر هذه النصوص وثاقة، وفرْز ما هو أقدمها وأكثرها شمولاً.

لقد حرصنا على أنْ تأتي النصوص المنتخبة من أوثق الكتب الحديثيّة والتاريخيّة وأهمّها. لكن ينبغي أنْ نسجّل أنّ وثاقة النصوص والنقول في

٤٦

البحث التاريخي تختلف اختلافاً بيّناً عمّا هي عليه في النصوص والنقول الفقهيّة، فمِن الواضح أنّ ذلك التمحيص الذي ينصبّ على سند الرواية الفقهيّة، لا يجرى بنفسه على البحوث التاريخيّة.

فما يستدعيه البحث التاريخي أكثر، هو طبيعة النصّ (الوثيقة) ومدى ثباته وسلامته، وهذه غاية يبلغها الباحث باستخدام قرائن متعدّدة.

في رؤيتنا أنّ النصّ أو النقل الموثّق - فقهيّاً كان أم تاريخيّاً - هو الذي يكون موثوقاً يبعث على الاطمئنان، حتى لو لم يحظَ بسند ثابت وصحيح. نسجّل ذلك رغم انتباهنا لأهميّة السند الصحيح والموثّق في إيجاد الاطمئنان.

وينبغي أنْ نُضيف أيضاً إلى أنّ الوثوق السنَدي في النصوص التي تستند إلي المصادر الحديثيّة والتاريخيّة للفريقين (الشيعة والسنّة)، لا يمكن أنْ يكون مِلاكاً كاملاً وتامّاً؛ إذ من الواضح أنّ لكلّ فريق رؤيته الخاصّة في تعيين (الثقة) و(غير الثقة)، كما له مساره الخاصّ ونهْجه الذي يميّزه في الأصول الرجاليّة.

الكلمة الأخيرة على هذا الصعيد تتّجه إلى طبيعة المِلاك الذي انتخبناه، ففي عمليّة جمع النصوص وفرزها عمدنا بالإضافة إلى ما بذلناه من جهد في توثيق المصدر والاهتمام بالسند، إلى مسألة نقد النصّ؛ كي يكون هو الملاك الأهمّ في عملنا. وفي هذا الاتّجاه سعينا إلى بلوغ ضرب من الاطمئنان، من خلال تأييد مضمون النصّ بالقرائن النقليّة والعقليّة، كي يتحوّل ذلك إلى أساس نطمئنّ إليه في ثبات النصّ.

٤٧

على هذا لم نلجأ إلى الأحاديث المنكرة، حتى لو كان لها أسانيد صحيحة. وإذا ما اضطرّتنا مواضع خاصّة لذِكر نصّ غير معتبر؛ فإنّنا نعطف ذلك بإيضاح ملابسات الموضوع.

٤ - التحليل والتصنيف

يلتقي الباحثون على صفحات هذه الموسوعة، والمتشوّفون إلى سيرة عليّ (عليه السلام) ومعارفه مع سبعة آلاف نصّ تاريخي وحديثي تدور كلّها حول الإمام.

لقد سعى هذا المشروع إلى أنْ يقدّم عِبر الأقسام والفصول مجموعة من التحليلات والنظريّات التي تتناسب مع المادّة، وأنْ يخرج من خلال تقويم النصوص بإلماعات مهمّة في مضمار التاريخ والحديث.

إنّ القارئ سيواجه على هذا الصعيد نقولاً مكثّفة تصحب فقه الحديث، نأمل أنْ تأتي نافعة مفيدة.

٥ - رعاية متطلّبات العصْر وفاعليّة المحتوى

ليست (موسوعة الإمام عليّ) كتاباً تاريخيّاً محضاً يُعنى بالنصوص والوثائق التاريخيّة، التي ترتبط بحياة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما لم نكن نهدف أنْ نقدّم ترجمة صِرفة نزيد بها رقماً جديداً على التراجم الكثيرة الموجودة، بل أمعنّا النظر إلى الواقع المُعاش، وركّزنا على المتطلّبات المعاصرة ونحن ننتخب العناوين ونملأ النصوص التي جاءت تحتها.

٤٨

وحرصنا على أنْ تأتي هذه (الموسوعة) مجموعة متكاملة موحية، تهَب الدروس، وتبثّ العِبَر من حولها، وتلامس حاجات العالم الإسلامي، وتؤثّر في عقول الباحثين، وتُعين الشباب، وتمنح أُولئك الذين يرغبون أنْ تكون لهم في سيرة عليّ (عليه السلام) أُسوة في واقع الحياة، تمنحهم المثال المنشود.

كما أردنا لـ (الموسوعة) من خلال سيرة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنْ تفتح أمام البصر الإنساني مغالق الطريق، وأن تُعين في تذليل العُقَد الفكريّة والعقيديّة والسياسيّة.

على أنّ أكثر أقسام هذا المشروع نفعاً وتأثيراً هي تلك التي أضاءت النهج العلَوي، وأسفرت عن مرتكزاته في مختلف مجالات إدارة الاجتماع السياسي، وتسيير الحُكم والتعامل مع المجتمع. فهذه الأقسام هي في صميم حاجة قادة البلدان الإسلاميّة، بالأخصّ العاملين في نطاق نظام الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.

فهذه الأقسام جسّدت على منصّة الواقع الحياةَ السياسيّة والاجتماعيّة للإمام، وأومأت ببَنان لا تخطِّئه عين إلى الواقع الحقيقي لكفاءة ذلك السياسي الواقعي، الذي ليس له مأرب من تنفيذ السياسة غير الحقّ.

فـ (الموسوعة) إذاً ليست صفحات في بطون الكتُب، بل هي من الحاضر في الجوهر، ومن الواقع اليومي في الصميم. من هذه الزاوية هي

٤٩

خليقة بالقراءة والتفكير والتأمّل، وجديرة بالعمل.

٦ - الإبداع في التدوين والتنظيم

لقد صُمّمت مطالب (الموسوعة) وموضوعاتها في إطار هيكليّة هندسيّة خاصّة، بحيث يكون بمقدور الباحث أنْ يكون في صميم السياق العام للكتاب بمجرّد إلقاء نظرة عابرة، وبشيء من التأمّل يعثر على ما يريد.

