النص والاجتهاد

النص والاجتهاد0%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
تصنيف: الصفحات: 629
المشاهدات: 158663
تحميل: 7225

توضيحات:

النص والاجتهاد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158663 / تحميل: 7225
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وفي صحيح مسلم أيضا بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس، سيماهم التحالق. قال: " هم شر الخلق، أو من أشر الخلق، يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق قال: فضرب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مثلا: الرجل يرمي الرمية. أو قال: الغرض فينظر في النصل فلا يرى بصيرة، وينظر في النضي فلا يرى بصيرة، وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة "(١) الحديث(١٤١) .

وفي مسند الإمام أحمد من حديث عن أبي برزة من طريقين(٢) إليه، ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصف الخوارج فقال: " يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون فيه، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شر الخلق والخليقة، هم شر الخلق والخليقة، هم شر الخلق والخليقة "(١٤٢) .

قلت: إذا كانوا شر الخلق والخليقة، أو من أشرهم، لا تكون عبدة الاوثان ولا منكروا الاديان شرا منهم، وكفى بهذا حجة على كفرهم.

____________________

(١) الحديث راجعه في باب ذكر الخوارج وصفاتهم ص ٣٩٥ من جزئه الأول. وأخرجه الإمام أحمد من حديث أبى سعيد أيضا في ص ٥ من الجزء الثالث من مسنده (منه قدس).

(١٤١) صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ذكر الخوارج وصفتهم ج ٢ / ٧٤٥.

(٢) أحدهما في آخر ص ٤٢٤ والتي بعدها. وثانيهما في أول ص ٤٢٢ من الجزء الرابع من مسنده (منه قدس).

(١٤٢) كنز العمال ج ١١ / ٣٠٥ و ٣٠٦، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٣٣ (*).

١٢١

[ مروق الخوارج من الدين وأخبارهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنهم بالمغيبات ]

تواتر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصوص صريحة بمروق الخوارج من الدين وحسبنا منها - مضافا إلى ما سمعته آنفا - ما أخرجه أصحاب الصحاح بأسانيدهم الصحيحة، وطرقهم الكثيرة، وحيث لا يسعنا استقصاؤها في هذا الإملاء، فلنكتف بما أخرجه الشيخان في صحيحيهما بالاسناد إلى أبي سعيد الخدري(١) واللفظ للبخاري.

قال: " بينا نحن عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة(٢) وهو رجل من بني تميم. قال: " يا رسول الله اعدل ". فقال رسول الله: " ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل وقد خبت وخسرت ان لم أكن أعدل " فقال عمر: " ائذن لي فأضرب عنقه(٣) " فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " دعه فان له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون

____________________

(١) أما البخاري فقد أخرجه في باب علامات النبوة في الإسلام من كتاب بدء الخلق ص ١٨٤ من الجزء الثاني من صحيحه، وفى مواضع أخر من الصحيح، وأما مسلم فقد أخرجه في باب ذكر الخوارج وصفاتهم ص ٣٩٣ وما بعدها من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).

(٢) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون الياء وكسر الصاد، واسمه حرقوص ابن زهير (منه قدس).

(٣) ليته ضرب عنقه حين أمر بذلك (منه قدس) (*).

١٢٢

القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين(١) كما يمرق السهم من الرمية(٢) ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ(٣) ثم، ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شئ، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر(٤) . ويخرجون على حين(٥) فرقة من الناس

قال أبو سعيد: فأشهد إني سمعت هذا الحديث من رسول الله، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتى به حتى نظرت

____________________

(١) أي يخرجون من دين الإسلام وهذه الكلمة من الأدلة على كفر الخوارج وعليه إجماع الإمامية واليه ذهب جماعة من أعلام الجمهور كالخطاب والقاضي أبى بكر ابن العربي في شرح الترمذي لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله - كما في صحيح مسلم - " يمرقون من الإسلام " (منه قدس).

(٢) الرمية كفعيلة بمعنى مفعولة هي الصيد المرمى، والمروق سرعة نفوذ السهم من الرمية حتى يخرج من الطرف الأخر ومنه مروق البرق لخروجه بسرعة، شبهصلى‌الله‌عليه‌وآله مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه، ولشدة سرعة خروجه لقوة ساعد الرامي لا يعلق على السهم يمرقون من الإسلام (منه قدس).

(٣) ينظر بالبناء للمفعول والنصل حديدة السهم. أي لا يوجد فيها شئ ما من الصيد مطلقا لا دم ولا غيره (منه قدس).

(٤) تدردر فعل مضارع أصلها تتدردر حذفت إحدى التاءين تخفيفا - أي تتحرك وتذهب وتجئ (منه قدس).

(٥) قال النووي في تعليقه على هذا الحديث ص ٨٦ من الجزء السادس من شرح صحيح مسلم: ضبطوه في الصحيح بوجهين أحدهما: على حين فرقة بحاء مهملة ثم ياء بعد نون. وثانيهما على خير فرقة بخاء معجمة مفتوحة بعدها ياء ثم راء. قلت: هذا هو المأثور الصحيح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والمراد بخير فرقة على وأصحابه كما لا يخفى (منه قدس) (*).

١٢٣

إليه على نعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي نعته "(١٤٣) .

