النص والاجتهاد

النص والاجتهاد9%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 165843 / تحميل: 7981
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

إن كان حسناً ، ولا يوحشك إلاّ هو إن كان قبيحاً .

واعلم أنّك إن تنصر الله ينصرك ويثبّت أقدامك ، فإنّ الله تعالى ضمن إعزاز مَن يعزّه ، ونصر مَن ينصره ، وقال سبحانه :( إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم ) (١) .

وقال سبحانه :( ولينصرنّ الله مَن ينصره ) (٢) .

وقال : كيف أنتم إذا ظهر فيكم البدع حتّى يربوا فيها الصغير ، ويهرم الكبير ، ويسلم عليها الأعاجم ، فإذا ظهرت البدع قيل سنّة ، وإذا عمل بالسنّة قيل بدعة ، قيل : ومتى يكون ذلك ؟ قال : إذا ابتعتم الدنيا بعمل الآخرة .

وقال ابن عباس : لا يأتي على الناس زمان إلاّ أماتوا فيه سنّة ، وأحيوا فيه بدعة حتّى تموت السنن ، وتحيى البدع ، وبعد فو الله ما أهلك الناس وأزالهم عن المحجّة قديماً وحديثاً إلاّ علماء السوء ، قعدوا على طريق الآخرة فمنعوا الناس سلوكها والوصول إليها ، وشكّكوهم فيها .

مثال ذلك مثل رجل كان عطشاناً فرأى جرّة مملوءة فيها ماء ، فأراد أن يشرب منها فقال له الرجل : لا تدخل يدك فيها فإنّ فيها أفعى يلسعك وقد ملأها سمّاً ، فامتنع الرجل من ذلك ، ثم إنّ المخبر بذلك أخذ يدخل يده فيها ، فقال العطشان : لو كان فيها سّماً لما أدخل يده .

وكذلك حال الناس مع علماء السوء ، زهّدوا الناس في الدنيا ورغبوا هم فيها ، ومنعوا الناس من الدخول إلى الولاة والتعظيم لهم ودخلوا هم إليهم ، وعظّموهم ومدحوهم ، وحسّنوا إليهم أفعالهم ، ووعدوهم بالسلامة ، لا بل قالوا لهم : قد رأينا لكم المنامات بعظيم المنازل والقبول ، ففتنوهم وغرّوهم ، ونسوا قول

____________

(١) محمد : ٧ .

(٢) الحج : ٤٠ .

١٤١

الله تعالى :( إنّ الأبرار لفي نعيم * وإنّ الفجّار لفي جحيم ) (١) .

وقوله تعالى :( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) (٢) .

وقوله تعالى :( يوم يعضّ الظالم على يديه ) (٣) .

وقوله تعالى :( يوم لا يغني مولىً عن مولىً شيئاً ) (٤) .

وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :الجنّة محرّمة على جسد غذّي بالحرام (٥) .

وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام :ليس من شيعتي مَن أكل مال امرء حرام (٦) .

وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا يشمّ ريح الجنّة جسد نبت على الحرام .

وقالعليه‌السلام :إنّ أحدكم ليرفع يده إلى السماء فيقول : يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، وملبسه حرام ، فأيّ دعاء يُستجاب له ؟! وأيّ عمل يُقبل منه ؟! وهو ينفق من غير حلٍّ ، إن حجّ حجّ بحرام ، وإن تزوّج تزوّج بحرام ، وإن صام أفطر على حرام ، فيا ويحه ، أما علم أنّ الله تعالى طيّب لا يقبل إلاّ الطيّب ، وقد قال في كتابه : ( إنّما يتقبّل الله من المتقين ) (٧) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ليكون عليكم أُمراء سوء ، فمَن صدّقهم في قولهم ، وأعانهم على ظلمهم ، وغشى أبوابهم ، فليس منّي ولست منه ، ولن يرد عليّ الحوض .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحذيفة :كيف أنت يا حذيفة إذا كانت أُمراء إن

____________

(١) الإنفطار : ١٣ ـ ١٤ .

(٢) غافر : ١٨ .

(٣) الفرقان : ٢٧ .

(٤) الدخان : ٤١ .

(٥) كنز العمال ٤ : ١٤ ح٩٢٦١ .

(٦) البحار ١٠٤ : ٢٩٦ ح١٧; عن مجموعة ورام .

(٧) المائدة : ٢٧ .

١٤٢

أطعتموهم أكفروكم ، وإن عصيتموهم قتلوكم ؟! ، فقال حذيفة : كيف أصنع يا رسول الله ؟ قال :جاهدهم إن قويت ، واهرب عنهم إن ضعفت .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :صنفان من أُمّتي إذا صلحا صلح الناس ، وإذا فسدا فسد الناس : الأُمراء والعلماء (١) .

وقال الله تعالى :( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار ) (٢) .

وقال :( ولا تطغوا فيحلّ عليكم غضبي ) (٣) ، والله ما فسدت أمور الناس إلاّ بفساد هذين الصنفين ، وخصوصاً الجائر في قضائه ، والقابل الرشا في الحكم .

ولقد أحسن أبو نواس في قوله :

إذا خان الأمير وكاتباه

وقاضي الأمر داهن في القضاءِ

فويل ثمّ ويلٌ ثمّ ويل

لقاضي الأرض من قاضي السماءِ

وجاء في تفسير قوله تعالى :( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ . ) (٤) الآية ، نزلت فيمن يخالط السلاطين والظلمة .

وقالعليه‌السلام :الإسلام علانية باللسان ، والإيمان سرّ بالقلب ، والتقوى عمل بالجوارح ، كيف تكون مسلماً ولا تسلم الناس منك ؟ وكيف تكون مؤمناً ولا تأمنك الناس ؟ وكيف تكون تقيّاً والناس يتّقون من شرّك وأذاك ؟ .

وقال :إنّ مَن ادعى حبّنا وهو لا يعمل [عملنا ولا يقول] (٥) بقولنا ، فليس منّا ولا نحن منه ، أما سمعوا قول الله تعالى يقول مخبراً عن نبيّه : ( قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ) (٦) .

____________

(١) الخصال : ٣٦ ح١٢ باب الاثنين ، عنه البحار ٢ : ٤٩ ح١٠ .

(٢) هود : ١١٣ .

(٣) طه : ٨١ .

(٤) المجادلة : ٢٢ .

(٥) أثبتناه من ( ب ) .

(٦) آل عمران : ٣١ .

١٤٣

ولمّا بايع أصحابه أخذ عليهم العهد والميثاق بالسمع لله تعالى وله بالطاعة في العسر واليسر ، وعلى أن يقولوا الحق أينما كانوا ، وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم ، وقال : إنّ الله تعالى ليحصي على العبد كل شيء حتّى أنينه في مرضه ، والشاهد على ذلك قوله تعالى :

( ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد ) (١) .

وقوله تعالى :( إنّ عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون ) (٢) .

وقوله تعالى :( إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) (٣) .

____________

(١) ق : ١٨ .

(٢) الانفطار : ١٠ ـ ١٢ .

(٣) البقرة : ٢٨٤ .

١٤٤

الباب الثامن عشر : في عقاب الزّنا والربا

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ لأهل النار صرخة من نتن فروج الزناة ، فإيّاكم والزنا فإنّ فيه ست خصال ، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأمّا التي في الدنيا : فإنّه يذهب ببهاء الوجه ، ويورث الفقر ، وينقص العمر ، وأمّا التي في الآخرة : يوجب سخط الله ، وسوء الحساب ، وعظم العذاب ، إنّ الزناة يأتون يوم القيامة تشتعل فروجهم ناراً ، يعرفون بنتن فروجهم (١) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ الله مستخلفكم في الدنيا فانظروا كيف تعملون ، فاتقوا الزنا والربا والرياء (٢) .

قيل : قالت المعتزلة يوماً في مجلس الرضاعليه‌السلام :إنّ أعظم الكبائر القتل ، لقوله تعالى : ( ومَن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها . ) (٣) .

____________

(١) الكافي ٥ : ٥٤١ ح٣ ، مَن لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٧٣ ح٤٩٦٠ باختلاف ، وفي معالم الزلفى : ٣٣٧ .

(٢) الرياء ، لم يرد في ( ب ) و ( ج ) .

(٣) النساء : ٩٣ .

١٤٥

قال الرضاعليه‌السلام :أعظم من القتل عندي إثماً ، وأقبح منه بلاءً الزنا وأدوم ؛ لأنّ القاتل لم يفسد بضرب المقتول غيره ، ولا بعده فساد ، والزاني قد أفسد النسل إلى يوم القيامة ، وأحلّ المحارم فلم يبق في المجلس فقيه إلاّ قبّل يده وأقرّ بما قال .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إذا كانت خمس منكم رميتم بخمس : إذا أكلتم الربا رميتم بالخسف ، وإذا ظهر فيكم الزنا أُخذتم بالموت ، وإذا جارت الحكّام ماتت البهائم ، وإذا ظلم أهل الملّة ذهبت الدولة ، وإذا تركتم السنّة ظهرت البدعة .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ما نقض قوم عهدهم إلاّ سلّط عليهم عدوّهم ، وما جار قوم إلاّ كثر القتل بينهم ، وما منع قوم الزكاة إلاّ حبس القطر عنهم ، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلاّ نشأ فيهم الموت ، وما بخس قوم المكيال والميزان إلاّ أُخذوا بالسنين .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إذا عملت أُمّتي خمس عشرة خصلة حلّ بهم البلاء : إذا كان الفيء دولاً ، والأمانة مغنماً ، والصدقة مغرماً ، وأطاع الرجل امرأته ، وعصى أُمّه ، وبرّ صديقه ، وجفا أباه ، وارتفعت الأصوات في المساجد وأُكرم الرجل مخافة شرّه ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، ولبسوا الحرير ، واتخذوا القينات والمعازف (١) ، وشربوا الخمور ، وكثر الزنا ، فارتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء ، وخسفاً ومسخاً ، وظهور العدو عليكم ثم لا تنصرون (٢) .

