النص والاجتهاد

النص والاجتهاد9%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 165915 / تحميل: 7984
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

في البقيع كانت تأوي إليه للنياحة يدعى بيت الأحزان(٤٣٥)

وكان هذا البيت يزار في كل خلف من هذه الأمة كما تزار المشاهد المقدسة حتى هدم في هذه الأيام بأمر الملك عبد العزيز بن سعود الجندي لما استولى على الحجاز وهدم المقدسات في البقيع عملا بما يقتضيه مذهبه الوهابي وذلك سنة ١٣٤٤ للهجرة وكنا سنة ١٣٣٩ تشرفنا بزيارة هذا البيت (بيت الأحزان) إذ من الله علينا في تلك السنة بحج بيته وزيارة نبيه ومشاهد أهل بيته الطيبين الطاهرين في البقيععليهم‌السلام (٤٣٦) .

____________________

(٤٣٥) راجع: كشف الارتياب للسيد محسن الأمين ص ٥٥ و ٢٨٧ ط ٢، وسائل الشيعة ج ٢ / ٩٢٢ ك الطهارة ب ٨٧ من أبواب الدفن.

(٤٣٦) آل سعود يمحون الآثار الإسلامية في مكة والمدينة: فقد هدم آل سعود :

١ - البيت الذي ولد فيه النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بشعب الهواشم بمكة المكرمة.

٢ - هدموا بيت السيدة خديجة أم المؤمنين وأول امرأة آمنت بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والرسالة الإسلامية وبذلت كل أموالها في سبيل الدعوة الإلهية.

٣ - هدموا البيت الذي ولدت فيه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء.

٤ - هدم آل سعود بيت أبى بكر ويقع بمحلة المسفلة بمكة.

٥ - هدم آل سعود بيت حمزة بن عبدالمطلب عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أسد الله وأسد رسوله ويقع بيته في المسفلة بمكة.

٦ - هدم آل سعود بيت الأرقم وهو أول بيت تكونت فيه خلايا الثورة الإسلامية وكان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يجتمع فيه مع أصحابه سرا وهذا البيت يقع بجوار الصفا بمكة. أما الآن فقد شيد في مكانه قصر أعطى لتاجر الفتاوى السعودية الباطلة عبدالملك بن إبراهيم ليتاجر به وذريته ويفسدون.

٧ - هدم آل سعود قبور الشهداء الواقعة في المعلى بأعلى مكة وبعثروا رفاتها =>

٣٢١

.

____________________

=> ٨ - هدم آل سعود قبور الشهداء في بدر.

٩ - هدم آل سعود البيت الذي ولد فيه الحسن والحسينعليهما‌السلام في المدينة.

١٠ - سرق آل سعود الذهب الموجود في القبة الخضراء. في المدينة.

١١ - دمر آل سعود بقيع الغرقد الذي يرقد فيه الأئمة الأربعة من أهل البيت وهم الحسن بن على وزين العابدين والإمام الباقر والإمام الصادقعليهم‌السلام ، وزوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبناته وأولاده وجملة كبيرة من أصحابه.

١٢ - هدموا بيت الأحزان الذي بناه الإمام على سيدة النساء فاطمة الزهراء لتبكى على أبيها فيه.

١٣ - طموا المكان الذي ربضت فيه ناقة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عند قدومه إلى المدينة.

١٤ - مكتبات من أثمن المكتبات في العالم أحرقتها الهمجية السعودية بمكة والمدينة: فقد أحرق آل سعود " المكتبة العربية " الأثرية الإسلامية التاريخية العلمية التي كانت في مكة المكرمة وهى التي تعد من أثمن المكتبات في العالم إذ لا تقدر بالمال أبدا، ولا بمليارات العملات. لقد كان بهذه المكتبة (٠٠٠ و ٦٠) من الكتب النادرة الوجود الجامعة لمختلف المناهل العلمية والتاريخية.

وفيها (٠٠٠ و ٤٠) مخطوطة نادرة الوجود من مخطوطات " جاهلية " خطت كمعاهدات بين طغات قريش واليهود وتكشف الغدر اليهودي وعدم ارتباط اليهود بالدين والوطن من قديم الزمان وتكشف مؤامرات اليهود على - النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله - وفيها وثائق خطت قبل الثورة المحمدية بمئات السنين وفيها ما يعطى فكرة ممتازة عن تلك الحضارات العربية القديمة. وفى هذه المكتبة وغيرها من مكتبات المدينة بعض المخطوطات المحمدية التي كتبت بخط النبي محمد في أيام كفاحه السري وهناك ما هو بخط على بن أبى طالب وأبى بكر وعمر وخالد بن الوليد وطارق بن زياد وعدد من الصحابة، ومن هذه المخطوطات ما يسجل =>

٣٢٢

.

____________________

=> العديد من الخطط الحربية التي أرسلها خالد بن الوليد لعمر بن الخطاب والتي أرسلها - عمر - لخالد والتي يظهر بعضها بعض الخلاف الاجتهادي في وجهات النظر. ومن تلك المخطوطات ما هو مخطوط على جلود الغزلان وعلى فرش من الحجارة وألواح من عظام فخوذ الإبل وغيرها من الوسائل القابلة للكتابة كالألواح الخشبية والفخارية والطين المصهور بالأفران. والمكتبة العربية التاريخية في مكة المكرمة بالإضافة إلى كونها مكتبة نادرة فهي متحف أيضا يحتوى على مجموعة آثار ما قبل الإسلام وبعده، وأنواع من أسلحة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيها آخر الأصنام المعبودة التي حطمتها الثورة المحمدية، مثل اللات، والعزى، ومناة، وهبل. وغيرها

ويقول ناصر السعيد المختطف حاليا من قبل السلطات اليهودية السعودية: ويحدثنا أحد المشايخ المؤرخين المعاصرين (ونمتنع عن ذكر اسمه خشية عليه من جهنم آل سعود) فيقول: وكنت أزور هذه المكتبة مع والدي قبل الاحتلال السعودية وكان يرودها العديد من الدارسين، فتقدم بعضهم بشكوى للحسين بن على يطلبون منه " إحراق بعض المخطوطات النادرة لان فيها كفريات " فقال لهم: (أي الشريف حسين): " اننى معكم قد لا أو يد هذه الكفريات وبعض هذه المخطوطات هي ليست من حقي أو حقكم أو حق أي كائن من البشر إحراق التاريخ " !.

وقال ان في هذه المكتبة وثائق تكشف أصل آل سعود بأنهم من اليهود الذين أسلموا. وان فيها مخطوطات بأقلام مجموعة من الصحابة ومنهم عبدالله بن مسعود سجلوا فيها عددا من الآيات القرآنية الكريمة التي دار الصراع عليها وقال التجار انها " منسوخة " وقال الفقراء في اللجنة انها غير " منسوخة " من القرآن الكريم، وفى تلك المخطوطات اتهام واضح لعثمان بن عفان في محاولاته حذف آيات من القرآن الكريم ويرى عدم تسجيلها في المصحف الذي شكلت لجنة لتحقيقه الذي أمر بجمعه - في عهده - من أفواه وصدور الرواة من حفظة القرآن ومن السجلات الجلدية وغيرها =>

٣٢٣

.

____________________

=> ويتابع الثائر المقدام ناصر السعيد نقلا عن ذلك المؤرخ قائلا: وقال المؤرخ: ان من هذه الآيات التي رأى عثمان عدم إثباتها في القرآن واعتبارها آيات منسوخة تلك الآيات التي تقطع في اعطاء الفقراء حقوقهم ودعوتهم للقتال من أجلها، وكذلك مساواة النساء بالرجال ومساواة الناس أجمعين ودعوة المغلوبين على أمرهم لأخذ حقوقهم بقوة القتال، وان من تمتع بحقوق الناس فهو باغ وان الناس شركاء في الخير والشر والسراء والضراء، وان ملكية الأشياء والأرض مشاعة، وان الملوك بغاة. إلى غير ذلك

وقال ناصر السعيد نقلا عن ذلك المؤرخ: وقال: ان بعض هذه المخطوطات كانت بخط الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود وهو من أوائل الذين رافقوا النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن المسؤولين عن " لجنة " أو جماعة الأشراف التي تشكلت في عهد عثمان لجمع القرآن في كتاب موحد، وكان ابن مسعود ممن يعبرون عن رأى محمد وعلى والكادحين لكونه من رعاة الأغنام فشهر ابن مسعود سيفه بوجه " يمين " اللجنة وبحضور عثمان وقال: ما معناه والله لا أعيدن سيفي إلى غمده حتى تعيدون للقرآن آية - الكنز التي تأمر بحرق أصحاب الأموال بالنار -..( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) " انتهى كلامه.

راجعه في كتابه تاريخ آل سعود ج ١ / ١٥٨ - ١٦٠ ط بيروت. وكذلك راجع جملة من جرائمهم في كتاب: كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب ص ٥٥ و ١٨٧ و ٣٢٤ و ٨٦، أعيان الشيعة ج ٢ / ٧، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ١ / ٨١، آل سعود من أين إلى أين ص ٤٧، مذكرات مستر هنفر.

أقول: في سنة ١٣٨٩ ه‍ تشرفت بزيارة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته ورأيت جملة من الأماكن المقدسة والآثار القديمة والتي الآن أعفى أثرها ومن جملتها: أنى زرت قبر السيدة فاطمة بنت أسد أم الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام والتي ربت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد والدته وجده وكان يعبر عنها بامه قال السمهودي: " لما استقر بفاطمة وعلم بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال إذا توفيت فأعلموني، فلما توفيت خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر بقبرها فحفر =>

٣٢٤

.

____________________

=> في موضع المسجد الذي يقال له اليوم قبر فاطمة، ثم لحد لها لحدا، ولم يضرح لها ضريحا فلما فرغ منه نزل فاضطجع في اللحد وقرأ فيه القرآن ثم نزع قميصه فأمر ان تكفن فيه، ثم صلى عليها عند قبرها فكبر تسعا وقال: ما أعفى أحد من ضغطة القبر الا الا فاطمة بنت أسد.. قال السمهودي قلت: وقوله في موضع المسجد إلى آخره يقتضى انه كان على قبرها مسجد يعرف به في ذلك الزمان ". وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ج ٣ / ٨٩٧.