فقد اختيرت العناوين بحيث تُسفِر عن محتوى الأقسام والفصول، وتستوعب جميع النصوص الموجودة. بَيد أنّ الأهمّ من ذلك أنّها حرصت على أنْ تجيء تلك العناوين حول السيرة العلَويّة البنّاءة، وهي تعبّر عن مثالٍ يُحتذى، وتعكس أسوة يمكن الاقتداء بها.

بهذا جاءت العناوين واقعيّة وليست انتزاعيّة محضة، كما لم تأتِ مغلقة مبهمة.

٧ - إيضاحات الهوامش ومزايا أخرى

لكي يستغني الباحث الذي يراود هذه (الموسوعة) عن العودة إلى المصادر الأخرى في المسائل الفرعيّة، وحتّى يشقّ طريقه إلى مبتغاه بيُسر؛ جاءت إيضاحات الهوامش تضمّ ترجمة للأشخاص، وتعريفاً بالأماكن وبياناً للنقاط الغامضة التي تكتنف النصوص، مع شرح موجز للمفردات الصعبة. وقد تمّ تعزيز ذلك كلّه بخرائط مؤدّية تعكس الأمكنة والمواقع التاريخيّة بدقّة، عكَف على تصميمها متخصّصون.

٥٠

٨ - أدب التكريم

عند نقل النصوص، إذا ما كانت تلك النصوص مسندة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) يُذكَر الاسم مع النقل، وعند ذِكر النبي يُشفع بصيغة (صلّى الله عليه وآله)، في حين يشفع ذِكر كلّ واحد من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بصيغة (عليهم السلام) تكريماً لهذه الأسماء المقدّسة والذوات المعصومة، حتى لو لم تحوِ النصوص في مصادرها الأصليّة هذا التكريم.

أمّا إذا كانت النصوص عن غير النبي (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، فعندئذٍ نكتفي بذِكر المصدر فقط في بدْء النصّ.

٩ - أخلاقيّة الكتابة

حرصت (الموسوعة) على أنْ تلتزم في كتاباتها الأدب العلمي بدقّة، وتراعي أُصول البحث في مداها الأقصى.

إنّ من يتأمّل تاريخ الإسلام بعُمق، ويرمي ببصره تلقاء مصنّفات مختلف علماء النِحَل في دائرة الثقافة الإسلاميّة، يلمس كم احتوى ميراث أولئك - قدماء ومحدّثين - من ظُلمٍ للتشيّع، وأيَّ حَيفٍ أصاب قمّته العلياء الشاهقة!.

كما يدرك الصدود الذي أحاط إمام المجاهدين، وما نزل بصَحْبه الأبرار الذين أخلصوا له الولاء، سَواء عن طريق كتمان الحقائق، أمْ من خلال قلب وقائع التاريخ.

هذه أُمور جليّة لم تخفَ على أحد، يعرفها جميع باحثي التاريخ

٥١

الإسلامي، كما نعرفها نحن أيضاً، وقد تبدّت أمامنا بأبعاد مهولة عند كتابة (الموسوعة).

بَيد أنّ ذلك كلّه لم يجرّنا إلى موقف مماثل عند تدوين (الموسوعة) لا بدءاً، وتأسيساً، ولا بصيغة الردّ بالمِثل. فها هي ذي التحليلات والإيضاحات ووجْهات النظر والمداخل نقيّة لم يشبْها لَوث، وها هو ذا القلم عفّ ولم يهبط قطّ إلى الشتيمة ولُغة التجريح والكلام النابي وكَيْل التُهَم والمطاعن.

وفي الحقيقة جعلنا المشروع يفي بجميع أجزائه في ظلال (الأدب العلَوي)، هذا الأدب الذي يأخذ مثاله الرفيع ممّا علّمه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) صاحبَيه حِجْر بن عَدِي وعمرو بن الحمق. فهذان الحواريّان يتوقّدان عزماً، ويفيضان رسوخاً، وهما مملوءان حماساً وغيرة، فأنّى لهما أنْ يصبرا على أباطيل العدوّ وزُخرفه، وما صار يستجيشه من ضوضاء هائجة؟.

لقد راحا يُدَمدِمان بألسنتهما ضدَّ العدوّ، فما كان من أمير المؤمنين (عليه السلام) إلاّ أنْ علّمهما أدَب المواجهة، فقال لهما بعد أنْ ذكّرهما بأنّهم على الحقّ وأنْ عدوّهم على الباطل:

(كرهتُ لكم أنْ تكونوا لعّانين، تشتمون وتتبرّؤون، ولكن لو وصَفتم مساوئ أعمالِهم فقلتم: مِن سيرتهم كذا وكذا، ومِن عملهم كذا وكذا، كان

٥٢

أصوَب في القول، وأبلغ في العُذر) (١) .

واضح إذن أنّ ذِكر شخص وفِعاله وتحليل سلوكه، أو تسليط أضواء كاشفة على ما يلفّ فِعال بعض مَن تنكَّب عن الحقّ والصواب، وما صدر عنه من سلوك شائن - لا يمكن أنْ يُعدّ إساءة نابية، بل هو من الوعي التاريخي والدفاع عن الحقّ بالصميم. ومن ثَمّ إذا ما احتوت (الموسوعة) شيئاً من هذا، فهو تعبير عن واقع لا أنّه ينمّ عن إساءة جارحة.

ومع ذاك سعَينا أنْ ننظر إلى المسائل برؤية الأُسلوب التحليلي والبحث العلمي، وليس من خلال العناد والتعصّب الأعمى المقيت. ومِن ثَمّ لم يتمّ التوهين بمقدّسات أيّ نِحلة، ولم نطعن بشخصٍ قطّ.

على هذا نأمل أنْ تجيء (الموسوعة) خطوة على طريق التقريب بين المذاهب، وأنْ يكون شخوص (الأدَب العلَوي)، وتبلوره فيها سبباً لانتفاع الجميع، ويهيّئ الأجواء لوحدة كلمة المؤمنين.

شُكر وتقدير

حيث شارف هذا المدخل على نهايته، ولمّا يُمسِك القلم بعدُ نبتهل - مرّة أُخرى - إلى الله سبحانه ضارعِين بقلوب مفعمة، بالشكر والثناء على ما أنعم به من تيسير كريم وفضلٍ جسيم، وما امتنّ به من توفيق عظيم

____________________

(١) وقعة صفّين: ١٠٣.

٥٣

لهذه الخدمة العَلَويّة الجليلة.

