النص والاجتهاد

النص والاجتهاد9%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 165866 / تحميل: 7981
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

( بيان‏)

هذا هو الفصل الثاني من الآيات يعرّف الحاقّة ببعض أشراطها و نبذة ممّا يقع فيها.

قوله تعالى: ( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ ) قد تقدّم أنّ النفخ في الصور كناية عن البعث و الإحضار لفصل القضاء، و في توصيف النفخة بالواحدة إشارة إلى مضيّ الأمر و نفوذ القدرة فلا وهن فيه حتّى يحتاج إلى تكرار النفخة، و الّذي يسبق إلى الفهم من سياق الآيات أنّها النفخة الثانية الّتي تحيي الموتى.

قوله تعالى: ( وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً ) الدكّ أشدّ الدقّ و هو كسر الشي‏ء و تبديله إلى أجزاء صغار، و حمل الأرض و الجبال إحاطة القدرة بها، و توصيف الدكّة بالواحدة للإشارة إلى سرعة تفتّتهما بحيث لا يفتقر إلى دكّة ثانية.

قوله تعالى: ( فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ) أي قامت القيامة.

قوله تعالى: ( وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ ) انشقاق الشي‏ء انفصال شطر منه من شطر آخر، و واهية من الوهي بمعنى الضعف، و قيل: من الوهي بمعنى شقّ الأديم و الثوب و نحوهما.

و يمكن أن تكون الآية أعني قوله:( وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها ) في معنى قوله:( وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَ نُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا ) الفرقان: 25.

قوله تعالى: ( وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) قال الراغب: رجا البئر و السماء و غيرهما جانبها و الجمع أرجاء قال تعالى:( وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها ) انتهى، و الملك - كما قيل - يطلق على الواحد و الجمع و المراد به في

٦١

الآية الجمع.

و قوله:( وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) ضمير( فَوْقَهُمْ ) على ظاهر ما يقتضيه السياق للملائكة، و قيل: الضمير للخلائق.

و ظاهر كلامه أنّ للعرش اليوم حملة من الملائكة قال تعالى:( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) المؤمن: 7 و قد وردت الروايات أنّهم أربعة، و ظاهر الآية أعني قوله:( وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) أنّ الحملة يوم القيامة ثمانية و هل هم من الملائكة أو من غيرهم؟ الآية ساكتة عن ذلك و إن كان لا يخلو السياق من إشعار ما بأنّهم من الملائكة.

و من الممكن - كما تقدّمت الإشارة إليه - أن يكون الغرض من ذكر انشقاق السماء و كون الملائكة على أرجائها و كون حملة العرش يومئذ ثمانية بيان ظهور الملائكة و السماء و العرش للإنسان يومئذ، قال تعالى:( وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) الزمر: 75.

قوله تعالى: ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى‏ مِنْكُمْ خافِيَةٌ ) الظاهر أنّ المراد به العرض على الله كما قال تعالى:( وعُرِضُوا عَلى‏ رَبِّكَ صَفًّا ) الكهف: 48، و العرض إراءة البائع سلعته للمشتري ببسطها بين يديه، فالعرض يومئذ على الله و هو يوم القضاء إبراز ما عند الإنسان من اعتقاد و عمل إبرازاً لا يخفى معه عقيدة خافية و لا فعلة خافية و ذلك بتبدّل الغيب شهادة و السرّ علناً قال:( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ) الطارق: 9، و قال:( يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى‏ عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْ‏ءٌ ) المؤمن: 16.

و قد تقدّم في أبحاثنا السابقة أنّ ما عدّ في كلامه تعالى من خصائص يوم القيامة كاختصاص الملك بالله، و كون الأمر له، و أن لا عاصم منه، و بروز الخلق له و عدم خفاء شي‏ء منهم عليه و غير ذلك، كلّ ذلك دائميّة الثبوت له تعالى، و إنّما المراد ظهور هذه الحقائق يومئذ ظهوراً لا ستر عليه و لا مرية فيه.

٦٢

فالمعنى: يومئذ يظهر أنّكم في معرض على علم الله و يظهر كلّ فعلة خافية من أفعالكم.

قوله تعالى: ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) قال في المجمع، هاؤم أمر للجماعة بمنزلة هاكم، تقول للواحد: هاء يا رجل، و للاثنين: هاؤما يا رجلان، و للجماعة: هاؤم يا رجال، و للمرأة: هاء يا امرأة بكسر الهمزة و ليس بعدها ياء، و للمرأتين: هاؤما، و للنساء: هاؤنّ. هذه لغة أهل الحجاز.

و تميم و قيس يقولون: هاء يا رجل مثل قول أهل الحجاز، و للاثنين: هاءا، و للجماعة: هاؤا، و للمرأة: هائي، و للنساء هاؤنّ.

و بعض العرب يجعل مكان الهمزة كافاً فيقول: هاك هاكما هاكم هاك هاكما هاكنّ، و معناه: خذ و تناول، و يؤمر بها و لا ينهى. انتهى.

و الآية و ما بعدها إلى قوله:( الْخاطِؤُنَ ) بيان تفصيليّ لاختلاف حال الناس يومئذ من حيث السعادة و الشقاء، و قد تقدّم في تفسير قوله تعالى:( فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) إسراء: 71 كلام في معنى إعطاء الكتاب باليمين، و الظاهر أنّ قوله:( هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) خطاب للملائكة، و الهاء في( كِتابِيَهْ ) و كذا في أواخر الآيات التالية للوقف و تسمّى هاء الاستراحة.

و المعنى: فأمّا من اُوتي كتابه بيمينه فيقول للملائكة: خذوا و اقرأوا كتابيه أي إنّها كتاب يقضي بسعادتي.

قوله تعالى: ( إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ ) الظنّ بمعنى اليقين، و الآية تعليل لما يتحصّل من الآية السابقة و محصّل التعليل إنّما كان كتابي كتاب اليمين و قاضياً بسعادتي لأنّي أيقنت في الدنيا أنّي ساُلاقي حسابي فآمنت بربّي و أصلحت عملي.

قوله تعالى: ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ) أي يعيش عيشة يرضاها فنسبة الرضا إلى العيشة من المجاز العقليّ.

٦٣

قوله تعالى: ( فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ - إلى قوله -الْخالِيَةِ ) أي هو في جنّة عالية قدراً فيها ما لا عين رأت و لا اُذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.

و قوله:( قُطُوفُها دانِيَةٌ ) القطوف جمع قطف بالكسر فالسكون و هو ما يجتنى من الثمر و المعنى: أثمارها قريبة منه يتناوله كيف يشاء.

و قوله:( كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ ) أي يقال لهم: كلوا و اشربوا من جميع ما يؤكل فيها و ما يشرب حال كونه هنيئاً لكم بما قدّمتم من الإيمان و العمل الصالح في الدنيا الّتي تقضّت أيّامها.

قوله تعالى: ( وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ ) و هؤلاء هم الطائفة الثانية و هم الأشقياء المجرمون يؤتون صحيفة أعمالهم بشمالهم و قد مرّ الكلام في معناه في سورة الإسراء، و هؤلاء يتمنّون أن لو لم يكونوا يؤتون كتابهم و يدرون ما حسابهم يتمنّون ذلك لما يشاهدون من أليم العذاب المعدّ لهم.

قوله تعالى: ( يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ) ذكروا أنّ ضمير( لَيْتَها ) للموتة الاُولى الّتي ذاقها الإنسان في الدنيا.

و المعنى: يا ليت الموتة الاُولى الّتي ذقتها كانت قاضية عليّ تقضي بعدمي فكنت انعدمت و لم اُبعث حيّاً فأقع في ورطة العذاب الخالد و اُشاهد ما اُشاهد.

قوله تعالى: ( ما أَغْنى‏ عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ ) كلمتا تحسّر يقولهما حيث يرى خيبة سعيه في الدنيا فإنّه كان يحسب أنّ مفتاح سعادته في الحياة هو المال و السلطان يدفعان عنه كلّ مكروه و يسلّطانه على كلّ ما يحبّ و يرضى فبذل كلّ جهده في تحصيلهما و أعرض عن ربّه و عن كلّ حقّ يدعى إليه و كذّب داعيه فلمّا شاهد تقطّع الأسباب و أنّه في يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون ذكر عدم نفع ماله و بطلان سلطانه تحسّراً و توجّعاً و ما ذا ينفع التحسّر.؟

قوله تعالى: ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ - إلى قوله -فَاسْلُكُوهُ ) حكاية أمره تعالى الملائكة بأخذه و إدخاله النار، و التقدير يقال للملائكة خذوه إلخ، و( فَغُلُّوهُ ) أمر من الغلّ بالفتح

٦٤

و هو الشدّ بالغلّ الّذي يجمع بين اليد و الرجل و العنق.

و قوله:( ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ) أي أدخلوه النار العظيمة و ألزموه إيّاها.

و قوله:( ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ ) السلسلة القيد، و الذرع الطول، و الذراع بُعد ما بين المرفق و رأس الأصابع و هو واحد الطول و سلوكه فيه جعله فيه، و المحصّل ثمّ اجعلوه في قيد طوله سبعون ذراعاً.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ وَ لا يَحُضُّ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ ) الحضّ التحريض و الترغيب، و الآيتان في مقام التعليل للأمر بالأخذ و الإدخال في النار أي إنّ الأخذ ثمّ التصلية في الجحيم و السلوك في السلسلة لأجل أنّه كان لا يؤمن بالله العظيم و لا يحرّض على طعام المسكين أي يساهل في أمر المساكين و لا يبالي بما يقاسونه.

قوله تعالى: ( فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ - إلى قوله -الْخاطِؤُنَ ) الحميم الصديق و الآية تفريع على قوله:( إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ ) إلخ، و المحصّل: أنّه لمّا كان لا يؤمن بالله العظيم فليس له اليوم ههنا صديق ينفعه أي شفيع يشفع له إذ لا مغفرة لكافر فلا شفاعة.

