النص والاجتهاد

النص والاجتهاد6%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 165911 / تحميل: 7984
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

فما طلب الرحمن أجرا علي الهدى

بتبليغه إلا المودة في القربى(١١١)

وقال العلامة النبهاني في كتابه الشرف المؤبد.

آل طه يا آل خير نبي

جدكم خيرة وأنتم خيار

أذهب الله عنكم الرجس أهل ال

بيت قدما فأنتم الأطهار

لم يسل جدكم علي الدين أجرا

غير ود القربى ونعم الاجار(١١٢)

وأيضا فان الزهراء لبرة الأبرار الذين قال الله عزوجل عنهم( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا ) الآيات(١) لي آخرها(١١٣) .

____________________

(١١١) الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٠١ ط الميمنية، إسعاف الراغبين للصبان بهامش نور الأبصار ص ١١٧.

(١١٢) الشرف المؤبد للنبهاني

(١) أجمع أصحابنا الإمامية تبعا لائمتهم علي ان هذه الآيات انما نزلت في شأن علي وفاطمة والحسن والحسين بسبب صدقة منهم آثروا بها المسكين واليتيم والأسير علي أنفسهم في ثلاث ليال متوالية لم يذوقوا فيها الا الماء وصاموا أيامها الثلاثة وفاءا بنذرهم. والقضية هذه أرسلها الزمخشري في سورة الدهر من كشافه عن ابن عباس وأخرجها بالإسناد إليه كل من الإمام الواحدي في كتابه البسيط، والإمام أبى إسحاق الثعلبي في تفسيره الكبير، والإمام أبى المؤيد موفق بن أحمد في كتابه الفضائل، وأرسلها إرسال المسلمات في كتب المناقب جماعة من الثقات، وفى الفصل الرابع من كلمتنا الغراء في تفضيل الزهراء تعليقات وتنبيهات ألفت إليها أولي البحث والتحقيق فلتراجع (منه قدس).

(١١٣) الآيات في سورة الدهر آية: ٥ - ٢٢. هذه الآيات نزلت في: علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام بمناسبة قصة النذر راجع ذلك في =>

١٠١

وبالجملة فان للزهراءعليها‌السلام من منازل القدس عند الله عزوجل ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين ما يوجب الثقة التامة في صحة ما تدعي، والطمأنينة الكاملة بكل ما تقول، لا نحتاج في إثبات دعواها لي شاهد، فان لسانها ليتجافى عن الباطل، وحاشا الله أن ينطق بغير الحق، فدعواها بمجردها تكشف عن

____________________

=> شواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ / ٢٩٨ ح ١٠٤٢ و ١٠٤٦ و ١٠٤٧ و ١٠٤٨ و ١٠٥١ و ١٠٥٣ و ١٠٥٤ و ١٠٥٥ و ١٠٥٦ و ١٠٥٧ و ١٠٥٨ و ١٠٥٩ و ١٠٦١، المناقب للخوارزمي ص ١٨٨ - ١٩٤، كفاية الطالب ص ٣٤٥ - ٣٤٨ ط الحيدرية وص ٢٠١ ط الغرى، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزى ص ٣١٢ - ٣١٧، نور الأبصار للشبلنجى ص ١٠٢ - ١٠٤ ط السعيدية وص ١٠١ - ١٠٢ ط العثمانية، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) ج ١٩ / ١٣٠ ط ٣، الكشاف للزمخشري ج ٤ / ١٩٧ ط مصطفى محمد وج ٤ / ٦٧٠ ط بيروت وج ٢ / ٥١١ ط آخر، روح المعاني للآلوسي ج ٢٩ / ١٥٧، تفسير الفخر الرازي ج ١٣ / ٢٤٣ ط البهية وج ٨ / ٣٩٢ ط الدار العامرة بمصر، تفسير أبى السعود بهامش تفسير الرازي ج ٨ / ٣٩٣ ط الدار العامرة، التسهيل لعلوم التنزيل للكلبى ج ٤ / ١٦٧، فتح القدير للشوكاني ج ٥ / ٣٤٩ ط ٢ مصطفى محمد وج ٥ / ٣٣٨ ط ١ الحلبي، الدر المنثور ج ٦ / ٢٩٩ تفسير الخازن ج ٧ / ١٥٩، معالم التنزيل للبغوي بهامش تفسير الخازن ج ٧ / ١٥٩، تفسير البيضاوي ج ٥ / ١٦٥ ط بيروت وج ٤ / ٢٣٥ ط مصطفى محمد وج ٢ / ٥٧١ ط آخر، تفسير النسفي ج ٤ / ٣١٨، أسد الغابة ج ٥ / ٥٣٠، أسباب النزول للواحدي ص ٢٥١، ذخائر العقبى ص ٨٨ و ١٠٢، مطالب السئول لابن طلحة ج ١ / ٨٨، العقد الفريد ج ٥ / ٩٦ ط ٢ لجنة التأليف والنشر وج ٣ / ٤٥ ط آخر، الإصابة لابن حجر ج ٤ / ٣٨٧ ط السعادة وج ٤ / ٣٧٦ ط مصطفى محمد، اللآلي المصنوعة للسيوطي ج ١ / ٣٧٠، الغدير للأميني ج ٣ / ١٠٧ - ١١١، إحقاق الحق للتستري ج ٣ / ١٥٨ - ١٦٩ وج ٩ / ١١٠ - ١٢٣، ينابيع المودة للقندوزى ص ٩٣ و ٢١٢ ط اسلامبول وص ١٠٧ - ١٠٨ و ٢٥١ ط الحيدرية، نوادر الأصول للحكيم الترمذي ص ٦٤، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٢١ وج ١٣ / ٢٧٦، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٧٤ و ٣٠٢ ط ٢، فضائل الخمسة ج ١ / ٢٥٤ (*).

١٠٢

صحة المدعى به كشفا تاما ليس فوقه كشف، وهذا مما لا يرتاب فيه أحد ممن عرفهاعليها‌السلام وأبو بكر من أعرف الناس بها وبصدق دعواها ولكن الأمر كما حكاه علي بن الفارقي وكان من أعلام بغداد. مدرسا في مدرستها الغربية، وهو أحد شيوخ ابن أبي الحديد المعتزلي، إذ سأله. فقال له: أكانت فاطمة صادقة - في دعواها النحلة - ؟. قال: نعم. قال له - ابن أبي الحديد -: فلم لم يدفع لها أبو بكر فدكا وهي عنده صادقة ؟ فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته. قال: لو أعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها لجأت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه حينئذ الاعتذار بشئ، لأنه يكون قد سجل علي نفسه بأنها صادقة فيما تدعى كائنا ما كان من غير حاجة لي بينة ولا شهود "(١١٤) .

قلت: وبهذا استباح أبو بكر رد شهادة علي بن أبي طالب لفاطمة بالنحلة وإلا فان يهود خيبر على لؤمهم وأن عليا دمرهم لينزهونه عن شهادة الزور وبهذا أيضا لا بسواه استنوق الجمل فاعتبر ذات اليد المتصرفة مدعيه فطالبها بالبينة انما هي عليه، الأمر الذي علمنا أنه دبر بليل.

وما ينس فلا ينس قوله في مجابهة فاطمة لست أعلم صحة قولك مع أن قولها بمجرده من أوضح موازين الحكم لها بما ادعت. ولو تنازلنا عن هذا كله وسلمنا أنها كسائر المؤمنات الصالحات تحتاج في إثبات دعواها لي بينة، فقد شهد لها علي وحسبها اخو النبي ومن كان منه

____________________

(١١٤) شرح النهج لابن أبى الحديد ج ١٦ / ٢٨٤ (*).

١٠٣

بمنزلة هارون من موسى(١١٥) شاهد حق تشرق بشهادته أنوار اليقين وليس بعد اليقين غاية يطلبها الحاكم في المرافعات ولهذا جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شهادة خزيمة بن ثابت كشهادة عدلين(١١٦) ، ولعمر الله أن عليا أولي بهذا من خزيمة وغيره وأحق بكل فضيلة من سائر ابدال المسلمين.

ولو تنازلنا فسلمنا أن شهادة علي كشهادة رجل واحد من عدول المؤمنين فهلا استحلف أبو بكر فاطمة الزهراء بدلا عن الشاهد الثاني، فان حلفت وإلا رد دعواها، ما رأيناه فعل ذلك ! وانما رد الدعوى ملغيا شهادة علي وأم أيمن(١١٧) وهكذا كما ترى مما لم يكن بالحسبان ! بينا كان علي عدل

____________________

(١١٥) كما سوف يأتي مع مصادره. (١١٦) شهادة خزيمة بشهادتين: راجع شرح النهج لابن أبى الحديد ج ١٦ / ٢٧٣، فدك للقزويني ص ٥٢، الإصابة ج ١ / ٤٢٥، الاستيعاب بذيل الإصابة ج ١ / ٤١٦، أسد الغابة ج ٢ / ١١٤، كنز العمال ج ١٣ / ٣٧٩ - ٣٨٠، مسند أحمد بن حنبل ج ٥ / ١٨٩ ط ١.

(١١٧) هي مولاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحاضنته اسمها بركة بنت ثعلبة وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أم أيمن أمي بعد أمي. وكان إذا نظر إليها يقول: هذا بقية أهل بيتى. وقد أخبر عنها (كما في ترجمتها من الإصابة) إنها من أهل الجنة. وترجم لها ابن حجر في إصابته، وابن عبد البر في استيعابه وكل من ترجم للصحابة من أهل المعاجم فأثنوا عليها بامتيازها في الدين والعقل وحسن السيرة، وابنها أيمن استشهد بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة خيبر فاحتسبته عند الله صابرة تبتغى الأجر والمثوبة (منه قدس).

شهادة علي وفاطمة وأم أيمن لفاطمة الزهراء: شرح النهج لابن أبى الحديد ج ١٦ / ٢١٤ و ٢١٦ و ٢٢٥، فدك للقزويني ص ٤٥ السيرة الحلبية ج ٣ / ٣٩٠، معجم البلدان للحموي ج ٤ / ٢٣٩، وفاء الوفاء ج ٣ ٩٩٩ /و ١٠٠٠، فتوح البلدان للبلاذري ص ٤٤. كفاية شاهد ويمين: صحيح مسلم ك الاقضية ب - ٢ - ج ٣ / ١٣٣٧، كنز العمال ج ٣ / ٢٣ ح ١٧٧٨٦ (*).

١٠٤

القرآن في الميزان(١١٨) وكان مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان(١١٩) وهو في آية التباهل نفس المصطفى ليس غيره إياها(١٢٠) إذا هو في هذه المحاكمة ممن لا أثر لشهادتهم.

