النص والاجتهاد

النص والاجتهاد0%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
تصنيف: الصفحات: 629
المشاهدات: 158830
تحميل: 7237

توضيحات:

النص والاجتهاد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158830 / تحميل: 7237
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

على خالد بأن يبعثهم إلى الخليفة فأبى عليهما ذلك. وقال خالد: لا أقالني الله ان لم أقتله. وتقدم إلى ضرار بن الازور الأسدي بضرب عنقه. فالتفت مالك إلى زوجته، وقال لخالد: هذه التي قتلتني. فقال له خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام. فقال له مالك: إني على الإسلام. فقال خالد: يا ضرار اضرب عنقه. فضرب عنقه(١) وقبض خالد على زوجته فبنى بها في تلك الليلة(١٧٢) . وفي ذلك يقول أبو زهير السعدي :

ألا قل لحي أوطئوا بالسنابك

تطاول هذا الليل من بعد مالك

قضى خالد بغيا عليه لعرسه

وكان له فيها هوى قبل ذلك

فأمضى هواه خالد غير عاطف

عنان الهوى عنها ولا متمالك

وأصبح ذا أهل وأصبح مالك

على غير شئ هالكا في الهوالك

فمن لليتامى والأرامل بعده ؟

ومن للرجال المعدمين الصعالك ؟

أصيبت تميم غثها وسمينها

بفارسها المرجو سحب الحوالك(١٧٣)

____________________

(١) وجعل رأسه أثفية لقدر كما في ترجمة وثيمة بن الفرات من وفيات الأعيان (منه قدس).

(١٧٢) أبو قتادة الأنصاري وعبد الله بن عمر يعترضان على خالد في قتله مالك وكان السبب في قتل مالك هو جمال زوجته الذي كان مطمعا لخالد. راجع: تاريخ أبى الفداء ج ١ / ١٥٨، وفيات الأعيان ترجمة وثيمة ج ٦ / ١٤، فوات الوفيات ج ٢ /، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ١٤٧، تاريخ اليعقوبي، تاريخ ابن الشحنة هامش الكامل ج ١١ / ١١٤، الغدير للأميني ج ٧ / ١٦٠.

(١٧٣) تاريخ أبى الفداء ج ١ / ١٥٨، وفيات الأعيان ج ٦ / ١٥، تاريخ ابن الشحنة هامش الكامل ج ١١ / ١١٤، عبد الله بن سبأ ج ١ / ١٤٨، الغدير للأميني ج ٧ / ١٦٠ (*).

١٤١

وكان خالد قد أمر بحبس تلك السراة الأسرى من قوم مالك، فحبسوا والبرد شديد فنادى مناديه في ليلة مظلمة أن أدفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة كناية عن القتل فقتلوهم بأجمعهم.

وكان قد عهد إلى الجلادين من جنده، أن يقتلوهم عند سماعهم هذا النداء، وتلك حيلة منه توصل بها إلى أن لا يكون مسئوولا عن هذه الجناية، لكنها لم تخف على أبي قتادة وأمثاله من أهل البصائر وانما خفيت على رعاع الناس وسوادهم بقوة الساسة والسياسة.

هذه هي الحقيقة الواقعة بين خالد ومالك وقومه يلمسها من ممحصي الحقائق كل من أمعن فيما سجلته كتب السير والأخبار عن يوم البطاح وسائر ما إليه. فلا يصدنك عنها ما تجده هناك من أقوال أخر متناقضة كل التناقض نسجتها الأغراض الشخصية والتزلف إلى ولي الأمر يومئذ والقائد العام لجيوشه تصحيحا لأعمالهم(١٧٤) .

وقد أعطينا الإمعان فيها حقه، فلم نر منها إلا الدلالة على تضييع الحقيقة إخلاصا في الحب لخالد والدفاع عنه والله على ما يقول وكيل.

[ ثورة أبى قتادة وعمر بن الخطاب ]

قال الأستاذ هيكل في كتابه " الصديق أبو بكر(١) ": ان أبا قتادة الأنصاري

____________________

(١٧٤) وأكثر هذه الروايات ان لم يك كلها قد أختلقها (سيف بن عمر) الزنديق المعروف بالكذب والوضع. راجع ترجمته في كتاب: عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٦١ - ٦٤، خمسون ومائة صحأبي مختلق ج ١ وج ٢.

(١) ص ١٤٧ والتي بعدها (منه قدس) (*).

١٤٢

غضب لفعلة خالد إذ قتل مالكا وتزوج امرأته فتركه منصرفا إلى المدينة مقسما أن لا يكون أبدا في لواء عليه خالد، وان متمم بن نويرة أخا مالك ذهب معه، فلما بلغا المدينة ذهب أبو قتادة ولا يزال الغضب آخذا منه مأخذه فلقي أبا بكر فقص عليه أمر خالد، وقتله مالكا وزواجه من ليلى، وأضاف أنه أقسم أن لا يكون أبدا في لواء عليه خالد.

قال: لكن أبا بكر كان معجبا بخالد وانتصاراته، ولم يعجبه أبو قتادة، بل أنكر منه أن يقول في سيف الإسلام ما يقوله ! قال هيكل: أترى الأنصاري - يعني أبا قتادة - هاله غضب الخليفة فأسكته.

ثم قال: كلا فقد كانت ثورته على خالد عنيفة كل العنف لذلك ذهب إلى عمر ابن الخطاب فقص عليه القصة، وصور له خالدا في صورة الرجل الذي يغلب هواه على واجبه، ويستهين بأمر الله ارضاء لنفسه.