أقول: زرت هذا المرقد الطاهر الذي شرفه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالاضطجاع فيه وكان هذا المرقد حجرة مبنية من الطين قد أردمت من جوانبها الأربع وفى سنة ١٤٠٠ ه‍ تشرفت بزيارة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا ومررت على هذا المكان فلم أرى أثرا لذلك القبر الشريف فقد حرثه آل سعود وأنشأوا مكانه عمارات شاهقة فنادق وغيرها وهذا مرقد وأثر واحد من مئات بل آلاف الأماكن المقدسة التي كانت في مكة والمدينة لا نجد لها في يومنا هذا عين ولا أثر فبعد احتلال آل سعود. مكة والمدينة أذهبوا بتلك الآثار والأماكن المشرفة وحققوا أهداف أجدادهم اليهود في القضاء على الإسلام ومآثره. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

من أراد مزيد الاطلاع على فساد مذهب الوهابية، وجواز زيارة القبور، والدعاء عندها، والتبرك بها، والنذور، وجواز نقل الميت، وجرائم آل سعود من حرقهم للآثار الإسلامية، وهدم القبور وعمالتهم للاستعمار وغيرها من الجرائم. فاليرجع إلى: تاريخ آل سعود ج ١ ط بيروت لناصر السعيد، كشف الارتياب للسيد محسن الأمين ط بيروت، هكذا رأيت الوهابيين، هذه هي الوهابية، الغدير للأميني ج ٥ / ٦٦ - ٢٠٧، مذكرات مستر هنفر الجاسوس البريطاني في البلاد الإسلامية وغيرها من عشرات المصادر. (*)

٣٢٥

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٠٧: -

[المورد - (٤١) -: نصه على صدق حاطب ونهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله إياهم عن أن يقولوا له إلا خيرا]

أخرج البخاري في صحيحه عن أبي عوانة عن حصين، قال: تنازع أبو عبدالرحمن وحبان بن عطية، فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء - يعني عليا - قال: ما هو ؟ لا أبا لك. قال: شئ سمعته يقوله. قال: ما هو ؟.

قال: بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والزبير وأبا مرثد، وكلنا فارس، قال: حتى تأتوا روضة حاج(١) (قال أبو سلمة هكذا قال أبو عوانة حاج) فان فيها امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فأتوني بها، فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تسير على بعير لها، وكان حاطب كتب إلى أهل مكة بمسير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم، فقلنا: أين الكتاب الذي معك ؟. قالت: ما معي كتاب. فأنخنا بها بعيرها فابتغاه في رحلها فما وجدنا شيئا، فقال صاحباي: ما نرى معها كتابا.

قال: فقلت لقد علمنا ما كذب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم حلف علي: والذي يحلف به لتخرجن الكتاب أو لاجردنك(٢) فأهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجت الصحيفة فأتوا بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله و رسوله والمؤمنين دعني فأضرب عنقه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا حاطب ما حملك على ما صنعت ؟. قال يا رسول الله مالي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله ،

____________________

(١) لعل الصواب روضة خاخ وهو موضع بين الحرمين بخاءين معجمتين (منه قدس).

(٢) انما تهددها بتجريدها من حجزتها التي كانت محتجزة بها وهى الكساء وقد كان الكتاب في تلك الحجيزة (منه قدس) (*).

٣٢٦

ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي ومالي، وليس من أصحابك أحد إلا له هناك من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله، قال: صدق لا تقولوا له إلا خيرا، قال فعاد عمر فقال: يا رسول الله قد خان الله و رسوله والمؤمنين دعني فلأضرب عنقه. (الحديث)(٤٣٧) .

قلت: كان الواجب أن لا يقولها عمر بعد أن اخبرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصدق الرجل ونهيه إياهم عن أن يقولوا له إلا خيرا.

[ المورد - (٤٢) -: كتابهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أمرائه فيمن يبردونه إليه ]

أخرج الإمام مالك والبزاز - كما في مادة لقحة(١) بوزن بركة من حياة الحيوان - للدميري - عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه كتب إلى أمرائه إذا أبردتم إلي بريدا فأبردوه حسن الاسم حسن الوجه، فقام عمر حين علم بذلك قائلا: لا أدري أقول أم أسكت ؟ فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل قل يا عمر فقال: كيف نهيتنا عن الطيرة وتطيرت ؟ فقال: ما تطيرت ولكن اخترت. آه.(٤٣٨) .

[ المورد -(٤٣) -: لمزهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الصدقات ]

أخرج الإمام أحمد من حديث عمر في مسنده(٢) عن سلمان بن ربيعة ،

____________________

(٤٣٧) فراجعه في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم من ج ٤ من صحيحه (منه قدس). مجمع البيان للطبرسي ج ٩ / ٢٦٩، الكامل في التاريخ ج ٢ / ١٦٣، السيرة الحلبية ج ٣ / ٧٥، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج ٢ / ٢٤٥.

(١) اللقحة هي الناقة الحلوب (منه قدس).

(٤٣٨) (٢) ص ٢٠ من جزئه الأول (منه قدس) (*).

٣٢٧

قال: سمعت عمر يقول: قسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قسمة، فقلت: يا رسول الله لغير هؤلاء أحق منهم، أهل الصفة. قال: فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنكم تسألوني بالفحش، وتبخلوني ولست بباخل. آه(٤٣٩) .

قلت: وأتم القسمة على ما أراد الله ورسوله، وعن أبي موسى ان عمر سأل النبي عن أشياء يكرهها رسول الله فغضبصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى رأى عمر ما في وجهه من الغضب. (الحديث)(٤٤٠)

أخرجه البخاري في باب، الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره، من أبواب كتاب العلم ص ١٩ من الجزء الأول من صحيحه.

[ المورد -(٤٤) -: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر حين اسلم: استر إسلامك ]

روى شيخ العرفاء محي الدين ابن العربي(١) ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعمر بن الخطاب حين أسلم: أستر إسلامك وان عمر أبى إلا إعلانه(٤٤١)

____________________

(٤٣٩) صحيح مسلم ج ٢ / ٧٣٠ ط محمد فؤاد وج ٣ / ١٠٣ ط مشكول، الطرائف ص ٤٦٥. وهناك أحاديث أخرى في الاعتراض على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في القسمة ولا يعتبر عدالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الا انه لقضايا سياسية لم يصرح باسم قائلها. راجع هذه الأحاديث في: صحيح مسلم ج ٣ / ١٠٩ ط مشكول.

(٤٤٠) (١) فيما نقله عنه الكاتب محمد لطفي المصرى في تاريخ فلسفة الإسلام ص ٣٠١ (منه قدس).

(٤٤١) اختلاف في أي وقت أسلم عمر فهل أسلم قبل انتشار الدعوة أم بعد انتشارها وظهورها ولعل الصحيح انه أسلم قبل هجرة الرسول إلى المدينة بقليل فقد روى البخاري في صحيحه ج ٥ / ١٦٣ ط مشكول عن نافع قال ان الناس يتحدثون ان ابن عمر =>

٣٢٨

قلت: كانت الحكمة يومئذ تضطر إلى الكتمان، وكانت الدعوة إلى الله ورسوله لا سبيل إليها الا بالتستر، لكن بطولة عمر تأبى عليه إلا الصراحة برأيه وان خالف النص.

[ المورد - (٤٥) - ما كان في بدء الإسلام مما يتعلق بالصيام: ]

وذلك ان الصائم كان إذا أمسى حل له في شهر رمضان الأكل والشرب والنساء وسائر المفطرات إلى أن يصلي العشاء الآخرة أو يرقد فإذا صلاها أو رقد حرم عليه ما حرم على الصائم إلى الليلة القابلة(٤٤٢) .

لكن عمر أتى أهله بعد العشاء واغتسل فندم على ما فعل، فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلا: يا رسول الله إني اعتذر إلى الله واليك من نفسي هذه الخاطئة، وأخبره بما فعل، وحينئذ قام رجال فاعترفوا بأنهم كانوا يصنعون كما صنع عمر بعد العشاء، فأنزل الله عزوجل( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ (١) )

____________________

=> أسلم قبل عمر. الخ. وابن عمر أسلم وعمره عشر سنين قبيل الهجرة. فيكون هذا المورد من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع. راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ٤ / ٩٣.

(٤٤٢) راجع: الميزان في تفسير القرآن ج ٢ / ٤٥، تفسير القمي، الدر المنثور وغيرها.

(١) وهى الآية ١٨٧ من سورة البقرة، فليراجع تفسيرها في الكشاف وغيره من =>

٣٢٩

الآية(٤٤٣) وان كانت صريحة بأنهم كانوا يختانون أنفسهم غير مرة، لكنها نص بالتوبة عليهم والعفو عنهم وقد وسع الله عليهم، وخفف مما كان قد كلفهم به. فالحمد لله على عفوه ومغفرته، وله الآلاء على سعة رحمته.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣١١: -

[ المورد - (٤٦) -: حول الخمر وتحريمها ]

وذلك أن الله عزوجل أنزل في الخمر ثلاث آيات، الأولى قوله تعالى:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) (٤٤٤) . (الآية)، فكان من المسلمين شارب وتارك إلى ان شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر، فنزل قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ) (٤٤٥) . (الآية)، فشربها بعد من شربها من المسلمين وتركها من تركها، قال أهل الاخبار حتى شربها عمر بن الخطاب فأخذ بلحي بعير وشج به رأس عبدالرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الاسود بن يعفر إذ يقول :

وكائن بالقليب قليب بدر

من الفتيان والعرب الكرام

أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا

وكيف حياة أصداء وهام

____________________

=> سائر التفاسير، وقد أخرجه الإمام الواحدي في كتابه أسباب النزول ص ٣٣ منه (منه قدس).

(٤٤٣) ذكرت ان السبب في ذلك عمر عدة روايات: راجع: مجمع البيان للطبرسي ج ٢ / ٢٨٠، تفسير الطبري، الدر المنثور، الميزان في تفسير القرآن ج ٢ / ٥٠.

(٤٤٤) سورة البقرة: ٢١٩.

(٤٤٥) سورة النساء: ٤٣ (*)

٣٣٠

أيعجز أن يرد الموت عني

وينشرني إذا بليت عظامي

ألا من مبلغ الرحمن عني

بأني تارك شهر الصيام

فقل لله يمنعني شرابي

وقل لله يمنعني طعامي

فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج مغضبا يجر ردائه فرفع شيئا كان في يده فضربه به فقال: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فأنزل الله تعالى:( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) (٤٤٦) قال: فقال عمر انتهينا انتهينا(٤٤٧) .

____________________

(٤٤٦) سورة المائدة: ٩١.