____________

(١) في ( ج ) : المغنّيات .

(٢) عنه الوسائل ١٢ : ٢٣١ ح٣١ .

١٤٦

الباب التاسع عشر : [ وصايا وحكم بليغة ]

وصيّة لقمان لابنه بعلوم وحكمة ، قال : يا بني ! لا يكن الديك أكيس منك وأكثر محافظة على الصلوات ، ألا تراه عند كلّ صلاة يؤذّن لها ، وبالأسحار يعلن بصوته وأنت نائم .

وقال : يا بني ! مَن لا يملك لسانه يندم ، ومَن يكثر المراء يشتم ، ومَن يدخل مداخل السوء يُتّهم ، ومَن يُصاحب صاحب السوء لا يسلم ، ومَن يجالس العلماء يغنم ، يا بني ! لا تؤخّر التوبة فإنّ الموت يأتي بغتة ، يا بني ! اجعل غناك في قلبك ، وإذا افتقرت فلا تحدّث الناس بفقرك فتهون عليهم ، ولكن اسأل الله من فضله .

يا بني ! كذب مَن يقول : الشرّ يقطع بالشرّ ، ألا ترى إنّ النار لا تطفئ بالنار ولكن بالماء ، وكذلك الشرّ لا يطفئ إلاّ بالخير ، يا بني ! لا تشمت بالمصائب ، ولا تعيّر المبتلي ، ولا تمنع المعروف فإنّه ذخيرة لك في الدنيا والآخرة .

يا بني ! ثلاثة تجب مداراتهم : المريض والسلطان والمرأة ، وكن قنعاً تعش غنيّاً ، وكن متّقياً تكن عزيزاً ، يا بني ! إنّك من حين سقطت من بطن أُمّك استدبرت

١٤٧

الدنيا واستقبلت الآخرة ، وأنت كل يوم إلى ما استقبلت أقرب منك ممّا استدبرت ، فتزوّد لدار أنت مستقبلها ، وعليك بالتقوى فإنّه أربح التجارات ، وإذا أحدثت ذنباً فأتبعه بالاستغفار والندم والعزم على ترك العود لمثله .

واجعل الموت نصب عينيك ، والوقوف بين يدي خالقك ، وتمثّل شهادة جوارحك عليك بعملك ، والملائكة الموكّلين بك تستحي(١) منهم ومن ربّك الذي هو مشاهدك ، وعليك بالموعظة فاعمل بها ، فإنّها عند العاقل أحلى من العسل الشهد ، وهي في السفيه أشقّ من صعود الدرجة على الشيخ الكبير ، ولا تسمع الملاهي فإنّها تنسك الآخرة ، ولكن احضر الجنائز ، و زُر المقابر ، وتذكّر الموت وما بعده من الأهوال فتأخذ حذرك .

يا بني استعذ بالله من شرار النساء ، وكن من خيارهنّ على حذر ، يا بني لا تفرح بظلم أحد بل احزن على ظلم من ظلمته ، يا بني الظلم ظلمات ويوم القيامة حسرات ، وإذا دعتك القدرة إلى ظلم من هو دونك فاذكر قدرة الله عليك .

يا بني تعلّم من العلماء ما جهلت ، وعلّم الناس ممّا علمت تذكر بذلك في الملكوت ، يا بني أغنى الناس مَن قنع بما في يديه ، وأفقرهم مَن مد عينيه إلى ما في أيدي الناس ، وعليك يا بني باليأس ممّا في أيدي الناس ، والوثوق بوعد الله ، واسع فيما فرض عليك ، ودع السعي فيما ضمن لك ، وتوكّل على الله في كل أُمورك يكفيك ، وإذا صلّيت فصلّ صلاة مودّع تظنّ أن لا تبقى بعدها أبداً .

وإيّاك وما يُعتذر منه فإنّه لا يُعتذر من خير ، وأحبب للناس ما تحب لنفسك ، واكره لهم ما تكرهه لنفسك ، ولا تقل ما لا تعلم ، واجهد أن يكون اليوم خيراً لك من أمس ، وغداً خيراً لك من اليوم ، فإنّه مَن استوى يوماه فهو مغبون ، ومَن كان يومه شرّاً من أمسه فهو ملعون ، وارض بما قسّم الله لك فإنّه سبحانه يقول : أعظم عبادي

____________

(١) في ( ب ) : لم لا تستحي منهم .

١٤٨

ذنباً مَن لم يرض بقضائي ، ولم يشكر نعمائي ، ولم يصبر على بلائي .

وأوصى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاذ بن جبل ، فقال له : أوصيك باتقاء الله ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وخفض الجناح ، والوفاء بالعهد ، وترك الخيانة ، وحسن الجوار ، وصلة الأرحام ، ورحمة اليتيم ، ولين الكلام ، وبذل السلام وحسن العمل ، وقصر الأمل ، وتوكيد الإيمان ، والتفقّه في الدين ، وتدبّر القرآن ، وذكر الآخرة ، والجزع من الحساب ، وكثرة ذكر الموت ، ولا تسب مسلماً ، ولا تطع آثماً ، ولا تقطع رحماً ، ولا ترض بقبيح تكن كفاعله ، واذكر الله عند كل شجر ومدر وبالأسحار وعلى كل حال يذكرك ، فإنّ الله تعالى ذاكر مَن ذكره ، وشاكر مَن شكره ، وجدّد لكل ذنب توبة ، السرّ بالسرّ والعلانية بالعلانية .

واعلم أنّ أصدق الحديث كتاب الله(١) ، وأوثق العرى التقوى ، وأشرف الذكر ذكر الله تعالى ، وأحسن القصص القرآن ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وأحسن الهدى هدى الأنبياء ، وأشرف الموت الشهادة ، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى ، وخير العلم ما نفع ، وشرّ العمى عمى القلب ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى .

وشرّ المعذرة عند الموت ، وشرّ الندامة يوم القيامة ، ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب ، وخير الغنى غنى النفس ، وخير الزاد التقوى ، ورأس الحكمة مخافة الله تعالى في السر والعلانية ، وخير ما أُلقي في القلب اليقين ، وأنّ جماع الإثم الكذب والارتياب ، والنساء حبائل الشيطان ، والشباب شعبة من الجنون ، وشرّ الكسب كسب الربا ، وشرّ المأثم أكل مال اليتيم .

السعيد مَن وُعظ بغيره ، وليس لجسم نبت على الحرام إلاّ النار ، ومَن تغذّى بالحرام فالنار أولى به ، ولا يستجاب له دعاء ، والصلاة نور ، والصدقة حرز ،

____________

(١) في ( ب ) : كلام الله .

١٤٩

والصوم جُنّة حصينة ، والسكينة مغنم وتركها مغرم ، وعلى العاقل أن يكون له ساعة يناجي فيها ربّه ، وساعة يتفكّر فيها في صنع الله ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتخلّى فيها لحاجته من حلال .

وعلى العاقل أن لا يكون ضاعناً(١) إلاّ في ثلاث(٢) : تزوّد لمعاد ، ومرمّة لمعاش ، لذّة في غير محرّم ، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه ، مقبلاً على شأنه ، حافظاً للسانه .

وفي توراة موسىعليه‌السلام : عجبت لمَن أيقن بالموت كيف يفرح ، ولمَن أيقن بالحساب كيف يذنب ، ولمَن أيقن بالقدر كيف يحزن ، ولمَن أيقن بالنار كيف يضحك ، ولمَن رأى تقلّب الدنيا بأهلها كيف يطمئنّ إليها ، ولمَن أيقن بالجزاء كيف لا يعمل ، لا عقل كالدين ، ولا ورع كالكف ، ولا حسب كحسن الخلق .

وقال أبو ذر : أوصاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ بسبع خصال ](٣) : حب المساكين والدنو منهم ، وهجران الأغنياء ، وأن أصل رحمي ، وأن لا أتكلّم بغير الحق ، ولا أخاف في الله لومة لائم ، وأن أنظر إلى مَن هو دوني ولا أنظر إلى مَن هو فوقي ، وأن أكثر من قول : ( سبحان الله والحمد الله ولا اله إلاّ الله والله اكبر ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ) فهنّ الباقيات الصالحات .

وقال بعضهم : مَن سلك الجدد أمن العثار ، والصبر مطيّة السلامة ، والجزع مطيّة الندامة ، ومرارة الحلم أعذب من مرارة(٤) الانتقام ، وثمرة الحقد الندامة ، ومَن صبر على ما يكره أدرك ما يحب ، والصبر على المصيبة مصيبة للشامت بها ، والجزع عليها مصيبة ثانية لفوات الثواب وهي أعظم المصائب .

____________

(١) ضعن : سار (القاموس) .

(٢) في ( ج ) : أن يكون ساعياً في ثلاث .

(٣) أثبتناه من ( ب ) و ( ج ) .

(٤) في ( ج ) : حلاوة .

١٥٠

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :خير الرزق ما يكفي ، وخير الذكر ما يخفى ، وإنّي أوصيكم بتقوى الله ، وبحسن النظر لأنفسكم ، وقلّة الغفلة عن معادكم ، وابتياع ما يبقى بما يفنى .

واعلموا أنّها أيّام معدودة ، وأرزاق مقسومة ، وآجال معلومة ، والآخرة أبد لا أمد له ، وأجل لا منتهى له ، ونعيم لا زوال له ، فاعرفوا ما تريدون وما يُراد بكم ، واتركوا من الدنيا ما يشغلكم عن الآخرة ، واحذروا حسرة المفرطين ، وندامة المغترّين ، واستدركوا فيما بقي ما فات ، وتأهّبوا للرحيل من دار البوار إلى دار القرار ، واحذروا الموت أن يفجأكم على غرّة ويعجلكم عن التأهّب والاستعداد ، إنّ الله تعالى قال : ( فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ) (١) .