قال: وأقره عمر على رأيه وشاركه في الطعن على خالد والنيل منه، وذهب عمر إلى أبي بكر وقد أثارته فعلة خالد أيما ثورة، وطلب إليه أن يعزله، وقال ان سيف خالد رهقا(١) وحق عليه أن يقيده ولم يكن أبو بكر يقيد من عماله(٢) ، لذلك قال حين ألح عمر عليه غير مرة: هبه يا عمر، تأول فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد.

ولم يكتف عمر بهذا الجواب، ولم يكف عن المطالبة بتنفيذ رأيه فلما ضاق أبو بكر ذرعا بالحاح عمر، قال: لا يا عمر ما كنت لاشيم(٣) سيفا سله الله على الكافرين.

قال هيكل: لكن عمر كان يرى صنيع خالدا نكرا فلم تطب نفسه ولم

____________________

(١) الرهق السفه والخفة وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم (منه قدس).

(٢) وهذا من اجتهاده مقابل النص فان الله تعالى يقول: "( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) " (الآية) (منه قدس).

(٣) أشيم: أغمد والشيم يستعمل في كل من السل والاغماد (منه قدس) (*).

١٤٣

يسترح ضميره. " كيف اذن يسكت يذر في طمأنينته يشعر كأنه لم يأثم ولم يجن ذنبا " قال: لابد أن يعيد القول على أبي بكر، وأن يذكر له في صراحة ان عدو الله عدا على امرئ مسلم فقتله ونزا على امرأته فليس من الإنصاف في شئ أن لا يؤاخذ بصنيعه.

قال: ولم يسع أبا بكر إزاء ثورة عمر إلا أن يستقدم خالدا ليسأله ما صنع.

قال: وأقبل خالد من الميدان إلى المدينة، ودخل المسجد في عدة الحرب مرتديا قباءا له، صدأ الحديد، وقد غرز في عمامته أسهما، وقام إليه عمر إذ رآه يخطو في المسجد، فنزع الأسهم من رأسه وحطمها وهو يقول: قتلت امرؤا مسلما ثم نزوت على امرأته، والله لارجمنك بالأحجار(١٧٥) .

قال: وأمسك خالد فلم يعتذر ودخل على أبي بكر فقص عليه قصة مالك وتردده، وجعل يلتمس المعاذير فعذره أبو بكر وتجاوز عما كان منه في الحرب، لكنه عنفه على الزواج من امرأة لم يجف دم زوجها، وكانت العرب تكره النساء في الحرب وترى الاتصال بهن عارا أي عار.

قلت: والإسلام يحرم نكاح المتوفي عنها زوجها حتى تعتد فان نكحت

____________________

(١٧٥) أبو قتادة وعمر يغضبان من فعل خالد بمالك: راجع: عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ١٤٦ - ١٤٩، تاريخ اليعقوبي ج ٢ / ١١٠، تاريخ أبى الفداء ج ١ / ١٥٨، الطبري ج ٣ / ٢٨٠، الإصابة ج ٣ / ٣٣٦.

أبو قتادة وعبد الله بن عمر يشهدان لمالك بالإسلام: راجع: تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٨٠، عبد الله بن سبأ ج ١ / ١٤٦، كنز العمال ج ٣ / ١٣٢ ط ١، وفيات الأعيان لابن خلكان ج ٥ / ٦٦، فوات الوفيات ج ٢ / ٦٢٧، تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل ج ١١ / ١١٤ (*).

١٤٤

وبنى بها الناكح وهي في العدة حرمت عليه مؤبدا، ولو فرضنا ان خالدا اعتبرها سبية، فالسبية لا يحل وطؤها إلا بعد الاستبراء الشرعي، ولا استبراء هنا وانما قتل زوجها ووطئها في تلك الحال.

قال هيكل: على ان عمر لم يتزحزح عن رأيه فيما صنع خالد، فلما توفي أبو بكر وبويع عمر خليفة له، كان أول ما صنع أن أرسل إلى الشام ينعي أبا بكر، وبعث مع البريد الذي حمل النعي رسالة يعزل بها خالدا عن امارة الجيش.

قال الأستاذ هيكل: إجماع المؤرخين منعقد على أن عمر بقي متأثرا برأيه في موقف خالد من مقتل مالك بن نويرة وزواجه امرأته وان هذا الرأي له أثره من بعد في عزل خالد.

[ عجب وأي عجب ]

ان من أعجب الأمور وأغربها، أن تذهب في عهد أبي بكر، تلك الدماء. وهاتيك الأعراض والأموال هدرا، وأن تستباح تلك الحرمات، وتعطل حدودها الشرعية، حتى يعزل خالد عن تلك الأمرة، ولم ينقص شئ من صلاحياتها الواسعة، واستمر ماضيا فيها غلوائه حتى توفي الخليفة، فعزله الخليفة الثاني بمجرد تبوئه الخلافة. وان رأي أبي بكر في الجناة يوم البطاح، لمن أوائل الآراء المخالفة لنصوص الكتاب والسنة، قدم رأيه في المصلحة على التعبد بها(١٧٦) .

____________________

(١٧٦) ولأجل المزيد من الاطلاع على ذلك راجع: الغدير للأميني ج ٧ / ١٥٨ - ١٦٩، مقدمة مرآة العقول ج ١ / ٦٤ (*).

١٤٥

[ بيان الرأي ]

مثل الأستاذ هيكل " في كتابه الصديق " رأي أبي بكر وحجته فيه قال: أما أبو بكر، فكان يرى الموقف، أخطر من أن يقام فيه لمثل هذه الأمور وزن(١) قال: وما قتل رجل، أو طائفة من الرجال، لخطأ في التأويل أو لغير خطأ، والخطر محيط بالدولة كلها، والثورة ناشبة في بلاد العرب من أقصاها إلى أقصاها(٢) .