(٤٤٧) تجد هذه القضية بلفظها في الباب الرابع والسبعين المختص بتحريم الخمر وذمها والنهى عنها من الجزء الثاني من كتاب المستطرف في كل فن مستظرف للإمام شهاب الدين الابشيهى وهو من الكتب المنتشرة، ونقلها جماعة من الاثبات عن ربيع الأبرار للزمخشري.

وقد ألمع الإمام الرازي إلى شئ منها في تفسير قوله تعالى:( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) من سورة المائدة، في ص ٤٤٦ من الجزء الثالث من تفسيره الكبير إذ قال: روى أنه لما نزل قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى ) قال عمر بن الخطاب: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فلما نزلت هذه الآية:( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) . قال عمر: انتهينا يا رب (منه قدس). الغدير للأميني ج ٦ / ٢٥١، عن المستطرف ج ٢ / ٢٩١، ربيع الأبرار للزمخشري مخطوط، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ٤ / ٤٨ وغيرها.

ومن أراد مزيد اطلاع على هذا الموضوع فاليراجع كتاب الغدير ج ٦ / ٢٥١ فقد نقل شرب الخليفة في الجاهلية ولم ينته عن شربه الا بعد نزول آية( فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) التي في سورة المائدة، والمائدة آخر سورة نزلت في القرآن والتي نزلت =>

٣٣١

.

____________________

=> على الرسول في حجة الوداع. ثم بعد ذلك صار يشرب النبيذ الشديد وكان يقول: انا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن تؤذينا. الخ وقد " شرب شخص من النبيذ الذي كان يشرب منه فأسكره فأقام عليه الخليفة الحد قال الشعبي: شرب أعرابي من أدواة عمر فأغشى فحده عمر. ثم قال وانما حده للسكر لا للشرب ". العقد الفريد ج ٣ / ٤١٦. وقريب منه في: أحكام القرآن للجصاص ج ٢ / ٥٦٥. لأجل المزيد من الاطلاع على هذا الموضوع راجع الغدير ج ٦ / ٢٥٧.

ناد الخمر في دار أبى طلحة: ولعل الآية الأخيرة نزلت بسبب نادي الخمر الذي عقد في دار أبى طلحة وكان يضم أحد عشر رجلا من كبار الصحابة: ذكر الطبري في تفسيره ج ٢ / ٢٠٣ وفى طبعة أخرى ج ٢ / ٢١١ عن أبى القموص قال: أنزل الله عزوجل في الخمر ثلاث مرات فأول ما نزل قال الله:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) قال: فشربها من المسلمين ما شاء الله منهم على ذلك حتى شرب رجلان فدخلا في الصلاة فجعلا يهجران كلاما لا يدرى - عوف - ما هو فأنزل الله عزوجل فيها:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ) فشربها من شربها منهم وجعلوا يتقونها عند الصلاة حتى شربها فيما زعم أبوالقموص رجل فجعل ينوح على قتلى بدر :

تحيى بالسلامة أم عمرو

وهل لك بعد رهطك من سلام ؟

ذريني اصطبح بكرا فأنى

رأيت الموت نقب عن هشام

وود بنو المغيرة لو فدوه

بألف من رجال أو سوام

كأني بالطوى طوى بدر

من الشيزى يكلل بالسنام

كأني بالطوى طوى بدر

من الفتيان والحلل الكرام

قال فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء فزعا يجر رداءه من الفزع حتى انتهى إليه فلما عاينه الرجل فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا كان بيده ليضربه قال أعوذ بالله من غضب الله =>

٣٣٢

.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣١٤: -

[ المورد - (٤٧) -: النهى عن قتل العباس وغيره(١) ]

وذلك ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه وقد حمي الوطيس يوم بدر: عرفت رجالا من بني هاشم وغيرهم أخرجوا كرها لا حاجة لهم لقتالنا، فمن

____________________

=> ورسوله والله لا أطعمها أبدا فأنزل الله تحريمها( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ. - إلى قوله - فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) فقال عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه : انتهينا. انتهينا. وفى هذه الرواية تحريف من الطبري أو غيره فحذف اسم (أبو بكر) وجعل مكانه (رجل) وفى الأبيات حذف اسم (أم بكر) وجعل مكانه (أم عمرو) والذي قال الأبيات هو أبو بكر كما في مجمع الزوائد ج ٥ / ٥١ وذكر القصة كل من: الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص ٦٦، وابن حجر في الإصابة ج ٤ / ٢٢، وابن حجر في فتح الباري ج ١٠ / ٣٠، والعيني في عمدة القاري ج ١٠ / ٨٢.

وكان النادي يضم أحد عشر رجلا وهم :

١ - أبو بكر وهو الذي قرأ الأبيات.

٢ - عمر

٣ - أبو عبيدة بن الجراح.

٤ - أبو طلحة زيد بن سهل صاحب النادي

٥ - سهيل بن بيضاء

٦ - أبى بن كعب

٧ - أبو دجانة سماك بن خرشة

٨ - أبو أيوب الأنصاري

٩ - أبو بكر ابن شغوب

١٠ - أنس بن مالك ساقي القوم ذكر هؤلاء ابن حجر في فتح الباري ج ١٠ / ٣٠ وغيره

١١ - معاذ بن جبل كما في صحيح مسلم ج ٦ / ٨٨ وغيره.

وكانت هذه الحادثة في سنة ٨ ه‍ عام الفتح راجع: في خصوصيات هذه الحادثة مع مصادرها والآراء في تحريم الخمر ومتى كان. الغدير للعلامة الأميني ج ٧ / ٩٥ - ١٠٢، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ٤ / ٥٠ وغيرهما.

(١) أما نهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قتل العباس فمما لا ريب فيه. والاخبار فيه متواترة، والصحاح مشحونة به، وكل من أرخ بدرا من أهل السير نص عليه. وعلى النهى عن قتل بني هاشم كافة (منه قدس) (*).

٣٣٣

لقي أحدا من بني هاشم فلا يقتله(٤٤٨) ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله(٤٤٩) ومن لقي العباس بن عبدالمطلب عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يقتله، فانه خرج مستكرها(٤٥٠) .

تراهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن قتل بني هاشم عامة، ثم نهى عن قتل عمه العباس بالخصوص، تأكيدا للمنع من قتله، وتشديدا ومبالغة في ذلك، ولما أسر

____________________

(٤٤٨) الكامل في التاريخ ج ٢ / ٨٩، تاريخ الطبري ج ٢ / ٢٨١، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ٣ / ١٧٢، السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ / ٢٨١ ط بيروت، السيرة الحلبية ج ٢ / ١٦٨، شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١٤ ص ١٨٢.

(٤٤٩) تجد هذا في غزوة بدر العظمى ص ٢٨٤ والتي بعدها من جزء ٣ من البداية والنهاية لابن كثير، وفى غيرها من كتب السير والاخبار كسيرة بن إسحاق وغيرها وانما نهى عن قتل أبى البخترى لأنه كان ممن قام في نقض الصحيفة، وكان لا يؤذى رسول الله ولم يبلغه عنه شئ يكرهه، فكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤثر بقاؤه حيا أملا بتوفيقه وهدايته إلى الله تعالى ورسوله، لكن لقيه في حومة الحرب المجذر بن زياد البلوى حليف الأنصار، فقال له ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهانا عن قتلك، ومع أبى البخترى زميل له خرج معه من مكة، وهو جنادة بن مليحة من بني ليث قال: وزميلي ؟. قال له المجذر: لا والله ما نحن بتاركي زميلك، ما أمرنا رسول الله الا بك وحدك، قال: لا والله اذن لاموتن وهو جميعا لا تتحدث عنى نساء قريش بمكة انى تركت زميلي حرصا على الحياة. فاقتتلا فقتله المجذر ثم أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فأتيك به فأبى الا أن يقاتلني فقاتلته فقتلته (منه قدس). الكامل في التاريخ ج ٢ / ٨٩، تاريخ الطبري ج ٢ / ٢٨٢، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ٣ / ١٧٢، السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ / ٢٨١، السيرة الحلبية ج ٢ / ١٦٨، شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١٤ / ١٣٣ و ١٨٣.

(٤٥٠) الكامل في التاريخ ج ٢ / ٨٩، الدرجات الرفيعة ص ٨٠، تاريخ الطبري ج ٢ / ٢٨٢، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ٣ / ١٧٢، السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ / ٢٨١، السيرة الحلبية ج ٢ / ١٦٨، شرح النهج الحديدي ج ١٤ / ١٨٣ (*).

٣٣٤

العباس بات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ساهرا أرقا فقال له أصحابه - كما نص عليه كل من أرخ وقعة بدر من أهل السير والاخبار - يا رسول الله مالك لا تنام ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله سمعت تضور عمي العباس في وثاقه فمنعني النوم، فقاموا إليه فأطلقوه فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤٥١) .

وعن يحيى بن أبي كثير: أنه لما كان يوم بدر أسر المسلمون من المشركين سبعين رجلا، فكان ممن أسر العباس عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فولي وثاقه عمر بن الخطاب، فقال العباس: أما والله يا عمر ما يحملك على شد وثاقي الا لطمي اياك في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع أنين العباس فلا يأتيه النوم. فقالوا: يا رسول الله ما يمنعك من النوم ؟. فقال رسول الله: كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي. فأطلقه الأنصار. (الحديث)(٤٥٢) .

وكان أصحاب رسول الله كافة من مهاجرين وأنصار وغيرهم يعلمون ما لأبي الفضل العباس من المنزلة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحب السلامة له والكرامة، ولما بلغهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلمة أبي حذيفة ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس - وكان معه في بدر - إذ قال أنقتل آبائنا واخواننا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف ساءهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك من أبي حذيفة فاستنجد بعمر يقول له مثيرا حفيظته: يا أبا حفص أيضرب وجه عم الرسول بالسيف ؟. قال عمر: والله انه لأول يوم كناني فيه

____________________

(٤٥١) الكامل لابن الأثير ج ٢ / ٨٩، الدرجات الرفيعة ص ٨٠، مجمع البيان ج ٤ / ٥٥٩، شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١٤ / ١٨٢.

(٤٥٢) تجده في ج ٥ / ٢٧٢ من الكنز وهو حديث ٥٣٩١ وقد أخرجه ابن عساكر (منه قدس). وراجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ٣ / ٥٢٠ عن جملة من المصادر. (*)

٣٣٥

رسول الله بأبي حفص(٤٥٣) .