و قوله:( وَ لا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ) الغسلين الغسالة و كأنّ المراد به ما يسيل من أبدان أهل النار من قيح و نحوه و الآية عطف على قوله في الآية السابقة:( حَمِيمٌ ) و متفرّع على قوله:( وَ لا يَحُضُّ ) إلخ، و المحصّل: أنّه لمّا كان لا يحرّض على طعام المسكين فليس له اليوم ههنا طعام إلّا من غسلين أهل النار.

و قوله:( لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ ) وصف لغسلين و الخاطؤن المتلبّسون بالخطيئة و الإثم.

٦٥

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، في قوله تعالى:( وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يحمله اليوم أربعة و يوم القيامة ثمانية.

أقول: و في تقييد الحاملين في الآية بقوله:( يَوْمَئِذٍ ) إشعار بل ظهور في اختصاص العدد بالقيامة.

و في تفسير القمّيّ، و في حديث آخر قال: حمله ثمانية أربعة من الأوّلين و أربعة من الآخرين فأمّا الأربعة من الأوّلين فنوح و إبراهيم و موسى و عيسى، و أمّا الأربعة من الآخرين فمحمّد و عليّ و الحسن و الحسينعليهم‌السلام .

أقول: و في غير واحد من الروايات أنّ الثمانية مخصوصة بيوم القيامة، و في بعضها أنّ حملة العرش - و العرش العلم - أربعة منّا و أربعة ممّن شاء الله.

و في تفسير العيّاشيّ، عن أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إنّه إذا كان يوم القيامة يدعى كلّ اُناس بإمامه الّذي مات في عصره فإن أثبته اُعطي كتابه بيمينه لقوله:( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ‏ ) فمن اُوتي كتابه بيمينه فاُولئك يقرؤن كتابهم، و اليمين إثبات الإمام لأنه كتابه يقرؤه - إلى أن قال - و من أنكر كان من أصحاب الشمال الّذين قال الله:( وَ أَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) إلخ.

أقول: و في عدّة من الروايات تطبيق قوله:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) إلخ، على عليّعليه‌السلام ، و في بعضها عليه و على شيعته، و كذا تطبيق قوله:( وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ ) إلخ، على أعدائه، و هي من الجري دون التفسير.

و في الدرّ المنثور، أخرج الحاكم و صحّحه عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لو أنّ دلوا من غسلين يهراق في الدنيا لأنتن بأهل الدنيا.

و فيه، أخرج البيهقيّ في شعب الإيمان عن صعصعة بن صوحان قال: جاء أعرابي

٦٦

إلى عليّ بن أبي طالب فقال: كيف هذا الحرف: لا يأكله إلّا الخاطون؟ كلّ و الله يخطو. فتبسّم عليّ و قال: يا أعرابيّ( لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ ) قال: صدقت و الله يا أميرالمؤمنين ما كان الله ليسلم عبده.

ثمّ التفت عليّ إلى أبي الأسود فقال: إنّ الأعاجم قد دخلت في الدين كافّة فضع للناس شيئاً يستدلّون به على صلاح ألسنتهم فرسم لهم الرفع و النصب و الخفض.

و في تفسير البرهان، عن ابن بابويه في الدروع الواقية في حديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : و لو أنّ ذراعاً من السلسلة الّتي ذكرها الله في كتابه وضع على جميع جبال الدنيا لذابت عن حرّها.

٦٧

( سورة الحاقّة الآيات 38 - 52)

فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ( 38 ) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ( 39 ) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( 40 ) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ ( 41 ) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ( 42 ) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ( 43 ) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ( 44 ) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ( 45 ) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ( 46 ) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ( 47 ) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ( 48 ) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ ( 49 ) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ ( 50 ) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ( 51 ) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ( 52 )

( بيان‏)

هذا هو الفصل الثالث من آيات السورة يؤكّد ما تقدّم من أمر الحاقّة بلسان تصديق القرآن الكريم ليثبت بذلك حقّيّة ما أنبأ به من أمر القيامة.

قوله تعالى: ( فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَ ما لا تُبْصِرُونَ ) ظاهر الآية أنّه إقسام بما هو مشهود لهم و ما لا يشاهدون أي الغيب و الشهادة فهو إقسام بمجموع الخليقة و لا يشمل ذاته المتعالية فإنّ من البعيد من أدب القرآن أن يجمع الخالق و الخلق في صفّ واحد و يعظّمه تعالى و ما صنع تعظيماً مشتركاً في عرض واحد.

و في الإقسام نوع تعظيم و تجليل للمقسم به و خلقه تعالى بما أنّه خلقه جليل جميل لأنّه تعالى جميل لا يصدر منه إلّا الجميل و قد استحسن تعالى فعل نفسه و أثنى

٦٨

على نفسه بخلقه في قوله:( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ ) الم السجدة: 7، و قوله:( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) المؤمنون: 14 فليس للموجودات منه تعالى إلّا الحسن و ما دون ذلك من مساءة فمن أنفسها و بقياس بعضها إلى بعض.

و في اختيار ما يبصرون و ما لا يبصرون للأقسام به على حقّيّة القرآن ما لا يخفى من المناسبة فإنّ النظام الواحد المتشابك أجزاؤه الجاري في مجموع العالم يقضي بتوحّده تعالى و مصير الكلّ إليه و ما يترتّب عليه من بعث الرسل و إنزال الكتب و القرآن خير كتاب سماويّ يهدي إلى الحقّ في جميع ذلك و إلى طريق مستقيم.

و ممّا تقدّم يظهر عدم استقامة ما قيل: إنّ المراد بما تبصرون و ما لا تبصرون الخلق و الخالق فإنّ السياق لا يساعد عليه، و كذا ما قيل: إنّ المراد النعم الظاهرة و الباطنة، و ما قيل: إنّ المراد الجنّ و الإنس و الملائكة أو الأجسام و الأرواح أو الدنيا و الآخرة أو ما يشاهد من آثار القدرة و ما لا يشاهد من أسرارها فاللفظ أعمّ مدلولاً من جميع ذلك.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) الضمير للقرآن، و المستفاد من السياق أنّ المراد برسول كريم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو تصديق لرسالته قبال ما كانوا يقولون إنّه شاعر أو كاهن.

و لا ضير في نسبة القرآن إلى قوله فإنّه إنّما ينسب إليه بما أنّه رسول و الرسول بما أنّه رسول لا يأتي إلّا بقول مرسلة، و قد بيّن ذلك فضل بيان بقوله بعد:( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

و قيل: المراد برسول كريم جبريل، و السياق لا يؤيّده إذ لو كان هو المراد لكان الأنسب نفي كونه ممّا نزلت به الشياطين كما فعل في سورة الشعراء.

على أنّ قوله بعد:( وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ) و ما يتلوه إنّما يناسب كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المراد برسول كريم.

قوله تعالى: ( وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ ) نفي أن يكون القرآن

٦٩

نظماً ألّفه شاعر و لم يقل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شعراً و لم يكن شاعراً.

و قوله:( قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ ) توبيخ لمجتمعهم حيث إنّ الأكثرين منهم لم يؤمنوا و ما آمن به إلّا قليل منهم.

قوله تعالى: ( وَ لا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ ) نفي أن يكون القرآن كهانة و النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كاهنا يأخذ القرآن من الجنّ و هم يُلقونه إليه.

و قوله:( قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ ) توبيخ أيضاً لمجتمعهم.

قوله تعالى: ( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) أي منزل من ربّ العالمين و ليس من صنع الرسول نسبه إلى الله كما تقدّمت الإشارة إليه.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ - إلى قوله -حاجِزِينَ ) يقال: تقوّل على فلان أي اختلق قولاً من نفسه و نسبه إليه، و الوتين - على ما ذكره الراغب - عرق يسقي الكبد و إذا انقطع مات صاحبه، و قيل: هو رباط القلب.

و المعنى:( وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا ) هذا الرسول الكريم الّذي حمّلناه رسالتنا و أرسلناه إليكم بقرآن نزّلناه عليه و اختلق( بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ) و نسبه إلينا( لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ) كما يقبض على المجرم فيؤخذ بيده أو المراد قطعنا منه يده اليمنى أو المراد لانتقمنا منه بالقوّة كما في رواية القمّيّ( ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ ) و قتلناه لتقوّله علينا( فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ‏ ) تحجبونه عنّا و تنجونه من عقوبتنا و إهلاكنا.

و هذا تهديد للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تقدير أن يفتري على الله كذباً و ينسب إليه شيئاً لم يقله و هو رسول من عنده أكرمه بنبوّته و اختاره لرسالته.

فالآيات في معنى قوله:( لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً ) إسراء: 75، و كذا قوله في الأنبياء بعد ذكر نعمه العظمى عليهم:( وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) الأنعام: 88.

فلا يرد أنّ مقتضى الآيات أنّ كلّ من ادّعى النبوّة و افترى على الله الكذب أهلكه الله و عاقبه في الدنيا أشدّ العقاب و هو منقوض ببعض مدّعي النبوّة من الكذّابين.

٧٠

و ذلك أنّ التهديد في الآية متوجّه إلى الرسول الصادق في رسالته لو تقوّل على الله و نسب إليه بعض ما ليس منه لا مطلق مدّعي النبوّة المفتري على الله في دعواه النبوّة و إخباره عن الله تعالى.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) يذكّرهم كرامة تقواهم و معارف المبدأ و المعاد بحقائقها، و يعرّفهم درجاتهم عند الله و مقاماتهم في الآخرة و الجنّة و ما هذا شأنه لا يكون تقوّلاً و افتراء فالآية مسوقة حجّة على كون القرآن منزّهاً عن التقوّل و الفرية.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ وَ إِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ ) ستظهر لهم يوم الحسرة.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) قد تقدّم كلام في نظيرتي الآيتين في آخر سورة الواقعة، و السورتان متّحدتان في الغرض و هو وصف يوم القيامة و متّحدتان في سياق خاتمتهما و هي الإقسام على حقّيّة القرآن المنبئ عن يوم القيامة، و قد ختمت السورتان بكون القرآن و ما أنبأ به عن وقوع الواقعة حقّ اليقين ثمّ الأمر بتسبيح اسم الربّ العظيم المنزّه عن خلق العالم باطلاً لا معاد فيه و عن أن يبطل المعارف الحقّة الّتي يعطيها القرآن في أمر المبدأ و المعاد.