يالها مصيبة في الإسلام تلقيناها بقولنا إنا لله وإنا إليه راجعون.

____________________

(١١٨) اشارة لي الحديث المستفيض وقد أخرجه أصحاب الصحاح وغيرهم - حديث الثقلين - أعنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي. ولا كلام في ان أمام العترة وسيدها انما هو عليعليه‌السلام (منه قدس). تقدمت مصادر حديث الثقلين تحت رقم - ١٥ - فراجع.

(١١٩) اشارة لي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حديث أم سلمة إذ قالت: سمعت رسول الله يقول: " علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض. أخرجه الحاكم في باب علي مع القرآن والقرآن مع علي ص ١٢٤ من الجزء الثالث من مستدركه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأورده الذهبي في تلخيصه مصرحا بصحته.

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرض موته والحجرة غاصة بأصحابه: أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بى وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم الا أنى مخلف فيكم كتاب ربى عزوجل وعترتي أهل بيتي. ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان. " (الحديث) تجده في الفصل ٢ من الباب ٩ من الصواعق المحرقة ص ٧٥ فراجع (منه قدس).

حديث الثقلين وكون علي مع القرآن والقرآن معه: راجع: المعجم الصغير للطبراني ج ١ / ٥٥، المناقب للخوارزمي ص ١١٠، كفاية الطالب ص ٣٩٩ ط الحيدرية وص ٢٥٤ ط الغرى، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٣٤، الصواعق المحرقة ص ١٢٢ و ١٢٤ ط المحمدية وص ٧٤ و ٧٥ ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧٣، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٥٧ ط السعيدية وص ١٤٣ ط العثمانية، نور الأبصار للشبلنجى ص ٧٣ ط السعدية، الغدير للأميني ج ٣ / ١٨٠، ينابيع المودة للقندوزي ص ٤٠ و ٩٠ و ١٨٥ و ٢٣٧ و ٢٨٣ و ٢٨٥ ط اسلامبول وص ٤٤ و ١٠٣ و ٢١٩ و ٢٨١ و ٣٣٩ و ٣٤٢ ط الحيدرية. راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقم (١١)

(١٢٠) البيت للشيخ كاظم الازري. ديوانه الازرية، لأجل المزيد من الاطلاع حول فدك يراجع: مقدمة مرآة العقول ج ١ / ١٥١ - ١٧٦.

١٠٥

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٨٧: -

[ المورد - (٩) - إيذاء الزهراء: ]

وذلك أنه بمجرده مخالف للنصوص الصريحة، بقطع النظر عما كان من أسبابه ومقتضياته(١) ، وحسبك منها ما أخرجه ابن أبي عاصم - كما في ترجمة الزهراء من الإصابة - بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لفاطمةعليها‌السلام : " ان الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك "(١٢١) .

قلت: وأخرجه الطبراني وغيره بإسناد حسن، - كما في أحوال الزهراء من الشرف المؤبد للعالم النبهاني البيروتي -

____________________

(١) فان المباح في أصل الشرع قد يكون مع استلزامه للحرام حراما وفروض ذلك في الإسلام كثيرة، وأقربها لما نحن فيه انه يباح لك أن تصاحب من شئت من اخوانك المؤمنين وتتزوج من أردت من غير محارمك فإذا استلزم فعلك هذا عقوق والديك حرم ذلك عليك هذا هو الحكم التكليفي في هذه المسألة ونحوها فتأمل لتفهم (منه قدس).

(١٢١) راجع: الإصابة ج ٤ / ٣٦٦، كنز العمال ج ١٢ / ١١١ وج ١٣ / ٦٤٦، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٥٤، جواهر البحار للنبهاني ج ١ / ٣٦٠، فرائد السمطين ج ٢ / ٤٦ ح ٣٧٨، مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلى ص ٣٥١ ح ٤٠١، أسد الغابة ج ٥ / ٣٢٢، تهذيب التهذيب ج ١٢ / ٤٤١، ذخائر العقبى ص ٣٩، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٥٢، مجمع الزوائد ج ٩ / ٢٠٣، فضائل الخمسة ج ٣ / ١٥٥، الغدير ج ٣ / ١٨٠ (*).

١٠٦

وأخرج الشيخان البخاري ومسلم - كما في ترجمة الزهراء من الإصابة وغيرها - عن المسور قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول على المنبر: " فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها "(١٢٢) .

ونقل الشيخ يوسف النبهاني في أحوال الزهراء - من كتابه الشرف المؤبد - عن البخاري بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: " فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها - قال النبهاني -: وفي رواية فمن أغضبها أغضبني "(١٢٣) (قال) وفي الجامع الصغير: " فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها "(١٢٤) .

قلت: وقد قالت - بأبي وأمي - لأبي بكر وعمر(١) . نشدتكما الله تعالى ألم تسمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: " رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من

____________________

(١٢٢) راجع: صحيح البخاري ك النكاح ب ذب الرجل عن ابنته ج ٧ / ٤٧ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك فضائل الصحابة ب ١٥ فضائل فاطمة ج ٤ / ١٩٠٢ ط ٢ بتحقيق محمد فؤاد، صحيح الترمذي ك المناقب ب - ٦١ - فضل فاطمة ج ٥ / ٦٩٨ ح ٣٨٦٧، الإصابة ج ٤ / ٣٦٦، حلية الأولياء ج ٢ / ٤٠، سنن ابن ماجة ك النكاح ب ٥٦ الغيرة ج ١ / ٦٤٤ ح ١٩٩٨، كنز العمال ج ١٢ / ١٠٧ و ١١٢.

(١٢٣) غضب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لغضب فاطمة: راجع: صحيح البخاري ك فضائل الصحابة ب مناقب قرابة رسول الله ج ٥ / ٢٦ وب مناقب فاطمة ج ٥ / ٣٦ ط مطابع الشعب، الجامع الصغير للمناوي ج ٢ / ١٢٢، الشرف المؤبد للنبهاني.

(١٢٤) الجامع الصغير للمناوي ج ٢ / ١٢٢، كنز العمال ج ١٢ / ١٠٨ و ١١١، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٥٨. (١) كما صرح به ابن قتيبة في أوائل كتابه الإمامة والسياسة وغير واحد من إثبات أهل السير والأخبار (منه قدس) (*).

١٠٧

سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن اسخط فاطمة فقد أسخطني. قالا: نعم سمعناه من رسول الله "(١٢٥) .

قلت: ان من أمعن في هذه الأحاديث فتدبرها ممن يقدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حق قدره رآها ترمى إلى عصمتها لدلالتها بالالتزام على امتناع وقوع كل من أذيتها وريبتها وسخطها ورضاها وانقباضها وانبساطها في غير محله، كما هو الشأن في أذية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وريبته ورضاه وسخطه وانقباضه وانبساطه وهذا هو كنه العصمة وحقيقتها كما لا يخفى.

وأخرج جماعة من أئمتهم كالإمام احمد من حديث أبي هريرة قال(١) : نظر النبي إلى علي والحسن والحسين وفاطمة، فقال " أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم "(١٢٦) .

____________________

(١٢٥) قول فاطمة لأبي بكر وعمر: " نشدتكما الله ألم تسمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: رضى فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني. قالوا: نعم سمعناه من رسول الله. قالت فأني أشهد الله وملائكته انكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لاشكونكما إليه.. الخ. راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص ١٤، فدك في التاريخ ص ٩٢.

(١) كما في ص ٤٤٢ من الجزء الثاني من مسنده (منه قدس).

(١٢٦) راجع: مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلي ص ٦٤، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٤٩، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، صحيح الترمذي ج ٥ / ٣٦٠ ط بيروت، سنن ابن ماجة ج ١ / ٥٢ ح ١٤٥، أسد الغابة ج ٣ / ١١ وج ٥ / ٥٢٣، ذخائر العقبى ص ٢٥، الصواعق المحرقة ص ١١٢ ط الميمنية وص ١٨٥ ط المحمدية، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٦ و ١٦٩، كفاية الطالب للكنجي ص ٣٣٠ و ٣٣١ ط الحيدرية وص =>

١٠٨

قلت وأخرجه الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير بالإسناد إلى أبي هريرة أيضا.

وأخرج الترمذي من حديث زيد بن أرقم - كما في ترجمة الزهراء من الإصابة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر عليا وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فقال: " أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم "(١٢٧) .

وعن أبي بكر قال: رأيت رسول الله خيم خيمة(١) وهو متكئ على

____________________

=> ١٨٨ و ١٨٩ ط الغرى، ينابيع المودة للقندوزي ص ٣٥ و ١٦٥ و ١٧٢ و ١٩٤ و ٢٣٠ و ٢٦١ و ٢٩٤ و ٣٠٩ و ٣٧٠ ط اسلامبول، شواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ / ٢٧، المناقب للخوارزمي ص ٩١، مقتل الحسين للخوارزمي أيضا ج ١ / ٦١ و ٩٩، المعجم الصغير للطبراني ج ٢ / ٣، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ / ٢٧١، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٩٢، إحقاق الحق ج ٩ / ١٦١ - ١٧٤، كنز العمال ج ١٣ / ٦٤٠ الفضائل لأحمد بن حنبل بترجمة الإمام الحسين ضمن مجموعة " الحسين والسنة " ص ١٠ ح ٣. وسوف يأتي مع مصادر أخرى تحت رقم (٦٨٦).

(١٢٧) وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والضياء في مختارته والطبراني وابن شيبة عن زيد بن أرقم أيضا، ورواه أبو يعلى في السنة، والضياء في المختارة عن سعد ابن أبى وقاص ونقله جماعة من أعلام الفضل كالإمام علوي في ص ٧ من الجزء ٢ من قوله الفصل (منه قدس). وراجع: الصواعق المحرقة ص ١٤٢ و ١٨٥ ط المحمدية وص ٨٥ و ١١٢ ط الميمنية، الإصابة لابن حجر ج ٤ / ٣٧٨ ط السعادة، ينابيع المودة ص ٢٢٩ و ٢٩٤ و ٣٠٩ ط اسلامبول، نظم درر السمطين ص ٢٣٢ و ٢٣٩، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ / ٢٨٠، مشكاة المصابيح للعمري ج ٣ / ٢٥٨، ذخائر العقبى ص ٢٣، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٤٩ ط ٢.

(١) لعل هذه الخيمة هي الكساء الذي جللهم به حين أوحى إليه فيهم:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) وقد فصلنا ذلك في الفصل الثاني من المطلب الأول من كلمتنا الغراء في تفضيل الزهراء فليراجعها من أراد الشفاء من كل داء (منه قدس) (*).