وما ان وضعت الحرب أوزارها - ونصره الله عبده، وأعز جنده وقتل الطواغيت سبعين وأسر سبعين آخرين. وجئ بهم موثوقين - حتى قام أبو حفص يحرض على قتلهم بأشد لهجة قائلا: يا رسول الله انهم كذبوك وأخرجوك وقاتلوك فمكني من فلان - لقريب أو نسيب له - فأضرب عنقه، ومكن عليا من أخيه عقيل فيضرب عنقه، ومكن حمزة من أخيه العباس فيضرب عنقه(٤٥٤) .

قلت: يا سبحان الله لم يكن عباس ولا عقيل ممن كذبوا رسول الله، ولا ممن أخرجوه، ولا ممن آذوه، وقد كانوا معه في الشعب أيام حصرهم فيه يكابدون معه تلك المحن، وقد أخرجا إلى بدر كرها بشهادة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهما بذلك. ونهى رسول الله عن قتلهم والحرب قائمة على ساقها، فكيف يقتلان وهما أسيران ؟.

وإذا كان تضور العباس أقلق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنعه النوم، فما ظنك بقتله صبرا بلا مقتض لذلك، فان العباس كان من قبل ذلك مسلما، وانما كتم إسلامه لحكمة كان لله ورسوله فيها رضا، وله وللأمة فيها صلاح(٤٥٥)

____________________

(٤٥٣) نقل ذلك عنه ابن إسحاق وغيره من أهل السير والاخبار فراجع ص ٢٨٥ من الجزء ٣ من البداية والنهاية (منه قدس). أقول وراجع أيضا: الكامل في التاريخ ج ٢ / ٨٩، تاريخ الطبري ج ٢ / ٢٨٢، السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ / ٢٨١، السيرة الحلبية ج ٢ / ١٦٨، ابن أبي الحديد ج ١٤ / ١٨٣.

(٤٥٤) الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ٣ / ٢٤٩، صحيح مسلم ك الجهاد والسير باب الإمداد بالملائكة ج ٦ / ١٥٧، الدرجات الرفيعة ص ٨٢، السيرة الحلبية ج ٢ / ١٩٠ و ١٩١، ابن أبي الحديد ج ١٤ / ١٨٣.

(٤٥٥) قال مفتى الشافعية في عصره السيد أحمد زيني دحلان حيث ذكر العباس في غزوة بدر من سيرته النبوية ص ٥٠٤ من جزئه الأول المطبوع في هامش السيرة الحلبية نقلا عن المواهب ما هذا لفظه: وكان العباس فيما قاله أهل العلم بالتاريخ قد أسلم قديما =>

٣٣٦

.

____________________

=> وكان يكتم إسلامه، وكان يسره ما يفتح الله على المسلمين، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يطلعه على أسراره حين كان بمكة وكان يحضر مع النبي حين كان يعرض نفسه على القبائل، وكان يحثهم ويحرضهم على مناصرته كما تقدم ذلك في حضوره بيعة العقبة التي كانت مع الأنصار، فهذا كله يدل على إسلامه.

(قال): وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمره بالمقام بمكة ليكتب له أسرار قريش وأخبارهم، ولما أرادت قريش الخروج إلى بدر واستنفرت الناس لم يمكنه التخلف عنها، ولهذا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر: من لقى العباس فلا يقتله فانه خرج مستكرها.

(قال) ولا ينافى ذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما طلب منه الفداء: ظاهر أمرك انك كنت علينا لان كونه عليهم في الظاهر لا ينافى كونه مكرها في الباطن، وانما عامله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بظاهر حالة تطييبا لقلوب الصحابة حيث فعل مثل ذلك بآبائهم وأبنائهم وعشائرهم.

(قال) وكان للعباس مال وديون في قريش وكان يخشى ان أظهر أسلامه ضياعها عندهم، فكان يخفى إسلامه بأذن من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يظهر النبي للصحابة إسلام عمه رفقا به وخوفا على ضياع ماله.

(قال) وللنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غرض في اخفاء إسلامه ليكون عينا له ينقل أخبار القوم إليه ومن ثم لما قهرهم الإسلام يوم فتح مكة أظهر إسلامه، فهو لم يظهر إسلامه الا يوم فتح مكة.

(قال) وكان العباس كثيرا ما يطلب الهجرة إلى رسول الله، فكتب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله له: مقامك بمكة خير لك.

(قال) وفى رواية كتب إليه: يا عم أقم مكانك الذي أنت فيه، فان الله عز وجل يختم بك الهجرة كما ختم بى النبوة، فكان الأمر كذلك فقد كان آخر المهاجرين لأنه التقى بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الابواء ولا علم له بخروج النبي لفتح مكة فرجع معه إلى آخر كلامه، وللحلبي في سيرته كلام أصرح في تقدم إسلام العباس وزوجته أم الفضل على الهجرة، فليراجعه من شاء التتبع، وليراجع نصوص العلماء في هذا الموضوع (منه قدس) الدرجات الرفيعة ص ٨٠، السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ / ٣٠١، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ٣ / ٢٤٢.

٣٣٧

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣١٩: -

[ المورد - (٤٨) -: اخذ الفداء من الأسرى يوم بدر ]

لما نصر الله عزوجل عبده ورسوله يوم الفرقان يوم التقى الجمعان في بدر، وجئ بالأسرى إليه، علم من عزمه انه سيبقي عليهم، أملا بأن يهديهم الله - فيما بعد - لدينه، ويوفقهم لما دعا إليه من سبيله - كما وقع ذلك والحمد لله - وهذا هو النصح لله تعالى ولعباده.

لكن قرر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - مع العفو عنهم - أخذ الفداء منهم ليضعفهم عن مقاومته، ويقوى به عليهم، وهذا هو الأصح - في الواقع للفريقين، وفيه النصح لله تعالى ولعباده أيضا كما لا يخفى( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (٤٥٦) على أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مطبوعا على الرحمة ما وجد إليها سبيلا.

وكان من رأي عمر بن الخطاب أن يقتلوا، بأجمعهم، جزاء بما كذبوا وآذوا وهموا بما لم ينالوا، وأخرجوا وقاتلوا، وكان قوي العزيمة شديد الشكيمة في استئصالهم قتلا بأيدي أرحامهم من المسلمين، حتى لا يبقى منهم أحد(٤٥٧) .

لكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل فيهم كلمته التي حكاها الله تعالى عنه في محكم فرقانه العظيم(١) ألا وهي قوله:( إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ

____________________

(٤٥٦) سورة النجم: ٣.

(٤٥٧) الدرجات الرفيعة ص ٨٢، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ٣ / ٢٤٢، صحيح مسلم ج ٥ / ١٥٧.

(١) هي الآية ١٦ من سورة يونس (منه قدس) (*).

٣٣٨

عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) . فخلى سبيلهم - عفوا عنهم وكرما - بعد أن أخذ منهم الفداء، فكان الجاهلون بعصمته وحكمته بعد ذلك( لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ ) انما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بقياه عليهم، وأخذه الفداء منهم مجتهدا(١) وكان الصواب قتلهم، واستئصال شأفتهم، محتجين بأحاديث مفتأتة لا يجيزها عقل ولا نقل.

فمنها: أن عمر غدا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أخذه الفداء فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال: ما يبكيكما فان وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت لبكائكما فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، ولو نزل عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب(٤٥٨) .

(قالوا) وأنزل الله تعالى( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ

____________________

(١) نقل ذلك عنهم السيد الدحلانى في السطر الأخير من ص ٥١٢ من الجزء الأول من سيرته النبوية المطبوعة في هامش السيرة الحلبية (منه قدس).

(٤٥٨) تجد هذا اللفظ في ص ٥١٢ من الجزء الأول من السيرة النبوية للدحلانى وتجد غيره مما هو في معناه فيها وفى السيرة الحلبية، وفى البداية والنهاية لابن كثير نقلا عن كل من الإمام أحمد ومسلم وأبى داود والترمذي بالإسناد إلى عمر بن الخطاب (منه قدس). راجع: صحيح مسلم ج ٥ / ١٥٧، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ٣ / ٢٤٣ عن: تاريخ الطبري ج ١ / ١٦٩، الكامل في التاريخ ج ٢ / ١٣٦، السيرة الحلبية ج ٢ / ١٩٠، أسباب النزول للواحدي ص ١٣٧، حياة الصحابة ج ٢ / ٤٢، كنز العمال ج ٥ / ٢٦٥ عن عدة كتب، الدر المنثور ج ٣ / ٢٠١ - ٢٠٣، مشكل الآثار ج ٤ / ٢٩١، المغازي للواقدي ج ١ / ١٠٧، فواتح الرحموت بهامش المستصفى للغزالي ج ٢ / ٢٦٧، تاريخ الخميس ج ١ / ٣٩٣، المستصفى للغزالي ج٢ / ٣٥٦ (*).

٣٣٩

فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) الآيات(٤٥٩) .

( وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) (٤٦٠) إذ أمعنوا في التيه. فجوزوا الاجتهاد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والله تعالى يقول:( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) وقد أو غلوا في الجهل إذ نسبوا إليه الخطأ، وتسكعوا في الضلال، إذ آثروا قول غيره، واشتبهت عليهم - في هذه الآية - معالم القصد، وعميت لديهم - فيها - وجوه الرشد، فقالوا بنزولها في التنديد برسول الله وأصحابه، حيث آثروا - بزعم هؤلاء الحمقى - عرض الدنيا على الآخرة فاتخذوا الأسرى، وأخذوا منهم الفداء قبل ان يثخنوا في الأرض، وزعموا أنه لم يسلم يومئذ من هذه الخطيئة إلا عمر، وأنه لو نزل العذاب لم يفلت منه إلا ابن الخطاب.

وكذب من زعم أنه اتخذ الأسرى وأخذ منهم الفداء قبل أن يثخن في الأرض فانهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنما فعل ذلك بعد أن أثخن في الأرض، وقتل صناديد قريش وطواغيتها كأبي جهل بن هشام، وعتبة، وشيبة بن أبي ربيعة، والوليد بن عتبة، والعاص بن سعيد، والاسود بن عبد الأسد المخزومي، وأمية بن خلف، وزمعة بن الأسد، وعقيل بن الاسود، ونبيه، ومنبه، وأبي البختري، وحنظلة بن أبي سفيان، وطعيمة بن عدي بن نوفل، ونوفل بن خويلد، والحارث ابن زمعة، والنظر بن الحارث بن عبد الدار، وعمير بن عثمان التميمي، وعثمان ومالك اخوي طلحة، ومسعود بن أمية بن المغيرة، وقيس بن الفاكه بن المغيرة، وحذيفة بن أبي حذيفة ابن المغيرة، وأبي قيس بن الوليد بن المغيرة، وعمرو بن مخزوم، وأبي المنذر بن

____________________

(٤٥٩) سورة الأنفال: ٦٧.