كما نوجّه شكرنا وثناءنا إلى كلّ جهدٍ كريم شارك في هذا المشروع في إطار مختلف المجاميع، وكان له سهم في التأليف والتحقيق والتخريج، وفي الطباعة والتصحيح والتدقيق، ونخصّ بالذِكر الباحثَين الكريمَين الجليلين السيّد محمّد كاظم الطباطبائى والسيّد محمود الطباطبائى نژاد ، اللذَين بذَلا جهوداً مخلصة مشكورة في تدوين هذه المجموعة، وكانا معنا رفيقَي درب في هذه الرحلة الممتدّة من عام ١٤١٣ هـ. كما نشكر الأستاذ الفاضل الشيخ محمّد علي مهدوي راد الذي أعاننا على تهيئة البيانات والتحليلات.

وأتقدّم بشكري الخالص وثنائي الجزيل أيضاً إلى مسؤول قسم تدوين الموسوعة في مركز دراسات دار الحديث المحقّق العزيز الشيخ عبد الهادي المسعودي، الذي بذل جهداً محموداً في تنظيم الصيغة الأخيرة وإعداد العمل وإنجازه في الموعد المقرّر.

إلهي..

اجعلنا في حزب عليّ (عليه السلام) الذي هو حزب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، واكتبنا في المفلحين الفائزين.

واجعلنا في صفّ جنودك المحبّين لك الوالهين بك، وفي عِداد حُماة دينك، المنافحين عن نقاء الفكر الإسلامي، وصُن ألسنتنا وأقلامنا من الزلَل، وأقِلْها من العثرات والباطل، واجعل ما نكتب ونقول خدمةً لغايات

٥٤

الحُكم العلَويّ، وأرضاً صلبة توطئ إلى الحكومة العالميّة لوليّ الله الأعظم الإمام المهدي (عليه السلام).

وآخِر دعوانا أنْ الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين.

محمد محمّدي الرَّيشَهري

ربيع الثاني ١٤٢١ هـ

٥٥

٥٦

القسم الأوّل

أُسرة الإمام عليّ

وفيه فصول:

الفصل الأوّل: الولادة

الفصل الثاني: النشأة

الفصل الثالث: الزواج

الفصل الرابع: الأولاد

٥٧

٥٨

الفصل الأوّل

الولادة

١ / ١

النَسَب

إنّ أُرومة الناس دليلٌ على شخصيّتهم وفكرهم وثقافتهم. فأُولوا النزاهة والصلاح والعقل والحكمة ينحدرون - في الغالب - من أُسَر كريمة طيّبة مهذّبة، وذووا السوء والقبح والشرّ غالباً هم ممّن نشأ في أحضان غير سليمة، وانحدر من أُصول لئيمة. ويتجلّى القسم الأوّل في الأنبياء - الذين هم عِلْية وجوه التاريخ، وقِمم الشرف والكرامة والعزّة - ومَنْ تفرّع من دوحاتهم، ورسخت جذوره في بيوتاتهم الرفيعة.

وكانت لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) جذور ضاربة في سلالة طاهرة كريمة، هي سلالة إبراهيم (عليه السلام)، فهو كرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في ذلك، وإبراهيم (عليه السلام) هو بطل التوحيد، الراغب إلى الله، المُغرم بحبّه، وهو الواضع سنّة الحجّ، رمز العبودية ومقارعة الشِرك. وهكذا فالحديث عن جُدود النبي (صلّى الله عليه وآله) حديث عن جدود

٥٩

عليّ (عليه السلام)، والكلام عن سلالته (صلّى الله عليه وآله) هو بعينه الكلام عن سلالة أخيه ووصيّه (عليه السلام)، قال (صلّى الله عليه وآله) في أسلافه:

(إنّ الله اصطفى من وِلد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من وِلد إسماعيل بني كِنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) (١) .

وهكذا فبنو هاشم هم صفوةٌ اختيرت من بين صفوة الأُسَر، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعليّ (عليه السلام) هما صفوة هذه الصفوة، قال الإمام (عليه السلام) واصفاً سلالة النبيّ (صلّى الله عليه وآله):

(أُسرَتُه خير الأُسَر، وشجَرته خير الشجَر؛ نَبَتت في حرَم، وبَسَقت في كَرَم، لها فروعٌ طِوال، وثمَرٌ لا يُنال) (٢) .

وهذا الثناء - بحقّ - هو ثناء على سلالته (عليه السلام) أيضاً، حيث قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):

(أنا وعليّ من شجرة واحدة) (٣) .

وقال: (لحمُه لحمي، ودمُه دمي) (٤) .

وعلى هذا يكون بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبيت عليّ هو بيت النبوّة، وأُرومتهما أُرومة النور والكرامة، وهما المصطَفَيان من نَسل إبراهيم وبني هاشم، مع خصائص ومزايا سامقة: كالطهارة، والفصاحة، والسماحة، والشجاعة، والذكاء، والحياء، والعفّة، والحِلم، والصبر وأمثالها (٥) . ناهيك عن منزلتهما المرموقة

____________________

(١) سنن الترمذي: ٥ / ٥٨٣ / ٣٦٠٥، كفاية الطالب: ٤١٠.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ٩٤ والخطبة ١٦١ نحوه وراجع الخطبة ٩٦.

(٣) و (٤) راجع: القسم التاسع / عليّ عن لسان النبي / الخِلْقة / أنا وعليّ من نور واحد.

(٥) راجع: كتاب (أهل البيت في الكتاب والسنّة) / جوامع خصائصهم.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

هم الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، فبهم يتقرّب ويتوسل إلى اللَّه عزّ وجلّ، وبمودّتهم وولايتهم تقبل الطاعات، ومحبّتهم ركن ركين في الدين لا يعرض عنه إلّا كافر أو مشرك، ومن هنا جعل النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله عدل الرسالة وأجرها المودّةَ في القربى كما في قوله تعالى: ( قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) .

ومن ذلك كلّه يتضح أن من تمام الحجّ وسائر العبادات لقاء الإمام وإظهار المودّة والنصرة والتولّي له، وإلّا فلا حجّ ولا طواف ولا صلاة مقبولة عند اللَّه تعالى، فالتوحيد في العبادة هو الإقرار بولاية أهل البيت عليهم‌السلام .

ومن هنا أيضاً يتضح المراد من قول الإمام الباقر عليه‌السلام : (تمام الحجّ لقاء الإمام) (2) .