١٠٩

قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " معشر الناس أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد "(١٢٨) .

رواه الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد المصري المعاصر بعين لفظه فليراجع في كتابه عبقرية محمد تحت عنوان النبي والإمام والصحابة.

وأخرج الإمام أحمد(١) عن عبد الرحمن الأزرق عن عليعليه‌السلام قال: دخل علي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا نائم على المنامة فاستسقى الحسن أو الحسين، قال: فقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى شاة لنا بكئ(٢) فحلبها فدرت، فجاءه الحسن فنحاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت فاطمة: يا رسول الله كأنه أحبهما إليك. قال: لا ولكنه استسقى قبله، ثم قال: اني وإياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة آه(١٢٩) .

____________________

(١٢٨) راجع: فرائد السمطين ج ٢ / ٤٠ ح ٣٧٣، المناقب للخوارزمي ص ٢١١ سمط النجوم ج ٢ / ٤٨٨، الرياض النضرة ج ٢ / ١٨٩ ط ١، الغدير للعلامة الأميني ج ٤ / ٣٢٣.

(١) في ص ١٠١ من الجزء الأول من مسنده (منه قدس).

(٢) أي قل لبنها وقيل انقطع وهذا الحديث أشار إليه صاحب لسان العرب في مادة بكا (منه قدس).

(١٢٩) كنز العمال ج ١٣ / ٦٤٢، ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق لابن عساكر ص ١١٧ ح ١٩١ و ١٩٢ وقريب منه ح ١٨٢، فرائد السمطين ج ٢ / ٢٨، مسند أحمد ج ١ / ١٠١ ط ١ وج ٢ / ١٢٨ ح ٧٩٢، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٧٧، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٩، أسد الغابة ج ٥ / ٢٦٩، مسند أبى داود الطيالسي ص ٢٩ رقم ١٩٠، ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق لابن عساكر ص ١١١ ط ١، الإصابة ج ٤ / ١٥٧ في =>

١١٠

قلت: كان من حقهم على الأمة ولاسيما على أهل الحول والطول منها أن لا يفاجأوا (أبان رزيتهم الكارثة) بما فوجئوا به من الاستئثار بمكانتهم في الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والاستغناء عنهم حتى في المشورة مع شدة الوطأة عليهم في أمر البيعة والتنمر لهم في فيئهم وخمسهم وارثهم ونحلتهم وسوقهم مع سائر الرعايا بعصا واحدة والجرح لما يندمل والنبي لما يقبر. وكان المستولون على الأمة يومئذ ومقوية سلطانهم ابرموا أمرهم على وجه لم يبقوا لأحد من الأمة أن يخالف الا أن تشق عصا المسلمين وبهذا آمنوا من مقاومة علي وأوليائه وتفصيل ذلك كله في كتاب المراجعات فلا يفوتن أهل البحث والتدقيق(١٣٠) .

وكان من مبادئ القائمين بالأمر إذ ذاك شدة الوطأة في تنفيذ الأحكام من غير فرق بين القريب والبعيد والشريف والدنئ وإيثار بيت المال بالوفر والثراء والمساواة بين أهل السوابق وغيرهم في الأحكام. وقد أعانهم على تنفيذ مبادئهم هذه بعدهم عن الطمع والاستكثار من حطام الدنيا وتقشفهم في الحياة واستغناؤهم بالغة لهم ولمن إليهم وبهذا أرضوا العامة فاستتب لهم الأمر.

وحين جد الجد في محاكمة الزهراء كانت بضعة النبي لديهم كسائر النساء لا ينزهن عن الافتراء(١) .

____________________

=> ترجمة أبى فاختة، وقد ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه ص ١٥٠، والشيخ الطوسي في أماليه ج ٢ / ٢٠٦.

(١٣٠) المراجعات ص ٣٣٧ المراجعة ٨٠ و ٨٢ وراجع سبيل النجاة في تتمة المراجعات ط بيروت.

(١) بل لم تعامل معاملتهن لان المرأة المسلمة التي لا تتنزه عن الافتراء إذا أقامت على دعواها شاهدا واحدا من عدول المسلمين يكتفي منها باليمين عوضا عن الشاهد الثاني ولا ترد دعواها إلا بعد نكولها عن اليمين أما الزهراء فقد شهد لها على، وكان عليهم أن يستحلفونها فان نكلت ردوا حينئذ دعواها لكنهم أسرعوا في رد الدعوى ولم يطلبوا منها اليمين. على إنهاعليها‌السلام كانت ذات اليد على فدك وذات التصرف فالبينة انما هي على المعارض لها المدعى عليها، عملا بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر " الحديث. وهذا من النصوص التي عارضوها بالاجتهاد كما لا يخفى (منه قدس).

١١١

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٩٣: -

[ المورد - (١٠) -: يوم أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الشيخين أبا بكر وعمر كليهما بقتل ذي الثدية لأول مرة صدر منه الأمر بذلك فلم يقتلاه. ]

وذو الثدية هذا هو الخويصرة التميمي(١) حرقوص بن زهير ذو الثدية رأس المارقة، أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استئصال شأفة عيثه وفساده في الأرض فأمر بقتله، لكن رياء هذا المارق بتخشعه في صلاته غر الشيخين فكرها قتله وآثرا استحياءه !.

وحسبك في ذلك ما أخرجه جماعة من أهل السنن والمسانيد من الأئمة وحفظة الآثار، واللفظ لأبي يعلى في مسنده - كما في ترجمة ذي الثدية من إصابة ابن حجر - عن أنس، قال: كان في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل يعجبنا تعبده واجتهاده، وقد ذكرناه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باسمه فلم يعرفه، فوصفناه بصفته فلم يعرفه، فبينا نحن نذكره إذ طلع الرجل علينا فقلنا: هو هذا. قال :

____________________

(١) ذكره ابن الأثير في أسد الغابة مستدركا على من لم يذكره في الصحابة، وأورد في ترجمته ما أخرجه البخاري من حديث أبى سعيد قال: بينا رسول الله يقسم ذات يوم قسما، فقال ذو الخويصرة رجل من بني تميم: يا رسول الله أعدل، فقال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل وأخرجه مسلم أيضا (منه قدس) (*).

١١٢

انكم لتخبروني عن رجل ان في وجهه لسفعة من الشيطان. فأقبل حتى وقف عليهم ولم يسلم، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنشدك الله، هل قلت حين وقفت على المجلس: ما في القوم أحد أفضل مني أو خير مني ؟ قال: اللهم نعم. ثم دخل يصلي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من يقتل الرجل ؟ قال أبو بكر: أنا. فدخل عليه فوجده يصلي، فقال: سبحان الله: أقتل رجلا يصلي ؟ وقد نهى رسول الله عن قتل المصلين ؟ فخرج فقال رسول الله: ما فعلت ؟ قال كرهت أن أقتله وهو يصلي وقد نهيت عن قتل المصلين. قال رسول الله: من يقتل الرجل ؟ قال عمر: أنا فدخل فوجده واضعا جبهته، قال عمر: أبو بكر أفضل مني. فخرج فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مهيم ؟ قال: وجدته واضعا جبهته لله فكرهت أن أقتله. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من يقتل الرجل ؟ فقال علي: أنا. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت ان أدركته. فدخل عليه فوجده قد خرج، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو قتل ما اختلف من أمتي رجلان. (الحديث).(١٣١) .

وأخرجه الحافظ محمد بن موسى الشيرازي في كتابه الذي استخرجه من تفاسير يعقوب ابن سليمان، ويوسف القطان، والقاسم بن سلام، ومقاتل بن حياد، وعلي بن حرب، والسدي، ومجاهد، وقتادة، ووكيع، وابن جريح وغيرهم. وأرسله إرسال المسلمات جماعة من الاثبات كابن عبد ربه الأندلسي عند

____________________

(١٣١) أمر الرسول بقتل ذي الثدية: راجع: الإصابة لابن حجر ج ١ / ٤٨٤ ط السعادة، حلية الأولياء ج ٢ / ٣١٧ وج ٣ / ٢٢٧، تاريخ ابن كثير ج ٧ / ٢٩٨، الغدير ج ٧ / ٢١٦، الطرائف لابن طاووس ج ٢ / ٤٢٩ عن محمد بن مؤمن الشيرازي. ويوجد الحديث عن أبى سعيد الخدري كما في مسند أحمد ج ٣ / ١٥ ط ١ (*).

١١٣

انتهائه إلى القول في أصحاب الأهواء من أواخر الجزء الأول من عقده الفريد، وقد جاء في آخر ما أورده.

من هذا الحديث، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: هذا أول قرن يطلع في أمتي لو قتلتموه ما اختلف بعده اثنان، ان بني إسرائيل افترقت اثنتين وسبعين فرقة، وان هذه الأمة ستفترق ثلاثا وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة. (الحديث)(١٣٢) .

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٩٥: -

[ المورد - (١١) -: يوم أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلا من الشيخين في المرة الثانية بقتل هذا المارق فكان حالهما في هذه المرة كما كانت في المرة الأولى. ]

وذلك أن فيما حدثني من أثق به في فضله وورعه وتتبعه أن أبا بكر مر بهذا المارق - بعد أن أمر بقتله فكره قتله - فوجده يصلي في بعض الأودية حيث لا يطلع عليه سوى الله تعالى، فراقه خشوعه وتضرعه، فحمد الله تعالى على عدم قتله، وأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شافعا به وذكر له ما رآه من صلاته ضارعا مبتهلا حيث لا يطلع عليه إلا الله عزوجل، فلم يسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شفاعته، بل أمره على الفور بقتله، فلما لم يقتله أمر عمر ثم عليا بذلك وشدد عليهم القول بوجوب قتله وقتل أصحابه، هذا ما حدثني به من أعرفه بالتقصي في البحث والتنقيب(١) يرسله لي إرسال المسلمات، وقد فاتني سؤاله عن

____________________

(١٣٢) العقد الفريد ج ٢ / ٤٠٣ - ٤٠٤ ط ٢ وج ١ / ١٦٧ ط آخر. والفرقة الناجية هم على وشيعته: راجع: إحقاق الحق للتستري ج ٧ / ١٨٤ نقله عن: الإلزام للصيمري مخطوط، السيف اليماني المسلول ص ١٦٩ وغيرها.

(١) هو شيخ المحدثين في عصره وصدوق حملة الآثار شيخنا ومولانا الاورع الميرزا حسين النوري صاحب المستدركات على الوسائل (منه قدس) (*).