٧١

( سورة المعارج مكّيّة و هي أربع و أربعون آية)

( سورة المعارج الآيات 1 - 18)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ( 1 ) لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ( 2 ) مِّنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ ( 3 ) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ( 4 ) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ( 5 ) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ( 6 ) وَنَرَاهُ قَرِيبًا ( 7 ) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ( 8 ) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ( 9 ) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ( 10 ) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ( 11 ) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ( 12 ) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ( 13 ) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ ( 14 ) كَلَّا إِنَّهَا لَظَىٰ ( 15 ) نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ ( 16 ) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ ( 17 ) وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ ( 18 )

( بيان‏)

الّذي يعطيه سياق السورة أنّها تصف يوم القيامة بما اُعدّ فيه من أليم العذاب للكافرين. تبتدئ السورة فتذكر سؤال سائل سأل عذاباً من الله للكافرين فتشير إلى أنّه واقع ليس له دافع قريب غير بعيد كما يحسبونه ثمّ تصف اليوم الّذي يقع فيه و العذاب الّذي اُعدّ لهم فيه و تستثني المؤمنين الّذين قاموا بوظائف الاعتقاد الحقّ و العمل الصالح.

٧٢

و هذا السياق يشبه سياق السور المكّيّة غير أنّ المنقول عن بعضهم أنّ قوله:( وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ) مدني و الاعتبار يؤيّده لأنّ ظاهره الزكاة و قد شرّعت بالمدينة بعد الهجرة، و كون هذه الآية مدنيّة يستتبع كون الآيات الحافّة بها الواقعة تحت الاستثناء و هي أربع عشرة آية (قوله:إِلَّا الْمُصَلِّينَ - إلى قوله -فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ‏ ) مدنيّة لما في سياقها من الاتّحاد و استلزام البعض للبعض.

و مدنيّة هذه الآيات الواقعة تحت الاستثناء تستدعي ما استثنيت منه و هو على الأقل ثلاث آيات (قوله:إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً - إلى قوله -مَنُوعاً ).

على أنّ قوله:( فَما لِلَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ) متفرّع على ما قبله تفرّعاً ظاهراً و هو ما بعده إلى آخر السورة ذو سياق واحد فتكون هذه الآيات أيضاً مدنيّة.

و من جهة اُخرى مضامين هذا الفصل من الآيات تناسب حال المنافقين الحافّين حول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اليمين و عن الشمال عزين و هم الرادّون لبعض ما أنزل الله من الحكم و خاصّة قوله:( أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ) إلخ، و قوله:( عَلى‏ أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ ) إلخ على ما سيجي‏ء، و موطن ظهور هذا النفاق المدينة لا مكّة، و لا ضير في التعبير عن هؤلاء بالّذين كفروا فنظير ذلك موجود في سورة التوبة و غيرها.

على أنّهم رووا أنّ السورة نزلت في قول القائل:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) الأنفال: 32 و قد تقدّم في تفسير الآية أنّ سياقها و الّتي بعدها سياق مدنيّ لا مكّي. لكنّ المرويّ عن الصادقعليه‌السلام أنّ المراد بالحقّ المعلوم في الآية حق يسمّيه صاحب المال في ماله غير الزكاة المفروضة.

و لا عبرة بما نسب إلى اتّفاق المفسّرين أنّ السورة مكّيّة على أنّ الخلاف ظاهر و كذا ما نسب إلى ابن عبّاس أنّها نزلت بعد سورة الحاقّة.

قوله تعالى: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) السؤال بمعنى الطلب و الدعاء، و لذا عدّي بالباء كما في قوله:( يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ ) الدخان: 55 و قيل: الفعل مضمّن معنى الاهتمام و الاعتناء و لذا عدّي بالباء، و قيل: الباء زائدة للتأكيد،

٧٣

و مآل الوجوه واحد و هو طلب العذاب من الله كفراً و عتوّاً.

و قيل: الباء بمعنى عن كما في قوله:( فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً ) الفرقان: 59، و فيه أنّ كونها في الآية المستشهد بها بمعنى عن ممنوع. على أنّ سياق الآيات التالية و خاصّة قوله:( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا ) لا يلائم كون السؤال بمعنى الاستفسار و الاستخبار.

فالآية تحكي سؤال العذاب و طلبه عن بعض من كفر طغياناً و كفراً، و قد وصف العذاب المسؤل من الأوصاف بما يدلّ على إجابة الدعاء بنوع من التهكّم و التحقير و هو قوله:( واقِعٍ ) و قوله:( لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) .

و المعنى سأل سائل من الكفّار عذاباً للكافرين من الله سيصيبهم و يقع عليهم لا محالة و لا دافع له أي إنّه واقع عليهم سأل أو لم يسأل ففيه جواب تحقيريّ و إجابة لمسؤله تهكّماً.

قوله تعالى: ( لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) للكافرين متعلّق بعذاب و صفة له، و كذا قوله:( لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) و قد مرّت الإشارة إلى معنى الآية.

قوله تعالى: ( مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ ) الجارّ و المجرور متعلّق بقوله:( دافِعٌ ) أي ليس له دافع من جانب الله و من المعلوم أنّه لو اندفع لم يندفع إلّا من جانب الله سبحانه، و من المحتمل أن يتعلّق بقوله:( بِعَذابٍ ) .

و المعارج جمع معرج و فسّروه بالمصاعد و هي الدرجات و هي مقامات الملكوت الّتي يعرج إليها الملائكة عند رجوعهم إلى الله سبحانه على ما يفسّره قوله بعد:( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ ) إلخ فله سبحانه معارج الملكوت و مقاماتها المترتّبة علوّاً و شرفاً الّتي تعرج فيها الملائكة و الروح بحسب قربهم من الله و ليست بمقامات وهميّة اعتباريّة.

و قيل: المراد بالمعارج الدرجات الّتي يصعد فيها الاعتقاد الحقّ و العمل الصالح قال تعالى:( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) الفاطر 10، و قال:( وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى‏ مِنْكُمْ ) الحجّ: 37.

و قيل: المراد به مقامات القرب الّتي يعرج إليها المؤمنون بالإيمان و العمل

٧٤

الصالح قال تعالى:( هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَ اللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ ) آل عمران: 163 و قال:( لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ ) الأنفال: 4 و قال:( رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ ) المؤمن: 15.

و الحقّ أنّ مآل الوجهين إلى الوجه الأوّل، و الدرجات المذكورة حقيقيّة ليست بالوهميّة الاعتباريّة.

قوله تعالى: ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) المراد بهذا اليوم يوم القيامة على ما يفيده سياق الآيات التالية.

و المراد بكون مقدار هذا اليوم خمسين ألف سنة على ما ذكروا أنّه بحيث لو وقع في الدنيا و انطبق على الزمان الجاري فيها كان مقداره من الزمان خمسين ألف سنة من سني الدنيا.

و المراد بعروج الملائكة و الروح إليه يومئذ رجوعهم إليه تعالى عند رجوع الكلّ إليه فإنّ يوم القيامة يوم بروز سقوط الوسائط و تقطّع الأسباب و ارتفاع الروابط بينها و بين مسبّباتها و الملائكة وسائط موكّلة على اُمور العالم و حوادث الكون فإذا تقطّعت الأسباب عن مسبّباتها و زيّل الله بينهم و رجع الكلّ إلى الله عزّ اسمه رجعوا إليه و عرجوا معارجهم فحفّوا من حول عرش ربّهم و صفّوا قال تعالى:( وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) الزمر 75، و قال:( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا ) النبأ: 38.

و الظاهر أنّ المراد بالروح الروح الّذي هو من أمره تعالى كما قال:( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) إسراء: 85 و هو غير الملائكة كما هو ظاهر قوله تعالى:( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) النحل: 2.

فلا يعبأ بما قيل: إنّ المراد بالروح جبرئيل و إن اُطلق عليه الروح الأمين و روح القدس في قوله:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى‏ قَلْبِكَ ) الشعراء: 194 و قوله:( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ) النحل: 103 فإنّ المقيّد غير المطلق.

قوله تعالى: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا ) لمّا كان سؤال السائل للعذاب عن تعنّت

٧٥

و استكبار و هو ممّا يشقّ تحمّله أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر و وصفه بالجميل - و الجميل من الصبر ما ليس فيه شائبة الجزع و الشكوى - و علّله بأنّ اليوم بما فيه من العذاب قريب.

قوله تعالى: ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً ) ضميراً( يَرَوْنَهُ ) و( نَراهُ ) للعذاب أو ليوم القيامة بما فيه من العذاب الواقع و يؤيّد الأوّل قوله فيما بعد:( يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ) إلخ.

و المراد بالرؤية الاعتقاد بنوع من العناية المجازيّة و رؤيتهم ذلك بعيداً ظنّهم أنّه بعيد من الإمكان فإنّ سؤال العذاب من الله سبحانه استكباراً عن دينه و ردّاً لحكمه لا يجامع الإيمان بالمعاد و إن تفوّه به السائل، و رؤيته تعالى ذلك قريباً علمه بتحقّقه و كلّ ما هو آت قريب.

و في الآيتين تعليل أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر الجميل فإنّ تحمّل الأذى و الصبر على المكاره يهون على الإنسان إذا استيقن أنّ الفرج قريب و تذكّر ذلك فالكلام في معنى قولنا فاصبر على تعنّتهم و استكبارهم في سؤالهم العذاب صبراً جميلاً لا يشوبه جزع و شكوى فإنّا نعلم أنّ العذاب قريب على خلاف ما يستبعدونه، و علمنا لا يتخلّف عن الواقع بل هو نفس الواقع.

قوله تعالى: ( يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ) المهل المذاب من المعدنيّات كالنحاس و الذهب و غيرهما، و قيل: درديّ الزيت، و قيل: عكر القطران(1) .

و الظرف متعلّق بقوله:( واقِعٍ ) على ما يفيده السياق.

قوله تعالى: ( وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ ) العهن مطلق الصوف، و لعلّ المراد المنفوش منه كما في قوله تعالى:( وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ) القارعة: 5.

و قيل: هو الصوف الأحمر، و قيل: المصبوغ ألواناً لأنّ الجبال ذات ألوان مختلفة فمنها جدد بيض و حمر و غرابيب سود(2) .