(٤٦٠) سورة الأنعام: ٩٠ (*).

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٤١: -

[ المورد - (٥١) - نهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه عن جواب أبى سفيان في احد ]

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نزل يوم احد بأصحابه - وهم سبعمائة - في عدوة الوادي، وجعل ظهره إلى الجبل، وكان المشركون ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ومائتا فارس، ومعهم خمسة عشر امرأة وفي المسلمين مائتا دارع وفارسان.

وتعبأ الجيشان للقتال، فاستقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة، وترك أحدا

٣٦١

خلف ظهره، وجعل وراءه الرماة وهم خمسون راميا، أمر عليهم عبدالله بن جبير وقال له: انضح عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خلفنا، واثبتوا مكانكم، ان كانت لنا، أو كانت علينا، فانا انما نؤتى من هذا الشعب شعب أحد(١) .

وخرج طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين ينادي: يا معشر أصحاب محمد انكم تزعمون ان يعجلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة فهل أحد منكم يعجله سيفي إلى الجنة، ويعجلني سيفه إلى النار ؟

قال ابن الأثير في كامله: فبرز إليه علي بن أبي طالب فضربه فقطع رجله فسقط وانكشفت عورته، فناشده الله فتركه - لما به يخور بدمه حتى هلك - فكبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: كبش الكتيبة، وكبر المسلمون بتكبيره، وقال لعلي: ما منعك ان تجهز عليه ؟ فقال ناشدني الله والرحم فاستحييت منه. وصمد علي بعده لأصحاب اللواء يحمل عليهم فيقتلهم واحدا بعد واحد.

قال ابن الأثير وغيره: وقد كان المسلمون قتلوا أصحاب اللواء وبقي مطروحا لا يدنو منه أحد، فأخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته فاجتمعت قريش حوله، وأخذه صواب عبد لبني عبد الدار - كان من أشد الناس قوة - فقتل عليه (قال) وكان الذي قتل أصحاب اللواء علي بن أبي طالب، قاله أبو رافع.

واقتتل الناس قتالا شديدا. وأمعن حمزة وعلي وأبو دجانة في رجال من المسلمين وأبلوا بلاء حسنا، وأنزل الله نصره عليهم وكانت الهزيمة على المشركين، وهرب النساء مصعدات في الجبل، ودخل المسلمون عسكرهم ينهبون، فلما نظر بعض الرماة إلى اخوانهم ينهبون، آثروا النهب على البقاء في الشعب، ونسوا ما أمرهم به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحضهم عليه. وحين رأى خالد بن الوليد قلة من بقي من الرماة حمل عليهم فقتلهم، وشد

____________________

(١) الشعب بالكسر ما انفرج بين الجبلين (منه قدس) (*).

٣٦٢

بمن معه على أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خلفهم، وتبادر المنهزمون من المشركين حينئذ بنشاط مستأنف لقتال المسلمين حتى هزموهم بعد أن قتلوا سبعين من أبطالهم، فيهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبدالمطلب وقاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ قتالا شديدا، فرمى بالنبل حتى فني نبله وانكسرت سية قوسه، وانقطع وتره، وأصيب بجرح في وجنته، وآخر في جبهته وكسرت رباعيته السفلى، وشقت - بأبي هو وأمي - شفته، وعلاه ابن قمئة بالسيف.

وقاتل دونه علي، ومعه خمسة من الأنصار استشهدوا في الدفاع عنه رضي ‌الله‌ عنهم وأرضاهم، وترس أبو دجانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه، فكان يقع النبل بظهره وهو منحن عليه، وقاتل مصعب بن عمير فاستشهد، قتله ابن قمئة الليثي وهو يظنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرجع إلى قريش يقول لهم: قتلت محمدا، فجعل الناس يقولون: قتل محمد، قتل محمد فأوغل المسلمون في الهرب على غير رشد، وكان أول من عرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كعب بن مالك، فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول الله حي لم يقتل فأشار إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن أنصت(١) .

وحينئذ نهض علي بمن كان معه حتى خلصوا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الشعب، فتحصن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله به، وهم يحوطونه مدافعين عنه.

قال ابن جرير وابن الأثير في تاريخيهما وسائر أهل الأخبار: فأبصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - أي وهو في الشعب - جماعة من المشركين، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي: احمل عليهم، فحمل عليهم ففرقهم وقتل منهم، ثم أبصر جماعة أخرى، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : اكفنيهم يا علي فحمل عليهم وفرقهم وقتل منهم. فقال جبرائيل: يا رسول الله هذه المواساة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انه مني وأنا منه. فقال

____________________

(١) مخافة أن يسمع العدو فيهجم عليه (منه قدس) (*).

٣٦٣

جبرائيل: وأنا منكما. (قالوا) وسمع صوت :

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي(٤٨٥)

وجعل علي ينقل الماء لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في درقته من المهراس يغسل به جرح النبي فلم ينقطع الدم(١) .

ووقعت هند وصواحباتها على الشهداء يمثلن بهم، فاتخذت من آذان الرجال وآنافهم وأصابع أيديهم وأرجلهم ومذاكيرهم قلائد ومعاضد، وكانت أعطت وحشيا معاضدها وقلائدها جزاء قتلة حمزة فلاكتها فلم تسغها فلفظتها(٤٨٦) .

ثم أشرف أبو سفيان على المسلمين، فقال: أفي القوم محمد ؟ ثلاثا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : لا تجيبوه(٣) فقال أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر أقتلنا

____________________

(٤٨٥)

لا سيف الا ذو الفقار

ولا فتى الا على

راجع: فرائد السمطين للحمويني الشافعي ج ١ / ٢٥٧ ح ١٩٨، ترجمة الإمام على بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ١ / ١٤٨ ح ٢١٥، الكامل في التاريخ ج ٢ / ١٠٧، مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلي ص ١٩٧، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ٢٦، المناقب للخوارزمي ص ٢١٣ ط الحيدرية، السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ / ١٠٦، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٤ / ٢٥١ وقد نقل تصحيحه عن شيخه عبد الوهاب ابن سكينة.

(١) حتى أحرقت سيدة نساء العالمين بعد ذلك حصيرا وجعلت على الجرح من رماده فانقطع الدم، وقد شهدت الواقعةعليها‌السلام فكانت تعانقه وهو مجروح وتبكي (منه قدس).

(٤٨٦) الكامل في التاريخ ج ٢ / ١١١، الدرجات الرفيعة ص ٦٦ - ٦٩، السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ / ٩٦ - ٩٧، السيرة الحلبية ج ٢ / ٢٤٦.

(٢) كما في غزوة احد من تاريخي ابن جرير وابن الأثير وطبقات ابن سعد والسيرتين الحلبية والدحلانية وكتاب البداية والنهاية لأبي الفداء وسائر الكتب المشتملة على غزوة أحد (منه قدس).

(٣) كأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن آمنا من أبى سفيان وأصحابه أن يشدوا عليه =>

٣٦٤

محمدا ؟ قال عمر: اللهم لا وانه ليسمع كلامك(٤٨٧) .

قلت: هذا محل الشاهد من هذه الحكاية إذ آثر رأيه في جواب أبي سفيان على نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إياهم عن جوابه كما ترى.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٤٦: -

[ المورد - (٥٢) -: التجسس مع النهى عنه ]

قال الله عزوجل:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ) (٤٨٨) .

وفي الصحيح عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إياكم والظن، فان الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تناجشوا ولا تحاسد، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله اخوانا. الحديث(٤٨٩) .

لكن عمر رأى في أيام خلافته ان بالتجسس نفعا للأمة وصلاحا للدولة، فكان يعس ليلا، ويتجسس نهارا، حتى سمع هو يعس في المدينة صوت

____________________

=> إذا علموا ببقائه حيا، ولذلك نهاهم عن جوابه، وكأن عمر إذ أجابه لم يكن خائفا ولم يكن يرى لهذا الاحتياط وجها (منه قدس).

(٤٨٧) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ٤٧، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ١١١، السيرة الحلبية ج ٢ / ٢٤٥.

(٤٨٨) سورة الحجرات: ١٢.

(٤٨٩) مجمع البيان ج ٩ / ١٣٧، صحيح مسلم ج ٨ / ١٠ ط العامرة، صحيح الترمذي ج ١ / ٣٥٩، صحيح البخاري ج ٣ / ٤٣١ وج ٤ / ١٢٨، مسند أحمد ج ٢ / ٢٤٥ و ٢٨٧ و ٢٦٥ و ٥١٧، الجامع الصغير ح ٢٩٠١، وصحيح الجامع الصغير ح ٢٦٧٦، أسنى المطالب ص ٩٨، الفتح الكبير ج ١ / ٤٩٠ (*).

٣٦٥

رجل يتغنى في بيته فسور عليه فوجد عنده امرأة وزقا من خمر، فقال: أي عدو الله ظننت ان الله يسترك وأنت على معصية، فقال لا تعجل يا أمير المؤمنين ان كنت اخطأت في واحدة، فقد اخطأت انت في ثلاث. قال الله تعالى:( وَلَا تَجَسَّسُوا ) فقد تجسست وقال:( وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) وقد تسورت وقال:( فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا ) وما سلمت. فقال: هل عندك من خير ان عفوت عنك ؟. قال نعم. فعفا عنه وخرج(٤٩٠) .

وعن السدي قال: خرج عمر بن الخطاب فإذا هو بضوء نار ومعه عبدالله بن مسعود واتبع الضوء حتى دخل الدار، فإذا سراج في بيت، فدخل وحده وترك ابن مسعود في الدار، فإذا شيخ جالس وبين يديه شراب وقينة تغنيه، فلم يشعر حتى هجم عليه عمر، فقال: ما رأيت منظرا أقبح من شيخ ينتظر أجله فرفع الشيخ رأسه فقال: بلى صنيعك أنت أقبح مما رأيت مني، إذ تجسست وقد نهى الله عن التجسس، ودخلت بغير إذن، فقال عمر: صدقت ثم خرج عاضا على ثوبه يبكي.