فربّ ذي عقل شغله هواه عمّا خُلق له حتّى صار كمن لا عقل له ، ولا تعذروا أنفسكم في خطائها ، ولا تجادلوا بالباطل فيما يوافق هواكم ، واجعلوا همّكم نصر الحق من جهتكم أو من جهة مَن يجادلكم ، فإنّ الله تعالى يقول :( يا أيّها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ) (٢) . فلا تكونوا أنصاراً لهواكم والشيطان .

واعلموا أنّه ما هدم الدين مثل إمام ضلالة وضلّ وأضلّ ، وجدالِ منافق بالباطل ، والدنيا قطعت رقاب طالبيها والراغبين إليها ، واعلموا أنّ القبر روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النار ، فمهّدوه بالعمل الصالح ، فمثل أحدكم يعمل الخير كمثل الرجل ينفذ كلامه يمهّد له ، قال الله تعالى : ( فلأنفسهم يمهدون ) (٣) .

وإذا رأيتم الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على المعصية ، فاعلموا أنّ ذلك استدراج له ، قال الله تعالى : ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) (٤) .

____________

(١) يس : ٥٠ .

(٢) الصف : ١٤ .

(٣) الروم : ٤٤ .

(٤) الأعراف : ١٨٢ .

١٥١

وسئل ابن عباس عن صفة الذين صدقوا الله المخافة ، فقال : هم قوم قلوبهم من الخوف قرحة ، وأعينهم باكية ، ودموعهم على خدودهم جارية ، يقولون : كيف نفرح والموت من ورائنا ، والقبر موردنا ، والقيامة موعدنا ، وعلى الله عرضنا ، وشهودنا جوارحنا ، والصراط على جهنّم طريقنا ، وعلى الله حسابنا .

فسبحان الله وتعالى ، فإنّا نعوذ به من ألسن واصفة ، وأعمال مخالفة مع قلوب عارفة ، فإنّ العمل ثمرة العلم ، والخشية والخوف ثمرة العمل ، والرجاء ثمرة اليقين ، ومَن اشتاق إلى الجنّة اجتهد في أسباب الوصول إليها ، ومَن حذر النار تباعد ممّا يدني إليها ، ومَن أحبّ لقاء الله استعدّ للقائه .

وروي أنّ الله تعالى يقول في بعض كتبه :يا ابن آدم أنا حيٌّ لا أموت ، أطعني فيما أمرتك أجعلك حيّاً لا تموت ، يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون ، أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون (١) .

ولذلك قال الله تعالى في كتابه العزيز :( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلاً من غفور رحيم ) (٢) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ثلاث مهلكات وثلاث منجيات ، فأمّا المهلكات : فشحٌّ مطاع ، وهوىً متّبع ، وإعجاب المرء بنفسه ، وأمّا المنجيات : فخشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الغنى والفقر ، والعدل في الرضا والغضب (٣) .

وقال الحسنعليه‌السلام :لقد أصحبت (٤) أقواماً كأنّهم كانوا ينظرون إلى الجنّة ونعيمها ، والنار وجحيمها ، يحسبهم الجاهل مرضى وما بهم من مرض ، أو قد خولطوا وإنّما خالطهم أمر عظيم ، خوف الله ومهابته في قلوبهم .

____________

(١) عنه مستدرك الوسائل ١١ : ٢٥٨ ح١٢٩٢٨ .

(٢) فصلت : ٣١ـ٣٢ .

(٣) الخصال : ٨٤ ح١١ باب٣ ، عنه البحار ٧٠ : ٦ ح٢ .

(٤) في ( ألف ) و ( ج ) : أصبحت .

١٥٢

كانوا يقولون ليس لنا في الدنيا من حاجة ، ليس لها خُلقنا ولا بالسعي لها أُمرنا ، أنفقوا أموالهم ، وبذلوا دماءهم ، اشتروا بذلك رضى خالقهم ، علموا أنّ الله اشترى منهم أموالهم وأنفسهم بالجنّة فباعوه ، ربحت تجارتهم ، وعظمت سعادتهم ، أفلحوا وأنجحوا ، فاقتفوا آثارهم رحمكم الله ، واقتدوا بهم فإنّ الله تعالى وصف لنبيّه صفة آبائه إبراهيم وإسماعيل وذرّيتهما ، وقال : ( فبهداهم اقتده ) (١) .

واعلموا عباد الله أنّكم مأخوذون بالإقتداء بهم والإتباع لهم ، فجدّوا واجتهدوا واحذروا أن تكونوا أعواناً للظالم ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : مَن مشى (٢) مع ظالم ليعينه على ظلمه فقد خرج من ربقة الإسلام ، ومَن حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد حادّ الله ورسوله ، ومَن أعان ظالماً ليبطل حقّاً لمسلم فقد برئ من ذمّة الإسلام ومن ذمّة الله ومن ذمّة رسوله .

ومَن دعا لظالم بالبقاء فقد أحبّ أن يعصى الله ، ومَن ظُلم بحضرته مؤمن أو اغتيب وكان قادراً على نصره ولم ينصره فقد باء بغضب من الله ورسوله ، ومَن نصره فقد استوجب الجنّة من الله تعالى .

وإنّ الله أوحى إلى داودعليه‌السلام :قل لفلان الجبّار : إنّي لم أبعثك لتجمع الدنيا على الدنيا ، ولكن لترد عنّي دعوة المظلوم وتنصره ، فإنّي آليت على نفسي أن أنصره وأنتصر له ممّن ظُلم بحضرته ولم ينصره (٣) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :مَن آذى مؤمناً ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه : آيساً من رحمة الله ، وكان كمَن هدم الكعبة والبيت المقدس ، وقتل عشرة آلاف من الملائكة .

____________

(١) الأنعام : ٩٠ .

(٢) في ( ج ) : مضى .

(٣) عنه البحار ١٤ : ٤٠ ح٢٤ .

١٥٣

وقال رفاعة بن أعين : قال لي الصادقعليه‌السلام :ألا أخبرك بأشد الناس عذاباً يوم القيامة ؟ قلت : بلى يا مولاي ، قال : أشد الناس عذاباً يوم القيامة مَن أعان على مؤمن بشطر كلمة ، ثم قال : ألا أخبرك بأشد من ذلك ؟ فقلت : بلى يا سيّدي ، فقال : مَن أعاب على شيء من قوله أو فعله .

ثم قال :اُدن منّي أزدك أحرفاً أُخر ، ما آمن بالله ولا برسوله ولا بولايتنا أهل البيت من أتاه المؤمن في حاجة لم يضحك في وجهه ، فإن كان عنده قضاها له ، وإن لم تكن عنده تكلّفها له حتّى يقضيها له ، فإن لم يكن كذلك فلا ولاية بيننا وبينه ولو علم الناس ما للمؤمن عند الله لخضعت له الرقاب ، وإنّ الله تعالى اشتق للمؤمن اسماً من أسمائه ، فالله تعالى هو المؤمن سبحانه وسمّى عبده مؤمناً تشريفاً له وتكريماً ، وأنّه يوم القيامة يؤمن على الله تعالى فيجيز إيمانه (١) .

وقال الله تعالى :ليأذن بحرب منّي مَن آذى مؤمناً وأخافه .

وكان عيسىعليه‌السلام يقول :يا معشر الحواريين تحبّبوا إلى الله ببغض أهل المعاصي ، وتقرّبوا إلى الله بالبعد عنهم ، والتمسوا رضاه في غضبهم ، وإذا جلستم فجالسوا مَن يزيد في عملكم منطقه ، ويذكركم الله رؤيته ، ويرغبكم في الآخرة عمله (٢) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لأبي ذر :ألزم قلبك الفكر ، ولسانك الذكر ، وجسدك العبادة ، وعينيك البكاء من خشية الله ، ولا تهتم برزق غد ، والزم المساجد فإنّ عمّارها هم أهل الله ، وخاصّته قرّاء كتابه والعاملون به .

وقالعليه‌السلام :المروءة ست ، ثلاث في السفر وثلاث في الحضر : فالذي في الحضر تلاوة القرآن ، وعمارة المساجد ، واتخاذ الإخوان في الله ، وأمّا الذي في

____________

(١) البحار ٧٥ : ١٧٦ ح١٢ باختلاف .

(٢) مجموعة ورام ٢ : ٢٣٥ ، عنه البحار ١٤ : ٢٣٠ ح٦٥ باختصار .

١٥٤

السفر : بذل الزاد ، وحسن الخلق ، والمعاشرة بالمعروف (١) .

وكان الحسنعليه‌السلام يقول :يا ابن آدم مَن مثلك وقد خلّى ربّك بينه وبينك ، متى شئت أن تدخل عليه توضّأت وقمت بين يديه ، ولم يجعل بينك وبينه حجّاباً ولا بوّاباً ، تشكو إليه همومك وفاقتك ، وتطلب منه حوائجك ، وتستعينه على أمورك ، وكان يقول :أهل المسجد زوّار الله ، وحق على المزور التحفة لزائره .

وروي : إنّ المتنخّم في المسجد يجد بها خزياً في وجهه يوم القيامة .

وكان الناس في المساجد ثلاثة أصناف : صنف في الصلاة ، وصنف في تلاوة القرآن ، وصنف في تعليم العلوم ، فأصبحوا صنف في البيع والشراء ، وصنف في غيبة الناس ، وصنف في الخصومات وأقوال الباطل .

وقالعليه‌السلام :ليعلم الذي يتنخّم في القبلة أنّه يُبعث وهي في وجهه .

وقال : يقول الله تعالى :المصلّي يناجيني ، والمنفق يقرضني [ في الغنى ] (٢) ، والصائم يتقرّب إليّ .