____________________

(1) أي ردية و خبيثه‏.

(2) كما في الآية من سورة فاطر.

٧٦

قوله تعالى: ( وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ) الحميم القريب الّذي تهتمّ بأمره و تشفق عليه.

إشارة إلى شدّة اليوم فالإنسان يومئذ تشغله نفسه عن غيره حتّى أنّ الحميم لا يسأل حميمه عن حاله لاشتغاله بنفسه.

قوله تعالى: ( يُبَصَّرُونَهُمْ ) الضميران للأحماء المعلوم من السياق و التبصير الإراءة و الإيضاح أي يُرى و يوضح الأحماء للأحماء فلا يسألونهم عن حالهم اشتغالاً بأنفسهم.

و الجملة مستأنفة في معنى الجواب عن سؤال مقدّر كأنّه لمّا قيل: لا يسأل حميم حميماً سئل فقيل: هل يرى الأحماء يومئذ أحماءهم؟ فاُجيب: يبصّرونهم و يمكن أن يكون( يُبَصَّرُونَهُمْ ) صفة( حَمِيماً ) .

و من ردي‏ءً التفسير قول بعضهم: إنّ معنى قوله:( يُبَصَّرُونَهُمْ ) يبصّر الملائكة الكفّار، و ما قيل: إنّ المعنى يبصّر المؤمنون أعداءهم من الكفّار و ما هم فيه من العذاب فيشمتون بهم، و ما قيل: إنّ المعنى يبصّر أتباع الضلالة رؤساءهم. و هي جميعاً وجوه لا دليل عليها.

قوله تعالى: ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ ) قال في المجمع: المودّة مشتركة بين التمنّي و بين المحبّة يقال: وددت الشي‏ء أي تمنّيته و وددته أي أحببته أودّ فيهما جميعاً. انتهى، و يمكن أن يكون استعماله بمعنى التمنّي من باب التضمين.

و قال: و الافتداء الضرر عن الشي‏ء ببدل منه انتهى، و قال: الفصيلة الجماعة المنقطعة عن جملة القبيلة برجوعها إلى اُبوّة خاصّة عن اُبوّة عامّة. انتهى، و ذكر بعضهم أنّ الفصيلة عشيرته الأقربين الّذين فصل عنهم كالآباء الأدنين.

و سياق هذه الآيات سياق الإضراب و الترقّي بالنسبة إلى قوله:( وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ) فيفيد أنّ المجرم يبلغ به شدّة العذاب إلى أن يتمنّى أن يفتدي من العذاب بأحبّ أقاربه و أكرمهم عليه بنيه و صاحبته و أخيه و فصيلته و جميع من في الأرض ثمّ ينجيه الافتداء فيودّ ذلك فضلاً عن عدم سؤاله عن حال حميمه.

٧٧

و المعنى( يَوَدُّ ) و يتمنّى( الْمُجْرِمُ ) و هو المتلبّس بالأجرام أعمّ من الكافر( لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ ) و هذا هو الّذي يتمنّاه، و الجملة قائمة مقام مفعول يودّ.( بِبَنِيهِ ) الّذين هم أحبّ الناس عنده( وَ صاحِبَتِهِ ) الّتي كانت سكنا له و كان يحبّها و ربّما قدّمها على أبويه( وَ أَخِيهِ ) الّذي كان شقيقه و ناصره( وَ فَصِيلَتِهِ ) من عشيرته الأقربين( الَّتِي تُؤْوِيهِ ) و تضمّه إليها( وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) من اُولي العقل( ثُمَّ يُنْجِيهِ ) هذا الافتداء.

قوله تعالى: ( كَلَّا إِنَّها لَظى‏ نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى وَ جَمَعَ فَأَوْعى) كلّا للردع، و ضمير( إِنَّها ) لجهنّم أو للنار و سمّيت لظى لكونها تتلظّى و تشتعل، و النزّاعة اسم مبالغة من النزع بمعنى الاقتلاع، و الشوى الأطراف كاليد و الرجل يقال: رماه فأشواه أي أصاب شواه كذا قال الراغب، و إيعاء المال إمساكه في وعاء.

فقوله:( كَلَّا ) ردع لتمنّيه النجاة من العذاب بالافتداء و قد علّل الردع بقوله:( إِنَّها لَظى) إلخ و محصّله أنّ جهنّم نار مشتعلة محرقة للأطراف شأنها أنّها تطلب المجرمين لتعذّبهم فلا تصرف عنهم بافتداء كائناً ما كان.

فقوله:( إِنَّها لَظى‏ ) أي نار صفتها الاشتعال لا تنعزل عن شأنها و لا تخمد، و قوله:( نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ ) أي صفتها إحراق الأطراف و اقتلاعها لا يبطل ما لها من الأثر فيمن تعذّبه.

و قوله:( تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى وَ جَمَعَ فَأَوْعى‏ ) أي تطلب من أدبر عن الدعوة الإلهيّة إلى الإيمان بالله و أعرض عن عبادته تعالى و جمع المال فأمسكه في وعائه و لم ينفق منه للسائل و المحروم.

و هذا المعنى هو المناسب لسياق الاستثناء الآتي و ذكر الصلاة و الإنفاق فيه.

٧٨

( بحث روائي‏)

في المجمع، حدّثنا السيّد أبوالحمد قال: حدّثنا الحاكم أبوالقاسم الحسكاني و ساق السند عن جعفر بن محمّد الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: لما نصب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا و قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، طار ذلك في البلاد فقدم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النعمان بن الحارث الفهريّ.

فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله و أنّك رسول الله و أمرتنا بالجهاد و الحجّ و الصوم و الصلاة و الزكاة فقبلناها ثمّ لم ترض حتّى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا شي‏ء منك أو أمر من عند الله؟ فقال: و الله الّذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله.

فولى النعمان بن الحارث و هو يقول: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فرماه الله بحجر على رأسه فقتله و أنزل الله تعالى:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) .

أقول: و هذا المعنى مروي بغير طريق من طرق الشيعة، و قد ردّ الحديث بعضهم بأنّه موضوع لكون سورة المعارج مكّيّة، و قد عرفت الكلام في مكّيّة السورة.

و في الدرّ المنثور، أخرج الفاريابيّ و عبد بن حميد و النسائيّ و ابن أبي حاتم و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله:( سَأَلَ سائِلٌ ) قال هو النضر بن الحارث قال: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن السدّيّ: في قوله:( سَأَلَ سائِلٌ ) قال. نزلت بمكّة في النضر بن الحارث و قد قال:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية و كان عذابه يوم بدر.

أقول: و هذا المعنى مرويّ أيضاً عن غير السدّيّ، و في بعض رواياتهم أنّ

٧٩

القائل:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية هو الحارث بن علقمة رجل من عبد الدار، و في بعضها أنّ سائل العذاب هو أبوجهل بن هشام سأله يوم بدر و لازمه مدنيّة السورة و المعتمد على أيّ حال نزول السورة بعد قول القائل:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية و قد تقدّم كلام في سياق الآية.

و في أمالي الشيخ، بإسناده إلى أبي عبداللهعليه‌السلام في حديث: ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فإنّ في القيامة خمسين موقفاً كلّ موقف مثل ألف سنة ممّا تعدّون ثمّ تلا هذه الآية( فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) .

أقول: و روي هذا المعنى في روضة الكافي، عن حفص بن غياث عنهعليه‌السلام .

و في المجمع، روى أبوسعيد الخدريّ قال: قيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أطول هذا اليوم فقال: و الّذي نفس محمّد بيده إنّه ليخفّ على المؤمن حتّى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن عدّة من الجوامع عن أبي سعيد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ) قال: الرصاص الذائب و النحاس كذلك تذوب السماء.

و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله تعالى:( يُبَصَّرُونَهُمْ ) يقول: يعرّفونهم ثمّ لا يتساءلون.

و فيه في قوله تعالى:( نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ ) قال: تنزع عينه و تسودّ وجهه.

و فيه في قوله تعالى:( تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى ) قال: تجرّه إليها.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

فما طلب الرحمن أجرا علي الهدى

بتبليغه إلا المودة في القربى(١١١)

وقال العلامة النبهاني في كتابه الشرف المؤبد.

آل طه يا آل خير نبي

جدكم خيرة وأنتم خيار

أذهب الله عنكم الرجس أهل ال

بيت قدما فأنتم الأطهار

لم يسل جدكم علي الدين أجرا

غير ود القربى ونعم الاجار(١١٢)

وأيضا فان الزهراء لبرة الأبرار الذين قال الله عزوجل عنهم( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا ) الآيات(١) لي آخرها(١١٣) .

____________________

(١١١) الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٠١ ط الميمنية، إسعاف الراغبين للصبان بهامش نور الأبصار ص ١١٧.

(١١٢) الشرف المؤبد للنبهاني

(١) أجمع أصحابنا الإمامية تبعا لائمتهم علي ان هذه الآيات انما نزلت في شأن علي وفاطمة والحسن والحسين بسبب صدقة منهم آثروا بها المسكين واليتيم والأسير علي أنفسهم في ثلاث ليال متوالية لم يذوقوا فيها الا الماء وصاموا أيامها الثلاثة وفاءا بنذرهم. والقضية هذه أرسلها الزمخشري في سورة الدهر من كشافه عن ابن عباس وأخرجها بالإسناد إليه كل من الإمام الواحدي في كتابه البسيط، والإمام أبى إسحاق الثعلبي في تفسيره الكبير، والإمام أبى المؤيد موفق بن أحمد في كتابه الفضائل، وأرسلها إرسال المسلمات في كتب المناقب جماعة من الثقات، وفى الفصل الرابع من كلمتنا الغراء في تفضيل الزهراء تعليقات وتنبيهات ألفت إليها أولي البحث والتحقيق فلتراجع (منه قدس).