١١٤

مصدر حديثه هذا. لكني - ولله الحمد - لم يفتني البحث عنه بنفسي حتى وجدته - والحمد لله - في مسند أحمد ابن حنبل من حديث أبي سعيد الخدري ص ١٥ من جزئه الثالث. قال: ان أبا بكر جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله إني مررت بوادي كذا وكذا فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اذهب فاقتله.

قال: فذهب إليه أبو بكر فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله، فرجع إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر: اذهب فاقتله. فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر عليها، قال: فكره أن يقتله.

قال: فرجع فقال: يا رسول الله إني رأيته يصلي متخشعا، فكرهت أن أقتله.

قال: يا علي اذهب فاقتله.

قال: فذهب علي فلم يره فرجع علي فقال: يا رسول الله انه لم يره.

قال: فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان هذا وأصحابه يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه فاقتلوهم هم شر البرية.

[ تنبيه ]

ان من أمعن في حديثي هذا المارق حديث أبى يعلى عن أنس الذي أوردناه في المورد (١٠) وحديث الإمام أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الذي أوردناه ألان في هذا المورد، علم ان لهذا المارق من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومين أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله في كل منهما بقتله فلم يقتل، وذلك ان الحديث الأول - حديث أنس - صريح بأن النبي لم يكن مسبوقا بمعرفة هذا المارق وقد ذكروه ووصفوه له فلم يعرفه، ولذا لم يأمر به بشئ حتى رآه وعرفه بسفعة من

١١٥

الشيطان بين عينيه وبما هو عليه من العجب بنفسه. وحينئذ أمر بقتله، وكانت صلاة هذا المارق التي اعجبت الشيخين يومئذ في المسجد بعد صدور الأمر لهما بقتله.

أما حديث الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد فصريح بأن أبا بكر رأى هذا المارق يصلي في بعض الأودية لا في المسجد فأعجبه خشوعه لله تعالى حيث لا يراه سواه عزوجل فأخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك، فأمره فورا بقتله بدون أن يراه وهذا ليس إلا لأنه كان محكوما عليه من قبل ذلك بالقتل كما لا يخفى، فالحديثان في واقعتين متعددتين - بلا ريب - قوبل النص فيهما بالاجتهاد.

[ فصل(١) ]

الخوارج: هم الذين خرجوا عن الدين، بخروجهم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد أنكروا عليه التحكيم الذي اضطروه إليه، وكانوا ثمانية آلاف أو أكثر، فاستدعاهم إليه ليذكرهم الله تعالى والدار الآخرة، وليبين لهم خطأهم فيما رأوه، ويزيل شبهتهم التي تشبثوا بها( وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) فأبوا ان يأتوه، وكلفوه بأن يقر بالكفر على نفسه ثم يتوب إلى الله منه.

ولما لم يأتوه أرسل إليهم عبد الله بن العباس فلم يأل جهدا، ولم يدخر وسعا في الاحتجاج عليهم وتسفيه رأيهم بكل حجة بالغة، وبيان ناصع، والقوم مصرون على بغيهم وضلالهم كأن في آذانهم وقرا وعلى قلوبهم أكنة(١٣٣) .

____________________

(١) ترك " السيد "رحمه‌الله هذا الفصل كما جاء في الطبعة الأولى (النهج).

(١٣٣) سورة العنكبوت: ٤١ محاورة عبد الله بن عباس للخوارج توجد في: الرياض النضرة ج ٢ / ٢٤٠ ط ١، الخصائص للنسائي ص ٤٨ ط مصر. (*)

١١٦

وقد اجمعوا على تكفير كل من لا يرى رأيهم من المسلمين، وأباحوا دمه وماله وأهله، وثاروا على المسلمين يقتلون من مر بهم كائنا من كان، فكان ممن قتلوه عبد الله بن الخباب بن الأرت التميمي، وبقروا بطن زوجته وهي حامل متم(١٣٤) .

واستفحل شرهم، فأتاهم أمير المؤمنين ناصحا لله تعالى ولكتابه ولرسوله وللمسلمين عامة ولهم خاصة، فاعذر إلى الله تعالى فيما أوضحه لهم من الخطأ في خروجهم عليه وفيما احتج به عليهم مما يوجب رجوعهم إليه، وفيما انذرهم به إذا أصروا على البغي من سوء العاقبة في الدنيا بقتلهم، وفي الآخرة بمصيرهم إلى النار وبئس القرار.

ولكنهم أصروا على بغيهم لا يفيئون إلى شئ من أمر الله عزوجل على شاكلة من قوم نوح( جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ) وبذلك قتلهم أمير المؤمنين(١) ولم ينج منهم عشرة، ولم يقتل ممن كان معهعليه‌السلام عشرة وكان قد أخبرهم بذلك أثناء احتجاجه عليهم فلم يرعووا.

ثم انضم إلى هذا النفر اليسير - الذي لم يقتل من الخوارج - جماعة آخرون من أهل الضلال يرون رأيهم في التحكيم، والخروج على الولاة، فلما ولي عبد الله بن الزبير ظهر منهم جماعة في العراق مع نافع بن الأزرق ،

____________________

(١٣٤) مقتل ابن الخباب على أيدي الخوارج: راجع: أسد الغابة ج ٣ / ١٥٠، الإصابة ج ٢ / ٢٩٤.

(١) عملا بأوامر الكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله عز من قائل:( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) وقوله عز سلطانه:( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ ) الآية وحسبك من أوامر السنة ما سأتلوه عليك في الأصل (منه قدس) (*).

١١٧

وظهر باليمامة جماعة منهم آخرون مع نجدة بن عامر الحروري، وزاد نجدة على مذهبهم ان من لم يخرج معهم لمحاربة المسلمين فهو كافر، وتوسعوا حتى أبطلوا رجم المحصن، وأوجبوا قطع يد السارق من الابط.

وفرضوا الصلاة على الحائض حال حيضها. إلى كثير من مبتدعاتهم التي ليس هذا محل ذكرها. وان منهم إلى الآن لبقية من شراذم الفساد، في أنحاء من البلاد، مر بهم في عمان(١) ابن بطوطة الرحالة في سياحته التي كانت في القرن الثامن للهجرة وذكرهم في الجزء الأول من رحلته(٢) .

فقال: " هم أباضية المذهب، ويصلون الجمعة ظهرا أربعا، فإذا فرغوا قرأ الإمام آيات من القرآن، ونثر كلاما شبه الخطبة يرضى فيه عن أبي بكر وعمر ويسكت عن عثمان وعلي، وإذا أرادوا ذكر علي كنوا عنه: بالرجل، ويرضون عن الشقي اللعين ابن ملجم ويقولون فيه العبد الصالح مع الفتنة قال: ونساؤهم يكثرون الفساد، ولا غيرة عندهم ولا إنكار لذلك.

(قال): وكنت يوما عند سلطانهم أبى محمد بن نبهان وهو من قبيلة الأزد فأتته امرأة صغيرة السن حسنة الصورة بادية الوجه فوقفت بين يديه وقالت له: يا أبا محمد طغى الشيطان في رأسي. فقال لها: اذهبي واطردي الشيطان فقالت له: لا أستطيع وأنا في جوارك. فقال اذهبي فافعلي ما شئت فذكر لي لما انصرفت عنه: أن هذه ومن فعل فعلها تكون في جوار السلطان وتذهب للفساد، ولا يقدر أبوها ولا ذوو قرابتها أن يغيروا عليها، وان قتلوها قتلوا بها لانها في جوار

____________________

(١) عمان سلطنة صغيرة واقعة في الجنوب الشرقي من بلاد العرب تمتد على ساحل بحر العرب والخليج الفارسي. سلطانها اليوم سعيد بن تيمور (منه قدس).

(٢) ص ١٧٢ والتي بعدها (منه قدس) (*).

١١٨

السلطان " انتهى كلامه بعين لفظه. قلت: صدق الله عزوجل وبلغ رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال: " لا يبغضك يا علي إلا ابن زنا أو ابن حيضة أو منافق "(١٣٥) .

[ قتل الخوارج ]

جاء في قتل الخوارج نصوص متضافرة، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة(١٣٦) .

وحسبك من طريق غيرهم، قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث(١) وصفهم فيه فقال: " يقرأون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لاقتلنهم قتل عاد "(١٣٧) .

وفي حديث آخر(٢) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " لئن أدركتهم لاقتلنهم قتل ثمود "(١٣٨) .

____________________

(١٣٥) سورة نوح: ٧. راجع: ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٥٢، إحقاق الحق للتستري ج ٧ / ٢٢٢ نقله عن المناقب المرتضوية ص ٢٠٣، الغدير للأميني ج ٤ / ٣٢٢.

(١٣٦) البحار، كشف الغمة ج ١ / ٢٦٤.

(١) أخرجه مسلم عن أبى سعيد الخدري في باب ذكر الخوارج وصفاتهم ص ٣٩٣ من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).

(١٣٧) صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ذكر الخوارج وصفاتهم ج ٢ / ٧٤١.

(٢) أخرجه مسلم من طريقين عن أبى سعيد في ص ٣٩٤ من الجزء الأول من صحيحه في باب ذكر الخوارج أيضا (منه قدس).

(١٣٨) صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ذكر الخوارج ج ٢ / ٧٤٢، كنز العمال ج ١١ / ٣٠٨ (*).

١١٩

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصفهم من حديث ثالث(١) : " إنهم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فان في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة "(١٣٩) إلى كثير من أمثال هذه الصحاح الواردة في التحريض على قتلهم، وحسبك في دلالتها على كفرهم، ان قتلهم كقتل عاد وثمود.

[ الخوارج شر الخلق والخليقة ]

الأخبار في ان الخوارج شر الخلق والخليقة متواترة من طريق العترة الطاهرة، وحسبك من طريق غيرهم ما أخرجه مسلم(٢) عن أبي ذر ورافع بن عمر الغفاريين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال: " أن بعدي من أمتي، أو سيكون بعدي من أمتي قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم(٣) يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة " آه.(١٤٠) .

____________________

(١) أخرجه مسلم عن علىعليه‌السلام في باب التحريض على قتل الخوارج ص ٣٩٦ من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).

(١٣٩) صحيح مسلم ب ٤٨ التحريض على قتل الخوارج ج ٢ / ٧٤٦، كنز العمال ج ١١ / ٢٠٤ و ٢٠٦.

(٢) في باب الخوارج شر الخلق والخليقة ص ٣٩٨ من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).

(٣) أي لا تفهمه قلوبهم، ولا ينتفعون بما يتلونه منه، ولا لهم حظ سوى تقطيع حروفه في حلاقيمهم حين تلاوته، فقلوبهم غلف قد ران عليها ما يكسبون لا ينفذ إليها شئ من نور القرآن لا تقبل لهم تلاوة ولا يصعد لهم عمل (منه قدس).