وقال :إنّ الرجلين يكونان في صلاة واحدة وبينهما مثل ما بين السماء والأرض من فضل الثواب .

____________

(١) الخصال : ٣٢٤ ح١١ باب ٦ ، عنه البحار ٧٦ : ٣١١ ح٢ .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

١٥٥

الباب العشرون : في قراءة القرآن المجيد

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إن هذه القلوب لتصدئ كما يصدئ الحديد ، وأنّ جلاءها قراءة القرآن (١) .

وقال ابن عباس : قارئ القرآن التابع له لا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة .

وقال : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ، وبنهاره إذا الناس غافلون ، وببكائه إذا الناس ضاحكون ، وبورعه إذا الناس يطمعون ، وبخشوعه إذا الناس يمزحون ، وبحزنه إذا الناس يفرحون ، وبصمته إذا الناس يخوضون .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :القرآن على خمسة أوجه ، حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال ، فاعملوا بالحلال ، واجتنبوا الحرام ، واتبعوا المحكم ، وآمنوا بالمتشابه ، واعتبروا بالأمثال ، وما آمن بالقرآن مَن استحلّ محارمه ، وشرّ الناس

____________

(١) كنز العمّال ١ : ٥٤٥ ح٢٤٤١ .

١٥٦

مَن يقرأ القرآن ولا يرعوي عن شيء به .

وقال جعفر بن محمدعليهما‌السلام في قوله تعالى :( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته ) (١) قال : يرتلون آياته ، ويتفقّهون فيه ، ويعملون بأحكامه ، ويرجون وعده ، ويخافون وعيده ، ويعتبرون بقصصه ، ويأتمرون بأوامره ، ويتناهون عن نواهيه .

ما هو والله حفظ آياته ، ودرس حروفه ، وتلاوة سوره ، ودرس أعشاره وأخماسه ، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده ، وانّما هو تدبّر آياته ، والعمل بأحكامه ، قال الله تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ) (٢) .

واعلموا رحمكم الله أنّ سبيل الله سبيل واحدة وجماعها الهدى ، ومصير العامل بها الجنّة والمخالف لها النار ، وإنّما الإيمان ليس بالتمنّي ولكن ما ثبت بالقلب ، وعملت به الجوارح ، وصدّقته الأعمال الصالحة ، واليوم فقد ظهر الجفاء ، وقلّ الوفاء ، وتركت السنّة ، وظهرت البدعة ، وتواخا الناس على الفجور ، وذهب منهم الحياء ، وزالت المعرفة ، وبقيت الجهالة ، ما ترى إلاّ مترفاً صاحب دنيا ، لها يرضى ولها يغضب وعليها يقاتل ، ذهب الصالحون وبقيت تفالة كتفالة الشعير وحثالة التمر .

وقال الحسنعليه‌السلام :ما بقي في الدنيا بقيّة غير هذا القرآن ، فاتخذوه إماماً يدلّكم على هداكم ، وإنّ أحق الناس بالقرآن مَن عمل به وإن لم يحفظه ، وأبعدهم منه مَن لم يعمل به وإن كان يقرأه .

وقال :مَن قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ .

وقال :إنّ هذا القرآن يجيء يوم القيامة قائداً وسائقاً ، يقود قوماً إلى الجنّة ، أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه وآمنوا بمتشابهه ، ويسوق قوماً إلى النار ، ضيّعوا

____________

(١) البقرة : ١٢١ .

(٢) ص : ٢٩ .

١٥٧

حدوده وأحكامه واستحلّوا محارمه .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :رتلوا القرآن ولا تنثروه نثراً ، ولا تهذوه هذّ الشعر (١) ، قفوا عند عجائبه وحرّكوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة .

وخطبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال :لا خير في العيش إلاّ لعالم ناطق أو مستمع واع ، أيّها الناس إنّكم في زمن هدنة وإنّ السير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار كيف يبليان كل جديد ، ويقرّبان كل بعيد ، ويأتيان بكل موعود .

فقال له المقداد : يا نبي الله وما الهدنة ؟ فقال :دار بلاء وانقطاع ، فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن ، فإنّه شافع مشفّع وشاهد مصدّق ، مَن جعله أمامه قاده إلى الجنّة ، ومَن جعله خلفه قاده (٢) إلى النار ، وهو أوضح دليل إلى خير سبيل ، ظاهره حكم وباطنه علم ، لا تحصى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ، هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم ، مَن قال به صدق ، ومَن حكم به عدل ، ومَن عمل به فاز ، فإنّ المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة طعمها طيّب وريحها طيّب ، وإنّ الكافر كالحنظلة طعمها مرّ ورائحتها كريهة (٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ألا أدلّكم على أكسل الناس وأبخل الناس وأسرق الناس وأجفى الناس وأعجز الناس ؟ فقالوا : بلى يا رسول الله .

فقال :أكسل الناس عبد صحيح فارغ لا يذكر الله بشفة ولا لسان ، وأبخل الناس رجل اجتاز على مسلم فلم يسلّم عليه ، وأمّا أسرق الناس فرجل يسرق من صلاته ، تلفّ كما يلفّ الثوب الخلق فيضرب به وجهه (٤) ، وأجفى الناس رجل ذكرت بين يديه فلم يصلّ عليّ ، وأعجز الناس مَن عجز عن الدعاء (٥) .

____________

(١) تهدروه هدر الشعر ، (خل) .

(٢) في ( ج ) : ساقه .

(٣) أورده المصنف في أعلام الدين : ٣٣٣ ، عنه البحار ٧٧ : ١٧٧ .

(٤) في ( ب ) : وجه صاحبها .

(٥) راجع البحار ٨٤ : ٢٥٧ ح٥٥ ، عن عدة الداعي .

١٥٨

الباب الحادي والعشرون: يتضمّن خطبة بليغة على سورة

قال : أيّها الناس تدبّروا القرآن المجيد ، فقد دلّكم على الأمر الرشيد ، وسلّموا لله أمره فإنّه فعّال لما يُريد ، واحذروا يوم الوعيد ، واعملوا بطاعته فهذا شأن العبيد ، واحذروا غضبه فكم قصم من جبّار عنيد ،( ق والقرآن المجيد ) (١) .

أين مَن بنى وشاد وطول ، وتأمّر على الناس وساد في الأوّل ، وظنّ جهالة منه وجرأة أنّه لا يتحوّل ، عاد الزمان عليه سالباً ما خُوّل ، فسقوا إذ فسقوا كأساً على هلاكهم عوّل ،( أفعيينا بالخلق الأوّل بل هم في لبس من خلق جديد ) .

فيا مَن أنذره يومه وأمسه ، وحادثه بالعبر قمره وشمسه ، واستلب منه ولده وأخوه وعرسه ، وهو يسعى في الخطايا مستتر(٢) وقد دنا حبسه ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) .

أما علمت أنّك مسؤول عن الزمان ، مشهود عليك يوم تنطق عليك

____________

(١) الآيات الواردة في هذا الباب كلّها من سورة ( ق ) .

(٢) في ( ج ) : مشمّراً .

١٥٩

الأركان ، محفوظ عليك ما عملت في زمان الإمكان ،( إذ يتلقّى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد ) .

وكأنّك بالموت وقد اختطفك اختطاف البرق ، ولم تقدر على دفعه بملك الغرب والشرق ، وندمت على تفريطك بعد اتساع الخرق ، وتأسفت على ترك الأولى والأخرى أحق ،( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) .

ثم ترحّلت من القصور إلى القبور ، وبقيت وحيداً على ممرّ الدهور كالأسير المحصور ،( ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ) ، فحينئذ أعاد الأجسام من صنعها ، وألّف أشتاتها بقدرته ، وجمعها وناداها بنفخة الصور فأسمعها ،( وجآءت كل نفس معها سائق وشهيد ) .

فهرب منك الأخ وتنسى أخاك ، ويعرض عنك الصديق ويرفضك ولاءك(١) ، ويتجافاك صاحبك ويجحد الآءك ، وتلقى من الأهوال كلّما أعجزك وساءك ، وتنسى أولادك وتنسى نساءك ،( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) .

وتجري دموع الأسف وابلاً ورذاذاً ، وتسقط الأكباد من الحسرات أفلاذاً ، ولهب لهيب النار إلى الكفّار فجعلهم جذاذاً ، ولا يجد العاصي من النار لنفسه ملجأً ولا معاذاً ،( وقال قرينه هذا ما لديّ عتيد ) .

يوم تقوم الزبانية إلى الكفّار ، ويبادر مَن يسوقهم سوقاً عنيفاً والدموع تتحادر ، وتثب النار [ إلى الكفار ](٢) كوثوب الليث إذا استاخر(٣) ، فيذلّ زفيرها كل مَن عزّ وفاخر ،( الذي جعل مع الله إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد ) .

____________

(١) في ( ج ) : يرفض ولاءك .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

(٣) في ( ج ) : شاخر .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

فريضتهما الثانية الربع للزوج والسدس للام كاملين، وأعطي الباقي للبنتين بالسواء، ولو اجتمع الاختان مع هؤلاء لم يكن لهما شئ أصلا، لان مراتب الإرث بالنسب عند أئمة أهل البيت وأوليائهم ثلاث " المرتبة الأولى ": الآباء والأمهات دون آبائهم وأمهاتهم، والأبناء والبنات على ما هو مفصل في محله، " المرتبة الثانية ": الإخوة والأخوات والأجداد والجدات على ما هو مبين في مظانه من كتب الفقه والحديث. " المرتبة الثالثة " الأعمام والعمات والأخوال والخالات على ما هو مفصل في فقهنا وحديثنا فلا يرث أحد من المرتبة التالية مع وجود أحد من سابقتها( وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّه ) (٣٧١) .

هذا مذهب الأئمة من العترة التي جعلها الله ورسوله بمنزلة الكتب إلى يوم الحساب، وعليه إجماع الإمامية. فالاختان من أهل المرتبة الثانية كما بيناه فلا ترثان مع وجود الأم. والله تعالى أعلم(٣٧٢) .