والأخبار عن الخوارج بهذا ونحوه - من أفعالهم وصفاتهم الخلقية والخلقية - متواترة من طريقنا عن العترة الطاهرة، متضافرة من طريق الجمهور عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فلتراجع في مضانها من حديث الفريقين(١٤٤) وانها لمن أعلام النبوة وآيات الإسلام لما فيها من أنباء الغيب التي ظهرت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للناس كفلق الصبح، إذ رأي الناس مروق هؤلاء من الإسلام بخروجهم على الإمام(٣) وكان خروجهم على افتراق من الناس(٤) وقد قتلوا

____________________

(١٤٣) تجد هذا الحديث عن أبى سعيد في مسند أحمد فراجعه ص ٥٦ من الجزء الثالث من مسنده (منه قدس).

أخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمارقين وصفاتهم: راجع صحيح البخاري ك بدء الخلق ب علامات النبوة في الإسلام ج ٤ / ٢٤٣ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ذكر الخوارج ج ٢ / ٧٤٤، مسند أحمد ج ٣ / ٥٦ و ٦٥، خصائص النسائي ص ٤٣ و ٤٤ ط التقدم، المناقب للخوارزمي ص ١٨٢، أسد الغابة ج ٢ / ١٤٠، الأنوار المحمدية ص ٤٨٧، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٣٢ و ٤٣٣، كنز العمال ج ١١ / ٢٠٢ و ٣٠٧.

(١٤٤) ولاسيما الصحاح الستة وغيرها من المسانيد التي هي مدار الجمهور في علمهم وعملهم (منه قدس).

صفات الخوارج: من طريق الجمهور فراجع: كنز العمال ج ١١ / ١٩٨ - ٢٠٨ و ٢٨٦ - ٣٢٣، إحقاق الحق للتستري ج ٨ / ٤٧٥ - ٥٢٢، المناقب للخوارزمي ص ١٨٢ - ١٨٥.

(٣) كما أخبر به النبي عنهم إذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " يخرجون على خير " فرقة بكسر الفاء - يعنى عليا وأصحابه - (منه قدس).

(٤) كما أخبر بهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال: " يخرجون على حين فرقة " بضم الفاء وكان خروجهم =>

١٢٤

وكان قاتلهم إمام الحق(١٤٥) وكانوا في بقية شؤونهم كما أخبر عنهم، يقتلون أهل الإيمان، ويدعون عبدة الأوثان، ويتشددون في الدين في غير موضع التشدد، يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم.

لان قلوبهم غلف قد ران عليها مروقهم من الدين، فلا ينفذ إليها شئ من نور القرآن يبالغون في الصلاة والصيام لكنهم لا يقيمون حقوق الإسلام، لمروقهم منه غير متأثرين بشئ من هداه، مروق السهم من الرمية، يسبق الفرث والدم.

وقد ظهرت للناظرين آيتهم الخاصة بهم، رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدى المرأة، أو مثل البضعة تدردر كما أخبرصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد تضمنت أخباره عن هذه المارقة بقاء الأمة بعده، وبقاء الشوكة والطول لها، على خلاف ما أرجف المرجفون، وكل ذلك علم بالغيب، والله تعالى يقول( فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (٢) .

ولنختم ما عنينا به من شؤون هذه المارقة بحديث أخرجه الطبراني في الأوسط(٣) عن جندب(٤) .

____________________

=> في صفين والناس فئتان، أحداهما مع علىعليه‌السلام ، وأخرى باغية مع معاوية (منه قدس).

(١٤٥) كما أخبر به أذ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله " يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق " وقال في حديث آخر أخرجه مسلم عن أبى سعيد: " يقتلهم أولى الطائفتين بالحق " (منه قدس).

(٢) سورة الجن آية: ٢٦ و ٢٧.

الإمام أمير المؤمنين على بن أبى طالبعليه‌السلام طبق ما أخبر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أمر الخوارج: راجع صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ج ٢ / ٧٤٥ و ٧٤٦، كنز العمال ج ١١ / ٣١٠ و ٣١٤ ذخائر العقبى ص ١١٠. (٣) كما في ص ٧١ من الجزء السادس من كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال وهو الحديث ١١٧٩ (منه قدس).

(٤) هو جندب بن زهير بن الحارث بن كثير بن سبع بن مالك الأزدي الغامدي =>

١٢٥

قال: لما فارقت الخوارج عليا خرج في طلبهم وخرجنا معه، فانتهينا إلى عسكر القوم. فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن وإذا فيهم من أصحاب النقبات، وأصحاب البرانس، فلما رأيتهم دخلني من ذلك شدة، فتنحيت فركزت رمحي، ونزلت عن فرسي، ونزعت برنسي، فنشرت عليه درعي، وأخذت بمقود فرسي، فقمت أصلي إلى رمحي وأنا أقول: اللهم ان كان قتال هؤلاء القوم لك طاعة فأذن لي فيه، وان كان معصية فأرني براءك.

فبينا أنا كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب فلما دنا مني قال: تعوذ بالله يا جندب من شر السخط، فجئت أسعى إليه، ونزل فقام يصلي، وإذا برجل أقبل.

فقال: يا أمير المؤمنين ألك حاجة في القوم ؟ قال: وما ذاك ؟ قال: قطعوا النهر فذهبوا. قال: ما قطعوه. قال: سبحان الله ! ثم جاء آخر فقال: قد قطعوا النهر فذهبوا.