وقال: ثكلت عمر أمه، إلى أن قال: وهجر الشيخ مجلس عمر حينا، فبينا عمر بعد ذلك جالس إذ به قد جاء شبه المستخفي حتى جلس في أخريات الناس فرآه عمر فقال: علي بهذا، فقيل له: أجب فقام وهو يرى ان عمر سيسوئه بما رأى منه. فقال عمر: ادن مني فلا زال يدنيه حتى

____________________

(٤٩٠) أخرجه الخرائطي في كتاب مكارم الأخلاق وهو الحديث ٣٦٩٦ من أحاديث الكنز في ص ١٦٧ من جزئه الثاني، وأورده ابن أبى الحديد في ص ٩٦ من المجلد الثالث من شرح نهج البلاغة، وذكره الغزالي في ص ١٣٧ من كتابه إحياء العلوم (منه قدس). الغدير للأميني ج ٦ / ١٢١، الرياض النضرة ج ٢ / ٤٦ ط ١، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٦١ وج ٣ / ٩٦ ط ١، الدر المنثور ج ٦ / ٩٣، الفتوحات الإسلامية ج ٢ / ٤٧٧ (*).

٣٦٦

أجلسه بجنبه، فقال: ادن مني اذنك فالتقم أذنه فقال له. والذي بعث محمدا بالحق ما أخبرت أحدا من الناس بما رأيت منك، ولا ابن مسعود فانه كان معي. (الحديث)(٤٩١) .

وعن الشعبي: ان عمر فقد رجلا من أصحابه، فقال لابن عوف: انطلق بنا إلى منزل فلان فننظر فأتيا منزله فوجدا بابه مفتوحا وهو جالس وامرأته تصب له في الإناء فتناوله أياه، فقال عمر لابن عوف: هذا الذي شغله عنا، فقال ابن عوف لعمر: وما يدريك ما في الإناء ؟. فقال عمر: أتخاف ان يكون هذا تجسسا ؟ قال: بل هو التجسس. قال: وما التوبة من هذا ؟. قال: لا تعلمه بما اطلعت عليه من أمره !. (الحديث)(٤٩٢) .

وعن المسور بن مخرمة، عن عبدالرحمن بن عوف: انه حرس المدينة مع عمر بن الخطاب ليلة فبينا هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه فلما دنوا منه فإذا باب مجاف - مغلق - على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فأخذ عمر بيد عبدالرحمن بن عوف فقال له: هذا بيت ربيعة بن أمية، وهم الآن يشربون الخمر فما ترى ؟. قال أرى انا قد أتينا ما نهى الله عنه إذ تجسسنا، فانصرف عنهم عمر وتركهم !(٤٩٣) .

____________________

(٤٩١) أخرجه أبو الشيخ في كتاب القطع والسرقة، ونقله صاحب كنز العمال في ص ١٤١ من جزئه الثاني وهو الحديث ٣٣٥٤ (منه قدس).

(٤٩٢) أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر وهو الحديث ٣٦٩٤ في ج ٢ من الكنز (منه قدس).

(٤٩٣) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد والخرائطي في مكارم الأخلاق وهو الحديث ٣٦٩٣ من أحاديث الكنز في الجزء المتقدم ذكره. وأخرجه الحاكم أيضا وصححه في باب النهى عن التجسس من كتاب الحدود صفحة ٣٧٧ من الجزء الرابع من المستدرك =>

٣٦٧

وعن طاووس: ان عمر خرج ليلة فمر ببيت فين ناس يشربون فناداهم أفسقا ؟ أفسقا ؟ فقال بعضهم: قد نهاك الله عن هذا، فرجع عمر وتركهم !(٤٩٤) .

وعن أبي قلابة: ان عمر حدث ان أبا محجن الثقفي يشرب الخمر في بيته هو وأصحابه فانطلق عمر حتى دخل عليه، فقال أبو محجن: يا أمير المؤمنين ان هذا لا يحل لك قد نهاك الله عن التجسس، أفسأل عمر زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن الأرقم فقالا: صدق يا أمير المؤمنين فخرج عمر وتركه !(٤٩٥)

قلت: من تتبع ما جاء من الأخبار حول تجسسه رأى من نشاطه في سياسته وعزائمه المبذولة في سبيلها ما هو ماثل بأجلى المظاهر(٤٩٦) .

وكأنه (رض) كان يرى أن الحدود الشرعية تدرأ بخطأ الحاكم في طريق اثباتها، ولذلك لم يقم على واحد من هؤلاء المجرمين حدا، بل لم يؤذ منهم أحدا، وما ندري كيف رضي أن لا يكون لتجسسه أثر، إلا تمرد المجرمين في إجرامهم، بعد أن رأو هذا التسامح من أمامهم ؟ !.

____________________

=> أورده الذهبي في تلخيصه مصرحا بصحته (منه قدس). الغدير للأميني ج ٦ / ١٢٢، سنن البيهقي ج ٨ / ٣٣٤، الإصابة ج ١ / ٥٣١، الدر المنثور ج ٦ / ٩٣، السيرة الحلبية ج ٣ / ٢٩٣، الفتوحات الإسلامية ج ٢ / ٤٧٦.

(٤٩٤) (٤٩٥) هذا الحديث وحديث طاووس موجودان في ج ٢ / ١٤١ من كنز العمال (منه قدس). مجمع البيان ج ٩ / ١٣٥.

(٤٩٦) الغدير للأميني ج ٦ / ١٢١، مجمع البيان ج ٩ / ١٣٥ (*).

٣٦٨

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٤٩: -

[ المورد - (٥٣) - تشريع حد لمهور النساء ]

يجب في المهر أن يكون مما يملكه المسلم، عينا كان أم دينا، أم منفعة، وتقديره راجع إلى الزوجين فيما يتراضيان عليه، كثيرا كان أم قليلا، ما لم يخرج بسبب القلة عن المالية كحبة من طعام مثلا، نعم يستحب في جانب الكثرة أن لا يزيد على مهر السنة وهو خمسمائة درهم(٤٩٧) .

وكان عمر (رض) عزم على النهي عن الغلو في مهور النساء، تسهيلا لأمر التناكح الذي به التناسل، وبه صون الاحداث عن الحرام وأن من تزوج أحرز ثلثي دينه(٤٩٨)

فقام في بعض أيامه خطيبا في هذا المعنى، فكان مما قاله في خطابه: لا يبلغني ان امرأة تجاوز صداقها صداق زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الا أرجعت ذلك منها. فقامت إليه امرأة فقالت: والله ما جعل الله ذلك لك، انه يقول:( وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ) (٤٩٩) فعدل عن حكمه قائلا: الا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت ؟ ! ناضلت إمامكم فنضلته(٥٠٠) .

وفي رواية(١) انه قال: كل أحد أعلم من عمر، تسمعونني أقول مثل

____________________

(٤٩٧) الوسائل باب - ٢ - من أبواب المهور ح ١، جواهر الكلام ج ٣١ / ٣ و ١٤ و ١٥، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ / ١٦١ ط بيروت.

(٤٩٨) مستدرك الوسائل ك النكاح باب - ١ - من أبواب مقدمات النكاح ح ٢ و ٣، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج ٥ / ٨٦.

(٤٩٩) سورة النساء آية: ٢٠.

(٥٠٠) رواه بهذه الألفاظ كثير من حفظة السنن وسدنة الآثار، وأرسله ابن أبى الحديد في أحوال عمر ص ٩٦ من المجلد الثالث من شرح النهج - إرسال المسلمات (منه قدس). وراجع: الغدير للأميني ج ٦ / ٩٨، وشرح النهج الحديدي ج ١ / ٦١ وج ٣ / ٩٦ ط ١.

(١) ذكرها الزمخشري في تفسير: وآتيتم إحداهن قنطارا من سورة النساء في كشافه (منه قدس) (*).

٣٦٩

هذا القول فلا تنكرونه علي حتى ترد علي امرأة ليست أعلم من نسائكم ؟ !(٥٠١) .

وفي رواية أخرى(١) فقامت امرأة فقالت: يابن الخطاب الله يعطينا وأنت تمنع وتلت هذه الآية، فقال عمر: كل الناس أفقه من عمر ورجع عن حكمه(٥٠٢) .

قلت: استدلوا بهذه الواقعة وأمثالها على إنصافه واعترافه، وكم له من قضايا مع الخاصة والعامة من رجال ونساء تمثل له الإنصاف والاعتراف و كان إذا أعجبه القول أو الفعل يستفزه العجب، وربما ظهر عليه الطرب.

كما اتفق له مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سئل عن أشياء كرهها، فيما أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري إذ قال: سئل النبي عن أشياء كرهها لكونها

____________________

(٥٠١) الغدير للأميني ج ٦ / ٩٧، الكشاف للزمخشري ج ١ / ٣٥٧ وفى طبع آخر ج ١ / ٥١٤، شرح صحيح البخاري للقسطلاني ج ٨ / ٥٧.

(١) ذكرها الرازي في تفسير الآية آخر ص ١٧٥ من الجزء الثالث من تفسيره الكبير، وله ثمة عثرة لليدين وللفم، إذ قال: وعندي ان الآية لا دلالة فيها على جواز المنالاة. إلى آخر كلامه الملتوي عن الفهم الذي أراد به تخطثه المرأة دفاعا عن عمر وقد زاد في طينته بلة من حيث لا يدرى، فليراجع الباحثون كلامه ليعجبوا من أسفافه، وفى ص ١٥٠ من تاريخ عمر بن الخطاب لأبي الفرج ابن الجوزي حديث عن عبدالله ابن مصعب وآخر عن ابن الاجدع يتضمنان خطاب عمر في نهيه عن الغلو في مهور النساء ورد المرأة عليه بما ألزمه بالرجوع عما نهى عنه معترفا بخطأه وصواب المرأة (منه قدس).

(٥٠٢) الغدير للأميني ج ٦ / ٩٨، تفسير القرطبي ج ٥ / ٩٩، تفسير النيسابوري ج ١، تفسير الخازن ج ١ / ٣٥٣، الفتوحات الإسلامية ج ٢ / ٤٧٧ وزاد فيه: حتى النساء. وهناك روايات أخرى من أراد الاطلاع عليها مع مصادرها فاليراجعها في الغدير ج ٦ / ٩٥ وما بعدها. (*)

٣٧٠

مما لا يعنى العقلاء بها، ولا هي مما بعث الأنبياء لبيانها، فلما أكثروا عليه غضب لتعنتهم في السؤال، وتكلمهم فيما لا حاجة لهم به، ثم قال للناس. سلوني، كأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله رآهم فشلوا أو خجلوا حيث أغضبوه فتبسط لهم بقوله: سلوني، رأفة بهم ورحمة، فقال رجل هو عبدالله بن حذافة: من أبي يا رسول الله ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أبوك حذافة، فقام آخر وهو سعد بن سالم فقال: من أبي يا رسول الله ؟. فقال: أبوك سالم مولى أبي شيبة.