[ المورد - (٣٠) -: ميراث الجد مع الإخوة ]

أخرج البيهقي في سننه وفي شعب الإيمان كليهما(١) ان عمر سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم عن ميراث الجد مع الإخوة فقال له: ما سؤالك عن هذا يا عمر ؟ اني أظنك تموت قبل أن تعلمه، قال راوي هذا الحديث - سعيد بن المسيب - فمات عمر قبل أن يعلمه(٣٧٣) .

____________________

(٣٧١) سورة الأنفال: ٧٥.

(٣٧٢) جواهر الكلام ج ٣٩ / ١١١ - ١٩٥، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج ٨ / ٢٢ - ٢٤.

(١) وأخرجه الشيخ في فرائضه. ونقله المتقى الهندي في ص ١٥ من ج ٦ من كنز العمال (منه قدس).

(٣٧٣) الغدير للأميني ج ٦ / ١١٦ (*).

٢٨١

قلت: وقد اضطرب في هذه المسألة أيام خلافته حتى قضى فيها - فيما قيل عنه - بسبعين حكما.

قال عبيدة السلماني(١) : لقد حفظت لعمر بن الخطاب في الجد مائة قضية مختلفة(٣٧٤) .

وعن عمر قال(٢) : إني قضيت في الجد قضيات لم آل فيها عن الحق. ورجع أخيرا في هذه المعضلة إلى زيد بن ثابت(٣٧٥) . قال طارق بن شهاب الزهري(٣) : كان عمر بن الخطاب قضى في ميراث الجد مع الإخوة قضايا مختلفة، ثم أنه جمع الصحابة وأخذ كتفا ليكتب فيه وهم يرون أنه يجعله أبا فخرجت حية فتفرقوا فقال: لو أراد الله تعالى ان يمضيه لامضاه ثم أنه أتى إلى منزل زيد بن ثابت فقال له: جئتك في أمر الجد وأريد أن أجعله أبا، فقال زيد: لا أوافقك على ان تجعله أبا فخرج عمر مغضبا ثم أرسل إليه في وقت آخر فكتب زيد مذهبه فيه في قطعة قتب، فلما أتى عمر كتاب زيد خطب الناس ثم قرأ قطعة القتب عليهم (ثم قال): ان زيدا قد قال: في الجد قولا قد امضيته(٣٧٦) .

____________________

(١) فيما أخرجه عنه ابن أبى شيبة والبيهقي في سننهما وابن سعد في طبقاته ونقله صاحب كنز العمال في الفرائض ص ١٥ من جزئه السادس (منه قدس).

(٣٧٤) سنن البيهقي ج ٦ / ٢٤٥، الجامع لابن أبى شيبة، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ٣٣٦، الغدير للأميني ج ٦ / ١١٦ و ١١٧.

(٢) فيما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان كما في ص ١٥ من ج ٦ من كنز العمال (منه قدس).

(٣٧٥) الغدير للأميني ج ٦ / ١١٧.

(٣) فيما نقله الدميري في تتمة مادة الحية من حياة الحيوان. ومن أراد الوقوف على ارتباك عمر في هذه القضية فعليه بالوقوف على ما حولها من صحاح السنة ومسانيدها وحسبك ما في الفرائض من كنز العمال ومن مستدرك الحاكم (منه قدس).

(٣٧٦) حياة الحيوان للدميري. (*)

٢٨٢

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٢٦٤: -

[ المورد - (٣١) -: الفريضة المشتركة وتعرف بالحمارية ]

مجمل هذه الفريضة ان امرأة ماتت عن زوج وأم، وأخوين لامها دون أبيها وأخوين آخرين لامها وأبيها معا، وذلك على عهد الخليفة الثاني فرفعت إليه هذه القضية مرتين، فقضى في المرة الأولى بإعطاء زوجها فرضه وهو النصف وإعطاء أمها فرضها وهو السدس، وإعطاء أخويها لامها خاصة الثلث لكل منهما السدس فتم المال، واسقط أخويها الشقيقين.

وفي المرة الثانية أراد أن يحكم بذلك أيضا فقال له أحد الشقيقين: هب ان أبانا كان حمارا فأشركنا في قرابة أمنا، فأشرك بينهم بتوزيع الثلث على الإخوة الأربعة بالسواء، فقال له رجل: انك لم تشركهما عام كذا، فقال عمر: تلك على ما قضينا يومئذ، وهذه على ما قضينا الآن(٣٧٧) .

وتعرف هذه المسألة بالفريضة الحمارية ؟ لقوله: هب أن أبانا كان حمارا

____________________

(٣٧٧) أخرجه البيهقي وابن أبى شيبة في سننهما، وعبد الرزاق في جامعه كما في أول الصفحة الثانية من فرائض كنز العمال وهو الحديث ١١٠ من أحاديث الكنز في ص ٧ من جزئه السادس، وذكر في هذه القضية الفاضل الشرقاوي في حاشيته على التحرير للشيخ زكريا الأنصاري، ونقل صاحب مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: ان عمر كان أولا يقول بعدم التشريك ثم رجع. قال: وسبب رجوعه انه سئل عن هذه المسألة فأجاب كما هو مذهبه فقام واحد من الأولاد لأب وأم وقال: يا أمير المؤمنين لئن سلمنا أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة فأطرق رأسه مليا وقال: صدقت لأنكم بنو أم واحدة فشركهم في الثلث. أه‍، وهذه الواقعة نقلها أحمد أمين بهذه الكيفية على سبيل الاختصار في ص ٢٨٥ من الجزء المختص بالحياة العقلية وهو الجزء الأول من فجر الإسلام (منه قدس). راجع: سنن البيهقي ج ٦ / ٢٥٥ (*).

٢٨٣

وربما سميت بالحجرية واليمية، إذ روى ان بعضهم قال: هب أن أبانا كان حجرا ملقى في اليم، وقد تسمى العمرية لاختلاف قولي عمر فيها، ويقال لها المشتركة(١) وهي من المسائل المعروفة عند فقهاء المذاهب الأربعة، وهم مختلفون فيها فأبو حنيفة وصاحباه، وأحمد بن حنبل وزفر، وابن أبي ليلى، يرون حرمان الأخوين الشقيقين على ما قضى به عمر أولا، بخلاف مالك والشافعي فانهما يشركان الشقيقين مع الأخوين لام في الثلث(٢) على ما قضى به خيرا(٣٧٨)

أما أئمة أهل البيت وشيعتهم الإمامية فانهم كما بيناه آنفا يجعلون الورثة بالنسب ثلاث طبقات مرتبة لا يرث واحد من الطبقة اللاحقة مع وجود وارث واحد من الطبقة السابقة مطلقا، والأم عندهم من الطبقة الأولى بخلاف الإخوة والأخوات مطلقا فانهم من الطبقة الثانية كما هو مفصل في فقههم، وعليه فالحكم في هذه المسألة عندهم أن يأخذ الزوج فرضه وهو النصف، والباقي للام فرضا وردا، وليس لواحد من الإخوة مطلقا مع وجودها شئ(٣٧٩) .

____________________

(١) وبهذه المناسبة ذكرها الواسطي في تاج العروس في مادة شرك تجدها مفصلة (منه قدس).

(٢) كما قال بعضهم :

وان تجد زوجا وأما ورثا

وإخوة للام حازوا الثلثا

وإخوة أيضا لام وأب

واستغرقوا المال بفرض النصب

فاجعلهم كلهم لام

واجعل أباهم حجرا في اليم

واقسم على الإخوة ثلث التركة

فهذه المسألة (المشتركة)

(منه قدس)

(٣٧٨) الفقه على المذاهب الخمسة ص ٥٣٩، المغنى لابن قدامة ج ٦ / ١٨٠ ط ٣.

(٣٧٩) جواهر الكلام ج ٣٩ / ١١٢، تحرير الوسيلة للإمام الخميني ج ٢ / ٣٧٨ وما بعدها، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج ٨ / ٩٤ (*).

٢٨٤

[ المورد - (٣٢) -: ان نصيب الورثة (مما ترك الوالدان والأقربون) مطلق من حيث العروبة وغيرها ]

قال الله عز من قائل:( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) (١) وقال سبحانه وتعالى:( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (٢) وآيات الفرائض والمواريث كلها على هذا النسق في اطلاقها وهي في سورة النساء فلتراجع، ومثلها السنن المأثورة في هذا الموضوع، وعلى ذلك إجماع الأمة بأسرها نصا وفتوى.

قال الإمام أبو عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام : " الإسلام شهادة ان لا اله الا الله والتصديق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح والمواريث "(٣٨٠) .

وقال الإمام أبو جعفر محمد الباقر في صحيح حمران من كلام له: " والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرق الإسلامية كلها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة وصوم الشهر وحج البيت، فخرجوا بذلك عن الكفر وأضيفوا إلى الإيمان "(٣٨١) .

____________________

(١) الآية ٦ من سورة النساء.

(٢) الآية ١٠ من سورة النساء.

(٣٨٠) الإرث والعروبة: راجع: الكافي ك الإيمان والكفر ضمن مرآة العقول ج ٧ / ١٥١ ط جديد، صحيح الكافي ج ١ / ٦٩ ط بيروت.

(٣٨١) جامع أحاديث الشيعة ج ١ / ٤٦٨ ب ٢٠ ح ٢٤ الكافي ضمن مرآة العقول ج ٧ / ١٥٥، الغدير ج ٦ / ١٨٧ (*).

٢٨٥

لكن حدث مالك في الموطأ عن الثقة عنده انه سمع سعيد بن المسيب يقول: أبى عمر ابن الخطاب ان يورث احدا من الأعاجم(١) إلا أحدا ولد في العرب، قال مالك: وان جاءت امرأة حامل من ارض العدو فوضعته في ارض العرب فهو ولدها يرثها ان ماتت وترثه ان مات ميراثها في كتاب الله انتهى بعين لفظه(٢) .