قال: وهذا القائد الذي يتهم بأنه أخطأ(٣) من أعظم القوى التي يدفع

____________________

(١) لا تخفى المبالغة في هذه الكلمة، على ان الموقف كان خطرا، وخطرا إلى الغاية، لكن لا يترك الميسور فيه تبعا للمعسور، وكان الميسور يومئذ في أقل الفروض، عزل خالد وتولية غيره من الأكفاء كعمر أو أبى عبيدة أو معاذ بن جبل أو سعد أو غيرهم وتأجيل محاكمة خالد إلى أول أزمنة الامكان والحكم عليه حينئذ بما تقتضيه النصوص الشرعية (منه قدس).

(٢) وهذا الكلام لا يخلو من المبالغة أيضا، وقوله فيه لخطأ في التأويل أو غير خطأ، لا يخلو من تخليط وتغليط فان إسلام مالك إذ قتله خالد، مما لا يرتاب فيه، خالد ولا أبو بكر، وان البناء بزوجة مالك، وهى في العدة، لمما يستوجب الرجم بإجماع المسلمين، وهذا هو الذي تأهب له عمر لو قدر عليه، ولا يخفى ما في قوله: وما قتل رجل أو طائفة، من الاستخفاف بالقتل، والله تعالى يقول: "( ومن قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا ) " "( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ) " (الآية) "( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ) " (منه قدس).

(٣) لم يكن خالد في الواقع الا قاتل نفس حرم الله قتلها، وناكح فرج حرم الله نكاحه طلب هذا الحرام فلم يخطئه، بل أصابه مصرا عليه حتى إلى ما بعد أن نهاه الخليفة (منه قدس) (*).

١٤٦

بها البلاء ويتقي بها الخطر(١) .

قال: وما التزوج من امرأة على خلاف تقاليد العرب، بل ما الدخول بها قبل أن يتم إذا وقع ذلك من فاتح غزا فحق له بحكم الغزو أن تكون له سبايا يصحبن ملك يمينه(٢) .

قال: فان التزمنا في تطبيق التشريع، لا يجب أن يتناول النوابغ والعظماء من أمثال خالد(٣)

قال: وبخاصة إذا كان ذلك يضر بالدولة أو يعرضها للخطر(٤) .

____________________

(١) كان من الامكان أن يستبدل بمن يسد فراغه، ويقوم مقامه، كواحد ممن ذكرناهم (منه قدس).

(٢) هذا الكلام وسابقه ولاحقه، مما أربا بأستاذنا الكبير هيكل عنه، فضلا عن أبى بكر الصديق، وما أظن بالأستاذ انه ممن يستخف بالفروج فيقول: وما التزوج من امرأة إلى آخر كلامه. ولا أظنه يبيح لكل فاتح غزا ما قد أباحه في هذه العبارة لخالد. فانه ممن لا يخفى عليهم، ان هذا انما قد يباح للغازي المسلم إذا فتح بلاد المحاربين للمسلمين الكافرين برب العالمين، ولم يكن مالك وقومه إلا من المؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة يوقنون، وانما تريث مستهل خلافة أبى بكر في النزول على حكمه حتى يتجلى له الحق فيها (منه قدس).

(٣) صدور هذه الكلمة من أمثال استاذنا هيكل عجيب غريب. وما عشت أراك الدهر عجبا، وأن تعجب فعجب قول هيكل بلسان أبى بكر الصديق ان الحدود الشرعية لا يجب أن تتناول النوابغ من أمثال خالد، وانه ليعلم ان الله عزوجل، خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدا حبشيا والنار خلقها لمن عصاه ولو كان سيدا قرشيا. وان ليس بين الله وبين أحد من خلقه هوادة فيحأبيه، والناس كلهم عنده سواء، فالعزيز ذليل حتى يؤخذ الحق منه، ويقام الحد عليه، والذليل عزيز حتى يؤخذ له بحقه (منه قدس).

(٤) إذا كان في إقامة الحدود الشرعية تعريض الخطر، وجب تأجيل إقامتها حتى يزول الخطر، لكن لم نر الخليفة مؤجلا إقامتها ولا منتظرا في سبيل ذلك زوال الخطر =>

١٤٧

قال: ولقد كان المسلمون في حاجة إلى سيف خالد، وكانوا في حاجة إليه يوم استدعاه أبو بكر وعنفه، أكثر من حاجتهم إليه من قبل، فقد كان مسيلمة باليمامة، على مقربة من البطاح، في أربعين ألفا من بني حنيفة، وكانت ثورته في الإسلام والمسلمين أعنف ثورة(١) فمن أجل مقتل مالك بن نويرة أم من أجل ليلى الجميلة التي فتنت خالدا، وتتعرض جيوش المسلمين لتغلب مسيلمة عليها(٢) ؟

ويتعرض دين الله لما يمكن أن يتعرض له، ان خالدا آية الله، وسيفه سيف الله، فلتكن سياسة أبي بكر حين استدعاه إليه أن يكتفي بتعنيفه(٣) وأن يأمره في الوقت نفسه بالمسير إلى اليمامة ولقاء مسيلمة(١٧٧) .

قال هيكل: ولعل أبو بكر انما أصدر أمره إلى خالد يومئذ بالمسير للقاء مسيلمة، ليرى أهل المدينة " ومن كان على رأي عمر منهم خاصة ". ان خالدا

____________________

=> ليقيمها، وانما كان عافيا عن تلك الخطايا، غافرا لتلك الجنايات، راضيا كل الرضا من أولئك الجناة (منه قدس).