____________________

=> كان من أصحاب أمير المؤمنين وخاصة أوليائه، وقد ذكره ابن حجر العسقلاني في القسم الأول من إصابته. على أن في صحبته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلافا، لكنه لا كلام في كونه من كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم شهد مع أمير المؤمنين حروبه أيام الجمل وصفين والنهروان وكان في صفين على الرجالة.

وعن أبى دريد في أماليه بسنده إلى أبى عبيدة عن يونس قال: كان عبدالله بن الزبير اصطفنا يوم الجمل فخرج علينا صالح فقال: يا معشر فتيان قريش أحذركم رجلين جندب ابن زهير والأشتر، فإنكم لا تقومون لسيوفهما قلت: جندب بن زهير هذا غير جندب الذي قتل الساحر بين يدي الوليد بن عقبة، فان قاتل الساحر جندب بن كعب العبدي قتل بصفين مع علىعليه‌السلام نص على ذلك الزبير بن بكار في كتابه الموفقيات، وهو المنقول عن ابن الكلبي وغيره (منه قدس) (*).

١٢٦

قال: ما قطعوه. قال: سبحان الله. ثم جاء آخر فقال: قد قطعوا النهر فذهبوا. قال علي: ما قطعوه ولا يقطعونه وليقتلن دونه عهد من الله ورسوله. ثم ركب فقال لي: يا جندب إني باعث إليهم رجلا يدعوهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم، فلا يقبل عليهم بوجهه حتى يرشقوه بالنبل، يا جندب: انه لا يقتل منا عشرة ولا ينجو منهم عشرة.

ثم قال: من يأخذ هذا المصحف فيمشي به إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيه وهو مقتول وله الجنة، فأجابه شاب من بني عامر بن صعصعة فخرج الشاب بالمصحف إلى القوم. فلما دنا منهم نشبوه. فقال علي: دونكم القوم. قال جندب: فقتلت بكفي هذه ثمانية قبل أن أصلي الظهر، وما قتل منا عشرة، وما نجا منهم عشرة كما قال علي "(١٤٦) والحمد لله.

____________________

(١٤٦) ظهور الحق لجندب بعد أن اطلع على حقائق الخوارج: راجع: كنز العمال ج ١١ / ٢٨٩، مجمع الزوائد ج ٦ / ٢٤٢.

١٢٧

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١٠٩: -

[ المورد - (١٢) -: قتال المتريثين في النزول على أمر أبي بكر في أمر الزكاة لارتيابهم في ولايته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا في افتراضها عليهم. ]

وكان أبو بكر(١٤٧) قد جمع الصحابة يستشيرهم في قتال هؤلاء فكان رأي عمر بن الخطاب وطائفة من المسلمين معه أن لا يقاتلوا قوما يؤمنون بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأن يستعينوا بهم على عدوهم.

ولعل أصحاب هذا الرأي كانوا أكثر الحاضرين في حين كان الذين أشاروا بالقتال هم القلة، وأغلب الظن ان المجادلة بين القوم في هذا الأمر البالغ الخطر طالت واحتدمت أيما احتدام فقد اضطر أبو بكر أن يتدخل بنفسه فيها يؤيد القلة، ولقد اشتد في تأييد رأيه في ذلك المقام. يدل على ذلك قوله: " والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقاتلهم على منعه "(١٤٨)

ولم يثن هذا المقال عمر عن أن يرى ما في القتال من تعريض المسلمين لخطر تخشى مغبته، فقال في شئ من الحدة: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله، فمن قالها عصم منى ماله ودمه الا بحقها وحسابهم على الله " !(١٤٩) .

لكن أبا بكر لم يتريث ولم يتردد في إجابة عمر فقال: " والله لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فان الزكاة حق المال " وقد قال: " الا بحقها "(١٥٠) .

قلت: عفى الله عن أبي بكر ما أراد أن يكون كالضارب بهذا النص عرض الجدار فحمله بلباقة على ما تقتضيه سياسته مما كان عازما عليه من القتال. وإلا فان المؤمنين بالله ورسوله ممن قوتلوا يومئذ وقتلوا، فلم يكن منهم من يفرق

____________________

(١٤٧) فيما رواه الثقات الإثبات من حفظة الآثار فراجع الفصل الخامس أو ص ١٠٤ من كتاب الصديق للأستاذ الكبير المتتبع هيكل (منه قد).

(١٤٨) صحيح مسلم ك الإيمان ب ٨ ج ١ / ٥١.

(١٤٩) راجع: صحيح مسلم ك الإيمان ب ٨ ج ١ / ٥١، سنن ابن ماجة ك الفتن ب ١ ج ٢ / ١٢٩٥، خصائص النسائي ص، سنن البيهقي ج ٨ / ١٩ و ١٩٦، الغدير للأميني ج ٧ / ١٦٣.

(١٥٠) نفس المصادر السابقة.

١٢٨

بين الصلاة والزكاة في شئ، وإنما كانوا متريثين في النزول على حكمه في الزكاة وغيرها، إذ لم تكن نيابته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحكم حينئذ ثابتة لديهم لشبهة دخلت عليهم(١) اضطرتهم إلى الارتياب فيها، فكانوا معذورين في تريثهم بل مأجورين به(١٥١) .