وكذا قول الإمام الصادق عليه‌السلام : (ابدؤوا بمكّة واختموا بنا) (3) .

وقول الإمام الباقر عليه‌السلام : (إنما أمروا أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم) (4) .

وكذا قال عندما رأى الناس يحجّون بمكّة: (فعال كفعال الجاهلية، أمَا واللَّه ما أمروا بهذا، وما أمروا إلّا أن يقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم فيمرّوا بنا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم) (5) .

____________________

(1) الشورى: 23.

(2) الكليني، الكافي، ج4، ص549.

(3) المصدر، ص550.

(4) المصدر، ص549.

(5) المصدر، ج1، ص392.

١٠١

6 - الولاية من شرائط المغفرة:

قال تعالى: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) (1) ، فلا تحصل المغفرة ولا التوبة ولا الإيمان ولا يقبل العمل الصالح إلّا بشرط الهداية، والمراد من الهداية في هذه الآية المباركة مقام الإمامة؛ لأنها تعني الإيصال إلى المطلوب، وهي مرحلة بعد مقام النبوّة الذي هو إراءة الطريق فقط. فإن مجرّد إراءة الطريق شأن النبيّ والرسول، قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) (2) .

وأمَّا مقام الإمامة، فنجد أن القرآن الكريم كلّما تعرّض إليه تعرض معه لذكر الهداية بياناً وتفسيراً، قال تعالى: ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) (3) ، وقال أيضاً عزّ وجلّ: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (4) ، فوصف اللَّه عزّ وجلّ الإمامة بالهداية وصف بيان وتعريف وتفسير، هذا في إمامة الحقّ.

كذلك في إمامة الباطل والكفر، فإن فرعون الذي هو من أئمة الكفر قال تعالى في حقّه: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (5) ، فإمامة الكفر أيضاً فيها هداية وإيصال، ولكن إلى الضلال وخلاف المقصود من الكمال الإنساني؛ ولذا

____________________

(1) طه: 82.

(2) إبراهيم: 4.

(3) الأنبياء: 72 - 73.

(4) السجدة: 24.

(5) القصص: 41.

١٠٢

قال تعالى: ( وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ) (1) ، فإمامة الحقّ هي الهداية والإيصال إلى المطلوب وولاية على الناس في أعمالهم بأمر ملكوتي من اللَّه عزّ وجلّ كما يستفاد من قوله تعالى: ( يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) ، وإمامة الباطل أيضاً هداية وإيصال، ولكن إلى الضلال وخلاف المقصود.

والحاصل: أن مقام الهداية الإلهية الحقّة - بقول مطلق - يساوق مقام الإمامة والخلافة الربّانية؛ وهذا يعني أن هناك مقاماً ثالثاً غير الشهادة الأولى والشهادة الثانية لابدّ أن يعتقد به المسلم لكي يكون مهتدياً مؤمناً، فقوله تعالى: ( آمَنَ ) إشارة إلى الشهادة الأولى والثانية، وقوله: ( وَعَمِلَ صَالِحًا ) إشارة إلى الإيمان والعمل بالشريعة الذي هو مقام النبوّة، وقوله: ( ثُمَّ اهْتَدَى ) إشارة إلى ذلك المقام الثالث والشهادة الثالثة؛ وهي الولاية والإمامة.

سورة الحمد وإمامة أهل البيت عليهم‌السلام :

وإذا لم يعتقد بها الشخص ولم يجعلها واسطة بينه وبين ربّه لا يتحقّق منه الإيمان ولا العمل الصالح، فولاية وإمامة أهل البيت عليهم‌السلام واسطة ووسيلة يتوسَّل بها العبد إلى اللَّه عزّ وجلّ لقبول عقيدته وعبادته، وهذا ما صرّحت به سورة الحمد، التي يقرؤها المسلم في اليوم والليلة عشر مرّات على أقل تقدير.

فإن سورة الحمد تعرّضت للشهادة الأولى والشهادة الثانية والشهادة الثالثة،

____________________

(1) طه: 79.

١٠٣

فقوله تعالى: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) (1) إشارة إلى الشهادة الأولى، وهي كلمة (لا إله إلّا اللَّه)، وقوله تعالى: ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) (2) إشارة إلى أصل المعاد، الذي هو من أصول الدين، وقوله تعالى: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) (3) إشارة إلى مقام التشريع والنبوّة؛ لأن العبادة لا تتحقّق إلّا بالسير على خطى النبوّة والرسالة، وقوله تعالى: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) (4) إشارة إلى مقام الإمامة في الأمة، فهناك مجموعة في الأمة الإسلامية ندعو اللَّه عزّ وجلّ في اليوم والليلة أن يهدينا صراطهم المستقيم، المنزّه عن الغضب في العمل وعن الضلال في العلم؛ أي صراط المعصومين علماً وعملاً، وهؤلاء الهداة الهادون إلى الصراط المستقيم وصفهم اللَّه تعالى بثلاثة نعوت:

الأول: أنهم منْعَم عليهم بنعمة خاصّة دون بقية الأمة وسائر البشر، نظير ما أنعم اللَّه على النبيِّين.

الثاني: أنهم لا يغضب اللَّه عليهم قطّ، وإلّا لَمَا كانت لهم صلاحية الهداية لجميع الأمة.

الثالث: أنهم لا يضلّون قط، وإلّا لم يكونوا هداة هادين لكل الأمة.

ولم يحدّثنا القرآن عن ثلّة عن هذه الأمة قد خصصوا بنعمة وحظوة وحبوة

____________________

(1) الحمد: 2 - 3.

(2) الحمد: 4.

(3) الحمد: 5.

(4) الحمد: 6 - 7.

١٠٤

إلهية خاصة دون بقية الأمة إلّا أهل البيت عليهم‌السلام كما في ولاية الفي‏ء في قوله تعالى: ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (1) ، وكما في ولاية الخمس في قوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (2) ، وكذا التطهير في قوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ) (3) ، والمودّة والولاية في قوله تعالى: ( قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (4) وقوله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (5) ، وعلم الكتاب في قوله تعالى: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (6) وغيرها من الآيات المخصِّصة

لهم عليهم‌السلام بمقامات دون سائر الأمة إلى يوم القيامة، فلا توجد مجموعة في الأمة الإسلامية معصومة عن الغضب والضلال سوى أهل البيت عليهم‌السلام ، الذين أنعم اللَّه عزّ وجلّ عليهم بالطهارة من الرجس والغواية في العلم والعمل كما قال تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ) (7) .