(١) تكرر هذا المعنى من الأستاذ. وتكرر الجواب منا عنه والآن نعود فنقول: كان في الامكان استبداله. بقائد ممن هم أمثاله ولو فرض انحصار الأمر به فهل تبطل حدود الله بذلك ؟ كلا بل تؤجل، وإذا فما الوجه في تعطيلها بالمرة، حتى كأن لم يكن هناك جناة ولم تكن جنايات ! (منه قدس).

(٢) نعم يعزل ويقتل فورا بحكم الله عزوجل على القاتل بالقتل والزاني المحصن بالرجم فإذا كان في تعجيل إقامة الحد عليه خطر، تؤجل الحدود إلى أن يزول الخطر ولا يجوز إلغاؤها إجماعا وقولا واحدا (منه قدس).

(٣) لكن الله عزوجل لم يكتف بذلك، والنصوص صريحة بالقتل والرجم. لكن أبا بكر الصديق تأولها فقدم في مقام العمل رأيه عليها وبهذا كانت من موارد موضوعنا " الاجتهاد مقابل النص " (منه قدس).

(١٧٧) ولأجل معرفة بطلان هذه الأراجيف راجع: الغدير للأميني ج ٧ / ١٦١ - ١٦٩ (*).

١٤٨

رجل الملمات، وانه قذف به " حين أصدر إليه هذا الأمر " إلى جحيم اما يبتلعه ويقضي عليه، فيكون ذلك خير عقاب له على ما صنع بأم تميم ليلى وزوجها مالك(١) وأما يصهره النصر فيه ويطهره(٢) فيخرج مظفرا غانما قد سكن من المسلمين روعا لا تعد فعلته بالبطاح شيئا مذكورا إلى جانيه. قال: وقد صهرت اليمامة خالدا وطهرته(٣) وان تزوج في أعقابها بنتا كما فعل مع ليلى ولما تجف دماء المسلمين، ولا دماء أتباع مسيلمة، ولقد عنفه أبو بكر على فعلته هذه، بأشد مما عنفه على فعلته مع ليلى(٤) . إلى آخر كلامه(٥) .

____________________

(١) انظر معي وامعن فيما يقوله هذا الأستاذ الكبير بلسان الصديق، فهل تراهما يجهلان ان عقاب المحصن إذا زنى واجب على الحاكم الشرعي، وان عقابه انما هو الرجم خاصة، لا القاؤه في جحيم اليمامة أو غيرها، وانه لا تصهره ولا تطهره اليمامة وأهوالها، وانما تطهره التوبة والعمل الصالح بدليل قوله في سورة الفرقان " الا من تاب وآمن وعمل صالحا " (منه قدس).

(٢) انما يصهر المذنبين ويطهرهم، الرجوع إلى الله تعالى، بالإنابة والتوبة والندم والعمل الصالح مخلصين لله تعالى وحده بذلك (منه قدس).

(٣) انا لنربأ بالأستاذ عن مثل هذه الأساليب فإنها بالحرص أشبه، وقد ثبت الحسد والقود على خالد، فاليمامة وجحيمها لا ينسخان الحكم المبرم في كتاب الله عزوجل وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فان تعذر التعجيل في إقامة الحد وجب على الحاكم تنفيذه في أول أزمنة الامكان (منه قدس).

(٤) لعل هذه البنت كانت ذات بعل فنزا عليها، ولذلك عنفه أبو بكر على فعلته معها إلى أكثر مما عنفه على فعلته مع زوجة مالك ولو لم تكن محصنة ولم تكن من محارمه لكانت الزيادة من أبى بكر في تعنيفه في غير محلها، بل لا وجه حينئذ للتعنيف أصلا (منه قدس).

(٥) فراجعه في ص ١٥٢ من كتاب الصديق أبو بكر (منه قدس (*).

١٤٩

وتراه قد أوضح بكل جلاء ما قد كان عليه الخليفة من إيثاره العمل بما تقتضيه المصالح على العمل بما يقتضيه التعبد بالنصوص، وهذا رأي كثير من الفضلاء الأزهريين في أبي بكر وعمر، شافهوني به إذا اجتمعت بهم في الأزهر سنة ١٣٢٩ والتي بعدها.

لكن عمر وان اغرق نزعا في تأويل النصوص لم يوافق أبا بكر في عفوه عن خالد كما سمعته مفصلا.

وقد أعلن الأستاذ هيكل رأي عمر بتفصيل فقال أما عمر، وكان مثال العدل الصارم، فكان يرى ان خالدا عدا على امرئ مسلم ونزا على امرأته قبل انقضاء عدتها فلا يصح بقاؤه في قيادة الجيش حتى لا يعود لمثلها فيفسد أمر المسلمين ويسئ إلى مكانتهم بين العرب قال: ولا يصح ان يترك بغير عقاب على ما أثم مع ليلى، ولو صح انه تأول فأخطأ في أمر مالك، وهذا ما لا يجيزه عمر، وحسبه ما صنع مع زوجته ليقام عليه الحد، وليس ينهض عذرا له أنه سيف الله، وانه القائد الذي يسير النصر في ركابه، فلو ان مثل هذا العذر يقبل، لأبيحت لخالد وأمثاله المحارم، ولكان ذلك أسوأ مثل يضرب للمسلمين في احترام كتاب الله، لذلك لم يفتأ عمر يعيد على أبي بكر، ويلح عليه، حتى استدعى خالدا وعنفه.

