النص والاجتهاد

النص والاجتهاد9%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 165914 / تحميل: 7984
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وفي صحيح مسلم أيضا بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس، سيماهم التحالق. قال: " هم شر الخلق، أو من أشر الخلق، يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق قال: فضرب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مثلا: الرجل يرمي الرمية. أو قال: الغرض فينظر في النصل فلا يرى بصيرة، وينظر في النضي فلا يرى بصيرة، وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة "(١) الحديث(١٤١) .

وفي مسند الإمام أحمد من حديث عن أبي برزة من طريقين(٢) إليه، ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصف الخوارج فقال: " يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون فيه، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شر الخلق والخليقة، هم شر الخلق والخليقة، هم شر الخلق والخليقة "(١٤٢) .

قلت: إذا كانوا شر الخلق والخليقة، أو من أشرهم، لا تكون عبدة الاوثان ولا منكروا الاديان شرا منهم، وكفى بهذا حجة على كفرهم.

____________________

(١) الحديث راجعه في باب ذكر الخوارج وصفاتهم ص ٣٩٥ من جزئه الأول. وأخرجه الإمام أحمد من حديث أبى سعيد أيضا في ص ٥ من الجزء الثالث من مسنده (منه قدس).

(١٤١) صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ذكر الخوارج وصفتهم ج ٢ / ٧٤٥.

(٢) أحدهما في آخر ص ٤٢٤ والتي بعدها. وثانيهما في أول ص ٤٢٢ من الجزء الرابع من مسنده (منه قدس).

(١٤٢) كنز العمال ج ١١ / ٣٠٥ و ٣٠٦، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٣٣ (*).

١٢١

[ مروق الخوارج من الدين وأخبارهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنهم بالمغيبات ]

تواتر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصوص صريحة بمروق الخوارج من الدين وحسبنا منها - مضافا إلى ما سمعته آنفا - ما أخرجه أصحاب الصحاح بأسانيدهم الصحيحة، وطرقهم الكثيرة، وحيث لا يسعنا استقصاؤها في هذا الإملاء، فلنكتف بما أخرجه الشيخان في صحيحيهما بالاسناد إلى أبي سعيد الخدري(١) واللفظ للبخاري.

قال: " بينا نحن عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة(٢) وهو رجل من بني تميم. قال: " يا رسول الله اعدل ". فقال رسول الله: " ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل وقد خبت وخسرت ان لم أكن أعدل " فقال عمر: " ائذن لي فأضرب عنقه(٣) " فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " دعه فان له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون

____________________

(١) أما البخاري فقد أخرجه في باب علامات النبوة في الإسلام من كتاب بدء الخلق ص ١٨٤ من الجزء الثاني من صحيحه، وفى مواضع أخر من الصحيح، وأما مسلم فقد أخرجه في باب ذكر الخوارج وصفاتهم ص ٣٩٣ وما بعدها من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).

(٢) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون الياء وكسر الصاد، واسمه حرقوص ابن زهير (منه قدس).

(٣) ليته ضرب عنقه حين أمر بذلك (منه قدس) (*).

١٢٢

القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين(١) كما يمرق السهم من الرمية(٢) ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ(٣) ثم، ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شئ، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر(٤) . ويخرجون على حين(٥) فرقة من الناس

قال أبو سعيد: فأشهد إني سمعت هذا الحديث من رسول الله، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتى به حتى نظرت

____________________

(١) أي يخرجون من دين الإسلام وهذه الكلمة من الأدلة على كفر الخوارج وعليه إجماع الإمامية واليه ذهب جماعة من أعلام الجمهور كالخطاب والقاضي أبى بكر ابن العربي في شرح الترمذي لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله - كما في صحيح مسلم - " يمرقون من الإسلام " (منه قدس).

(٢) الرمية كفعيلة بمعنى مفعولة هي الصيد المرمى، والمروق سرعة نفوذ السهم من الرمية حتى يخرج من الطرف الأخر ومنه مروق البرق لخروجه بسرعة، شبهصلى‌الله‌عليه‌وآله مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه، ولشدة سرعة خروجه لقوة ساعد الرامي لا يعلق على السهم يمرقون من الإسلام (منه قدس).

(٣) ينظر بالبناء للمفعول والنصل حديدة السهم. أي لا يوجد فيها شئ ما من الصيد مطلقا لا دم ولا غيره (منه قدس).

(٤) تدردر فعل مضارع أصلها تتدردر حذفت إحدى التاءين تخفيفا - أي تتحرك وتذهب وتجئ (منه قدس).

(٥) قال النووي في تعليقه على هذا الحديث ص ٨٦ من الجزء السادس من شرح صحيح مسلم: ضبطوه في الصحيح بوجهين أحدهما: على حين فرقة بحاء مهملة ثم ياء بعد نون. وثانيهما على خير فرقة بخاء معجمة مفتوحة بعدها ياء ثم راء. قلت: هذا هو المأثور الصحيح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والمراد بخير فرقة على وأصحابه كما لا يخفى (منه قدس) (*).

١٢٣

إليه على نعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي نعته "(١٤٣) .

والأخبار عن الخوارج بهذا ونحوه - من أفعالهم وصفاتهم الخلقية والخلقية - متواترة من طريقنا عن العترة الطاهرة، متضافرة من طريق الجمهور عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فلتراجع في مضانها من حديث الفريقين(١٤٤) وانها لمن أعلام النبوة وآيات الإسلام لما فيها من أنباء الغيب التي ظهرت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للناس كفلق الصبح، إذ رأي الناس مروق هؤلاء من الإسلام بخروجهم على الإمام(٣) وكان خروجهم على افتراق من الناس(٤) وقد قتلوا

____________________

(١٤٣) تجد هذا الحديث عن أبى سعيد في مسند أحمد فراجعه ص ٥٦ من الجزء الثالث من مسنده (منه قدس).

أخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمارقين وصفاتهم: راجع صحيح البخاري ك بدء الخلق ب علامات النبوة في الإسلام ج ٤ / ٢٤٣ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ذكر الخوارج ج ٢ / ٧٤٤، مسند أحمد ج ٣ / ٥٦ و ٦٥، خصائص النسائي ص ٤٣ و ٤٤ ط التقدم، المناقب للخوارزمي ص ١٨٢، أسد الغابة ج ٢ / ١٤٠، الأنوار المحمدية ص ٤٨٧، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٣٢ و ٤٣٣، كنز العمال ج ١١ / ٢٠٢ و ٣٠٧.

(١٤٤) ولاسيما الصحاح الستة وغيرها من المسانيد التي هي مدار الجمهور في علمهم وعملهم (منه قدس).

صفات الخوارج: من طريق الجمهور فراجع: كنز العمال ج ١١ / ١٩٨ - ٢٠٨ و ٢٨٦ - ٣٢٣، إحقاق الحق للتستري ج ٨ / ٤٧٥ - ٥٢٢، المناقب للخوارزمي ص ١٨٢ - ١٨٥.

(٣) كما أخبر به النبي عنهم إذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " يخرجون على خير " فرقة بكسر الفاء - يعنى عليا وأصحابه - (منه قدس).

(٤) كما أخبر بهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال: " يخرجون على حين فرقة " بضم الفاء وكان خروجهم =>

١٢٤

وكان قاتلهم إمام الحق(١٤٥) وكانوا في بقية شؤونهم كما أخبر عنهم، يقتلون أهل الإيمان، ويدعون عبدة الأوثان، ويتشددون في الدين في غير موضع التشدد، يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم.

لان قلوبهم غلف قد ران عليها مروقهم من الدين، فلا ينفذ إليها شئ من نور القرآن يبالغون في الصلاة والصيام لكنهم لا يقيمون حقوق الإسلام، لمروقهم منه غير متأثرين بشئ من هداه، مروق السهم من الرمية، يسبق الفرث والدم.

وقد ظهرت للناظرين آيتهم الخاصة بهم، رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدى المرأة، أو مثل البضعة تدردر كما أخبرصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد تضمنت أخباره عن هذه المارقة بقاء الأمة بعده، وبقاء الشوكة والطول لها، على خلاف ما أرجف المرجفون، وكل ذلك علم بالغيب، والله تعالى يقول( فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (٢) .

ولنختم ما عنينا به من شؤون هذه المارقة بحديث أخرجه الطبراني في الأوسط(٣) عن جندب(٤) .

____________________

=> في صفين والناس فئتان، أحداهما مع علىعليه‌السلام ، وأخرى باغية مع معاوية (منه قدس).

(١٤٥) كما أخبر به أذ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله " يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق " وقال في حديث آخر أخرجه مسلم عن أبى سعيد: " يقتلهم أولى الطائفتين بالحق " (منه قدس).

(٢) سورة الجن آية: ٢٦ و ٢٧.

الإمام أمير المؤمنين على بن أبى طالبعليه‌السلام طبق ما أخبر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أمر الخوارج: راجع صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ج ٢ / ٧٤٥ و ٧٤٦، كنز العمال ج ١١ / ٣١٠ و ٣١٤ ذخائر العقبى ص ١١٠. (٣) كما في ص ٧١ من الجزء السادس من كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال وهو الحديث ١١٧٩ (منه قدس).

(٤) هو جندب بن زهير بن الحارث بن كثير بن سبع بن مالك الأزدي الغامدي =>

١٢٥

قال: لما فارقت الخوارج عليا خرج في طلبهم وخرجنا معه، فانتهينا إلى عسكر القوم. فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن وإذا فيهم من أصحاب النقبات، وأصحاب البرانس، فلما رأيتهم دخلني من ذلك شدة، فتنحيت فركزت رمحي، ونزلت عن فرسي، ونزعت برنسي، فنشرت عليه درعي، وأخذت بمقود فرسي، فقمت أصلي إلى رمحي وأنا أقول: اللهم ان كان قتال هؤلاء القوم لك طاعة فأذن لي فيه، وان كان معصية فأرني براءك.

فبينا أنا كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب فلما دنا مني قال: تعوذ بالله يا جندب من شر السخط، فجئت أسعى إليه، ونزل فقام يصلي، وإذا برجل أقبل.

فقال: يا أمير المؤمنين ألك حاجة في القوم ؟ قال: وما ذاك ؟ قال: قطعوا النهر فذهبوا. قال: ما قطعوه. قال: سبحان الله ! ثم جاء آخر فقال: قد قطعوا النهر فذهبوا.