ويتحصّل من ذلك: أن سورة الحمد اشتملت على أصول الدين من التوحيد والمعاد والنبوّة والإمامة، وقارئ الحمد يطلب من اللَّه تعالى الهداية إلى الصراط

____________________

(1) سورة الحشر: 7.

(2) سورة الأنفال: 41.

(3) سورة الأحزاب: 33.

(4) سورة الشورى: 23.

(5) سورة المائدة: 55.

(6) سورة الواقعة: 77 - 79.

(7) الأحزاب: 33.

١٠٥

المستقيم، وأن يجعل له هداة وأئمة يهتدي بهم، وهذا يعني أن ضمّ الشهادة الثالثة بالإمامة إلى الشهادة الثانية بالرسالة والنبوّة للنبيّ

الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله يوجب الخروج عن الشرك وقبول الإيمان والعبادة.

ومن ذلك كلّه يتضح المراد من قول الإمام الباقر عليه‌السلام لسدير وهو مستقبل البيت: (يا سدير، إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا، وهو قول اللَّه: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) (1) - ثم أومأ إلى صدره - إلى ولايتنا) (2) .

إذن تمام الحجّ وسائر العبادات بالهداية إلى ولاية أهل البيت عليهم‌السلام والتوسّل والتوجّه بهم إلى اللَّه عزّ وجل.

7 - الوفود على ولي اللَّه من شرائط الحجّ:

قال تعالى: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود × وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) (3) .

فهذه الآية المباركة تنصّ على أن اللَّه عزّ وجلّ جعل مكان البيت مبوّءاً وسكناً لإبراهيم عليه‌السلام ، وأن إبراهيم عليه‌السلام هو المتكلّم الأوّل والناطق الرسمي عن اللَّه تعالى في الندبة إلى الحجّ، فهو يأمر الناس بحجّ بيت اللَّه الحرام كما نصّت على ذلك روايات الفريقين.

____________________

(1) طه: 82.

(2) أصول الكافي، ج 1، ص 393.

(3) الحج: 26 - 27.

١٠٦

ثم إن التعبير الآخر في الآية المباركة بعد الأذان في الناس بالحجّ ( يَأْتُوكَ رِجَالاً ) ، فالمجي‏ء ليس إلى البيت ولا إلى اللَّه عزّ وجلّ مباشرة، بل المجي‏ء أوّلاً إلى إبراهيم عليه‌السلام .

فالإتيان إلى الحجّ تلبية وإجابة للنداء الإلهي إنما يتمّ بالوفادة على وليّ اللَّه، ويكون الحجّ الذي هو القصد إلى اللَّه عزّ وجلّ بواسطة الإتيان إلى إبراهيم عليه‌السلام ، الذي هو وجيه عند اللَّه تعالى يتوجّه إليه ويُقصد لإقامة الصلاة والطواف وسائر مناسك الحجّ العبادية، فلابدّ من الوفود على إبراهيم عليه‌السلام ومحبّته وهويّ الأفئدة إليه.

وهذه الآية المباركة تتوافق في المضمون مع ما تقدّم من قوله تعالى: ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الُْمحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) (1) ، فإبراهيم عليه‌السلام وذرّيته أسكنهم اللَّه عزّ وجلّ البيت الحرام وبوّأهم فيه لإقامة الصلاة وتشييد الدين وتطهير البيت للطائفين والقائمين والرّكع السجود، والإيذان في الناس بالحجّ، ولكن لا قيمة للحجّ ولا مقبولية عند اللَّه عزّ وجلّ إلّا بالمجي‏ء إلى إبراهيم عليه‌السلام وذريّته من ولد إسماعيل عليه‌السلام ، وهويّ القلوب والأفئدة إليهم ومحبّتهم ومودّتهم وتولّيهم وإبراز الطاعة لهم وجعلهم واسطة في القصد إلى اللَّه تعالى.

فتبويء اللَّه عزّ وجلّ لإبراهيم البيت، وإسكان إبراهيم ذريَّته فيه من أجل الوفود عليهم ومودّتهم، هو الذي جعل من البيت الحرام مكاناً ومقصداً لإقامة العبادة فيه، والأحجار بما هي أحجار لولا ذلك تكون وثناً يعبد من دون اللَّه

____________________

(1) إبراهيم: 37.

١٠٧

عزّ وجلّ كما كان الحجّ في الجاهلية. ولذا ورد أن من المستحبّات عند الدخول إلى البيت الحرام إلقاء التحيّة والسلام على سيّد الأنبياء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم السلام على النبيّ إبراهيم عليه‌السلام (1) .

فعن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام قال: (فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقل: السلام عليك أيها النبيّ ورحمة اللَّه وبركاته، بسم اللَّه وباللَّه ومن اللَّه وما شاء اللَّه، والسلام على أنبياء اللَّه ورسله والسلام على رسول اللَّه، والسلام على إبراهيم والحمد للَّه رب العالمين) (2) .

فالمجي‏ء إلى النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم إلى إبراهيم عليه‌السلام مجي‏ء وإتيان وقصد إلى اللَّه عزّ وجل، وكذا أهل البيت عليهم‌السلام ؛ لأنهم الذريّة والأمة المسلمة الذين دعا إبراهيم والنبيّ الأكرم إلى مودّتهم ومحبّتهم.

إذن، الأنبياء والأوصياء هم أبواب اللَّه التي يتّجه إلى اللَّه تعالى بها، ولولا ذلك لا يكون الحجّ حجّاً إبراهيمياً، بل حجّ الجاهلية.

8 - الأنبياء مصدر البركة:

قال تعالى حكاية عن قول عيسى عليه‌السلام : ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاة وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) (3) .

وهذا يعني أن عيسى عليه‌السلام جعله اللَّه عزّ وجلّ مصدر البركة والتبرّك أين ما حل؛ ولذا كان ببركته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن اللَّه تعالى، فهو

____________________

(1) ابن حمزة، الوسيلة، ص172.

(2) الصدوق، المقنع، ص255.

(3) مريم: 31.

١٠٨

وجيه وواسطة في قضاء الحوائج في كلّ مكان حلّ فيه، فما بالك بخاتم الأنبياء عليه‌السلام وأهل بيته الأطهار ومَن يصلّي عيسى خلفه عند نزوله ويكون وزيراً له؟!