هذا كلام الأستاذ هيكل بعين لفظه في ص ١٥١ من كتابه "الصديق أبو بكر" تحت عنوان رأي عمر وحجته في الأمر

[ بعض الإنصاف ]

ان الأستاذ العقاد، بعد أن ذكر الأقوال المتضاربة، حول مقتل مالك دفاعا

١٥٠

عن خالد، قال(١) : وحسبنا من هذه الأقوال جميعا، أن نقف منها على الثابت الذي لا نزاع فيه، ان وجوب القتل لم يكن صريحا قاطعا في أمر مالك بن نويرة(٢) وان مالكا كان أحق بإرساله إلى الخليفة من زعماء فزارة وغيرهم، الذين أرسلهم خالد بعد وقعة البزاخة، وان خالدا تزوج امرأة مالك وتعلق بها وأخذها معه إلى اليمامة بعد لقاء الخليفة(٣) .

قال: وأوجب ما يوجبه الحق علينا، بعد ثبوت هذا كله، أن نقول: ان وقعة البطاح صفحة في تاريخ خالد، كان خيرا له(٤) وأجمل لو أنها حذفت ولم تكتب على قول من جميع تلك الأقوال. إلى آخر كلامه.

____________________

(١) في ص ١٣٤ من عبقرية خالد (منه قدس).

(٢) بل كانت حرمة قتله في غاية الصراحة والقطع، وكانت من الكبائر الموبقة الموجبة للقصاص الشرعي، لان إسلام مالك مما لا ريب فيه لكل منصف ألم بوقعة البطاح على حقيقتها وعرف السر في ثورة عمر، وأبى قتادة، وأهل المدينة بكنهها، وقد كان آخر ما تكلم به مالك في حياته إني على الإسلام. على أن الشيخين عمر وأبا بكر اتفقا على موته مسلما، وذلك ان عمر إذ قال للخليفة: ان خالدا قد زنى فارجمه قال الخليفة: ما كنت لأرجمه فانه تأول فأخطأ قال عمر: انه قتل مسلما فاقتله به. فلم يقل له: انه قتل مرتدا. وإنما قال: ما كنت لأقتله به فانه تأول فأخطأ. وهذا اعتراف منه بإسلام مالك. ولذلك وداه من بيت مال المسلمين، واعتبر السبايا والأسرى من آله أحرارا فخلى سبيلهم، ولم يقر خالدا على سبيهم (منه قدس).

(٣) هب ان خالدا إذ وطئ امرأة مالك متأولا فما عذره في تعلقه بها ولاسيما بعد لقاء الخليفة، وما عذر الخليفة في إبقائه عليه بعد أخذها معه إلى اليمامة يسافحها وهو محصن (منه قدس).

(٤) بل كان خيرا للخليفة أولا وله ثانيا (منه قدس) (*).

١٥١

[ ختام الكلام في هذا المقام ] نختم كلامنا في هذا الموضوع بالإشارة إلى من كتب في مالك، من حيث مكانته في العروبة والإسلام، ومن حيث ما مني به وقومه يوم البطاح.

وحسبنا من ذلك تاريخ الأمم والملوك لمحمد بن جرير الطبري، وجمهرة النسب لابن الكلبي، والكامل لابن الأثير(١٧٨) ، وكتاب الردة والفتوح لسيف بن عمر(١٧٩) ، وكتاب الموفقيات للزبير بن بكار، وكتاب الأغاني

____________________

(١٧٨) تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٧٦ - ٢٨٠ وقد خلط فيه الحابل بالنابل والغث بالسمين، الكامل ج ٢ / ٣٥٧ - ٣٦٠ وهذا كسابقه، جمهرة النسب للكلبى.

(١٧٩) كتاب الفتوح والردة لسيف بن عمر التميمي المتوفى بعد ١٧٠ ه‍ وهذا الكتاب قد أخذ عنه جملة من علماء التأريخ

١ - الطبري المتوفى ٣١٠ ه‍ في تاريخه

٢ - ابن عساكر (ت ٥٧١) في تاريخ دمشق

٣ - ابن أبى بكر (ت ٧٤١ ه‍) في كتاب (التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان)

٤ - الذهبي (ت ٧٤٨) في كتابه تاريخ الإسلام وغيرهم عنهم، حتى انتشرت رواياته في التاريخ الإسلامي.

و (سيف بن عمر) هذا من ضعفاء الحديث بل من الزنادقة والمختلقين للأحاديث والأسانيد والبقاع والحوادث. قيمة أحاديث سيف، ورأى العلماء فيه: قال يحيى بن معين (ت ٢٣٣): " ضعيف الحديث فلس خير منه " يعنى سيف بن عمر. وقال النسائي صاحب الصحيح (ت ٣٠٣) " ضعيف متروك الحديث ليس بثقة ولا مأمون ". وقال أبو داود (ت ٣١٦ ه‍) " ليس بشئ كذاب ". وقال ابن أبى حانم (ت ٣٢٧ ه‍) " متروك الحديث ". وقال ابن السكن (ت ٣٥٣ ه‍): " ضعيف ". وقال ابن عدى (ت ٣٦٥ ه‍): " ضعيف بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها " =>

١٥٢

لأبي فرج الاصبهاني وكتاب الدلائل لثابت بن قاسم، ونزهة المناظر لابن الشحنة، والمختصر لأبي الفداء، وما هو في أحوال عمر، من المجلد الأول من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، وغيرها من كتب السير والمعاجم في التراجم(١٨٠) .