[ المورد - (٣٣) - ارث الخال لابن اخته: ]

أخرج سعيد بن منصور في سننه: أن رجلا عرف اختا له سبيت له في الجاهلية فوجدها بعد ذلك ومعها ابن لها لا يدري من أبوه، فاشتراهما ثم اعتقهما، فأصاب الغلام مالا ثم مات، فأتوا ابن مسعود فذكروا له ذلك. فقال: أئت عمر فسله ثم ارجع إلي فأخبرني بما يقول لك، فأتى عمر فذكر ذلك له فقال: ما أراك عصبته ولا بذي فريضة ولم يورثه، فرجع إلى ابن مسعود فأخبره، فانطلق ابن مسعود معه حتى دخل على عمر فقال له كيف أفتيت هذا الرجل ؟. قال: لم أره عصبة ولا بذي فريضة ولم أر وجها لتوريثه، فما ترى أنت يا عبد الله قال: أراه ذا رحم (لكونه خاله) وولي نعمة - لكونه معتقا - وأرى أن يورث به، فأبطل عمر حكمه الأول وورثه به(٣٨٢) .

نقل هذه الواقعة صاحب كنز العمال في كتاب الفرائض ص ٨ من الجزء السادس من كنزه، وانما تصح فتوى ابن مسعود إذا كانت أم الغلام متوفاة قبل ولدها.

____________________

(١) لعل اباء عمر عن توريث أولئك الأعاجم مسبب عن عدم ثبوت كونهم من ورثته شرعا، أما لكون ميتهم مسلما وهم كفار أو لكونهم لم يثبت لديه انهم من أرحامه الوارثين له والله تعالى أعلم (منه قدس).

(٢) فراجعه في كتاب الفرائض ص ١١ من ج ٢ قبل الكلام في ميراث من جهل أمره بالقتل (منه قدس).

(٣٨٢) الفقه على المذاهب الخمسة ص ٥٥٤ (*).

٢٨٦

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٢٦٨: -

[ المورد - (٣٤) -: عدة الحامل يتوفى عنها زوجها ]

ذكر البيهقي في شعب الإيمان ان امرأة استفتت عمر فقالت له: وضعت حملي بعد وفاة زوجي قبل انقضاء العدة، فأفتاها بوجوب التربص إلى أبعد الأجلين، فعارضه أبي بن كعب بمحضر من المرأة، وروى له: ان عدتها ان تضع حملها، وأباح لها ان تتزوج قبل الأربعة أشهر والعشر فلم يقل عمر لها سوى: إني أسمع ما تسمعين(٣٨٣) وعدل عن فتواه متوقفا، لكنه بعد ذلك وافق أبي بن كعب فقال، بأنها لو وضعت ذا بطنها وزوجها على السرير لم يدفن حلت للأزواج(١) وعلى هذا المنهاج سلك أهل المذاهب الأربعة إلى هذه الأيام(٣٨٤) .

لكنا نحن الإمامية وجدنا في القرآن الحكيم آيتين تتعارضان في عدة المتوفى عنها زوجها وهي حبلى، وهما قوله عز من قائل،( وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ

____________________

(٣٨٣) وهذا الحديث هو الحديث ٣٣٧٦ في ص ١٦٦ من ج ٥ من كنز العمال فراجع (منه قدس). عدة الحامل يتوفى عنها زوجها: كنز العمال.

(١) هذه الفتوى أخرجها عنه بالإسناد إليه كل من البيهقي وابن أبى شيبة في سننهما وهى الحديث ٣٣٧٩ في ص ١٦٦ من الجزء الخامس من الكنز (منه قدس).

(٣٨٤) الفقه على المذاهب الخمسة ص ٤٣٣ (*).

٢٨٧

أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (٣٨٥) وقوله تبارك وتعالى:( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) (٣٨٦) فالحبلى المتوفي عنها زوجها إذا أخذت بالآية الأولى حلت للأزواج بوضع حملها وان لم تمض المدة المضروبة في الآية الثانية، وان أخذت بالآية الثانية حلت للأزواج بمضي المدة المضروبة فيها وان لم تضع حملها، وعلى كلا الفرضين تكون مخالفة لإحدى الآيتين، ولا يمكنها الأخذ بكلتيهما معا إلا إذا تربصت إلى أبعد الأجلين، فإذا لا مندوحة لها عن ذلك، وهذا هو المروي عن أمير المؤمنين علي (ع) وابن عباس(١) وعليه الإمامية عملا بنصوص أئمتهمعليهم‌السلام (٣٨٧) .

[ فصل ]

اختلف المسلمون في ابتداء عدة الوفاة التي هي أربعة أشهر وعشر، فالذي عليه الجمهور ان ابتداءها انما هو موت زوجها سواء أعلمت بموته إذ مات أم لم تعلم لغيبته عنها أو لسبب آخر(٣٨٨) .

____________________

(٣٨٥) سورة الطلاق: ٤.

(٣٨٦) سورة البقرة: ٢٣٤.

(١) رواه عنهما الزمخشري في الكشاف فراجع منه تفسير قوله تعالى( وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) من سورة الطلاق وهذا مذهب أهل البيتعليهم‌السلام وهو الأحوط (منه قدس).

(٣٨٧) راجع: وسائل الشيعة ج ١٥ / ٤٥٥ ك الطلاق باب ٣١ من أبواب العدد جواهر الكلام ج ٣٢ / ٢٧٥، الروضة البهية للشهيد الثاني ج ٦ / ٦٢، الفقه على المذاهب الخمسة ص ٤٣٤، كشف اللثام ج ١ / ١٣٤ ك الطلاق.

(٣٨٨) الفقه على المذاهب الخمسة ص ٤٣٥ (*).

٢٨٨

اما ما نحن عليه من الرأي والعمل في هذه العدة، فانما ابتداؤها علم الزوجة بوفاة زوجها فلو تأخر علمها بذلك مهما تأخر فلا تتزوج حتى تمضي عليها - بعد علمها بالوفاة - أربعة أشهر وعشر، وحينئذ تحل للأزواج عملا بالتربص الذي هو صريح الآية، وأخذا بالحداد الواجب على المرأة بموت زوجها(٣٨٩) .

[ المورد - (٣٥) -: تزويج زوجة المفقود ]

قال الفاضل الدواليبي(١) : وكذلك اجتهد عمر في زوجة المفقود حيث حكم بأن لزوجة المفقود بعد ان يمضي أربع سنوات على فقدانه ان تتزوج بعد ان تقضي عدتها، وان لم يثبت موت زوجها، وذلك دفعا لضرر بقاء الزوجة معلقة مدى العمر.

(قال): وبذلك اخذ الإمام مالك خلافا لمذهب الحنفية والشافعية الذين قالوا ببقاء الزوجة في عصمة زوجها المفقود حتى تثبت وفاته أو تموت اقرانه لان الأصل النظري في ذلك اعتبار الاستمرار في حياته حتى يقوم دليل على انقطاعها.

(قال): غير ان رأى عمررضي‌الله‌عنه أجدر بالاعتبار لما فيه من دفع ضرر ظاهر عن زوجة المفقود، وفيه كما ترى اطلاق النكاح لها خلافا لظواهر نصوص الشريعة التي أخذ بها بقية الأئمة.

____________________

(٣٨٩) تحرير الوسيلة للإمام الخميني ج ٢ / ٣٤٠، جواهر الكلام ج ٣٢ / ٣٧٢، الروضة البهية للشهيد الثاني ج ٦ / ٨٢، الفقه على المذاهب الخمسة ص ٤٣٣.

(١) في ص ٢٤١ والتي بعدها من كتابه أصول الفقه (منه قدس) (*).

٢٨٩

(قال): وما هذا إلا تغيير للأحكام تبعا للأحوال، وذلك تقدير لظروف خاصة لابد من تقديرها دفعا للضرر والحرج، فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " لا ضرر ولا ضرار "(٣٩٠) وقال الله سبحانه وتعالى:( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٣٩١)

(قال): وليس ذلك في الحقيقة تعطيل للنصوص بل أعمال لها على ضوء المصلحة والظروف. انتهى بلفظه.

قلت: أما نحن الإمامية فان لدينا عن أئمة العترة الطاهرة. نصوصا تحكم على الأصل النظري في ذلك، لتصريحها بأن المفقود إذا جهل خبره، وكان لزوجته من ينفق عليها، وجب عليها التربص إلى أن يحضر، أو تثبت وفاته، أو ما يقوم مقامهما. وان لم يكن ثمة من ينفق عليها فلها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فان فعلت بحث الحاكم عن أمره أربع سنين من حين رفع أمرها إليه، في الجهة التي فقد فيها ان كانت معينة والا ففي الجهات الأربع، ثم يطلقها الحاكم نفسه، أو يأمر الولي.

والأحوط تقديم أمر الولي به فان امتنع طلق الحاكم لأنه مدلول الأخبار الصحيحة، وانما يصح هذا الطلاق بعد المدة، ورجوع الرسل أو ما في حكمه، وتعتد بعده عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، وتحل بعد العدة للزواج، فان جاء المفقود في العدة فهو أملك بها، وإلا فلا سبيل له عليها، سواء أوجدها قد تزوجت أم لا.

هذا مذهب الإمامية في المسألة تبعا لأئمتهمعليهم‌السلام (٣٩٢) .

____________________

(٣٩٠) قاعدة لا ضرر ولا ضرار: القواعد الفقيهية للبجنوردى ج ١ / ١٧٦، وقد أورد الشيخ الأنصاري هذا الحديث بطرق متعددة في رسالة خاصة طبعت ملحقا في آخر المكاسب له طبع إيران، القواعد الفقهية للشيخ ناصر مكارم الشيرازي ص ٢٢.