(١١٣) الآيات في سورة الدهر آية: ٥ - ٢٢. هذه الآيات نزلت في: علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام بمناسبة قصة النذر راجع ذلك في =>

١٠١

وبالجملة فان للزهراءعليها‌السلام من منازل القدس عند الله عزوجل ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين ما يوجب الثقة التامة في صحة ما تدعي، والطمأنينة الكاملة بكل ما تقول، لا نحتاج في إثبات دعواها لي شاهد، فان لسانها ليتجافى عن الباطل، وحاشا الله أن ينطق بغير الحق، فدعواها بمجردها تكشف عن

____________________

=> شواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ / ٢٩٨ ح ١٠٤٢ و ١٠٤٦ و ١٠٤٧ و ١٠٤٨ و ١٠٥١ و ١٠٥٣ و ١٠٥٤ و ١٠٥٥ و ١٠٥٦ و ١٠٥٧ و ١٠٥٨ و ١٠٥٩ و ١٠٦١، المناقب للخوارزمي ص ١٨٨ - ١٩٤، كفاية الطالب ص ٣٤٥ - ٣٤٨ ط الحيدرية وص ٢٠١ ط الغرى، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزى ص ٣١٢ - ٣١٧، نور الأبصار للشبلنجى ص ١٠٢ - ١٠٤ ط السعيدية وص ١٠١ - ١٠٢ ط العثمانية، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) ج ١٩ / ١٣٠ ط ٣، الكشاف للزمخشري ج ٤ / ١٩٧ ط مصطفى محمد وج ٤ / ٦٧٠ ط بيروت وج ٢ / ٥١١ ط آخر، روح المعاني للآلوسي ج ٢٩ / ١٥٧، تفسير الفخر الرازي ج ١٣ / ٢٤٣ ط البهية وج ٨ / ٣٩٢ ط الدار العامرة بمصر، تفسير أبى السعود بهامش تفسير الرازي ج ٨ / ٣٩٣ ط الدار العامرة، التسهيل لعلوم التنزيل للكلبى ج ٤ / ١٦٧، فتح القدير للشوكاني ج ٥ / ٣٤٩ ط ٢ مصطفى محمد وج ٥ / ٣٣٨ ط ١ الحلبي، الدر المنثور ج ٦ / ٢٩٩ تفسير الخازن ج ٧ / ١٥٩، معالم التنزيل للبغوي بهامش تفسير الخازن ج ٧ / ١٥٩، تفسير البيضاوي ج ٥ / ١٦٥ ط بيروت وج ٤ / ٢٣٥ ط مصطفى محمد وج ٢ / ٥٧١ ط آخر، تفسير النسفي ج ٤ / ٣١٨، أسد الغابة ج ٥ / ٥٣٠، أسباب النزول للواحدي ص ٢٥١، ذخائر العقبى ص ٨٨ و ١٠٢، مطالب السئول لابن طلحة ج ١ / ٨٨، العقد الفريد ج ٥ / ٩٦ ط ٢ لجنة التأليف والنشر وج ٣ / ٤٥ ط آخر، الإصابة لابن حجر ج ٤ / ٣٨٧ ط السعادة وج ٤ / ٣٧٦ ط مصطفى محمد، اللآلي المصنوعة للسيوطي ج ١ / ٣٧٠، الغدير للأميني ج ٣ / ١٠٧ - ١١١، إحقاق الحق للتستري ج ٣ / ١٥٨ - ١٦٩ وج ٩ / ١١٠ - ١٢٣، ينابيع المودة للقندوزى ص ٩٣ و ٢١٢ ط اسلامبول وص ١٠٧ - ١٠٨ و ٢٥١ ط الحيدرية، نوادر الأصول للحكيم الترمذي ص ٦٤، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٢١ وج ١٣ / ٢٧٦، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٧٤ و ٣٠٢ ط ٢، فضائل الخمسة ج ١ / ٢٥٤ (*).

١٠٢

صحة المدعى به كشفا تاما ليس فوقه كشف، وهذا مما لا يرتاب فيه أحد ممن عرفهاعليها‌السلام وأبو بكر من أعرف الناس بها وبصدق دعواها ولكن الأمر كما حكاه علي بن الفارقي وكان من أعلام بغداد. مدرسا في مدرستها الغربية، وهو أحد شيوخ ابن أبي الحديد المعتزلي، إذ سأله. فقال له: أكانت فاطمة صادقة - في دعواها النحلة - ؟. قال: نعم. قال له - ابن أبي الحديد -: فلم لم يدفع لها أبو بكر فدكا وهي عنده صادقة ؟ فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته. قال: لو أعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها لجأت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه حينئذ الاعتذار بشئ، لأنه يكون قد سجل علي نفسه بأنها صادقة فيما تدعى كائنا ما كان من غير حاجة لي بينة ولا شهود "(١١٤) .

قلت: وبهذا استباح أبو بكر رد شهادة علي بن أبي طالب لفاطمة بالنحلة وإلا فان يهود خيبر على لؤمهم وأن عليا دمرهم لينزهونه عن شهادة الزور وبهذا أيضا لا بسواه استنوق الجمل فاعتبر ذات اليد المتصرفة مدعيه فطالبها بالبينة انما هي عليه، الأمر الذي علمنا أنه دبر بليل.

وما ينس فلا ينس قوله في مجابهة فاطمة لست أعلم صحة قولك مع أن قولها بمجرده من أوضح موازين الحكم لها بما ادعت. ولو تنازلنا عن هذا كله وسلمنا أنها كسائر المؤمنات الصالحات تحتاج في إثبات دعواها لي بينة، فقد شهد لها علي وحسبها اخو النبي ومن كان منه

____________________

(١١٤) شرح النهج لابن أبى الحديد ج ١٦ / ٢٨٤ (*).

١٠٣

بمنزلة هارون من موسى(١١٥) شاهد حق تشرق بشهادته أنوار اليقين وليس بعد اليقين غاية يطلبها الحاكم في المرافعات ولهذا جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شهادة خزيمة بن ثابت كشهادة عدلين(١١٦) ، ولعمر الله أن عليا أولي بهذا من خزيمة وغيره وأحق بكل فضيلة من سائر ابدال المسلمين.

ولو تنازلنا فسلمنا أن شهادة علي كشهادة رجل واحد من عدول المؤمنين فهلا استحلف أبو بكر فاطمة الزهراء بدلا عن الشاهد الثاني، فان حلفت وإلا رد دعواها، ما رأيناه فعل ذلك ! وانما رد الدعوى ملغيا شهادة علي وأم أيمن(١١٧) وهكذا كما ترى مما لم يكن بالحسبان ! بينا كان علي عدل

____________________

(١١٥) كما سوف يأتي مع مصادره. (١١٦) شهادة خزيمة بشهادتين: راجع شرح النهج لابن أبى الحديد ج ١٦ / ٢٧٣، فدك للقزويني ص ٥٢، الإصابة ج ١ / ٤٢٥، الاستيعاب بذيل الإصابة ج ١ / ٤١٦، أسد الغابة ج ٢ / ١١٤، كنز العمال ج ١٣ / ٣٧٩ - ٣٨٠، مسند أحمد بن حنبل ج ٥ / ١٨٩ ط ١.

(١١٧) هي مولاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحاضنته اسمها بركة بنت ثعلبة وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أم أيمن أمي بعد أمي. وكان إذا نظر إليها يقول: هذا بقية أهل بيتى. وقد أخبر عنها (كما في ترجمتها من الإصابة) إنها من أهل الجنة. وترجم لها ابن حجر في إصابته، وابن عبد البر في استيعابه وكل من ترجم للصحابة من أهل المعاجم فأثنوا عليها بامتيازها في الدين والعقل وحسن السيرة، وابنها أيمن استشهد بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة خيبر فاحتسبته عند الله صابرة تبتغى الأجر والمثوبة (منه قدس).

شهادة علي وفاطمة وأم أيمن لفاطمة الزهراء: شرح النهج لابن أبى الحديد ج ١٦ / ٢١٤ و ٢١٦ و ٢٢٥، فدك للقزويني ص ٤٥ السيرة الحلبية ج ٣ / ٣٩٠، معجم البلدان للحموي ج ٤ / ٢٣٩، وفاء الوفاء ج ٣ ٩٩٩ /و ١٠٠٠، فتوح البلدان للبلاذري ص ٤٤. كفاية شاهد ويمين: صحيح مسلم ك الاقضية ب - ٢ - ج ٣ / ١٣٣٧، كنز العمال ج ٣ / ٢٣ ح ١٧٧٨٦ (*).

١٠٤

القرآن في الميزان(١١٨) وكان مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان(١١٩) وهو في آية التباهل نفس المصطفى ليس غيره إياها(١٢٠) إذا هو في هذه المحاكمة ممن لا أثر لشهادتهم.

يالها مصيبة في الإسلام تلقيناها بقولنا إنا لله وإنا إليه راجعون.

____________________

(١١٨) اشارة لي الحديث المستفيض وقد أخرجه أصحاب الصحاح وغيرهم - حديث الثقلين - أعنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي. ولا كلام في ان أمام العترة وسيدها انما هو عليعليه‌السلام (منه قدس). تقدمت مصادر حديث الثقلين تحت رقم - ١٥ - فراجع.

(١١٩) اشارة لي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حديث أم سلمة إذ قالت: سمعت رسول الله يقول: " علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض. أخرجه الحاكم في باب علي مع القرآن والقرآن مع علي ص ١٢٤ من الجزء الثالث من مستدركه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأورده الذهبي في تلخيصه مصرحا بصحته.

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرض موته والحجرة غاصة بأصحابه: أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بى وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم الا أنى مخلف فيكم كتاب ربى عزوجل وعترتي أهل بيتي. ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان. " (الحديث) تجده في الفصل ٢ من الباب ٩ من الصواعق المحرقة ص ٧٥ فراجع (منه قدس).

حديث الثقلين وكون علي مع القرآن والقرآن معه: راجع: المعجم الصغير للطبراني ج ١ / ٥٥، المناقب للخوارزمي ص ١١٠، كفاية الطالب ص ٣٩٩ ط الحيدرية وص ٢٥٤ ط الغرى، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٣٤، الصواعق المحرقة ص ١٢٢ و ١٢٤ ط المحمدية وص ٧٤ و ٧٥ ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧٣، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٥٧ ط السعيدية وص ١٤٣ ط العثمانية، نور الأبصار للشبلنجى ص ٧٣ ط السعدية، الغدير للأميني ج ٣ / ١٨٠، ينابيع المودة للقندوزي ص ٤٠ و ٩٠ و ١٨٥ و ٢٣٧ و ٢٨٣ و ٢٨٥ ط اسلامبول وص ٤٤ و ١٠٣ و ٢١٩ و ٢٨١ و ٣٣٩ و ٣٤٢ ط الحيدرية. راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقم (١١)

(١٢٠) البيت للشيخ كاظم الازري. ديوانه الازرية، لأجل المزيد من الاطلاع حول فدك يراجع: مقدمة مرآة العقول ج ١ / ١٥١ - ١٧٦.