وقد أدوا بتريثهم هذا أموالهم وحق زكاتها، فان من حقهما أن لا ينزلوا في كل منهما إلا على حكم الله ورسوله أو حكم من تثبت له الولاية عليهم من قبل الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولو بلغ أبا بكر عذرهم هذا، لعده حجة عليه في إمهالهم يتريثون، لكن أنى لهؤلاء المظلومين حينئذ بأبي بكر لينصفهم.

وأنت ترى صحاح السنن المتوالية(١٥٢) صريحة بعصمة دماء هؤلاء المؤمنين وأمثالهم وانها على كثرتها بين عام ومطلق وليس ثمة من مخصص لعامها ومقيد لمطلقها ليتشبث به المبيح لقتالهم وقتلهم.

____________________

(١) كما سنوضحه فيما بعد إنشاء تعالى (منه قدس).

(١٥١) وذلك بناءا على ان المنقاد إلى أمر الله تعالى أو برجاء المطلوبية يكون مستحقا للثواب كالمطيع لأمره سبحانه لان العلة فيهما واحدة وان اختلفت في المصادفة وعدمه كما ذكر وحقق في أصول الفقه. (١٥٢)

مصادر الأحاديث في حقن دماء المؤمنين: كما تقدم تحت رقم - ١٤٩ - وراجع أيضا الغدير ج ٧ / ١٦٣، الفصول المهمة لشرف الدين ص ١١ - ١٧ ط ٥، صحيح البخاري ك الديات ب ٦ ج ٩ / ٦ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك القسامة ب ٦ ج ٣ / ١٣٠٢ ح ٢٥ و ٢٦ ط بيروت بتحقيق محمد فؤاد عبدا لباقي، صحيح الترمذي ك الحدود ب ١٥ ج ٤ / ٤٩ ح ١٤٤٤، مسند أحمد بن حنبل ج ١ / ٦١ و ٦٣ و ٦٥ و ٧٠ و ١٦٣ و ٣٨٢ و ٤٢٨ و ٤٤٤ و ٤٦٥ وج ٦ / ١٨١ و ٢١٤ ط ١، سنن أبى داود ك الحدود ب ١، سنن الدرامي ك السير ب ١١، سنن ابن ماجة ك الحدود ب ١ ج ٢ / ٨٤٧ ح ٢٥٣٣ و ٢٥٣٤، كنز العمال ج ١٥ / ١٤٨ (*).

١٢٩

أما ما ذكره أبو بكر من كون الزكاة حق المال فليس من التخصيص والتقييد في شئ إذ لا يستفاد منه أكثر من وجوبها على المكلفين بها، وان لولي الأمر القائم مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يطالبهم بها ويأخذها منهم فان امتنعوا عن دفعها إليه طائعين أخذها منهم مرغمين بقوته القاهرة لهم مجردة عن القتال.

أما قتالهم عليها فمعارض لحقن دمائهم المنصوص على عصمتها في صحاح عامة تأبى التخصيص بمجرد ما ظنه أبو بكر مخصصا كما بيناه.

واليك منها ما تجده في باب فضائل علي من صحيح مسلم(١) من حديث جاء فيه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أعطاه الراية يوم خيبر قال له: " امش ولا تلتفت وأنه مشى شيئا ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل الناس ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فان فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله "(١٥٣) .

وفي صحيحي البخاري ومسلم بالإسناد إلى أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت

____________________

(١) ص ٣٢٤ من جزئه الثاني (منه قدس).

(١٥٣) راجع: صحيح مسلم ك فضائل الصحابة ب ٤ من فضائل على بن أبى طالب ج ٤ / ١٨٧١ ح ٣٣، مسند أحمد بن حنبل ج ٢ / ٣٨٤، مسند أبى داود الطيالسي ص ٣٢٠، الخصائص للنسائي ص، مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلي ص ١٨٦، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ٢٨ ط العلمية، ذخائر العقبى ص ٧٣، كنز العمال ج ١٠ / ٤٦٨ وج ١٣ / ١١٦، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٤، ينابيع المودة للقندوزي ص ٤٩ ط اسلامبول، إحقاق الحق للتستري ج ٥ / ٣٨٤ - ٣٩٠.

١٣٠

أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال: لا اله إلا الله، فكف الأنصاري عنه فطعنته برمحي، فلما قدمنا بلغ النبي ذلك فقال: يا أسامة أقتلته بعدما قال لا اله إلا الله. قلت: كان متعوذا. فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم "(١٥٤) .

قلت: ما تمنى ذلك حتى ظن ان جميع ما عمله قبل هذه الواقعة من إيمان وصلاة وزكاة وصوم وصحبة وجهاد وغيرها لا يمحو عنه هذه السيئة وأن أعماله الصالحة بأجمعها قد حبطت بها، ولا يخفي ما في كلامه من الدلالة على انه كان يخشى أن لا يغفر له بعدها، ولذا تمنى تأخر إسلامه عنه، ليكون داخلا في حكم قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " الإسلام يجب ما قبله ". وناهيك بها حجة على احترام أهل لا اله إلا الله وعصمة دمائهم.

وأخرج البخاري في باب بعث علي وخالد إلى اليمن من صحيحه ان رجلا قام فقال: يا رسول الله اتق الله. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ؟ !. فقال خالد: يا رسول الله ألا اضرب عنقه ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا، لعله أن يكون يصلي "(١٥٥) .