____________________

=> كان من أصحاب أمير المؤمنين وخاصة أوليائه، وقد ذكره ابن حجر العسقلاني في القسم الأول من إصابته. على أن في صحبته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلافا، لكنه لا كلام في كونه من كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم شهد مع أمير المؤمنين حروبه أيام الجمل وصفين والنهروان وكان في صفين على الرجالة.

وعن أبى دريد في أماليه بسنده إلى أبى عبيدة عن يونس قال: كان عبدالله بن الزبير اصطفنا يوم الجمل فخرج علينا صالح فقال: يا معشر فتيان قريش أحذركم رجلين جندب ابن زهير والأشتر، فإنكم لا تقومون لسيوفهما قلت: جندب بن زهير هذا غير جندب الذي قتل الساحر بين يدي الوليد بن عقبة، فان قاتل الساحر جندب بن كعب العبدي قتل بصفين مع علىعليه‌السلام نص على ذلك الزبير بن بكار في كتابه الموفقيات، وهو المنقول عن ابن الكلبي وغيره (منه قدس) (*).

١٢٦

قال: ما قطعوه. قال: سبحان الله. ثم جاء آخر فقال: قد قطعوا النهر فذهبوا. قال علي: ما قطعوه ولا يقطعونه وليقتلن دونه عهد من الله ورسوله. ثم ركب فقال لي: يا جندب إني باعث إليهم رجلا يدعوهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم، فلا يقبل عليهم بوجهه حتى يرشقوه بالنبل، يا جندب: انه لا يقتل منا عشرة ولا ينجو منهم عشرة.

ثم قال: من يأخذ هذا المصحف فيمشي به إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيه وهو مقتول وله الجنة، فأجابه شاب من بني عامر بن صعصعة فخرج الشاب بالمصحف إلى القوم. فلما دنا منهم نشبوه. فقال علي: دونكم القوم. قال جندب: فقتلت بكفي هذه ثمانية قبل أن أصلي الظهر، وما قتل منا عشرة، وما نجا منهم عشرة كما قال علي "(١٤٦) والحمد لله.

____________________

(١٤٦) ظهور الحق لجندب بعد أن اطلع على حقائق الخوارج: راجع: كنز العمال ج ١١ / ٢٨٩، مجمع الزوائد ج ٦ / ٢٤٢.

١٢٧

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١٠٩: -

[ المورد - (١٢) -: قتال المتريثين في النزول على أمر أبي بكر في أمر الزكاة لارتيابهم في ولايته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا في افتراضها عليهم. ]

وكان أبو بكر(١٤٧) قد جمع الصحابة يستشيرهم في قتال هؤلاء فكان رأي عمر بن الخطاب وطائفة من المسلمين معه أن لا يقاتلوا قوما يؤمنون بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأن يستعينوا بهم على عدوهم.

ولعل أصحاب هذا الرأي كانوا أكثر الحاضرين في حين كان الذين أشاروا بالقتال هم القلة، وأغلب الظن ان المجادلة بين القوم في هذا الأمر البالغ الخطر طالت واحتدمت أيما احتدام فقد اضطر أبو بكر أن يتدخل بنفسه فيها يؤيد القلة، ولقد اشتد في تأييد رأيه في ذلك المقام. يدل على ذلك قوله: " والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقاتلهم على منعه "(١٤٨)

ولم يثن هذا المقال عمر عن أن يرى ما في القتال من تعريض المسلمين لخطر تخشى مغبته، فقال في شئ من الحدة: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله، فمن قالها عصم منى ماله ودمه الا بحقها وحسابهم على الله " !(١٤٩) .

لكن أبا بكر لم يتريث ولم يتردد في إجابة عمر فقال: " والله لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فان الزكاة حق المال " وقد قال: " الا بحقها "(١٥٠) .

قلت: عفى الله عن أبي بكر ما أراد أن يكون كالضارب بهذا النص عرض الجدار فحمله بلباقة على ما تقتضيه سياسته مما كان عازما عليه من القتال. وإلا فان المؤمنين بالله ورسوله ممن قوتلوا يومئذ وقتلوا، فلم يكن منهم من يفرق

____________________

(١٤٧) فيما رواه الثقات الإثبات من حفظة الآثار فراجع الفصل الخامس أو ص ١٠٤ من كتاب الصديق للأستاذ الكبير المتتبع هيكل (منه قد).

(١٤٨) صحيح مسلم ك الإيمان ب ٨ ج ١ / ٥١.

(١٤٩) راجع: صحيح مسلم ك الإيمان ب ٨ ج ١ / ٥١، سنن ابن ماجة ك الفتن ب ١ ج ٢ / ١٢٩٥، خصائص النسائي ص، سنن البيهقي ج ٨ / ١٩ و ١٩٦، الغدير للأميني ج ٧ / ١٦٣.

(١٥٠) نفس المصادر السابقة.

١٢٨

بين الصلاة والزكاة في شئ، وإنما كانوا متريثين في النزول على حكمه في الزكاة وغيرها، إذ لم تكن نيابته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحكم حينئذ ثابتة لديهم لشبهة دخلت عليهم(١) اضطرتهم إلى الارتياب فيها، فكانوا معذورين في تريثهم بل مأجورين به(١٥١) .

وقد أدوا بتريثهم هذا أموالهم وحق زكاتها، فان من حقهما أن لا ينزلوا في كل منهما إلا على حكم الله ورسوله أو حكم من تثبت له الولاية عليهم من قبل الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولو بلغ أبا بكر عذرهم هذا، لعده حجة عليه في إمهالهم يتريثون، لكن أنى لهؤلاء المظلومين حينئذ بأبي بكر لينصفهم.

وأنت ترى صحاح السنن المتوالية(١٥٢) صريحة بعصمة دماء هؤلاء المؤمنين وأمثالهم وانها على كثرتها بين عام ومطلق وليس ثمة من مخصص لعامها ومقيد لمطلقها ليتشبث به المبيح لقتالهم وقتلهم.

____________________

(١) كما سنوضحه فيما بعد إنشاء تعالى (منه قدس).

(١٥١) وذلك بناءا على ان المنقاد إلى أمر الله تعالى أو برجاء المطلوبية يكون مستحقا للثواب كالمطيع لأمره سبحانه لان العلة فيهما واحدة وان اختلفت في المصادفة وعدمه كما ذكر وحقق في أصول الفقه. (١٥٢)

مصادر الأحاديث في حقن دماء المؤمنين: كما تقدم تحت رقم - ١٤٩ - وراجع أيضا الغدير ج ٧ / ١٦٣، الفصول المهمة لشرف الدين ص ١١ - ١٧ ط ٥، صحيح البخاري ك الديات ب ٦ ج ٩ / ٦ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك القسامة ب ٦ ج ٣ / ١٣٠٢ ح ٢٥ و ٢٦ ط بيروت بتحقيق محمد فؤاد عبدا لباقي، صحيح الترمذي ك الحدود ب ١٥ ج ٤ / ٤٩ ح ١٤٤٤، مسند أحمد بن حنبل ج ١ / ٦١ و ٦٣ و ٦٥ و ٧٠ و ١٦٣ و ٣٨٢ و ٤٢٨ و ٤٤٤ و ٤٦٥ وج ٦ / ١٨١ و ٢١٤ ط ١، سنن أبى داود ك الحدود ب ١، سنن الدرامي ك السير ب ١١، سنن ابن ماجة ك الحدود ب ١ ج ٢ / ٨٤٧ ح ٢٥٣٣ و ٢٥٣٤، كنز العمال ج ١٥ / ١٤٨ (*).

١٢٩

أما ما ذكره أبو بكر من كون الزكاة حق المال فليس من التخصيص والتقييد في شئ إذ لا يستفاد منه أكثر من وجوبها على المكلفين بها، وان لولي الأمر القائم مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يطالبهم بها ويأخذها منهم فان امتنعوا عن دفعها إليه طائعين أخذها منهم مرغمين بقوته القاهرة لهم مجردة عن القتال.

أما قتالهم عليها فمعارض لحقن دمائهم المنصوص على عصمتها في صحاح عامة تأبى التخصيص بمجرد ما ظنه أبو بكر مخصصا كما بيناه.

واليك منها ما تجده في باب فضائل علي من صحيح مسلم(١) من حديث جاء فيه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أعطاه الراية يوم خيبر قال له: " امش ولا تلتفت وأنه مشى شيئا ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل الناس ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فان فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله "(١٥٣) .

وفي صحيحي البخاري ومسلم بالإسناد إلى أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت

____________________

(١) ص ٣٢٤ من جزئه الثاني (منه قدس).

(١٥٣) راجع: صحيح مسلم ك فضائل الصحابة ب ٤ من فضائل على بن أبى طالب ج ٤ / ١٨٧١ ح ٣٣، مسند أحمد بن حنبل ج ٢ / ٣٨٤، مسند أبى داود الطيالسي ص ٣٢٠، الخصائص للنسائي ص، مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلي ص ١٨٦، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ٢٨ ط العلمية، ذخائر العقبى ص ٧٣، كنز العمال ج ١٠ / ٤٦٨ وج ١٣ / ١١٦، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٤، ينابيع المودة للقندوزي ص ٤٩ ط اسلامبول، إحقاق الحق للتستري ج ٥ / ٣٨٤ - ٣٩٠.

١٣٠

أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال: لا اله إلا الله، فكف الأنصاري عنه فطعنته برمحي، فلما قدمنا بلغ النبي ذلك فقال: يا أسامة أقتلته بعدما قال لا اله إلا الله. قلت: كان متعوذا. فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم "(١٥٤) .

قلت: ما تمنى ذلك حتى ظن ان جميع ما عمله قبل هذه الواقعة من إيمان وصلاة وزكاة وصوم وصحبة وجهاد وغيرها لا يمحو عنه هذه السيئة وأن أعماله الصالحة بأجمعها قد حبطت بها، ولا يخفي ما في كلامه من الدلالة على انه كان يخشى أن لا يغفر له بعدها، ولذا تمنى تأخر إسلامه عنه، ليكون داخلا في حكم قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " الإسلام يجب ما قبله ". وناهيك بها حجة على احترام أهل لا اله إلا الله وعصمة دمائهم.

وأخرج البخاري في باب بعث علي وخالد إلى اليمن من صحيحه ان رجلا قام فقال: يا رسول الله اتق الله. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ؟ !. فقال خالد: يا رسول الله ألا اضرب عنقه ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا، لعله أن يكون يصلي "(١٥٥) .