١٠٥

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٨٧: -

[ المورد - (٩) - إيذاء الزهراء: ]

وذلك أنه بمجرده مخالف للنصوص الصريحة، بقطع النظر عما كان من أسبابه ومقتضياته(١) ، وحسبك منها ما أخرجه ابن أبي عاصم - كما في ترجمة الزهراء من الإصابة - بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لفاطمةعليها‌السلام : " ان الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك "(١٢١) .

قلت: وأخرجه الطبراني وغيره بإسناد حسن، - كما في أحوال الزهراء من الشرف المؤبد للعالم النبهاني البيروتي -

____________________

(١) فان المباح في أصل الشرع قد يكون مع استلزامه للحرام حراما وفروض ذلك في الإسلام كثيرة، وأقربها لما نحن فيه انه يباح لك أن تصاحب من شئت من اخوانك المؤمنين وتتزوج من أردت من غير محارمك فإذا استلزم فعلك هذا عقوق والديك حرم ذلك عليك هذا هو الحكم التكليفي في هذه المسألة ونحوها فتأمل لتفهم (منه قدس).

(١٢١) راجع: الإصابة ج ٤ / ٣٦٦، كنز العمال ج ١٢ / ١١١ وج ١٣ / ٦٤٦، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٥٤، جواهر البحار للنبهاني ج ١ / ٣٦٠، فرائد السمطين ج ٢ / ٤٦ ح ٣٧٨، مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلى ص ٣٥١ ح ٤٠١، أسد الغابة ج ٥ / ٣٢٢، تهذيب التهذيب ج ١٢ / ٤٤١، ذخائر العقبى ص ٣٩، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٥٢، مجمع الزوائد ج ٩ / ٢٠٣، فضائل الخمسة ج ٣ / ١٥٥، الغدير ج ٣ / ١٨٠ (*).

١٠٦

وأخرج الشيخان البخاري ومسلم - كما في ترجمة الزهراء من الإصابة وغيرها - عن المسور قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول على المنبر: " فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها "(١٢٢) .

ونقل الشيخ يوسف النبهاني في أحوال الزهراء - من كتابه الشرف المؤبد - عن البخاري بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: " فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها - قال النبهاني -: وفي رواية فمن أغضبها أغضبني "(١٢٣) (قال) وفي الجامع الصغير: " فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها "(١٢٤) .

قلت: وقد قالت - بأبي وأمي - لأبي بكر وعمر(١) . نشدتكما الله تعالى ألم تسمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: " رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من

____________________

(١٢٢) راجع: صحيح البخاري ك النكاح ب ذب الرجل عن ابنته ج ٧ / ٤٧ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك فضائل الصحابة ب ١٥ فضائل فاطمة ج ٤ / ١٩٠٢ ط ٢ بتحقيق محمد فؤاد، صحيح الترمذي ك المناقب ب - ٦١ - فضل فاطمة ج ٥ / ٦٩٨ ح ٣٨٦٧، الإصابة ج ٤ / ٣٦٦، حلية الأولياء ج ٢ / ٤٠، سنن ابن ماجة ك النكاح ب ٥٦ الغيرة ج ١ / ٦٤٤ ح ١٩٩٨، كنز العمال ج ١٢ / ١٠٧ و ١١٢.

(١٢٣) غضب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لغضب فاطمة: راجع: صحيح البخاري ك فضائل الصحابة ب مناقب قرابة رسول الله ج ٥ / ٢٦ وب مناقب فاطمة ج ٥ / ٣٦ ط مطابع الشعب، الجامع الصغير للمناوي ج ٢ / ١٢٢، الشرف المؤبد للنبهاني.

(١٢٤) الجامع الصغير للمناوي ج ٢ / ١٢٢، كنز العمال ج ١٢ / ١٠٨ و ١١١، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٥٨. (١) كما صرح به ابن قتيبة في أوائل كتابه الإمامة والسياسة وغير واحد من إثبات أهل السير والأخبار (منه قدس) (*).

١٠٧

سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن اسخط فاطمة فقد أسخطني. قالا: نعم سمعناه من رسول الله "(١٢٥) .

قلت: ان من أمعن في هذه الأحاديث فتدبرها ممن يقدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حق قدره رآها ترمى إلى عصمتها لدلالتها بالالتزام على امتناع وقوع كل من أذيتها وريبتها وسخطها ورضاها وانقباضها وانبساطها في غير محله، كما هو الشأن في أذية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وريبته ورضاه وسخطه وانقباضه وانبساطه وهذا هو كنه العصمة وحقيقتها كما لا يخفى.

وأخرج جماعة من أئمتهم كالإمام احمد من حديث أبي هريرة قال(١) : نظر النبي إلى علي والحسن والحسين وفاطمة، فقال " أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم "(١٢٦) .

____________________

(١٢٥) قول فاطمة لأبي بكر وعمر: " نشدتكما الله ألم تسمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: رضى فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني. قالوا: نعم سمعناه من رسول الله. قالت فأني أشهد الله وملائكته انكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لاشكونكما إليه.. الخ. راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص ١٤، فدك في التاريخ ص ٩٢.

(١) كما في ص ٤٤٢ من الجزء الثاني من مسنده (منه قدس).

(١٢٦) راجع: مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلي ص ٦٤، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٤٩، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، صحيح الترمذي ج ٥ / ٣٦٠ ط بيروت، سنن ابن ماجة ج ١ / ٥٢ ح ١٤٥، أسد الغابة ج ٣ / ١١ وج ٥ / ٥٢٣، ذخائر العقبى ص ٢٥، الصواعق المحرقة ص ١١٢ ط الميمنية وص ١٨٥ ط المحمدية، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٦ و ١٦٩، كفاية الطالب للكنجي ص ٣٣٠ و ٣٣١ ط الحيدرية وص =>

١٠٨

قلت وأخرجه الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير بالإسناد إلى أبي هريرة أيضا.

وأخرج الترمذي من حديث زيد بن أرقم - كما في ترجمة الزهراء من الإصابة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر عليا وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فقال: " أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم "(١٢٧) .

وعن أبي بكر قال: رأيت رسول الله خيم خيمة(١) وهو متكئ على

____________________

=> ١٨٨ و ١٨٩ ط الغرى، ينابيع المودة للقندوزي ص ٣٥ و ١٦٥ و ١٧٢ و ١٩٤ و ٢٣٠ و ٢٦١ و ٢٩٤ و ٣٠٩ و ٣٧٠ ط اسلامبول، شواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ / ٢٧، المناقب للخوارزمي ص ٩١، مقتل الحسين للخوارزمي أيضا ج ١ / ٦١ و ٩٩، المعجم الصغير للطبراني ج ٢ / ٣، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ / ٢٧١، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٩٢، إحقاق الحق ج ٩ / ١٦١ - ١٧٤، كنز العمال ج ١٣ / ٦٤٠ الفضائل لأحمد بن حنبل بترجمة الإمام الحسين ضمن مجموعة " الحسين والسنة " ص ١٠ ح ٣. وسوف يأتي مع مصادر أخرى تحت رقم (٦٨٦).

(١٢٧) وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والضياء في مختارته والطبراني وابن شيبة عن زيد بن أرقم أيضا، ورواه أبو يعلى في السنة، والضياء في المختارة عن سعد ابن أبى وقاص ونقله جماعة من أعلام الفضل كالإمام علوي في ص ٧ من الجزء ٢ من قوله الفصل (منه قدس). وراجع: الصواعق المحرقة ص ١٤٢ و ١٨٥ ط المحمدية وص ٨٥ و ١١٢ ط الميمنية، الإصابة لابن حجر ج ٤ / ٣٧٨ ط السعادة، ينابيع المودة ص ٢٢٩ و ٢٩٤ و ٣٠٩ ط اسلامبول، نظم درر السمطين ص ٢٣٢ و ٢٣٩، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ / ٢٨٠، مشكاة المصابيح للعمري ج ٣ / ٢٥٨، ذخائر العقبى ص ٢٣، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٤٩ ط ٢.

(١) لعل هذه الخيمة هي الكساء الذي جللهم به حين أوحى إليه فيهم:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) وقد فصلنا ذلك في الفصل الثاني من المطلب الأول من كلمتنا الغراء في تفضيل الزهراء فليراجعها من أراد الشفاء من كل داء (منه قدس) (*).

١٠٩

قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " معشر الناس أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد "(١٢٨) .

رواه الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد المصري المعاصر بعين لفظه فليراجع في كتابه عبقرية محمد تحت عنوان النبي والإمام والصحابة.

وأخرج الإمام أحمد(١) عن عبد الرحمن الأزرق عن عليعليه‌السلام قال: دخل علي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا نائم على المنامة فاستسقى الحسن أو الحسين، قال: فقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى شاة لنا بكئ(٢) فحلبها فدرت، فجاءه الحسن فنحاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت فاطمة: يا رسول الله كأنه أحبهما إليك. قال: لا ولكنه استسقى قبله، ثم قال: اني وإياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة آه(١٢٩) .

____________________

(١٢٨) راجع: فرائد السمطين ج ٢ / ٤٠ ح ٣٧٣، المناقب للخوارزمي ص ٢١١ سمط النجوم ج ٢ / ٤٨٨، الرياض النضرة ج ٢ / ١٨٩ ط ١، الغدير للعلامة الأميني ج ٤ / ٣٢٣.

(١) في ص ١٠١ من الجزء الأول من مسنده (منه قدس).

(٢) أي قل لبنها وقيل انقطع وهذا الحديث أشار إليه صاحب لسان العرب في مادة بكا (منه قدس).