(١٤٠) صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٩ الخوارج شر الخلق والخليقة ج ٢ / ٧٥٠، كنز العمال ج ١١ / ٢٠٥ و ٣٠٧. (*).

١٢٠

وفي صحيح مسلم أيضا بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس، سيماهم التحالق. قال: " هم شر الخلق، أو من أشر الخلق، يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق قال: فضرب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مثلا: الرجل يرمي الرمية. أو قال: الغرض فينظر في النصل فلا يرى بصيرة، وينظر في النضي فلا يرى بصيرة، وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة "(١) الحديث(١٤١) .

وفي مسند الإمام أحمد من حديث عن أبي برزة من طريقين(٢) إليه، ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصف الخوارج فقال: " يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون فيه، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شر الخلق والخليقة، هم شر الخلق والخليقة، هم شر الخلق والخليقة "(١٤٢) .

قلت: إذا كانوا شر الخلق والخليقة، أو من أشرهم، لا تكون عبدة الاوثان ولا منكروا الاديان شرا منهم، وكفى بهذا حجة على كفرهم.

____________________

(١) الحديث راجعه في باب ذكر الخوارج وصفاتهم ص ٣٩٥ من جزئه الأول. وأخرجه الإمام أحمد من حديث أبى سعيد أيضا في ص ٥ من الجزء الثالث من مسنده (منه قدس).

(١٤١) صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ذكر الخوارج وصفتهم ج ٢ / ٧٤٥.

(٢) أحدهما في آخر ص ٤٢٤ والتي بعدها. وثانيهما في أول ص ٤٢٢ من الجزء الرابع من مسنده (منه قدس).

(١٤٢) كنز العمال ج ١١ / ٣٠٥ و ٣٠٦، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٣٣ (*).

١٢١

[ مروق الخوارج من الدين وأخبارهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنهم بالمغيبات ]

تواتر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصوص صريحة بمروق الخوارج من الدين وحسبنا منها - مضافا إلى ما سمعته آنفا - ما أخرجه أصحاب الصحاح بأسانيدهم الصحيحة، وطرقهم الكثيرة، وحيث لا يسعنا استقصاؤها في هذا الإملاء، فلنكتف بما أخرجه الشيخان في صحيحيهما بالاسناد إلى أبي سعيد الخدري(١) واللفظ للبخاري.

قال: " بينا نحن عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة(٢) وهو رجل من بني تميم. قال: " يا رسول الله اعدل ". فقال رسول الله: " ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل وقد خبت وخسرت ان لم أكن أعدل " فقال عمر: " ائذن لي فأضرب عنقه(٣) " فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " دعه فان له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون

____________________

(١) أما البخاري فقد أخرجه في باب علامات النبوة في الإسلام من كتاب بدء الخلق ص ١٨٤ من الجزء الثاني من صحيحه، وفى مواضع أخر من الصحيح، وأما مسلم فقد أخرجه في باب ذكر الخوارج وصفاتهم ص ٣٩٣ وما بعدها من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).

(٢) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون الياء وكسر الصاد، واسمه حرقوص ابن زهير (منه قدس).

(٣) ليته ضرب عنقه حين أمر بذلك (منه قدس) (*).

١٢٢

القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين(١) كما يمرق السهم من الرمية(٢) ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ(٣) ثم، ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شئ، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر(٤) . ويخرجون على حين(٥) فرقة من الناس

قال أبو سعيد: فأشهد إني سمعت هذا الحديث من رسول الله، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتى به حتى نظرت

____________________

(١) أي يخرجون من دين الإسلام وهذه الكلمة من الأدلة على كفر الخوارج وعليه إجماع الإمامية واليه ذهب جماعة من أعلام الجمهور كالخطاب والقاضي أبى بكر ابن العربي في شرح الترمذي لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله - كما في صحيح مسلم - " يمرقون من الإسلام " (منه قدس).

(٢) الرمية كفعيلة بمعنى مفعولة هي الصيد المرمى، والمروق سرعة نفوذ السهم من الرمية حتى يخرج من الطرف الأخر ومنه مروق البرق لخروجه بسرعة، شبهصلى‌الله‌عليه‌وآله مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه، ولشدة سرعة خروجه لقوة ساعد الرامي لا يعلق على السهم يمرقون من الإسلام (منه قدس).

(٣) ينظر بالبناء للمفعول والنصل حديدة السهم. أي لا يوجد فيها شئ ما من الصيد مطلقا لا دم ولا غيره (منه قدس).

(٤) تدردر فعل مضارع أصلها تتدردر حذفت إحدى التاءين تخفيفا - أي تتحرك وتذهب وتجئ (منه قدس).

(٥) قال النووي في تعليقه على هذا الحديث ص ٨٦ من الجزء السادس من شرح صحيح مسلم: ضبطوه في الصحيح بوجهين أحدهما: على حين فرقة بحاء مهملة ثم ياء بعد نون. وثانيهما على خير فرقة بخاء معجمة مفتوحة بعدها ياء ثم راء. قلت: هذا هو المأثور الصحيح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والمراد بخير فرقة على وأصحابه كما لا يخفى (منه قدس) (*).

١٢٣

إليه على نعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي نعته "(١٤٣) .

والأخبار عن الخوارج بهذا ونحوه - من أفعالهم وصفاتهم الخلقية والخلقية - متواترة من طريقنا عن العترة الطاهرة، متضافرة من طريق الجمهور عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فلتراجع في مضانها من حديث الفريقين(١٤٤) وانها لمن أعلام النبوة وآيات الإسلام لما فيها من أنباء الغيب التي ظهرت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للناس كفلق الصبح، إذ رأي الناس مروق هؤلاء من الإسلام بخروجهم على الإمام(٣) وكان خروجهم على افتراق من الناس(٤) وقد قتلوا

____________________

(١٤٣) تجد هذا الحديث عن أبى سعيد في مسند أحمد فراجعه ص ٥٦ من الجزء الثالث من مسنده (منه قدس).

أخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمارقين وصفاتهم: راجع صحيح البخاري ك بدء الخلق ب علامات النبوة في الإسلام ج ٤ / ٢٤٣ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ذكر الخوارج ج ٢ / ٧٤٤، مسند أحمد ج ٣ / ٥٦ و ٦٥، خصائص النسائي ص ٤٣ و ٤٤ ط التقدم، المناقب للخوارزمي ص ١٨٢، أسد الغابة ج ٢ / ١٤٠، الأنوار المحمدية ص ٤٨٧، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٣٢ و ٤٣٣، كنز العمال ج ١١ / ٢٠٢ و ٣٠٧.

(١٤٤) ولاسيما الصحاح الستة وغيرها من المسانيد التي هي مدار الجمهور في علمهم وعملهم (منه قدس).

صفات الخوارج: من طريق الجمهور فراجع: كنز العمال ج ١١ / ١٩٨ - ٢٠٨ و ٢٨٦ - ٣٢٣، إحقاق الحق للتستري ج ٨ / ٤٧٥ - ٥٢٢، المناقب للخوارزمي ص ١٨٢ - ١٨٥.

(٣) كما أخبر به النبي عنهم إذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " يخرجون على خير " فرقة بكسر الفاء - يعنى عليا وأصحابه - (منه قدس).

(٤) كما أخبر بهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال: " يخرجون على حين فرقة " بضم الفاء وكان خروجهم =>

١٢٤

وكان قاتلهم إمام الحق(١٤٥) وكانوا في بقية شؤونهم كما أخبر عنهم، يقتلون أهل الإيمان، ويدعون عبدة الأوثان، ويتشددون في الدين في غير موضع التشدد، يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم.

لان قلوبهم غلف قد ران عليها مروقهم من الدين، فلا ينفذ إليها شئ من نور القرآن يبالغون في الصلاة والصيام لكنهم لا يقيمون حقوق الإسلام، لمروقهم منه غير متأثرين بشئ من هداه، مروق السهم من الرمية، يسبق الفرث والدم.

وقد ظهرت للناظرين آيتهم الخاصة بهم، رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدى المرأة، أو مثل البضعة تدردر كما أخبرصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد تضمنت أخباره عن هذه المارقة بقاء الأمة بعده، وبقاء الشوكة والطول لها، على خلاف ما أرجف المرجفون، وكل ذلك علم بالغيب، والله تعالى يقول( فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (٢) .

ولنختم ما عنينا به من شؤون هذه المارقة بحديث أخرجه الطبراني في الأوسط(٣) عن جندب(٤) .

____________________

=> في صفين والناس فئتان، أحداهما مع علىعليه‌السلام ، وأخرى باغية مع معاوية (منه قدس).

(١٤٥) كما أخبر به أذ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله " يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق " وقال في حديث آخر أخرجه مسلم عن أبى سعيد: " يقتلهم أولى الطائفتين بالحق " (منه قدس).

(٢) سورة الجن آية: ٢٦ و ٢٧.

الإمام أمير المؤمنين على بن أبى طالبعليه‌السلام طبق ما أخبر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أمر الخوارج: راجع صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ج ٢ / ٧٤٥ و ٧٤٦، كنز العمال ج ١١ / ٣١٠ و ٣١٤ ذخائر العقبى ص ١١٠. (٣) كما في ص ٧١ من الجزء السادس من كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال وهو الحديث ١١٧٩ (منه قدس).

(٤) هو جندب بن زهير بن الحارث بن كثير بن سبع بن مالك الأزدي الغامدي =>

١٢٥

قال: لما فارقت الخوارج عليا خرج في طلبهم وخرجنا معه، فانتهينا إلى عسكر القوم. فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن وإذا فيهم من أصحاب النقبات، وأصحاب البرانس، فلما رأيتهم دخلني من ذلك شدة، فتنحيت فركزت رمحي، ونزلت عن فرسي، ونزعت برنسي، فنشرت عليه درعي، وأخذت بمقود فرسي، فقمت أصلي إلى رمحي وأنا أقول: اللهم ان كان قتال هؤلاء القوم لك طاعة فأذن لي فيه، وان كان معصية فأرني براءك.

فبينا أنا كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب فلما دنا مني قال: تعوذ بالله يا جندب من شر السخط، فجئت أسعى إليه، ونزل فقام يصلي، وإذا برجل أقبل.

فقال: يا أمير المؤمنين ألك حاجة في القوم ؟ قال: وما ذاك ؟ قال: قطعوا النهر فذهبوا. قال: ما قطعوه. قال: سبحان الله ! ثم جاء آخر فقال: قد قطعوا النهر فذهبوا.