وكذا ورد في الآيات المباركة أن الماء مصدر البركة والخيرات كما في قوله تعالى: ( وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ) (1) ، فإذا كان اللَّه تعالى ببركة الماء المنزل من السماء ينبت الجنان ويحيي الأرض بعد موتها، فكيف بك بأنبياء اللَّه ورسله وخلفائه الأوصياء؟!

9 - البقعة المباركة:

وهي الطائفة من الروايات التي تعرّضت لذكر البقعة المقدّسة والمباركة التي كلّم اللَّه عزّ وجلّ فيها موسى عليه‌السلام كقوله تعالى: ( وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَ نَارًا فَقَالَ ِلأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِىَ يَا مُوسَى * إِنِّى أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) (2) ، وقوله تعالى: ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) (3) ، وكذا قوله تعالى: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا * وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) (4) .

____________________

(1) ق: 9.

(2) طه: 9 - 12.

(3) النازعات: 15 - 16.

(4) مريم: 51 - 52.

١٠٩

وقوله عزّ وجلّ: ( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ ِلأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِي‏ءِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (1) .

وقد أقسم اللَّه عزّ وجلّ بهذه البقعة المباركة لعظمتها، بالإضافة إلى بقع ثلاث أخرى، وذلك في قوله تعالى: ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) (2) ، وهذا قسم من اللَّه عزّ وجلّ ببلد التين، وهو المدينة، وبلد الزيتون وهو بيت المقدس، وطور سينين الكوفة، والبلد الأمين، وهو مكّة، كما ورد ذلك عن الإمام الكاظم عليه‌السلام ؛ حيث قال: (واختار من البلدان أربعة؛ فقال عزّ وجلّ: ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) فالتين المدينة، والزيتون بيت المقدس، وطور سنين الكوفة، وهذا البلد الأمين مكّة) (3) .

هذا من طرقنا.

وكذلك من طرق السنّة، ولكن بتفسير التين بالبيت الحرام، وتفسير الطور بأنه الجبل الذي كلّم اللَّه عزّ وجلّ فيه موسى عليه‌السلام (4) ، ولا تنافي في ذلك إذ لعلّ ذلك هو الوادي المقدّس بين جبل طور والكوفة كما ذكر ذلك بعض المفسّرين.

____________________

(1) القصص:29 - 30.

(2) التين: 1 - 3.

(3) الصدوق، الخصال، ص225، والنيسابوري، روضة الواعظين، ص405.

(4) ابن الجوزي، زاد المسير، ج8، ص275.

١١٠

وقد ورد في الحديث أن محلّ قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام أوّل طور سيناء. عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال: (كان في وصيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام : أن أخرجوني إلى الظهر [أي ظهر الكوفة]، فإذا تصوّبتْ أقدامكم واستقبلتكم ريح، فادفنوني؛ وهو أوّل طور سيناء. ففعلوا ذلك) (1) .

والحاصل: إن القرآن يؤكّد أن هناك بقعة مقدّسة مباركة، فيها هبطت الملائكة بالوحي على موسى عليه‌السلام ، ولابدّ أن تقدّس وتُعظّم ويُتقرّب فيها إلى اللَّه عزّ وجلّ ويكلّم اللَّه تعالى فيها الأنبياء.

قال القرطبي في تفسيره قوله تعالى ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) (2) :

(المقدّس: المطهّر، والقدس: الطهارة، والأرض المقدّسة أي المطهّرة) إلى أن قال: (وقد جعل اللَّه تعالى لبعض الأماكن زيادة فضل على بعض، كما قد جعل لبعض الأزمان زيادة فضل على بعض) (3) .

وهذا يعني أن هناك أماكن مقدّسة فيها ينزل الوحي وتفتح أبواب السماء، وفيها يزداد الأجر ويقبل الدعاء ويتوجّه إلى اللَّه عزّ وجل.

10 - وجوب تعظيم الأنوار الإلهيّة:

خلقة الأنوار الخمسة لأصحاب الكساء في سورة النور؛ قال تعالى: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا

____________________

(1) تهذيب الأحكام، ج 6، ص 34.

(2) طه: 12.

(3) تفسير القرطبي، ج11، ص175.

١١١

شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِي‏ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) (1) .

إن هذه الآية المباركة تنصّ على وجود بيوت خاصّة أذن اللَّه أن ترفع وتعظّم ويذكر فيها اسمه، وفي تلك البيوت يسبّح للَّه عزّ وجلّ وتقبل العبادة ويسمع الذكر، وتحت قبّتها يرفع الدعاء وتفتّح أبواب السماء وتحصل القربة إلى اللَّه تعالى، فهي بيوت مباركة ومقدّسة جعلها اللَّه تبارك وتعالى وسيلة وواسطة ومحلّاً لقبول العبادة والذكر والتسبيح آناء الليل وأطراف النهار.

ومن الجدير بالذكر أن تلك البيوت بيوتاً خاصّة، وهي مهبط الوحي والقداسة والطهارة. والشاهد على ذلك أن الجار والمجرور في قوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ ) متعلّق بذلك النور الذي ضربه اللَّه عزّ وجلّ مثلاً للناس، فالنور في بيوت أذن اللَّه أن ترفع، وقد ذكرت الآية المباركة أن هذا النور نور السماوات والأرض، أي محيط بهما ومهيمن عليهما وأشرف منهما في الخلقة والرتبة الوجودية.

ثمّ إن ذلك النور مخلوق من مخلوقات اللَّه تعالى، أُضيف إليه عزّ وجلّ في الآية إضافة الفعل إلى فاعله، وهو عبارة عن أنوار خمسة شامخة، ضرب اللَّه تعالى لكلّ واحد منها مثلاً حسّياً لتقريب الفكرة وتنزيل الحقيقة إلى رقيقة

____________________

(1) النور: 35 -37.

١١٢

يفهمها البشر، وليس هذا النور عين الذات الإلهية؛ لأنها أحدية المعنى لا تعدّد ولا تكثّر فيها، والنور المذكور في الآية المباركة متعدّد منشعب إلى خمسة أنوار، مستقل بعضها عن البعض الآخر.

والأنوار الخمسة التي ضُربت مثلاً هي:

أولاً: المشكاة.

ثانياً: المصباح.

ثالثاً: الزجاجة.

رابعاً: الكوكب الدُّرِّي

خامساً: الشجرة المباركة.