____________________

(١٥٤) عدم رضا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما قتل أسامة رجلا قال لا اله إلا الله: راجع: صحيح البخاري ك المغازي ب ٤٥ ج ٥ / ١٨٣ وك الديات ب ٢ ج ٩ / ٤ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك الإيمان ب ٤١ ح ١٥٩ ج ١ / ٩٧ تحقيق محمد فؤاد، مسند أحمد بن حنبل ج ٥ / ٢٠٠، أسد الغابة ج ١ / ٦٥.

(١٥٥) وهذا الحديث أخرجه أحمد من مسند أبى سعيد الخدري في ص ٤ من الجزء الثالث من مسنده. ومثله ما نقله العسقلاني في ترجمة سرحوق المنافق في الإصابة من أنه أتى به ليقتل قال رسول الله: هل يصلى ؟ قالوا: إذا رآه الناس. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إني نهيت عن قتل المصلين. وكذلك ما أخرجه الذهبي في ترجمة عامر بن عبد الله بن يسار =>

١٣١

وفي الصحيحين بالإسناد إلى ابن عمر قال: قال النبي " ص " وهو بمنى وقد أشار إلى الكعبة: " أتدرون أي بلد هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ان هذا بلد حرام، أتدرون أي يوم هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال انه يوم حرام. أتدرون أي شهر هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهر حرام، وان الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا "(١٥٦) .

والصحاح وغيرها من كتب المسانيد مشحونة بهذه السنن ومضمونها مما

____________________

=> من ميزانه عن أنس قال: ذكر عند النبي رجل فقيل ذلك كهف المنافقين فلما أكثروا فيه رخص لهم في قتله ثم قال: هل يصلى ؟ قالوا: نعم صلاة لا خير فيها قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني نهيت عن قتل المصلين. قلت: ليت خالد بن الوليد احترم صلاة مالك بن نويرة، فانتهى بها عن قتله، وقد شهد له عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري ان مالكا صلى صلاة الصبح معهم يوم قتله، لكنه افتتن بعرس مالك كما قال معاصره أبو زهير السعدي :

قضى خالد بغيا عليه بعرسه * وكان له فيها هوى قبل ذلك

(الأبيات) (منه قدس). وراجع: صحيح البخاري ك المغازي ب ٥٩ ج ٥ / ٢٠٧ ط مطابع الشعب، الفصول المهمة لشرف الدين ص ١٤ ط ٥.

(١٥٦) راجع: صحيح البخاري ك الحج ب ١٣٢ ج ٢ / ٢١٦ وك العلم ب ٩ ج ١ / ٢٦ وك الأضاحي ب ٥ ج ٧ / ١٢٩ وك الحدود ب ٩ ج ٨ / ١٩٨ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك القسامة ب ٨ ج ٣ / ١٣٠٥ ح ٢٩ و ٣٠، صحيح الترمذي ك الفتن ب ٢ ج ٤ / ٤٦١ ح ٢١٥٩ وك التفسير ب ١٠ ج ٥ / ٢٧٣ ح ٣٠٨٧، سنن ابن ماجة ك المناسك ب ٧٦ ج ٢ / ١٠١٥ ح ٣٠٥٥ و ٣٠٥٧ و ٣٠٥٨ وب ٨٤ ح ٣٠٧٤ وك الفتن ب ٢ ج ٢ / ١٢٩٧ ح ٣٩٣١، مسند أحمد ج ١ / ٢٣٠ وج ٣ / ٨٠ و ٣١٣ و ٣٧١ وج ٤ / ٧٦ و ٣٠٥ و ٣٣٧ وج ٥ / ٣٠ و ٣٧ و ٣٩ و ٤٠ و ٤٩ و ٦٨ و ٧٢ و ٤١١ و ٤١٢ ط ١، سنن أبى داود ك المناسك ب ٥٦، سنن الدرامي ك المناسك ب ٣١ (*).

١٣٢

لا ريب فيه للمسلمين(١٥٧) .

وبها لا يحل قتال المسلم بمجرد تريثه في دفع الزكاة إلى الإمام، ولا سيما إذا كان تريثه عن شبهة اضطرته إلى الريب في إمامته كما كان هو الشأن في بعض القبائل يوم لحق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرفيق الأعلى، فاحتدمت الفتنة يومئذ واستطار شرها في آفاق العرب، وارتد عن الإسلام كثير منهم(١٥٨) .

واختلف المهاجرون والأنصار في أمر الخلافة، فكان كل منهما على رأيين وربما كان الأنصار على ثلاثة آراء(١٥٩) ، وبويع أبو بكر أثناء هذه الشرور فكانت بيعته - كما قيل - فلتة وقى الله المسلمين شرها(١٦٠) .

____________________

(١٥٧) سنن ابن ماجة ك الفتن ب ٢ ج ٢ / ١٢٩٧ - ١٢٩٨، كنز العمال ج ١٥ / ١٤٦، الفصول المهمة لشرف الدين ص ١١ - ١٧ ط ٥.

(١٥٨) راجع كتب التاريخ والسير: المختصر لأبي الفداء ج ١ / ١٥٥ و ١٥٧.

(١٥٩) عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ /، وشرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٢ / ٢٤ ط مصر بتحقيق أبو الفضل.

(١٦٠) قال أبو بكر في أوائل خلافته: " ان بيعتي كانت فلتة، وقى الله شرها وخشيت الفتنة.. " راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٣٢ وج ٢ / ١٩ ط ١ بمصر وج ١ / ٣١١ ط مكتبة دار الحياة وج ٢ / ٥٠ وج ٦ / ٤٧ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ١٥٤ ط دار الفكر، أنساب الأشراف للبلاذري ج ١ / ٥٩٠ ط مصر.

وقال عمر بن الخطاب: ". ان بيعة أبى بكر فلتة وقى الله شرها. " راجع: صحيح البخاري ك الحدود ب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت ج ٨ / ٢٦ ط دار الفكر وج ٨ / ٢١٠ ط مطابع الشعب وج ٨ / ٢٠٨ ط محمد على صبيح وج ٤ / ١٧٩ ط دار إحياء الكتب وج ٤ / ١١٩ ط المعاهد وج ٤ / ١٢٥ ط الشرفية وج ٨ / ١٤٠ ط الفجالة وج ٨ / ٨ ط بمبى وج ٤ / ١٢٨ ط الخيرية، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد =>

١٣٣

فكان من الطبيعي يومئذ أن يقع الريب في صحة البيعة وانعقاد الإجماع عليها والحال هذه(١٦١) .

____________________

=> ج ١ / ١٢٣ و ١٢٤ ط ١ بمصر وج ٢ / ٢٣ و ٢٦ و ٢٩ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ٢٩٢ ط مكتبة دار الحياة وج ١ / ١٤٤ ط دار الفكر، السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ / ٢٢٦ ط دار الجيل وج ٤ / ٣٣٨ ط آخر، النهاية لابن الأثير ج ٣ / ٤٦٦، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠٥، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ٣٢٧، الصواعق المحرقة ص ٥ و ٨ ط الميمنية وص ٨ و ١٢ ط المحمدية، تاج العروس ج ١ / ٥٦٨، لسان العرب ج ٢ / ٣٧١، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٦٧، السيرة الحلبية ج ٣ / ٣٦٠ و ٣٦٣، مسند أحمد ج ٦ / ٥٥، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٥ / ١٥، تيسير الوصول ج ٢ / ٤٢ و ٤٤، الرياض النضرة ج ١ / ١٦١، تمام المتون للصفدي ص ١٣٧. ولأجل المزيد من المصادر راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ٢٥٤ تحت رقم (٨٢٦).

وقال عمر مرة اخرى: " ان بيعة أبى بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. ". راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٢٣ ط ١ وج ٢ / ٢٦ بتحقيق أبو الفضل، الصواعق المحرقة ص ٢١ ط الميمنية وص ٣٤ ط المحمدية، الملل والنحل ج ١ / ٢٢ ط دار المعرفة.

(١٦١) بل لا إجماع فانه قد تخلف عن بيعة أبى بكر كثير من كبار الصحابة وأهل الحل والعقد: ١ - أمير المؤمنين على بن أبى طالبعليه‌السلام . ٢ - العباس بن عبد المطلب ٣ - عتبة بن أبى لهب ٤ - سلمان الفارسي ٥ - أبو ذر الغفاري ٦ - عمار بن ياسر ٧ - المقداد ٨ - البراء بن عازب ٩ - أبى بن كعب ١٠ - سعد بن أبى وقاص ١١ - طلحة بن عبيد الله ١٢ - الزبير بن العوام ١٣ - خزيمة بن ثابت ١٤ - فروة بن عمر الأنصاري ١٥ - خالد بن سعيد بن العاص الأموي ١٦ - سعد بن عبادة الأنصاري لم يبايع حتى توفى =>

١٣٤

بل كان الحال ابانئذ أفظع مما ذكرناه وأدعى إلى الارتياب والاضطراب. وإذا لا جناح على أولئك المرتابين في خلافة الصديق من المؤمنين إذا لم ينزلوا على حكمه في أمر الزكاة وغيرها حتى يحصل لهم العلم بقيامه شرعا مقام رسول الله في أوامره ونواهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١١٦: -

[ المورد - (١٣) -: يوم البطاح ، أو يوم مالك بن نويرة وقومه من خالد ]

وذلك ان القيادة العامة كانت يومئذ لخالد بن الوليد، فكان يأمر بما يشاء ويحكم فيها بما يريد، لم يقتصر يومئذ على قتل المؤمنين صبرا بل تجاوز ذلك إلى المثلة وسبي المسلمات واستباحة ما حرم الله تعالى من الأموال والفروج وتعطيل الحدود الشرعية في أحداث ما أظن ان لها نظيرا في الجأهلية(١٦٢) .

[ من هو مالك ؟ ]

هو مالك بن نويرة بن حمزة بن شداد بن عبد بن ثعلبة بن يربوع التميمي

____________________

=> بالشام في أيام خلافة عمر. ١٧ - الفضل بن العباس. وجماعة من بنى هاشم وغيرهم. راجع: العقد الفريد ج ٤ / ٢٥٩، عبدالله بن سبأ للعسكري ج ١ / ١٠٥، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٣١ ط ١، الغدير للأميني ج ٥ / ٣٧٠، مروج الذهب ج ٢ / ٣٠١ أسد الغابة ج ٣ / ٢٢٢، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠٨، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ٣٢٥ و ٣٣١ تاريخ اليعقوبي ج ٢ / ١٠٣ و ١٠٥، سمط النجوم العوالي ج ٢ / ٢٤٤، السيرة الحلبية ج ٣ / ٣٥٦، المختصر لأبي الفداء ج ١ / ١٥٦.