وهاك الآن ما ذكره القاضي ابن خلكان " في ترجمة وثيمة بن موسى بن الفرات الوشاء الفارسي من وفيات الأعيان نقلا عن كتأبي وثيمة والواقدي " إذ قال: كان مالك بن نويرة رجلا سريا نبيلا يردف الملوك. قال: وللردافة موضعان، أحدهما أن يردفه الملك على دابته في صيد أو غيره من مواضع الانس، والموضع الثاني انبل وهو أن يردف الملك إذا قام عن مجلس الحكم فينظر ما بين الناس بعده. قال: وهو الذي يضرب به المثل، فيقال مرعى ولا كسعدان، وماء ولا كصداء وفتى ولا كمالك. قال: وكان فارسا شاعرا

____________________

=> وقال ابن حبان (ت ٣٥٤ ه‍): " يروى الموضوعات عن الاثبات، اتهم بالزندقة ". وقال: " قالوا كان يضعف الحديث ". وقال الحاكم (ت ٤٠٥ ه‍) " متروك اتهم بالزندقة ". وغيرهم من العلماء الذين نصوا على زندقته ووضعه واختلاقه للأحاديث راجع ذلك: في ميزان الاعتدال للذهبي ج ٢ / ٢٥٥، آفة أصحاب الحديث لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي المتوفى ٥٩٧ ه‍ ص ٨٥ و ٨٩ و ٩١، عبد الله سبأ للعسكري ج ١ / ٦٢ - ٦٣، خمسون ومائة صحابي مختلق ج ١ وج ٢ وبعد أن نقل الطبري وغيره من المتقدمين عن سيف من الروايات انتشرت في أكثر المصادر الإسلامية ان لم يكن كلها واختلط الغث بالسمين والحابل بالنابل وانتشرت من الخرافات والمختلقات ولأجل المزيد من ذلك: راجع: كتاب عبد الله بن سبأ للسيد مرتضى العسكري ج ١ و ٢ وكتاب خمسون ومائة صحابي مختلق للسيد العسكري أيضا ج ١ و ٢.

(١٨٠) تلخيص الشافي للطوسي ج ٣ / ١٨٨ - ١٩٥، المختصر لأبي الفداء ج ١ / ١٥٨، نزهة الناظر لابن الشحنة، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٧٩. (*)

١٥٣

مطاعا في قومه، وكان فيه خيلاء وتقدم، وكان ذا لمة كبيرة، وكان يقال له الجفول(١) .

قال: وقدم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيمن قدم من العرب فأسلم فولاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صدقات قومه. إلى آخر ما روي عنه وعن موقفه مع خالد بن الوليد يوم البطاح وانهما تجاولا في الكلام طويلا فقال له خالد: إني قاتلك. قال مالك: أو بذلك أمرك صاحبك ؟. - يعني أبا بكر - قال والله لاقتلنك، وكان عبد الله ابن عمر وأبو قتادة إذ ذاك حاضرين، فكلما خالدا في أمره فكره كلامهما فقال مالك: يا خالد ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا فقد بعثت إليه غيرنا ممن جرمه اكبر من جرمنا فقال خالد: لا أقالني الله ان لم أقتلك. وتقدم إلى ضرار بن الازور بضرب عنقه. فالتفت مالك إلى زوجته أم تميم وقال لخالد. هذه التي قتلتني.

قال ابن خلكان: وكانت في غاية الجمال. فقال له خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام فقال مالك: اني على الإسلام. فقال خالد يا ضرار اضرب عنقه. قال: فضرب عنقه وجعل رأسه اثفية لقدر. قال: قال ابن الكلبي في جمهرة النسب: قتل مالك يوم البطاح وقبض خالد امرأته فتزوجها، وفي ذلك يقول ابو زهير السعدي: ألا قل لحى أوطئوا بالسنابك(١٨١) .

قلت وذكر لأبيات الستة الانفة الذكر.

ثم ذكر ابن خلكان بعد هذا ثورة عمر على خالد وقوله لأبي بكر: ان خالدا قد زنى فأرجمه. قال: ما كنت لأرجمه فأنه تأول فأخطأ. قال: انه

____________________

(١) الجفول هو ذو النجدة والحفائظ والغيرة الممسك بعنان فرسه في سبيل ذلك فإذا سمع بهيعة طار إليها (منه قدس).

(١٨١) وفيات الأعيان لابن خلكان ترجمة وثيمة ج ٦ / ١٣ - ١٥ وقد ترك المصنف بعض الحديث. (*)

١٥٤

قتل رجلا مسلما فاقتله به. فقال: ما كنت لأقتله به فانه تأول فأخطأ. قال: فاعزله. قال: ما كنت لاشيم سيفا سله الله عليهم.

واسترسل ابن خلكان فيما هو حول هذه القضية فذكر وقوف متمم بن نويرة بحذاء أبي بكر، متكئا على سية قوسه ينشد قوله :

نعم القتيل إذا الرياح تناوحت

خلت البيوت قتلت يا ابن الازور

أدعوته بالله ثم غدرته

لو هو دعاك بذمة لم يغدر

قال: وأومأ إلى أبي بكر، فقال ابو بكر: فوالله ما دعوته ولا غدرته. ثم أنشد :

ولنعم حشو الدرع كان وحاسرا

ولنعم مأوى الطارق المتنور

لا يمسك الفحشاء تحت ثيابه

حلو شمائله عفيف المئزر

ثم بكى وانحط عن سية قوسه(١٨٢) . إلى آخر ما في وفيات الأعيان من هذا الموضوع.

وقد ذكر من شجاعة مالك وحفيظته وسخائه ومكانته ما يجدر بالباحثين أن يقفوا عليه. وممن ذكر مالكا من أهل المعاجم واثبات السير والأخبار، أبو الفضل احمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني في القسم الأول من الإصابة في تمييز الصحابة(١) .

فقال: (مالك) ابن نويرة بن حمزة بن شداد بن عبد بن ثعلبة بن يربوع التميمي اليربوعي يكنى أبا حنظلة ويلقب بالجفول

____________________

(١٨٢) وفيات الأعيان ج ٦ / ١٥، المختصر لأبي الفداء ج ١ / ١٥٨.