ثم تقول الآية الكريمة بعد ذلك: ( نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) .

وفي اللغة العربية يقول علماء البلاغة: كل تشبيه جملة مستقلة برأسها، وتفيد معنىً ومغزىً مستقلاً، فالآية بصدد التعرض إلى خلقة النور، وأن أحد مراحل الخلقة الإلهية هي المخلوقات النورية، وهي أنوار خمسة، تعظم في الخلقة الملائكةَ والروح والجنّ والإنس ومطلق الموجودات الأخرى، وهي أنوار مشتقّ بعضها من بعض، ومرتبط بعضها بالبعض الآخر كما هو ظاهر الآية المباركة.

وهذه الأنوار المباركة المحيطة بالسماوات والأرض، هي الأسماء والكلمات التي لم تعلم بها الملائكة، مع أن الملائكة ملأت أركان السماوات والأرض؛ لأنها هي التي تدبّرها وتدير شؤونها، وهو المشار إليه في تعليم آدم الأسماء وعرض اللَّه تعالى لها على الملائكة، فلم يعلموا بها، فأنبأهم آدم بها،

١١٣

ووصفها اللَّه بأنها غيب السماوات والأرض (1) ، وكما ورد هذا المعنى في روايات الفريقين (2) .

ولو كانت تلك الأسماء من عالم السماء والأرض، لعلمت بها الملائكة، ومن ذلك يعلم أن الأسماء التي علّمها اللَّه عزّ وجلّ آدم وجهلتها الملائكة، كانت مخلوقات محيطة بعالم السماوات والأرض.

وهذا نوع من أنواع التشاهد بين الآيات القرآنية، فالأنوار الخمسة المذكورة في سورة النور هي الأسماء التي خفيت عن الملائكة وعلّمها اللَّه تعالى آدم، وهي كما سيأتي موجودات حيّة عاقلة شاعرة من عالم النور كما عبّر عنها في سورة البقرة بضمير (هم) واسم الإشارة (هؤلاء)، وهما لفظتان لا تستعملان في الذوات الجامدة، بل في الذوات الحيّة الشاعرة العاقلة.

ويتحصّل من ذلك وجود مخلوقات خمسة نورية محيطة بالسماوات والأرض، أفضل من الملائكة ولا تحيط الملائكة بها علماً، بل إن اللَّه تعالى شرّف آدم على جميع مخلوقاته، بما فيهم المقرّبين من كبار الملائكة، كجبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل بفضل تلك الأنوار، وبفضلها أيضاً استحقّ مقام الخلافة الإلهية، وسجد له الملائكة كلّهم أجمعون.

ومن ذلك يتضح أن هذه الأنوار الخمسة هي باطن (غيب) وملكوت السماوات والأرض؛ لأن نور كلّ شي‏ء بمنزلة الروح له، ومن دونه يكون ظلمانياً، والنور في المقام ليس هو النور الحسّي الذي يظهر الصفات العارضة

____________________

(1) سورة البقرة: 31 - 33.

(2) بصائر الدرجات، ص89، الطبراني، المعجم الأوسط، ج4، ص44.

١١٤

على الشي‏ء، بل هو نور الخلقة الذي يوجد الشي‏ء ويكوّنه ويظهره من كتم العدم إلى الوجود، فنور السماوات والأرض أي ملكوتهما وباطنهما ومظهرهما من ظلمة العدم إلى نور الوجود، وهو اسم اللَّه الأعظم الذي هو غير المسمّى، يفوق في القدرة والعظمة كافّة المخلوقات في السماوات والأرض.

وسيأتي أن تلك الأنوار الخمسة المباركة - وهي الأسماء التي علّمها اللَّه تعالى آدم وتاب بفضلها عليه من خطيئته، وابتلى بها إبراهيم لنيل مقام الإمامة - هم خمسة أصحاب الكساء وأهل آية المباهلة: محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فهم أهل البيت، وهم النور الإلهي الذي حلّ في بيوت أذن اللَّه أن ترفع، لتكون محلّاً للذكر والتسبيح والعبادة والتوجّه إلى اللَّه عزّ وجلّ وتشييد معالم الدين.

ولذا أخرج السيوطي في الدرّ المنثور عن ابن مردويه عن أنس ابن مالك وبريدة، قال: قرأ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول اللَّه؟ قال: (بيوت الأنبياء)، فقام إليه أبو بكر، فقال: يا رسول اللَّه، هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت عليّ وفاطمة عليهم‌السلام ، قال: (نعم، من أفاضلها) (1) .

وعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: (هي بيوت النبي صلَّى الله عليه وآله) (2) .

كذلك عن جابر عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ

____________________

(1) الدرّ المنثور، ج 5، ص50.

(2) الكافي، ج8، ص331، ح510.

١١٥

تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) قال: (هي بيوت الأنبياء، وبيت علي منها) (1) .

وقد تقدّم رواية الحاكم في المستدرك أن من الكلمات التي تاب اللَّه بها على آدم (وهي الأسماء التي شُرّف آدم بها على الملائكة كخليفة، لأن الكلمات أعظم مقاماً من آدم إذ بها تاب اللَّه عليه)، أن من أعظم تلك الكلمات والأسماء هو خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ورد في المستدرك أنه لولاه لَمَا خلق آدم ولا الجنة ولا النار (2) ويتشاهد هذان الحديثان النبويان على أن أوّل الأنوار الخمسة والأسماء التي تعلّمها آدم وتوسّل بها هو خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا بالنسبة إلى الأنوار الخمسة المباركة.

الأئمة التسعة من ولد الحسين عليه‌السلام في آية النور:

وأمَّا قوله تعالى: ( نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) ، فهو إشارة إلى استمرار وديمومة قانون الإمامة والخلافة الإلهية بعد تلك الأنوار الخمسة إلى يوم القيامة، نور على نور يهدي اللَّه لنوره من يشاء، و(على)؛ أي على إثر وعقب، لغة في أحد المعاني المستعملة في لفظ (على) بالتضمين لمعنى الإثر؛ والشاهد على ذلك ما تقدّم من أن الهداية هي الإيصال إلى المطلوب، وقد جاء ذكر الهداية تفسيراً وبياناً لمقام الإمامة والولاية كما في قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) ، فالتعبير بالهداية في الآية المباركة يراد منه الإمامة، وهو مقتضى معنى النور أيضاً؛ إذ هو الهادي إلى صراط اللَّه تعالى.