(١٦٢) الغدير للأميني ج ٧ / ١٥٨ وغيره ممن تحدث عن هذه الواقعة. (*)

١٣٥

اليربوعي هامة الشرف في بني تميم وعرنين المجد في بني يربوع من علية العرب وممن تضرب الأمثال بفتوته نجدة وكرما وحفيظة وشجاعة وبطولة بكل معانيها، وهو من أرداف الملوك، أسلم وأسلم بنو يربوع بإسلامه وولاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على صدقات قومه ثقة به واعتمادا عليه(١٦٣) .

[ جرم مالك وموقفه ]

إنما كان جرمه تريثه في النزول على حكم أبي بكر في أمر الزكاة وغيرها باحثا عن تكليفه الشرعي في ذلك ليقوم به على ما شرع الله عزوجل ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله . أما موقفه فلم يكن عن ارتياب ولا عن شق عصا ولا ابتغاء فتنة ولا أرادة قتال، وإنما فوجئ بهذه الغارة عليه من خالد في مستهل خلافة أبي بكر حيث كان الخلاف محتدما بين السابقين الأولين في أمر الخلافة(١٦٤) .

فأهل البيت وأولياؤهم كانوا فيها على رأى(١٦٥) .

وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسالم وأتباعهم على رأي آخر.(١٦٦)

وكذلك الأنصار (الَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ) حتى غلب نقيبهم سعد بن

____________________

(١٦٣) أسد الغابة ج ٤ / ٢٩٥، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ١٤٥، الإصابة لابن حجر ج ٣ / ٣٣٦.

(١٦٤) عبد الله بن سبأ ج ١ / ٩٠ - ١٠٠، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٦٤.

(١٦٥) عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٩٠ و ١٠٣ - ١٢٠، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ / ٤ وراجع ما تقدم تحت رقم (١٦١).

(١٦٦) عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٩٣ - ٩٨، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠١ و ٢٠٢ و ٣٠٢ (*).

١٣٦

عبادة على أمره فاعتزلهم واعتزل أمرهم يحلف بالله انه لو وجد أعوانا عليهم لقاتلهم ثم لم تجمعه جمعتهم ولم يفض بافاضتهم حتى مات في حوران(١٦٧) .

إلى كوارث أخر حول البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه أعني البيوت التي قال الله عزوجل في حقها:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (١٦٨) وحول وديعة رسول الله وزهرائه وحول ارثها ونحلتها وخمسها ومجابهتها إياهم بكل حجة بالغة إلى غير ذلك من الأمور التي أنذر بها القرآن الحكيم.

فكان من الطبيعي لمثل مالك في عقله ونبله ومكانته في قومه ان يتربص - والحال هذه - في النزول على حكم من يظهر في المدينة ويقهر خصومه على الخلافة حتى يتبين له انه انما قهرهم بالحق وظهر عليهم باجتماعهم عليه بعد ذلك التنازع، وبهذا لا بسواه تريث مالك في دفع الزكاة باحثا عمن تبرأ ذمته بدفعها إليه.

فكان عليهم أن يمهلوه مدة تسع البحث عن هذه الحقيقة الغامضة في تلك الأوقات ولا يعاجلوه مفاجئيه بتلك النكبات فانه لم يكن ممن أنكر الزكاة ولا ممن فرق بينها وبين الصلاة ولا ممن استحل قتال أبي بكر أو غيره من المسلمين.

هذه هي الحقيقة في موقف مالك وأصحابه، يدل على ذلك نصحه لقومه في تثبيته إياهم على الإسلام وعدم المناوأة لخالد وأمره إياهم بالتفرق لئلا يصطدموا بجيشه الناهد إلى بطاحهم ونهيه إياهم عن الاجتماع في مكان ما

____________________

(١٦٧) عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٩٢ - ٩٣، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢١٨ - ٢٢٣.

(١٦٨) سورة الأحزاب آية: ٥٣ (*).

١٣٧

لئلا يظن أحد بأنهم معسكرون(١٦٩) .

[ زحف خالد إلى البطاح ]

لما فرغ خالد من أسد وغطفان ازمع على المسير إلى البطاح يلقي فيها مالك بن نويرة وقومه، وكان مالك أخلى له البطاح، وفرق قومه لما بيناه من عزمه على السلام احتياطا منه على الإسلام في تلك الأيام. فلما عرف الأنصار عزم خالد على المسير إلى مالك، توقفوا عن المسير معه وقالوا: " ما هذا بعهد الخليفة إلينا إنما عهده ان نحن فرغنا من البزاخة واستبرأنا بلاد القوم أن نقيم حتى يكتب إلينا ".

فأجابهم خالد: " انه ان لم يكن عهد إليكم بهذا فقد عهد إلي أن أمضي وأنا الأمير والي تنتهي الأخبار، ولو انه لم يأتني كتاب ولا أمر، ثم رأيت فرصة ان أعلمته بها فأتتني لم أعلمه حتى انتهزها، وكذلك إذا ابتلينا بأمر لم يعهد لنا فيه لم ندع أن نرى أفضل ما يحضرنا ثم نعمل به، وهذا مالك بن نويرة بحيالنا وأنا قاصد له بمن معي "(١) .

ثم سار ومن معه يقصد البطاح ،

____________________

(١٦٩) نص على ذلك كله الأستاذ هيكل في كتابه " الصديق أبو بكر " فراجع منه ما هو تحت عنوان مالك ينصح لقومه ص ١٤٤. وقال الأستاذ العقاد في عبقرية خالد سطر ١٤ ص ١٢١ حيث ذكر موقف مالك: انه ليس موقف عناد وتحفز لقتال. لكن العقاد أخطأ في أبيات لمالك إذ حملها على غير معناها المتبادر منها إلى الأذهان كما لا يخفى على من أمعن بها (منه قدس). وراجع: الغدير للأميني ج ٧ / ١٥٨ - ١٦٨، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ١٤٥ - ١٤٩.

(١) ذكر هذه المحاورة (بألفاظها) بينه وبين من كان في جيشه من الأنصار كل من هيكل في كتابه " الصديق أبو بكر " ص ١٤٣ والتي بعدها، والعقاد في آخر ص ٢٦٧ =>

١٣٨

فلما بلغوها لم يجدوا فيها أحدا(١٧٠) .

[ مجيؤهم بمالك في نفر من قومه وقتلهم صبرا ]

فلما لم يجدوا فيها أحدا أرسل خالد سراياه في أثرهم فجاءته بمالك بن

____________________

=> من عبقرية عمر وغيرهما من أهل الأخبار وقد استفاضت بينهم فلتراجع. وترى كلام الأنصاري في هذه المحاورة صريحا بأن الخليفة لم يعهد إليهم بالزحف على مالك، لكن خالدا أدعى العهد من الخليفة إليه خاصة وبناءا على هذا فالخليفة قد استعمل اللياقة والحيلة في أن لا يكون مسؤولا من الناس عن جرائم يوم البطاح، وانما يكون المسؤول عنها خالدا وحينئذ يحفظه معتذرا بأنه تأول فأخطأ، وهذه الواقعة تدل على تعمقه في السياسة إلى أبعد حد (منه قدس).

(١٧٠) كلمة أهل السير والأخبار كافة متفقة على أن خالدا حين احتل البطاح بجيشه لم يجد فيها أحدا من أهلها، وان مالكا قد فرق قومه من قبل في ديارهم قائلا لهم إياكم والمناواة وناصحا لهم بالبقاء على الإسلام وأن يبقوا متفرقين حتى يلم الله هذا الشعث، فراجع من كتاب الصديق أبو بكر ص ١٤٤ وغيره من مظان هذا الأمر (منه قدس).

من مختلقات (سيف بن عمر التميمي) في ارتداد مالك بن نويرة: هذه الرواية موجودة في تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٧٦ وفى سند هذه (سيف بن عمر) وهو من الرواة الوضاعين وقد حاول في قصة مالك بن نويرة أن يصوره مرتدا عن الإسلام ويختلق المعاذير لجناية خالد فقد اختلق هذا الرجل روايات وحرف أخرى في سبيل التوصل لرغباته الدنيئة ولأجل معرفة الروايات المتخلقة التي رواها سيف في قصة مالك والروايات الأخرى التي رواها غيره راجع: كتاب عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ١٤٥ - ١٥٥ ط بيروت، فسوف تجد الحقيقة سالمة.

ولأجل المزيد من الاطلاع على حياة (سيف بن عمر) ومعرفة حقيقته ومختلقاته من الروايات والحوادث والاسانيد والبلدان وغيرها. راجع: كتاب عبد الله بن سبأ للسيد مرتضى العسكري ج ١ وج ٢ ط بيروت، وكتاب خمسون ومائة صحأبي مختلق القسم الأول والثاني ط بيروت. (*)

١٣٩

نويرة في نفر من بني يربوع فحبسهم، ثم كان ما كان من أمرهم مما سنأتي على طرف منه بكل حسرة وأسف فانا لله وانا إليه راجعون.

وقد روى الطبري بسنده إلى أبي قتادة الأنصاري وكان من رؤساء تلك السرايا أنه كان يحدث، أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل، فأخذ القوم السلاح (قال أبو قتادة) فقلنا: انا المسلمون. (قال): فقالوا ونحن المسلمون. قلنا: ما بال السلاح معكم ؟ قالوا لنا: فما بال السلاح معكم ؟ فقلنا: فان كنتم كما تقولون فضعوا السلاح، ثم صلينا وصلوا. آه(١٧١) .

قلت: وبعد الصلاة خفوا إلى الاستيلاء على أسلحتهم وشد وثاقهم وسوقهم أسرى إلى خالد وفيهم زوجة مالك ليلى بنت المنهال أم تميم، وكانت كما نص عليه أهل الأخبار (واللفظ للأستاذ عباس محمود العقاد في عبقرية خالد) من أشهر نساء العرب بالجمال، ولا سيما جمال العينين والساقين قال: يقال أنه لم ير أجمل من عينيها ولا ساقيها. ففتنت خالدا وقد تجاول في الكلام مع مالك وهي إلى جنبه، فكان مما قاله خالد: اني قاتلك. قال له مالك: أو بذلك أمرك صاحبك ؟ (يعني أبا بكر). قال: والله لأقتلك. وكان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري إذ ذاك حاضرين، فكلما خالدا في أمره، فكره كلامهما. فقال مالك: يا خالد ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا فقد بعثت إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا، وألح عبد الله بن عمر وأبو قتادة

____________________

(١٧١) الخدعة بمالك بن نويرة: تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٨٠ وهذه الرواية من الروايات التي لم يروها (سيف المختلق)، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١٤٨١ الغدير ج ٧ / ١٥٩ (*).