(١٢٩) كنز العمال ج ١٣ / ٦٤٢، ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق لابن عساكر ص ١١٧ ح ١٩١ و ١٩٢ وقريب منه ح ١٨٢، فرائد السمطين ج ٢ / ٢٨، مسند أحمد ج ١ / ١٠١ ط ١ وج ٢ / ١٢٨ ح ٧٩٢، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٧٧، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٩، أسد الغابة ج ٥ / ٢٦٩، مسند أبى داود الطيالسي ص ٢٩ رقم ١٩٠، ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق لابن عساكر ص ١١١ ط ١، الإصابة ج ٤ / ١٥٧ في =>

١١٠

قلت: كان من حقهم على الأمة ولاسيما على أهل الحول والطول منها أن لا يفاجأوا (أبان رزيتهم الكارثة) بما فوجئوا به من الاستئثار بمكانتهم في الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والاستغناء عنهم حتى في المشورة مع شدة الوطأة عليهم في أمر البيعة والتنمر لهم في فيئهم وخمسهم وارثهم ونحلتهم وسوقهم مع سائر الرعايا بعصا واحدة والجرح لما يندمل والنبي لما يقبر. وكان المستولون على الأمة يومئذ ومقوية سلطانهم ابرموا أمرهم على وجه لم يبقوا لأحد من الأمة أن يخالف الا أن تشق عصا المسلمين وبهذا آمنوا من مقاومة علي وأوليائه وتفصيل ذلك كله في كتاب المراجعات فلا يفوتن أهل البحث والتدقيق(١٣٠) .

وكان من مبادئ القائمين بالأمر إذ ذاك شدة الوطأة في تنفيذ الأحكام من غير فرق بين القريب والبعيد والشريف والدنئ وإيثار بيت المال بالوفر والثراء والمساواة بين أهل السوابق وغيرهم في الأحكام. وقد أعانهم على تنفيذ مبادئهم هذه بعدهم عن الطمع والاستكثار من حطام الدنيا وتقشفهم في الحياة واستغناؤهم بالغة لهم ولمن إليهم وبهذا أرضوا العامة فاستتب لهم الأمر.

وحين جد الجد في محاكمة الزهراء كانت بضعة النبي لديهم كسائر النساء لا ينزهن عن الافتراء(١) .

____________________

=> ترجمة أبى فاختة، وقد ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه ص ١٥٠، والشيخ الطوسي في أماليه ج ٢ / ٢٠٦.

(١٣٠) المراجعات ص ٣٣٧ المراجعة ٨٠ و ٨٢ وراجع سبيل النجاة في تتمة المراجعات ط بيروت.

(١) بل لم تعامل معاملتهن لان المرأة المسلمة التي لا تتنزه عن الافتراء إذا أقامت على دعواها شاهدا واحدا من عدول المسلمين يكتفي منها باليمين عوضا عن الشاهد الثاني ولا ترد دعواها إلا بعد نكولها عن اليمين أما الزهراء فقد شهد لها على، وكان عليهم أن يستحلفونها فان نكلت ردوا حينئذ دعواها لكنهم أسرعوا في رد الدعوى ولم يطلبوا منها اليمين. على إنهاعليها‌السلام كانت ذات اليد على فدك وذات التصرف فالبينة انما هي على المعارض لها المدعى عليها، عملا بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر " الحديث. وهذا من النصوص التي عارضوها بالاجتهاد كما لا يخفى (منه قدس).

١١١

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٩٣: -

[ المورد - (١٠) -: يوم أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الشيخين أبا بكر وعمر كليهما بقتل ذي الثدية لأول مرة صدر منه الأمر بذلك فلم يقتلاه. ]

وذو الثدية هذا هو الخويصرة التميمي(١) حرقوص بن زهير ذو الثدية رأس المارقة، أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استئصال شأفة عيثه وفساده في الأرض فأمر بقتله، لكن رياء هذا المارق بتخشعه في صلاته غر الشيخين فكرها قتله وآثرا استحياءه !.

وحسبك في ذلك ما أخرجه جماعة من أهل السنن والمسانيد من الأئمة وحفظة الآثار، واللفظ لأبي يعلى في مسنده - كما في ترجمة ذي الثدية من إصابة ابن حجر - عن أنس، قال: كان في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل يعجبنا تعبده واجتهاده، وقد ذكرناه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باسمه فلم يعرفه، فوصفناه بصفته فلم يعرفه، فبينا نحن نذكره إذ طلع الرجل علينا فقلنا: هو هذا. قال :

____________________

(١) ذكره ابن الأثير في أسد الغابة مستدركا على من لم يذكره في الصحابة، وأورد في ترجمته ما أخرجه البخاري من حديث أبى سعيد قال: بينا رسول الله يقسم ذات يوم قسما، فقال ذو الخويصرة رجل من بني تميم: يا رسول الله أعدل، فقال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل وأخرجه مسلم أيضا (منه قدس) (*).

١١٢

انكم لتخبروني عن رجل ان في وجهه لسفعة من الشيطان. فأقبل حتى وقف عليهم ولم يسلم، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنشدك الله، هل قلت حين وقفت على المجلس: ما في القوم أحد أفضل مني أو خير مني ؟ قال: اللهم نعم. ثم دخل يصلي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من يقتل الرجل ؟ قال أبو بكر: أنا. فدخل عليه فوجده يصلي، فقال: سبحان الله: أقتل رجلا يصلي ؟ وقد نهى رسول الله عن قتل المصلين ؟ فخرج فقال رسول الله: ما فعلت ؟ قال كرهت أن أقتله وهو يصلي وقد نهيت عن قتل المصلين. قال رسول الله: من يقتل الرجل ؟ قال عمر: أنا فدخل فوجده واضعا جبهته، قال عمر: أبو بكر أفضل مني. فخرج فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مهيم ؟ قال: وجدته واضعا جبهته لله فكرهت أن أقتله. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من يقتل الرجل ؟ فقال علي: أنا. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت ان أدركته. فدخل عليه فوجده قد خرج، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو قتل ما اختلف من أمتي رجلان. (الحديث).(١٣١) .

وأخرجه الحافظ محمد بن موسى الشيرازي في كتابه الذي استخرجه من تفاسير يعقوب ابن سليمان، ويوسف القطان، والقاسم بن سلام، ومقاتل بن حياد، وعلي بن حرب، والسدي، ومجاهد، وقتادة، ووكيع، وابن جريح وغيرهم. وأرسله إرسال المسلمات جماعة من الاثبات كابن عبد ربه الأندلسي عند

____________________

(١٣١) أمر الرسول بقتل ذي الثدية: راجع: الإصابة لابن حجر ج ١ / ٤٨٤ ط السعادة، حلية الأولياء ج ٢ / ٣١٧ وج ٣ / ٢٢٧، تاريخ ابن كثير ج ٧ / ٢٩٨، الغدير ج ٧ / ٢١٦، الطرائف لابن طاووس ج ٢ / ٤٢٩ عن محمد بن مؤمن الشيرازي. ويوجد الحديث عن أبى سعيد الخدري كما في مسند أحمد ج ٣ / ١٥ ط ١ (*).

١١٣

انتهائه إلى القول في أصحاب الأهواء من أواخر الجزء الأول من عقده الفريد، وقد جاء في آخر ما أورده.

من هذا الحديث، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: هذا أول قرن يطلع في أمتي لو قتلتموه ما اختلف بعده اثنان، ان بني إسرائيل افترقت اثنتين وسبعين فرقة، وان هذه الأمة ستفترق ثلاثا وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة. (الحديث)(١٣٢) .

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٩٥: -

[ المورد - (١١) -: يوم أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلا من الشيخين في المرة الثانية بقتل هذا المارق فكان حالهما في هذه المرة كما كانت في المرة الأولى. ]

وذلك أن فيما حدثني من أثق به في فضله وورعه وتتبعه أن أبا بكر مر بهذا المارق - بعد أن أمر بقتله فكره قتله - فوجده يصلي في بعض الأودية حيث لا يطلع عليه سوى الله تعالى، فراقه خشوعه وتضرعه، فحمد الله تعالى على عدم قتله، وأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شافعا به وذكر له ما رآه من صلاته ضارعا مبتهلا حيث لا يطلع عليه إلا الله عزوجل، فلم يسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شفاعته، بل أمره على الفور بقتله، فلما لم يقتله أمر عمر ثم عليا بذلك وشدد عليهم القول بوجوب قتله وقتل أصحابه، هذا ما حدثني به من أعرفه بالتقصي في البحث والتنقيب(١) يرسله لي إرسال المسلمات، وقد فاتني سؤاله عن

____________________

(١٣٢) العقد الفريد ج ٢ / ٤٠٣ - ٤٠٤ ط ٢ وج ١ / ١٦٧ ط آخر. والفرقة الناجية هم على وشيعته: راجع: إحقاق الحق للتستري ج ٧ / ١٨٤ نقله عن: الإلزام للصيمري مخطوط، السيف اليماني المسلول ص ١٦٩ وغيرها.

(١) هو شيخ المحدثين في عصره وصدوق حملة الآثار شيخنا ومولانا الاورع الميرزا حسين النوري صاحب المستدركات على الوسائل (منه قدس) (*).

١١٤

مصدر حديثه هذا. لكني - ولله الحمد - لم يفتني البحث عنه بنفسي حتى وجدته - والحمد لله - في مسند أحمد ابن حنبل من حديث أبي سعيد الخدري ص ١٥ من جزئه الثالث. قال: ان أبا بكر جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله إني مررت بوادي كذا وكذا فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اذهب فاقتله.

قال: فذهب إليه أبو بكر فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله، فرجع إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر: اذهب فاقتله. فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر عليها، قال: فكره أن يقتله.

قال: فرجع فقال: يا رسول الله إني رأيته يصلي متخشعا، فكرهت أن أقتله.

قال: يا علي اذهب فاقتله.

قال: فذهب علي فلم يره فرجع علي فقال: يا رسول الله انه لم يره.

قال: فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان هذا وأصحابه يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه فاقتلوهم هم شر البرية.