____________________

=> كان من أصحاب أمير المؤمنين وخاصة أوليائه، وقد ذكره ابن حجر العسقلاني في القسم الأول من إصابته. على أن في صحبته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلافا، لكنه لا كلام في كونه من كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم شهد مع أمير المؤمنين حروبه أيام الجمل وصفين والنهروان وكان في صفين على الرجالة.

وعن أبى دريد في أماليه بسنده إلى أبى عبيدة عن يونس قال: كان عبدالله بن الزبير اصطفنا يوم الجمل فخرج علينا صالح فقال: يا معشر فتيان قريش أحذركم رجلين جندب ابن زهير والأشتر، فإنكم لا تقومون لسيوفهما قلت: جندب بن زهير هذا غير جندب الذي قتل الساحر بين يدي الوليد بن عقبة، فان قاتل الساحر جندب بن كعب العبدي قتل بصفين مع علىعليه‌السلام نص على ذلك الزبير بن بكار في كتابه الموفقيات، وهو المنقول عن ابن الكلبي وغيره (منه قدس) (*).

١٢٦

قال: ما قطعوه. قال: سبحان الله. ثم جاء آخر فقال: قد قطعوا النهر فذهبوا. قال علي: ما قطعوه ولا يقطعونه وليقتلن دونه عهد من الله ورسوله. ثم ركب فقال لي: يا جندب إني باعث إليهم رجلا يدعوهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم، فلا يقبل عليهم بوجهه حتى يرشقوه بالنبل، يا جندب: انه لا يقتل منا عشرة ولا ينجو منهم عشرة.

ثم قال: من يأخذ هذا المصحف فيمشي به إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيه وهو مقتول وله الجنة، فأجابه شاب من بني عامر بن صعصعة فخرج الشاب بالمصحف إلى القوم. فلما دنا منهم نشبوه. فقال علي: دونكم القوم. قال جندب: فقتلت بكفي هذه ثمانية قبل أن أصلي الظهر، وما قتل منا عشرة، وما نجا منهم عشرة كما قال علي "(١٤٦) والحمد لله.

____________________

(١٤٦) ظهور الحق لجندب بعد أن اطلع على حقائق الخوارج: راجع: كنز العمال ج ١١ / ٢٨٩، مجمع الزوائد ج ٦ / ٢٤٢.

١٢٧

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١٠٩: -

[ المورد - (١٢) -: قتال المتريثين في النزول على أمر أبي بكر في أمر الزكاة لارتيابهم في ولايته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا في افتراضها عليهم. ]

وكان أبو بكر(١٤٧) قد جمع الصحابة يستشيرهم في قتال هؤلاء فكان رأي عمر بن الخطاب وطائفة من المسلمين معه أن لا يقاتلوا قوما يؤمنون بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأن يستعينوا بهم على عدوهم.

ولعل أصحاب هذا الرأي كانوا أكثر الحاضرين في حين كان الذين أشاروا بالقتال هم القلة، وأغلب الظن ان المجادلة بين القوم في هذا الأمر البالغ الخطر طالت واحتدمت أيما احتدام فقد اضطر أبو بكر أن يتدخل بنفسه فيها يؤيد القلة، ولقد اشتد في تأييد رأيه في ذلك المقام. يدل على ذلك قوله: " والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقاتلهم على منعه "(١٤٨)

ولم يثن هذا المقال عمر عن أن يرى ما في القتال من تعريض المسلمين لخطر تخشى مغبته، فقال في شئ من الحدة: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله، فمن قالها عصم منى ماله ودمه الا بحقها وحسابهم على الله " !(١٤٩) .

لكن أبا بكر لم يتريث ولم يتردد في إجابة عمر فقال: " والله لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فان الزكاة حق المال " وقد قال: " الا بحقها "(١٥٠) .

قلت: عفى الله عن أبي بكر ما أراد أن يكون كالضارب بهذا النص عرض الجدار فحمله بلباقة على ما تقتضيه سياسته مما كان عازما عليه من القتال. وإلا فان المؤمنين بالله ورسوله ممن قوتلوا يومئذ وقتلوا، فلم يكن منهم من يفرق

____________________

(١٤٧) فيما رواه الثقات الإثبات من حفظة الآثار فراجع الفصل الخامس أو ص ١٠٤ من كتاب الصديق للأستاذ الكبير المتتبع هيكل (منه قد).

(١٤٨) صحيح مسلم ك الإيمان ب ٨ ج ١ / ٥١.

(١٤٩) راجع: صحيح مسلم ك الإيمان ب ٨ ج ١ / ٥١، سنن ابن ماجة ك الفتن ب ١ ج ٢ / ١٢٩٥، خصائص النسائي ص، سنن البيهقي ج ٨ / ١٩ و ١٩٦، الغدير للأميني ج ٧ / ١٦٣.

(١٥٠) نفس المصادر السابقة.

١٢٨

بين الصلاة والزكاة في شئ، وإنما كانوا متريثين في النزول على حكمه في الزكاة وغيرها، إذ لم تكن نيابته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحكم حينئذ ثابتة لديهم لشبهة دخلت عليهم(١) اضطرتهم إلى الارتياب فيها، فكانوا معذورين في تريثهم بل مأجورين به(١٥١) .

وقد أدوا بتريثهم هذا أموالهم وحق زكاتها، فان من حقهما أن لا ينزلوا في كل منهما إلا على حكم الله ورسوله أو حكم من تثبت له الولاية عليهم من قبل الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولو بلغ أبا بكر عذرهم هذا، لعده حجة عليه في إمهالهم يتريثون، لكن أنى لهؤلاء المظلومين حينئذ بأبي بكر لينصفهم.

وأنت ترى صحاح السنن المتوالية(١٥٢) صريحة بعصمة دماء هؤلاء المؤمنين وأمثالهم وانها على كثرتها بين عام ومطلق وليس ثمة من مخصص لعامها ومقيد لمطلقها ليتشبث به المبيح لقتالهم وقتلهم.

____________________

(١) كما سنوضحه فيما بعد إنشاء تعالى (منه قدس).

(١٥١) وذلك بناءا على ان المنقاد إلى أمر الله تعالى أو برجاء المطلوبية يكون مستحقا للثواب كالمطيع لأمره سبحانه لان العلة فيهما واحدة وان اختلفت في المصادفة وعدمه كما ذكر وحقق في أصول الفقه. (١٥٢)

مصادر الأحاديث في حقن دماء المؤمنين: كما تقدم تحت رقم - ١٤٩ - وراجع أيضا الغدير ج ٧ / ١٦٣، الفصول المهمة لشرف الدين ص ١١ - ١٧ ط ٥، صحيح البخاري ك الديات ب ٦ ج ٩ / ٦ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك القسامة ب ٦ ج ٣ / ١٣٠٢ ح ٢٥ و ٢٦ ط بيروت بتحقيق محمد فؤاد عبدا لباقي، صحيح الترمذي ك الحدود ب ١٥ ج ٤ / ٤٩ ح ١٤٤٤، مسند أحمد بن حنبل ج ١ / ٦١ و ٦٣ و ٦٥ و ٧٠ و ١٦٣ و ٣٨٢ و ٤٢٨ و ٤٤٤ و ٤٦٥ وج ٦ / ١٨١ و ٢١٤ ط ١، سنن أبى داود ك الحدود ب ١، سنن الدرامي ك السير ب ١١، سنن ابن ماجة ك الحدود ب ١ ج ٢ / ٨٤٧ ح ٢٥٣٣ و ٢٥٣٤، كنز العمال ج ١٥ / ١٤٨ (*).

١٢٩

أما ما ذكره أبو بكر من كون الزكاة حق المال فليس من التخصيص والتقييد في شئ إذ لا يستفاد منه أكثر من وجوبها على المكلفين بها، وان لولي الأمر القائم مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يطالبهم بها ويأخذها منهم فان امتنعوا عن دفعها إليه طائعين أخذها منهم مرغمين بقوته القاهرة لهم مجردة عن القتال.

أما قتالهم عليها فمعارض لحقن دمائهم المنصوص على عصمتها في صحاح عامة تأبى التخصيص بمجرد ما ظنه أبو بكر مخصصا كما بيناه.

واليك منها ما تجده في باب فضائل علي من صحيح مسلم(١) من حديث جاء فيه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أعطاه الراية يوم خيبر قال له: " امش ولا تلتفت وأنه مشى شيئا ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل الناس ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فان فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله "(١٥٣) .

وفي صحيحي البخاري ومسلم بالإسناد إلى أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت

____________________

(١) ص ٣٢٤ من جزئه الثاني (منه قدس).

(١٥٣) راجع: صحيح مسلم ك فضائل الصحابة ب ٤ من فضائل على بن أبى طالب ج ٤ / ١٨٧١ ح ٣٣، مسند أحمد بن حنبل ج ٢ / ٣٨٤، مسند أبى داود الطيالسي ص ٣٢٠، الخصائص للنسائي ص، مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلي ص ١٨٦، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ٢٨ ط العلمية، ذخائر العقبى ص ٧٣، كنز العمال ج ١٠ / ٤٦٨ وج ١٣ / ١١٦، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٤، ينابيع المودة للقندوزي ص ٤٩ ط اسلامبول، إحقاق الحق للتستري ج ٥ / ٣٨٤ - ٣٩٠.

١٣٠

أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال: لا اله إلا الله، فكف الأنصاري عنه فطعنته برمحي، فلما قدمنا بلغ النبي ذلك فقال: يا أسامة أقتلته بعدما قال لا اله إلا الله. قلت: كان متعوذا. فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم "(١٥٤) .

قلت: ما تمنى ذلك حتى ظن ان جميع ما عمله قبل هذه الواقعة من إيمان وصلاة وزكاة وصوم وصحبة وجهاد وغيرها لا يمحو عنه هذه السيئة وأن أعماله الصالحة بأجمعها قد حبطت بها، ولا يخفي ما في كلامه من الدلالة على انه كان يخشى أن لا يغفر له بعدها، ولذا تمنى تأخر إسلامه عنه، ليكون داخلا في حكم قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " الإسلام يجب ما قبله ". وناهيك بها حجة على احترام أهل لا اله إلا الله وعصمة دمائهم.

وأخرج البخاري في باب بعث علي وخالد إلى اليمن من صحيحه ان رجلا قام فقال: يا رسول الله اتق الله. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ؟ !. فقال خالد: يا رسول الله ألا اضرب عنقه ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا، لعله أن يكون يصلي "(١٥٥) .