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٤١: -

[ المورد - (٥١) - نهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه عن جواب أبى سفيان في احد ]

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نزل يوم احد بأصحابه - وهم سبعمائة - في عدوة الوادي، وجعل ظهره إلى الجبل، وكان المشركون ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ومائتا فارس، ومعهم خمسة عشر امرأة وفي المسلمين مائتا دارع وفارسان.

وتعبأ الجيشان للقتال، فاستقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة، وترك أحدا

٣٦١

خلف ظهره، وجعل وراءه الرماة وهم خمسون راميا، أمر عليهم عبدالله بن جبير وقال له: انضح عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خلفنا، واثبتوا مكانكم، ان كانت لنا، أو كانت علينا، فانا انما نؤتى من هذا الشعب شعب أحد(١) .

وخرج طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين ينادي: يا معشر أصحاب محمد انكم تزعمون ان يعجلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة فهل أحد منكم يعجله سيفي إلى الجنة، ويعجلني سيفه إلى النار ؟

قال ابن الأثير في كامله: فبرز إليه علي بن أبي طالب فضربه فقطع رجله فسقط وانكشفت عورته، فناشده الله فتركه - لما به يخور بدمه حتى هلك - فكبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: كبش الكتيبة، وكبر المسلمون بتكبيره، وقال لعلي: ما منعك ان تجهز عليه ؟ فقال ناشدني الله والرحم فاستحييت منه. وصمد علي بعده لأصحاب اللواء يحمل عليهم فيقتلهم واحدا بعد واحد.

قال ابن الأثير وغيره: وقد كان المسلمون قتلوا أصحاب اللواء وبقي مطروحا لا يدنو منه أحد، فأخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته فاجتمعت قريش حوله، وأخذه صواب عبد لبني عبد الدار - كان من أشد الناس قوة - فقتل عليه (قال) وكان الذي قتل أصحاب اللواء علي بن أبي طالب، قاله أبو رافع.

واقتتل الناس قتالا شديدا. وأمعن حمزة وعلي وأبو دجانة في رجال من المسلمين وأبلوا بلاء حسنا، وأنزل الله نصره عليهم وكانت الهزيمة على المشركين، وهرب النساء مصعدات في الجبل، ودخل المسلمون عسكرهم ينهبون، فلما نظر بعض الرماة إلى اخوانهم ينهبون، آثروا النهب على البقاء في الشعب، ونسوا ما أمرهم به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحضهم عليه. وحين رأى خالد بن الوليد قلة من بقي من الرماة حمل عليهم فقتلهم، وشد

____________________

(١) الشعب بالكسر ما انفرج بين الجبلين (منه قدس) (*).

٣٦٢

بمن معه على أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خلفهم، وتبادر المنهزمون من المشركين حينئذ بنشاط مستأنف لقتال المسلمين حتى هزموهم بعد أن قتلوا سبعين من أبطالهم، فيهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبدالمطلب وقاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ قتالا شديدا، فرمى بالنبل حتى فني نبله وانكسرت سية قوسه، وانقطع وتره، وأصيب بجرح في وجنته، وآخر في جبهته وكسرت رباعيته السفلى، وشقت - بأبي هو وأمي - شفته، وعلاه ابن قمئة بالسيف.

وقاتل دونه علي، ومعه خمسة من الأنصار استشهدوا في الدفاع عنه رضي ‌الله‌ عنهم وأرضاهم، وترس أبو دجانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه، فكان يقع النبل بظهره وهو منحن عليه، وقاتل مصعب بن عمير فاستشهد، قتله ابن قمئة الليثي وهو يظنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرجع إلى قريش يقول لهم: قتلت محمدا، فجعل الناس يقولون: قتل محمد، قتل محمد فأوغل المسلمون في الهرب على غير رشد، وكان أول من عرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كعب بن مالك، فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول الله حي لم يقتل فأشار إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن أنصت(١) .

وحينئذ نهض علي بمن كان معه حتى خلصوا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الشعب، فتحصن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله به، وهم يحوطونه مدافعين عنه.

قال ابن جرير وابن الأثير في تاريخيهما وسائر أهل الأخبار: فأبصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - أي وهو في الشعب - جماعة من المشركين، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي: احمل عليهم، فحمل عليهم ففرقهم وقتل منهم، ثم أبصر جماعة أخرى، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : اكفنيهم يا علي فحمل عليهم وفرقهم وقتل منهم. فقال جبرائيل: يا رسول الله هذه المواساة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انه مني وأنا منه. فقال

____________________

(١) مخافة أن يسمع العدو فيهجم عليه (منه قدس) (*).

٣٦٣

جبرائيل: وأنا منكما. (قالوا) وسمع صوت :

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي(٤٨٥)

وجعل علي ينقل الماء لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في درقته من المهراس يغسل به جرح النبي فلم ينقطع الدم(١) .

ووقعت هند وصواحباتها على الشهداء يمثلن بهم، فاتخذت من آذان الرجال وآنافهم وأصابع أيديهم وأرجلهم ومذاكيرهم قلائد ومعاضد، وكانت أعطت وحشيا معاضدها وقلائدها جزاء قتلة حمزة فلاكتها فلم تسغها فلفظتها(٤٨٦) .

ثم أشرف أبو سفيان على المسلمين، فقال: أفي القوم محمد ؟ ثلاثا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : لا تجيبوه(٣) فقال أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر أقتلنا

____________________

(٤٨٥)

لا سيف الا ذو الفقار

ولا فتى الا على

راجع: فرائد السمطين للحمويني الشافعي ج ١ / ٢٥٧ ح ١٩٨، ترجمة الإمام على بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ١ / ١٤٨ ح ٢١٥، الكامل في التاريخ ج ٢ / ١٠٧، مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلي ص ١٩٧، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ٢٦، المناقب للخوارزمي ص ٢١٣ ط الحيدرية، السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ / ١٠٦، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٤ / ٢٥١ وقد نقل تصحيحه عن شيخه عبد الوهاب ابن سكينة.

(١) حتى أحرقت سيدة نساء العالمين بعد ذلك حصيرا وجعلت على الجرح من رماده فانقطع الدم، وقد شهدت الواقعةعليها‌السلام فكانت تعانقه وهو مجروح وتبكي (منه قدس).

(٤٨٦) الكامل في التاريخ ج ٢ / ١١١، الدرجات الرفيعة ص ٦٦ - ٦٩، السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ / ٩٦ - ٩٧، السيرة الحلبية ج ٢ / ٢٤٦.

(٢) كما في غزوة احد من تاريخي ابن جرير وابن الأثير وطبقات ابن سعد والسيرتين الحلبية والدحلانية وكتاب البداية والنهاية لأبي الفداء وسائر الكتب المشتملة على غزوة أحد (منه قدس).

(٣) كأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن آمنا من أبى سفيان وأصحابه أن يشدوا عليه =>

٣٦٤

محمدا ؟ قال عمر: اللهم لا وانه ليسمع كلامك(٤٨٧) .

قلت: هذا محل الشاهد من هذه الحكاية إذ آثر رأيه في جواب أبي سفيان على نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إياهم عن جوابه كما ترى.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٤٦: -

[ المورد - (٥٢) -: التجسس مع النهى عنه ]

قال الله عزوجل:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ) (٤٨٨) .

وفي الصحيح عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إياكم والظن، فان الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تناجشوا ولا تحاسد، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله اخوانا. الحديث(٤٨٩) .

لكن عمر رأى في أيام خلافته ان بالتجسس نفعا للأمة وصلاحا للدولة، فكان يعس ليلا، ويتجسس نهارا، حتى سمع هو يعس في المدينة صوت

____________________

=> إذا علموا ببقائه حيا، ولذلك نهاهم عن جوابه، وكأن عمر إذ أجابه لم يكن خائفا ولم يكن يرى لهذا الاحتياط وجها (منه قدس).

(٤٨٧) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ٤٧، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ١١١، السيرة الحلبية ج ٢ / ٢٤٥.

(٤٨٨) سورة الحجرات: ١٢.

(٤٨٩) مجمع البيان ج ٩ / ١٣٧، صحيح مسلم ج ٨ / ١٠ ط العامرة، صحيح الترمذي ج ١ / ٣٥٩، صحيح البخاري ج ٣ / ٤٣١ وج ٤ / ١٢٨، مسند أحمد ج ٢ / ٢٤٥ و ٢٨٧ و ٢٦٥ و ٥١٧، الجامع الصغير ح ٢٩٠١، وصحيح الجامع الصغير ح ٢٦٧٦، أسنى المطالب ص ٩٨، الفتح الكبير ج ١ / ٤٩٠ (*).

٣٦٥

رجل يتغنى في بيته فسور عليه فوجد عنده امرأة وزقا من خمر، فقال: أي عدو الله ظننت ان الله يسترك وأنت على معصية، فقال لا تعجل يا أمير المؤمنين ان كنت اخطأت في واحدة، فقد اخطأت انت في ثلاث. قال الله تعالى:( وَلَا تَجَسَّسُوا ) فقد تجسست وقال:( وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) وقد تسورت وقال:( فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا ) وما سلمت. فقال: هل عندك من خير ان عفوت عنك ؟. قال نعم. فعفا عنه وخرج(٤٩٠) .

وعن السدي قال: خرج عمر بن الخطاب فإذا هو بضوء نار ومعه عبدالله بن مسعود واتبع الضوء حتى دخل الدار، فإذا سراج في بيت، فدخل وحده وترك ابن مسعود في الدار، فإذا شيخ جالس وبين يديه شراب وقينة تغنيه، فلم يشعر حتى هجم عليه عمر، فقال: ما رأيت منظرا أقبح من شيخ ينتظر أجله فرفع الشيخ رأسه فقال: بلى صنيعك أنت أقبح مما رأيت مني، إذ تجسست وقد نهى الله عن التجسس، ودخلت بغير إذن، فقال عمر: صدقت ثم خرج عاضا على ثوبه يبكي.