(١) وذكره الطبري في معجمه فقال - كما في ترجمة متمم من الاستيعاب -: مالك بن نويرة بن حمزة التميمي بعثه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على صدقة بني يربوع وكان قد أسلم هو وأخوه متمم. الخ (منه قدس) (*).

١٥٥

(قال) قال المرزباني كان شاعرا شريفا فارسا معدودا في فرسان بني يربوع في الجاهلية وأشرافهم وكان من - أرداف الملوك وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - استعمله على صدقات قومه فلما بلغته وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله امسك عن الصدقة(١)

وقال في ذلك: فقلت خذوا أموالكم غير خائف - ولا ناظر فيما يجئ من الغد(٢) - فان قام بالدين المخوف قائم - اطعنا(١٨٣) وقلنا الدين دين محمد -

____________________

(١) قلت: أمسك عن أخذها من قومه بعد لحاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرفيق الأعلى تورعا منه واحتياطا وكان ينتظر من يثبت لديه قيامه شرعا مقام رسول الله لينزل على حكمه في الصدقة وغيرها كما يدل عليه شعره الذي ستسمعه الآن فامعن به وبما سنعلقه عليه (منه قدس).

(٢) انما فرقها في الفقراء والمساكين من قومه لأنه قبضها منهم وله الولاية عليها من رسول الله وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله حينئذ حيا، وبذلك رأى ان له التصرف بها فوضعها مواضعها الشرعية. وكان معروفا بالعاطفة على اليتامى والأرامل والمساكين يدل على ذلك قول معاصره في رثائه وقد مر عليك آنفا في الأصل :

فمن لليتامى والأرامل بعده

ومن للرجال المعدمين الصعالك

أراد بهذا البيت انه لم يقترف في أموالهم (حيث جمها منهم ولا حيث فرقها فيهم) خيانة يخشاها ولا اثما يخافه في غده إذا بعث (منه قدس).

(١٨٣) أورد الإمام العسقلاني هذا البيت بلفظ أطعنا ونقله بهذا اللفظ عن ابن سعد عن الواقدي كما تراه في ترجمة مالك بن نويرة من الإصابة طبع سنة ١٣٢٨ وفى هامشها كتاب الاستيعاب لابن عبد البر وأورده بلفظ أطعنا علم الهدى الشريف المرتضى في كتابه (الشافي) مع أبيات أخر لمالك استدل بها على انه حين بلغه وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمسك عن =>

١٥٦

فقتل صبرا هو وأصحابه، ومثل به وبرأسه بعد القتل، ووطئت زوجته، وعطلت في ذلك كله حدود الله، وانتهكت حرماته، والعذر في ذلك كله انهم تأولوا فأخطأوا، فانا لله وإنا إليه راجعون.

____________________

=> أخذ الصدقة من قومه قائلا لهم: تربصوا حتى يقوم قائم بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله وننظر ما يكون من أمره قال: وصرح مالك بذلك في شعره حيث يقول :

وقال رجال سدد اليوم مالك

وقال رجال مالك لم يسدد

فقلت دعوني لا أبا لأبيكم

فلم أخط رأيا في المقام ولا الندى

وقلت خذوا أموالكم غير خائف

ولا ناظر فيما يجئ من الغد

فدونكموها انما هي مالكم

مصورة أخلاقها لم تجدد

سأجعل نفسي دون ما تحذرونه

وأرهنكم حقا بما قلته يدى

فان قام بالأمر المجدد قائم

أطعنا وقلنا الدين دين محمد

لكن الأستاذين هيكل في كتاب الصديق أبو بكر، والعقاد في عبقرية خالد أوردا البيت بلفظ (منعنا) وأظن أنهما رويا البيت عن بعض المتحاملين على مالك المتعصبين لخالد أو للصديق وعلى كلا الروايتين في البيت ما يوجب ردة ولا دونها، أما على فرض قوله أطعنا فواضح وأما على فرض منعنا (وما أظن له صحة) فلان الدين دين محمد وقد ولاهصلى‌الله‌عليه‌وآله على صدقات قومه ولم يعزله، ولم تثبت له خلافة القائم مقامه لينزل على حكمه. فهو متريث باحث بكل مالديه من جهود عمن له الأمر بعد محمد شرعا لينزل على حكمه وقد طلب من خالد أن يرسله إلى أبى بكر ليبحث معه عن هذه المهمة فأبى الا قتله (منه قدس). راجع: الإصابة لابن حجر ج ٣ / ٣٣٦ ط مصطفى محمد، تلخيص الشافي للطوسي ج ٣ / ١٩٢، معجم الشعراء للمرزباني ص ٢٦٠ (*).

١٥٧

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١٣٩: -

[ المورد - (١٤) -: في منع كتابة العلم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ]

وذلك ان الحاكم اخرج في تاريخه بالإسناد إلى أبي بكر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: " من كتب علي علما أو حديثا لم يزل يكتب له الأجر ما بقي ذلك العلم أو الحديث "(١٨٤) ومع ذلك لم يدون أيام أبي بكر وعمر شئ من السنن.

وقد كان أبو بكر اجمع أيام خلافته على تدوين الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فجمع خمسمائة حديث فبات ليلته يتقلب كثيرا، قالت عائشة: فغمني تقلبه، فلما أصبح قال لي: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فأحرقها. (الحديث)(١٨٥) .