(٣٩١) سورة الحج: ٧٨.

(٣٩٢) تحرير الوسيلة للإمام الخميني ج ٢ / ٣٤٠، جواهر الكلام ج ٣٢ / ٢٨٨، الروضة البهية للشهيد الثاني ج ٦ / ٦٥، وسائل الشيعة ج ١٤ ك النكاح باب - ٤٤ - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة وج ١٥ / ٣٨٩ باب - ٢٣ - من أبواب أقسام الطلاق.

٢٩٠

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٢٧٢: -

[ المورد - (٣٦) -: بيع أمهات الأولاد ]

تصافق الجمهور أعني أهل المذاهب الأربعة من المسلمين على أن الذي حرم بيع أمهات الأولاد ونهى عنه انما هو عمر، وان بيعهن كان مباحا، على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعهد أبي بكر وفي شطر من خلافة عمر وعدوا ذلك في مناقبه(١) كما عدوا التراويح وأمثالها(٣٩٣) .

لكن الباحثين عن حقيقة هذا الأمر وجدوا في السنن الثابتة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما هو ظاهر في تحريم بيعهن، فعلموا ان عمر انما أخذ بتلك السنن وعمل على مقتضاها، وحسبك من علمه بها ما حدث به ابنه عبد الله انه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أم الولد لا تباع ولا توهب ولا تورث ولا توقف، يستمتع بها " أي مالكها " مدة حياته، فإذا مات عتقت بموته(٣٩٤) .

وحدث ابن عباس فقال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبره(٣٩٥) .

وهذان الحديثان أوردهما بعين لفظهما عن ابن عمر وابن عباس، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب أمهات الأولاد وهو في

____________________

(١) وحسبك في ذلك ما قاله خالد محمد خالد مما نقلناه عنه في مبحث الطلاق الثلاث على كتابنا هذا فراجع (منه قدس).

(٣٩٣) الكامل في التاريخ ج ٣ / ٣١، الطبقات لابن سعد ج ٣ / ٢٨١.

(٣٩٤) الخلاف للشيخ الطوسي.

(٣٩٥) الخلاف للشيخ الطوسي. وقريب منه في: الفتح الكبير ج ١ / ٢٦٢ (*).

٢٩١

آخر المجلد الثاني من كتاب الخلاف، وعلى مقتضى الظاهر منهما، ان منع عمر لم يكن عن رأي رآه، وانما كان منه عملا بحديث ابنه عبد الله وحديث ابن عباس ولعل هذا لا يخفى.

لكن الشيخ قد اضطرته نصوص الأئمة من أهل البيت في هذا الموضوع إلى تأويل الحديثين بحملهما على ما يقتضيه مذهبهمعليهم‌السلام كما سنتلوه عليك من كلامه.

واليك نصه: قال: إذا استولد الرجل أمة في ملكه ثبت لها حرمة الاستيلاد، ولا يجوز بيعها ما دامت حاملا، فإذا ولدت لم يزل الملك عنها ولم يجز بيعها مادام ولدها باقيا الا في ثمن رقبتها، فان مات ولدها جاز بيعها على كل حال، فان مات سيدها جعلت في نصيب ولدها وعتقت عليه، فان لم يخلف غيرها عتق منها نصيب ولدها واستسعت لباقي الورثة.

(قال) وبه قال علي عليه الصلاة والسلام، وابن الزبير، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وابن مسعود، والوليد ابن عقبة وسويد بن غفلة، وعمر بن عبد العزيز وابن سيرين، وعبد الملك بن يعلى من أهل الظاهر.

(قال): وقال داود: يجوز التصرف فيها على كل حال ولم يفصل.

(قال) وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك: لا يجوز بيعها ولا التصرف في رقبتها بوجه وتعتق عليه بوفاته.

(قال): دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فلا خلاف انه يجوز وطؤها بالملك فلو كان الملك قد زال لما جاز ذلك، وأيضا فلا خلاف انه يجوز عتقها، فلو كان زال الملك عنها لما جاز ذلك، وأيضا فالأصل كونها رقا فمن ادعى زوال ذلك وثبوت عتقها بعد وفاته فعليه الدلالة.

(قال): وما رواه ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: " أيما أمة ولدت من

٢٩٢

سيدها فهي حرة عن دبره " فمحمول على انه إذا مات سيدها فحصلت لولدها فانها تنعتق عليه.

(قال): وما رواه عبدالله بن عمر ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: " أم الولد لا تباع ولا توهب ولا تورث ولا توقف. يستمتع بها مدة حياته فإذا مات عتقت بموته ". فالمعنى فيه أن لا يجوز بيعها مادام ولدها حيا فإذا مات سيدها انعتقت على ما قلناه في الخبر الأول. هذا كلام الشيخ بنصه أعلى الله مقامه(٣٩٦) .

[ المورد - (٣٧) - وجوب التيمم للصلاة ونحوها مع فقد الماء. ]

حسبك من النصوص على ذلك قوله عز من قائل في سورة المائدة:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ) (٣٩٧)

وقوله سبحانه وتعالى في سورة النساء:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ

____________________

(٣٩٦) الخلاف للشيخ الطوسي ج. وراجع: جواهر الكلام ج ٢٢ / ٣٧٤، الروضة البهية في شرح اللمعة ج ٣ / ٢٥٦.

(٣٩٧) وجوب التيمم عند فقد الماء: سورة المائدة: ٦ (*).

٢٩٣

كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) (٣٩٨) .

والسنن المأثورة في ذلك صحاح متضافرة، والمسألة مما أجمعت الأمة عليه، لم ينقل فيها مخالفة(٣٩٩) إلا عن عمر بن الخطاب، فان المشهور عنه(١) سقوط الفريضة عمن فقد الماء حتى يجده(٤٠٠) .

وقد أخرج البخاري ومسلم في التيمم من صحيحيهما عن سعيد بن عبد الرحمن بن ابزي عن أبيه: ان رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء فقال: لا تصل - وكان عمار بن ياسر إذ ذاك حاضرا - فقال: عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : انما كان يكفيك ان تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك. فقال عمر: اتق الله يا عمار. قال: ان شئت لم احدث به(٢) !. فقال عمر نوليك ما توليت "

____________________

(٣٩٨) سورة النساء: ٤٣

(٣٩٩) صحيح البخاري ج ١ / ١٢٩، صحيح مسلم ك الطهارة باب التيمم ج ١ / ١٩١، مسند أحمد ج ٤ / ٤٣٤، سنن البيهقي ج ١ / ٢١٦ و ٢١٧ و ٢١٩ و ٢٢٠، تاريخ بغداد ج ٨ / ٣٧٧، الغدير ج ٦ / ٨٥ - ٩٢.

(١) نقل عنه هذه الشهرة عدة من الأعلام كالقسطلاني في مباحث التيمم ص ١٣١ من الجزء الثاني من ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري (منه قدس).

(٤٠٠) عمر وسقوط الفريضة عند عدم الماء: راجع: الغدير للأميني ج ٦ / ٨٤ و ٨٥، عمدة القاري للعيني ج ٢ / ١٧٢، فتح الباري ج ١ / ٣٥٢، صحيح مسلم ج ١ / ١٩٣.

(٢) انما قال ذلك خوفا بدليل قول عمر له. نوليك ما توليت تهديدا له (منه قدس) (*).

٢٩٤

انتهى واللفظ لمسلم(٤٠١) .

وقيل: مال إلى رأي عمر في هذه المسألة ابن مسعود، إذ أخرج البخاري وغيره من أصحاب الصحاح والسنن واللفظ للبخاري من طريق شقيق بن سلمة(١) قال: كنت عند عبدالله بن مسعود وأبي موسى الأشعري، فقال له أبو موسى يا أبا عبدالرحمن إذا أجنب المكلف فلم يجد ماء كيف يصنع ؟ قال عبدالله: لا يصلي حتى يجد الماء. فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان يكفيك ؟ قال: ألم تر عمر لم يقنع بذلك. فقال أبو موسى: دعنا من قول عمار فما تصنع بهذه الاية - وتلا عليه آية المائدة - قال: فما درى عبدالله ما يقول. (الحديث)(٤٠٢) .

قلت: انما كان ابن مسعود في كلامه هذا مع أبي موسى متقيا من عمر ومن صاحبه أبي موسى، لا ريب في ذلك والله تعالى أعلم.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٢٧٦: -

[ المورد - (٣٨) -: التطوع بركعتين بعد العصر ]

أخرج مسلم في صحيحه(٢) عن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت :

____________________

(٤٠١) صحيح مسلم ك الطهارة باب التيمم ج ١ / ١٩٣، صحيح البخاري ج ١ / ٨٧، الطرائف لابن طاوس ص ٤٦٤ عن الجمع بين الصحيحين، سنن أبى داود ج ١ / ٥٣، سنن ابن ماجة ج ١ / ٢٠٠، مسند أحمد ج ٤ / ٢٦٥، سنن النسائي ج ١ / ٥٩ و ٦١، سنن البيهقي ج ١ / ٢٠٩، الغدير ج ٦ / ٨٣.

(١) في ص ٥٠ من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).

(٤٠٢) ابن مسعود والتيمم: صحيح البخاري ج ١ / ١٢٨، صحيح مسلم ج ١ / ١١٠ وطبع العامرة ج ١ / ١٩٢، سنن أبى داود ج ١ / ٥٣، تيسير الوصول ج ٣ / ٩٧، سنن البيهقي ج ١ / ٢٢٦.

(٢) راجع باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي بعد العصر ص ٣٠٩ والتي بعدها من جزئه الأول تجد ثمة هذا الحديث والحديثين اللذين بعده (منه قدس) (*).

٢٩٥

ما ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ركعتين بعد العصر عندي قط(٤٠٣) .