____________________

(1) تفسير القمي: ج2 ص79.

(2) المستدرك، ج 2، ص 671 و 672

١١٦

ولذا ورد عن الإمام محمّد بن علي بن الحسين عليه‌السلام في قوله تعالى ( نُورٌ عَلَى نُورٍ ) قال: (يعني إماماً مؤيّداً بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك من لدن آدم إلى يوم القيامة) (1) .

وعن الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه‌السلام ، قال: قلت ( نُورٌ عَلَى نُورٍ ) ؟ قال: (الإمام في إثر الإمام) (2) .

وورد أيضاً عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام في قوله تعالى ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) قال: (يهدي لولايتنا من أحبّ) (3) .

بيان آخر للآية المباركة:

هناك بيان آخر للآية الكريمة التي نحن بصدد الاستدلال بها، أدقّ وأعمق وأدلّ على المطلوب من البيان الأول؛ وهو:

بعد أن تبيّن أن قوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ ) متعلّق بالنور، وأن النور في بيوت أذن اللَّه أن ترفع، نقول:

إن الآية الثالثة التي ذكرناها في المقام، وهو قوله تعالى: ( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) ، هذه الجملة من المبتدأ والخبر كلّها بدل من قوله تعالى ذكره: ( فِي بُيُوتٍ ) ، أي أنها في محلّ جرّ بدل من البيوت؛ ويكون المعنى على ذلك: أن البيوت رجال لا تلهيهم تجارة، وليست هي

____________________

(1) توحيد الصدوق، ص158، ح4.

(2) المصدر، ص157، ح3.

(3) مناقب ابن المغازلي، ص263، ح361.

١١٧

بيوت حجارة، ولا طين.

والشواهد على ذلك من نفس الآيات المباركة كثيرة نشير إلى بعضها:

أ - قوله تعالى: ( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ ) ليس فاعلاً لقوله عزّ وجل: ( يُسَبِّحُ ) ؛ وذلك طبقاً لقراءة أهل البيت عليه‌السلام ، حيث إن قراءتهم لكلمة يسبَّح (بفتح الباء) مبني للمجهول، وبناءً على هذا لا تكون كلمة ( رِجَالٌ ) فاعلاً لـ (يسبَّح) وإنما تكون مبتدءاً والجملة التي بعدها خبر، والجملة بتمامها عطف بدل على بيوت، فالبيوت هي رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع، وإلى ذلك يشير قول الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام إلى قتادة البصري(فقيه أهل البصرة) عندما سأله قائلاً:

(أصلحك اللَّه، واللَّه لقد جلست بين يدي الفقهاء، وقدّام ابن عبَّاس، فما اضطرب قلبي قدّام واحدٍ منهم ما اضطرب قدّامك؟

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : (ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي ( بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ ) فأنت ثَمَّ، ونحن أولئك)، فقال له قتادة: صدقت واللَّه، جعلني اللَّه فداك، واللَّه ما هي بيوت حجارة ولا طين) (1) .

وكذلك ما ورد عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه‌السلام ؛ حيث قال: (إنّه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى، وصل اللَّه طاعة وليّ أمره بطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وطاعة رسوله بطاعته، فمَن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع اللَّه ولا رسوله، وهو الإقرار بما نزل من عند اللَّه: ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) والتمسوا البيوت التي أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإنه أخبركم أنهم

____________________

(1) الكافي، ج6، ص256، ح1.

١١٨

( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) (1) .

ثم إن تلك القراءة بفتح الباء في (يسبَّح) قرأ بها أيضاً ابن عامر وأبو بكر وابن شاهي عن حفص (2) .

إذن، يتحصّل أن النور في بيوت هي رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع.

أهل البيت عليهم‌السلام معصومون بأعالي درجات العصمة:

ب - قوله عزّ وجل: ( لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ ) . فإن هذا المقطع من الآية المباركة يشير إلى أن هؤلاء الرجال معصومون بأعلى درجات العصمة، وهي عصمة السرّ التي هي فوق عصمة الجوارح؛ إذ لا يلهون برهة من حياتهم عن ذكر اللَّه، فهم في ذكر دائم، وهذا يعني أن أولئك الرجال ثلّة خاصة في الأمة الإسلامية يتميّزون عن بقيّة المسلمين وأصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذين انفضّ أكثرهم من حوله وتركوه قائماً عندما سمعوا بالتجارة كما نصّت على هذه الحادثة سورة الجمعة؛ وذلك في قوله تعالى: ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (3) .

ففي الروايات لم يبقَ مع النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا اثني عشر أو ثمانية رجال،

____________________

(1) الكافي، ج1، ص182، ح6.

(2) الطوسي، لاحظ التبيان، ج7، ص439، وابن الجوزي، زاد المسير، ج5، ص364.

(3) الجمعة: 11.

١١٩

وانفضّ الباقون إلى اللّهو والتجارة (1) .

وفي بعض الروايات لم يبقَ إلّا علي عليه‌السلام (2) .

ولا شك أنه لا يوجد ثلّة معصومة في هذه الأمة غير أهل آية التطهير، الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فنالوا بذلك أعلى درجات العصمة والطهارة.

وهذا يعني أن تلك الأنوار الخمسة المباركة في بيوت وأبدان طاهرة، وهم رجال معصومون من الغفلة عن ذكر اللَّه عزّ وجل، يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة.

وتلك البيوت والرجال أذن اللَّه أن يرفع ذكرهم، كما قال اللَّه تعالى لنبيّه: ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، ولا شك أن معنى ذلك هو وجوب التعظيم والطاعة لهم والانقياد لولايتهم والتوجّه بهم إلى اللَّه تعالى في العبادة، كما أمر اللَّه عزّ وجلّ الملائكة بالخضوع والسجود لآدم وجعل الخضوع واسطة للانقياد إلى الأوامر الإلهية.

إذن، لا يقبل اللَّه عزّ وجلّ من العباد الطاعة، إلّا برفع تلك البيوت وتعظيم أولئك الرجال، والإتيان بالطاعات امتثالاً لأمر اللَّه وأمر رسوله وأمر أُولي الأمر من هذه الأمة.

قال تعالى: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ

____________________

(1) لاحظ: الطبري، جامع البيان، ج28، ص132.

(2) شرف الدين، تأويل الآيات، ج2، ص693.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311