____________________

(١٥٤) عدم رضا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما قتل أسامة رجلا قال لا اله إلا الله: راجع: صحيح البخاري ك المغازي ب ٤٥ ج ٥ / ١٨٣ وك الديات ب ٢ ج ٩ / ٤ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك الإيمان ب ٤١ ح ١٥٩ ج ١ / ٩٧ تحقيق محمد فؤاد، مسند أحمد بن حنبل ج ٥ / ٢٠٠، أسد الغابة ج ١ / ٦٥.

(١٥٥) وهذا الحديث أخرجه أحمد من مسند أبى سعيد الخدري في ص ٤ من الجزء الثالث من مسنده. ومثله ما نقله العسقلاني في ترجمة سرحوق المنافق في الإصابة من أنه أتى به ليقتل قال رسول الله: هل يصلى ؟ قالوا: إذا رآه الناس. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إني نهيت عن قتل المصلين. وكذلك ما أخرجه الذهبي في ترجمة عامر بن عبد الله بن يسار =>

١٣١

وفي الصحيحين بالإسناد إلى ابن عمر قال: قال النبي " ص " وهو بمنى وقد أشار إلى الكعبة: " أتدرون أي بلد هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ان هذا بلد حرام، أتدرون أي يوم هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال انه يوم حرام. أتدرون أي شهر هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهر حرام، وان الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا "(١٥٦) .

والصحاح وغيرها من كتب المسانيد مشحونة بهذه السنن ومضمونها مما

____________________

=> من ميزانه عن أنس قال: ذكر عند النبي رجل فقيل ذلك كهف المنافقين فلما أكثروا فيه رخص لهم في قتله ثم قال: هل يصلى ؟ قالوا: نعم صلاة لا خير فيها قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني نهيت عن قتل المصلين. قلت: ليت خالد بن الوليد احترم صلاة مالك بن نويرة، فانتهى بها عن قتله، وقد شهد له عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري ان مالكا صلى صلاة الصبح معهم يوم قتله، لكنه افتتن بعرس مالك كما قال معاصره أبو زهير السعدي :

قضى خالد بغيا عليه بعرسه * وكان له فيها هوى قبل ذلك

(الأبيات) (منه قدس). وراجع: صحيح البخاري ك المغازي ب ٥٩ ج ٥ / ٢٠٧ ط مطابع الشعب، الفصول المهمة لشرف الدين ص ١٤ ط ٥.

(١٥٦) راجع: صحيح البخاري ك الحج ب ١٣٢ ج ٢ / ٢١٦ وك العلم ب ٩ ج ١ / ٢٦ وك الأضاحي ب ٥ ج ٧ / ١٢٩ وك الحدود ب ٩ ج ٨ / ١٩٨ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك القسامة ب ٨ ج ٣ / ١٣٠٥ ح ٢٩ و ٣٠، صحيح الترمذي ك الفتن ب ٢ ج ٤ / ٤٦١ ح ٢١٥٩ وك التفسير ب ١٠ ج ٥ / ٢٧٣ ح ٣٠٨٧، سنن ابن ماجة ك المناسك ب ٧٦ ج ٢ / ١٠١٥ ح ٣٠٥٥ و ٣٠٥٧ و ٣٠٥٨ وب ٨٤ ح ٣٠٧٤ وك الفتن ب ٢ ج ٢ / ١٢٩٧ ح ٣٩٣١، مسند أحمد ج ١ / ٢٣٠ وج ٣ / ٨٠ و ٣١٣ و ٣٧١ وج ٤ / ٧٦ و ٣٠٥ و ٣٣٧ وج ٥ / ٣٠ و ٣٧ و ٣٩ و ٤٠ و ٤٩ و ٦٨ و ٧٢ و ٤١١ و ٤١٢ ط ١، سنن أبى داود ك المناسك ب ٥٦، سنن الدرامي ك المناسك ب ٣١ (*).

١٣٢

لا ريب فيه للمسلمين(١٥٧) .

وبها لا يحل قتال المسلم بمجرد تريثه في دفع الزكاة إلى الإمام، ولا سيما إذا كان تريثه عن شبهة اضطرته إلى الريب في إمامته كما كان هو الشأن في بعض القبائل يوم لحق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرفيق الأعلى، فاحتدمت الفتنة يومئذ واستطار شرها في آفاق العرب، وارتد عن الإسلام كثير منهم(١٥٨) .

واختلف المهاجرون والأنصار في أمر الخلافة، فكان كل منهما على رأيين وربما كان الأنصار على ثلاثة آراء(١٥٩) ، وبويع أبو بكر أثناء هذه الشرور فكانت بيعته - كما قيل - فلتة وقى الله المسلمين شرها(١٦٠) .

____________________

(١٥٧) سنن ابن ماجة ك الفتن ب ٢ ج ٢ / ١٢٩٧ - ١٢٩٨، كنز العمال ج ١٥ / ١٤٦، الفصول المهمة لشرف الدين ص ١١ - ١٧ ط ٥.

(١٥٨) راجع كتب التاريخ والسير: المختصر لأبي الفداء ج ١ / ١٥٥ و ١٥٧.

(١٥٩) عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ /، وشرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٢ / ٢٤ ط مصر بتحقيق أبو الفضل.

(١٦٠) قال أبو بكر في أوائل خلافته: " ان بيعتي كانت فلتة، وقى الله شرها وخشيت الفتنة.. " راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٣٢ وج ٢ / ١٩ ط ١ بمصر وج ١ / ٣١١ ط مكتبة دار الحياة وج ٢ / ٥٠ وج ٦ / ٤٧ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ١٥٤ ط دار الفكر، أنساب الأشراف للبلاذري ج ١ / ٥٩٠ ط مصر.

وقال عمر بن الخطاب: ". ان بيعة أبى بكر فلتة وقى الله شرها. " راجع: صحيح البخاري ك الحدود ب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت ج ٨ / ٢٦ ط دار الفكر وج ٨ / ٢١٠ ط مطابع الشعب وج ٨ / ٢٠٨ ط محمد على صبيح وج ٤ / ١٧٩ ط دار إحياء الكتب وج ٤ / ١١٩ ط المعاهد وج ٤ / ١٢٥ ط الشرفية وج ٨ / ١٤٠ ط الفجالة وج ٨ / ٨ ط بمبى وج ٤ / ١٢٨ ط الخيرية، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد =>

١٣٣

فكان من الطبيعي يومئذ أن يقع الريب في صحة البيعة وانعقاد الإجماع عليها والحال هذه(١٦١) .

____________________

=> ج ١ / ١٢٣ و ١٢٤ ط ١ بمصر وج ٢ / ٢٣ و ٢٦ و ٢٩ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ٢٩٢ ط مكتبة دار الحياة وج ١ / ١٤٤ ط دار الفكر، السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ / ٢٢٦ ط دار الجيل وج ٤ / ٣٣٨ ط آخر، النهاية لابن الأثير ج ٣ / ٤٦٦، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠٥، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ٣٢٧، الصواعق المحرقة ص ٥ و ٨ ط الميمنية وص ٨ و ١٢ ط المحمدية، تاج العروس ج ١ / ٥٦٨، لسان العرب ج ٢ / ٣٧١، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٦٧، السيرة الحلبية ج ٣ / ٣٦٠ و ٣٦٣، مسند أحمد ج ٦ / ٥٥، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٥ / ١٥، تيسير الوصول ج ٢ / ٤٢ و ٤٤، الرياض النضرة ج ١ / ١٦١، تمام المتون للصفدي ص ١٣٧. ولأجل المزيد من المصادر راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ٢٥٤ تحت رقم (٨٢٦).

وقال عمر مرة اخرى: " ان بيعة أبى بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. ". راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٢٣ ط ١ وج ٢ / ٢٦ بتحقيق أبو الفضل، الصواعق المحرقة ص ٢١ ط الميمنية وص ٣٤ ط المحمدية، الملل والنحل ج ١ / ٢٢ ط دار المعرفة.

(١٦١) بل لا إجماع فانه قد تخلف عن بيعة أبى بكر كثير من كبار الصحابة وأهل الحل والعقد: ١ - أمير المؤمنين على بن أبى طالبعليه‌السلام . ٢ - العباس بن عبد المطلب ٣ - عتبة بن أبى لهب ٤ - سلمان الفارسي ٥ - أبو ذر الغفاري ٦ - عمار بن ياسر ٧ - المقداد ٨ - البراء بن عازب ٩ - أبى بن كعب ١٠ - سعد بن أبى وقاص ١١ - طلحة بن عبيد الله ١٢ - الزبير بن العوام ١٣ - خزيمة بن ثابت ١٤ - فروة بن عمر الأنصاري ١٥ - خالد بن سعيد بن العاص الأموي ١٦ - سعد بن عبادة الأنصاري لم يبايع حتى توفى =>

١٣٤

بل كان الحال ابانئذ أفظع مما ذكرناه وأدعى إلى الارتياب والاضطراب. وإذا لا جناح على أولئك المرتابين في خلافة الصديق من المؤمنين إذا لم ينزلوا على حكمه في أمر الزكاة وغيرها حتى يحصل لهم العلم بقيامه شرعا مقام رسول الله في أوامره ونواهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١١٦: -

[ المورد - (١٣) -: يوم البطاح ، أو يوم مالك بن نويرة وقومه من خالد ]

وذلك ان القيادة العامة كانت يومئذ لخالد بن الوليد، فكان يأمر بما يشاء ويحكم فيها بما يريد، لم يقتصر يومئذ على قتل المؤمنين صبرا بل تجاوز ذلك إلى المثلة وسبي المسلمات واستباحة ما حرم الله تعالى من الأموال والفروج وتعطيل الحدود الشرعية في أحداث ما أظن ان لها نظيرا في الجأهلية(١٦٢) .

[ من هو مالك ؟ ]

هو مالك بن نويرة بن حمزة بن شداد بن عبد بن ثعلبة بن يربوع التميمي

____________________

=> بالشام في أيام خلافة عمر. ١٧ - الفضل بن العباس. وجماعة من بنى هاشم وغيرهم. راجع: العقد الفريد ج ٤ / ٢٥٩، عبدالله بن سبأ للعسكري ج ١ / ١٠٥، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٣١ ط ١، الغدير للأميني ج ٥ / ٣٧٠، مروج الذهب ج ٢ / ٣٠١ أسد الغابة ج ٣ / ٢٢٢، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠٨، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ٣٢٥ و ٣٣١ تاريخ اليعقوبي ج ٢ / ١٠٣ و ١٠٥، سمط النجوم العوالي ج ٢ / ٢٤٤، السيرة الحلبية ج ٣ / ٣٥٦، المختصر لأبي الفداء ج ١ / ١٥٦.