____________________

(١٥٤) عدم رضا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما قتل أسامة رجلا قال لا اله إلا الله: راجع: صحيح البخاري ك المغازي ب ٤٥ ج ٥ / ١٨٣ وك الديات ب ٢ ج ٩ / ٤ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك الإيمان ب ٤١ ح ١٥٩ ج ١ / ٩٧ تحقيق محمد فؤاد، مسند أحمد بن حنبل ج ٥ / ٢٠٠، أسد الغابة ج ١ / ٦٥.

(١٥٥) وهذا الحديث أخرجه أحمد من مسند أبى سعيد الخدري في ص ٤ من الجزء الثالث من مسنده. ومثله ما نقله العسقلاني في ترجمة سرحوق المنافق في الإصابة من أنه أتى به ليقتل قال رسول الله: هل يصلى ؟ قالوا: إذا رآه الناس. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إني نهيت عن قتل المصلين. وكذلك ما أخرجه الذهبي في ترجمة عامر بن عبد الله بن يسار =>

١٣١

وفي الصحيحين بالإسناد إلى ابن عمر قال: قال النبي " ص " وهو بمنى وقد أشار إلى الكعبة: " أتدرون أي بلد هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ان هذا بلد حرام، أتدرون أي يوم هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال انه يوم حرام. أتدرون أي شهر هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهر حرام، وان الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا "(١٥٦) .

والصحاح وغيرها من كتب المسانيد مشحونة بهذه السنن ومضمونها مما

____________________

=> من ميزانه عن أنس قال: ذكر عند النبي رجل فقيل ذلك كهف المنافقين فلما أكثروا فيه رخص لهم في قتله ثم قال: هل يصلى ؟ قالوا: نعم صلاة لا خير فيها قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني نهيت عن قتل المصلين. قلت: ليت خالد بن الوليد احترم صلاة مالك بن نويرة، فانتهى بها عن قتله، وقد شهد له عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري ان مالكا صلى صلاة الصبح معهم يوم قتله، لكنه افتتن بعرس مالك كما قال معاصره أبو زهير السعدي :

قضى خالد بغيا عليه بعرسه * وكان له فيها هوى قبل ذلك

(الأبيات) (منه قدس). وراجع: صحيح البخاري ك المغازي ب ٥٩ ج ٥ / ٢٠٧ ط مطابع الشعب، الفصول المهمة لشرف الدين ص ١٤ ط ٥.

(١٥٦) راجع: صحيح البخاري ك الحج ب ١٣٢ ج ٢ / ٢١٦ وك العلم ب ٩ ج ١ / ٢٦ وك الأضاحي ب ٥ ج ٧ / ١٢٩ وك الحدود ب ٩ ج ٨ / ١٩٨ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك القسامة ب ٨ ج ٣ / ١٣٠٥ ح ٢٩ و ٣٠، صحيح الترمذي ك الفتن ب ٢ ج ٤ / ٤٦١ ح ٢١٥٩ وك التفسير ب ١٠ ج ٥ / ٢٧٣ ح ٣٠٨٧، سنن ابن ماجة ك المناسك ب ٧٦ ج ٢ / ١٠١٥ ح ٣٠٥٥ و ٣٠٥٧ و ٣٠٥٨ وب ٨٤ ح ٣٠٧٤ وك الفتن ب ٢ ج ٢ / ١٢٩٧ ح ٣٩٣١، مسند أحمد ج ١ / ٢٣٠ وج ٣ / ٨٠ و ٣١٣ و ٣٧١ وج ٤ / ٧٦ و ٣٠٥ و ٣٣٧ وج ٥ / ٣٠ و ٣٧ و ٣٩ و ٤٠ و ٤٩ و ٦٨ و ٧٢ و ٤١١ و ٤١٢ ط ١، سنن أبى داود ك المناسك ب ٥٦، سنن الدرامي ك المناسك ب ٣١ (*).

١٣٢

لا ريب فيه للمسلمين(١٥٧) .

وبها لا يحل قتال المسلم بمجرد تريثه في دفع الزكاة إلى الإمام، ولا سيما إذا كان تريثه عن شبهة اضطرته إلى الريب في إمامته كما كان هو الشأن في بعض القبائل يوم لحق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرفيق الأعلى، فاحتدمت الفتنة يومئذ واستطار شرها في آفاق العرب، وارتد عن الإسلام كثير منهم(١٥٨) .

واختلف المهاجرون والأنصار في أمر الخلافة، فكان كل منهما على رأيين وربما كان الأنصار على ثلاثة آراء(١٥٩) ، وبويع أبو بكر أثناء هذه الشرور فكانت بيعته - كما قيل - فلتة وقى الله المسلمين شرها(١٦٠) .

____________________

(١٥٧) سنن ابن ماجة ك الفتن ب ٢ ج ٢ / ١٢٩٧ - ١٢٩٨، كنز العمال ج ١٥ / ١٤٦، الفصول المهمة لشرف الدين ص ١١ - ١٧ ط ٥.

(١٥٨) راجع كتب التاريخ والسير: المختصر لأبي الفداء ج ١ / ١٥٥ و ١٥٧.

(١٥٩) عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ /، وشرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٢ / ٢٤ ط مصر بتحقيق أبو الفضل.

(١٦٠) قال أبو بكر في أوائل خلافته: " ان بيعتي كانت فلتة، وقى الله شرها وخشيت الفتنة.. " راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٣٢ وج ٢ / ١٩ ط ١ بمصر وج ١ / ٣١١ ط مكتبة دار الحياة وج ٢ / ٥٠ وج ٦ / ٤٧ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ١٥٤ ط دار الفكر، أنساب الأشراف للبلاذري ج ١ / ٥٩٠ ط مصر.