____________________

(١٨٤) كل ما روت الأمة عن أبى بكر من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انما هو مائة واثنان وأربعون حديثا، وقد أوردها الحافظ السيوطي في فصل خاص بها في أحوال أبى بكر من كتابه - تاريخ الخلفاء - فكان هذا الحديث هو الحديث التاسع والثمانين منها، وربما أيدوا مضمونه بما رووه عن كل من أمير المؤمنين على بن أبى طالب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وأبى سعيد الخدري وأبى الدرداء وأنس بن مالك ومعاذ بن جبل وأبى هريرة من طرق كثيرة متنوعة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من حفظ على أمتي أربعين حديثا بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء، وفى رواية: بعثه الله فقيها عالما، وفى رواية أبى الدرداء. كنت له يوم القيامة شاهدا وشفيعا. وفى رواية ابن مسعود قيل له: ادخل من أي أبواب الجنة شئت وفى رواية ابن عمر: كتب في زمرة العلماء وحشر في زمرة الشهداء. وربما أيدوه أيضا بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليبلغ الشاهد منكم الغائب. وبقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها (منه قدس). تاريخ الخلفاء للسيوطي.

(١) أخرجه عماد الدين بن كثير في مسند الصديق عن الحاكم أبى عبد الله النيسابوري ورواه القاضي أبو أمية الاحوص بن المفضل الغلابي وهو الحديث ٤٨٤٥ في ص ٢٣٧ من الجزء الخامس من كنز العمال (منه قدس). كنز العمال ج ١٠ / ٢٨٥ ح ٢٩٤٦٠ ط ٢، تذكرة الحفاظ ج ١ / ٥، وقد أحرقها =>

١٥٨

وعن الزهري عن عروة ان عمر بن الخطاب أراد ان يكتب السنن فاستفتى أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأشاروا عليه ان يكتبها فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا، ثم أصبح يوما [ وقد عزم الله له ] فقال: إني كنت أريد ان اكتب السنن، واني ذكرت قوما قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، واني والله ولا أشوب كتاب الله بشئ أبدا(١٨٦) .

وعن أبي وهب قال سمعت مالكا يحدث ان عمر بن الخطاب أراد أن يكتب هذه الأحاديث أو كتبها، ثم قال: لا كتاب مع كتاب الله(١٨٧) .

وعن يحيى بن جعدة قال أراد عمر ان يكتب السنة، ثم بدا له ان لا يكتبها ،

____________________

=> عمر بن الخطاب أيضا: راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٥ / ١٨٨، مقدمة الدرامي ص ١٢٦.

(١٨٦) هذا هو الحديث ٤٨٦٠ من أحاديث الكنز ص ٢٣٩ من جزئه الخامس وأخرجه ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم وفضله فراجع من مختصره ص ٣٣. وأخرجه ابن سعد أيضا من طريق الزهري كما في ص ٢٣٩ من الجزء الخامس من الكنز (منه قدس).

عمر يمنع كتابة العلم والحديث: راجع: تنوير الحوالك شرح موطأ مالك ج ١ / ٤ ط الحلبي، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج ٤ / ٥٤٣ ط بيروت، جامع أحاديث الشيعة ج ١ / ٢ - ٣، كنز العمال ج ١٠ / ٢٩١ ح ٢٩٧٤، جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج ١ / ٧٧، الغدير للأميني ج ٦ / ٢٩٧، الطبقات لابن سعد ج ٥ / ١٨٨، مقدمة الدرامي ص ١٢٦، مقدمة مرآة العقول ج ١ / ٢٩، أضواء على السنة المحمدية ص ٤٧.

(١٨٧) وهذا هو الحديث ٤٨٦١ في الصفحة المتقدمة الذكر من الكنز. ورواه ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم وفضله فراجع من مختصره ص ٣٢ (منه قدس). جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج ١ / ٧٧، كنز العمال ج ١٠ / ٢٩٢ / ح ٢٩٤٧٥

١٥٩

ثم كتب في الأمصار: من كان عنده شئ فليمحه(١٨٨) .

وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: ان الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس ان يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها. (الحديث)(١٨٩) .

وعن ابن عمر ان عمر أراد أن يكتب السير (السنن خ ل) فاستخار الله شهرا فأصبح وقد عزم له، ثم قال: اني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتابا فأقبلوا عليه وتركوا كتاب الله(١٩٠) .

وفي أيام عمر جاء رجل من أصحابه فقال: يا أمير المؤمنين، انا لما فتحنا المدائن أصبنا كتبا فيها من علوم الفرس وكلام معجب. قال: فدعا بالدرة فجعل يضربها بها حتى تمزقت، ثم قرأ: نحن نقص عليك أحسن، ويقول: ويلك اقصص أحسن من كتاب الله ؟. (الحديث)(١٩١) .

____________________

(١٨٨) أخرجه ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم وفضله. ورواه ابن خيثمة وهو الحديث ٤٨٦٢ في الصفحة المتقدمة الذكر من الكنز (منه قدس). وراجع: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج ١ / ٨٧، كنز العمال ج ١٠ / ٢٩٢ ح ٢٩٤٧٦.

(١٨٩) أخرجه ابن سعد في ترجمة القاسم بن محمد بن أبى بكر ص ١٤٠ من الجزء الخامس من طبقاته (منه قدس). وراجع: الطبقات لابن سعد ج ٥ / ١٨٨ ط بيروت في ترجمة القاسم بن محمد بن أبى بكر، تقييد العلم للبغدادي ص ٥٢، أضواء على السنة المحمدية ص ٤٧.

(١٩٠) أخرجه السلفي في الطيوريات بسند صحيح. ونقله السيوطي في أخبار عمر وقضاياه من كتابه تاريخ الخلفاء (منه قدس). وراجع: كنز العمال ج ١٠ / ٢٩٣ ح ٢٩٤٨٠.

(١٩١) أخرجه أصحاب السنن. وأورده ابن أبى الحديد في أحوال عمر ص ١٢٢ من =>

١٦٠