وأخرج أيضا عن عبدالرحمن بن الاسود عن أبيه عن عائشة قالت: صلاتان ما تركهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتي قط سرا ولا علانية، ركعتان قبل الفجر وركعتان بعد العصر(٤٠٤) .

وأخرج أيضا عن الاسود ومسروق. قالا: نشهد على عائشة انها قالت: ما كان يومه الذي يكون عندي الا صلاهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتي تعني الركعتين بعد العصر. انتهى بلفظه(٤٠٥) .

لكن عمر بن الخطاب كان ينهى عنهما ويضرب من يقيمهما من المسلمين أخرج الإمام مالك في الموطأ(١) عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد: انه رأى عمر بن الخطاب يضرب المكندر(٢) في الصلاة بعد العصر.

وروى عبد الرزاق عن زيد بن خالد(٣) ان عمر رآه وهو خليفة ركع

____________________

(٤٠٣) التطوع عند العصر: صحيح مسلم ك الصلاة باب معرفة الركعتين اللتين بعد العصر ج ٢ / ٢١١.

(٤٠٤) صحيح مسلم ج ٢ / ٢١١، الغدير ج ٦ / ١٨٥.

(٤٠٥) صحيح مسلم ج ٢ / ٢١١.

(١) راجع من الموطأ آخر موارد النهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر. وراجع من شرح الموطأ للزرقاني آخر الجزء الأول منه (منه قدس).

(٢) المكندر هو ابن محمد بن المكندر القرشى التيمي المدني المتوفى سنة ثمانين للهجرة كما في شرح الموطأ للزرقاني. وتوفى أبوه محمد بن المكندر فيما نص عليه القيسرانى في كتابه الجمع بين رجال الصحيحين سنة ١٣٠ للهجرة أي بعد وفاة ابنه بخمسين سنة (منه قدس).

(٣) فيما نقله الزرقاني في آخر الجزء الأول من شرح الموطأ وغير واحد من الاثبات (منه قدس) (*).

٢٩٦

بعد العصر فضربه فذكر الحديث. وفيه فقال عمر: يا زيد لولا اني أخشى ان يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما(٤٠٦) . وروى عن تميم الدارى نحو ذلك وفيه: ولكني أخاف ان يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى الغروب حتى يمروا بالساعة(١) التي نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصلي فيها انتهى بلفظه(٤٠٧) .

[ المورد - (٣٩) -: تأخير مقام إبراهيم عن موضعه ]

مقام إبراهيمعليه‌السلام وهو الحجر الذي يصلي الحاج عنده بعد الطواف عملا بقوله تعالى:( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إبراهيم مُصَلًّى ) وكان إبراهيم وإسماعيلعليهما‌السلام - لما بنيا البيت وارتفع بناؤه - يقفان عليه لمناولة الحجر و الطين، وكان ملصقا بالكعبة أعزها الله تعالى، لكن العرب بعد إبراهيم وإسماعيل أخرجوه إلى مكانه اليوم، فلما بعث الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وفتح له ألصقه بالبيت، كما كان على عهد أبويه إبراهيم وإسماعيل، فلما ولي عمر أخره إلى موضعه

____________________

(٤٠٦) مجمع الزوائد ج ٢ / ٢٢٢ وحسن سنده، الغدير ج ٦ / ١٨٤.

(١) أراد بالساعة التي نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة فيها ساعة الغروب، والحديث في ذلك ثابت في الصحاح ولفظه عند الإمام مالك في الموطأ بالإسناد إلى ابن عمر مرفوعا لا تحروا طلوع الشمس ولا غروبها. (الحديث)

والحكمة فيه أن لا تشبه الأمة في عبادتها بالمجوس يعبدون الشمس عند طلوعها وعند الغروب وقد احتاط الخليفة فنهى عن الصلاة بعد العصر مطلقا غير مقتصر على وقت الغروب، فخالف بذلك من حيث يريد الطاعة كما ترى. وليته اكتفى بمجرد النهى ولم يضرب عباد الله وهم ماثلون بين يديه عزوجل محرمين في الصلاة (منه قدس).

(٤٠٧) الغدير ج ٦ / ١٨٣ (*).

٢٩٧

اليوم وكان على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر ملصقا بالبيت(٤٠٨) .

وفي السنة السابعة عشرة للهجرة وسع عمر المسجد الحرام بإضافة دور جماعة من حوله إليه، وكانوا أبوا بيعها فهدمها عليهم(١) ووضع أثمانها في بيت المال حتى أخذوها(٤٠٩) .

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٢٧٩: -

[ المورد - (٤٠) -: البكاء على الموتى ]

حزن الإنسان عند موت أحبته، وبكاؤه عليهم من لوازم العاطفة البشرية، وهما من مقتضيات الرحمة، ما لم يصحبهما شئ من منكرات الأقوال أو الأفعال. وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث عنه صحيح أخرجه الإمام أحمد عن ابن

____________________

(٤٠٨) كما نص عليه ابن سعد في ترجمة عمر من طبقاته في صفحة ٢٠٤ من جزئه الثالث، والسيوطي في أحوال عمر من كتابه - تاريخ الخلفاء - صفحة ٥٣ منه، وابن أبى الحديد في أحوال عمر صفحة ١١٣ من المجلد الثالث من شرح نهج البلاغة، والدميري في مادة الديك من كتابه حياة الحيوان، وأبو الفرج ابن الجوزي أول صفحة ٦٠ من كتابه - تاريخ عمر - (منه قدس). عمر زحزح مقام إبراهيم عن موضعه: الطبقات لابن سعد ج ٣ / ٢٨٤، تاريخ الخلفاء ص ١٣٧، روضة الكافي ص ٥٨ - ٦٣، جامع أحاديث الشيعة ج ١٠ / ٥٥ ب ٩ ح ٧ و ٨ و ٩ و ١٠، مقدمة مرآة العقول ج ٢ / ١٢٨.

(١) كما نص عليه ابن الأثير في حوادث تلك السنة من كامله، وغير واحد من أهل السير والأخبار (منه قدس).

(٤٠٩) الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ / ٣٧٦، تاريخ الخلفاء ص ١٣٧، روضة الكافي ص ٥٨، مقدمة مرآة العقول ج ٢ / ١٢٨، تاريخ الطبري في حوادث سنة ١٧ ه‍، الغدير ج ٦ / ٢٦٦ (*).

٢٩٨

عباس(١) مهما يكن من القلب والعين فمن الله والرحمة ومهما يكن من اليد واللسان فمن الشيطان(٤١٠) .

والسيرة القطعية بين المسلمين وغيرهم مستمرة على ذلك من غير نكير وأصالة الإباحة تقتضيه.

على ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه بكى في مقامات عديدة، وأقر غيره على البكاء في موارد، واستحسنه في موارد أخر، وربما دعا إليه(٤١١) .

____________________

(١) فيصلى‌الله‌عليه‌وآله ٣٣٥ من الجزء الأول من مسنده (منه قدس).

(٤١٠) البكاء على الميت: الغدير للأميني ج ٦ / ١٥٩، السنن الكبرى ج ٤ / ٧٠.

البكاء على الميت سنة طبيعية

١ - بكاء آدم على ابنه هابيل: وقال: ومالي لا أجود بسكب دمع * وهابيل تضمنه الضريح

راجع: العرائس للثعالبي ص ٦٤ ط بمبى، دعوة الحسينية ص ٧٥.

٢ - بكاء إبراهيم على إسماعيل: راجع: العرائس ص ١٣٠، دعوة الحسينية ص ٧٥.

٣ - بكاء إسماعيل: العرايس ص ١٣٠، دعوة الحسينية ص ٧٥.

٤ - بكاء يعقوب على يوسف: الآيات القرآنية في سورة يوسف، العرايس ص ١٥٥.

٥ - بكاء زكريا وزوجته على يحيى: راجع: دعوة الحسينية ص ٧٦.

(٤١١) ٦ - بكاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على جده عبدالمطلب: راجع: تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي في ذكر والد على بن أبى طالب، دعوة الحسينية ص ٤٨ =>

٢٩٩

..

____________________

=> بكاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على عمه أبى طالب: راجع الطبقات لابن سعد ج ١ / ١٢٣ ط بيروت، دعوة الحسينية ص ٤٨

بكاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليعليه‌السلام : عن ابن عباس: قال: خرجت أنا والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليرضي‌الله‌عنه في حيطان المدينة فمررنا بحديقة فقال عليرضي‌الله‌عنه : ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله ؟ فقال حديقتك في الجنة أحسن منها، ثم أومأ بيده إلى رأسه ولحيته ثم بكى حتى علا بكاه. قيل ما يبكيك ؟ قال: ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني".

وفى لفظ عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : ". فلما خلا له الطريق اعتقني وأجهش باكيا ! ! فقلت: يا رسول الله ما يبكيك ؟ قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك الا بعدى ! ! فقلت: في سلامة من ديني ؟ قال: في سلامة من دينك ".

وفى لفظ عن أنس ابن مالك: ". ثم وضع النبي رأسه على إحدى منكبي علي فبكى ! فقال له: ما يبكيك يا رسول الله ؟ صلى الله عليك. قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها حتى أفارق الدنيا. ".

المصادر: سيرتنا وسنتنا للأميني ص ٢٩، فرائد السمطين ج ١ / ١٥٢ ح ١١٤، المصنف لابن أبى شيبة باب فضائل عليعليه‌السلام ج ٦، كنز العمال ج ١٥ / ١٤٦، ترجمة الإمام على بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٣٢٧ ح ٨٣١، مجمع الزوائد ج ٩ / ١١٨، الفضائل لأحمد بن حنبل ح ٢٣١، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٣٩، تاريخ بغداد ج ١٢ / ٣٩٨، المناقب للخوارزمي ص ٢٦، دعوة الحسينية ص ٦٥، ينابيع المودة ص ٥٣ =>

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629