وقال عمر بن الخطاب: ". ان بيعة أبى بكر فلتة وقى الله شرها. " راجع: صحيح البخاري ك الحدود ب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت ج ٨ / ٢٦ ط دار الفكر وج ٨ / ٢١٠ ط مطابع الشعب وج ٨ / ٢٠٨ ط محمد على صبيح وج ٤ / ١٧٩ ط دار إحياء الكتب وج ٤ / ١١٩ ط المعاهد وج ٤ / ١٢٥ ط الشرفية وج ٨ / ١٤٠ ط الفجالة وج ٨ / ٨ ط بمبى وج ٤ / ١٢٨ ط الخيرية، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد =>

١٣٣

فكان من الطبيعي يومئذ أن يقع الريب في صحة البيعة وانعقاد الإجماع عليها والحال هذه(١٦١) .

____________________

=> ج ١ / ١٢٣ و ١٢٤ ط ١ بمصر وج ٢ / ٢٣ و ٢٦ و ٢٩ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ٢٩٢ ط مكتبة دار الحياة وج ١ / ١٤٤ ط دار الفكر، السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ / ٢٢٦ ط دار الجيل وج ٤ / ٣٣٨ ط آخر، النهاية لابن الأثير ج ٣ / ٤٦٦، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠٥، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ٣٢٧، الصواعق المحرقة ص ٥ و ٨ ط الميمنية وص ٨ و ١٢ ط المحمدية، تاج العروس ج ١ / ٥٦٨، لسان العرب ج ٢ / ٣٧١، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٦٧، السيرة الحلبية ج ٣ / ٣٦٠ و ٣٦٣، مسند أحمد ج ٦ / ٥٥، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٥ / ١٥، تيسير الوصول ج ٢ / ٤٢ و ٤٤، الرياض النضرة ج ١ / ١٦١، تمام المتون للصفدي ص ١٣٧. ولأجل المزيد من المصادر راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ٢٥٤ تحت رقم (٨٢٦).

وقال عمر مرة اخرى: " ان بيعة أبى بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. ". راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٢٣ ط ١ وج ٢ / ٢٦ بتحقيق أبو الفضل، الصواعق المحرقة ص ٢١ ط الميمنية وص ٣٤ ط المحمدية، الملل والنحل ج ١ / ٢٢ ط دار المعرفة.

(١٦١) بل لا إجماع فانه قد تخلف عن بيعة أبى بكر كثير من كبار الصحابة وأهل الحل والعقد: ١ - أمير المؤمنين على بن أبى طالبعليه‌السلام . ٢ - العباس بن عبد المطلب ٣ - عتبة بن أبى لهب ٤ - سلمان الفارسي ٥ - أبو ذر الغفاري ٦ - عمار بن ياسر ٧ - المقداد ٨ - البراء بن عازب ٩ - أبى بن كعب ١٠ - سعد بن أبى وقاص ١١ - طلحة بن عبيد الله ١٢ - الزبير بن العوام ١٣ - خزيمة بن ثابت ١٤ - فروة بن عمر الأنصاري ١٥ - خالد بن سعيد بن العاص الأموي ١٦ - سعد بن عبادة الأنصاري لم يبايع حتى توفى =>

١٣٤

بل كان الحال ابانئذ أفظع مما ذكرناه وأدعى إلى الارتياب والاضطراب. وإذا لا جناح على أولئك المرتابين في خلافة الصديق من المؤمنين إذا لم ينزلوا على حكمه في أمر الزكاة وغيرها حتى يحصل لهم العلم بقيامه شرعا مقام رسول الله في أوامره ونواهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١١٦: -

[ المورد - (١٣) -: يوم البطاح ، أو يوم مالك بن نويرة وقومه من خالد ]

وذلك ان القيادة العامة كانت يومئذ لخالد بن الوليد، فكان يأمر بما يشاء ويحكم فيها بما يريد، لم يقتصر يومئذ على قتل المؤمنين صبرا بل تجاوز ذلك إلى المثلة وسبي المسلمات واستباحة ما حرم الله تعالى من الأموال والفروج وتعطيل الحدود الشرعية في أحداث ما أظن ان لها نظيرا في الجأهلية(١٦٢) .

[ من هو مالك ؟ ]

هو مالك بن نويرة بن حمزة بن شداد بن عبد بن ثعلبة بن يربوع التميمي

____________________

=> بالشام في أيام خلافة عمر. ١٧ - الفضل بن العباس. وجماعة من بنى هاشم وغيرهم. راجع: العقد الفريد ج ٤ / ٢٥٩، عبدالله بن سبأ للعسكري ج ١ / ١٠٥، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٣١ ط ١، الغدير للأميني ج ٥ / ٣٧٠، مروج الذهب ج ٢ / ٣٠١ أسد الغابة ج ٣ / ٢٢٢، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠٨، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ٣٢٥ و ٣٣١ تاريخ اليعقوبي ج ٢ / ١٠٣ و ١٠٥، سمط النجوم العوالي ج ٢ / ٢٤٤، السيرة الحلبية ج ٣ / ٣٥٦، المختصر لأبي الفداء ج ١ / ١٥٦.