وقال: ثكلت عمر أمه، إلى أن قال: وهجر الشيخ مجلس عمر حينا، فبينا عمر بعد ذلك جالس إذ به قد جاء شبه المستخفي حتى جلس في أخريات الناس فرآه عمر فقال: علي بهذا، فقيل له: أجب فقام وهو يرى ان عمر سيسوئه بما رأى منه. فقال عمر: ادن مني فلا زال يدنيه حتى

____________________

(٤٩٠) أخرجه الخرائطي في كتاب مكارم الأخلاق وهو الحديث ٣٦٩٦ من أحاديث الكنز في ص ١٦٧ من جزئه الثاني، وأورده ابن أبى الحديد في ص ٩٦ من المجلد الثالث من شرح نهج البلاغة، وذكره الغزالي في ص ١٣٧ من كتابه إحياء العلوم (منه قدس). الغدير للأميني ج ٦ / ١٢١، الرياض النضرة ج ٢ / ٤٦ ط ١، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٦١ وج ٣ / ٩٦ ط ١، الدر المنثور ج ٦ / ٩٣، الفتوحات الإسلامية ج ٢ / ٤٧٧ (*).

٣٦٦

أجلسه بجنبه، فقال: ادن مني اذنك فالتقم أذنه فقال له. والذي بعث محمدا بالحق ما أخبرت أحدا من الناس بما رأيت منك، ولا ابن مسعود فانه كان معي. (الحديث)(٤٩١) .

وعن الشعبي: ان عمر فقد رجلا من أصحابه، فقال لابن عوف: انطلق بنا إلى منزل فلان فننظر فأتيا منزله فوجدا بابه مفتوحا وهو جالس وامرأته تصب له في الإناء فتناوله أياه، فقال عمر لابن عوف: هذا الذي شغله عنا، فقال ابن عوف لعمر: وما يدريك ما في الإناء ؟. فقال عمر: أتخاف ان يكون هذا تجسسا ؟ قال: بل هو التجسس. قال: وما التوبة من هذا ؟. قال: لا تعلمه بما اطلعت عليه من أمره !. (الحديث)(٤٩٢) .

وعن المسور بن مخرمة، عن عبدالرحمن بن عوف: انه حرس المدينة مع عمر بن الخطاب ليلة فبينا هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه فلما دنوا منه فإذا باب مجاف - مغلق - على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فأخذ عمر بيد عبدالرحمن بن عوف فقال له: هذا بيت ربيعة بن أمية، وهم الآن يشربون الخمر فما ترى ؟. قال أرى انا قد أتينا ما نهى الله عنه إذ تجسسنا، فانصرف عنهم عمر وتركهم !(٤٩٣) .

____________________

(٤٩١) أخرجه أبو الشيخ في كتاب القطع والسرقة، ونقله صاحب كنز العمال في ص ١٤١ من جزئه الثاني وهو الحديث ٣٣٥٤ (منه قدس).

(٤٩٢) أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر وهو الحديث ٣٦٩٤ في ج ٢ من الكنز (منه قدس).

(٤٩٣) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد والخرائطي في مكارم الأخلاق وهو الحديث ٣٦٩٣ من أحاديث الكنز في الجزء المتقدم ذكره. وأخرجه الحاكم أيضا وصححه في باب النهى عن التجسس من كتاب الحدود صفحة ٣٧٧ من الجزء الرابع من المستدرك =>

٣٦٧

وعن طاووس: ان عمر خرج ليلة فمر ببيت فين ناس يشربون فناداهم أفسقا ؟ أفسقا ؟ فقال بعضهم: قد نهاك الله عن هذا، فرجع عمر وتركهم !(٤٩٤) .

وعن أبي قلابة: ان عمر حدث ان أبا محجن الثقفي يشرب الخمر في بيته هو وأصحابه فانطلق عمر حتى دخل عليه، فقال أبو محجن: يا أمير المؤمنين ان هذا لا يحل لك قد نهاك الله عن التجسس، أفسأل عمر زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن الأرقم فقالا: صدق يا أمير المؤمنين فخرج عمر وتركه !(٤٩٥)

قلت: من تتبع ما جاء من الأخبار حول تجسسه رأى من نشاطه في سياسته وعزائمه المبذولة في سبيلها ما هو ماثل بأجلى المظاهر(٤٩٦) .

وكأنه (رض) كان يرى أن الحدود الشرعية تدرأ بخطأ الحاكم في طريق اثباتها، ولذلك لم يقم على واحد من هؤلاء المجرمين حدا، بل لم يؤذ منهم أحدا، وما ندري كيف رضي أن لا يكون لتجسسه أثر، إلا تمرد المجرمين في إجرامهم، بعد أن رأو هذا التسامح من أمامهم ؟ !.

____________________

=> أورده الذهبي في تلخيصه مصرحا بصحته (منه قدس). الغدير للأميني ج ٦ / ١٢٢، سنن البيهقي ج ٨ / ٣٣٤، الإصابة ج ١ / ٥٣١، الدر المنثور ج ٦ / ٩٣، السيرة الحلبية ج ٣ / ٢٩٣، الفتوحات الإسلامية ج ٢ / ٤٧٦.

(٤٩٤) (٤٩٥) هذا الحديث وحديث طاووس موجودان في ج ٢ / ١٤١ من كنز العمال (منه قدس). مجمع البيان ج ٩ / ١٣٥.

(٤٩٦) الغدير للأميني ج ٦ / ١٢١، مجمع البيان ج ٩ / ١٣٥ (*).

٣٦٨

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٤٩: -

[ المورد - (٥٣) - تشريع حد لمهور النساء ]

يجب في المهر أن يكون مما يملكه المسلم، عينا كان أم دينا، أم منفعة، وتقديره راجع إلى الزوجين فيما يتراضيان عليه، كثيرا كان أم قليلا، ما لم يخرج بسبب القلة عن المالية كحبة من طعام مثلا، نعم يستحب في جانب الكثرة أن لا يزيد على مهر السنة وهو خمسمائة درهم(٤٩٧) .

وكان عمر (رض) عزم على النهي عن الغلو في مهور النساء، تسهيلا لأمر التناكح الذي به التناسل، وبه صون الاحداث عن الحرام وأن من تزوج أحرز ثلثي دينه(٤٩٨)

فقام في بعض أيامه خطيبا في هذا المعنى، فكان مما قاله في خطابه: لا يبلغني ان امرأة تجاوز صداقها صداق زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الا أرجعت ذلك منها. فقامت إليه امرأة فقالت: والله ما جعل الله ذلك لك، انه يقول:( وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ) (٤٩٩) فعدل عن حكمه قائلا: الا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت ؟ ! ناضلت إمامكم فنضلته(٥٠٠) .

وفي رواية(١) انه قال: كل أحد أعلم من عمر، تسمعونني أقول مثل

____________________

(٤٩٧) الوسائل باب - ٢ - من أبواب المهور ح ١، جواهر الكلام ج ٣١ / ٣ و ١٤ و ١٥، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ / ١٦١ ط بيروت.

(٤٩٨) مستدرك الوسائل ك النكاح باب - ١ - من أبواب مقدمات النكاح ح ٢ و ٣، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج ٥ / ٨٦.

(٤٩٩) سورة النساء آية: ٢٠.

(٥٠٠) رواه بهذه الألفاظ كثير من حفظة السنن وسدنة الآثار، وأرسله ابن أبى الحديد في أحوال عمر ص ٩٦ من المجلد الثالث من شرح النهج - إرسال المسلمات (منه قدس). وراجع: الغدير للأميني ج ٦ / ٩٨، وشرح النهج الحديدي ج ١ / ٦١ وج ٣ / ٩٦ ط ١.

(١) ذكرها الزمخشري في تفسير: وآتيتم إحداهن قنطارا من سورة النساء في كشافه (منه قدس) (*).

٣٦٩

هذا القول فلا تنكرونه علي حتى ترد علي امرأة ليست أعلم من نسائكم ؟ !(٥٠١) .

وفي رواية أخرى(١) فقامت امرأة فقالت: يابن الخطاب الله يعطينا وأنت تمنع وتلت هذه الآية، فقال عمر: كل الناس أفقه من عمر ورجع عن حكمه(٥٠٢) .

قلت: استدلوا بهذه الواقعة وأمثالها على إنصافه واعترافه، وكم له من قضايا مع الخاصة والعامة من رجال ونساء تمثل له الإنصاف والاعتراف و كان إذا أعجبه القول أو الفعل يستفزه العجب، وربما ظهر عليه الطرب.

كما اتفق له مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سئل عن أشياء كرهها، فيما أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري إذ قال: سئل النبي عن أشياء كرهها لكونها

____________________

(٥٠١) الغدير للأميني ج ٦ / ٩٧، الكشاف للزمخشري ج ١ / ٣٥٧ وفى طبع آخر ج ١ / ٥١٤، شرح صحيح البخاري للقسطلاني ج ٨ / ٥٧.

(١) ذكرها الرازي في تفسير الآية آخر ص ١٧٥ من الجزء الثالث من تفسيره الكبير، وله ثمة عثرة لليدين وللفم، إذ قال: وعندي ان الآية لا دلالة فيها على جواز المنالاة. إلى آخر كلامه الملتوي عن الفهم الذي أراد به تخطثه المرأة دفاعا عن عمر وقد زاد في طينته بلة من حيث لا يدرى، فليراجع الباحثون كلامه ليعجبوا من أسفافه، وفى ص ١٥٠ من تاريخ عمر بن الخطاب لأبي الفرج ابن الجوزي حديث عن عبدالله ابن مصعب وآخر عن ابن الاجدع يتضمنان خطاب عمر في نهيه عن الغلو في مهور النساء ورد المرأة عليه بما ألزمه بالرجوع عما نهى عنه معترفا بخطأه وصواب المرأة (منه قدس).

(٥٠٢) الغدير للأميني ج ٦ / ٩٨، تفسير القرطبي ج ٥ / ٩٩، تفسير النيسابوري ج ١، تفسير الخازن ج ١ / ٣٥٣، الفتوحات الإسلامية ج ٢ / ٤٧٧ وزاد فيه: حتى النساء. وهناك روايات أخرى من أراد الاطلاع عليها مع مصادرها فاليراجعها في الغدير ج ٦ / ٩٥ وما بعدها. (*)

٣٧٠

مما لا يعنى العقلاء بها، ولا هي مما بعث الأنبياء لبيانها، فلما أكثروا عليه غضب لتعنتهم في السؤال، وتكلمهم فيما لا حاجة لهم به، ثم قال للناس. سلوني، كأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله رآهم فشلوا أو خجلوا حيث أغضبوه فتبسط لهم بقوله: سلوني، رأفة بهم ورحمة، فقال رجل هو عبدالله بن حذافة: من أبي يا رسول الله ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أبوك حذافة، فقام آخر وهو سعد بن سالم فقال: من أبي يا رسول الله ؟. فقال: أبوك سالم مولى أبي شيبة.