(١٦٢) الغدير للأميني ج ٧ / ١٥٨ وغيره ممن تحدث عن هذه الواقعة. (*)

١٣٥

اليربوعي هامة الشرف في بني تميم وعرنين المجد في بني يربوع من علية العرب وممن تضرب الأمثال بفتوته نجدة وكرما وحفيظة وشجاعة وبطولة بكل معانيها، وهو من أرداف الملوك، أسلم وأسلم بنو يربوع بإسلامه وولاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على صدقات قومه ثقة به واعتمادا عليه(١٦٣) .

[ جرم مالك وموقفه ]

إنما كان جرمه تريثه في النزول على حكم أبي بكر في أمر الزكاة وغيرها باحثا عن تكليفه الشرعي في ذلك ليقوم به على ما شرع الله عزوجل ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله . أما موقفه فلم يكن عن ارتياب ولا عن شق عصا ولا ابتغاء فتنة ولا أرادة قتال، وإنما فوجئ بهذه الغارة عليه من خالد في مستهل خلافة أبي بكر حيث كان الخلاف محتدما بين السابقين الأولين في أمر الخلافة(١٦٤) .

فأهل البيت وأولياؤهم كانوا فيها على رأى(١٦٥) .

وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسالم وأتباعهم على رأي آخر.(١٦٦)

وكذلك الأنصار (الَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ) حتى غلب نقيبهم سعد بن

____________________

(١٦٣) أسد الغابة ج ٤ / ٢٩٥، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ١٤٥، الإصابة لابن حجر ج ٣ / ٣٣٦.

(١٦٤) عبد الله بن سبأ ج ١ / ٩٠ - ١٠٠، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٦٤.

(١٦٥) عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٩٠ و ١٠٣ - ١٢٠، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ / ٤ وراجع ما تقدم تحت رقم (١٦١).

(١٦٦) عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٩٣ - ٩٨، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠١ و ٢٠٢ و ٣٠٢ (*).

١٣٦

عبادة على أمره فاعتزلهم واعتزل أمرهم يحلف بالله انه لو وجد أعوانا عليهم لقاتلهم ثم لم تجمعه جمعتهم ولم يفض بافاضتهم حتى مات في حوران(١٦٧) .

إلى كوارث أخر حول البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه أعني البيوت التي قال الله عزوجل في حقها:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (١٦٨) وحول وديعة رسول الله وزهرائه وحول ارثها ونحلتها وخمسها ومجابهتها إياهم بكل حجة بالغة إلى غير ذلك من الأمور التي أنذر بها القرآن الحكيم.

فكان من الطبيعي لمثل مالك في عقله ونبله ومكانته في قومه ان يتربص - والحال هذه - في النزول على حكم من يظهر في المدينة ويقهر خصومه على الخلافة حتى يتبين له انه انما قهرهم بالحق وظهر عليهم باجتماعهم عليه بعد ذلك التنازع، وبهذا لا بسواه تريث مالك في دفع الزكاة باحثا عمن تبرأ ذمته بدفعها إليه.

فكان عليهم أن يمهلوه مدة تسع البحث عن هذه الحقيقة الغامضة في تلك الأوقات ولا يعاجلوه مفاجئيه بتلك النكبات فانه لم يكن ممن أنكر الزكاة ولا ممن فرق بينها وبين الصلاة ولا ممن استحل قتال أبي بكر أو غيره من المسلمين.

هذه هي الحقيقة في موقف مالك وأصحابه، يدل على ذلك نصحه لقومه في تثبيته إياهم على الإسلام وعدم المناوأة لخالد وأمره إياهم بالتفرق لئلا يصطدموا بجيشه الناهد إلى بطاحهم ونهيه إياهم عن الاجتماع في مكان ما

____________________

(١٦٧) عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٩٢ - ٩٣، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢١٨ - ٢٢٣.

(١٦٨) سورة الأحزاب آية: ٥٣ (*).

١٣٧

لئلا يظن أحد بأنهم معسكرون(١٦٩) .

[ زحف خالد إلى البطاح ]

لما فرغ خالد من أسد وغطفان ازمع على المسير إلى البطاح يلقي فيها مالك بن نويرة وقومه، وكان مالك أخلى له البطاح، وفرق قومه لما بيناه من عزمه على السلام احتياطا منه على الإسلام في تلك الأيام. فلما عرف الأنصار عزم خالد على المسير إلى مالك، توقفوا عن المسير معه وقالوا: " ما هذا بعهد الخليفة إلينا إنما عهده ان نحن فرغنا من البزاخة واستبرأنا بلاد القوم أن نقيم حتى يكتب إلينا ".

فأجابهم خالد: " انه ان لم يكن عهد إليكم بهذا فقد عهد إلي أن أمضي وأنا الأمير والي تنتهي الأخبار، ولو انه لم يأتني كتاب ولا أمر، ثم رأيت فرصة ان أعلمته بها فأتتني لم أعلمه حتى انتهزها، وكذلك إذا ابتلينا بأمر لم يعهد لنا فيه لم ندع أن نرى أفضل ما يحضرنا ثم نعمل به، وهذا مالك بن نويرة بحيالنا وأنا قاصد له بمن معي "(١) .

ثم سار ومن معه يقصد البطاح ،

____________________

(١٦٩) نص على ذلك كله الأستاذ هيكل في كتابه " الصديق أبو بكر " فراجع منه ما هو تحت عنوان مالك ينصح لقومه ص ١٤٤. وقال الأستاذ العقاد في عبقرية خالد سطر ١٤ ص ١٢١ حيث ذكر موقف مالك: انه ليس موقف عناد وتحفز لقتال. لكن العقاد أخطأ في أبيات لمالك إذ حملها على غير معناها المتبادر منها إلى الأذهان كما لا يخفى على من أمعن بها (منه قدس). وراجع: الغدير للأميني ج ٧ / ١٥٨ - ١٦٨، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ١٤٥ - ١٤٩.

(١) ذكر هذه المحاورة (بألفاظها) بينه وبين من كان في جيشه من الأنصار كل من هيكل في كتابه " الصديق أبو بكر " ص ١٤٣ والتي بعدها، والعقاد في آخر ص ٢٦٧ =>

١٣٨

فلما بلغوها لم يجدوا فيها أحدا(١٧٠) .

[ مجيؤهم بمالك في نفر من قومه وقتلهم صبرا ]

فلما لم يجدوا فيها أحدا أرسل خالد سراياه في أثرهم فجاءته بمالك بن

____________________

=> من عبقرية عمر وغيرهما من أهل الأخبار وقد استفاضت بينهم فلتراجع. وترى كلام الأنصاري في هذه المحاورة صريحا بأن الخليفة لم يعهد إليهم بالزحف على مالك، لكن خالدا أدعى العهد من الخليفة إليه خاصة وبناءا على هذا فالخليفة قد استعمل اللياقة والحيلة في أن لا يكون مسؤولا من الناس عن جرائم يوم البطاح، وانما يكون المسؤول عنها خالدا وحينئذ يحفظه معتذرا بأنه تأول فأخطأ، وهذه الواقعة تدل على تعمقه في السياسة إلى أبعد حد (منه قدس).

(١٧٠) كلمة أهل السير والأخبار كافة متفقة على أن خالدا حين احتل البطاح بجيشه لم يجد فيها أحدا من أهلها، وان مالكا قد فرق قومه من قبل في ديارهم قائلا لهم إياكم والمناواة وناصحا لهم بالبقاء على الإسلام وأن يبقوا متفرقين حتى يلم الله هذا الشعث، فراجع من كتاب الصديق أبو بكر ص ١٤٤ وغيره من مظان هذا الأمر (منه قدس).

من مختلقات (سيف بن عمر التميمي) في ارتداد مالك بن نويرة: هذه الرواية موجودة في تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٧٦ وفى سند هذه (سيف بن عمر) وهو من الرواة الوضاعين وقد حاول في قصة مالك بن نويرة أن يصوره مرتدا عن الإسلام ويختلق المعاذير لجناية خالد فقد اختلق هذا الرجل روايات وحرف أخرى في سبيل التوصل لرغباته الدنيئة ولأجل معرفة الروايات المتخلقة التي رواها سيف في قصة مالك والروايات الأخرى التي رواها غيره راجع: كتاب عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ١٤٥ - ١٥٥ ط بيروت، فسوف تجد الحقيقة سالمة.

ولأجل المزيد من الاطلاع على حياة (سيف بن عمر) ومعرفة حقيقته ومختلقاته من الروايات والحوادث والاسانيد والبلدان وغيرها. راجع: كتاب عبد الله بن سبأ للسيد مرتضى العسكري ج ١ وج ٢ ط بيروت، وكتاب خمسون ومائة صحأبي مختلق القسم الأول والثاني ط بيروت. (*)

١٣٩

نويرة في نفر من بني يربوع فحبسهم، ثم كان ما كان من أمرهم مما سنأتي على طرف منه بكل حسرة وأسف فانا لله وانا إليه راجعون.

وقد روى الطبري بسنده إلى أبي قتادة الأنصاري وكان من رؤساء تلك السرايا أنه كان يحدث، أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل، فأخذ القوم السلاح (قال أبو قتادة) فقلنا: انا المسلمون. (قال): فقالوا ونحن المسلمون. قلنا: ما بال السلاح معكم ؟ قالوا لنا: فما بال السلاح معكم ؟ فقلنا: فان كنتم كما تقولون فضعوا السلاح، ثم صلينا وصلوا. آه(١٧١) .

قلت: وبعد الصلاة خفوا إلى الاستيلاء على أسلحتهم وشد وثاقهم وسوقهم أسرى إلى خالد وفيهم زوجة مالك ليلى بنت المنهال أم تميم، وكانت كما نص عليه أهل الأخبار (واللفظ للأستاذ عباس محمود العقاد في عبقرية خالد) من أشهر نساء العرب بالجمال، ولا سيما جمال العينين والساقين قال: يقال أنه لم ير أجمل من عينيها ولا ساقيها. ففتنت خالدا وقد تجاول في الكلام مع مالك وهي إلى جنبه، فكان مما قاله خالد: اني قاتلك. قال له مالك: أو بذلك أمرك صاحبك ؟ (يعني أبا بكر). قال: والله لأقتلك. وكان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري إذ ذاك حاضرين، فكلما خالدا في أمره، فكره كلامهما. فقال مالك: يا خالد ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا فقد بعثت إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا، وألح عبد الله بن عمر وأبو قتادة

____________________

(١٧١) الخدعة بمالك بن نويرة: تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٨٠ وهذه الرواية من الروايات التي لم يروها (سيف المختلق)، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١٤٨١ الغدير ج ٧ / ١٥٩ (*).

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629