(١٦٢) الغدير للأميني ج ٧ / ١٥٨ وغيره ممن تحدث عن هذه الواقعة. (*)

١٣٥

اليربوعي هامة الشرف في بني تميم وعرنين المجد في بني يربوع من علية العرب وممن تضرب الأمثال بفتوته نجدة وكرما وحفيظة وشجاعة وبطولة بكل معانيها، وهو من أرداف الملوك، أسلم وأسلم بنو يربوع بإسلامه وولاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على صدقات قومه ثقة به واعتمادا عليه(١٦٣) .

[ جرم مالك وموقفه ]

إنما كان جرمه تريثه في النزول على حكم أبي بكر في أمر الزكاة وغيرها باحثا عن تكليفه الشرعي في ذلك ليقوم به على ما شرع الله عزوجل ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله . أما موقفه فلم يكن عن ارتياب ولا عن شق عصا ولا ابتغاء فتنة ولا أرادة قتال، وإنما فوجئ بهذه الغارة عليه من خالد في مستهل خلافة أبي بكر حيث كان الخلاف محتدما بين السابقين الأولين في أمر الخلافة(١٦٤) .

فأهل البيت وأولياؤهم كانوا فيها على رأى(١٦٥) .

وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسالم وأتباعهم على رأي آخر.(١٦٦)

وكذلك الأنصار (الَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ) حتى غلب نقيبهم سعد بن

____________________

(١٦٣) أسد الغابة ج ٤ / ٢٩٥، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ١٤٥، الإصابة لابن حجر ج ٣ / ٣٣٦.

(١٦٤) عبد الله بن سبأ ج ١ / ٩٠ - ١٠٠، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٦٤.

(١٦٥) عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٩٠ و ١٠٣ - ١٢٠، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ / ٤ وراجع ما تقدم تحت رقم (١٦١).

(١٦٦) عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٩٣ - ٩٨، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠١ و ٢٠٢ و ٣٠٢ (*).

١٣٦

عبادة على أمره فاعتزلهم واعتزل أمرهم يحلف بالله انه لو وجد أعوانا عليهم لقاتلهم ثم لم تجمعه جمعتهم ولم يفض بافاضتهم حتى مات في حوران(١٦٧) .

إلى كوارث أخر حول البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه أعني البيوت التي قال الله عزوجل في حقها:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (١٦٨) وحول وديعة رسول الله وزهرائه وحول ارثها ونحلتها وخمسها ومجابهتها إياهم بكل حجة بالغة إلى غير ذلك من الأمور التي أنذر بها القرآن الحكيم.

فكان من الطبيعي لمثل مالك في عقله ونبله ومكانته في قومه ان يتربص - والحال هذه - في النزول على حكم من يظهر في المدينة ويقهر خصومه على الخلافة حتى يتبين له انه انما قهرهم بالحق وظهر عليهم باجتماعهم عليه بعد ذلك التنازع، وبهذا لا بسواه تريث مالك في دفع الزكاة باحثا عمن تبرأ ذمته بدفعها إليه.

فكان عليهم أن يمهلوه مدة تسع البحث عن هذه الحقيقة الغامضة في تلك الأوقات ولا يعاجلوه مفاجئيه بتلك النكبات فانه لم يكن ممن أنكر الزكاة ولا ممن فرق بينها وبين الصلاة ولا ممن استحل قتال أبي بكر أو غيره من المسلمين.

هذه هي الحقيقة في موقف مالك وأصحابه، يدل على ذلك نصحه لقومه في تثبيته إياهم على الإسلام وعدم المناوأة لخالد وأمره إياهم بالتفرق لئلا يصطدموا بجيشه الناهد إلى بطاحهم ونهيه إياهم عن الاجتماع في مكان ما

____________________

(١٦٧) عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٩٢ - ٩٣، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢١٨ - ٢٢٣.

(١٦٨) سورة الأحزاب آية: ٥٣ (*).

١٣٧

لئلا يظن أحد بأنهم معسكرون(١٦٩) .

[ زحف خالد إلى البطاح ]

لما فرغ خالد من أسد وغطفان ازمع على المسير إلى البطاح يلقي فيها مالك بن نويرة وقومه، وكان مالك أخلى له البطاح، وفرق قومه لما بيناه من عزمه على السلام احتياطا منه على الإسلام في تلك الأيام. فلما عرف الأنصار عزم خالد على المسير إلى مالك، توقفوا عن المسير معه وقالوا: " ما هذا بعهد الخليفة إلينا إنما عهده ان نحن فرغنا من البزاخة واستبرأنا بلاد القوم أن نقيم حتى يكتب إلينا ".

فأجابهم خالد: " انه ان لم يكن عهد إليكم بهذا فقد عهد إلي أن أمضي وأنا الأمير والي تنتهي الأخبار، ولو انه لم يأتني كتاب ولا أمر، ثم رأيت فرصة ان أعلمته بها فأتتني لم أعلمه حتى انتهزها، وكذلك إذا ابتلينا بأمر لم يعهد لنا فيه لم ندع أن نرى أفضل ما يحضرنا ثم نعمل به، وهذا مالك بن نويرة بحيالنا وأنا قاصد له بمن معي "(١) .