وكان سبب هذا السؤال منهما طعن الناس في نسبيهما، فلما رأى عمر ما في وجه رسول الله من الغضب قال: يا رسول الله انا نتوب إلى الله عزوجل مما يوجب غضبك اه‍. وسره من رسول الله الحاق عبدالله بحذافة، والحاق سعد بسالم تصديقا لاميهما في نسبيهما.

وفي صحيح البخاري أيضا عن أنس بن مالك ان عبدالله بن حذافة سأل رسول الله فقال له: من أبي ؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أبوك حذافة.

وفي صحيح مسلم: انه كان يدعى لغير أبيه، فلما سمعت أمه سؤاله هذا، قالت: ما سمعت بابن أعق منك أأمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس. فبرك عندها عمر على ركبتيه أمام رسول الله فقال معجبا بتصديق النبي لام عبدالله ابن حذافة في نسبه: رضينا بالله ربا، وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا.(٥٠٣)

قالها طربا بسترهصلى‌الله‌عليه‌وآله على كثير من الأمهات المفارقات في الجاهلية وقد جب الإسلام ما قبله.

____________________

(٥٠٣) تجد هذا الحديث في باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث، وتجد قبله حديث أبى موسى في أواخر كتاب العلم صفحة ١٩ من الجزء الأول من صحيح البخاري (منه قدس). صحيح مسلم. (*)

٣٧١

[ المورد - (٥٤) - استبدال الحد الشرعي بأمر آخر يختاره الحاكم ]

وذلك ان غلمة الحاطب بن بلتعة، اشتركوا في سرقة ناقة لرجل من مرينة فجي بهم إلى عمر فأقروا، فأمر عمر كثير بن الصلت ان يقطع أيديهم، فلما ولي بهم ردهم عمر إليه ثم استدعى ابن مولاهم وهو عبدالرحمن بن حاطب فقال له: أما والله لولا انكم تستعملونهم وتجيعونهم لقطعت أيديهم. وأيم الله إذ لم أفعل، لاغرمتك غرامة توجعك إلى آخر ما كان من هذه الواقعة فلتراجع في ص ٣٢ والتي بعدها من الجزء الثالث من أعلام الموقعين.

ونقلها عنه العلامة المعاصر أحمد أمين في ص ٢٨٧ من (فجر الإسلام). وأشار إليها ابن حجر العسقلاني في ترجمة عبدالرحمن بن حاطب، حيث أورده في القسم الثاني من الإصابة فقال: وله قضية مع عمر(٥٠٤) .

قلت: لعل ما فعله عمر من درء الحد عن هؤلاء الغلمة وجها، وذلك حيث لا تكون السرقة الا عن مخمصة اضطرتهم إليها بقيا على رمقهم ليكونوا ممن عناهم الله عزوجل بقوله:( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (٥٠٥) .

لكنهم أقروا بالسرقة فثبتت عليهم ولم يدعوا الضرورة الملجئة إليها، ولو فرض انهم ادعوها، لكان على الحاكم ان يطالبهم بما يثبتها، لكنا لم نر منه سوى أنه وسعهم باشفاقه مشتدا على ابن حاطب، وما ندري من أين علم انهم كانوا يجيعونهم هذا الجوع ؟.

____________________

(٥٠٤) وقريب من هذا ما وقع منه مع المغيرة بن شعبة وذلك لما زنى المغيرة بام جميل فدرأ عنه الحد. راجع تفصيل القضية في كتاب الغدير ج ٦ / ١٣٧ - ١٤٤.

(٥٠٥) سورة البقرة آية: ١٧٣ (*).

٣٧٢

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٥٣: -

[ المورد - (٥٥) - اخذ الدية حيث لم تشرع ]

وذلك ان أبا خراش الهذلي الصحابي الشاعر، أتاه نفر من أهل اليمن قدموا عليه حجاجا، فأخذ قربته وسعى نحو الماء تحت الليل حتى استقى لهم ثم أقبل صادرا فنهشته حية قبل ان يصل إليهم، فأقبل مسرعا حتى أعطاهم الماء وقال: اطبخوا شاتكم وكلوا. ولم يعلمهم ما أصابه، فباتوا على شأنهم يأكلون حتى أصبحوا، وأصبح أبوخراش وهو في الموتى، فلم يبرحوا حتى دفنوه وقال وهو يموت في شعر له :

لقد أهلكت حية بطن واد

على الاخوان ساقا ذات فضل

فما تركت عدوا بين بصرى

إلى صنعاء يطلبه بذحل

فبلغ خبره عمر بن الخطاب فغضب غضبا شديدا وقال: لولا ان تكون سنة لأمرت ان لا يضاف يماني أبدا، ولكتبت بذلك إلى الافاق. ثم كتب إلى عامله باليمن ان يأخذ النفر الذين نزلوا على أبي خراش الهذلي فيلزمهم ديته ويؤذيهم بعد ذاك بعقوبة يمسهم بها جزاء لفعلهم ! ؟(٥٠٦) .

[ المورد -(٥٦) - اقامة حد الزنى حيث لم يثبت مقتضيه ]

وذلك فيما أخرجه ابن سعد في أحوال عمر ص ٢٠٥ من الجزء الثالث

____________________

(٥٠٦) هذه القضية أوردها ابن عبد البر في أحوال أبى خراش الهذلى من كتابه الاستيعاب وأورده الدميري في حياة الحيوان بمادة حية (منه قدس)

٣٧٣

من طبقاته(١) بسند معتبر، أن بريدا قدم على عمر فنثر كنانته، فبدرت صحيفة فأخذها فقرأها فإذا فيها :

ألا أبلغ أبا حفص رسولا

فدا لك من أخي ثقة ازاري

قلائصنا هداك الله انا

شغلنا عنكم زمن الحصار

فما قلص وجدن معقلات

قفا سلع بمختلف البحار

قلائص من بني سعد بن بكر

وأسلم أو جهينة أو غفار

يعقلهن جعدة من سليم

معيدا يبتغي سقط العذار

فقال: ادعوا لي جعدة من سليم. [ قال ] فدعوا به فجلده مائة معقولا ونهاه ان يدخل على امرأة مغيبة. انتهى بلفظ ابن سعد(٥٠٧) .

قلت: لا وجه لإقامة الحد هنا بمجرد هذه الأبيات، إذ لم يعرف قائلها ولا مرسلها، على انها لا تتضمن سوى استعداء الخليفة على جعدة بدعوى انه تجاوز الحد مع فتيات من بني سعد ابن بكر، وسلم، وجهينة، وغفار، فكان يعبث بهن فيعقلهن كما تعقل القلص، يبتغي بذلك سقط عذارهن، أي سقط الحياء والحشمة، هذا كل ما في الأبيات مما نسب إلى جعدة. وهو لو ثبت شرعا لا يوجب بمجرده إقامة الحد، نعم يوجب تربيته وتعزيره.

ولعل ما فعله الخليفة انما كان من هذا الباب. وشتان ما كان منه هنا، وما كان منه مع المغيرة بن شعبة مما ستسمعه قريبا ان شاء الله.

[ المورد - (٥٧) - درؤه الحد عن المغيرة بن شعبة ]

وذلك حيث فعل المغيرة (مع الإحصان) ما فعل مع أم جميل بنت عمرو

____________________

(١) وأخرجه ابن عساكر في تاريخه، وذكر جلده ونفيه إلى عمان (منه قدس).

(٥٠٧) الطبقات الكبرى ج ٢ / ٢٨٥ ط دار صادر. (*)

٣٧٤

امرأة من قيس في قضية هي من أشهر الوقائع التاريخية في العرب، كانت سنة ١٧ للهجرة لا يخلو منها كتاب يشتمل على حوادث تلك السنة، وقد شهد عليه بذلك كل من أبي بكرة - وهو معدود في فضلاء الصحابة وحملة الآثار النبوية - ونافع بن الحارث - وهو صحابي أيضا - وشبل بن معبد، وكانت شهادة هؤلاء الثلاثة صريحة فصيحة بأنهم رأوه يولجه فيها ايلاج الميل في المكحلة لا يكنون ولا يحتشمون، ولما جاء الرابع - وهو زياد بن سمية - ليشهد، أفهمه الخليفة رغبته في ان لا يخزي المغيرة، ثم سأله عما رآه فقال: رأيت مجلسا وسمعت نفسا حثيثا وانتهازا، ورأيته مستبطنها. فقال عمر: أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة ؟. فقال لا لكن رأيته رافعا رجليها فرأيت خصيتيه تتردد إلى ما بين فخذيها، ورأيت حفزا شديدا، وسمعت نفسا عاليا. فقال عمر: رأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة ؟. فقال: لا. فقال عمر: الله أكبر قم يا مغيرة إليهم فاضربهم. فقام يقيم الحدود على الثلاثة.

واليكم تفصيل هذه الواقعة بلفظ القاضي أحمد الشهير بابن خلكان في كتابه - وفيات الأعيان - إذ قال ما هذا لفظه: وأما حديث المغيرة بن شعبة والشهادة عليه، فان عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه كان قد رتب المغيرة أميرا على البصرة، وكان يخرج من دار الإمارة نصف النهار، وكان أبو بكرة يلقاه فيقول: أين يذهب الامير ؟. فيقول: في حاجة. فيقول: ان الأمير يزار ولا يزور.

[ قال ]: وكان يذهب إلى امرأة يقال لها أم جميل بنت عمرو وزوجها الحجاج بن عتيك بن الحارث بن وهب الجشمي، ثم ذكر نسبها، ثم روى عن أبا بكرة بينما هو في غرفته مع اخوته، وهم نافع، وزياد، وشبل بن معبد أولاد سمية فهم اخوة لام، وكانت أم جميل المذكورة في غرفة أخرى قبالة هذه الغرفة فضرب الريح

٣٧٥

باب غرفة أم جميل ففتحه ونظر القوم فإذا هم بالمغيرة مع المرأة على هيئة الجماع، فقال أبو بكرة: بلية قد ابتليتم بها فانظروا فنظروا حتى أثبتوا فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة فقال له: ان كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا.

(قال) وذهب المغيرة ليصلي بالناس الظهر ومضى أبو بكرة. فقال أبو بكرة: لا والله لا تصل بنا وقد فعلت ما فعلت. فقال الناس: دعوه فليصل فانه الأمير واكتبوا بذلك إلى عمررضي‌الله‌عنه ، فكتبوا إليه فأمرهم ان يقدموا عليه جميعا، المغيرة والشهود، فلما قدموا عليه جلس عمررضي‌الله‌عنه ، فدعا بالشهود والمغيرة، فتقدم أبو بكرة فقال له: رأيته بين فخذيها ؟ قال: نعم والله لكأني انظر إلى تشريم جدري بفخذيها، فقال له المغيرة ألطف النظر ؟

فقال أبو بكرة: لم آل ان اثبت ما يخزيك الله به.