وكان سبب هذا السؤال منهما طعن الناس في نسبيهما، فلما رأى عمر ما في وجه رسول الله من الغضب قال: يا رسول الله انا نتوب إلى الله عزوجل مما يوجب غضبك اه‍. وسره من رسول الله الحاق عبدالله بحذافة، والحاق سعد بسالم تصديقا لاميهما في نسبيهما.

وفي صحيح البخاري أيضا عن أنس بن مالك ان عبدالله بن حذافة سأل رسول الله فقال له: من أبي ؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أبوك حذافة.

وفي صحيح مسلم: انه كان يدعى لغير أبيه، فلما سمعت أمه سؤاله هذا، قالت: ما سمعت بابن أعق منك أأمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس. فبرك عندها عمر على ركبتيه أمام رسول الله فقال معجبا بتصديق النبي لام عبدالله ابن حذافة في نسبه: رضينا بالله ربا، وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا.(٥٠٣)

قالها طربا بسترهصلى‌الله‌عليه‌وآله على كثير من الأمهات المفارقات في الجاهلية وقد جب الإسلام ما قبله.

____________________

(٥٠٣) تجد هذا الحديث في باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث، وتجد قبله حديث أبى موسى في أواخر كتاب العلم صفحة ١٩ من الجزء الأول من صحيح البخاري (منه قدس). صحيح مسلم. (*)

٣٧١

[ المورد - (٥٤) - استبدال الحد الشرعي بأمر آخر يختاره الحاكم ]

وذلك ان غلمة الحاطب بن بلتعة، اشتركوا في سرقة ناقة لرجل من مرينة فجي بهم إلى عمر فأقروا، فأمر عمر كثير بن الصلت ان يقطع أيديهم، فلما ولي بهم ردهم عمر إليه ثم استدعى ابن مولاهم وهو عبدالرحمن بن حاطب فقال له: أما والله لولا انكم تستعملونهم وتجيعونهم لقطعت أيديهم. وأيم الله إذ لم أفعل، لاغرمتك غرامة توجعك إلى آخر ما كان من هذه الواقعة فلتراجع في ص ٣٢ والتي بعدها من الجزء الثالث من أعلام الموقعين.

ونقلها عنه العلامة المعاصر أحمد أمين في ص ٢٨٧ من (فجر الإسلام). وأشار إليها ابن حجر العسقلاني في ترجمة عبدالرحمن بن حاطب، حيث أورده في القسم الثاني من الإصابة فقال: وله قضية مع عمر(٥٠٤) .

قلت: لعل ما فعله عمر من درء الحد عن هؤلاء الغلمة وجها، وذلك حيث لا تكون السرقة الا عن مخمصة اضطرتهم إليها بقيا على رمقهم ليكونوا ممن عناهم الله عزوجل بقوله:( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (٥٠٥) .

لكنهم أقروا بالسرقة فثبتت عليهم ولم يدعوا الضرورة الملجئة إليها، ولو فرض انهم ادعوها، لكان على الحاكم ان يطالبهم بما يثبتها، لكنا لم نر منه سوى أنه وسعهم باشفاقه مشتدا على ابن حاطب، وما ندري من أين علم انهم كانوا يجيعونهم هذا الجوع ؟.

____________________

(٥٠٤) وقريب من هذا ما وقع منه مع المغيرة بن شعبة وذلك لما زنى المغيرة بام جميل فدرأ عنه الحد. راجع تفصيل القضية في كتاب الغدير ج ٦ / ١٣٧ - ١٤٤.

(٥٠٥) سورة البقرة آية: ١٧٣ (*).

٣٧٢

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٥٣: -

[ المورد - (٥٥) - اخذ الدية حيث لم تشرع ]

وذلك ان أبا خراش الهذلي الصحابي الشاعر، أتاه نفر من أهل اليمن قدموا عليه حجاجا، فأخذ قربته وسعى نحو الماء تحت الليل حتى استقى لهم ثم أقبل صادرا فنهشته حية قبل ان يصل إليهم، فأقبل مسرعا حتى أعطاهم الماء وقال: اطبخوا شاتكم وكلوا. ولم يعلمهم ما أصابه، فباتوا على شأنهم يأكلون حتى أصبحوا، وأصبح أبوخراش وهو في الموتى، فلم يبرحوا حتى دفنوه وقال وهو يموت في شعر له :

لقد أهلكت حية بطن واد

على الاخوان ساقا ذات فضل

فما تركت عدوا بين بصرى

إلى صنعاء يطلبه بذحل

فبلغ خبره عمر بن الخطاب فغضب غضبا شديدا وقال: لولا ان تكون سنة لأمرت ان لا يضاف يماني أبدا، ولكتبت بذلك إلى الافاق. ثم كتب إلى عامله باليمن ان يأخذ النفر الذين نزلوا على أبي خراش الهذلي فيلزمهم ديته ويؤذيهم بعد ذاك بعقوبة يمسهم بها جزاء لفعلهم ! ؟(٥٠٦) .

[ المورد -(٥٦) - اقامة حد الزنى حيث لم يثبت مقتضيه ]

وذلك فيما أخرجه ابن سعد في أحوال عمر ص ٢٠٥ من الجزء الثالث

____________________

(٥٠٦) هذه القضية أوردها ابن عبد البر في أحوال أبى خراش الهذلى من كتابه الاستيعاب وأورده الدميري في حياة الحيوان بمادة حية (منه قدس)

٣٧٣

من طبقاته(١) بسند معتبر، أن بريدا قدم على عمر فنثر كنانته، فبدرت صحيفة فأخذها فقرأها فإذا فيها :

ألا أبلغ أبا حفص رسولا

فدا لك من أخي ثقة ازاري

قلائصنا هداك الله انا

شغلنا عنكم زمن الحصار

فما قلص وجدن معقلات

قفا سلع بمختلف البحار

قلائص من بني سعد بن بكر

وأسلم أو جهينة أو غفار

يعقلهن جعدة من سليم

معيدا يبتغي سقط العذار

فقال: ادعوا لي جعدة من سليم. [ قال ] فدعوا به فجلده مائة معقولا ونهاه ان يدخل على امرأة مغيبة. انتهى بلفظ ابن سعد(٥٠٧) .

قلت: لا وجه لإقامة الحد هنا بمجرد هذه الأبيات، إذ لم يعرف قائلها ولا مرسلها، على انها لا تتضمن سوى استعداء الخليفة على جعدة بدعوى انه تجاوز الحد مع فتيات من بني سعد ابن بكر، وسلم، وجهينة، وغفار، فكان يعبث بهن فيعقلهن كما تعقل القلص، يبتغي بذلك سقط عذارهن، أي سقط الحياء والحشمة، هذا كل ما في الأبيات مما نسب إلى جعدة. وهو لو ثبت شرعا لا يوجب بمجرده إقامة الحد، نعم يوجب تربيته وتعزيره.

ولعل ما فعله الخليفة انما كان من هذا الباب. وشتان ما كان منه هنا، وما كان منه مع المغيرة بن شعبة مما ستسمعه قريبا ان شاء الله.

[ المورد - (٥٧) - درؤه الحد عن المغيرة بن شعبة ]

وذلك حيث فعل المغيرة (مع الإحصان) ما فعل مع أم جميل بنت عمرو

____________________

(١) وأخرجه ابن عساكر في تاريخه، وذكر جلده ونفيه إلى عمان (منه قدس).

(٥٠٧) الطبقات الكبرى ج ٢ / ٢٨٥ ط دار صادر. (*)

٣٧٤

امرأة من قيس في قضية هي من أشهر الوقائع التاريخية في العرب، كانت سنة ١٧ للهجرة لا يخلو منها كتاب يشتمل على حوادث تلك السنة، وقد شهد عليه بذلك كل من أبي بكرة - وهو معدود في فضلاء الصحابة وحملة الآثار النبوية - ونافع بن الحارث - وهو صحابي أيضا - وشبل بن معبد، وكانت شهادة هؤلاء الثلاثة صريحة فصيحة بأنهم رأوه يولجه فيها ايلاج الميل في المكحلة لا يكنون ولا يحتشمون، ولما جاء الرابع - وهو زياد بن سمية - ليشهد، أفهمه الخليفة رغبته في ان لا يخزي المغيرة، ثم سأله عما رآه فقال: رأيت مجلسا وسمعت نفسا حثيثا وانتهازا، ورأيته مستبطنها. فقال عمر: أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة ؟. فقال لا لكن رأيته رافعا رجليها فرأيت خصيتيه تتردد إلى ما بين فخذيها، ورأيت حفزا شديدا، وسمعت نفسا عاليا. فقال عمر: رأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة ؟. فقال: لا. فقال عمر: الله أكبر قم يا مغيرة إليهم فاضربهم. فقام يقيم الحدود على الثلاثة.

واليكم تفصيل هذه الواقعة بلفظ القاضي أحمد الشهير بابن خلكان في كتابه - وفيات الأعيان - إذ قال ما هذا لفظه: وأما حديث المغيرة بن شعبة والشهادة عليه، فان عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه كان قد رتب المغيرة أميرا على البصرة، وكان يخرج من دار الإمارة نصف النهار، وكان أبو بكرة يلقاه فيقول: أين يذهب الامير ؟. فيقول: في حاجة. فيقول: ان الأمير يزار ولا يزور.

[ قال ]: وكان يذهب إلى امرأة يقال لها أم جميل بنت عمرو وزوجها الحجاج بن عتيك بن الحارث بن وهب الجشمي، ثم ذكر نسبها، ثم روى عن أبا بكرة بينما هو في غرفته مع اخوته، وهم نافع، وزياد، وشبل بن معبد أولاد سمية فهم اخوة لام، وكانت أم جميل المذكورة في غرفة أخرى قبالة هذه الغرفة فضرب الريح

٣٧٥

باب غرفة أم جميل ففتحه ونظر القوم فإذا هم بالمغيرة مع المرأة على هيئة الجماع، فقال أبو بكرة: بلية قد ابتليتم بها فانظروا فنظروا حتى أثبتوا فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة فقال له: ان كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا.

(قال) وذهب المغيرة ليصلي بالناس الظهر ومضى أبو بكرة. فقال أبو بكرة: لا والله لا تصل بنا وقد فعلت ما فعلت. فقال الناس: دعوه فليصل فانه الأمير واكتبوا بذلك إلى عمررضي‌الله‌عنه ، فكتبوا إليه فأمرهم ان يقدموا عليه جميعا، المغيرة والشهود، فلما قدموا عليه جلس عمررضي‌الله‌عنه ، فدعا بالشهود والمغيرة، فتقدم أبو بكرة فقال له: رأيته بين فخذيها ؟ قال: نعم والله لكأني انظر إلى تشريم جدري بفخذيها، فقال له المغيرة ألطف النظر ؟

فقال أبو بكرة: لم آل ان اثبت ما يخزيك الله به.