ثم سار ومن معه يقصد البطاح ،

____________________

(١٦٩) نص على ذلك كله الأستاذ هيكل في كتابه " الصديق أبو بكر " فراجع منه ما هو تحت عنوان مالك ينصح لقومه ص ١٤٤. وقال الأستاذ العقاد في عبقرية خالد سطر ١٤ ص ١٢١ حيث ذكر موقف مالك: انه ليس موقف عناد وتحفز لقتال. لكن العقاد أخطأ في أبيات لمالك إذ حملها على غير معناها المتبادر منها إلى الأذهان كما لا يخفى على من أمعن بها (منه قدس). وراجع: الغدير للأميني ج ٧ / ١٥٨ - ١٦٨، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ١٤٥ - ١٤٩.

(١) ذكر هذه المحاورة (بألفاظها) بينه وبين من كان في جيشه من الأنصار كل من هيكل في كتابه " الصديق أبو بكر " ص ١٤٣ والتي بعدها، والعقاد في آخر ص ٢٦٧ =>

١٣٨

فلما بلغوها لم يجدوا فيها أحدا(١٧٠) .

[ مجيؤهم بمالك في نفر من قومه وقتلهم صبرا ]

فلما لم يجدوا فيها أحدا أرسل خالد سراياه في أثرهم فجاءته بمالك بن

____________________

=> من عبقرية عمر وغيرهما من أهل الأخبار وقد استفاضت بينهم فلتراجع. وترى كلام الأنصاري في هذه المحاورة صريحا بأن الخليفة لم يعهد إليهم بالزحف على مالك، لكن خالدا أدعى العهد من الخليفة إليه خاصة وبناءا على هذا فالخليفة قد استعمل اللياقة والحيلة في أن لا يكون مسؤولا من الناس عن جرائم يوم البطاح، وانما يكون المسؤول عنها خالدا وحينئذ يحفظه معتذرا بأنه تأول فأخطأ، وهذه الواقعة تدل على تعمقه في السياسة إلى أبعد حد (منه قدس).

(١٧٠) كلمة أهل السير والأخبار كافة متفقة على أن خالدا حين احتل البطاح بجيشه لم يجد فيها أحدا من أهلها، وان مالكا قد فرق قومه من قبل في ديارهم قائلا لهم إياكم والمناواة وناصحا لهم بالبقاء على الإسلام وأن يبقوا متفرقين حتى يلم الله هذا الشعث، فراجع من كتاب الصديق أبو بكر ص ١٤٤ وغيره من مظان هذا الأمر (منه قدس).

من مختلقات (سيف بن عمر التميمي) في ارتداد مالك بن نويرة: هذه الرواية موجودة في تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٧٦ وفى سند هذه (سيف بن عمر) وهو من الرواة الوضاعين وقد حاول في قصة مالك بن نويرة أن يصوره مرتدا عن الإسلام ويختلق المعاذير لجناية خالد فقد اختلق هذا الرجل روايات وحرف أخرى في سبيل التوصل لرغباته الدنيئة ولأجل معرفة الروايات المتخلقة التي رواها سيف في قصة مالك والروايات الأخرى التي رواها غيره راجع: كتاب عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ١٤٥ - ١٥٥ ط بيروت، فسوف تجد الحقيقة سالمة.

ولأجل المزيد من الاطلاع على حياة (سيف بن عمر) ومعرفة حقيقته ومختلقاته من الروايات والحوادث والاسانيد والبلدان وغيرها. راجع: كتاب عبد الله بن سبأ للسيد مرتضى العسكري ج ١ وج ٢ ط بيروت، وكتاب خمسون ومائة صحأبي مختلق القسم الأول والثاني ط بيروت. (*)

١٣٩

نويرة في نفر من بني يربوع فحبسهم، ثم كان ما كان من أمرهم مما سنأتي على طرف منه بكل حسرة وأسف فانا لله وانا إليه راجعون.

وقد روى الطبري بسنده إلى أبي قتادة الأنصاري وكان من رؤساء تلك السرايا أنه كان يحدث، أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل، فأخذ القوم السلاح (قال أبو قتادة) فقلنا: انا المسلمون. (قال): فقالوا ونحن المسلمون. قلنا: ما بال السلاح معكم ؟ قالوا لنا: فما بال السلاح معكم ؟ فقلنا: فان كنتم كما تقولون فضعوا السلاح، ثم صلينا وصلوا. آه(١٧١) .

قلت: وبعد الصلاة خفوا إلى الاستيلاء على أسلحتهم وشد وثاقهم وسوقهم أسرى إلى خالد وفيهم زوجة مالك ليلى بنت المنهال أم تميم، وكانت كما نص عليه أهل الأخبار (واللفظ للأستاذ عباس محمود العقاد في عبقرية خالد) من أشهر نساء العرب بالجمال، ولا سيما جمال العينين والساقين قال: يقال أنه لم ير أجمل من عينيها ولا ساقيها. ففتنت خالدا وقد تجاول في الكلام مع مالك وهي إلى جنبه، فكان مما قاله خالد: اني قاتلك. قال له مالك: أو بذلك أمرك صاحبك ؟ (يعني أبا بكر). قال: والله لأقتلك. وكان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري إذ ذاك حاضرين، فكلما خالدا في أمره، فكره كلامهما. فقال مالك: يا خالد ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا فقد بعثت إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا، وألح عبد الله بن عمر وأبو قتادة

____________________

(١٧١) الخدعة بمالك بن نويرة: تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٨٠ وهذه الرواية من الروايات التي لم يروها (سيف المختلق)، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١٤٨١ الغدير ج ٧ / ١٥٩ (*).

١٤٠