فقال عمررضي‌الله‌عنه : لا والله حتى تشهد لقد رأيته يلج فيه ايلاج المرود في المكحلة.

فقال: نعم أشهد على ذلك.

فقال: اذهب مغيرة ذهب ربعك. ثم دعا نافعا فقال له: على م تشهد ؟

قال على مثل ما شهد أبو بكرة.

قال: لا حتى تشهد انه ولج فيها ولوج الميل في المكحلة.

قال: نعم حتى بلغ قذذة

فقال له عمررضي‌الله‌عنه : اذهب مغيرة قد ذهب نصفك.

ثم دعا الثالث فقال له: على م تشهد ؟

فقال: على مثل شهادة صاحبي فقال له عمر اذهب مغيرة فقد ذهب ثلاثة أرباعك.

ثم كتب إلى زياد وكان غائبا وقدم فلما رآه جلس له في المسجد واجتمع عنده رؤس المهاجرين والأنصار، فلما رآه مقبلا قال: الي أرى رجلا لا يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين، ثم ان عمررضي‌الله‌عنه رفع رأسه إليه فقال ما عندك يا سلح الحبارى ؟ فقيل ان المغيرة قام إلى زياد. فقال: لا مخبأ لعطر بعد عروس.

٣٧٦

فقال له المغيرة: يا زياد اذكر الله تعالى واذكر موقف يوم القيامة فان الله تعالى وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي الا ان تتجاوز إلى ما لم تر مما رأيت فلا يحملنك سوء منظر رأيته على أن تتجاوز إلى ما لم تر فوالله لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أن يسلك ذكري فيها.

قال: فدمعت عينا زياد واحمر وجهه وقال: يا أمير المؤمنين أما ان أحق ما حقق القوم فليس عندي، ولكن رأيت مجلسا وسمعت نفسا حيثيا وانتهازا ورأيته مستبطنها.

فقال له عمررضي‌الله‌عنه : رأيته يدخله ويولجه كالميل في المكحلة

فقال: لا.

وقيل قال زياد: رأيته رافعا رجليها فرأيت خصيتيه تردد ما بين فخذيها ورأيت حفزا شديدا وسمعت نفسا عاليا.

فقال عمررضي‌الله‌عنه . رأيته يدخله ويولجه كالميل في المكحلة.

فقال لا، فقال عمر: الله اكبر قم يا مغيرة إليهم فاضربهم فقال إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين، وأعجبه قول زياد ودرأ الحد عن المغيرة.

فقال أبو بكرة بعد أن ضرب: أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا.

فهم عمر ان يضربه حدا ثانيا، فقال له على بن أبي طالب: ان ضربته فارجم صاحبك فتركه واستناب عمر أبا بكرة فقال: انما تستتبني لتقبل شهادتي. فقال: أجل. فقال: لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا، فلما ضربوا الحد قال المغيرة: الله أكبر الحمد لله الذي أخزاكم. فقال عمررضي‌الله‌عنه : اخزى الله مكانا رأوك فيه.

(قال) وذكر عمر بن شيبة في كتاب أخبار البصرة ان أبا بكرة لما جلد أمرت أمه بشاة فذبحت وجعل جلدها على ظهره. فكان يقال: ما كان ذاك الا من ضرب شديد.

(قال) وحكى عبدالرحمن بن أبي بكرة: ان أباه حلف لا يكلم زيادا ما

٣٧٧

عاش، فلما مات أبو بكرة كان قد أوصى ان لا يصلى عليه الا أبوبرزة الاسلمي وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بينهما، وبلغ ذلك زيادا فخرج إلى الكوفة، وحفظ المغيرة بن شعبة ذلك لزياد وشكره. ثم ان أم جميل وافت عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه بالموسم والمغيرة هناك، فقال له عمر: أتعرف هذه المرأة يا مغيرة ؟ فقال: نعم هذه أم كلثوم بنت على. فقال عمر: أتتجاهل علي والله ما أظن أبا بكرة كذب فيما شهد عليك، وما رايتك الا خفت أن أرمي بحجارة من السماء.

(قال) ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في أول باب عدد الشهور في كتابه المهذب: وشهد على المغيرة ثلاثة أبو بكرة، ونافع، وشبل بن معبد.

(قال) وقال زياد: رأيت استأ تنبو ونفسا يعلو ورجلين كأنهما اذنا حمار ولا أدري ما وراء ذلك فجلد عمر الثلاثة ولم يحد المغيرة.

(قال) قلت: وقد تكلم الفقهاء على قول عليرضي‌الله‌عنه لعمر: ان ضربته فارجم صاحبك. فقال أبو نصر بن الصباغ: يريد ان هذا القول ان كان شهادة أخرى فقد تم العدد، وان كان هو الأولى فقد جلدته عليه والله أعلم. انتهت هذه المأساة وما إليها بلفظ القاضي ابن خلكان عينا فراجعه في ترجمة يزيد بن زياد الحميري من الجزء الثاني من وفيات الأعيان المنتشرة(٥٠٨) .

وأخرج الحاكم هذه القضية في ترجمة المغيرة ص ٤٤٩ والتي بعدها من الجزء الثالث من صحيحه المستدرك، وأوردها الذهبي في تلخيص المستدرك أيضا، وأشار إليها مترجمو كل من المغيرة، وأبي بكرة، ونافع، وشبل بن

____________________

(٥٠٨) وفيات الأعيان ج ٢ / ٤٥٥ (*).

٣٧٨

معبد، ومن أرخ حوادث سنة ١٧ للهجرة من أهل الأخبار(٥٠٩) .

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٥٩: -

[ المورد - (٥٨) - تشدده على جبلة بن الايهم ]

وذلك انه وفد عليه في خمسمائة من فرسان عك وجفنة، تخب بهم مطهماتهم العربية، وعليهم الوشي المنسوج بالذهب والفضة، وفي - مقدمتهم جبلة وعلى رأسه تاجه وفيه قرط جدته مارية فاسلموا جميعا، وفرح المسلمون بهم وبمن وراءهم من أتباعهم فرحا شديدا، وحضر جبلة بأصحابه الموسم من عامهم ذاك مع الخليفة، فبينا جبلة يطوف بالبيت إذ وطأ ازاره رجل من فزارة فحله فلطمه جبلة، فاستعدى الفزاري عمر، فأمر عمر جبلة أن يقيده من نفسه أو يرضيه، وضيق عليه في ذلك حتى بلغ اليأس، فلما جنه الليل خرج بأصحابه فأتوا القسطنطينية فتنصروا جميعا مرغمين، وقد نالهم ثمة من الخطوة بهرقل ومن العز والابهة فوق ما يتمنون(٥١٠) وكان جبلة مع هذا كله يبكي أسفا على ما فاته من دين الإسلام.

وهو القائل :

____________________

(٥٠٩) الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني ج ١٤ / ١٤٦، الغدير للأميني ج ٦ / ١٣٧ - ١٤٤ و ٢٧٤، فتوح البلدان للبلاذري ص ٣٥٢، تاريخ الطبري ج ٤ / ٢٠٧، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ٣٧٨، البداية والنهاية لابن كثير ج ٧ / ٨١، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٣ / ١٦١ ط ١ وج ١٢ / ٢٣١ - ٢٣٩ ط بتحقيق أبو الفضل، عمدة القاري ج ٦ / ٢٤٠، سنن البيهقي ج ٨ / ٢٣٥.

(٥١٠) كما فصله ابن عبد ربه الأندلسي حيث ذكر وفود جبلة على عمر في كتابه - الجمانة - في الوفود صفحة ١٨٧ من الجزء الأول من عقده الفريد. وتجد أيضا في صفحة ٦٢ من الجزء الأول من كتاب الدروس العربية للمدارس الثانوية المطبوع في مطبعة الكشاف ببيروت نقلا عن الأغاني لأبي الفرج الاصفهانى (منه قدس). وكذلك تغريبه: ربيعة بن أمية بن خلف إلى خيبر ثم دخل أرض الروم وارتد. راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ / ٢٨٢ (*).

٣٧٩

تنصرت الاشراف من أجل لطمة

وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

تكنفني منها لجاج ونخوة

وبعت لها العين الصحيحة بالعور

فياليت أمي لم تلدني وليتني

رجعت إلى القوم الذي قال لي عمر

ويا ليتني ارعى المخاض بقفرة

وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر

قلت: ليت الخليفة لم يحرج هذا الأمير العربي وقومه ولو ببذل كل ما لديه من الوسائل إلى رضا الفزاري من حيث لا يدري ذلك الأمير أو من حيث يدري، وهيهات أن يفعل عمر ذلك. انه أراد أن يقود جبلة في أول بادرة تبدر منه ببرة(١) الصغار، فيجدع أنف عزه، وهذه سيرته مع كل عزيزي الجانب منيعي الحوزة كما يعلمه متتبعو سيرته من أولي الألباب.

وقد مر عليك تشدده على خالد وهو من أخواله. وشتان بين يوميه، يومه مع صاحبه المغيرة إذ درأ عنه حد الزنى محصنا كما سمعته آنفا، ويومه مع خالد إذ أصر على رجمه ولولا أبو بكر لرجم، كما سمعته أيضا، فان قوة شكيمة خالد واعتداده بنفسه أوجبا شدة وطأة عمر عليه، كما ان شمم جبلة وعزة نفسه أوجبا ذلك عليه أيضا، بخلاف المغيرة فانه كان - مع دهائه ومكره وحيله - أطوع لعمر من ظله، وأذل من نعله، ولذلك استبقاه مع فجوره.

وكانت سياسته تقتضي إرهاب الرعية بالتشدد على من كان عزيزا كجبلة وخالد، وربما أرهبهم بالوقيعة بذوي رحمه كما فعله بابنه أبي شحمة وبأم فروة أخت أبي بكر وبمن لا فائدة له به ممن لا يكون في عير السياسة ولا في نفيرها، كما فعله بجعدة السلمي، وضبيع التميمي، ونصر بن حجاج، وابن

____________________

(١) البرة حلقة من صفر أو نحوه توضع في أنف الجمل الشرود، فيربط بها حبل يقاد به ذلك الجمل (منه قدس) (*).

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629