[ تنبيه ]

ان من أمعن في حديثي هذا المارق حديث أبى يعلى عن أنس الذي أوردناه في المورد (١٠) وحديث الإمام أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الذي أوردناه ألان في هذا المورد، علم ان لهذا المارق من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومين أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله في كل منهما بقتله فلم يقتل، وذلك ان الحديث الأول - حديث أنس - صريح بأن النبي لم يكن مسبوقا بمعرفة هذا المارق وقد ذكروه ووصفوه له فلم يعرفه، ولذا لم يأمر به بشئ حتى رآه وعرفه بسفعة من

١١٥

الشيطان بين عينيه وبما هو عليه من العجب بنفسه. وحينئذ أمر بقتله، وكانت صلاة هذا المارق التي اعجبت الشيخين يومئذ في المسجد بعد صدور الأمر لهما بقتله.

أما حديث الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد فصريح بأن أبا بكر رأى هذا المارق يصلي في بعض الأودية لا في المسجد فأعجبه خشوعه لله تعالى حيث لا يراه سواه عزوجل فأخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك، فأمره فورا بقتله بدون أن يراه وهذا ليس إلا لأنه كان محكوما عليه من قبل ذلك بالقتل كما لا يخفى، فالحديثان في واقعتين متعددتين - بلا ريب - قوبل النص فيهما بالاجتهاد.

[ فصل(١) ]

الخوارج: هم الذين خرجوا عن الدين، بخروجهم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد أنكروا عليه التحكيم الذي اضطروه إليه، وكانوا ثمانية آلاف أو أكثر، فاستدعاهم إليه ليذكرهم الله تعالى والدار الآخرة، وليبين لهم خطأهم فيما رأوه، ويزيل شبهتهم التي تشبثوا بها( وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) فأبوا ان يأتوه، وكلفوه بأن يقر بالكفر على نفسه ثم يتوب إلى الله منه.

ولما لم يأتوه أرسل إليهم عبد الله بن العباس فلم يأل جهدا، ولم يدخر وسعا في الاحتجاج عليهم وتسفيه رأيهم بكل حجة بالغة، وبيان ناصع، والقوم مصرون على بغيهم وضلالهم كأن في آذانهم وقرا وعلى قلوبهم أكنة(١٣٣) .

____________________

(١) ترك " السيد "رحمه‌الله هذا الفصل كما جاء في الطبعة الأولى (النهج).

(١٣٣) سورة العنكبوت: ٤١ محاورة عبد الله بن عباس للخوارج توجد في: الرياض النضرة ج ٢ / ٢٤٠ ط ١، الخصائص للنسائي ص ٤٨ ط مصر. (*)

١١٦

وقد اجمعوا على تكفير كل من لا يرى رأيهم من المسلمين، وأباحوا دمه وماله وأهله، وثاروا على المسلمين يقتلون من مر بهم كائنا من كان، فكان ممن قتلوه عبد الله بن الخباب بن الأرت التميمي، وبقروا بطن زوجته وهي حامل متم(١٣٤) .

واستفحل شرهم، فأتاهم أمير المؤمنين ناصحا لله تعالى ولكتابه ولرسوله وللمسلمين عامة ولهم خاصة، فاعذر إلى الله تعالى فيما أوضحه لهم من الخطأ في خروجهم عليه وفيما احتج به عليهم مما يوجب رجوعهم إليه، وفيما انذرهم به إذا أصروا على البغي من سوء العاقبة في الدنيا بقتلهم، وفي الآخرة بمصيرهم إلى النار وبئس القرار.

ولكنهم أصروا على بغيهم لا يفيئون إلى شئ من أمر الله عزوجل على شاكلة من قوم نوح( جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ) وبذلك قتلهم أمير المؤمنين(١) ولم ينج منهم عشرة، ولم يقتل ممن كان معهعليه‌السلام عشرة وكان قد أخبرهم بذلك أثناء احتجاجه عليهم فلم يرعووا.

ثم انضم إلى هذا النفر اليسير - الذي لم يقتل من الخوارج - جماعة آخرون من أهل الضلال يرون رأيهم في التحكيم، والخروج على الولاة، فلما ولي عبد الله بن الزبير ظهر منهم جماعة في العراق مع نافع بن الأزرق ،

____________________

(١٣٤) مقتل ابن الخباب على أيدي الخوارج: راجع: أسد الغابة ج ٣ / ١٥٠، الإصابة ج ٢ / ٢٩٤.

(١) عملا بأوامر الكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله عز من قائل:( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) وقوله عز سلطانه:( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ ) الآية وحسبك من أوامر السنة ما سأتلوه عليك في الأصل (منه قدس) (*).

١١٧

وظهر باليمامة جماعة منهم آخرون مع نجدة بن عامر الحروري، وزاد نجدة على مذهبهم ان من لم يخرج معهم لمحاربة المسلمين فهو كافر، وتوسعوا حتى أبطلوا رجم المحصن، وأوجبوا قطع يد السارق من الابط.

وفرضوا الصلاة على الحائض حال حيضها. إلى كثير من مبتدعاتهم التي ليس هذا محل ذكرها. وان منهم إلى الآن لبقية من شراذم الفساد، في أنحاء من البلاد، مر بهم في عمان(١) ابن بطوطة الرحالة في سياحته التي كانت في القرن الثامن للهجرة وذكرهم في الجزء الأول من رحلته(٢) .

فقال: " هم أباضية المذهب، ويصلون الجمعة ظهرا أربعا، فإذا فرغوا قرأ الإمام آيات من القرآن، ونثر كلاما شبه الخطبة يرضى فيه عن أبي بكر وعمر ويسكت عن عثمان وعلي، وإذا أرادوا ذكر علي كنوا عنه: بالرجل، ويرضون عن الشقي اللعين ابن ملجم ويقولون فيه العبد الصالح مع الفتنة قال: ونساؤهم يكثرون الفساد، ولا غيرة عندهم ولا إنكار لذلك.

(قال): وكنت يوما عند سلطانهم أبى محمد بن نبهان وهو من قبيلة الأزد فأتته امرأة صغيرة السن حسنة الصورة بادية الوجه فوقفت بين يديه وقالت له: يا أبا محمد طغى الشيطان في رأسي. فقال لها: اذهبي واطردي الشيطان فقالت له: لا أستطيع وأنا في جوارك. فقال اذهبي فافعلي ما شئت فذكر لي لما انصرفت عنه: أن هذه ومن فعل فعلها تكون في جوار السلطان وتذهب للفساد، ولا يقدر أبوها ولا ذوو قرابتها أن يغيروا عليها، وان قتلوها قتلوا بها لانها في جوار

____________________

(١) عمان سلطنة صغيرة واقعة في الجنوب الشرقي من بلاد العرب تمتد على ساحل بحر العرب والخليج الفارسي. سلطانها اليوم سعيد بن تيمور (منه قدس).

(٢) ص ١٧٢ والتي بعدها (منه قدس) (*).

١١٨

السلطان " انتهى كلامه بعين لفظه. قلت: صدق الله عزوجل وبلغ رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال: " لا يبغضك يا علي إلا ابن زنا أو ابن حيضة أو منافق "(١٣٥) .

[ قتل الخوارج ]

جاء في قتل الخوارج نصوص متضافرة، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة(١٣٦) .

وحسبك من طريق غيرهم، قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث(١) وصفهم فيه فقال: " يقرأون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لاقتلنهم قتل عاد "(١٣٧) .

وفي حديث آخر(٢) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " لئن أدركتهم لاقتلنهم قتل ثمود "(١٣٨) .

____________________

(١٣٥) سورة نوح: ٧. راجع: ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٥٢، إحقاق الحق للتستري ج ٧ / ٢٢٢ نقله عن المناقب المرتضوية ص ٢٠٣، الغدير للأميني ج ٤ / ٣٢٢.

(١٣٦) البحار، كشف الغمة ج ١ / ٢٦٤.

(١) أخرجه مسلم عن أبى سعيد الخدري في باب ذكر الخوارج وصفاتهم ص ٣٩٣ من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).

(١٣٧) صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ذكر الخوارج وصفاتهم ج ٢ / ٧٤١.

(٢) أخرجه مسلم من طريقين عن أبى سعيد في ص ٣٩٤ من الجزء الأول من صحيحه في باب ذكر الخوارج أيضا (منه قدس).

(١٣٨) صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ذكر الخوارج ج ٢ / ٧٤٢، كنز العمال ج ١١ / ٣٠٨ (*).

١١٩

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصفهم من حديث ثالث(١) : " إنهم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فان في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة "(١٣٩) إلى كثير من أمثال هذه الصحاح الواردة في التحريض على قتلهم، وحسبك في دلالتها على كفرهم، ان قتلهم كقتل عاد وثمود.

[ الخوارج شر الخلق والخليقة ]

الأخبار في ان الخوارج شر الخلق والخليقة متواترة من طريق العترة الطاهرة، وحسبك من طريق غيرهم ما أخرجه مسلم(٢) عن أبي ذر ورافع بن عمر الغفاريين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال: " أن بعدي من أمتي، أو سيكون بعدي من أمتي قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم(٣) يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة " آه.(١٤٠) .

____________________

(١) أخرجه مسلم عن علىعليه‌السلام في باب التحريض على قتل الخوارج ص ٣٩٦ من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).

(١٣٩) صحيح مسلم ب ٤٨ التحريض على قتل الخوارج ج ٢ / ٧٤٦، كنز العمال ج ١١ / ٢٠٤ و ٢٠٦.

(٢) في باب الخوارج شر الخلق والخليقة ص ٣٩٨ من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).

(٣) أي لا تفهمه قلوبهم، ولا ينتفعون بما يتلونه منه، ولا لهم حظ سوى تقطيع حروفه في حلاقيمهم حين تلاوته، فقلوبهم غلف قد ران عليها ما يكسبون لا ينفذ إليها شئ من نور القرآن لا تقبل لهم تلاوة ولا يصعد لهم عمل (منه قدس).

(١٤٠) صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٩ الخوارج شر الخلق والخليقة ج ٢ / ٧٥٠، كنز العمال ج ١١ / ٢٠٥ و ٣٠٧. (*).

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629