فقال عمررضي‌الله‌عنه : لا والله حتى تشهد لقد رأيته يلج فيه ايلاج المرود في المكحلة.

فقال: نعم أشهد على ذلك.

فقال: اذهب مغيرة ذهب ربعك. ثم دعا نافعا فقال له: على م تشهد ؟

قال على مثل ما شهد أبو بكرة.

قال: لا حتى تشهد انه ولج فيها ولوج الميل في المكحلة.

قال: نعم حتى بلغ قذذة

فقال له عمررضي‌الله‌عنه : اذهب مغيرة قد ذهب نصفك.

ثم دعا الثالث فقال له: على م تشهد ؟

فقال: على مثل شهادة صاحبي فقال له عمر اذهب مغيرة فقد ذهب ثلاثة أرباعك.

ثم كتب إلى زياد وكان غائبا وقدم فلما رآه جلس له في المسجد واجتمع عنده رؤس المهاجرين والأنصار، فلما رآه مقبلا قال: الي أرى رجلا لا يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين، ثم ان عمررضي‌الله‌عنه رفع رأسه إليه فقال ما عندك يا سلح الحبارى ؟ فقيل ان المغيرة قام إلى زياد. فقال: لا مخبأ لعطر بعد عروس.

٣٧٦

فقال له المغيرة: يا زياد اذكر الله تعالى واذكر موقف يوم القيامة فان الله تعالى وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي الا ان تتجاوز إلى ما لم تر مما رأيت فلا يحملنك سوء منظر رأيته على أن تتجاوز إلى ما لم تر فوالله لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أن يسلك ذكري فيها.

قال: فدمعت عينا زياد واحمر وجهه وقال: يا أمير المؤمنين أما ان أحق ما حقق القوم فليس عندي، ولكن رأيت مجلسا وسمعت نفسا حيثيا وانتهازا ورأيته مستبطنها.

فقال له عمررضي‌الله‌عنه : رأيته يدخله ويولجه كالميل في المكحلة

فقال: لا.

وقيل قال زياد: رأيته رافعا رجليها فرأيت خصيتيه تردد ما بين فخذيها ورأيت حفزا شديدا وسمعت نفسا عاليا.

فقال عمررضي‌الله‌عنه . رأيته يدخله ويولجه كالميل في المكحلة.

فقال لا، فقال عمر: الله اكبر قم يا مغيرة إليهم فاضربهم فقال إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين، وأعجبه قول زياد ودرأ الحد عن المغيرة.

فقال أبو بكرة بعد أن ضرب: أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا.

فهم عمر ان يضربه حدا ثانيا، فقال له على بن أبي طالب: ان ضربته فارجم صاحبك فتركه واستناب عمر أبا بكرة فقال: انما تستتبني لتقبل شهادتي. فقال: أجل. فقال: لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا، فلما ضربوا الحد قال المغيرة: الله أكبر الحمد لله الذي أخزاكم. فقال عمررضي‌الله‌عنه : اخزى الله مكانا رأوك فيه.

(قال) وذكر عمر بن شيبة في كتاب أخبار البصرة ان أبا بكرة لما جلد أمرت أمه بشاة فذبحت وجعل جلدها على ظهره. فكان يقال: ما كان ذاك الا من ضرب شديد.

(قال) وحكى عبدالرحمن بن أبي بكرة: ان أباه حلف لا يكلم زيادا ما

٣٧٧

عاش، فلما مات أبو بكرة كان قد أوصى ان لا يصلى عليه الا أبوبرزة الاسلمي وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بينهما، وبلغ ذلك زيادا فخرج إلى الكوفة، وحفظ المغيرة بن شعبة ذلك لزياد وشكره. ثم ان أم جميل وافت عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه بالموسم والمغيرة هناك، فقال له عمر: أتعرف هذه المرأة يا مغيرة ؟ فقال: نعم هذه أم كلثوم بنت على. فقال عمر: أتتجاهل علي والله ما أظن أبا بكرة كذب فيما شهد عليك، وما رايتك الا خفت أن أرمي بحجارة من السماء.

(قال) ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في أول باب عدد الشهور في كتابه المهذب: وشهد على المغيرة ثلاثة أبو بكرة، ونافع، وشبل بن معبد.

(قال) وقال زياد: رأيت استأ تنبو ونفسا يعلو ورجلين كأنهما اذنا حمار ولا أدري ما وراء ذلك فجلد عمر الثلاثة ولم يحد المغيرة.

(قال) قلت: وقد تكلم الفقهاء على قول عليرضي‌الله‌عنه لعمر: ان ضربته فارجم صاحبك. فقال أبو نصر بن الصباغ: يريد ان هذا القول ان كان شهادة أخرى فقد تم العدد، وان كان هو الأولى فقد جلدته عليه والله أعلم. انتهت هذه المأساة وما إليها بلفظ القاضي ابن خلكان عينا فراجعه في ترجمة يزيد بن زياد الحميري من الجزء الثاني من وفيات الأعيان المنتشرة(٥٠٨) .

وأخرج الحاكم هذه القضية في ترجمة المغيرة ص ٤٤٩ والتي بعدها من الجزء الثالث من صحيحه المستدرك، وأوردها الذهبي في تلخيص المستدرك أيضا، وأشار إليها مترجمو كل من المغيرة، وأبي بكرة، ونافع، وشبل بن

____________________

(٥٠٨) وفيات الأعيان ج ٢ / ٤٥٥ (*).

٣٧٨

معبد، ومن أرخ حوادث سنة ١٧ للهجرة من أهل الأخبار(٥٠٩) .

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٥٩: -

[ المورد - (٥٨) - تشدده على جبلة بن الايهم ]

وذلك انه وفد عليه في خمسمائة من فرسان عك وجفنة، تخب بهم مطهماتهم العربية، وعليهم الوشي المنسوج بالذهب والفضة، وفي - مقدمتهم جبلة وعلى رأسه تاجه وفيه قرط جدته مارية فاسلموا جميعا، وفرح المسلمون بهم وبمن وراءهم من أتباعهم فرحا شديدا، وحضر جبلة بأصحابه الموسم من عامهم ذاك مع الخليفة، فبينا جبلة يطوف بالبيت إذ وطأ ازاره رجل من فزارة فحله فلطمه جبلة، فاستعدى الفزاري عمر، فأمر عمر جبلة أن يقيده من نفسه أو يرضيه، وضيق عليه في ذلك حتى بلغ اليأس، فلما جنه الليل خرج بأصحابه فأتوا القسطنطينية فتنصروا جميعا مرغمين، وقد نالهم ثمة من الخطوة بهرقل ومن العز والابهة فوق ما يتمنون(٥١٠) وكان جبلة مع هذا كله يبكي أسفا على ما فاته من دين الإسلام.

وهو القائل :

____________________

(٥٠٩) الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني ج ١٤ / ١٤٦، الغدير للأميني ج ٦ / ١٣٧ - ١٤٤ و ٢٧٤، فتوح البلدان للبلاذري ص ٣٥٢، تاريخ الطبري ج ٤ / ٢٠٧، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ٣٧٨، البداية والنهاية لابن كثير ج ٧ / ٨١، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٣ / ١٦١ ط ١ وج ١٢ / ٢٣١ - ٢٣٩ ط بتحقيق أبو الفضل، عمدة القاري ج ٦ / ٢٤٠، سنن البيهقي ج ٨ / ٢٣٥.

(٥١٠) كما فصله ابن عبد ربه الأندلسي حيث ذكر وفود جبلة على عمر في كتابه - الجمانة - في الوفود صفحة ١٨٧ من الجزء الأول من عقده الفريد. وتجد أيضا في صفحة ٦٢ من الجزء الأول من كتاب الدروس العربية للمدارس الثانوية المطبوع في مطبعة الكشاف ببيروت نقلا عن الأغاني لأبي الفرج الاصفهانى (منه قدس). وكذلك تغريبه: ربيعة بن أمية بن خلف إلى خيبر ثم دخل أرض الروم وارتد. راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ / ٢٨٢ (*).

٣٧٩

تنصرت الاشراف من أجل لطمة

وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

تكنفني منها لجاج ونخوة

وبعت لها العين الصحيحة بالعور

فياليت أمي لم تلدني وليتني

رجعت إلى القوم الذي قال لي عمر

ويا ليتني ارعى المخاض بقفرة

وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر

قلت: ليت الخليفة لم يحرج هذا الأمير العربي وقومه ولو ببذل كل ما لديه من الوسائل إلى رضا الفزاري من حيث لا يدري ذلك الأمير أو من حيث يدري، وهيهات أن يفعل عمر ذلك. انه أراد أن يقود جبلة في أول بادرة تبدر منه ببرة(١) الصغار، فيجدع أنف عزه، وهذه سيرته مع كل عزيزي الجانب منيعي الحوزة كما يعلمه متتبعو سيرته من أولي الألباب.

وقد مر عليك تشدده على خالد وهو من أخواله. وشتان بين يوميه، يومه مع صاحبه المغيرة إذ درأ عنه حد الزنى محصنا كما سمعته آنفا، ويومه مع خالد إذ أصر على رجمه ولولا أبو بكر لرجم، كما سمعته أيضا، فان قوة شكيمة خالد واعتداده بنفسه أوجبا شدة وطأة عمر عليه، كما ان شمم جبلة وعزة نفسه أوجبا ذلك عليه أيضا، بخلاف المغيرة فانه كان - مع دهائه ومكره وحيله - أطوع لعمر من ظله، وأذل من نعله، ولذلك استبقاه مع فجوره.

وكانت سياسته تقتضي إرهاب الرعية بالتشدد على من كان عزيزا كجبلة وخالد، وربما أرهبهم بالوقيعة بذوي رحمه كما فعله بابنه أبي شحمة وبأم فروة أخت أبي بكر وبمن لا فائدة له به ممن لا يكون في عير السياسة ولا في نفيرها، كما فعله بجعدة السلمي، وضبيع التميمي، ونصر بن حجاج، وابن

____________________

(١) البرة حلقة من صفر أو نحوه توضع في أنف الجمل الشرود، فيربط بها حبل يقاد به ذلك الجمل (منه قدس) (*).

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629